قديم 10-21-2010, 03:16 PM
المشاركة 21
عبد اللطيف غسري
شاعر ومترجـم مغـربي
  • غير موجود
افتراضي
قصيدة من عيون الشعر

رائع دائما أخي عبد اللطيف
شكرا لك أخي سعيد:
أسعدني مرورك الجميل بين ثنايا حروفي..
تقبل مودتي وتقديري.

قديم 11-04-2010, 12:07 AM
المشاركة 22
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي


وَيغْتسِلُ الجَمْرُ مِن ماءِ حَرْفِي


وَمِن وَدْقِ قافِيَتِـي المُنْـزَلِ



حتما هي صور شعرية جميلة جدا، رومانسية طاغية، قدرة مهولة على نظم الشعر، اتقان مدهش من حيث الوزن والقافية، ومعاني غنية، مشاعر ملتهبة...شاعر فذ ومميز في قدرته على نظم القصيد.




فتعالوا معي نحاول سبر أغوار هذه القصيدة الرومانسية الملتهبة جمالا ومشاعر نستخرج منها ما نستطيع من حلي وجواهر رغم صعوبة بعض المعاني والتعقيد الذي يشوب الصور الشعرية التي تطفح فيها القصيدة.


أرَاكِ فأسْكُبُنِـي مِـنْ عَـل
شَـلاَّلِ خاطِـرَةٍ سَلـسَـلِ
وَتَسَّاقطُ الكلِمَـاتُ الحيَـارَى
رذاذًا بقـارعَـةِ الـجَـدْوَلِ


يقول الشاعر عبد اللطيف غسري في مستهل إنشاده ومطلع قصيدته الجميلة هذه، والتي يوضح لنا عنوانها بأنها قصيدة غرام وعشق لامرأة بالغة الحسن والجمال أحبها الشاعر وهو يخاطبها وكأنها تنأى عنه...إذ يقول لها مناديا " تعالي وحطي على كلكلي" وهو ما يشير إلى نوع من الجفاء في العلاقة بينهما أو ربما تمنع وبُعد وتدلل، وقد يكون عشق من طرف واحد مما ألهب مشاعر الشاعر وجعله يصدح بهذه القصيدة الجميلة في لحظة عشق ملتهبة أو ربما حينما كان يجلس وحيدا في صومعته يستذكر ذلك الحسن الخلاب الذي سلب لبه يصدح بهذه القصيدة وربما شعره كله.


ويبدأ الشاعر قصيدته بقوله، أي حبيبه اعلمي أنني حينما أراك انسكب قولا وشعرا وخاطرة تملؤها المشاعر ويكون ذلك الانسكاب قويا بقوة الشلال المنسكب بسلاسة وانهمار من مكان عالي، وهذا المطلع إنما يشير إلى أن الجميلة تلك هي ملهمة الشاعر فيما يكتب من أشعار تتدفق من خاطره مثل الشلال المنهمر بسلاسة من مكان عالي.


وهو إذ يراها يصاب بالدهشة ويتلعثم ويحتار فتخرج الكلمات منه وهو لا يعرف ماذا يقول وربما من شدة الحسن والجمال والدلال الذي يراه الشاعر فيحدث زلزلة في كيانه فيتلعثم لسانه ويحتار بما يقول فتخرج الكلمات وهي حائرة بدورها ماذا تصف أو تقول في حرم ذلك الجمال الخلاب. تلك الكلمات تخرج من فاه الشاعر وكأنها رذاذ الماء الذي يسقط على قارعة الجدول أي جوانب الجدول.


وهي صورة أخرى بالغة الجمال ففي الأولى يقارن الشاعر ولادة القصائد والخواطر التي تتداعى إذا ما رأى تلك الجميلة وكأنها شلال يسقط من علي كما يقارن في الصورة الثانية كلماته برذاذ الماء الذي يتطاير في جوانب الجدول عندما يسقط فيه ماء الشلال.


تخيل معي أيها المتلقي الكريم ما أجمل هذا التصوير ونحن ما نزال على أعتاب القصيدة!!!


لقد قرأت هنا ما يكفي من الجمال والقول البديع لكي اقف واصفق للشاعر بحرارة.


