قديم 09-07-2015, 11:14 PM
المشاركة 1381
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في99- الوسمية عبد العزيز مشري السعودية

- الوسمية هي باكورة أعمال المبدع الراحل عبد العزيز مشري الروائية وهي إحدى الروايات المتميزة التي صدرت عام 1982 إذ إنها تمثل - مع بعض الروايات الأخرى - التطور الذي ارتقى إليه فن الرواية في المملكة العربية السعودية،

- فقد تفردت هذه الرواية في أحداثها ولغتها بما يجعل عبد العزيز المشري واحداً من الكتّاب الذين يتفردون في الرؤية.

- كتب عنها الدكتور السيد محمد ديب (إن هذه الرواية تسير على درب النهايات من حيث واقعية الحدث، وسلب البطولة من الأشخاص، ومنها للبيئة بكل ما تحمله من عادات وطبائع

- وإذا كانت (النهايات) تعبّر عن طاقة هائلة من الصراعات المتعددة في علائق القرية بالمدينة، فضلاً عن الخصائص الأخرى التي تجعل من عبد الرحمن منيف واحداً من الرواد في العالم العربي، فإن (الوسمية) بناء متفرد في رسم الحدث وتحريك الشخصوص، وتوظيف الزمن بهدف رسم لوحة أفقية شاملة لقرية الجبل في منطقة الباحة).

- وقد استطاع الكاتب في الوسمية أن يصور في ثلاث عشرة لوحة الحياة الشعبية في هذه القرية، وأن يتغافل عن الحدث المتنامي والصراع النابع منه، بحيث يتجه إلى بعث الحكاية الشعبية وسرد هموم الزراعيين

- ولكن هذه الأقاصيص والحكايات التي امتلأت بها (الوسمية) تتشابك بخيوطٍ تخضع لعلائق أهل القرية، ويبرز بمجموعها وتكوينها البناء الروائي الذي يعرض لعادات المجتمع القروي منذ سبعينيات القرن الهجري السابق (خمسينيات القرن الميلادي الحالي).

- ونرى المشري يستمطر من الأحداث بعض الرموز التي تتنقد ذلك الواقع القديم في جرأة مكشوفة كما في الفصل العاشر (أحمد يتعلم أشياء جديدة) ويحرص على نقل الحدث البسيط بما فيه من رؤية فردية أو تحرك جماعي ليعبّر عن الحياة الشعبية بين أهل القرية، ويتلاءم مع انبساط الطبيعة وعمق الوجدان واتساع الذاكرة وضيق الحياة.

- لا يتولد الصراع (في الوسمية) من طبيعة الحدث المفرد، وإنما يبرز من الإرادة الجماعية للشخوص في موقفها من الإرادة الفردية كما في قبول الجماعة لشق الخط ورفض البعض له.

- تعطي مجموعة الأحداث انطباعات عن العادات والتقاليد المتوارثة في القرية بالإضافة إلى الحكايات الشعبية المنبثقة من الحدث القصير، أو من الشخوص الناهضة به، وأن هذه الحكايات والمواقف المتولدة منها تبرز وتؤكد واقعية الحدث وصدقه وتموجه بالحركة، ومواكبته للأنشطة الجماعية في موسم نزول الأمطار (الوسمية).

- ويستكمل الراوي بناء الخلفية بمجموعة أخرى من الأحداث مثل حرص الجماعة في القرية على صلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة والتصالح في قرية الوادي، رمي الضرس في عين الشمس، والسعادة بنزول المطر وتنتهي الرواية بشق الخط، وقدوم السيارة إلى القرية، وإفساح مكان في الذاكرة لعصر جديد والتحول إلى مرحلة جديدة.

- تتميز اللغة عند المشري بالتفرد والخصوصية وعدم التبعية لأحدٍ، فهو يمزج السرد بالحوار، ويورد من خلالها الوصف المنقطع والحكاية البسيطة للتأكيد على واقعية الحدث وعمق التجربة ووعي الذاكرة، ويقدم الوصف اللغوي الدقيق للأشياء من خلال السرد كقوله: (جاءت زوجة سيد الأعمى بدلة القهوة، خلطت تراكيبها ملأتها بالماء وضعتها بهدوء على الكانون النار تشتعل وتنفث دخاناً أزرق يلهب العيون بحرارته حيث استقرت الدلة.. نضح منها قدر ضئيل على الجمر، فقالت: (طش) ويبدي الكاتب اهتماماً كبيراً بالوصف الذي يسوقه من خلال السرد أو الحوار باللغة الفصحى بما فيها من روائح القرية وطعم الريف بالإضافة إلى المواصفات الأخرى كقصر الجمل، والفصل بينهما، والنهوض بكل منها بمعنى جزئي يشبه ما ينهض به البيت الشعري.

- ليست للسرد حدود فاصلة، بل ينتقل الكاتب منه إلى الحوار، ويمزج بينهما كطبيعة لغة المعيشة في القرية بما فيها من تعدد في المستويات اللغوية وبساطة الاسترسال والانتقال من موضوع إلى آخر بدون ترتيب،

- وكأن القاص يجنب نفسه من التدخل، تاركاً الشخوص تصور بنفسها حركتها وحياتها في القرية، وتعبّر باللغة التي تحلو لها، وتتوافق مع قدراتها،

- ولذلك تقترب لغة الوسمية من العامية ذات النكهة الشعبية ولكن ذلك يتجلى في كلمات معدودة ترد في ثنايا الحوار مثل (بلاش) و(يوه) و(علشان) و(مين) وغيرها،

- ويوفق المشري في تفصيح الكثير من الكلمات مع احتفاظها بالطابع القروي،

- ويعتمد على الحكاية الشعبية في إبراز الجوانب المتممة لبقايا الخلفية الزمانية والمكانية، مع عنايته برصد لوازم الحكاية مثل (قالوا) و(قال الفقيه) و(قالت الناس) و(قال الراوي).

- (الوسمية) رواية فترة زمنية تتناول النشاط الجماعي لإحدى القرى في (الخمسينيات الميلادية) تلك الفترة التي تنفتح فيها القرية على الحياة خارج حدودها، باستثناء سفرية إلى (مكة) أو أخبار يلتقطونها من جهاز (الراديو) الذي يعد الوسيلة الوحيدة التي تتصل منه القرية بالعالم الخارجي، ولما جاءت السيارة كان ذلك انتقالاً جديداً وتطوراً ملموساً على مستقبل حياتها

- (الوسمية) زمن نزول المطر، وأن هذا الزمن يؤثر في حركة الجماعة، ولذا تعاظم دوره عندهم، حتى خشي منه بعضهم فقال المؤلف على لسانه.
الله يكفينا شر هذا الزمان.. إلى متى ننتظر؟؟!
وسكت!

- ويعطي الكاتب عناية خاصة بدورة الزمن داخل الحدث الروائي لارتباط ذلك بالنشاط الزراعي والتحول الاجتماعي أما الزمن الخارجي فلم تتضح صورته تماماً، وان تمت الإشارة إليه ببعض الرموز المختلفة، التي كشفت عن المرحلة التاريخية المواكبة للزمن الروائي.

المصدر المجلة الثقافية


الطائية

قديم 09-09-2015, 06:00 PM
المشاركة 1382
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ....

من مقال بقلم : عابد خزندار

- من سنين عديدة، وبالذات منذ أن قرأت "الطوق والأسورة" ليحيى الطاهر عبد الله، لم يشد انتباهي أي عمل محلي أو عربي، اللهم إلا أعمال رجاء عالم، وقد كتبت عنها غير مرة.

- مهما يكن فإنني - كما قلت - وبالذات بعد عودتي من باريس - لم أجد إلا في القليل النادر أي عمل محلي أو عربي يستحق أن أكتب عنه. وفجأة اكتشفت عبد العزيز مشري، اكتشفته من خلال مشاركتي المحدودة في مهرجان الجنادرية، ومن خلال الندوة التي عقدت لقراءة روايته "الوسمية" وهي قراءة قام بها الأستاذ معجب الزهراني، ومن خلال التعقيب والنقاش الذي قام به الدكتور البازعي وفهد الحارثي، والسريحي، والغذامي، والدكتور الشوش، والدكتور سعدون حمادي.. إلخ

- وقد اكتشفت المشري من خلال الجدل الذي ثار حوله، رغم أن هذا الجدل كان جدلاً عقيماً، ذلك لأن مقدم الورقة وهو الأستاذ معجب الزهراني اتخذ عنواناً لورقته هذا العنوان "لغة المعيش اليومي في الوسمية"، أو شيئاً من هذا القبيل. وعندما انتهى النقاش احتدم الجدل بين حضور الندوة - وقد ذكرت - فيما سبق بعض أسمائهم - حول قضية الفصحى والعامية، بين نقاد للمشري لاستعماله للعامية في عمله الأدبي، متهمين المشري بأنه يريد القضاء على الفصحى، ثم بين هؤلاء وبين نقاد مؤيدين يقررون أن اللجوء إلى العامية أمر لا بد منه إذا أريد منا أن نصف الواقع وصفاً أميناً وصادقاً..إلخ.

