احصائيات

الردود
10

المشاهدات
5416
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.39

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
10-20-2014, 07:24 PM
المشاركة 1
10-20-2014, 07:24 PM
المشاركة 1
افتراضي نظرات زائغة
نظرات زائغة

في مقهى شعبي جلست أغزل ثوب فضولي ، فمرة أنسجه بخيوط إصرار وترصد ، لأحشر بصري في تعقب ما يمارسه المارة بعضهم على بعض من فنون التحرش والنصب ، فأحس متعة التشفي و الفرحة حين أشاهد من يزاول نيابة عني خبثا تخمر في أحشائي ، و تعتري راحة عارمة دواخلي و نشوة النصر تنتابني بعد أن غذيت نهم الأحقاد بشحنات سلبية ذائبة في بشاعة ما التهمته عيناي . مرة أخرى أعمل على تفصيل جلباب الواعظ فتفتل مقلتاي خيوطا نورانية يستجيب لها لساني هامسا حوقلة استنكار لما تقدم عليه الأيادي من لمس و صفع ، و العيون من غمز و خيانة ، و الأفواه من سب و تقبيل ، حتى الأنوف لا تفوتها فراستي فأكاد أشتم ما تمتد إليه ، سواء أكان عطرا فواحا أو حشرا غبيا في غير موضعه .

اليوم أحس نفسي على غير طبيعتيّ ، فلا غبطة زائدة و لا إحساس الأخ الأكبر ، فقط أنظر متأملا المشهد ، فالكراسي على عادتها ممتلئة بالأجساد و العيون تمارس رياضتها المفضلة متراقصة بين المشاهد على قارعة الشارع ، و أصناف بشرية بين الذهاب والإياب ، الدراجات يتصاعد أزيزها والسيارات والحافلات تطلق مزاميرها و الشاحنات تنفث دخانها الكثيف ، كان الجو غائما و قهوتي فقدت سخونتها ، لم تمهلني ما يكفي من الوقت للانتشاء بحلاوة حرارتها ، بدأت الأمطار تتهاطل فأخذت الحركة في التسارع لبرهة ، لكن سرعان ما تباطأ الإيقاع و ابتلعت المحلات الأسراب الهادرة ، المقهى أيضا بات مهجورا إلا من بعض الزبائن الذين خيم عليهم الصمت لكأن الجميع يعيش معي لحظة التأمل تلك.

رأيت امرأة خمسينية بجلبابها المبلل تتحاشى برك الماء في الشارع فتعتلي الرصيف أحيانا و تتجرأ أحيانا متوسطة الطريق ، مستغلة فسحة قلة المركبات. مر بجانبها شاب يمتطي دراجة نارية دفعها بيده دفعة خفيفة كادت تسقطه من على راحلته التي انعرجت به يمينا ثم يسارا ، ليوقفها بعد جهد في بركة الماء ، ولسانه يسترسل سبّا وشتما . انخلع قلبه عندما التفت ليجدها جثة هامدة وسط الطريق و بعض المتطفلين يهرولون جهتها محاولين استنهاض همتها المتراخية ، كانت الأمطار تزداد غزارة عندما لحقت بالمتحلقين حول المرأة ، نظرت إلى عينيها اللتين تفتحتا، فحدجتني بنظرة ماكرة قبل أن يزيغ نظرها ولسان الشاب يلومها بافتعال الصرع ، وتماديها في التمثيل قصد ابتزازه حينما يحضر رجال الأمن والسلامة الطرقية .

ازدادت الأمطار قساوة و هبت ريح عاصفة بينما لاتزال المرأة ممددة على البساط الأسود ، تتجنبها العربات كما سيول المياه الجارية ، تفضل واحد من رجال الحسنات فغطاها بغطاء بلاستيكي يقيها رعونة الأمطار التي أجبرت فضولنا على التلاشي ، بينما صاحب الدراجة يتحين الفرصة للهروب من هذا المأزق الذي يراه مفتعلا .

