احصائيات

الردود
2

المشاهدات
2870
 
انمار رحمة الله
من آل منابر ثقافية

انمار رحمة الله is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
68

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Jul 2009

الاقامة

رقم العضوية
7382
12-06-2011, 01:52 PM
المشاركة 1
12-06-2011, 01:52 PM
المشاركة 1
افتراضي ليلة ٌ ضاعَ فيها الرغيف
[justify]

الذاكرةُ مرفأ الخيالات،يعصفُ بحرُها ويستكينُ .يقلّبُ الماضي على راحتيها،الأوجاع /الأماني/البكاء /الشعورَ التائه في عالم أثيري عميق. صعب هو مصارحةُ الذات ،والأشدّ صعوبة الاسترسال في عدم ِ نكران الواقع. وخصوصاً إن من تخصّهُ الحكايةُ رجلاً ستينـياً يـودّعُ زمنا ً غابرا ً ،ويمارسُ الحياةَ في بساطةٍ مألوفة لعمره الشائخ. الشتاءُ عانق المدينة ،طابعاً على خدها الأسمر قبلاً باردة.كنت طفلاً أراه كالباقين قرب المدفئة،يتصفـّحُ كتاباً أو صحيفةً أو يعتكِفُ كناسك يرسلُ أنظاراً بعيدةً من خلال النافذة المطلة على البساتين النائمة. كنتُ أراقبه عن كثب حين يبكي من دون سبب، خافياً بكاءَهُ عن الكبار ومسترسلاً في دموعِه أمامي غير آبه ،بحكم أني صغير وغير مكترثٍ لدموع رجل عجوز،وهو الآخر ينظرُ لي النظرةَ ذاتها من دون اكتراث.
مازلتُ اذكرُ صوته البعيد،وارتعاشَ يدهِ المسنّة.سألني ليلتها عن حال المدرسة وهموم المذاكرة ،أجبته وكفي تخطُّ على الورقة خطوطاً لا اعرفُ مغزاها ،سوى أن الحركةَ كانتْ تحولُ بين عيني ّ وعينيه اللامعة "بخير" أجبته ببساطة .
صمتُّ برهة فانتبه إلى نظارته وقد تلطختْ بدمعهِ المترقرق فأنزلها ماسحا ً زجاجها القديم وأرجعها ثانية ً فعاجلته حينها بشغف طفولي :-
- جدي ..جدي..لماذا تبكي .؟!
بانتْ ابتسامةٌ على وجههِ المتعب ،ثم ربّتَ على كتفي .اعتدلتُ في جلستي وبدأت أطالعُ قسماتِ وجههِ وهو يزفرُ تأوهاً وهو يذكر كلمة "الماضي" الذي أشرقَ في كلامِهِ كشمسٍ خجــولةٍ قائـلا ً:
- بني أنها قصةٌ من الماضي البعيد تطاردني دوما ً..
توسّـلتُ إليه راجيا ً أن يقـصّها لي ،فما هي إلا ثوان وانفرجتْ الستارةُ في مسـرحِ الـذّاكرة معلنةً هي الأخرى تأوهاتٍ خفيةٍ في اللاشعور حيثُ استطردَ قائلا ً:
- حين كنتُ شابا ً وكان علي لزاما ً أن أكملَ خدمتي الوطنية ،تعلـّقتُ بصديقٍ حنونٍ لي في تلك المحنة .
قاطعته ُ مستفسرا ًعن اسم صديقه فأجاب:
-لايهمنا اسمه ..فالأسماء لوحات رخام نخفي تحتها قبورَ الأرواح ) لم افهم قصده في تلك اللحظة فتركته يكملُ حديثه قائلا ً :
كان صباحنا يعلنُ بدايةَ يومٍ شتائي جديد ،وكانتْ الطيور تحلـّقُ من فوق كتيبتنا الباردة، تطالعُ في نـَهَمٍ تدريباتنا الصباحية الرتيبة،نقفز ونتمرن ونهرول غير آبهين للبرد، كنا متحابين تجمعنا شفافيةُ الوئام و الحب والصفاء. كنتُ وإياهُ بمنأى عن الباقين ،فقط ْأنا وهو ؛نأكلُ وننام ونحكي وقتَ الغروبِ حكاياتٍ عن مدننا وقرانا البعيدة،فتارةً يحكي لي عن حبٍ أرّقهُ،وتارةً أحكي له مشاعري وحكايات حب انتهتْ يوماً ولم تفلحْ.كانتْ حياتنا سعيدةً بالرغمِ من تعاسةِ المكان، وتكالبِ الهمومِ الوطنية التي جمعتنا في معتقلِ الرتابة والواجب.
اعتدلتُ في جلستي بعد أن رَعدتْ السماء ،نظرت إلى وجه جدي الخافت مستفسراً في استغراب:
- ولكن يا جدي ما هو الذي يبكيك في هذه الحكاية .؟
وضع الرجل العجوز نظارته على الطاولة المجاورة،ثم فرك عينيه بهدوء وقال:
- مرتْ علينا ذاتَ شهرٍ أيامُ جوعٍ وقحطٍ شديد،بسببِ بعد موقعنا البائس، وتكالبُ الطـقسِ علينا قطع المدّ من معونةٍ وإعاشةٍ دورية،وتكفـّلَ الشتاءُ بالباقي ،حين أذابَ ما أخفيناه من طعامٍ وشحومٍ وعزيمة ، وبعد أيام ظهرتْ بوادرُ الخير حين لاحتْ لأعيننا مركبةُ الإعاشة من بعيد ،عادتْ كـ (سانتا كلوز) محملةً بالهدايا للجائعين . في يومها لم تسعنا الفرحة ،لقد كنـّا على مشارفِ الموتِ نتيجةَ السغب،قلت لصديقي العزيز "سوف نأكل حتى نموت من الشبع" ضحكَ صديقي طويلاً وحمدَ اللهَ بوجودي معه في محنتنا تلك. وصلتْ المركبةُ المتهرئةُ إلى باب الكتيبة اليتيمة،ثم أغلـق َالسائـقُ باب َ المركبة بقوة ٍ،و سـلّم َ على الموجودين ،قاصداً مقرّ الإعاشة،ومبلغا ً أن ما بحوزتهِ أرغـفةَ خـبزٍ لا أكثرْ،صُعـِقَ الجميعُ بهذا الخبر القاتل ،وتنازلَ بعضُهم عن نواميسه الكبرى كافراً بكلّ مقدسٍ في الوجود،واستغفرَ بعضُهم ربَه صابراً على ما ألمَّ بنا من ضـيم ٍ ومـرار،وأنا وصديقي كنا متفرجيْن على مهزلةِ الجوع الأليمة،لا نعرفُ هل نبكي.؟ أم نضحكُ...؟
وزِعِـتْ أرغفةُ الخبز حيثُ أخذ الآمرون حصتهم المألوفة،ومن ثم تم توزيع الباقي على من لهُ يدٌ وذارع مفتولة ولسانٌ يفتكُ بالأعراف والأخلاق الحميدة ،وأنا وصديقي الجائع نتفرجُ كطفلين على واقعة الجوع.همسَ صديقي في أُذني ..سوفَ اجلبُ لنا رغيفين كي نتعشى بهما) هرولَ إليهم مسرعا ً عله يخطفُ قرصَ رغيفٍ بائس،أنا لم أفعلْ شيء سوى رجوعي إلى مقرّ نومي منتظراً الموتَ أو وصولَ قافلةِ للإمداد مِن جديد.عادَ صديقي مبتسما ًوبحوزته قرصُ رغيفٍ واحد،جلسَ قربي وهو يحكي قصةَ مغامرتِهِ للحصولِ على الجائزة،ومصارعةِ الباقين وخطف لُقيمات تخرس صوت الألم في غابة الجوع المظلمة.وضعَ الرغيفَ أمامي طالباً مني الأكل ..فرفضتُ معلناً صبري على الحال ،متعاطفاً معه ، فقرصُ رغيفٍ واحد لا يكفي لرجلين .توسّلَ بي أن أشاطره فرفضتُ مجدداً ،وأخبرته إني سوف احصلُ أيضا على قرصِ رغيفٍ آخر ،ثم خرجتُ وليت في خروجي أمل و جدوى . تركته وحيداً فـَرِحـاً بالنصر، فلمْ نحاربْ في تلكَ الكتيبة عدواً إلا الجوع،وقد هـَزمَنا شرَّ هزيمة.
عدتُّ إليه صفر اليدين،سألني في استغراب ..هل حصلت على شيء.؟ فأجبته نعم)، ولم اخبره أني مهزوما ًرجعت ، سألني...ولكن أين رغيفك.؟) أجبته بسرعة .. أكلته في الطريق).
خيّمَ الليلُ وشيكا ً خافياً تحتَ لحافـِهِ أنـّات ٍ متفرقةٍ لبعض الجائعين ،مثلي طبعاً لم يفلحوا بالوصول إلى بغيتهم،صديقي أخفى رغيفه في حقيبته البسيطة،ثم توجه للصلاة شاكراً ربَه على ديمومة ِالحياة،كنتُ أراقبه عن كثب،فقد أوصاني أن لا أفارقَ الحقيبة ، وخصوصاً أن فيها بعضَ ما يملكُ من أشياء،وعلى رأسها رغيفُ الخبز الثمين.
أكملَ صلاته وشكرني على صبري ،ثم توجهت أنا بدوري إلى خارجِ المكان لقضاء بعض الأشياء،وإذا بصوتِ صديقي يعلو من داخل القاعة ،رجعت راكضاً إليه ..ماذا حصل ...ماذا حصل.؟)سألته في عجلٍ فأخبرني أن رغيفه سُرق،سألتـُهُ هل رأيتَ الشخص الذي أخذه .؟قال ..لا لم أرَه ) .بدأ صديقي يسأل الباقين ،يستحلفُ هذا... ويقسم على هذا.. من أخذ قرصي الوحيد) يصيح بصوتٍ عالٍ،بدأ يفقدُ أعصابَه /يشتم/يبصق /يلعن سارقَ الرغيف،والكلُ في صمتٍ نائمون /مستسلمون للجوع والقدر.سألته هل وضعته في مكان آخر .؟ أجابني بـ( لا ..لا) .
رجعَ صديقي إلى فراشِه مستلماً هو الآخر للجوع ،وغطّ في نومِه كعصفورٍ مبلل ٍ خائـف،في تلك الليلة الكلُ نامَ في هدوء،إلا إنا بقيتُ ساهرا ً حتى الصباح أرقـُبُ أسرابا ً من الملائكة تهبطُ على قاعة المنام،حاملةً روحَ صديقي العزيز إلى عالمٍ أنقرضَ فيه الجوع والحسد و الأنانية ، لم اعرفْ ليلتها هل رحل بسبب الجوع .؟...الألم.؟ أم الضياع والحُرقة ؟ .نعم سهرتُ ليلتها وأصبحتُ بلا صديق..بلا رفيق،لقد رحل إلى عالم الخلاص.وتركني وحيدا امضغ آلامي وارى أيامي تتآكل حزنا وندما.رحل ذاك الصديق ،ولم يشبعني رغيف العالم كله، ومصيري أن أظل جائعاً إلى صديق حنون .
توقف جدي عن الكلام سارحا ً في عالم ٍ بعيد ، فانبريت له سائلا ًبفضولٍ شديد:
- ولكن ..ولكن يا جدي هل عرفت من سرقَ قطعةَ الرغيف..؟
نكّسَ رأسه بحزنٍ عميق، ونَبس في استحياءٍ كالأطفال مشيرا إلى صدره قائلاً :
- ... أنا