- وفي وسط هذا النقاش العقيم. ضاعت روعة العمل الأدبي، ولم أتمكن من التعرف عليه واستقرائه.

- وبعد العودة من الندوة صاحبني في السيارة في الطريق إلى الفندق الصديق حسين علي حسين، وطلبت منه أن يزودني بنسخة من الوسمية. وفي اليوم التالي وجدت في صندوق البريد الخاص بي هذه الرواية، ووجدت بجانبها العمل الأخير لمشري وهو "أسفار السروي" وكانت النتيجة أن حبست نفسي في غرفتي يوماً كاملاً، بنهاره وليله لقراءة المشري وإعادة قراءته، وكما قلت في بداية المقال لم يشد انتباهي في الأعوام الأخيرة أي عمل محلي أو عربي سوى "الطوق والأسورة" وسوى "الوسمية" وقد أحسست عندما فرغت من قراءتها أنني إزاء عمل أدبي لا يرقى إلى مستوى "الطوق والأسورة" فحسب بل يكاد يرقى إلى مستوى أي عمل أدبي عالمي كرواية "مائة عام من العزلة" لماركيز،

- والفرق بين هذه الرواية وبين "الوسمية" هي أن الأولى ثرية بالأحداث والوقائع والفانتازيا الأمر الذي يجعلها تبدو وكأنها عمل سحري أو تخييلي ليس بمقدور أي كاتب عادي أو حتى جيد بأن يأتي بمثله، بينما نجد أن الأحداث والوقائع نادرة ومحدودة وتكاد تكون عادية في الوسمية، ولكننا إذا أعدنا قراءة الرواية فسندرك أنها تتحدث عن الحياة والموت وقضية البقاء والنجاة في مجتمع زراعي معزول هو الآخر.

- و"الوسمية" تنفذ إلى أعماق هذا المجتمع ودخائله لكي تجسم لنا قضية الصراع مع قوى الموت، ومحاولة قهرها في سبيل المحافظة على نوع بدائي ومحدود من الحياة، حياة ليس فيها أي ترف أو رفاهية، بل حياة لا تؤمّن للإنسان إلا القليل من مطالبه البدائية كالأكل والشرب، وحتى هذا القليل مرهون بدورة الطبيعة وتقلباتها، مما يجعل بقاء الإنسان واستمراره في الحياة معتمداً كل الاعتماد على الطبيعة وعلى قدرته في مقاومة الظروف المعادية له، دون أن يتوقع أي مساعدة من الخارج، من المدينة مثلاً، أو من الدولة،

- والإنسان في الوسمية يحيا ويعيش ويتغلب على الظروف المعادية بدون أن يحتاج إلى قوى من الخارج تسنده وتساعده على البقاء. إن الخارج غائب تماماً عن مجتمع الوسمية، وأبسط دليل على ذلك أنه لا يوجد أي شرطي فيه... وبالطبع لا يوجد بالمقابل أي هيئة، أي أن مجتمع الوسمية ليس بحاجة إلى الخارج بل بالعكس سنجد أن الخارج عندما يصل إلى المدينة عن طريق السيارة فإن مجتمع الوسمية يتفكك ويتلاشى ولا يصبح له أي وجود ويذوب في النهاية في مجامع المدينة.

- وكما قلت فإن مجتمع الوسمية لا يستسلم للظروف المعادية، وفي نفس الوقت لا يعتمد على الخارج، وهو ينجح في البقاء من خلال تلاحم أعضائه، فالمجتمع هنا عائلة واحدة مترابطة ليس فيها مكان لأي شاذ، ومجرد وجود هذا الشاذ يعني تخلخل المجتمع وحرمانه من شروط البقاء.

- ولهذا فإن الوسمية عندما تتأخر ينصرف الذهن فوراً إلى أنه لا بد أن يكون في القرية خائن أو مخرف لم يعترف بذنبه وحينئذ لا بد من قراءة "الراتب" ونموذج "الراتب" ليس نموذجاً مقصوراً على مجتمع "الوسمية" بل يبدو لي أنه من النماذج العليا التي تحدث عنها يونج والتي يتوارثها الإنسان من إنسان البدايات الأولى، ونحن على أية حال نجد هذا النموذج في المجتمع الإغريقي وبالذات في طيبة، حيث يحدثنا سوفوكليس، أن هذه المدينة تعرضت للجفاف والوباء.. ما يتجلى في حديث الكاهن في هذه المسرحية".

" هذه طيبة كما ترى تُهز هزاً عنيفاً وقد اضطرت إلى هوة عميقة، فهي لا تستطيع أن ترفع رأسها، وقد أحدقت بها الأخطار الدامية من كل مكان، إنها تهلك فيما تحتوي الأرض من البذر. إنها تهلك بما تصيب النساء من إجهاض عقيم..إلخ.." (ترجمة طه حسين) ثم نفهم فيما بعد أن السبب فيما حل بطيبة هو أن هناك جريمة لم يعاقب عليها فاعلها، وأن المجرم هو نفسه ملك طيبة أوديب الذي قتل أباه، وتزوج أمه، دون أن يدري، وتنتهي المسرحية بخروج أوديب من طيبة.. ونجاة المدينة من الجفاف والوباء.

- وقد قرأت وأنا أكتب هذا الكلام توصيات مهرجان الجنادرية، وقد شدت انتباهي توصيتان الأولى هي :
ثالثاً: دراسة علاقة المأثور الشعبي العربي بالموروثات الشعبية في مختلف أنحاء العالم، وإبراز دور المأثور الشعبي العربي باعتباره حلقة من حلقات الوصل المهمة في الموروث الشعبي العالمي.

- أليس هذا هو ما فعل المشري، وهو حتماً لم يقرأ أوديب، وإنما تحدث عن مجتمعه وموروث هذا المجتمع الشعبي، وبدون أن يقصد لفت نظرنا إلى صلة هذا الموروث بالموروث الشعبي العالمي، أي صلة "الراتب" بما حدث في طيبة ومسرحية أوديب لسوفوكليس..

- والتوصية الثانية لمهرجان الجنادرية هي:سابعاً: المحلية في القصة هي خطوة أولى في تاريخ العالمية، ولن يتأتى للقصة العربية أن تحقق هذا الهدف ما لم تنبع من البيئة التي تكسبها الصدق الإنساني.

- ونحن هنا في "الوسمية" إزاء عمل محلي نابع من البيئة المحلية، فهل يمكن أن يتجاوز النطاق المحلي ويحقق العالمية؟ وهو ليس نموذجاً محلياً فحسب بل يكاد يكون في نفس الوقت نموذجاً عالمياً.

- إذ أن مجتمع "الوسمية" ليس مقصوراً على بلادنا، بل أنه موجودٌ في كل المجتمعات الزراعية في العالم، (وخاصة دول العالم الثالث) التي بقيت معزولة عن المدينة، بل أن مجتمع "الوسمية" لا يختلف كثيراً عن مجتمع ماكوندو، القرية التي تدور فيها أحداث رواية "مائة عام من العزلة" والفرق بينهما أن مجتمع ماكوندو قد اقتحمته شركة الموز، وبذلك خرج من عزلته وتبعثر في أنحاء البلاد في حين أن أسرة بيونديا، الأسرة التي أسست ماكوندو، لم يبق منها أحد وانقرضت إلى الأبد، بينما مجتمع "الوسمية" لم يتعرض لغزو أجنبي، وإنما تعرض لغزو المدينة، ومنتجات المجتمع الاستهلاكي الأوروبي، أي أن الطريق الذي بناه أهل القرية كان وبالاً عليهم، لأنه بدلاً من أن ينقل منتجاتهم الزراعية إلى المدينة أغرقهم بمنتجات الخارج التي لا يستطيعون منافستها في أسعارها. وبذلك تركوا عملهم الزراعي، وتفرقوا في أنحاء البلاد للبحث عن وظائف حكومية، وانتهى بذلك مجتمع الوسمية إلى الأبد.