عندما وصلت إلى مقعدي لم أستطع تبين المرأة مع اشتداد الضباب و تقلص مدى الرؤية بينما بعض السيارات أطلقت أنوارها ، بغتة ظهرت شاحنة ممتدة تتطاير المياه على جوانبها وعواؤها المفزع يثير ما تبقى من فضولي ، رأيت شبح المرأة ينتفض بعنف ، تعثرت خطوتها فحاولت التخلص من الغطاء الملتف حول رجلها بحركة بهلوانية ، و يداها ممتدتان لارغام الموت على تغيير مساره ، لكن أطنان الحديد أبت إلا أن تعصر ليونتها و تحطم صلابتها ، تألمت عيناي من ذلك المشهد الرهيب ، أحكمت أغلاقهما و جبهتي على المائدة ، حين رجعت بهما إلى المكان ، غابت الشاحنة و لم أر للدراجي أثرا لكن حمرة الماء كانت بادية .

طفت بعيني المتعبتين المقهي الذي تخلص من آخر زبنائه ، قدماي تبتعدان عن المكان وسياط المياه المتدفقة من الأعالي تنهال على جسدي بينما تحاصرني ظلمة خفيفة يزداد سوادها مع توالي الخطوات .


قديم 10-21-2014, 12:09 AM
المشاركة 2
محمد الشرادي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
أهلا اخي ياسر.
أول نص أقرأه لك في المنابر الثقافية. راقني النص ببنائه المهني المحبوك، و لغته الرصينة.
مسكينة تعتقد ان الموت تمزح و تسمح لحد ان يمثل دور الميت. فأرسلت لها رسولها الحديدي فأرداها قتلية. لا يجب ان نتجرأ على الموت لأن رده مميت.
دام الألق لقلمك أيها الجميل.
تحياتي

قديم 10-21-2014, 09:23 AM
المشاركة 3
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اسلوب سردي رائع وغاية في التشويق شدني لمتابعة القراءة وكانت النهاية مزلزلة ومفجعة وتمثل لحظة انقلاب حادة.

حبكة متينة والسرد مكثف خالي من الحشو، والاحداث تساند بعضها بعضا وصاعدة تجاه لحظة الانقلاب الحادة والنهاية المزلزلة.
طبعا المشهد تصويري وكان القاص يحمل كاميرا سينمائية وينقل لنا المشهد أمامه بث مباشر وقد نجح في تسخير الحواس خاصة حاسة البصر مما ايقظ حواس المتلقي وفتح عينيه على وسعهما لمشاهدة ما كان يجري على ناصية ذلك الشارع من احداث.

بناء الشخصيات مناسب واستخدام الأرقام يكون له دائماً سحرية معينة كون الأرقام لغة الكون.
كما ان استخدام ضمير المتكلم زاد من مصداقية السرد لان السارد عليم .
ولا شك ان القاص نجح في إيصال الفكرة باسلوب مشوق وهي لا عبث مع الموت ؟!
قصة ناجحة واسلوب مشوق.

*

قديم 10-22-2014, 12:57 AM
المشاركة 4
زياد القنطار
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ ياسر علي .
مازلت أعود لهذا النص فيطربني في كل عودة ,صوت طقطقة المفاتيح في أقفال المعاني .ويحفزني لعودة جديدة .
مرور المتعجل لأطبع إعجاباً لا أريد تأخيره ,ريثما أقيل في ظلال النص الوارفه .
الأمر الآخر هو سؤال ....بعد وقوفي على رد
الأستاذ أيوب صابر أراه ملحاً حتى لانتجاوزه وهو.

هل حقاً أن الكاتب أراد من هذا النص أن يوقفنا على حقيقة العبث مع الموت ..أم أن النص اشتمل على أبعاد أعمق من هذه الحقيقة التي طفت على السطح ..؟؟؟؟

حرف مبدع وارف ورافة صاحبه ,,خالص الود والتقدير أستاذ ياسر .

هبْني نقداً أهبك حرفاً
قديم 10-22-2014, 01:14 AM
المشاركة 5
عبدالحكيم ياسين
فنان وأديـب ساخر سوري

