قديم 04-08-2012, 02:21 PM
المشاركة 381
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
عبد الحميد بن هدوقة

أديب جزائري (1925 - 1996).
ولد عبد الحميد بن هدوقة في 9 يناير1925 بالمنصورة برج بوعريريج. بعد التعليم الابتدائي انتسب إلى معهد الكتانية بقسنطينة، ثم انتقل إلى جامع الزيتونةبتونس ثم عاد على الجزائر ودرس بمعهد الكتانية بقسنطينة. نضاله ضد المستعمر الفرنسي الذي كان له بالمرصاد، دفعه إلى مغادرة التراب الوطني مرة أخرى نحو فرنسا ثم يتجه عام 1958م لتونس، ثم يرجع إلى الوطن مع فجر الاستقلال.توفي في أكتوبر 1996م.
تقلد عدة مناصب منها: مدير المؤسسة الوطنية للكتاب، رئيس المجلس الأعلى للثقافة، عضو المجلس الاستشاري الوطني ونائب رئيسه.
علّم الأدب العربي بالمعهد الكتاني بين 1954- 1955 ثم التحق بالقسم العربي في الإذاعة العربية بباريس حيث عمل كمخرج إذاعي، ومنها انتقل إلى تونس ليعمل في الإذاعة منتجاً ومخرجاً. وبعد عودته إلى الجزائر عمل في الإذاعتين الجزائرية والأمازيغية لأربع سنوات ورئس بعدها لجنة إدارة دراسة الإخراج بالإذاعة والتلفزيون والسينما وأصبح سنة 1970 مديراً في الإذاعة والتلفزيون الجزائري.
أمه بربرية وأبوه عربي مما أتاح له أن يتمتع بتلك الخلفيتين اللتين تمتاز بهما الجزائر وأن يتقن العربية والأمازيغية بالإضافة إلى الفرنسية التي تعلمها في المدارس رغم أن الفرنسية في تلك الحقبة من تاريخ الجزائر كانت ممقوتة لأنها لغة المستعمر، خصوصاً لدى سكان الريف الذين اعتبروا المتكلمين بها والدارسين لها بمثابة التجنيس. من هنا جاء قرار والده بإرساله إلى المعهد الكتاني الذي كان فرعاً للزيتونة في تونس. وكان أساتذة هذا المعهد من الأزهريين أو ممن تخرجوا من المدرسة العربية الإسلامية العليا بالجزائر. له مؤلفات شعرية ومسرحية وروائية عديدة ترجمت لعدة لغات. اكسبته نشأته في الأوساط الريفية معرفة واسعة بنفسية الفلاحين وحياتهم. ما جسده في عدة روايات تناولتها الإذاعات العربية.
مؤلفاته
وصلات خارجية

قديم 04-08-2012, 03:38 PM
المشاركة 382
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
في اعتقادي أن شخصيات مثل الوالد لم يخرجوا للجمهور صدفة، وإنما تكونت شخصياتهم بعد تجربة وبعد نضال وبعد تضحيات. ربما، وأقول ذلك بتحفظ لأنني لم أقرأ جميع الأعمال النقدية عن الوالد، ربما يتم حصر عبد الحميد في خانة الأديب وكفى، لكن الوالد كان مناضلا في صفوف حركة انتصار حريات الديمقراطية، تخيلي أنه كان مطاردا من قبل الاستعمار الفرنسي وجرح برصاصة في ذراعه أطلقها عليه رجل الشرطة الاستعمارية>

من مقابلة مع نجل مؤسس الرواية الجزائريّة أنيس بن هدوقة للوكالة: عبد الحميد بن هدوقة كان شاعرا .. وطباعة أعماله ليست مسؤولية وزارة الثقافة

==
ابنهدوقة.. كان -يبدو- خجولاً.. منطوياً.. متواضعاً.. أنيقاً، هادئاً، وإذا تكلم أقنع،ويمتاز في كتاباته بأسلوب جميل، أخاذ، رصين.. وبفكر عميق ثاقب.. ولغة قوية مطواعةكان لامعاً..! وكان يمكن أن يحاط بالحب، كما يحاط بالحسد..‏
والدهرجل عالم وجيه.. ولد في قريته الصغيرة /الحمراء/ وفي القرية الكبيرة المجاورة/ /المنصورة/ شب عبد الحميد، وحفظ القرآن ودرس مبادئ اللغة العربية، وتعلم في المدارسالفرنسية ثم حوله والده إلى معهد /الكتانية/ بقسنطينة للدراسة بالعربية حيث داومفيه مدة خمس سنوات، /عبد الحميد من ولاية/ سطيف/.‏ من مقالعبدالحميد بن هدوقة ورحيل الأدباء..!؟

قديم 04-08-2012, 03:50 PM
المشاركة 383
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
عبد الحميد بن هدوقة

دخل المعترك السياسيوأصبح عضواً في حركة انتصار الحريات الديمقراطية، ثم اميناً عاماً بها، ورئيسجمعية الطلبة الجزائريين في تونس. قبض عليه في 18 كانون الاول - ديسمبر- 1952 فيتونس بعد قيامه بمهمة صحافية وذلك بتغطية تظاهرات نسائية في احدى احوار تونس، وسجنفي زغوان في تونس ثم فر من السجن مع مجموعة من رفاقه. (سنة اندلاع ثورة التحريرالجزائرية) عاد الى الجزائر. وعندما حصل الانقسام بين حركة انتصار الحرياتالديمقراطية وجبهة التحرير الوطني، استقال من كل مناصبه وكرس جهده لتدريس الادب فيالمدرسة الكتانية، ونتيجة ملاحقته المستمرة، اتخذ بطاقة تعريف جديدة باسم عبدالحفيظ مصطفى، وجواز سفر وغادر ثانية الى فرنسا ونتيجة الجهد والتعب الكثير دخلالمستشفى وطلب منه الاطباء تغيير عمله، وربما كان هذا هو السبب الاساسي الذي جعلهيهتم بالكتابة والإبداع اكثر من اي شيء آخر، كالتمثيل في السينما او المسر.



قديم 04-08-2012, 09:47 PM
المشاركة 384
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
قراءة في رواية: نهَاية الأمس للرّوائي الجزائري عبد الحميد بن هدوقه
أحمد دوغان‏