[/justify]


قديم 12-06-2011, 02:31 PM
المشاركة 2
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي

الأخت الفاضلة : أنمار رحمة الله

بداية أرحب بك وبعودتك وحضورك بيننا صاحبة قلم ينهل من معين

الحرف الوضاء.

حللت أهلا ونزلت سهلا سيدتي ..

وها إني أسجل إعجابي بنصك على أمل العودة إليه لاحقا لأن

وقت
العمل قد حان ..

وإلى ذاك الحين أتركك في رعاية الله وحفظه ..

ودمت بود .




قديم 12-16-2011, 05:07 PM
المشاركة 3
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأديبة الكريمة أنمار رحمة الله المحترمة

لحظة ألم وندم لا يمحوها الدهر . .
أسعدتني بالقصة وآلمتني بالأحداث . . فهي محزنة جداً . .

تقبلي تحيتي واحترامي . .
دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: ليلة ٌ ضاعَ فيها الرغيف
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
السيد ابي عبد الله الحسين القحطاني يحدد ليلة القدر التي اختلف فيها المسلمون هادي الشمري منبر الحوارات الثقافية العامة 0 05-08-2020 02:48 PM
الرغيف ينبض كالقلب ياسر حباب منبر رواق الكُتب. 9 12-13-2019 05:02 PM
ليلة ضاع فيها الرغيف انمار رحمة الله منبر القصص والروايات والمسرح . 27 12-25-2015 08:04 PM
..{خباز الرغيف ! //// شيخه المرضي منبر البوح الهادئ 12 04-13-2013 10:02 PM
ليلة بألف ليلة سناء محمد منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 2 03-20-2012 12:09 PM

الساعة الآن 06:46 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.