- ولا يقتصر وجه الشبه بين مجتمع "الوسمية" ومجتمع ماكوندو على طريقة أساليب الإنتاج الزراعية، بل الأمر يذهب إلى أبعد من ذلك، فهذان المجتمعان يشبهان المجتمعات البدائية، مجتمعات ما قبل التاريخ، في ارتباط دورة الحياة من زواج وإخصاب وإنجاب وولادة وبلوغ دورة الطبيعة من ربيع ومطر وبذور وإخصاب وإنبات، وهو ما يبدو جلياً في أسطورة برسفونة، (رمز) الربيع عند الإغريق وابنه زوس وديمتير، والتي خطفها هاديس (حارس الجحيم) عندما كانت تجمع بعض الأزهار في صقلية، وأخذها إلى الجحيم أو العالم السفلي واتخذها زوجاً له. ولكن أمها ديميتر استعطفت زوس وطلبت منه أن ينقذ ابنتها من براثن هاديس، فتوصل مع الاثنين إلى حل وسط، وهو أن تبقى برسفونة ثلث العام في العالم السفلي، وثلثيه الباقيين فوق الأرض، وبذلك انقسم العام إلى مواسم الخصب والحصاد وموسم الشتاء. وبذلك ارتبطت دورة الحياة بدورة الطبيعة في حياة الإنسان البدائي وهو الأمر الذي نلمسه بوضوح في الوسمية،

- ولعل المشري (بحسه الفني) قد قصد إليه قصداً، فالفصل الأول يتحدث عن انتظار الوسمية، والفصل الثاني يتحدث عن هطول المطر، والفصل الثالث يتحدث عن زواج بنت حميدة، أي أن نص المطر يستدعي نص الزواج، ومع بداية نمو النبات وبزوغه نجد حكاية عن زلة فتاة، ونجد حكاية عن بلوغ أحمد... الأمر الذي اعتقد أن الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي صوره أيضاً حين قال في قصيدته (كان لي قلب):
وأصوات البهائم تختفي في مدخل القرية.
وفي أنفي روائح خصب.
عبير عناق،
ورغبة كائنين اثنين أن يلدا
ونازعني إليك حنين
وناداني إلى عشك
إلى عشي.
طريق ضم أقدامي ثلاث سنين

- أي أننا هنا إزاء مأثور شعبي عالمي آخر غير مأثور "الراتب" وهو ارتباط مراسم دورة الحياة بالمواسم الطبيعية.. وهو ما يؤكد توصية مهرجان الجنادرية بارتباط المأثور الشعبي العربي بالموروث العالمي.

- وهذا كله يقودنا إلى أن نطرح سؤالاً يتعلق بالتوصية الثانية لمهرجان الجنادرية وهي انطلاق العمل الأدبي من المحلية إلى العالمية. وهذا السؤال هو: هل وصف البيئة المحلية بأمانة وصدق - كما فعل المشري - يكفي لتجاوز المحلية والانطلاق إلى العالمية خاصة إذا كان النموذج المحلي - كما هو الحال في الوسمية - موجوداً على نطاق عالمي؟

- في رأيي - وهو رأي تكوّن نتيجة لما حققته الأعمال العربية المترجمة من انتشار أو لا انتشار - إن ذلك لا يكفي، ولا يحقق العالمية، لأن الذي يحقق العالمية هو الشكل وليس المحتوى. وقد يبدو هذا القول غريباً ولكن هذا هو الذي حدث ويحدث فعلاً في تعامل الغرب مع النماذج الأدبية التي تأتيه من الشرق، ولعل أقرب مثل يرد إلى الخاطر في هذا الصدد هو تعامل الغرب مع ثلاثية نجيب محفوظ عندما ترجمت إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وفيما أعرف لم تحدث الثلاثية أي صدى عند المتلقي الإنجليزي، رغم أننا في عالمنا العربي نعتبرها أعظم عمل روائي عربي حتى الآن، أما في فرنسا فقد تصادف حين ترجمت هذه الرواية إلى الفرنسية أنني كنت أعيش في باريس، وقرأت عنها تعليقاً قصيراً ومبستراً في ملحق صحيفة اللوموند الأدبي الذي يصدر في يوم الجمعة من كل أسبوع، وبعد ذلك لم أقرأ عنها أي شيء في الصحف والمجلات الأدبية الفرنسية، ولعل مقال اللوموند كان حاسماً في الحكم عليها بالإعدام، ذلك لأن نجيب محفوظ استخدم في الثلاثية شكلاً من أشكال الرواية الأوروبية يعرف باسم الرواية النهر - Romam Fleuve والتي يسميها نجيب محفوظ نفسه برواية الأجيال، وهو شكل انتهى ودخل التاريخ منذ أكثر من سبعين عاماً، ولم يعد له وجود على الساحة الأوروبية، وحلت محله بالطبع أشكال أخرى من أشكال الرواية، ولهذا فعندما يفد إليهم عمل من الشرق مستورد منهم وفي نفس الوقت مضى وانقضى من واقعهم، فإن النتيجة المنطقية والطبيعية هو أن لا يعبأ به أحد وهذا ما حدث فعلاً بالنسبة لثلاثية نجيب محفوظ، والعديد من الأعمال الأدبية التي ترجمت إلى لغات الغرب. وعدا ذلك فإن العمل الأدبي الوحيد الذي وفد إلى الغرب من الشرق وبها هو ألف ليلة وليلة.. لماذا؟ لأنه قدم لأوروبا شكلاً من أشكال القصص لم تعرفه من قبل. لقد عرف الأوروبيون الملحمة والدراما والتراجيديا والرواية والقصة وربما الحكاية الشعبية، ولكن ألف ليلة وليلة فاجأتهم بشكل جديد لم يعرفوه من قبل، إنها ليست ملحمة وليست رواية وليست قصة، إنها شيء مختلف عن كل ذلك، وهي بالتأكيد ليست مجرد حكاية، إنها بناء فلسفي معقد ينهض على الحكاية، ولكنه يعدوها ليقدم لنا مجموعة من الحكايات التي تتداخل مع بعضها البعض، وتشكل في نفس الوقت حلقة موصولة ومواصلة من التجارب الإنسانية الثرية وهذا ما يجعلها تختلف عن الرواية بشكلها الأوروبي، فالحكاية كما يقول الناقد الألماني بنجامين شفهية، بينما الرواية عبارة عن كتاب لا يتحقق وجوده إلا بالكتابة، ولهذا فإن ظهور الرواية وانتشارها لم يكن ممكناً إلا بعد اختراع الطباعة، وما يمكن نقله وتداوله من فم إلى فم بكل ما يحوي من ثراء ملحمي يختلف كل الاختلاف عن طبيعة محتوى الرواية.

- إن الحكم الشفهية التقليدية ملك مشاع للجميع، وتداولها من فم إلى فم يجعل منها تجربة إنسانية مشتركة، ويشارك فيها الراوي والمستمع... والمستمع عندما يصبح راوياً يحكي الحكاية لمستمع آخر.. وهكذا دواليك بحيث لا يعرف في النهاية اسم المؤلف الأول (كما هو الحال في ألف ليلة وليلة)، أما الرواية فتظل ملكاً خاصاً بالمؤلف، لأن المؤلف معزول عن قارئه، وهي عـين اختيارية، وبمجرد أن يعزل المؤلف نفسه عن الآخرين فإنه لا يستطيع أن ينقل لها تجربته الذاتية، إنه لم يتأثر بالحكمة الجماعية التي يكتسبها الراوي (راوي الحكاية)، ولهذا فإن عمله يخلو من أي حكمة،

- وإذا أخذنا أول وأعظم رواية وهي دون كيخوته فإننا نجد الثروة الروحية والشجاعة والفداء تتحول إلى أعمال طائشة حمقاء خالية من أي حكمة، وما ينسحب على الرواية ينسحب أيضاً على القصة القصيرة، فهي أيضاً قد انعزلت عن التقليد فهي في القصص الذي يتمثل في نسيج متواصل من الحلقات، تستدعي كل حلقة فيه نقطة جديدة، أو إضافة جديدة، أو غزلاً لا ينتهي، مثلما حدث لشهرزاد التي ما أن تنتهي من حكاية حتى تبدأ في التفكير في حكاية جديدة، تضاف إلى الأولى وتكملها، وما أن تنسج هذه الحكاية الجديدة، فإنها تبادر إلى نسج حكاية أخرى.. وهكذا دواليك حتى تصل إلى مجموعة من الحكايات يربطها خيط واحد، لأنها نسجت على منوال واحد، وهو منوال التجربة الجماعية.