إن المتتبع للأدب الجزائري الحديث يشعر بادئ ذي بدء أنه أدب ثوري، عرف حقيقة الثورة بكل أبعادها النضالية، الثورة ضد الاستعمار، والثورة ضد الإقطاع والاستغلال، والثورة في مرحلة البناء الاشتراكي، وهذا يعني أنه أدب هادف.. عمل على تغيير الواقع نحو الأفضل، وكان التزامه به حتمياً، وتجلى هذا الالتزام في سائر الفنون الأدبية، وإذا تجلت الصور الثورية المختزلة في الشعر والقصة القصيرة، فإن الرواية استطاعت أن تبلور معالم الحياة الواقعية إبان الثورة، وأثناءها، وبعد الاستقلال، ولعل هذا الواقع قد قدّم لهم مادة خصبة تساعد الروائي في عملية الإبداع، ومن الروائيين الذين عايشوا الأحداث في الجزائر واقعاً وفناً، "الطاهر وطار" و "عبد الحميد بن هدوقه" وإذا وقفنا في فترة سابقة عند رواية (الزلزال)1للطاهر وطار، فإن حديثنا في هذا المقال سيكون عن رواية (نهاية الأمس)2للروائي عبد الحميد بن هدوقه.‏
ولد الروائي والقاص الجزائري عبد الحميد بن هدوقه سنة 1929 بالمنصورة التابعة لولاية سطيف، قضى طفولته في الريف، في قرية تركت آثارها على كتاباته من بعد.. وبعد إتمامه للتعليم الابتدائي، انتسب إلى المعهد (الكتاني) بقسنطينة، ولما بلغ من العمر سبعة عشر عاماً سافر إلى مرسيليا، بفرنسا، وظل هناك حتى عام 1949 ليلتحق بالمعهد ذاته، ولمدة سنة ثم يجدد السفر ثانية، ولكن هذه المرة إلى تونس، وفي جامع الزيتونة يقضي أربع سنوات في دراسة الأدب إلى جانب كونه طالباً في (معهد الفنون الدرامية) ليعود إلى الجزائر في عام الثورة 1954، ويقوم بتدريس مادة الأدب في (المعهد الكتاني) ولم يكن (ابن هدوقه) في مهنته مدرساً فقط، وإنما كان مناضلاً، مما دفع الاستعمار الفرنسي إلى ملاحقته إلا أنه هرب إلى فرنسا، وذلك في نوفمبر من العام نفسه ليعمل هناك، وعلى أثر الجد والتعب نقل إلى المستشفى، وطلب منه الأطباء تغيير عمله، وشجعه ذلك على الاهتمام بالأدب أكثر، فأخذ يكتب المسرحيات باللغة العربية، لتذاع من إحدى المحطات، وفي عام 1958 يترك فرنسا ملتحقاً "بتونس" وفيها تفرغ للأدب، ومن بعد إلى مجموعته (الكاتب وقصص أخرى) القصصية فإنه لا بد أن يعيش الواقع الذي عاناه ابن هدوقه في تونس حتى الاستقلال.‏
ومع فجر الاستقلال يعود الروائي ابن هدوقه إلى الوطن، ليعمل في الإذاعة الوطنية، إلى جانب متابعة كتاباته في القصة3 والرواية4 والشعر5 والوراثة6.‏
الحدث في الرواية:‏
تقع الرواية في مئتين وست وثمانين صفحة من القطع الوسط، وفي سبعة فصول تطول وتقصر حسب مقتضى الحدث في الرواية.‏
تطل علينا شخصية (البشير) المعلم الذي تقله سيارة (اللاندروفر) إلى المدرسة في إحدى القرى.. ولدى وصول البشير يستقبل من أفراد القرية الذين يدعونه إلى قهوة القرية، فيقبل الدعوة، ويذهب معهم، وعند الانصراف يدعوه كبير القرية.. إلى تناول الطعام فيفعل ذلك، وعند المساء يعود أدراجه إلى المدرسة، ولكنه يفاجأ بأن الماء غير موجود، فيعود ثانية إلى ساحة القرية فيحضر ما يحتاج من الماء، وعلى الشمعة، كأن يتناول الشاي والقهوة، وتذهب به الخواطر، التي تبدأ... بزوجته التي تركها وهي في وقت الوضع والولادة، ملتحقاً بالجبل، مع الثوار، وكيف أنها طلبت منه البقاء إلا أنه قال لها (ثقي أنني سأعود أننا سننتصر، إن ثورتنا الآن قوية).. ثم ينتقل إلى خاطرة أخرى إذ أنه أصيب برصاص العدو، ولم يشعر إلا وهو في مخيم جيش التحرير، ثم ينقل إلى ألمانيا، وتنقطع أخبار الزوجة والأهل، وعند الشفاء ينقل إلى تونس، وفيها يتابع الدراسة ويتعرف فتاة، تريده زوجاً، ويصر على صداقتها، وعندما يطلعها على بعض مشكلاته، تنقطع عن الدراسة، ولم يعد يراها.‏
وعلى متابعة الشاي ولفافات التبغ "عند ذكرياته".. يوم أن عاد إلى قرية في جويليه (تموز) عام 1962 ليجد القرية أنقاضاً لا زوج ولا ولد ولا أحد.. فغادر القرية إلى العاصمة.‏
وفي الفصل الثاني يستيقظ صباحاً، في الساعة الرابعة.. يخرج إلى ساحة المدرسة يفكر بإيصال الماء إليها.. يذهب إلى مقهى القرية، يبحث عن بعض أوان للاستعمال ويعلم أن ذلك لا يوجد إلا عند (أم الحركي).. وبواسطة كبير القرية (بو عرارة) يذهب إلى (ربيحة) العجوز.. وعند طرق الباب تخرج فتاة في الحادية عشرة تسمى فريدة يسألها عن جدتها.. تحضر العجوز، ويخبرها بو غرارة بطلب المعلم البشير.. وإذا كان بالإمكان أن تعمل في المدرسة حسب طلب المعلم، فوافقت العجوز.. وتذهب في اليوم الثاني، وعند عودتها تسألها كنتها عن المعلم.. فتقول لها أنه ابن حلال... وتزيد الكنة رقية من الأسئلة، فتقول أنها لم تعرف عنه سوى أن اسمه (البشير) وأنه سأل عن (فريدة) وسعالها، ولا بد أن يعرضها على طبيب في أقرب وقت.‏