يتبع،،

قديم 11-04-2010, 12:11 AM
المشاركة 23
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
أرَاكِ فأظعَـنُ مُسْتوْحِـشًـا
علـى صَهْـوَةِ القلـقِ الأوَّل

ثم يعود الشاعر في هذا البيت ليؤكد من جديد على أن رؤية حبيبته يعيد تشكيل تركيبة خلاياه وحمضه النووي his molecules structure، ويحدث زلزلة غير مسبوقة في ثنايا دماغه هذه المرة، وكأنه يصاب بالذهول والهذيان، طبعا من وقع تلك الرؤيا – المشاهدة- عليه ومن شدة حسن تلك الحبيبة، فبدلا من الذهاب إليها والاقتراب منها عند رؤيتها يرتحل وهو يشعر بوحشة شديدة، فيرتحل وهو مهووس بجمالها، ويتيه فاقدا الإحساس بالزمان والمكان كمن تلقى ضربة على رأسه.

والمهم هو كيف يكون ارتحال هذا الشاعر العاشق المذهول؟ انه يمتطي هودج ( صهوة ) القلق الأول!!! وكأن الشاعر هنا يشخص القلق فيجعله حصانا عربيا أصيلا- ترتيبه الأول بين الأحصنة- يمتطيه إذ يركب صهوته او هودجه ليرتحل إذ يراها تائها في ارض الله الواسعة.
ولكن لا بد من القول بأن هذا البيت يحتمل معنا آخر ربما وهو أنه وحين يرى حبيبته يشعر بقلق ووحشة وتيه وغربة وذهول ودهشة كتلك التي استشعرها الشاعر في أول لقاء حب له ...ومبرر هذا المعنى هو استخدام كلمة " الأول" إلا إذا كان الشاعر قد استخدم الكلمة لزوم القافية ربما!؟

وقبل أن نغادر هذا البيت لا بد من ذكر أن سر الجمال في هذا البيت يأتي من عدة جوانب من التصوير والتشخيص أولا، ومن ثم من تلك الحركة التي توحي بها استخدام كلمة ( الظعن أي الارتحال )، ثم من ذكر الخيل وركوب الخيل او الجمل( الصهوة او الهودج )، ثم هناك استنفار للحواس من خلال استخدام كلمة (أراك) وأيضا من خلال استخدام كلمات تستثير المشاعر وهي كلمتي (مستوحش وقلق) وبذلك يتمكن الشاعر من نقل مشاعره لنا ويقحمنا بما يشعر به وينقلنا لنعيش ذلك الجو الملتهب الذي يعيشه لحظة رؤيته لحبيبته وكأننا هناك نسمع ونرى نحن أيضا فنقلق ونرتحل معه مستوحشين تاهين مذهولين إلى اللامكان.

ولا شك ان هذا البيت يحتوى في ثناياه من الجمال الكثير ....وندر مثله وربما ما يزال يحتاج لمزيد من الشرح والتفسير لسبر اغواره!

يتبع،،

قديم 11-04-2010, 10:09 AM
المشاركة 24
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
وَيَحْمِلنِي القُرْبُ فِي راحَتَيْـهِ
إلى زَمَـنٍ ضَامِـرِ الهَيْكَـلِ


في البيت السابق وصف لما يحدث للشاعر أذا ما رأى حبيبتيه مجرد رؤيتها! وهو في هذا البيت الذي يليه يصف ما يحدث له إذا ما اقترب منها، ولم يقتصر التواصل بينهما على النظر والرؤية فقط.


فيقول الشاعر هنا..عندما اقترب منك، أي حبيبية، يحملني القرب، وهو هنا يشخصن -القرب- فيجعله وكأنه إنسان يحمله على راحتيه أو ربما هي ريح عاتية قوية تحمله إلى أين؟؟؟؟ إلى زمن ضامر الهيكل!!! أي إن ذلك القرب يجعله يتذكر تلك الأيام وذلك الزمن الذي كان هو فيه متعلق جدا بحبيبته عاشق لها ولهان إلى حد الهذيان وهي بعيدة عنه وبسبب ذلك البعد...إلى حد انه كان يمتنع لا إراديا عن الأكل والشرب وكنتيجة لشغفه بها وشدة حبه وتعلقه وهيامه بها...حاله حال العاشقين جميعا..وإلى حد انه كان قد أصابه النحول فأصبح ضامر الهيكل...

ولكن ذلك الضمور لم يصبه هو فقط وإنما امتد ليصيب أشياؤه كلها وحتى الزمن الذي شهد تلك المشاعر الملتهبة، فأصبح الزمن بدوره ضامر الهيكل مثله تماما...وهو تعبير وتصوير بالغ الجمال والعمق يصف ويصور ما يصيب الشاعر إذا ما وقع في الحب والغرام وقد تمنعت الحبيبة ونأت بنفسها عنه فيصيبه النحول والضمور...

وفي ذلك شخصنه للزمن أيضا وكأن الزمن الذي شهد حبه لها تحول إلى إنسان ضامر الهيكل هو أيضا إذ تأثر بتلك المشاعر الملتهبة وذلك الألم النابع من بعد الحبيبة.

