احصائيات

الردود
9

المشاهدات
4077
 
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6


ناريمان الشريف will become famous soon enoughناريمان الشريف will become famous soon enough

    غير موجود

المشاركات
25,777

+التقييم
4.68

تاريخ التسجيل
Feb 2009

الاقامة

رقم العضوية
6405
07-30-2011, 04:29 PM
المشاركة 1
07-30-2011, 04:29 PM
المشاركة 1
افتراضي إقرأ واستمتع ( الحيـوان..... للجاحظ )
الجزء الأول
خطبة الكتاب

بِسم اللَّه الرَّحمن الرحيم
وبه ثقتي
جَنَّبَك اللّهُ الشُّبْهةَ، وَعصَمك من الحَيرة، وجَعلَ بينك وبين المعرفة نسباً، وبين الصدق سَبَباً، وحبَّب إليك التثبُّت، وزيَّن في عينك الإنصاف، وأذاقك حلاوة التقوى، وأشعرَ قلبكِ عِزَّ الحقّ، وأودَعَ صدرَك بَرْدَ اليقين وطرد عنك ذلَّ اليأس، وعرَّفك ما في الباطل من الذلَّة، وما في الجهل من القِلَّة، ولعمري لقد كان غيرُ هذا الدعاء أصوبَ في أمرك، وأدلَّ عَلَى مقدارِ وزنك، وعلى الحال التي وضعْتَ نفسك فيها، ووسَمْت عرضَك بها، ورضيتها لدينِك حظًّا، ولمروءتك شِكلاً، فقد انتهى إليَّ مَيلُكَ على أبي إسحاق، وحَملُك عليه، وطعنُك على مَعْبَدٍ، وتنقّصك له في الذي كان جَرَى بينَهما في مساوي الديكِ ومحاسِنِه، وفي ذكرِ منافع الكلب ومضارِّه، والذي خرجَا إليه من استقصاءِ ذلك وجمْعِه، ومن تتبُّعِه ونظمِه، ومن الموازَنَة بينَهما، والْحُكم فيهما، ثم عبتَني بكتاب حيل اللصوص، وكتاب غِشّ الصناعات، وعبتَني بكتاب المُلَح والطُّرَف، وما حَرَّ من النوادر وبَرُد، وما عاد بارده حارًّا لفَرْط برده حتى أمتَعَ بأكثر من إمتاع الحارّ، وعبتني بكتاب احتجاجات البخلاء، ومناقضَتِهم للسُّمَحاء، والقولِ في الفرق بين الصدق إذا كان ضارّاً في العاجل، والكذب إذا كان نافعاً في الآجِل، ولِمَ جُعل الصدقُ أبداً محموداً، والكذبُ أبداً مذموماً، والفرق بين الغَيرة وإضاعة الحُرْمة، وبين الإفراط في الحميّة والأنَفَة، وبين التقصير في حفظ حقِّ الحرمة، وقلَّة الاكتراثِ لِسوء القالَة، وهل الغيرة اكتساب وعادة، أم بعض ما يعرض من جهة الديانة، ولبعض التزيُّد فيه والتحسن به، أو يكون ذلك في طباع الحريّة، وحقيقة الجوهريَّة، ما كانت العقولُ سليمة، والآفات منفيَّة والأخلاطُ معتدلة، وعبتَني بكتاب الصُّرَحاء والهُجَناء، ومفاخرة السُّودان والحمران، وموازنة ما بين حقِّ الجئولة والعمومة، وعبتَني بكتاب الزرع والنخل والزيتون والأعناب، وأقسام فضول الصناعات، ومراتب التجارات؛ وبكتاب فضل ما بين الرجال والنساء، وفرقِ ما بين الذكور والإناث، وفي أيِّ موضع يَغلبن ويفضُلْن، وفي أي موضع يكنَّ المغلوباتِ والمفضولات، ونصيب أيِّهما في الولد أوفَر، وفي أيِّ موضع يكون حقُّهنّ أوجب، وأيَّ عملٍ هو بهنَّ أليق، وأيّ صناعةٍ هنَّ فيها أبلغ




يتبع ......