- صفوة القول إننا إذا أردنا أن نصل إلى العالمية فلا بد أن نقدم للغرب شكلاً جديداً لم يعرفه من قبل، وهذا لا يتحقق بالطبع بتقليد ألف ليلة لأنها أصبحت معروفة ومستهلكة، وإنما بتطوير هذا الكل واستنباط شكل جديد منه، ومع الأسف فقد سبقنا أدباء ما بعد الحداثة خاصة ايتالو كالفينو إلى ذلك، ولهذا فإننا يجب أن لا نقلدهم لأننا عندما نفعل ذلك فلن نأتي بجديد، ولحسن الحظ فإن ثمة أعمالاً عربية ما بعد حداثية أصيلة ليس فيها تقليد لألف ليلة وليلة، وليس فيها تقليد للآتي من الغرب وخاصة تيار ما بعد الحداثة، وإنما تطوير الاثنين معاً، وهو في رأيي تطوير عفوي لا مقصود نتج عن الصدق في وصف البيئة المحلية والمحافظة على تقاليدها في النص الشعبي الشفهي، ومن هذه الأعمال، بعض أعمال الطيب صالح... وأعمال يحيى الطاهر عبد الله، والوسمية،

- ولهذا فإنني في نهاية المقال أرشح المشري للعالمية.

قديم 09-16-2015, 04:21 PM
المشاركة 1383
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ...عبد العزيز مشري

من قال بعنوان تحولات المكان في رواية عبد العزيز المشري

- ثلاثة محاول نستطيع أن نتتبعها في كتابات عبد العزيز مشري الروائية: تأثير الطبيعة وتحولات المكان وحلم التغيير الذي يرتبط بالعلم والمستقبل والحركة والحياة.

- وتبدو رواية " الغيوم ومنابت الشجر " وكأنها نتمه لروايتة السابقة " الوسمية" التي تصور بدورها الانتقال من مجتمع بدوي إلي مجتمع مدني فبالإضافة إلي أن مكان الأحداث واحد في الروايتين وهو قرية الجل وقرية الوادي فقد تم التحول والتغيير بامتداده في الزمن وفي الأشخاص والمجتمع لعامة عبر مقابلة بين المجتمع القبلي والمجتمع الحضري بين القديم والجديد بين الجمود والتطور الخرافة والعلم القيم الشرقية الأصيلة والتقاليد المستحدثة

- وفي رواياتة لا نجد حكاية أساسية أو حبكة أو نمو وتطور في الشخصيات وإنما مجموعه من الحوادث المتفرقة في قالب من الحكايات الفرعية المتداخلة نحو التراكم الذي ينتج عنه التحول علي نحو عام

- تشابه الشخصيات في الروايتين .

- وتدور روايتة الأولي الو سميه حول تعبير طريق يصل ما بين القرية والمدينة وتضم ثلاث عشر حكاية هي : انتظار , تمر وسميه, بنت حميدة تتزوج, مصلح الدوافير الخال يزور " أبو صالح " الماطور , أبو جمعان مع ضيفه في البئر الزلة, أحمد يتعلم أشياء جديدة حمارة حميدة , أمطرت الحظ

- والجد في الروايتين واحد والخال الزائر في الوسمية هو البدوي صديق الجد في الغيوم والشايب الذي أصيبت قدمه وهو يعبر الطريق في الوسمية تقطع ساقه في الغيوم " مطر"

- ولعل أفضل مافي هذه الرواية هو تقديم الكاتب لخصوصية البيئة والمجتمع السعودي وهو يستخدم تعبيرات عامية سعودية وتتخلل روايتة نبرة السخرية والتضمينات اللاذعة التي يعبرها بسرعة ولكنها تستلفت نظرك بعمقها وجديتها

- ويطعم الكاتب روايتة ببعض الأمثال العربية ( لا تري البدوي طريق بيتك ) والرقصات الشعبية كالمسحباتي ويرينا طرقا من المجالس العرفية والعادات الشعبية في الأفراح والزواج كما تبرز للعيان النظرة إلي المر أه المسلمة باعتبارها تحتل المرتبة الثانية بعد الرجل والإيقاعات الصوتية وأن كان استخدامها فوتوغرافيا وكذا التقاليد الإسلامية

- والكاتب يركز علي الوصف والتقرير ويورد كثيرا من التفصيلات الصغيرة التي كنا نود أن يتخفف منها ومع ذلك فقد نجح الكاتب في أن يثير في أعماقنا الشجن لهذا الزمن المنصرم وأن يجعل " للمكان وظيفة في إنهاء النص القصصي بنغمة مسيطرة أو سائدة هي التي تبقي في ذهن القارئ بعد انتهائه

قديم 09-18-2015, 10:26 PM
المشاركة 1384
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ... عبد العزيز مشري



من مقال بقلم علي الدميني /

- تلتقي " البنى الأساسية " للروايات الثلاث المنشورة في هذا المجلد، حول ما يمكن وصفه بمحور " التناص الحياتي " بين السارد وسردياته ، فيتبدى لنا تماهي الروائي مع حياته في أعلى ذرى تشابكها، من خلال شفافية المكاشفة والتدفق العفوي لسرد الحدث، ورسم المكان والشخصيات ، بحميمية لافتة.

- ف "الوسمية "، كأول تجربة روائية للكاتب ، تتسم بوجدانية العلاقة بين الكاتب وموضوع نصه، بما يحفزه على رسمها لغويا وفق " لغة المعيش اليومي " في مجتمع القرى ، التي كانت تشكل " تعاونيات " حياتية طبيعية ، تحكمها وتتجلى عبرها جماليات ومدلولات العلاقات البشرية في أي مجتمع قروي بسيط، يعيش على إنتاج معرفته بذاته، وإنتاج خيراته لنفسه، وإقامة علاقاته المتوازنة بين أفراده، ومع المحيط المجاور.

- ولذا يغدو توظيف " لغة المعيش اليومي" – التي سكّ مصطلحها هنا الدكتور معجب الزهراني – كتعبير عن رغبة عاطفية دفينة، في إيجاد معادل فني قادر على الاحتفاظ بالذكرى "الإنسان / المكان" من خلال تكريس البلاغة الخاصة لتلك اللغة اليومية البسيطة، في كتابة النص.

- وهذا المنحى المختلف هو ما جعل رواية " الوسمية "تأخذ موقعها في الحقل الروائي المحلي والعربي ( اتفاقا و افتراقا) منذ البدء.

- أما رواية " في عشق حتى " فإنها نص إبداعي ، تتشاكل فيه " عذرية عشق قيس وليلى " ولذة الحرمان الذي عاشاه ، مع تأملات العلامة الفقيه " ابن حزم " لحالات الافتتان والتوله في طوق الحمامة"، لتفصح جذور تلك الأمثولات العاطفية عن أشباهها المعاصرة في افتتان العاشق بمعشوقته، فكرةً كانت ، أو حلماً، أو امرأة ، عبر تجليات عشق الروائي ل "حتى" !

- وحين نصل إلى الرواية الثالثة "المغزول " فإننا سنقرأ حالة أخرى من إبداع الذات لكتابة حياتها في عمل مختلف، يواجه فيه الروائي موته، بل ويذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في رؤية " ما بعد الموت" ، لنمضي معه في هذا النص لمعايشة أشد لحظات الألم ،وفقدان الوعي ، ولقاء الموت وما بعده، ومن ثم عود ة الروائي إلى الحياة، محملاً بنقض تراجيديات الأساطير والواقع التي يحملها الإنسان في حياته.

- ولعل من الصدف العجيبة والدالة أيضاً، أن يعيش " عبد العزيز مشري " هذه التجربة ويكتبها روائيا ً في نفس الفترة التي عايش فيها شاعرنا العظيم " محمود درويش" تجربة " مواجهة الموت "، وإبداعه لملحمته الشعرية المتفردة "جدارية محمود درويش" في عام 1999م!!

- بهذا المجلد الثالث من" الأعمال الكاملة " للراحل الباقي " عبد العزيز مشري" يسعى " أصدقاء الإبداع – أصدقاء عبد العزيز مشري" لتقديم أعماله الخصبة ، والمتعددة الاهتمامات والسمات الإبداعية ، إلى قرائه والمهتمين بإعادة التأمل فيها وقراءتها نقدياً، ليبقى صوته الإنساني والوطني حياً كما يستحق ، في سيرته العطرة، وفي غيابه الحي وحضوره بيننا.