وفي البيت حركة نستشفها من استخدام كلمة (يحملني) وهي من المحسنات التي تجمل الفن وتجعله أعظم أثرا على نفس وعقل وقلب المتلقي...كما أننا نستشف الصراع الذي كان يعانيه الشاعر في حبه وهو عنصر آخر من عناصر الجمال التي تجعل النصوص حية بالغة الأثر في نفس المتلقي...ولا ننسى التضاد بين القرب والبعد الذي نستشفه من المعنى وهو الاكثر تأثيرا على ذهن المتلقي... ولا شك ان جميعها عناصر جمال تجعل من هذا البيت بالغ الاثر.

يتبع،،

قديم 11-04-2010, 04:14 PM
المشاركة 25
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تَعَـوَّدَ أنْ يَسْتقِـلَّ اللـظـى
ركَابًا وَيَمْتـارَ مَـنْ حَنْظَـلِ

هنا في هذا البيت نجد عبقرية فذة وقدرة اعجازية في الصياغة باستخدام كلمة (تَعَـوَّد) فهي من ناحية تَعْودْ على الزمن، ونحن نعرف أن الشاعر كان قد وحد بين نفسه وبين الزمن في صفة النحول، فكلاهما أصبح ضامر الهيكل من شدة الحب حينما كان الشاعر بعيد عن الحبيبية، ولذلك يمكن أن نستشف من المعنى أن الشاعر يقصد في وصفه هذا أن جسده هو الذي تعود أن يستقل اللظى، أي يركب المخاطر أو النار الحامية التي لا دخان فيها وهي شديدة الاحتراق، واللظى هي النار الملتهبة والمتلهفة والتي تجذب أي شيء لأكلهوحرقه (كلا إنها لظى)، وفي هذا تشخيص آخر شبه الشاعر فيه اللظى، أي النار أو حالة الاحتراق التي كان يشعر بها، وكأنها فرس أو ناقة يستقلها ويسافر بها...

إذ يقول الشاعر بأن جسده وأثناء ذلك الزمن الذي كان يعيش فيه بشوق عنيف لحبيبته يصل إلى حد الاحتراق، لأنها كانت تنأى عنه وتبتعد، كان يستقل اللظى فرسا يسافر فوق صهوتها ربما عبر الفلا والبراح والصحاري الشاسعة في تيه كبير، وهي كناية عن شدة الشوق والحرمان الحارق الذي يكاد يصل لان يكون أشبه بالنار الملتهبة شديدة الاحتراق، ذلك الشعور ساهم لا شك في ضمور جسده أيضا.

ولم تكن حالة الضياع والاحتراق تلك التي اعتادها الجسد أثناء غيابه عن الحبيبية هي السبب الوحيد في ضمور جسده كما نعلم، بل انه الحنظل الذي تَعْوَدَ ذلك الجسد أيضا على تناوله كطعام، وربما أراد الشاعر هنا أن يقول بأن النزر القليل من الطعام والشراب الذي كان يتناوله في شروده وتيهه وسفره إلى اللامكان وهو يعاني من حالة الهذيان تلك كان مذاقه الحنظل وذلك بسبب بعد الحبيبية وصدودها، فكان جسده يحترق في لظى الحب ويصطلي بنار البعد من ناحية ، بينما كان مذاق ما يأكل ( يمتار ) بطعم الحنظل كنتيجة حتمية لتلك الحالة من الشرود التي أصابته.

وهنا أيضا نجد أن الشاعر قد ضمن هذا البيت مزيد من الحركة توحي بها كلمات (يستقل و ركابا) وكأننا نحس دبيب الخيل ومشقة السفر، ونكاد نستشعر حرارة الحب الحارقة من خلال استخدام الشاعر لكلمة (اللظى) فهي كلمة توقظ في الذهن موروث ثقافي مؤثر جدا يُذّكرُ بأشد حالة من حالات العذاب بواسطة الاحتراق وهي لفظة توقظ فينا حاسة اللمس بعنف شديد...كما أن كلمة (حنظل) تستفز في المتلقي حاسة الذوق....وقد نجح الشاعر من جديد في اسر لب المتلقي بهذه الصناعة الشعرية المتفوقة والباهرة من خلال تسخير الحركة والحواس والتصوير الجميل والبليغ...فظل المتلقي مدفوعا ليقف على رؤؤس أصابع قدميه يتابع من يجرى باهتمام شديد ويحاول معرفة ما حصل ويحصل للشاعر وقد استُنفِرت حواسه بكامل طاقتها...وكأن في فمه طعم الحنظل وتلفح جلده نار حامية تَصْلي جلده.