قديم 07-30-2011, 04:30 PM
المشاركة 2
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
وعبتَني بكتاب القحطانيَّة وكتاب العدنانيَّة في الردّ على القحطانية، وزعمتَ أنّي تجاوزتُ الحميَّة إلى حدِّ العصبيَّة، وأنِّي لم أصل إلى تفضيل العدنانيَّة إلا بِتنقُّص القحطانيّة، وعبتَني بكتاب العرب والموالي، وزعمت أنِّي بَخَسْت المواليَ حقوقَهم، كما أنِّي أعطيتُ العربَ ما ليس لهم، وعبتَني بكتاب العرب والعجم، وزعمت أنّ القولَ في فرقِ ما بين العرب والعجم، هو القولُ في فرقِ ما بين الموالي والعرب، ونسبتَني إلى التكرار والترداد، وإلى التكثير، والجهل بما في المُعَاد من الخَطَل، وحَمْلِ الناسِ المؤن، وعبتَني بكتاب الأصنام، وبذكر اعتلالات الهند لها، وسبب عبادة العرب إيّاها، وكيف اختلفا في جهة العِلَّة مع اتّفاقهما على جملة الديانة، وكيف صار عُبَّاد البِدَدَة والمتمسكون بعبادة الأوثان المنحوتة، والأصنام المنجورة، أشدَّ الديّانين إلْفاً لما دانوا به، وشغفاً بِمَا تعبَّدوا له، وأظهَرَهم جِدّاً، وأشدَّهم على من خالفهم ضِغناً، وبما دانو ضِنّاً، وما الفرق بين البُدِّ والوثَن، وما الفَرق بين الوثَن والصنم، وما الفرق بين الدُّمية والجثَّة، ولِمَ صوَّروا في محاريبهم وبيوت عباداتهم، صُوَرَ عظمائهم ورجالِ دعوتهم، ولم تأنَّقوا في التصوير، وتجوَّدوا في إقامة التركيب، وبالغوا في التحسين والتفخيم، وكيف كانت أوَّليَّة تلك العبادات، وكيف اقترفت تلك النِّحل، ومن أيّ شكل كانت خُدَع تلك السدنة، وكيف لم يزالوا أكثرَ الأصنافِ عدداً، وكيف شمل ذلك المذهب الأجناسَ المختلفة، وعبتني بكتاب المعادن، والقولِ في جواهرِ الأرض، وفي اختلاف أجناس الفِلِزِّ والإخبار عن ذائبها وجامدها، ومخلوقها ومصنوعها، وكيف يسرع الانقلاب إلى بعضها، ويُبطئ عن بعضها، وكيف صار بعض الألوان يَصبُغ ولا ينصبغ، وبعضها يَنْصبِغُ ولا يصْبَغُ، وبعضها يصبغُ وينصبغ، وما القولُ في الإكسير والتلطيف، وعبتَني بكتاب فرق ما بين هاشمٍ وعبد شمس، وكتاب فرق ما بين الجنّ والإنس، وفرق ما بين الملائكة والجنّ، وكيف القولُ في معرفة الهدهد واستطاعة العفريت، وفي الذي كان عنده عِلْمٌ من الكتاب، وما ذلك العلم، وما تأويل قولهم: كان عنده اسم اللّه الأعظم، وعبتني بكتاب الأوفاق والرياضات، وما القولُ في الأرزاق والإنفاقات وكيف أسباب التثمير والترقيح، وكيفَ يجتلب التجار الحُرَفاء، وكيف الاحتيال للودائع، وكيف التسبُّب إلى الوصايا، وما الذي يوجب لهم حسن التعديل، ويصرف إليهم باب حسن الظن، وكيف ذكرنا غشَّ الصناعات والتجارات، وكيف التسبُّب إلى تعرف ما قد ستروا وكشف ما موَّهوا؛ وكيف الاحتراس منه والسلامة من أهله، وعبتني برسائلي، وبكلّ ما كتبت به إلى إخواني وخُلَطائي، من مَزْح وجِدٍّ، ومن إفصاح وتعريض، ومن تغافُل وتوقيف، ومن هجاء لا يزال مِيسَمه باقياً، ومديح لا يزال أثرُه نامياً ومن مُلَح تُضحِك، ومواعظَ تُبكي.
وعبتَني برسائلي الهاشميّات، واحتجاجي فيها، واستقصائي معانيَها، وتصويري لها في أحسَن صورة، وإظهاري لها في أتمِّ حلية، وزعمتَ أنّي قد خرجتُ بذلك من حدِّ المعتزلة إلى حد الزيديّة، ومن حدّ الاعتدال في التشيُّع والاقتصاد فيه، إلى حدِّ السرف والإفراط فيه، وزعمتَ أنّ مقالة الزيدية خطبة مقالةِ الرافضَة، وأنّ مقالة الرافضة خطبة مقالة الغاليَة، وزعمتَ أنّ في أصل القضيّة والذي جَرَتْ عليه العادة، أن كلَّ كبير فأوّلهُ صغير، وأنَّ كلَّ كثير فإنما هو قليل جُمع مِنْ قليل، وأنشدت قول الراجز:
قد يَلحَق الصغيرُ بالجليل ... وإنما القَرْمُ من الأَفِيل
وسُحُقُ النخلِ ... من الفَسيل
وأنشدت قول الشاعر:
ربّ كبير هاجَه صغيرٌ ... وفي البُحور تَغرَق البحورَُ
وقلت: وقال يزيدُ بن الحكم:
فاعلم بني فإنه ... بالعلم ينتفع العلم
إن الأمور دقيقها ... مما يهيج له العظيم
وقلتَ : وقال الآخر:
صار جداً ما مزحت به ... رب جدٍ ساقه اللعب
وأنشدت قول الآخر:
ما تنظرون بحق وردة فيكم ... تقضي الأمور
قد يبعث الأمر الكبير صغيرة ... حتى تظل له الدماء تصبب
وقالت كَبْشة بنت مَعْدِ يكَرِب:

(1/2)

قديم 07-30-2011, 04:30 PM
المشاركة 3
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
جدعتم بعبد الله آنف قومه ... بني مازن أن سب راعي المحزم
وقال الآخر:
أية نار قدح القادح ... وأي جدٍ بلغ المازح
وتقول العرب: العَصَا من العُصَيَّة، ولا تلد الحيَّةَ إلا حَيَّةٌ.
وعبتَ كتابي في خلْق القرآن، كما عبت كتابي في الردِّ على المشبّهة؛ وعِبْتَ كتابي في القول في أصول الفتيا والأحكام، كما عبتَ كتابي في الاحتجاج لنظم القرآن وغريب تأليفه وبديعِ تركيبه، وعبتَ معارضَتي للزيدِيَّة وتفضيلي الاعتزالَ على كلِّ نِحْلة، كما عبتَ كتابي في الوعد والوعيد، وكتابي على النصارى واليهود ثمَّ عبتَ جملةَ كتبي في المعرفة والتمست تهجينَها بكلِّ حيلة، وصغَّرت من شأنها، وحطَطت من قدرها، واعترضت على ناسخيها والمنتفعين بها، فعبتَ كتاب الجوابات، وكتاب المسائل، وكتابَ أصحابِ الإلهام، وكتابَ الحجَّة في تَثبيت النبوّة، وكتاب الأخبار، ثمّ عبتَ إنكاري بصيرةَ غنام المرتدِّ، وبصيرةَ كلِّ جاحد وملحد، وتفريقي بين اعتراض الغُمْر، وبين استبصار المحقّ، وعبتَ كتابَ الردِّ على الجَهْمِيّة في الإدراك، وفي قولهم في الجَهْالات، وكتاب الفرقِ ما بينَ النبيّ والمتنبي، والفرق ما بينَ الحِيَل والمخاريق، وبينَ الحقائقِ الظاهرة والأعلام الباهِرة، ثمّ قصدتَ إلى كتابي هذا بالتصغير لقدره والتهجين لنظمه، والاعتراض على لفظه، والتحقير لمعانيه، فزَرَيت على نحْتِهِ وسَبكه، كما زَرَيت على معناهُ ولفظِه، ثمّ طعنتَ في الغرض الذي إليه نزعْنا، والغاية التي إليها قَصَدنا، على أنّه كتابٌ معناه أنبَهُ من اسمِهِ، وحقيقتهُ آنَقُ من لفظه، وهو كتابٌ يحتاجُ إليه المتوسِّط العامي، كما يحتاجُ إليه العالم الخاصي، ويحتاج إليه الرَّيِّض كما يحتاج إليه الحاذق: أما الرّيض فللتعلُّم والدرْبة، وللترتيب والرياضة، وللتمرينِ وتمْكين العادة، إذْ كان جليلُه يتقدم دقيقه، وإذا كانت مقدِّماته مرتبةً وطبقاتُ معانيه منزّلة، وأما الحاذقُ فلكفايةِ المُؤنة، لأن كلَّ من التقط كتاباً جامعاً، وباباً من أمَّهات العلم مجموعاً، كان له غُنْمه، وعلى مؤلّفه غُرمُه، وكان له نفعُه، وعلى صاحِبهِ كَدُّه، معَ تعرُّضِهِ لمطاعِن البُغَاةِ، ولاعتراض المنافِسِين، ومع عرْضِهِ عقلَه المكدودَ على العقولِ الفارغة، ومعانيه على الجهابِذة، وتحكيمه فيه المتأوِّلين والحسَدَة، ومتى ظَفِر بمثله صاحبُ علم، أو هجمَ عليه طالبُ فقه، وهو وادعٌ رافِه، ونَشِيط جَامٌّ، ومؤلِّفه مُتعَبٌ مكدود، فقد كُفي مَؤُونَة جمعه وخزنِه، وطلبِه وتتبُّعِه، وأغناه ذلك عن طول التفكير، واستفادِ العمر وفلِّ الحدِّ، وأدرَك أقصى حاجتِه وهو مجتمعُ القُوَّة، وعلى أنّ له عند ذلك أن يجعَلَ هُجومه عليه من التوفيق، وظفَره به باباً من التسديد.
وهذا كتابٌ تستوي فيه رغبةُ الأُمم، وتتشابَه فيه العُرْبُ والعَجَم، لأنه وإن كانَ عَرَبيًّا أعرابياً، وإسلاميًّا جماعيًّا، فقد أخَذَ من طُرَفِ الفلسفة، وجمع بين معرفةِ السماعِ وعلْم التجرِبة، وأشرَكَ بين علمِ الكتاب والسنة، وبينَ وِجْدان الحاسَّة، وإحساس الغريزة، ويشتهيه الفتيان كما تشتهيه الشيُوخ، ويشتهيه الفاتِكُ كما يشتهيه الناسك، ويشتهيه اللاعبُ ذو اللَّهو كما يشتهيه المجدّ ذو الحَزْم، ويشتهيه الغُفْلُ كما يشتهيه الأريب، ويشتهيه الغبيُّ كما يشتهيه الفَطِن.


