احصائيات

الردود
0

المشاهدات
2717
 
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي


ايوب صابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
12,766

+التقييم
2.39

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7857
01-05-2015, 05:39 PM
المشاركة 1
01-05-2015, 05:39 PM
المشاركة 1
افتراضي الرسم سردا في «البلح المر» للقاصة المغربية دامي عمر: بقلم سعيد السوقايلي
الرسم سردا في «البلح المر» للقاصة المغربية دامي عمر
سعيد السوقايلي*
january 4, 2015

يغتني النص الأدبي كثيرا كلما استحضرنا عمليتي الانفتاح والتلاقح بينه وبين مختلف الألوان الإبداعية الأخرى، مهما انفردت واستقلت خطاباتها بخصائص شكلية ودلالية متباينة، فأفق الإبداع الإنساني مفتوح ورحب كلما اتسعت الرؤية، وأسعفتنا أدوات الاشتغال، وتداخلت الاختصاصات، ما دامت تجربة الإنسان الإبداعية تتلمس طريقها لخلق الجديد، هكذا نجد النص الأدبي في تطور مستمر ولا يستقر على حدود أجناسية بعينها، ولا يتورع في الاستعانة بمحددات فنية لأشكال إبداعية خارج نطاقه، حتى بتنا نتحدث عن انتفاء مبدأ نقاء النوع.
لهذه الغاية الفنية ترسم القاصة المغربية دامي عمر قصصها القصيرة جدا، عبر مجموعتها «البلح المر» داخل مرسم يزاوج بين جمالية السرد المجهري وجمالية الرسم والتشكيل- فني، هي مغامرة فنية تضع القصة القصيرة جدا على محك أسئلة لها جدتها، إذ كيف سيتفاعل السرد والرسم؟ وما الذي ستضيفه تقنيات الرسم للقصة؟ خاصة أننا ندرك مدى التباعد التقني والأدواتي، بين عُدة الرسم الفنية من فرشاة وألوان وقماش وخطوط وأبعاد…
وبين خصائص السرد من لغة وشخوص وأحداث وفضاءات وأزمنة وأساليب فنية وبلاغية؛ والحالة هذه سنصوب قراءتنا نحو تفاعل بعض تقنيات القصة القصيرة جدا، من تكثيف معجمي وإضمار لكثير من الأحداث والتفاصيل الزائدة، وإيحاء لحالات نفسية واجتماعية، وغير ذلك من المقومات التي تؤسس لجمالية الحذف والترميز والتناص والتغير… تفاعل ينفتح على تقنيات الرسم بغية الوقوف على نتائج هذا الزواج الفني والدلالي.
جملة من القصص المجهرية تتبدى مثل لوحات مرسومة بكلمات وشخصيات وأمكنة ومواقف نابعة من أتون واقع هش وصارخ، ففي قصة «بائع الأحلام» الكاتبة ترسم سردا لبورتريه: «خمري البشرة، واسع الحدقتين، كستنائي الشعر، مستدير الوجه، ملائكي كالتماثيل…» رسم باروكي! فيه تلوين لغوي وبلاغي يعتمد على عدة الرسم من ألوان وخطوط وأبعاد وتقاسيم وجه، وهي تقنية موحية تستخدم معها الساردة الكثير من الكلمات والجمل لتوصيف وتجسيد الشخصية، ومن ثم الغوص في دلالات الوجه البشري انتماء وعرقا ونفسية، تفعل كل هذا لتصور علاقة الطفل اليهودي «موشي» بأطفال حومة الساردة في البيئة المغربية.
كما تعج في هذا الصدد العديد من الكلمات ذات المرجعية التشكيل- فنية التي تسهم في تلوين ورسم اللغة لفظيا وترميزها لتعميق دلالات القصص، ولا يمكن هنا تجاهل الألوان والخطوط والأبعاد التي تثير العين أولا لتستقر دلاليا في الذهن والنفس معا، إذ أنها تصور الواقع البائس بأقل عدد من الكلمات، مما يعين القصة القصيرة جدا في إحقاق كثافتها وما يندرج تحتها من محددات خاصة بها كجنس مجهري، فمن خلال قصص كثيرة أمثال «حب»، «فلاش باك»، «ذيل طاووس أخضر»…
تتحقق جمالية الاقتصاد اللغوي والإيحاء والترميز بأقل عدد من الدلالات، ففي قصة «لوحة» مثلا: «في الشارع الخلفي البارد، قطة تمسح برجل، يخرج من جيبه طبشورا، يرسم إطارا، وداخل الإطار يرسم كنبة، تلفازا، منضدة، خبزا وكأسا فائرا، يجلس على الكنبة، تقفز القطة إلى حجره…
يضغط زر التلفاز ويرتشف حسوة من كأسه، ضجرا يطفئ التلفاز، يرسم على الحائط عيني امرأة…
يدير ظهره للحائط، وينام محتضنا قطته»، تبدو القصة لوحة بامتياز، توليفا سرديا/ تشكيليا، يصور حالة نفسية معهودة، وهي حاجة الإنسان لنصفه الثاني، إضافة لعلاقته المتبرمة منه لأسباب كثيرة مما يدفعه لخطب صداقة الحيوان، بيد أننا نركز هنا على هذا التلاقح الفني بين السرد والرسم الذي أسفر عن خلق حركية مشهدية تكاد تتحرك داخل البياض من حالة إلى أخرى، وتكشف عن المقول الباطني للنفس ومعاناتها، إذ يصعب على الرسم وحده أن يحقق هذه الحركية داخل لوحة صامتة، لكن بفعل تشابك تقنياته مع عناصر السرد، تمكنت الساردة من تفعيل جمالية بصرية معبرة تتململ داخل حيزها الأبيض بكلفة فنية زهيدة على مستوى الحكي والوصف والتقنية.