يتبع ،،

قديم 11-04-2010, 11:55 PM
المشاركة 26
عبد اللطيف غسري
شاعر ومترجـم مغـربي
  • غير موجود
افتراضي
أخي المكرم الأستاذ أيوب صابر:
لقد شرفتَ هذا النص وصاحبه بهذا الجهد الجميل الذي تبذله في قراءة النص والوقوف على عناصر الإبداع فيه.. سأتابع هذه القراءة الرائعة بكل اهتمام وشغف، فالشاعر يحتاج إلى من يقرأه بوعي وفهم وتفهم..
بارك الله فيك وأعزك وأكرمك..
أتابعُ إبداعك النقدي أيها الناقد الأديب..
تحياتي وتقديري

قديم 11-05-2010, 03:56 PM
المشاركة 27
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تَوَغَّلَ غَرْبًا وألْقَـى الغِيـابُ
نِصَالاً أصَابَتْـهُ فِـي مَقْتَـلِ

ويستمر الشاعر هنا في وصف حاله وهو يعاني من بُعد الحبيب وصدوده...فهو يمتطي صهوة القلق ويسافر مستوحشا وهو يَهذي ويستقل اللظى فيحترق بنار الحب والهجران ويأكل الحنظل فلا طعم لحياته بل هي بطعم الحنظل عندما يكون بعيدا عن الحبيب...

ولكن الأمر لا يقف عند ذلك الحد فهو يتوغل في سفره وتيهه إلى جهة الغرب أي جهة الغروب، وكأنه يقارن نفسه بشمس تغرب، وربما في ذلك إشارة إلى اتجاه معاكس لسكن الحبيبة، وهو بذلك الهروب والسفر والتوغل نحو الغرب يبتعد عن الحبيبية، فكان ذلك البعد بمثابة السكاكين التي ألقاها هو فأصابته بمقتل...

وهنا نجد أن الشاعر شخصن الغياب والبعد وجعله وكأنه في حدته مثل السكاكين القاطعة وقد أصابته هذه السكاكين بمقتل وهي كناية عن شدة الحب والألم من البعد والفراق...والمشكلة هي انه هو الذي تسبب بذلك الألم الذي أصابه حين توغل غربا لأنه هو الذي ألقى السكاكين على نفسه بتوغله غربا مبتعدا أكثر عن الحبيبة.

وفي هذا البيت أيضا نجد مزيدا من الحركة نستشفها من كلمة (التوغل)، وفيه صورة الغروب وهي صورة رومانسية لافته للانتباه وتعني الأفول والغياب والبعد وهي عكس الشروق وتوحي بما يصاحب الليل من الكآبة والوحشة والوحدة والشعور بالألم.

وفي الصورة الأخرى نرى سكاكين تتطاير لتصيب ذلك الحبيب العاشق الولهان بمقتل، فنكاد نشتم رائحة الدم الحار المتدفق من جراحه، ونتألم لألمه ونحن نراه وقد انغرست تلك السكاكين في جسده...خاصة عندما نعرف انه هو الذي ألقاها بتوغله غربا وفي ذلك تعبير عن قسوة البعد والفراق....

وفي ذكر المقتل ذكر للموت وذكر الموت في العمل الفني يذكر بأزمة الوجود والعدم، ثنائية الموت والحياة، وهو الامر الأكثر جذبا لذهن المتلقي لما تثير فيه من وجدانيات ومشاعر ومخاوف والم.

يتبع،،،

قديم 11-05-2010, 09:09 PM
المشاركة 28
عبد اللطيف غسري
شاعر ومترجـم مغـربي
  • غير موجود
افتراضي
لله درك أيها الأستاذ الكريم أخي المكرم أيوب صابر..
إليك مني أعطر التحيات وأجملها على جهودك الجميلة الرائعة في الانتصار للشعر والإبداع..
أتابعك بشغف واهتمام..
حفظك الله ورعاك..

قديم 11-06-2010, 01:16 PM
المشاركة 29
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
إذا بريـاحِ المَـدَى أخْتَلِـي
أشِفُّ وَمَتْنَ الضَّنَـى أعْتَلِـي

وما يزال الشاعر في هذا البيت أيضا يصف حاله وما أصابه ويصيبه من ذلك الحب الذي وقع فيه ولحظات الغرام التي مر بها بعد أن رأى تلك الجميلة...