وفي الفصل الثالث تفكر رقية في زوجها الأول أيام الخطبة ثم الزواج.. والتحاقه بالجبل، وكيف أن الدورية العسكرية الفرنسية قد جاءت في غياب العم والد زوجها الشيخ حموده، ودنسوا شرف ابنه، ولما عاد إلى البيت وعلم من زوجة العجوز ذهب إلى الجبل، وعاد ببندقية رشاشة، وقبع عند حجر المصلى منتظراً الدورية الفرنسية.. وهو يقول في نفسه (التاريخ لا تكتبه الأقلام الجميلة، وإنما الأفعال الفذة، والقصص الفذة، وقصص الشرف عاشت على روايتها الأجيال والأجيال) وما إن مرت الدورية حتى قضى على جميع أفرادها، واستشهد هو أيضاً، ومنع الاقتراب منه، ولما همت زوجه، لتدفنه قتلت هي الأخرى مما اضطرت زوجة البشير إلى الرحيل.‏
وفي الفصل الرابع.. يبدأ "البشير" بتصوراته حول مستقبل المدرسة، ولا بد من الماء، ثم المطعم، انطلق مع (غرارة) لرؤية القرية.. وشاهد أرض الإقطاعي (ابن الصخري) وكيف أن الماء يسيل فيها، بينما القرية بحاجة إليها.. ثم ينقلنا الروائي إلى انتشار خبر عمل أم الحركي في المدرسة وغضب أهل القرية.. وثائرتهم في وجه المعلم، الذي أصر على تحدي ابن الصخري في داره لأنه هو الذي حرضهم، وكان الصراع قوياً بين ابن الصخري وبين المعلم (البشير) ويقف بو غرارة إلى جانب البشير.. واتفقا معاً على أخبار المجلس البلدي بالموضوع.. وبالموافقة على شراء الجديد والأسلاك لتسييج المدرسة، وكان الشخص الثالث الذي يقف إلى جانبهما هو القهوجي.‏
وفي الفصل.. تظهر لنا رغبة العجوز في صنع الأواني للمعلم، والكنة ترغب أن تصنع له حاجة من الصوف، بينما يزداد سعال فريدة.. الذي يكون مصحوباً بالدم وما أن تنام حتى تستيقظ من جديد والدم يملأ فمها.. ولم يمهلها السعال كثيراً، فتموت، وتخبر العجوز المعلم.. الذي يذهب بدوره إلى الدكان ليرسل إلى دار الفقيدة بعض المواد الغذائية، ثم يتابع طريقه إلى منزل (بو غرارة) ويتفقان على أن يلتقيا في المدرسة، وفي منزل العجوز يلتقي المعلم وبو غرارة ثم يأتي القهوجي وابن الصخري، ليقول (البشير) عن ابن الصخري (إنه منافق جاء ليقال عنه أنه رجل متواضع لا يتخلف في الملمات) وتألم المعلم لأنه لم يسرع إلى إنقاذ الطفلة.‏
بينما رقية تعود بها الذاكرة إلى زوجها الأول المجاهد، ثم إلى زواجها من الحركي.. وفي اليوم الذي يليه توافد (بو غرارة) ثم دخل المعلم، وأثناء دخوله كانت رقية قد خرجت لجلب الماء.. فتراه، لكنه لم يرها.. إنه ذاته زوجها الأول.. وبكت، وظن الجميع أنها تبكي على ابنتها.‏
وعند حمل الجنازة.. وفي الطريق إلى المقبرة تأكدت رقية من صحة رؤيتها.. وأن المعلم هو زوجها الأول.. وزادت أحزانها، فإنه يدفن الآن ابنته. وجاء اليوم التالي، ويبدأ المعلم في الحفر ووضع القضبان الحديدية، ويمر ابن الصخري.. ليقول للمعلم (أن القلم والفأس لا يجتمعان في يد) ويبدأ الصراع من جديد.. ويتشعب الحديث، متناولاً قصة الماء، ثم يطلب ابن الصخري من (البشير) أن يعمل مديراً لشؤون المزرعة.. لأنه يعلم أن المعلم لا بد أن يحرك شعور أهل القرية.. فتنقلب الأمور رأساً على عقب... ويستريح بعد غرس ثلاثين من الأعمدة.. وفي المقهى يلتقي (بو غرارة) مع البشير.. ويتحدثان حول ما جرى بين البشير وابن الصخري.‏
وفي الفصل السادس تقبل سيارة البلدية، ويتهامس أبناء القرية.. إلا أنها تحط عند ابن الصخري.. ويعرف أن ابنه هو الذي جاء..‏
وينقل لأبيه شأن نقل الماء إلى القرية، بينما وصلت رسالتان إلى المعلم بالموافقة على المطعم واستخدام العاملة، ونودي المعلم على أن هناك ضيوفاً في انتظاره، فيسرع ليرى رئيس البلدية والمهندس.. واستدعى (بو غرارة) ثلاثة رجال ليتعاونوا في نقل المعدات والأنابيب، وجرى حوار بين المعلم ورئيس البلدية، ثم بين رئيس البلدية وابن الصخري.. ويصر رئيس البلدية على نقل الماء، واتفق "البشير" والمهندس على أن يتم وصول الماء في يوم افتتاح المدرسة.‏
وفي صبيحة اليوم التالي جاءت العجوز لتخبر المعلم بنبأ هدم الجامع، وأن المشار إليه على أنه فعل ذلك هو المعلم، وتطلب منه ألا يخرج، إلا أن الصوت والشتم وصلا إلى المعلم، وخرج ليرى ما الخبر، ليرمى بحجرة، وعند التحقيق تشار أصابع الاتهام إلى ابن الصخري. وجاء موعد تسجيل التلاميذ.. ويطلب المعلم من (السعيد) ابن الحركي.. أن يحضر والدته للإمضاء بعد أن انتبه على أن رقية هي قد تكون زوجته من خلال قراءته لورقة الميلاد.. وهنا تشعر رقية أن البشير علم بكل شيء.‏