- وتبقى كلمات للتاريخ ،ولذكرى الراحل ، ورغباته، تستدعي منا الإشارة إلى أننا قد أجرينا بعض التعديلات الطفيفة على عبارات من رواية " الوسمية " ، و رواية "المغزول" ، تقديراً للضوابط الاجتماعية ( التي نعرف أن سقف حرية التعبير الإبداعي في المملكة ، قد تجاوزها، ولكن!!!) ، آملين – بحنان خالص – أن يسامحنا " عبد العزيز" على ما قمنا به من اجتهاد!!علي الدميني

قديم 09-19-2015, 12:55 PM
المشاركة 1385
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ....


- اصدر مجموعة أعمال سردية وهي: موت على الماء، اسفار السروي، قال المغني، الزهور تبحث عن آنية، الفيوم ومنابت الشجر، الوسمية، الحصون، أحوال الديار،ريح الكادي، بوح السنابل، صالحة، جاردينيا تتثاءب في النافذة، مكاشفات السيف ،الوردة .
- ساهم في كتابة المقالة الصحفية عبر زاويته (تلويحة) في أكثر من صحيفة سعودية، كان آخرها الجزيرة وعبر ملحقها الثقافي.

- ويعد الراحل اضافة الى تميزه في الكتابة الروائية - التي أشاد بهاالناقد المصري الدكتور علي الراعي,,, واصفا روايته الفيوم ومنابت الشجر بأنها تضع كاتبها في مصاف كتاب الرواية في العالم العربي -

- وهو في طليعة كتاب القصة القصيرة في المملكة والعالم العربي,, متميزا بعالمه المستوحى من البيئة,,

- يتميز وبقدرته على استحضار التفاصيل,,

- ولغته الشعرية المعبرة,.

- ولا يكاد المثقفون السعوديون يجمعون على تميز كاتب في التجربة المعاصرة قدر اجماعهم على تميز الخط الابداعي للمشري.

- كان أبرز من كتب عن طبيعة الحياة في القرية الجنوبية بل أبرزهم حيث نقل عبر تجربته الروائية والقصصية منظومة العادات والتقاليد والقيم والمكونات الحضارية لهذه القرية في أعماله.

- كما استوحى طبيعة انسانها,, ومزاجه وحسه الانساني.

- كما كانت تجربة المرض جلية في إبداع المشري,, حيث استمدها كمقومات إبداعية

- نقل عبرها,, أدق تفاصيل الاحساس الانساني ساعة المرض,,

- بتلك الشفافية المتناهية,,

- والوصف الواقعي المنتقى,,

- الحساسية الاستثنائية

- كما كان إبداع المشري موضعا للعديد من الدراسات النقدية وتناول انجازه القصصي والروائي باعتباره ملمحا مستقلافي مسار الابداع السردي في المملكة وقد تناول أدبه بالدراسة الناقد الدكتور محمدصالح الشنطي، والدكتور معجب الزهراني، والدكتور حسن النعمي، والدكتور يوسف نوفل،والاستاذ عابد خزندار، والاستاذ احمد بوقري، والاستاذ حسين بافقيه، والاستاذ معجبالعدواني، والاستاذ عبدالحفيظ الشمري، والاستاذ احمد سماحة، والاستاذة فوزيةابوخالد، والاستاذ حسن السبع، والاستاذ فايز أبا.

- ولا يكاد يذكر واقع السرد في المملكة حتى يكون اسم المشري أبرز رموزه.
ولم يتوقف إبداعه عند القصة والرواية بل امتلك تجربة تشكيلية ثرية,, حيث مارس الراحل الرسم بالالوان,, مثلما ابدع بالرسم بالكلمات.

- وقد قام بتنفيذ الرسومات الداخلية للمجموعة الشعرية الاولى للشاعرة فوزية ابوخالد الى متى يختطفونك ليلة العرس ,, كما رسم لوحات بعض اغلفة أعماله النثرية مثل: ريح الكادي، والحصون، وموت على الماء، والزهور

قديم 09-20-2015, 04:36 PM
المشاركة 1386
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ....عبد العزيز مشري
-أعاقته ظروفه الصحية عن استكمال دراسته أو الانتظام في عمل وظيفي.

ـ أصيب بمرض السكري وأدت مضاعفات هذا المرض وعلاجه مع مرور الزمن إلى تأثير على البصرواختلال في التوازن والمشي والفشل الكلوي مما اضطره للغسيل عن طريق ( الديلزة ) ،وكذلك تعرضه لضغط الدم.

- زرعت له عملية كلى عام 1993مبجدة وقد تمت العملية بنجاح مما ساعده على السطوع مرة أخرى ، إلا أن ( الغرغرينا ) راحت تأكل أطرافه فبترت إصبع من يده اليسرى ثم بترت قدمه اليمنى وبترت الساق اليسرىكاملة.

-بعد إصدار مجموعتي القصصية الأولى " موت علىالماء " عام 1979م .. توقفاً منلوجياً تأملياً ..

-رأي أن الكتابة وقتها .. لاتحتاج إلى التغريب والبحث عن مادتها وعالمها من خارج ما يقع في الذهن من حكاياوأحاديث طويلة تكمن عند أصبع القدم وليست في جزر " الهونولولو " أو وديان " واقالواق " ، يضاف إلى هذا الشعور بالغربة القاسية والمرهونة بظرفها الذي لم أجد معهإمكانية لكسرها أو النفاذ منها بمجرد خاطر العودة .. وما سببته من حميمية إنسانيةقوية تجاه عالمي القروي الأول .

-لقد رأيت أن الكتابة لا يمكن أن تصيب وجدانوذهنية كاتبها - الروائية تحديداً - إلا إذا كانت تغمس سن قلمها في دم كاتبهاخزينة معيشته أو تجاربه وطريق رؤيته واستراتيجية .. قل محصلته الثقافية.

- ليس ثمة سر ولا كشف إنما هو الرجوع الحميمي لتفاصيل المكانالطفولي وجماليات معيشته وذكرياته، وبرغم بعد المكان على الإنسان يبقى يحن للأشياءالتي ارتبطت باندها شيته ومعيشته الأولى .. أذكر عندما كنت في إحدى الولايات في " أمريكا " وفي ظرف صحي يصعب وصفه تمنيت - وقت إذ امتنعت عن تناول أي نوع من الطعاموالشراب - تمنيت كسرة خبز ناشفة من حب " البلسن " العدس البني الصافي - مع قهوةالبن أو مع اللبن الحامض بالريحان

- يقول العلماء إن الإنسان في لحظة خطرة مباغتة .. يصرخ منفعلاً بلغته التي تعلمها في بيئة وطفولته، ولحادثة تحدث في عمر كبير وفيمنطقة بعيدة جداً وغربية اللغة والحياة عن بلده .

- كنت في الطفولة مفتونا بالنجوم وبعدها وكنت أحلم بنجم أخضر مضيء.

-الذائقة الفنية أيضاً - ومع علاقتها بالثقافة - لا يمكن فصلها عنزمن الطفولة والنشاة

- تميزت شخصيتك في سنوات الطفولة والصبا وحتى السنوات الأولىالتي قضيتها معنا في الدمام بالتأمل والأناقة مع ميل للانطواء،ولم تكن ترتاح أوتشارك في الأحاديث التي تخوضها مجموعة كبيرة من الأصدقاء، فاتخذت شخصيتك ملامحهاالجادة المبكرة والزاهدة في الآخرين، وفجأة وجدناك تحيل كل شيء إلى سخرية مرة أوهازلة،ثم ما لبث هذا التحول أن تغلغل داخل تكوينك الكتابي واليومي فأفدت منهالكثير في حياتك وأعمالك الكتابية حتى أصبح الحديث معك متعة خاصة يتعشقها الكثيرونوالكثيرات .هل يمكن أن تضع أيدينا على جذور ذلك التحول الهائل في تكوينك منالانطواء إلى الهزل وإلى السخرية وحب الدعابة ؟

- عندما كنت أعيش في القرية إلى سن أول العشرين .. لم أكن لأعرف العالم بمحيطاته وأناسه واختلاطات إيقاعاته وسهوله و جباله .. سوىبحدود طلوع الشمس من مشرقها خلف الجبل الكبير المقابل للبيت من بعيد،وللحصنالقديم الذي تلتف حوله برتقاله الشمس النحاسية في الغروب .. هذه حدودي التي التقطتفي تفاصيلها عالمي الأليف والحبيب والشقي أيضاً بآلامه وحرمانه، لكنه كان حميمياًومتغلغلاً في انسجتي وخلايا ذاكرتي وجوارحي ..