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

من النصوص الأدبيّة مايشبه المصباح الساطع الضياء ..
المركّز على نقطة في الأنحاء..
يحمله متحرّك مستقيم الوجهة
ينطلق من لحظة في الزمان وحيّز من المكان صوب مستقرّ له فيهما ..
ويمتزج الموضوع بالهدف كامتزاج زجاج الكأس بالماء ..
ومنها مايشبه ضوء البدرالتمام.. في سمام بلاغمام ..
ينير الخلاء بجلاء..ولايخترق الماوراء..
فتتراقص الظلال ..وتثير الخيال..
ونصوص أخرى كشمس النهار..
تتسلّل من كوّة في سقف..ومن نوافذ مفتوحة حتى النصف..
فيحارالناظر ..حين يرى الأضواء ..مسلّطة على بضعة أشياء ..
ويتساءل..ترى أيّها الأكثر ظفراً بالوضوح..وأيّها يقع موقع الروح..
فإذا هي متضامنة متكافلة..لرسم لوحة متكاملة ..
وتفرض محتويات المكان وانعكاساتها القراءات..
وتنسج العلاقة بينها مسبوك إيحاءات ..
وهنا في نظرات زائغة..تزيغ أبصار أحياناً ..
وتزيغ بصائر..وتنطق الصور..متضافرة لتقول:
الحياة نعمة..فلايعبثنّ بها عابث فيفقدها..
ولايتماوتنّ متماوت لقبض ثمن ميتة لايستطيع ردّها..
وتهلك المرأة في مطلب من مطالب الحياة..
لأّنّها ارتدت له ثوب ممات..
ويحيق بها مامكرت..وتقع فيما حفرت..
والقصّة بمجملها تقول:
تعاطفوا مع هذه البائسة المخادعة قدر ماتريدون..
واشمتوا بها إذا شئتم..ولكن اعلموا أنّ الموت ليس عقوبة..
وليس نهاية ..فله مابعده..ولكن تذكّروا فقط أنّ الجميع
لهم حركات تماوت مماثلة ..وتصدمهم شاحنات مختلفة الأوزان والأحجام..
تترك أحياناً ندوباً على الوحوه المرئيّة..وتارة كدمات على الأجزاء المخفيّة..
ولكنّها في المحصّلة..ستمرّ في وقت ما على غير انتظار ..
وسيكون ذلك جزاء لكم على التلاعب و الاستهتار..
وربما بلا سبب معروف..فأنتم هدف موقوف ..
لسهم صائب..سينطلق ذات يوم ..فاستعدّوا للرحلة..
وتزوّدوا للنقلة..ولا أراكم تفعلون ..وأذكّر بذلك نغسي ..
فأنا مثلكم مجرّد متفرّج ..وعندما أعظ ..أكون أولى بالموعظة..
جزاك الله كلّ خير أخي ياسر ..فالموضوع ..والبناء المنطقي ..
والوصف..من الذي أحسنت ..فلك التحية والتقدير..

قديم 10-23-2014, 02:05 AM
المشاركة 6
زياد القنطار
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
أهلاً بالأستاذ والأديب ياسر علي .
اقتباس ....
في مقهى شعبي جلست أغزل ثوب فضولي ، فمرة أنسجه بخيوط إصرار وترصد ، لأحشر بصري في تعقب ما يمارسه المارة بعضهم على بعض من فنون التحرش والنصب ، فأحس متعة التشفي و الفرحة حين أشاهد من يزاول نيابة عني خبثا تخمر في أحشائي ، و تعتري راحة عارمة دواخلي و نشوة النصر تنتابني بعد أن غذيت نهم الأحقاد بشحنات سلبية ذائبة في بشاعة ما التهمته عيناي . مرة أخرى أعمل على تفصيل جلباب الواعظ فتفتل مقلتاي خيوطا نورانية يستجيب لها لساني هامسا حوقلة استنكار لما تقدم عليه الأيادي من لمس و صفع ، و العيون من غمز و خيانة ، و الأفواه من سب و تقبيل ، حتى الأنوف لا تفوتها فراستي فأكاد أشتم ما تمتد إليه ، سواء أكان عطرا فواحا أو حشرا غبيا في غير موضعه .
من العنوان ( نظرات زائغة ) وضع الأستاذ ياسر علي القارئ أمام حالة من الحيرة سيلزمه تتبع أسبابها ,فنجح أيما نجاح في تهيئة القارئ ممسكاً بيده ماراً به على أحداث القصة .
في المقدمة كان الكاتب جداً مهتماً برسم صورة لبطل قصته يستطيع من خلالها العبور مع القارئ لأحداث القصة دون عناء أو مجرد تساؤل ..فبطل القصة مراقب نهم لما حوله وهذا تأكيد على حالة قلق مستبد ,ناهيك عن القهر الواضح والسادية المكبوته المشبعة بالتلذذ بشقاء الغير بشقاء حاله ,إضافة إلى التلون في شخصية البطل الذي يتحول بلحظة إلى واعظ تكيفاً مع الجمهور أو الحالة ,مظهراً سلبية ومجانبة لما يدور حوله ومقاربة لها بالهمس دون أي فعل يذكر .
بهذا نجح الأستاذ ياسر في نضوج شخصية البطل في خيالنا كما هو ناضج في خياله وهذه حرفية الكاتب المبدع .
اقتباس ....في مقهى شعبي جلست أغزل ثوب فضولي ، فمرة أنسجه بخيوط إصرار وترصد
في هذا المقطع من المقدمة ..ثمة مشكلة أحسها بين الغزل والثوب ,والحقيقة أنا أعلم أن الثوب لايغزل وإنما خيوطه ومن ثم تنسج ,وربما لو كانت كلمة أنسج مكان أغزل لكانت أقرب وأصح وخاصة أن الأستاذ ياسر أردف مستطرداً فمرة أنسجه بخيوط إصرار وترصد ........ وكان الأجدر أن تغزل خيوط ثوب الفضول وليس الثوب ...
يتبع .