وفي الفصل السابع.. تقابل رقية المعلم.. تأكد المعلم من أنها زوجته لكنه لم يصارحها.. ويبدأ الصراع في نفسه، يطلب من بو غرارة أن يذهب معه لطلب الزواج من رقية.. على الرغم مما سيقال.. فيوافق بو غرارة قائلاً له (إن وقفت أمس إلى جانبك فلست لأقف في الغد ضدك أنني في أعماقي ما زلت جندياً في جيش التحرير) وعند نقل الخبر عن طريق العجوز إلى رقية، تمانع في المرة أولى لكنها سرعان ما توافق ويتبسم الفجر.‏
الشخصية المحورية:‏
إن الشخصية المحورية هي شخصية (البشير) التي تظهر بثوريتها، فقد تحملت أعباء النضال، منذ بداية الرواية فهو (لم يقدم على المجيء إلى هذه القرية من أجل تعليم الأطفال والقراءة والكتابة فحسب بل بدافع أعمق... إنه جاء ليحرض الناس على أن يثوروا على أوضاعهم).. وبقدر مهمته الصعبة قاوم وناضل بصبر.. فها هو في الماضي يقول لزوجته (ثقي أنني سأعود وأن الجزائر ستتحرر... أفهمت؟ من أجل هذا أفارقك وأنت حبلى، وأفارقك ولو كنت الليلة ستضعين حملك، إننا سننتصر، إن ثورتنا الآن قوية، ولم يبق من الكثير إلا القليل).. والبشير التقدمي الوطني يرد على أحد أساتذته في تونس.. وعندما أراد تغيير المجتمع القروي وجد العقبات، طرح عمل المرأة، المدرسة هي الثورة في الريف.. ومن هنا كان الصراع بين البشير وبين ابن الصخري.. بل بين الثورة، والإقطاع وعندما علم بأن زوجة الحركي هي في الأصل ثورته كان في موقع الاختبار فأعلن عن زواجه.. وعندما أنهى مهمته في القرية، قرر الانتقال إلى قرية أخرى، لأن الثورة أدت مهمتها في هذه القرية، بينما القرى الأخرى بحاجة إلى البشير.. جر المياه، المدارس، القضاء على الإقطاعيين، من هنا فإن الشخصية المحورية ثورية عملت على تغيير المجتمع الكامل، ولم تبدله ظروف الحياة، والحقيقة أن ابن هدوقه يهتم كثيراً بشخصياته، ويعمل على نجاح هذه الشخصيات بفنية روائية.‏
الشخصيات الثانوية:‏
لقد طرح الروائي ابن هدوقه مجموعة من الشخصيات إلى جانب البشير.. فشخصية (الشيخ حمودة) و (والد البشير) قدمت موقفاً خالداً كان بمثابة الثورة لدى (البشير) وكذلك شخصية (بو غرارة) التي حملت الثورة ذاتها، وشخصية ثالثة العجوز (ربيحة) مثال ثوري، فهي لم تهجر وطنها، وتمسكها بالطين شرف لها، بل هي تعاطفت مع البشير الذي يمثل الثورة، أما الشخصية المضادة (ابن الصخري فهي الوجه الحقيقي للإقطاع والجشع ويجب القضاء عليه. وشخصية (رقية) هي جزء من "البشير" وانتصرت معه أما باقي الأسماء فهي مفاتيح الثورة.‏
من كل يظهر لنا أن الشخصيات التي اختارها ابن هدوقه ثورية أكدت على استمرارية البشير، وكان لها دور في التحريف، لأن الزمن الذي اختاره الروائي لهذه الشخصيات، كان كالصاعق في العمل الفدائي من أجل نجاح العمل الثوري وهذا تأكيد على أن القاعدة الجماهيرية هي التي تخلق الثورة الفعالة، والبشير في حد ذاته من هذه الجماهير.‏
الفن في الرواية:‏
التصورات في الرواية واضحة الملامح.. لقد تعرف الروائي إلى قضية الأرض، والثورة، وانتصار الثورة على الإقطاع... ودور العلم في الريف.‏
وهذه التصورات جاءت في القضية التي أعلن عنها البشير منذ البداية (فهو لم يقدم على المجيء إلى هذه القرية من أجل تعليم الأطفال القراءة والكتابة فحسب، بل بدافع أعمق من هذا، جاء ليحرض هذه القرية جاء ليحدث انقلاباً.. ليرضى الناس أن يثوروا على أوضاعهم).‏
هذا الحدث الذي طرحه ابن هدوقه هل واكب الرؤيا الفنية الروائية؟ وكيف كان الصراع؟ أقول لقد قدم الكاتب تشكيلاً فنياً بارعاً فقد استعمل التصوير الفني.. من حيث التشويق، تأزم الصراع، الأسلوب الذي اعتمده الروائي..‏
وكل ما جاء في الرواية يدل على أن ابن هدوقه ينتمي إلى الواقعية والواقعية الاشتراكية. على الرغم من استعماله أحياناً إلى اللغة الشعرية.. التي تدل على اهتمام الكاتب باللغة والأسلوب.. والتكوين الفني.. بقي أن نقول أن الروائي قدم لنا صورتين بارزتين حين صور زواج البشير من رقية، ثم افتراس رقية من قبل الدورية الفرنسية وفي الحقيقة ليس في عمل ابن هدوقة، وإنما ألفاظ الجنس أصبحت مباحة عند كثير من الكتاب، بل أن الجنس في منظورهم أصبح جزءاً من الواقع