-فجأة أخذتني أقدار الصحةإلى " الرياض " .. فكنت أهرب من المستشفى في السابعة مساءاً لكي أعود إلى بيتي فيمدينة " الدمام " اقضي نصف الوقت في الطريق ( 3-4 ) ساعاتوأعود إلى غرفتيبالمستشفى قبل السابعة صباحاً ..لا تقل إنني كنت مجنوناً .. لقد كان هذا يحدث وفيحالة إغماء فالظرف الصحي كان صعباً.

- اقامتي في القاهرة كانت تجربة مهمة فيحياتي على كل الأصعدة غير أن اهتمامي بالكتابة عن عالم خاص شديد المرارة كما رأيت .. جعل رواية "الوسمية " تأخذ المكانة الحميمية الأولى وقتها، و بعد ذلك أخذتالأشياء تتوالى كتابياً في هذا البحر.

-لم يقم السفر الزواجيفي طريقه لقد ازدادت الصحة سوءاً واستمرت حالات عدم الوفاق من الطرفين .. ثم اتفقابصورة إنسانية على الانفصال . انفصلنا في حال تراجيدي صعب وكان كل منا في حالةحزن شديد ..

- يقول : أرى أن الإنسان عموماً وليس الكاتب المبدع وحده .. هونتيجة تجربة كتابية وإنسانية أولاً تصل إلى الحد الذي وصل إليه .. أنا كتبت فيمرحلة ( أعتقد أنها ثائرة الدم والعصب والفن ) .. مجموعتي الأولى " موت على الماء " ..النقاد أعتبروني ضدها لغة وفكراً بحكم اليوم .. لا مشكلة!.. أنا اليوم ( نهايةالقرن ) وبحكم التطور المرحلي ( في العمر والتجربة ) .. لا يمكنني أن أكتب لذاتاللغة والنحت المفردي الخاص في مجموعة " موت على الماء " .. مع أن الموت لا يزالقائماً .

-اخوالي من قرية بعيدة و من قبيلة غير القبيلة التي فيها قريتنا، وكنت أذهبإليهم مع والدتي مسافة نصف يوم مشياً على الأقدام ولا أنسى تفاصيل الطريق والقرىالتي نمر بها وبالطبع أسماءها ومساجدها ومدارسها الابتدائية والشعراء المعروفينوقراهم ..

- ربما ان ظروف المعيشة التي عاشاها في طفولته كانت صعبة للغاية ومثل ذلك سيره على الاقدام لمدة نصف يوم حتى يصل الى بيوت اخواله، لكن ربما ان المرض هو سبب ازمته الاساسية.

قديم 09-27-2015, 01:24 AM
المشاركة 1387
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ... عبد العزيز المشري


الكتابة والمرض
عبد العزيز المشري
september 26, 2015

عن القدس العربي

عندما قال الشاعر العربي أمل دنقل في آخر أيامه، أنه لا يخاف الموت، بل يخاف العجز، لم يكن محطماً إلى نقطة يظنها البعض الاستسلام.. لا، بل كان يرى في قرارة قناعته أنه أكبر من الإصابة بهذا الخلل الطبيعي السخيف، وكانت نظرته «في البطاقات التي تحمل أسماء قاتلي الزهور، المقدمة إليه من أصدقائه الزوار».
وإذا كانت قناعته النهائية، بأن زائراً أخيراً سيكون مضيفه الأبدي، اسمه الموت، فإن هذا لم يقطعه أبداً عن الورقة والقلم.. عن إدراكه الكامل بالهمّ الخارجي.. بألم الآخرين، وبطمي الجنوب، وباستدراكات أخرى يراها في غاية الهمّ، بعيداً عما يفكر فيه أصدقاؤه وزائروه .
أعتقد أن الإنسان، عندما ينوي الموت، وهو على فراش المرض، فإنه يختار هيئة موته، إنه يموت. المسألة لا علاقة لها بالمنظور الميتافيزيقي، وليست من باب الافتراض المثالي، بل أرى أنها الحقيقة، وضد هذا الشأن من يجد أنه لم يتهيأ للموت، ليس لأنه يخافه، بل لأنه يجد في قدراته التغلب عليه، وأنه يحتاج إلى عمر أطول وأبقى، من أجل أشياء سامية، ليس بقرار الحفاظ على الذات المسكونة برغبة الاستمتاع الاستهلاكي لساعات الحياة.
إننا نجد في التاريخ شخصيات شهيرة وذات رسائل إنسانية تاريخية، لم يجدوا من بقائهم بعد تأديتها سوى أن يتهيأوا للموت.. وكان لهم ذلك، لقد أدوا أماناتهم، وقالوا للناس ما يريدون أن يقولوه، ثم أعدوا لحياتهم ميقاتاً.
بالطبع لا يمكننا أن نجعل من حالات تقبّل أو رفض الموت، والإحساس بالتهيؤ له من عدمه، قانوناً. ولا يمكن اعتباره مقياساً علمياً كاملاً على كل الحالات، إذ أن هذا الشأن يحتاج إلى بحوث طويلة متنوعة الموارد، يعنينا أن تظل في إطار القياس، من خلال التجربة الخاصة، المختلطة برغبة الحياة، والإبداع، والجمال النسبي المعجون بهمّ الكتابة الإبداعية.
ولعل ذلك العشق الجنوني، والركض على حوافّ ثواني العصر، برغبة النبض الدموي في الكتابة، لم يساوم في قبول أي معطل، ولا يراهن على شيء مثلما يراهن على الاستمرارية.. الاستمرارية المطلقة، تلك التي لا ترضى بالتخبؤات والمداهنة، وليس لها أي منافس ولا مقابل ولا معوض، الرغبة الجامحة المبهمة في الإبداع.
أحد الحالات المتكررة في ظرفي الصحي، الذي «ليس من صداقته بدّ»، أن نتائج ضمور أعصاب الأطراف تكاد تحول دون الكتابة، وتبقى الأصابع مشتعلة بالحرارة العالية، مما يستوجب وضعها في الماء، فأحضر «طشتاً» على طاولة الكتابة، أغمس اليدين عشر دقائق لتبرد نصف المدة، أنفقها بين الورقة والقلم، تكون الحروف كبيرة أحياناً ومعوجة، وتتشابك السطور. غير أنها تبقى مسكونة بالرغبة المحمومة، بالانتشاء والمسرة.
لا خلاف، ولكن ما سبب تلك المسرة؟
لا نستطيع أن نقتبسها بميزان ثمرة الإبداع، وأبداً ليس بميزان الانتصار، الذي قد يفسره من يعلم. فالأمر لا رابط بينه وبين التحدي أو «الشطارة». لا، فإنما أجدني ضعيفاً وخاملاً، وقابلاً للانكسار، ومراراً يرتادني حسّ بالغباء، والطفولة في ثوب إنسان كامل البناء، لا رابطة بين ما يظن أنها قدرة غير اعتيادية وبين ما تحمله دواخلي، القوة المحملة بالمسرة تأتينا من هنا فقط.. من الطقس الكتابي، والإبداعي، أما ما عدا ذلك ففي الجورب العتيق.
والآن…
هل يمكن تحويل الألم إلى إبداع؟
قد يبدو سؤال كهذا قشورياً، وربما تعززه بإضافة: وكيف؟
بديهياً نعلم أن المعاناة المعتمدة على التجربة الخاصة، وإلى حد مبالغ فيه، تدفع بالكاتب والمبدع على وجه العموم، إلى استخلاص مركب، يكون بمثابة الرحيق، يقطر بحرارة واقتصاد عن أداة فنّه، وبالتالي فهو محاسب أمام إبداعه عن ذلك الاستخلاص، وهو أيضاً ـ وبدون تكلف ـ سيمضي بانقياد نحو إفاضة مهذبة (لا أعني أخلاقياً) نحو التعبير، وعليه فإن بديهية السؤال في مكانها.
لكننا نرغب في التعرف إلى كيفية الربط بين الألم والكتابة، فعندما يسيطر الألم المتقرح من بيولوجية البشر، فإنه بالضرورة يأتي على هيئة الحس، وهو المدى التأثيري المسيطر على كل انفعالاته ووظائف أعضائه، وهو تلك النافذة الضيقة المحصورة، التي يطل منها إلى الحياة، وعبرها تتحدد نظرته ومفهومه المخزون لفلسفتها. وحينما يكون هاجس الكتابة ممتزجاً بدماء الكاتب، فهو بلا شك مقترن بالألم حين حدوثه.
الكاتب لا يحتاج إلى شهود، حتى يقدموا له مرأى الحواس، بأنه ملتقط ذكي للأشياء، وعاكس حذق للأوجاع المبثوثة في دواخله أو خارجها في المحيط الماضي. فكيف وهو يصارع أوجاعه؟ كيف وهو الذي يعايش الأمر في كل ثواني حياته؟
في تلك الومضة الفاصلة بين نهاية الألم وبين الدخول فيما بعدها، تبدأ حكاية جديدة بلسان وعين مزدهرة لتكفير الآثام، حكاية أخرى لم يكن يحسب لها حساباً لو لم يكن الألم قد عصر صحته.. إنها كالمكافأة الحلوة والمجزية، لا يجد ما يعادلها. جمالها في أنها تتجدد، وفي كل مرة خروج من حالة ألم مستجدة، تتكرر تلك الحكاية، وهكذا.
إننا لا يمكننا وبأي حال من عدم الإدراك، أن نتصور أن الكاتب المتجاوز لآلامه، يختلف عن طبيعة الآدميين في حسه بالألم، فمهما بدا في عين الآخرين أسطورياً، إلا أنه لا يجنح خارج مطارق الألم. الفرق هنا أنه يحوله إلى إبداع، ويجد فيه كامل العزاء والانتصار، وبالتالي الأحقية في تكثيف المقاومة من أجل إبداع أكبر وأجمل. فالألم هنا ـ وهذا ما أريد التنويه عنه ـ ويطوف هناك خارج بدنه، يتحول بين الآخرين، وينصهر بمحبة بالغة، ليكتب عن آلامهم المختزنة في دواخله على شكل تراكم همومي عميق، لذلك فإيـجـابية الألــم تـــكــون بـــارزة عنده، وموظفة توظيفاً نابضاً، مثلما تواجهه أية صدمات تشويهية خارج ذاته.
من «مكاشفات السيف والوردة»، 1993