هبْني نقداً أهبك حرفاً
قديم 10-23-2014, 02:53 AM
المشاركة 7
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أهلا بالأستاذ محمد الشرادي :

مرحبا بكم أستاذي الفاضل و شكرا لكم على القراءة والتعليق ، و ربما يكون هذا ثاني نص حظي بقراءتكم و تعليقكم ، فأحلام التفاح كانت أو لقاء بين حروفي و ذائقتكم العذبة .
كل التقدير و المحبة .

الأستاذ أيوب صابر :

شكرا لكم سيدي على لمستكم الفنية على النص و جعله في حلة جديدة أنيقة .
كما لا أخفيكم مقدار تأثري بكلماتكم التي رفعت من قيمة النص و جعلته في مرتبة النصوص الناجحة .
كل الاحترام و التقدير لأستاذنا الغيور على الثقافة والأدب والعلوم .

الأستاذ زياد القنطار :

عندما آخذ قلمي رغبة في الكتابة ، أمنح له حرية التحليق ، ولا أريد لنص من نصوصي أن يكون أحادي الفكرة ، فإن وفقت في التعبير فهذا ما أرجوه ، وإن لم تظهر الرسائل بشكل جلي فهذا محفز لي على تغيير الأسلوب ، و محاولة الرفع من جودة ما أقدمه .
كامل تقديري و احترامي .


الأستاذ عبد الحكيم ياسين :

مرحبا بكم سيدي و مرحبا بقلمكم الوهاج ، أسعدتني هذه القراءة البهية و عمق التحليل ، و هذه النظرة الثاقبة التي تجولت عبر فضاءات النص .

وشكرا لكم وتقبل احترامي .


الأستاذ زياد القنطار :
مرحبا مرة أخرى في رحاب النص ، الذي أبت نظرتكم المتفحصة إلا أن تزيده توهجا ، و تعطيه قيمة مضافة ، فخور بكم و بما سيحظى به نصي من قراءة شاملة ، تقف على بنيانه و فضاءاته و تستنطق حاله و تقدم له التقويم اللازم ، و توشحه بقراءة نقدية ما أحوجنا إليها ، كي تنمو فينا القدرة على الكتابة .

كامل التقدير والاحترام .

قديم 10-24-2014, 04:02 AM
المشاركة 8
زياد القنطار
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
اقتباس...
(اليوم أحس نفسي على غير طبيعتيّ ، فلا غبطة زائدة و لا إحساس الأخ الأكبر ، فقط أنظر متأملا المشهد ، فالكراسي على عادتها ممتلئة بالأجساد و العيون تمارس رياضتها المفضلة متراقصة بين المشاهد على قارعة الشارع ، و أصناف بشرية بين الذهاب والإياب ، الدراجات يتصاعد أزيزها والسيارات والحافلات تطلق مزاميرها و الشاحنات تنفث دخانها الكثيف ، كان الجو غائما و قهوتي فقدت سخونتها ، لم تمهلني ما يكفي من الوقت للانتشاء بحلاوة حرارتها ، بدأت الأمطار تتهاطل فأخذت الحركة في التسارع لبرهة ، لكن سرعان ما تباطأ الإيقاع و ابتلعت المحلات الأسراب الهادرة ، المقهى أيضا بات مهجورا إلا من بعض الزبائن الذين خيم عليهم الصمت لكأن الجميع يعيش معي لحظة التأمل تلك.)
في لحظة مفاجئة ينزع الراوي عن كتفيه ثوب فضوله ,ليس إلا لنكون على أتم الجهوزية لانقلاب رأسي ,من شخصية تقحم نفسها بتفاصيل كل ماحولها ,إلى شخصية اكتفت برصد ماحولها دون أي تفاعل ,وهنا أعتقد كان الأمر تهيئة لتفجير الحدث الرئيس ,الذي سيأتي فيما بعد ,من خلال الصمت الذي أطبق على المكان بحيث يكون دوي انفجار الحدث أكثر حدة .
الانقلاب في نمط الشخصية ,قد يكون له دلالة اعتزال واقع أرهقت سطوته البطل ,فقرر الاكتفاء برصد ماحوله دون إحداث إي جلبة حتى في داخله .............
يتبع