قديم 04-08-2012, 09:54 PM
المشاركة 385
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
لا نعرف شيء عن والدي عبد الحميد هدوقة لكن لا شك ان حياته تبدو مأزومة كونه ابن ريف ولد زمن الاستعمار وسافر للدراسة الابتدائية في بلد قريب ثم الى فرنسا وهو ابن 17 سنة للدراسة وهربا من القوة الاستعمارية ثم عاد الى تونس ونجده مسافرا من جديد. شارك في النضال واصيب برصاصة وسجن.

هو حتما اكثر من مأزوم وسنعتبره يتيم اجتماعي كونه غادر العائلة وهو شاب للدراسة وهربا من القوة الاستعمارية. وعلى امل ان يزودنا بلقاسم علواش بمعلومات تفصيلية عنه.

يتيم اجتماعي.

قديم 04-08-2012, 10:13 PM
المشاركة 386
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
54- فردوس الجنون احمد يوسف داوود سوريا


رواية ((فردوسُ الجنون)) لأحمد يوسف داود - عينُ الواقع السحرية
5/26/2010 1نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة25 PM

(1)



(1)
سأتناول رواية (فردوس الجنون) لمؤلفها الشاعر والروائي أحمد يوسف داود، وقد صدرت هذه الرواية عام 1996 عن اتحاد الكتّاب العرب..‏ والرواية المشار إليها ذات حجمٍ كبيرٍ في عددِ صفحاتها وفي تعدُّدِ موضوعاتها التي تتشعّبُ وتتسلسل بطريقةِ التأسيس على أفعالِ شخصيّاتٍ محوريّةٍ واضحة المعالم ثمَّ السير مع هذهِ الشخصيّات عبر فواصلَ فنيةٍ تجعلً من الحكايات المتقطّعةِ المنبثقةِ من تحوّلاتِ الشخصيات أسلوباً في العمل الروائي الذي لا يبدو تقليديّاً في إطاره العام..‏ وعليهِ نقولُ إن رواية (فردوس الجنون) لم تستسلمْ للأداءِ الفني التقليدي بل تجاوزت هذا التحديد بإفادتها من فنِّ الروايةِ وواقعها المتحقّقِ من خلال الإنجاز الروائي السابق لتجربةِ هذهِ الرواية التي خرجت إلى فضاءاتٍ أكثر حرية وأشمل إبداع عن طريقِ الإمكانات غير المحدّدة للّغةِ وعوالمها والأحداث التي تحتوي الواقعَ فكرةً وتجسيداً لتنطلقَ بهِ إلى قناعات سرديّةٍ تمسكُ ـ في الغالب ـ بالمتلقّي وتقوده معها مصطحباً أسئلتهُ وتأويلاتِهِ ومشاركاً الشخصيّات في الكثيرِ من التفاصيل عن طريق استنطاق الرموز التي يؤديها المؤلف عبر جملهِ ومقاطعَ أحداثِهِ التي غالباً ما تُفضي إلى الغرائبية رغم انطلاقها من أرضٍ على درجةٍ كبيرةٍ من التماس مع الواقع الحي.‏
(2)
تبدأُ رواية (فردوس الجنون) من لعبة خارج النص توضّح الفطنةَ والذكاء الحاد الذي يتمتعُ بهِ المؤلف وهو يعطي شخصيّاتِهِ أدواراً وأقنعةً بمثابة مقدّمة فنيّة أو مدخلٍ إشاريّ مهم حمل عنوان "بيان الأبطال" وقد ذُيِّلَ بتوقيع (سرحان) تلكَ الشخصيّة المموَّهة الغريبة التي تهيمنُ بشكلٍ واضحٍ وأخّاذ في إيحائِهِ على الشخصيات الأُخرى في الرواية بعد أن يفاجئنا المؤلف بتغييب هذهِ الشخصيّة ـ بالتقدير إلى الشخصية الثانية ـ (بليغ) التي يتفوّقُ حضورها على شخصيّة (سرحان) التي تعدُّ الشخصيّة الأولى في العمل الروائي، وهذهِ المعادلة تذكِّرنا أسلوبياً بالعمل الروائي المعروف (ليلة لشبونة) للروائي الألماني (ريمارك)، أذكرُ ذلكَ مقارناً بين أسلوبيّ الروايتين إذ أنَّ ريمارك في (ليلة لشبونة) يبدأُ مع القارئ بشخصيّةِ راوٍ مهيمنٍ على أجواءِ الدخولِ إلى أعماقِ الرواية ثم ينسحبُ هذا الراوي بشكلٍ مفاجئٍ عن المشهد المرصود لتحلّ الشخصيّةُ الثانيةُ التي يلتقيها الراوي مصادفةً في الميناء مكانَ الشخصيّة الأولى في السياقِ الفني وتقودُ مسارَ الأحداث وتدخلُ في صلب نسيجها إذ أنَّ الراوي الجديد (المقاتل) في (ليلة لشبونة) هو الذي يسحبُ مسارَ الأحداثِ إلى (أناه) هذا التقاربُ الأسلوبيُّ ـ إذا صحَّ التعبير ـ لا يعني أن مؤلف رواية (فردوس الجنون) قد استفادَ بشكلٍ ما من عمل ريمارك في إبحاره الخاص في روايته والذي ينمُّ عن تولّيه لعبة روائية مهمّة تنطوي على مقدرةٍ خلاّقةٍ في فهم فنِّ الرواية ومحاولته الجادّة في الانفلات من الإصغاء الصارم لتقليديّات بناءِ الرواية وتقديم الأشخاص وعرض ملامحهم...الخ...‏
(3)
يبرّرُ الروائي (أحمد يوسف داود) اتّساع عوالم روايتِهِ باغتراب بطلِهِ (بليغ) والتحوّلات الهامّة التي تتعرَّضُ لها شخصيته وهو الهاربُ من السجن (بمعونةِ أحد رجال الشرطة) والداخل إلى سجنٍ أوسع من التصوّرات المتشظيّة والتيه والغربة، حيث ينتهي إلى عوالمَ لا تستقرُّ على ملامحَ بشريّةٍ مباشرةٍ إذ يلتقي في هروبِهِ (سرحاناً) بمحض المصادفة ـ والتي يكشفُ القارئ لاحقاً بأنّها لم تكنْ كذلك بل إنهُ لقاءٌ مدبرٌ بدقّة ـ ويقودُ سرحانُ بليغاً إلى شجرتِهِ الغريبة التي هي بمثابةِ بيتِهِ أو عالمه، ذلك العالمُ الصغيرُ في مساحتِهِ الكبيرُ بإيحاءاتِهِ، ذلك أنَّ العديد من المنطلقات الحسّاسة في الرواية تبدأُ منهُ وتنتهي إليه.. هذا المكان يتعرَّف فيهِ (بليغ) على مجموعةٍ غريبةٍ ومثيرةٍ من الأصدقاء لينشئَ معهم أغرب العلاقات الإنسانية التي تحملُهُ إلى أمكنةٍ وأحداثٍ وشخصياتٍ ومواقفَ لا يصدِّقُها القارئُ بسهولةٍ وهي بمجملها تغيِّرُ نمطَ شخصيتِهِ وتقودُهُ إلى ممارساتٍ في أجواءٍ مختلفةٍ عنهُ ليظهر لنا ـ المؤلف ـ بالنتيجة أن بطلَهُ يعاني من أزمةِ (سيزيف) وصخرتِهِ الأسطورية المعروفة التي تتشكَّلُ عند (بليغ) في حياتِهِ المليئةِ بالمفاجآت الصعبة التي تبقيه أسيراً لهذهِ الصخرة، هذا فضلاً عن الأبعاد المزدوجة لدلالات بعض الشخوص (ليلى والطفلة التي تفارقُ الحياة، الدكتور والضابط الذي هو أخٌ لبليغ كذلك الأمّ المزورة..الخ) وحتى حياة (بليغ) في (بيروت) وممارستِهِ لأكثر الأعمال تناقضاً فيما بينها.. فما العلاقة بين العمل السياسي الثوري المحموم والعمل المهين في ملهىً ليلي؟‍!‏ هذا إضافة إلى الانطباعات الشخصيّة الملغّزة التي تمر بهِ وهو يختلفُ نفسياً مع الزمن الذي يحيا فيه وعبرَ أكثر من دلالةٍ فكريّةٍ وفنية...‏
(4)
إن أهمَّ ميزات رواية (فردوس الجنون) هي نجاحها في خلقِ جوٍّ متضاربٍ ينطلقُ من آلامٍ إنسانية بسيطةٍ عبرَ الكثير من الأحداث والتعبيرات التي تُبثُُّ عن طريق السخريةِ المريرةِ أو الكوميديا السوداء إلى أعقدِ العلاقات الغرائبيةِ التي تمتدُّ في الكثيرِ من تصوّراتها إلى الوهم بأعمقِ دلالاتِهِ وتصوّراته، كما أن في الروايةِ أفكاراً كثيرةً لا تُطْلَقُ بشكلٍ مباشرٍ إلى متلقّيها ولا تخاطبُ قارئاً فيه ركودٌ ثقافيٌّ أو عسرٌ تأمليٌّ، بل تسعى بالقارئ إلى منطقةِ المتعة المشوّشة بالأسئلة، وإلى إحساسه ـ القارئ ـ بضرورةِ التدخل بأي شكلٍ من الأشكال لفكِّ الاشتباك بين علاقات الرواية المختلفة.‏ كما لا ننسى بأن رواية (فردوس الجنون) استفادت من اللغةِ الشعرية لإنجاحِ فكرة التحليق بالإيحاء والانطلاق به إلى موسيقى الدلالة بشقّيها الجمالي المحلّق والموضوعي المحض، وأن الرواية لا تستسلم كلياً لإيقاع الحدث الزمني ولا تفسِّرُ إشاراتها بسهولةٍ بل تذهبُ بهذهِ الإشارات إلى أقصى حالات التأمُّلِ لتعودَ بها إلى عين الواقع السحرية التي لا تلبّي نداءَ الإحساس المباشر بها وبشكل بليد..‏ إن رواية (فردوس الجنون) روايةٌ جديرةٌ بالتحليقِ معها وقراءتها باستــــــمتاعٍ قراءةً فاحصةً متأنية.‏
منذر عبد الحر