نسوق أيضا قصة «انفصام»: «أخرجتُ صورة لي، وأنا طفلة، من إطارها، ضممتها إلى صدري، ورحنا نركض حافيتين عبر الممر، كما كانت تفعل تلك الصغيرة التي كنت… بينما ظلت أناي المبروزة تتابعني غاضبة من خلف الشباك»، تكمن بلاغة هذا القصة سرديا وتشكيليا في قدرتها على تفعيل عنصر الحكائية عبر لملمة الأحداث وتناميها في زمنين مختلفين، وتوظيف شخصيتين متباعدتين، على الرغم من كونهما تشكلان ذاتا واحدة، إذ يصعب في الحقيقة استحضار حالتين مختلفتين نفسيا وعمريا وزمانيا للشخصية نفسها «زمن طفولتها وزمن أمومتها» عبر كلمات قليلة، ومهما تقشفت الساردة في الحكي فإنها لن تتمكن من رصد هذا التحول والامتداد الجسدي والنفسي، والتداعي المحكي إلا عبر سرد طويل خطي واسترجاعي، كما أن الرسم مهما تجرد وتَسَرْبلَ فلن يستطيع أيضا أن يضبط تلك المشاعر التي تكنها الأم لنفسها وهي طفلة صغيرة، إلا أنه ومع استثمار الكاتبة مرة أخرى لعناصر الرسم داخل بوتقة حكائية السرد، تمكنت من تصوير هذه الحالة الشائكة في شكل مشهدية سريالية حركت الكلمات بالرسم، ودللت الرسم بالكلمات.
وحصرا أستحضر قصة أخرى عمقت هذا التوظيف الموفق، وهي «ألوان»، تقول فيها: «منذ أن أثمرت شجرة الجنون في بيتي أقلاما ملونة، وأنا أرسم! أرسم على الحيطان، والنوافذ، والستائر…
أرسم كل أنواع الورود؛ الأجمل والأغرب؛ الوردة السوداء، الزنابق، الغاردينيا، الأوركيد.
في الحلم رأيت زهرة واحدة تنبت في السقف العلوي..
زهرة نزيف القلب!» بكلمات قليلة، ولغة ملونة، تضيء الساردة حالاتها النفسية المختلفة، وقد شفع لها ذلك توظيفها للحمولة العميقة التي منحتها إياها رسومات مختلف الورود والأزهار، ونعرف هنا الدلالات المناسباتية لألوان وأشكال هذه النباتات الجميلة، مما ساعدها على تحقيق أبعاد نفسية كثيرة من دون عناء توصيفها في سرد مستفيض، وهي تقنية تدخر معها مجهودا كبيرا على مستوى الكتابة والقراءة والتلقي، إذ تحفز خاصة القارئ الذكي لاستحضار ثقافته ومعارفه المتراكمة، وبذلك تستطيع القصة أن تبرم معه تعاقدا قائما على الاستذكار والإشراك في إحقاق جمالية النص لتسويد بياضاته وملء فراغاته، بل شحذ وعيه وصقل ذاكرته ليكون على أهبة التلقي الماتع والمفيد، بدل حشو عينيه بمزيد من الشروحات الفائضة التي ترهل النص وتفقده جاذبيته المنيعة، إنها حقا قراءة ملغزة! فمع هذا التوظيف التقني لعناصر الرسم والسرد، نتمكن هنا من أن نقف مثلا على دلالة شجرة الجنون، وزهرة نزيف القلب، إنها صور تحققت بفعل تقنية الرسمنة هذه، التي لولاها لما تأسس هذا التبلور وهذا الحكي الكثيف دلالة وكما وقراءة.
بهذه القراءة اليسيرة أدركنا الرهان التقني الذي ركبته القصة القصيرة جدا مثلما تفعل باقي الأجناس الأدبية الأخرى، حين انفتحت وتفاعلت ووظفت تقنيات الرسم لبلورة نص مرن قادر على محاورة مختلف الخطابات الإبداعية الأخرى مهما تباعدت الأدوات والاختصاصات بينهما، لهذا ومن خلال التوسل بعدة الرسم كفن تصويري وبصري، استطاعت القصة القصيرة جدا أن تحقق لها جمالية تستجيب لمقوماتها الفنية والشكلية القائمة على بلاغة التكثيف والحذف والإضمار والإيحاء… وتشييد نص متبلور بألوان ماسية متعددة، بهدف تقديمها لقارئ جديد عارف بخبايا النفس ودلالات الأشياء والكائنات، قارئ يوثر قبل كل شيء الاختزال والتلميح.

*كاتب مغربي

سعيد السوقايلي*



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الرسم سردا في «البلح المر» للقاصة المغربية دامي عمر: بقلم سعيد السوقايلي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لا تَقْـلَقُوا... بقلم د أحمد خالد توفيق ثريا نبوي منبر مختارات من الشتات. 1 07-05-2023 08:19 PM
خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 1 06-22-2019 04:46 PM
تحليل رواية "نساء بلا ذاكرة" للقاصة هدى درويش، بقلم الناقد: عبد المجيد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 09-27-2014 11:14 PM
نظرة تحليلية سريعة لبيتي الشاعر: سعيد يعقوب، بقلم الناقد: عبد المجيد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 0 05-02-2013 11:17 AM
التحليل الأدبي لقصة "صباح الدم" للقاصة مريم الضاني بقلم : ماجد جابر ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 7 02-25-2012 02:56 PM

الساعة الآن 11:09 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.