هبْني نقداً أهبك حرفاً
قديم 10-25-2014, 02:09 AM
المشاركة 9
زياد القنطار
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
اقتباس
رأيت امرأة خمسينية بجلبابها المبلل تتحاشى برك الماء في الشارع فتعتلي الرصيف أحيانا و تتجرأ أحيانا متوسطة الطريق ، مستغلة فسحة قلة المركبات. مر بجانبها شاب يمتطي دراجة نارية دفعها بيده دفعة خفيفة كادت تسقطه من على راحلته التي انعرجت به يمينا ثم يسارا ، ليوقفها بعد جهد في بركة الماء ، ولسانه يسترسل سبّا وشتما . انخلع قلبه عندما التفت ليجدها جثة هامدة وسط الطريق و بعض المتطفلين يهرولون جهتها محاولين استنهاض همتها المتراخية ، كانت الأمطار تزداد غزارة عندما لحقت بالمتحلقين حول المرأة ، نظرت إلى عينيها اللتين تفتحتا، فحدجتني بنظرة ماكرة قبل أن يزيغ نظرها ولسان الشاب يلومها بافتعال الصرع ، وتماديها في التمثيل قصد ابتزازه حينما يحضر رجال الأمن والسلامة الطرقية .
إمرأة خمسينية .......إذاً ليست في مقتبل العمر ,ولم تخرج للشارع لتعتاش من أعمال الشوارع القذرة ,لأنها لاتملك مقومات هذا العمل وأراد لنا الراوي أن ندرك الأمر تماماً , وندرك أيضاً أن طريقها لم يكن أمن المسار ختى إنها كانت تفر من الرصيف الأمن إلى وسط الشارع الخطر ليس إلا لقطع برك الماء لخط سيرها ,وهنا دلالة على ضيق ذات اليد وضيق فرص الحياة الكريمة لخمسينية يفترض أن تكون كذلك ,خاصة إذا علمنا أن سن الخمسين عند المرأة هو سن مرتبط باليأس ....
في ذات المقطع يلتحق البطل..ويصر على أنه التحق ولم يكن من الأوائل الذين هرعوا ليتفقدوا المرأة ,الحقيقة هذا تأكيد على أنه على دراية بكل ما حوله والمرأة من ضمن مايعرف ,وإلا لما خصته بتلك النظرة قبل أن تزوغ نظراتها في رجاء أن لايفصح ,عما يعرف ,وبقي البطل يستمع لسباب الشاب صاحب الدراجة غير محتج عليه ولا محتجاً على تمثيلية الموت تلك وكأن الأمر شرعة المحتاج أو ذلك الدرك المظلم الذي وصل إليه الناس احتيالاً على تحصيل قوتهم .

اقتباس
ازدادت الأمطار قساوة و هبت ريح عاصفة بينما لاتزال المرأة ممددة على البساط الأسود ، تتجنبها العربات كما سيول المياه الجارية ، تفضل واحد من رجال الحسنات فغطاها بغطاء بلاستيكي يقيها رعونة الأمطار التي أجبرت فضولنا على التلاشي ، بينما صاحب الدراجة يتحين الفرصة للهروب من هذا المأزق الذي يراه مفتعلا .

عندما وصلت إلى مقعدي لم أستطع تبين المرأة مع اشتداد الضباب و تقلص مدى الرؤية بينما بعض السيارات أطلقت أنوارها ، بغتة ظهرت شاحنة ممتدة تتطاير المياه على جوانبها وعواؤها المفزع يثير ما تبقى من فضولي ، رأيت شبح المرأة ينتفض بعنف ، تعثرت خطوتها فحاولت التخلص من الغطاء الملتف حول رجلها بحركة بهلوانية ، و يداها ممتدتان لارغام الموت على تغيير مساره ، لكن أطنان الحديد أبت إلا أن تعصر ليونتها و تحطم صلابتها ، تألمت عيناي من ذلك المشهد الرهيب ، أحكمت أغلاقهما و جبهتي على المائدة ، حين رجعت بهما إلى المكان ، غابت الشاحنة و لم أر للدراجي أثرا لكن حمرة الماء كانت بادية .