قديم 04-08-2012, 10:18 PM
المشاركة 387
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
فردوس الجنون
الوحدة
الاثنين27/9/2010
جودت حسن
لا توجد رواية بلا شخصية , ولا توجدشخصية بلا صراع , هذا أمرٌ يجب أن يكون من البديهيات .. أما عندما يقتصر الأمر علىشخصية ( واحدة ) تتفرّع عنها كل الشخصيات الأخرى , فإن الحديث عن الرواية يبدوصعباً وفظاً إلى حد ما ..! وهذا الحدّ يجب أن تظهره المعايير الأدبية , وهذا ما لميبلغ كماله بعد ..! إن
المونولوج هوالسائد في القصّ الحديث , لكنه ليس عاجزاً عن تقديم الشخصية الروائية وإدارة » أزمة « الصراع بين أكثر من قطب وأكثر من شخصية ..! في رواية الأستاذ » أحمد يوسف داود « الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بعنوان : » فردوس الجنون « صبوة مجنونة للحاق بحلمسوريالي يستطيع رسم الواقع بغير أدوات هذا الواقع .. وأنا أظن أن الكاتب أراد أنيخط ملحمة غنائية تشاكل رواية حيدر حيدر في : » وليمة لأعشاب البحر « الرواية التيهي سرد ومكابدة لبطل وشخصية صراعها موجود في كل صفحة وفي كل حركة .. واللغة نفسهاعند حيدر حيدر تتحول في رأيي إلى » بطل « ! إن اللغة عند » حيدر « تتحول إلى كابوسيقضّ مضجع الذين حولوا الشخصيات المنفية إلى أرقام .. ! لكنّ هذه اللعبة خطيرة ولايمكن تقليدها بسهولة .. ثم , إن الروح الشاعرية عند » حيدر « تغطي و » تجمّل « فنياً الخروقات في كل صراع وشخصية لم يصل إلى ذروة هذا التناقض الذي على الرواية أنتسطّره , وعلى الراوي أنْ يجيد حبكه واللعب عليه من خلال الكلمات .. ! النشيد هناعند الروائي » أحمد يوسف داود « مع أن البطل الوحيد - الراوي - يكاد يكون واحداً فيالروايتين ! بطل أحمد يوسف داود منفي في لبنان وفي ميليشيات التهريب .. في رواية » فرودس الجنون « هناك شخصية مركزية واحدة تتفرع عنها الشخصيات الأخرى , أو هي تخلقنقيضها لتكون كاملة كرواية , لكن أبطالها يتحدثون بالنيابة عن الراوي - المؤلف الذييتقمص دور الجنون ليبرز عورات هذا العالم : » في أوطان لا تنتج غير أصناف العلكةالرديئة , كيف يمكن حتى لأرسطو أن يتفلسف ? « ص10 .. نتابع أيضاً : » الحياة ماعادت غلطة سافلة وحسب , بل هي قد صارت في هذا العصر الفاضل مجتمع قاذورات ومجمعفظاظات يخترع الشيطان ذاته « ص8 .. ولأن الروائي الكاتب يدرك سلفاً أنه لا يستطيعتقديم كل هذه الكمية من الجنون في رواية حتى لو بلغت صفحاتها الألف , فإنه يعترف » لحظتها , تبين لي مدى سذاجة روايتنا هذه قياساً إلى الجنون الفعلي الذي احتلّالعالم « . ص12 .. ! وفي الصفحة التي تلي نقرأ : » كنا نجد هذا العالم أمامنا كلمااخترعنا وهماً روائياً كي ننساه .. وجدنا أنفسنا واقعين في مطبّات من الجنون البارد « ص13 ..! والمؤلف يجد أنه من الصعب تغيير قواعد اللعبة هذه عندما يجد أنه لايستطيع أن يخترع جنوناً يليق بسفالة هذا العالم .. وهنا علينا أنْ ندقق قليلاًبالشخصيات في الرواية وفي صراعها .. مع منْ تتصارع هذه الشخصيات إذا كان خالقهاالروائي يقرّ بعجزه عن تغيير اللعبة , الأمر الذي لا ينبغي أن يؤيده النص الجديدالذي يسرد طرفاً من الجنون : » ممنوعٌ عليك أن تضع ولو لمسة صغيرة جديدة في قواعدالجنون « ص 17 .. وهذا الهمّ يكاد يصبح كابوساً يؤرّق المؤلف الذي يعود إليه بعدعشر صفحات قائلاً : » إنّ إحدى سقطات روايتنا هذه أيها السادة , هي أنّ الجنون فيهايبدو لنا - نحن أبطالها - سخيفاً إلى درجة محزنة .. إننا نُبدي أسفنا أمامكم , علىأننا لم نستطع أنْ نكون فيها مجانين حقيقيين بالقدر الذي ترغبونه ..! « ص27 ..! فيرواية » فردوس الجنون « يوجد حدّ أدنى من السوريالية , وهذه في رأس قفزة ملائمة فيالعصر الفاوستي الجديد , لكي نبرهن أننا لم نعدْ بحاجة إلى الروح , وكل ما يصبوإليه الأبطال في الروايات وخارج الروايات هو تحقيق الجزء الأسفل من فلسفة أبيقور ..! تبقى اللغة في » فرودس الجنون « شخصية حاضرة لتذكر بالشاعر المؤلف , واللغة هناتستر ولا تعري .. ونحن تنقصنا المعايير النقدية لنفرق في الألفية الثالثة ما بينشخصية » واقعية « وأخرى يرسمها خيال » الشاعر « , الأمر الذي يجعل الصراع أقلّتوتراً , والجنون أقلّ فائدة , والصراع على الوصول إلى النهايات القصوى في » الحدث « وفي » التشويق « أكثر عقلانية , في الوقت الذي يجب فيه على اللغة أن تسقط مندورها كورقة توت , وهذا أمر لم يقصّر فيه الراوي - المؤلف .. لكن الجنون يحتاج إلىسوريالية , وهذه تحتاج إلى جنون اعترف الكاتب بأنه جاء ساذجاً وبسيطاً .. لكنهارواية تسرد جزءاً من التاريخ المعاصر لشرقيّ بلدان المتوسط , ( فردوس الجنون ) للشاعر والروائي أحمد يوسف داود , هي رواية شيقة , وجذابة , وشاعرية , وكثير منالتخيل الذي يعكس الواقع بلغة الحالم , وهناك لوحات مسرحية كاملة يمكن تطويرها فيالمستقبل لكي يكتمل الجنون الأصلي في شرق المتوسط .. في شرق لم تمرّ عليه لمسات » فاوست « , ولا يريد أنْ يصدّق بأن » العقل « مصيبة حتى في رواية ..!‏

قديم 04-08-2012, 10:32 PM
المشاركة 388
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
قراءة في فردوس الجنون
المصدر جريدة الف