قديم 07-30-2011, 05:02 PM
المشاركة 4
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
وعبتَني بحكاية قولِ العثْمانِيَّة والضِّرَارية، وأنت تسمعني أقول في أوَّل كتابي: وقالت العثمانية والضراريَّة، كما سمعتَني أقول: قالت الرافضة والزيدية، فحكمتَ عليَّ بالنصْب لحكايتي قول العثمانية، فهلاَّ حكمتَ عليّ بالتشيُّع لحكايتي قول الرافضة وهلا كنتُ عندَك من الغالِية لحكايتي حجج الغالية، كما كنتُ عندك من الناصِبة لحكايتي قولَ الناصِبة وقد حكينا في كتابنا قولَ الإباضيَّة والصُّفْرية، كما حكينا قولَ الأزارقة والزيدية، وعلى هذه الأركان الأربعة بُنِيَت الخارجية، وكلُّ اسمٍ سواها فإنما هو فرعٌ ونتيجةٌ، واشتقاقٌ منها، ومحمولٌ عليها، وإلاَّ كنَّا عندَك من الخارجية، كما صرنا عندَك من الضِّرَاريَّة والناصِبَة، فكيف رضيتَ بأن تكون أسرع من الشيعة، أسرع إلى إعراض الناس من الخارجية، اللهم إلا أن تكون وجدتَ حكايتي عن العثمانيَّة والضِّراريَّة أشبعَ وأجمعَ، وأتَمَّ وأحكم، وأجود صنعة، وأبعد غاية، ورأيتني قد وهَّنت حقَّ أوليائك، بقدر ما قوَّيتُ باطل أعدائك ولو كان ذلك كذلك، لكان شاهدك من الكتاب حاضراً، وبرهانك على ما ادعيت واضحا.
وعبتَني بكتاب العباسية، فهلاَّ عبتَني بحكايِة مقالِة مَن أبى وجوبَ الإمامة، ومَنْ يرى الامتناع من طاعة الأئمة الذين زعموا أنّ تَركَ النَّاس سُدًى بلا قيِّم أردُّ عليهم، وهملاً بلا راع أربحُ لهم، وأجدَرُ أنْ يجمع لهم ذلك بين سلامَةِ العاجل، وغنيمة الآجل، وأنَّ تركَهم نَشَراً لا نظامَ لهم، أبعد من المَفاسِد، وأجمعُ لهم عَلَى المراشد بل ليس ذلك بك، ولكنَّه بهرَك ما سمعتَ، وملأَ صدرَك الذي قرأت، وأبعَلك وأبْطَرَك، فلم تتّجه للحجّة وهي لك معرضة، ولم تعرف المقاتل وهي لك بادية، ولم تَعرِف بابَ المخرج إذ جهلتَ بابَ المدخَل، ولم تعرِف المصادر إذ جهلتَ الموارد.
رأيتَ أنَّ سبَّ الأولياء أشفى لدائك، وأبلغَ في شفاء سَقَمك، ورأيتَ أن إرسالَ اللسان أحضَرُ لَذَّةً، وأبعدُ من النَّصَب، ومن إطالة الفكرة ومن الاختلاف إلى أرباب هذه الصناعة.