طفت بعيني المتعبتين المقهي الذي تخلص من آخر زبنائه ، قدماي تبتعدان عن المكان وسياط المياه المتدفقة من الأعالي تنهال على جسدي بينما تحاصرني ظلمة خفيفة يزداد سوادها مع توالي الخطوات .

هنا برأي كان لابد من إشراك الطبيعة لتتوافق مع سطوة الواقع ,وتسخيرها لتتجانس وتتماها معه ,والحقيقة واللافت هو التعامل مع الحدث من قبل الجمور بهذا القدر من عدم الاكتراث ,وإفساح المجال لتلك الشاحنه التي تقذف الماء وتشق بركه لتفعل فعلها بهذا الجسد , وماتمثله هذه الماكينه من انفلات في كل شيء ,وكيف غيرت المسارات والوضع برمته وخلق حالة أخرى لم تبق من المشهد إلا أثره ...
هنا يبدأ انقلاب آخر في ذات البطل ,يفرغ من حول كل شيء , ولايبقى له إلى وقع خطوات تنوء بألم سياط المياه الجالدة تعنيفاً على ا أعتقد ,وإلا ما كانت الظلمة لتشتد مع كل نقللة لها ..
في النهاية ..أنا مررت على هذا النص أروي الذائقة المتعطشة وها هي أصابت من هذه العين الصافية ما أصابت ,وأرتوت من عطشِ.
الأستاذ ياسر علي .
مررت هاهنا قارئاً أحاول الغوص في جمال هذا النص ,وأرجو أن أكون وفقت ,لما لهذا النص من قيمة جمالية وإبداعية ,,حيث اكتملت زينة القصة لغة وحبكة وشخوصاً وتشويقاً ونهاية ,
حرف مبدع كما هو دائماً خالص التقدير,

هبْني نقداً أهبك حرفاً
قديم 10-25-2014, 11:31 PM
المشاركة 10
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أهلا بالأستاذ زياد القنطار

جميل ما أكرمت به نصي و ما نثرته أناملكم من اللؤلؤ في هذا المنبر ، و لا يسعني إلا أن أشد على يدكم بحرارة و أنا ممتن لوقفتكم السامقة و ما قدمته من تطعيم للنص بتلك الرؤية الواعية والنيرة .
واعذر قصور قريحتي إن لم تستطع ترجمة عرفان يوازي منتكم الغالية و مجهودكم الباسق .
من فضل ذائقتكم البليغة ، و ما تملكونه من حضور لغوي مشهود ، أغزل ثوب فضولي سقطة في تجانس المفردات ربما ظننت أن الغزل ياتي قبل نسج الثوب فاسقطت دلالة النسج على الغزل . ،لكن الأصح فعلا هو أنسج ثوب فضولي ، وربما تفاديا للتكرار ، سأغيرها بأحيك .


ربما شعريا يمكن قبول هذه المزاوجة بين الغزل والثوب كما يوجد في هذه الأبيات المنسوبة للبحتري :


فخالفت مريم في دينها، ــــــــــــــــــــــــــــــــــ وفارقت ناموسها المنتهج
وخرقت غفورها كافراً ـــــــــــــــــــــــــــــــــ بمن غزل الثوب أو من نسج


كامل التقدير لأستاذي الفاضل
ولكم وافر التحايا .


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: نظرات زائغة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أخطاء شائعة في الكتابة عمر مسلط منبر الدراسات النحوية والصرفية واللغوية 9 01-19-2021 11:54 PM
نظرات من عين الحياة عبد الرحيم صابر المقهى 4 01-01-2018 02:23 PM
[ أخطاء شائعة تجري على ألسنتنا ] حميد درويش عطية منبر الدراسات النحوية والصرفية واللغوية 134 12-12-2017 08:05 PM
إليكِ يا صانعة الوجع .... المصطفى العمري منبر البوح الهادئ 1 03-19-2012 07:38 PM
نظرات في الفقه و التاريخ عمرأبوحسام الحسني منبر الحوارات الثقافية العامة 2 11-12-2011 07:13 PM

الساعة الآن 08:36 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.