إذا كانت الرواية – أي رواية – وهي تحكي مقاطع من حياة الناس والمجتمع والعالم،في فترة معينة، قد تطول وقد تقصر،بأحداثها وسيرورة مصائرها، فيتوجب بداية إخضاعها كبناء حكائي أو قصصي إبداعي، لقوانين العالم الموضوعية......قوانين الزمان والمكان والحياة، إلا أن روايتنا هنا يبدو أن لها قوانينها الخاصة، أو لنقل إنها تبتدع قوانينها التي تحقق متطلبات الحداثة والتحديث، والتجريب الذي يتقصد البحث عن أشكال جديدة للبناء الروائي، تلك التي اشتغل عليها الكاتب والأديب أحمد يوسف داؤود ، كهم إبداعي مستمر ومتواصل، يسم جميع أعماله بلا استثناء، في محاولة للوصول إلى حالة إبداعية تحيل إلى المتغيّر دوماً، والمستجد والمستحدث، وعدم اعتبار اللحظة زمناً منفصلاً...كينونة ، بل معطى متوالد ، يتعلق بالقبل والبعد... وما بينهما، وما تحتهما... وفوقهما، وأيضاً بما ليس بهما كمتعلق غير ثابت، لا يحيل إلى ذاته ، ولا يحمل بالتالي شروط بقائه وفنائه في طبيعته، انطلاقاً من القطع مع مبدأ الانفصال والتوحد، أو مع نسبية اللحظة .
والأديب أحمد يوسف داؤود ، كهم إبداعي مستمر ومتواصل، يسم جميع أعماله بلا استثناء، في محاولة للوصول إلى حالة إبداعية تحيل إلى المتغيّر دوماً، والمستجد والمستحدث، وعدم اعتبار اللحظة زمناً منفصلاً...كينونة ، بل معطى متوالد ، يتعلق بالقبل والبعد... وما بينهما، وما تحتهما... وفوقهما، وأيضاً بما ليس بهما كمتعلق غير ثابت، لا يحيل إلى ذاته ، ولا يحمل بالتالي شروط بقائه وفنائه في طبيعته، انطلاقاً من القطع مع مبدأ الانفصال والتوحد، أو مع نسبية اللحظة بما هي بداية ونهاية، فافتراض الفصل والانفصال، يجبّ مبدأ الحداثة ، ويحيل إلى ما يستلزم إعادته، بدلاً من عودته بطبيعته بتجلّ مختلف أو منزاح ، أو بتشكيل يعكس المعنى في إحالاته وتحولاته... لا في غائيته.
فردوس الجنون لها زمنها الروائي الخاص، الذي يفيض عن الزمن التاريخي ، ويفارق منطقه
المنطقي، لمواكبة الأبعاد غير النهائية لتحولات الحدث الروائي، وهو أيضاً ليس انتقائياً ، بل متحرك... متقافز، أو متوهم ، أو غائب أو مفترض، مما يجعل منه عنصراً أداتياً من جملة العناصر التي يتحكم الكاتب بإيقاعها وسيرورتها ، من خلال تركيزه على فرضية استحالات الزمن وتغيراته، ويكون فلسفة إبداعية حداثية، تلائم وتوافق المحمول الفكري، فيتلونان بلون بعضهما، ويحيل كل منها إلى الآخر.
الكاتب كمبدع للتوقيت يشي بمقولاته عبر تحكمه بمواقع خطى الزمن الروائي،ومتابعته لها، كزمن مفترض أو مسترجع، أو قادم، ويصبح هذا الفهم للتوقيت ذو علاقة واجبة الوجود بالرواية، من أجل الصورة البنائية التي تتسع للخلق والتخليق، المختلفان عند الكاتب عن العالم الحكمي، ولهذا وجب خلق عالم زمني روائي متخيل وفق الرؤية التي تبرر وتفسر العالم المخلوق، أو واجب الخلق.
من الواضح أننا لسنا هنا أمام فلسفة للفكر فقط، بل فلسفة للطبيعة والتاريخ واللغة، فالشعوري واللاشعوري عبر اضطراب اللحظة الزمنية وتقلقلها ، يعبران عن نفسيهما معاً ، وتحتفظ الذاكرة الانتقائية ، والرغبة ببناء ذاكرة جديدة منتقاة بمركز أساسي مما يسمح بالتحرر من الذاكرة كتاريخ، أو كمعطى، ويقيم بينهما فاصلاً ، هو علامة الاستقلال أو الفراق الذي تولدت عنه الصورة داخل الكلي المستمد من محايثة اللحظة لمبدأ الاستيلاد المستمر لذاتها، والتي تحيل إلى حداثة الفكر، ثم تنعكس عنها.( أنكرني أخوتي أمي ماتت من الغم بينما ضاع أبي في غابات المارتينيك وهو يطارد خلاسياته الجميلات وكل ذلك لأنني أركب على قصبة وأركض وراء أشباحي منقاداً بهوس الاكتشاف بينما هم يرغبون في أن أصير حكيماً )
الفرشة الروائية تجمع كورال الشخصيات المتخيلة، وتستحضرهم في بداية القص، كاستهلال يحيل إلى التواصل الحي، ويؤكد استغراق الواقع للمتخيل أو توثيق الواقع بالتخييل، فبيان الأبطال يشعر بالتزام الواقع من حيث الوجود المعاين، ها نحن نتكلم ( نحن أبطال هذه الرواية) ...وتأتي جملة اسألونا لماذا... لتؤكد واقعية الحال بافتراض واقعية المساجلة، وهو اختبار لا يمكن أن يرقى إليه الشك في يقينية الوجود ، إذن فالوجود هو الافتراض الأساسي ، أما ما ينسحب عليه من توصيف فهو أمر آخر، والانشغال بمقاومة الجنون هو تأكيد لحالة الواقعية ، وليست نفياً للواقع، ويكون تمييز حالة الجنون ، هو المعادل لوجود العقل بالفرض، ومسألة الخطأ والصواب، هي من متعلقات الواقع أيضاً، ويتبادل الخاص والعام أمكنتهما، فتصبح القاعدة هي الاستثناء، والاستثناء قاعدة يمكن تعميمها فيما يتعلق بالأحكام القيمية للحياة والكون والبشر، ويصبح من يمكنه تمييز الجنون من العقل، يمثل القلة النادرة، التي لا تنال أحكامها- وللأسف - حظها من الاعتبار، والمسألة موضوعية بالأصل، فمن يوجد في مدينة العوران يجب أن يستر عينه ، وإلا كان هو الاستثناء، وطالما أن ذوي الجهالة ينعمون في فراديسهم، فالأمر محلول بالنسبة لهم، ويبقى أولئك التعساء بعقولهم وحكمتهم، غرباء في مملكة المجانين، فهل يجب أن يشربوا من نهر الجنون، كيلا يستمر التمايز والتمييز؟ أو أن رؤوسنا الفاخرة لا يليق بمساحاتها الرحيبة، وهي على الهيكل، سوى هذا النوع من الشواغل؟ وأين بالأصل تكمن مسألة الخطأ والصواب؟ وهل الخطأ والصواب هما من متعلقات العقل؟ وأي عقل نعني؟ أم أن المسألة لا تمثل برمتها سوى اصطلاحاً ومعطى بشرياً، يخضع لنسبية الزمان والمكان والكون؟.