سارد الجنوب

في سنة 1987، استمع الكاتب والروائي السعودي (1954 ـ 2000) إلى نصيحة من الروائي المصري صنع الله إبراهيم؛ بأنْ يُصدر، في كتاب، الأقاصيص والكتابات والشذرات التي دوّنها من وحي المرض (أصيب المشري بداء السكري في مرحلة مبكرة من حياته، وانعكس عذابات المرض، ومشاقّه العملية، على مسار حياته كإنسان وككاتب أيضاً).
وهكذا كان، فصدرت المجموعة القصصية «الزهور تبحث عن آنية»، التي حملت بعض تجارب المشري في المستشفيات وعلى أسرّة المرض،

- وعكست رغبته الجامحة في إقامة «موازنة يقظة» بين مستوى وعي الكاتب وفنّية كتابته، وبين «لغة مفهومة» تتيح التخاطب مع الناس، وفي الآن ذاته «تستدرك زمام شكلها الفني بصورة جميلة وغير مخلة بمستوى الفنّ فيها»، كما قال.

- قبل هذه المجموعة، في شكل القصة القصيرة دائماً، كان المشري قد أصدر «موت على الماء»، و«أسفار السروي»؛ وبعدها نشر «بوح السنابل»، و«أحوال الديار»، و»جاردينيا تتثاءب في النافذة».

- وأمّا في الرواية، فقد صدر عمله الأول، «الوسمية»، سنة 1982، والذي غاص عميقاً في مناخات القرية السعودية الجنوبية خلال خمسينيات القرن الماضي،

- والتقط الكثير من تفاصيل الحياة الشعبية في 13 لوحة، على نحو جمع بين الواقعية والرمزية،

- وغامر بطرائق في السرد لم تكن مألوفة آنذاك ضمن المشهد القصصي السعودي، فبدا وكأنه ينقّل المؤثرات في أدبه بين يحيى حقي ويوسف إدريس على الصعيد العربي، وبين أونوريه دو بلزاك ووليام فوكنر على الصعيد العالمي. وبمبادرة كريمة من أصدقائه، وخاصة الشاعر السعودي علي الدميني، صدرت بعد وفاة المشري أعماله الروائية في مجلدين، ضمّا «مكاشفات السيف والوردة»، «الغيوم ومنبت الشجر»، «ريح الكادي»، «الحصون»، «صالحة»، «في عشق حتى»، و»المغزول». كما صدرت له مجموعات شعرية، بينها «ترنيمة»، «توسلات في زمن الجفاف»، و»خطوط من رحيق الريشة».

- كان المشري سارداً مثقفاً، بمعنى أنه وظّف في باطن حكاياته الكثير من عناصر الفلسفة والتشكيل والشعر والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والأساطير والرموز،

- ولم يكتفِ بتمثيل ميادين واسعة في توتّر القديم والحديث، ومجتمع البداوة والصحراء ثمّ النفط والعمران، بل تقصّد رسم شخوص كونية الطابع، عريضة الترميز، عابرة للجغرافيات والثقافات.

- وثمة إجماع، بين كتّاب السعودية، غلى المكانة الحداثية التي شغلها المشري، ليس في عداد أبناء الجيل الثاني من كتّاب المملكة فقط، بل على مستوى ريادة فنون السرد وتطويرها أيضاً.

عبد العزيز المشري

قديم 10-04-2015, 01:00 PM
المشاركة 1388
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 100- البشموري سلوي بكر مصر
من مقال بقلم : منـى هـلال

- رواية في الجغرافية والتاريخ والأديان

- لا بدَّ، أولاً، من توضيح بضع نقاط قبل الخوض في بحر البشامرة، ألا وهي أن "البشموري" هو الفلاح القبطي الذي يسكن شمال مصر – دلتا النيل –، تلك الأراضي الموحلة من جراء جريان نهر النيل العظيم وفيضاناته، حيث العيشُ خَطِرٌ وصعبٌ بالنظر لما يجلبه النهرُ من طمي وتغيير في معالم الأرض والمكان؛ ولغة أبناء هذه الأرض هي "البشمورية"، إحدى لهجات الأقباط المصريين.

- المصدر الرئيسي لكتاب سلوى بكر[1] الذي نتناوله في هذا العرض إنما هو تاريخ الكنيسة القبطية – تاريخ الآباء البطاركة – للأب سايروس بن المقفع الذي اعتمد مزج التفاصيل الصغيرة بالأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في عرضه تاريخَ مصر. فهو المؤرخ الوحيد الذي تطرَّق إلى ثورة البشامرة، الفلاحين القبط، وغيرهم ضد الخليفة المسلم، حاكم البلاد – مع العلم أن الكنيسة القبطية آنذاك أيدت الحكم الإسلامي ضد ثورة البشامرة وتوسطت لإقناعهم بدفع الخِراج للدولة وإعلان الطاعة؛ مما يجعل الرواية تعكس آخر مشهد في حياة مصر قبل تحوُّلها إلى دولة مسلمة بعد أن عرَّبت الكنيسةُ القبطيةُ الصلاةَ فيها.

- تجري أحداث الرواية في عهد الخليفة المأمون، الذي قضى على ثورة البشامرة، حتى لم تقم لهم بعد ذاك قائمة. ثم استخدم الخليفة المعتصم الأسرى الأقباط الذين جُلِبوا إلى بغداد، مركز الخلافة، للقضاء على "ثورة الزلط" (وفي مصدر آخر: "الظط") في جنوب بغداد، نظرًا لمعرفتهم (أي الأسرى الأقباط أو البشامرة) بخصائص الماء والتراب وجغرافية الأرض الموحلة.

- تبدأ الرواية بإرسال الكنيسة ممثِّلَين عنها، هما الشماس ثاونا الناضج الحكيم وبدير بطل القصة وخادم الكنيسة، إلى البشامرة لإقناعهم بالتخلِّي عن ثورتهم ضد الخليفة وبقبول دفع الخِراج للدولة. وفي الطريق تبدأ الصعوبات: فجغرافية شمال مصر شيء متحول، حيث يقوم النهر العظيم بتغيير جريانه عدة مرات خلال الفصول تبعًا لقوة المياه، فتتغير مواقع فروعه. وتبدأ بالنسبة للكاتبة صعوبةُ استعادة أمكنة الأحداث؛ فالقرى المذكورة قد اندثرت من الخريطة.