ولو كنتَ فطِنت لعجْزك، ووصَلْتَ نقصَك بتمامِ غيرِك، واستكفيْتَ من هو موقوفٌ على كفايةِ مثلك، وحَبيسٌ على تقويم أشباهك كان ذلك أزينَ في العاجِل، وأحقَّ بالمثُوبة في الآجل، وكنتَ إنْ أخطأَتك الغنيمةُ لم تُخْطِك السلامة، وقد سَلِم عليك المخالفُ بقدر ما ابتُلي به منكَ الموافِق، وعلى أنَّه لم يُبتَل منك إلا بقْدرِ ما ألزمَته من مُؤنةِ تثقيفك، والتشاغُلِ بتقويمك، وهل كنتُ في ذلك إلاّ كما قال العربي: هَلْ يَضُرُّ السَّحابَ نَبْاحُ الكلابِ، وإلاّ كما قال الشاعر:
هل يَضُرُّ البحرَ أمسى زَاخِراً ... أَنْ رَمَى فيهِ غُلامٌ بَحجَرَْ
وهل حالُنا في ذلك إلاّ كما قال الشاعر:
ما ضرَّ تغلِبَ وائلٍ أهجَوْتَها ... أم بُلْتَ حَيْثُ تَنَاطَحَ البَحْرَانِ
وكما قال حسَّانُ بنُ ثابت:
ما أُباِلي أنَبَّ بالحَزْنِ تَيسٌ ... أم لَحَانِي بظهْرِ غَيْبٍ لَئِيمَُ
وما أشكُّ أنَّكَ قد جعلت طول إعراضنَا عنك مَطِيَّةً لك، ووجَّهتَ حِلمَنا عنك إلى الخوف منك، وقد قال زُفَر بنُ الحارث لبعضِ مَنْ لم ير حقَّ الصفح، فجعل العفْوَ سبباً إلى سوء القول:
فإنْ عدتَ وَاللّهِ الذي فوقَ عَرْشِه ... مَنَحْتُك مسنون الغِرَارَينِ أزْرَقا
فإنّ دواءَ الجهل أن تُضْرَبَ الطُّلَى ... وأن يُغْمس العِرِّيضُ حتى يغرّقا
وقال الأوّل:
وضغَائنٍ دَاوَيتُها بضغائنٍ ... حتَّى شَفَيتُ وبالحُقُودِ حُقُودا
وقال الآخر:
وما نَفى عنك قوماً أنت خائفُهم ... كَمِثل وَقمك جُهَّالاً بجُهّالِ
فاقْعَسْ إذَا حَدِبوا واحدَبْ إذا قَعسوا ... وَوَازِنِ الشَّرَّ مثقالاً بِمثقالِ
فإنّا وإن لم يكن عندنا سِنَان زُفَرَ بنِ الحارث، ولا معارضةُ هؤلاء الشرَّ بالشرّ، والجهلَ بالجهل، والحِقد بالحِقد، فإن عندي ما قال المسعوديَُّ:
فمُسَّا تراب الأرض منه خُلقتُما ... وفيه المعادُ والمصيرُ إلى الحشر
ولا تأنفا أن تَرْجِعا فتسلِّما ... فما كسى الأفواه شَرًّا من الكِبْرِ