وفي هذا البيت يصف الشاعر لنا ما يحصل له إذا ما اختلى بنفسه أي جلس وحيدا مختليا بنفسه مستذكرا طعم الحب ولحظات الانبهار تلك التي اختبرها وحسن الحبيب وجماله. وقد شبه الشاعر الحب هنا بالريح العاصفة فالحب يعصف به كما تعصف به الريح بل الرياح... وقد شخصن الريح وجعلها كأنها أنثى يختلي بها.

ويقول لنا أنه في مثل تلك اللحظات من الخلوة يَرِقُ قلبه وحاله ويصبح ضعيفا شفافا، وليس ذلك فقط ولكنه يعتلى (متن الضنى) أي يصبح وكأنه مريض أصابه المرض والهزال الشديد والسقم و(الضنى) هي حالة المريض الذي طال مرضه واشتد، وفي ذلك كناية عن الم الفراق والبعد وصدود الحبيبية...وقد شخصن الشاعر الضنى أيضا فجعله وكأنه كائن يعتلي هو ظهره.

وفي البيت الكثير من الحركة التي نستشفها من حركة الريح بل الرياح والاعتلاء وفيها تشخيص في موقعين (الريح والضنى).

ويمكن قراءة البيت من زاوية أخرى إذا ما اعتبرنا (المدى) هو المكان البعيد الذي يقطن فيه الحبيب وكأن الشاعر يقول إذا ما هبت الريح من جهة الحبيب ووصلتني ولفحتني أصابني السقم والمرض...لأنها تذكره بالحبيبة تلك الجميلة التي سلبت علقه فارتحل مذهولا، تائها، مستوحشا وقد اعتلا صهوة القلق الأول موغلا نحو الغرب تاركا خلفه محبوبته تلك التي أصابه جمالها بالذهول حينما رآها.

يتبع،،

قديم 11-06-2010, 01:17 PM
المشاركة 30
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
على الطرُقُاتِ أتِيهُ احْتِرَاقًـا
وهَلْ غَلَيَـانٌ بِـلا مِرْجَـلِ؟

ليس ذلك فقط بل يخبرنا الشاعر في البيت التالي ان استذكاره للحبيبة واختلاؤه بذكرى جمالها الذي أصابه بالذهول عندما رآها يوقض فيه من جديد تلك المشاعر التي دفعته ليسافر مستوحشا على متن الضنى فيعود ليرتحل من توه ومن جديد لشدة ما يتألم من البعد والصدود وربما من وقع ذلك الجمال الذي أصابه بالهذيان...

فيدور في الطرقات سائحا تائها وهو في حالة الهذيان والاضطراب تلك التي أصابته من صدود الحبيب...بل هو يتوه في تلك الطرقات وهو يحترق من شدة الحب والم البعد (أتيه احتراقا)، وهنا يطرح الشاعر سؤالا استنكاريا إذ يقول: أي حبيبية ...وهل هناك غليان من دون مرجل؟ أي هو يصرح هنا موضحا إذ يقول بأن تيهه واحتراقه وارتحاله وهذيانه وسقمه وضموره وطعم الحنظل وغليانه وما إلى ذلك من مشاعر جعلته يغلي أنما أصابته حين رأى تلك الجميلة وما تبع ذلك من صدود...

فهي ليست من دون سبب وإنما هي جميعها نابعة من شعوره العارم بالحب الذي اجتاحه إذ رآها وكنتيجة لصدود الحبيب وبعده.

وفي هذا البيت يَتضح لنا بأن الشاعر أراد أن يستعطف الحبيبية ويخبرها بأن كل ما أصابه وألم به وآخره احتراقه من حرارة الحب وهو يدور في الطرقات، إنما هو نتيجة حبه لها فهي من أشعل النار تحت المرجل فصار يغلي من شدة الحب وفي ذلك تشبيه القلب بالمرجل ومشاعر الحب والشوق بالغليان.

وهنا تمكن الشاعر ومن خلال استخدامه لكلمات ( احتراقا وغليان ) من استنفار حواس المتلقي من جديد، خاصة حاسة اللمس هذه المرة...وكأننا نستشعر لظى النار والاحتراق والغليان، وحرارة الحب الذي يغلي في ثنايا قلبه...كما المرجل!
وهو بذلك ينجح من جديد في إقحام المتلقي فيدفعنا لنحس معه ونستشعر حرارة ذلك الغليان وذلك الاحتراق وذلك الحب الذي زلزل كيانه.

وفي البيت حركة نستشفها من التيه والارتحال على الطرقات التي يقع فيها الشاعر فيدور في تلك الطرقات على غير هدى وهو في تلك الحالة من الهذيان وألا لم والاحتراق بسبب الحبيب وصدود الحبيب وبعده.

يتبع،،


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:35 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.