- وفي أثناء المسير، تنهال الذكرياتُ على بدير وتتلاحق: فهناك كان مسقط رأسه، وهناك كان غرامُه بفتاة أرادها أخوه زوجةً له وانتحارُها وهروبُه ولجوؤه إلى الدير. وفي الطريق، يصادف الرسولان الكثير من الناس المحتاجين، – وهنا تظهر تداخلات العناصر القبطية مع العناصر الفارسية والوثنية في عادات الناس وإيمانهم الشعبي، – إلى أن يصلا إلى مركز البشامرة المتمرِّدين، الذين يرفض زعيمُهم مينا بن بقيرة فكرة العدول عن الثورة ويأبى تقديم فروض الطاعة للخلافة، رافضًا حجج ثاونا الشماس بأن حكم المسلمين أهون شرًّا من حكم غيرهم من الطامعين في أملاك الكنيسة. فـ[...] كورة مصر قد هلك أهلُها من الظلم والخسائر والخِراج، كما أن أصحاب تاووفيليكس الخلقدوني لا يألون جهدًا لاغتصاب ضيعنا التاوضوسية بغير حق [...] يؤذون الكنيسة الجامعة ويقطعون خيرها من البلاد.[2]

- ثم يأتي جيش الخلافة، فيبيد المتمردين ويسوق الباقين منهم أسرى. وهنا، للمرة الأولى، يفترق بدير، خادم الكنيسة الذي أصبح أسيرًا، عن معلِّمه ثاونا، وتبدأ رحلةُ عذاباته. يؤخذ بدير أسيرًا عن طريق البحر. ونجد وصفًا قويًّا لرحلة الأسرى البحرية إلى أنطاكية، مركز المسيحية الشرقية، ومعاناتهم.

- وتخوض سلوى بكر هنا في تفاصيل حياة الأديرة وعادات الناس الشعبية، فتكتب عن أماكن اندثرت ولم تذكرها كتب التاريخ، انطلاقًا من الكلمة المصدر التي أصبحت كنزًا من منظارها.

- وفي أنطاكية، عمل بدير في خدمة أحد الكهنة، كونه ملمًّا بأمور الدين وباللهجات القبطية. ثم بعد وفاة معلِّمه، انتقل إلى خدمة كاهن آخر ذي ميول شاذة وعلاقات مع أطراف أجنبية، ففكَّر بأن أفضل طريقة للهروب من خدمة معلِّمه الجديد إنما هي بالتنكُّر لماضيه الكهنوتي. لذلك كان وضعُه في سجن انفرادي حتى يتم تقريرُ مصيره.

- ونلاحظ هنا كيف عملت مخيلة بدير على استذكار المفردات اللغوية وتعدادها ومقارنتها باللهجات الأخرى كي يُبقي ذهنَه حيًّا. فـ...[...] في ليلة عددتُ من أنواع الطير التي أعرفها ما يربو على المائة.[3]

- ثم يُنقَل بدير إلى بغداد لخدمة الخليفة، مرورًا ببلاد الشام وفلسطين. وتعود الجغرافية لتصبح سيدة الموقف من جديد: فالوصف هو صورة فوتوغرافية لبغداد قصر الخليفة، بغداد الشارع، بغداد الطوائف، بغداد الثقافة والترجمة واللغات والثورات... فيأتي متحفُ التاريخ ليربطنا بجغرافية المكان.

-وهذه كانت المحطة الثانية الهامة في حياة بدير، خادم الكنيسة ورسولها إلى البشامرة؛ إذ يتحول بدير إلى الإسلام، فيصبح حرًّا يعمل في نسخ الكتب وترجمتها.
ثم، بعد مكوثه فترة في بغداد، يقرِّر العودة إلى مصر كي يقابل ثاونا ويدعوه إلى الدخول في الإسلام. وفي طريق العودة، يمضي سنوات في فلسطين ناسكًا ودرويشًا، ليتابع بعد ذلك طريق عودته إلى بلده، فيصل إلى معلِّمه، الذي كان على فراش الموت، ويدعوه إلى الدين الجديد. فيرفض هذا الأخير اعتناق الإسلام ويموت، معبِّرًا بوفاته، كشخصية قبطية "نخبوية"، عن تراجُع القبط لصالح المسلمين. أما بدير فيتحول إلى درويش متصوف يجوب وحده الطرقات متعرضًا للضرب والإهانة، جاعلاً علاقته مباشرة مع ربِّ العالمين.

- وفي النهاية، لا بدَّ من ملاحظة أخيرة مُفادها أن البشموري، التي تسمِّيها كاتبتُها بـ"رواية الروايات"، إنما تهتم بمشهد مصر الثقافي في العصر الوسيط: مصر الوثنية، القبطية–المسيحية، فالمسلمة الناطقة باللسان العربي القديم والقبطي والفارسي والسرياني والنوبي معًا – مصر "المنصورة" التي احتوت تلك التلاوين كلَّها وطوَّعتْها!

قديم 10-07-2015, 11:30 PM
المشاركة 1389
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع .....البشموري … لسلوى بكر


تقول كاتب / كاتبة المقال /
- أخذتني روعة السياق الأدبي و السرد و الأهتمام بأدق التفاصيل إلي اقترابي من تصديقها ،

- الروايه بها الكثير من التاريخ المدون الذي أجمع عليه المؤرخون الثقاه

قديم 10-08-2015, 04:14 PM
المشاركة 1390
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ....البشموري

- البشموري" رواية استثنائية لكاتبة جريئة وجادة ومجدِّدة، حقَّقت مكانة خاصة منذ أولى خطواتها الإبداعية، ثم توالت أعمالها التي لاقت تقديرًا واحتفاءً في مصر والعالم، وتُرجمت إلى عدة لغات.

- من روايتها: "العربية الذهبية لا تصعد إلى السماء" 1991، "وصف البلبل" 1993، "ليل ونهار" 1997، ومن مجموعاتها القصصية: "زينات في جنازة الرئيس" 1986، "عن الروح التي سرقت تدريجيا" 1989، "إيقاعات متعاكسة" 1996، "نونة الشعنونة" 1999، ومسرحية واحدة هي: "حلم السنين" 2002.

- و"سلوى بكر" لا تستسهل، إنما تقتحم الغابات، تبحث عن المناطق الشائكة، لتدخلها حافية، وكأنها عارفة طريقها.

- و"البشموري" لحظة حرجة في تاريخ الشعب المصري، خلال مرحلة الفتح الإسلامي، لحظة مرّ عليها أكثر من ألف وأربعمائة عام. كثير من المبدعين، بل من المؤرخين، يتخوفون قراءتها، لكنها كعادتها قررت وكتبت.

- في هذه الرواية لن نقرأ تأريخًا جافًا وباردًا لثورة البشموريين، ولكننا سنقرأ تضفيرًا، لا يقدر عليه غيرها، بين ما هو حقيقة، وما هو خيال. بين ما هو تاريخ، وما هو إبداع. بين ما هو ثابت وما هو ماش على قدمين. أناس من لحم ودم، ويصرّون على امتلاك الحقيقة، والثبات على المبدأ.

- تأتي هذه الرواية، لتفتح بابا كبيرا، لقراءة تاريخنا المستبعد عنّا، بفعل عوامل كثيرة، لا لنتعاطف معه، ولكن وبالأساس، لنعرفه.

- تقول سلوى بكر: "تقوم بنية «البشموري» على تلاحم فسيفساء تاريخية كثيرة على خلفية من السرد الروائي لتشكل ضمن هذه الخلفية محصلة وقائع ورؤى روائية لفترة غامضة، يبدو التاريخ فيها وكأنه لا نهاية له،

- ومن هنا فان نص الروائي ما هو الا جملة نصوص كتبت في فترات تاريخية مختلفة، اضافة الى هذا النص، وكأن الرواية تعيد تنسيق وتنظيم الروايات التاريخية هذه ضمن لوحة مشكلة للمشهد الثقافي الحضاري لتلك الفترة بالغة الأهمية، فهي تحتفي بالهامش التاريخي وتعتبره متنا داخل الرواية، كما انها تحتفي بالمسكوت عنه خصوصا اليومي والمعتاد وتضمه ضمن متطلبات ذلك الهامشي المبتعد، وتنقض في الوقت نفسه المتون التاريخية المزمنة والمنحازة الى كل الأيديولوجيات المسبقة والتي تلوي عنق الحقائق والوقائع الانسانية باتجاهه وتفقدها مضامينها النبيلة".


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 31 ( الأعضاء 0 والزوار 31)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 10:53 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.