قديم 07-30-2011, 05:03 PM
المشاركة 5
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
فلو شئتُ أدْلى فيكما غير واحد ... علانيةً أو قالَ عندي في السِّرِّ
فإنْ أنا لم آمُرْ ولم أنْهَ عنكُما ... ضَحِكْتُ له كيما يَلجَّ ويَسْتَشْرِي
وقال النَّمِر بن تَولَب:
جزَى اللّهُ عنِّي جَمرَةَ ابنة نوفلٍ ... جَزَاءَ مُغِلٍّ بالأمانةِ كاذِب
بما خَبَّرَتْ عنِّي الوُشاةَ ليكذِبوا ... عليَّ وقد أوليتُها في النوائِب
يقول: أخرجتْ خَبرَها، فخرج إلى من أحبُّ أن يعابَ عندها ولو شئتَ أن نعارضَك لعارضناك في القول بما هو أقبحُ أثراً وأبقى وَسْماً، وأصدقُ قِيلاً، وأعدلُ شاهداً، وليس كلُّ مَن تَرَكَ المعارضَةَ فقد صفح، كما أنَّه ليس من عَارضَ فقد انتصرَ، وقد قال الشاعر قولاً، إن فهمتَه فقد كفَيتَنا مئونةَ المُعارضَة، وكفيتَ نفسَك لزوم العارِ، وهو قوله:
إن كنتَ لا ترهَبُ ذمِّي لِمَا ... تَعْرِفُ مِنْ صَفْحِي عن الجاهلِ
فاخشَ سُكُوتي إذ أنا منصت ... فيكَ لمسموعِ خَنَا القائلِ
فالسامعُ الذمِّ شريكٌ لهُ ... ومُطِعمُ المأكولِ كالآكِل
مقالةُ السُّوء إلى أهلها ... أسرَعُ من مُنْحَدر سائلِ
ومن دَعا الناسَ إلى ذمِّه ... ذمُّوه بالحقِّ وبالباطل
فلا تَهِجْ إنْ كنتَ ذا إربَةٍ ... حرْبَ أخي التجرِبة العاقل
فإنَّ ذا العَقل إذا هِجْتَه ... هجتَ به ذا خَيَلٍ خابل
تُبْصرُ في عاجلِ شدَّاته ... عليك غِبَّ الضرَر الآجلِ
وقد يقال: إنّ العفوَ يُفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم، وقد قال الشاعر:
والعَفو عندَ لبيبِ القومِ موعِظةٌ ... وبعضهُ لسَفيهِ القومِ تدريبُ
فإنْ كنَّا أسأنا في هذا التقريع والتوقيفِ، فالذي لم يأخُذ فينا بحُكم القرآن ولا بأدَب الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يَفزَع إلى ما في الفِطَن الصحيحة، وإلى ما توجبهُ المقاييسُ المطَّرِدةُ، والأمثالُ المضرُوبة، والأشعار السائرة، أولَى بالإساءَة وأحقُّ باللائمة
أخذ البريء بذنب المذنب
قال اللّه عزَّ وجل: " وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌُ وِزْرَ أُخْرَى " ، وقد قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: " لا يَجْنِ يمِينُكَ عَلَى شِمَالك " ، وهذا حكمُ اللّه تعالى وآدابُ رسوله والذي أُنْزِلَ به الكتابُ ودلَّ عليه من حُجَج العقول.
فأمَّا ما قالوا في المثل المضروب رَمَتْنيِ بِدَائهَا وانسَلَّتْ، وأمّا قولُ الشعراءِ، وذمُّ الخطباءِ لِمنْ أخَذَ إنساناً بذنْب غيره، وما ضَرَبُوا في ذلك من الأمثال، كقول النابغة حيث يقول في شعره:
وكَلَّفْتَنِي ذَنْبَ امْرِئٍ وترَكْتَ ... كذِي العُرِّ يُكوَى غيرُه وهو رَاتِع
وكانوا إذا أصاب إبلَهُم العُرّ كَوَوُا السليمَ ليدفعَه عن السقيم، فأسقمُوا الصحيحَ من غير أن يُبْرِئوا السقيم.
وكانوا إذا كثُرتْ إبلُ أحدِهم فَبَلَغَت الألف، فقئوا عَينَ الفحْل، فإنْ زادَت الإبلُ على الألف فقئوا العينَ الأخرى، وذلك المفقَّأُ والمعمَّى اللذان سمعتَ في أشعارهم.
قال الفرزدق:
غلبتك بالمفقئ والمعنَّى ... وبيتِ المُحْتَبِي والخافقاتِ
وكانوا يزعمون أن المفقأ يطرد عنها العين والسواف والغارة، فقال الأوّل:
فقأت لها عَيْنَ الفَحِيل عِيَافَةً ... وفيهنّ رَعْلاَءُ المسامِع والحامي
الرعلاء: التي تشقّ أذنها وتترك مدلاَّة، لكرمها، - يذبح العتيرة وكانوا يقولون في موضع الكَفَّارة والأمْنِيَّة، كقول الرجل: إذا بلغَتْ إبلي كذا وكذا وكذلك غنَمي، ذَبحْتُ عند الأوثان كذا وكذا عتيرة، والعتيرة من نُسُك الرَّجبيّة والجمع عتائر والعتائر من الظباء فإذا بلغتْ إبلُ أحدِهم أو غنمُه ذلك العددَ، استعملَ التأويلَ وقال: إنَّما قلتُ إنِّي أذبحُ كذا وكذا شاة، والظباء شاء كما أنّ الغنم شاء، فيجعل ذلك القربانَ شاءً كلَّه ممَّا يَصِيد من الظباء، فلذلك يقول الحارثُ ابن حِلِّزةََ اليشكُريُّ:
عَنَتاً باطلاً وظُلْماً كما تُع ... تَرُ عَنْ حَجْرَةِ الرَّبِيضِ الظِّباءَُ
بعد أن قال:

(1/5)

قديم 07-31-2011, 07:21 PM
المشاركة 6
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تحياتي أستاذتنا القديرة ناريمان الشريف على موضوعك الرائع.

وفي كل مكان تسطرين أرى إيراقا تتفيأ حروفي ظلاله...

أشكرك من الأعماق ،بوركتِ ، وبورك المداد.

قديم 07-31-2011, 09:16 PM
المشاركة 7
هند طاهر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
لا ادري لما كنت في صغري معجبه بالجاحظ ؟ فقد قرأت له معظم كتبه وانا في المرحله الاعداديه والان كل مؤلفاته في مكتبتي ! هو فريد من نوعه , كما انتِ اختاه

دمتِ بمحبة الرحمن ودام تألقك

المـرء ضيف في الحــــياة وانني ضيف


كـــــــــذلك تنقــــــضي الأعمـــــــــار،


فإذا أقمــــــــت فإن شخصي بينكــــم




وإذا رحلت

فكلمــــــــتي تذكـــــــــــار
قديم 07-31-2011, 10:30 PM
المشاركة 8
محمد عبدالرازق عمران
كاتب ومفكر لـيبــي
  • غير موجود
افتراضي
* جميل ما قرأت هنا .. شكرا لك .. مودتي .

* ويأتيك بالأخــــبار من لم تزوّد .
( طرفة بن العبد )
قديم 01-31-2020, 08:46 PM
المشاركة 9
ياسر حباب
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: إقرأ واستمتع ( الحيـوان..... للجاحظ )
كل الشكر استاذة ناريمان على نقل هذه الروائع

قديم 02-01-2020, 02:08 PM
المشاركة 10
بتول الدخيل
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: إقرأ واستمتع ( الحيـوان..... للجاحظ )
رائعة استاذتي الكبيرة ناريمان

باقة ودنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

تدري وش صاب الخفوق!!..فيه بعض آثار شوق..وبه جروح وبه حروق..وبه سوالف لو تروق!!.وبه نزيف بالحنايا ..من فراقك .. يا هوى قلبي الصدوق


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: إقرأ واستمتع ( الحيـوان..... للجاحظ )
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إقرأ عشر كتب في خمس دقائق عمر عبدالله منبر رواق الكُتب. 6 07-17-2021 10:10 PM
البلاغة العربية في كتاب البيان والتبيين للجاحظ - محمد علي زكي صباغ د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 06-19-2014 04:43 PM
أمة إقرأ’ لا تقرأ : ما الاسباب وما الحلول لدفع الامة للقراءة ؟ ايوب صابر منبر الحوارات الثقافية العامة 1 12-13-2013 05:56 PM

الساعة الآن 11:07 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.