تشرع الرواية السؤال والتساؤل عن الموقف من فرضية خطأ العالم، وهل من اللازم تنصيب الشخص لنفسه شاهد بينة شخصية على خطأ العالم ؟، هذا السؤال ينبني على مشروعية تخطئة العالم أساساً ، ومجرى الأشياء ، لكن هذا العالم هو بالتأكيد أكبر من أحكامنا وأفكارنا، والصعوبة تكمن في قابلية الفكر كمعطى، للتحديد خارج العالم،لكن افتراض أن هناك موتى أحياء يحل المسألة مباشرة ( كنا فقط نطمح إلى إثبات أنه ما زال بين الموتى الأحياء غير المعلنين ذلك الخيط الواهي من الصلات الإنسانية الجميلة وسنعترف لكم هنا بأن الدافع إلى ذلك لم يكن أكثر من أمل ساذج وغبي على الأرجح بأن ذلك الخيط قد يتحول إلى حبل إنقاذ في يوم من الأيام ) ...إن كلمة قد تحيل إلى إمكانية التحقيق والتحقق ، أي تشير إلى توفر عناصر الواقع، وإن بحدودها الدنيا، وهنا يكون الأمل بالحياة مشروعاً، الحياة المفارقة لليوتوبيا التي تحمل بذور فنائها في ذاتها عموماً، بتقديمها الفكر على الواقع والقول بأسبقية النظرية، ومن الطبيعي أن لا مكان للأمل في ظلها، بل فقط الحلم في غياب العقل، أما في حالة الأمل، فالأمر مختلف، إذ يكون الأمل أيضاً حلماً، إنما بحضور العقل الذي يحايث الواقع ، ويستمد منه عناصره، ولو صعب الوضع واستدق، ويبدو أننا لا نملك أكثر من ذلك الآن، لكننا نطمح ونأمل، والأمر يتعلق بالآن والإمكان تحديداً لا نفياً...( أنا متعصب للحياة أي نعم متعصب للحياة ...والحياة لا تكون إلا في مكان يا سيد بليغ فالمكان هو وطن للحياة وطني وطنك وطننا أوطان الناس جميعاً معلوم وليس الوطن فكرة للضحك على الذقون وليس مذبحا وهمياً يموت عليه الانسان بلا معنى ولا غاية ولا هدف لا الوطن هو مطار روحك للتحليق نحو الله هذا هو رأيي من البداية ).وأيضاً..
( لا يهمني من تكون لكنني عرفتك أنا مدينة لك بإعادتي من سجن حلمي المسكين إلى رحابة واقع أشعر بأننا قد نصير قادرين على إحياء جماله رغم فظاعة ما نمر به من عذاب ) .
فهل تكون الكتابة ذاتها وليدة الصعوبات التي تسببها متطلبات التحديد هذه، أو أنها احتفالية متعمدة باكتشاف المفارقات التي يمكن أن تظهر في كل مكان بين متطلبات الروح الحالمة، وبين نوازع الفكر المعقلن، المتصل بمسائل الكشف، وما يمكن أن ينتج عنها من مظاهر السلب والاستلاب، أو الفراق، أو الاغتراب الروحي.
من الواضح أن الكاتب يحاول تسريب الصدمة التي تجتاحه إزاء كل هذا إلى قرائه، الصدمة التي تسببت بانثقاب روحه، وبالتالي بروز الحاجة للترقيع،(سرحان الإسكافي ونائبه بليغ، ترقيع ماركات الأرواح المعطوبة بأحدث الآلات اليابانية خدمة متقنة ودهان فاخر ) نعم... فليس ثمة متسع من الوقت للهدم وإعادة البناء، ومن الضروري التعرف على القاتل والمقتول في غمرة الصدمة الهائلة للحدث، صدمة السوق... الأخلاق السياسة... الأحزاب، وهذا ما يبرر اللجوء إلى التمايز والتمييز وربما البعثرة وإعادة التوليف في صورة الشاهد المشهود، فالشاهد لوحده ليس بوسعه إلا اللغط والإزعاج، والمشهود يمثل التحدي الدائم، من الطبيعي إذن أن تنتج الفوضى والخراب، خراب الروح، ولن يكون بوسع الكاتب إلا اللجوء للسخرية المعبرة عن الرفض الكلي لما هو كائن خارج نطاق الرغبة والإرادة.( ولو سلامة فهمك خواجا سرحان هم يعني الدهاقين الذين يستطيعون شطب المخلوقات بخربشة توقيع على ورقة أو بأمر في تلفون ثم يحدثونك بالألوان وعلى الهواء مباشرة عن الحرية وراء ابتسامة أنيقة كما يليق بالنصابين ...) وأيضاً ( أنت المسكين الطيب الذي لم يكن يطلب إلا القليل من المعقولية لحركة الدنيا صرت عاجزاً عن أن تعرف ما الذي تريده أنت ثم وصلت أخيراً إلى أنك لا تطلب إلا موتاً بالتوقيت الشخصي ...)
مفارقة الواقع بشروطه المكانية والزمانية، ليس هدفاً بحد ذاته، أو وسيلة للهرب، فهذا ليس من شأنه، ولا يكفي بدون شك لتحويل العالم أو تبديل الحياة، لكن ربما بفضل محايثة الواقع غير المحدد، والذي تقودنا إليه الأسباب المختلفة التي تسمح لنا بشعور كانت تمنعه عنا معطيات الواقع المنطقي ومقولاته، تبرز الحاجة لعملية الانتخاب العقلي، التي تظهر ميولنا في تناقضاتها، وعمليات التوافق والإخضاع اللازمة للوصول إلى وحدة المقول الأخلاقي أو العاطفي أو الوجداني ، المتمثل بضمير الرواية الحقيقي ، كذات منفصلة، والتعرف على قدراته في توحده، ورغباته، ( وشكرت القصبة في سري لأنها حملتني ذات يوم بعيداً عن الجامعة وعن حذلقات حكمة الجامعة وفتحت لي أبواب فلسفات الحياة المتقلبة الواسعة وهي تتجسد في أسرار صغيرة مخبأة في حركة البشر ، لكن تلك الأسرار الصغيرة كلها تنبع من سر واحد كبير ومتناقض، سر مستعص على الجلوس في مقاعد الدراسة حيث لا يمكن للمرء أن يشك في محفوظات اليقين الخالص الذي يحشون به رأسك ، وحيث الرأس صندوق فرجة على قداسة كل ما ليس منك وليس وسيلة لدخولك في نظام الدنيا ككائن من لحم ودم )
إن مجموع الذوات المتناثرة في أطر وشخوص مختلفة تتكلم وفق القولبة التي تحكمها، والتي يتم ضبطها دائماً ومتابعة حركتها من قبل الكاتب انطلاقاً من إمساكه الدائم بخيوط القص، وسيطرته على أدواته، وفق ما يجب أن يكون، ولو عبر الحلم والتداعي، وتقطيع الزمن، و بفضل ضمير المتكلم الذي يشرع الحق بالتقول، وعلى مسؤوليته كشاهد معاين،( وعندها اقترحت على الشباب أنا محسوبكم سرحان )...تاء المتكلم هنا تبتدئ القص بضمير الأنا الرائي، المتسلح بحواسه ، مع الاعتماد أحياناً على ضمير الغائب المنفصل عن الزمان والمكان، المتعالي على الحدث، الذي يرد في سياق الحوارات، الأمر الذي مكنه من استنطاق الذوات المتناقضة والمتنافرة، بما يفيد الحكم الذي يتطلب تكييف الواقع، وإعادة تشكيله، أو تغييبه إذا اقتضى الأمر، وعبر فانتازية المصادفات والمفارقات، وانفلاتها من قيود المحاكمة العقلية أو التاريخية، أو حتى التقانية، فالحياة ربما كانت فراغاً تعكر صفوها الصور الغامضة والمتدفقة التي تجتاحها،لكنها تحركها ...وتعطيها قيمتها، ولو كانت على غير ما نشتهي، فلا يتحرج بليغ من إيراد صيغ الشتم والتهديد التي يتلقاها ( اسمع أنت يابن الشرفاء يابليغ الحمود إذا أخطأت مرة واحدة أو ترددت لحظة في قتل من يحاول الوقوف في وجهك أو سكت على أذية مخلوق فأنا من الآن أنصحك بالهرب إلى أي مكان لا تصل يدي إليك فيه ...لأنني وقتها سأجعلك تلعن السلعة التي خرجت فيها من بطن تلك المجنونة فهمت أم أعيدها عليك؟)...ثم( هاأنذا أركض وأركض ولا ألتفت وأعرف أنه سيظل يراقبني حتى أختفي رغم أننا في برية مقفرة ولكن ما أطول هذه الطريق نحو الحدود التي قال إنه على مسافة أمتار فمتى سأصل إلى النبع؟ متى متى يا ألله؟ ) ثم على لسان بليغ ذاته ( يا إلهي يا إلهي... معقول ؟ أركض كل هذا الركض هارباً من جنون لأجد نفسي في مصيدة جنون آخر ؟ ) وأيضاً( أنا مطارد وسأبقى مطارداً فما الفائدة؟) .
المكان الأكثر ملاءمة لتوصيف حالة الجنون هو بيروت، بيروت الحرب، وتعميم مناخات الحرب، وإسقاطها على مساحات الذاكرة والتذكر، لإنتاج ذاكرة المأساة، التي ستسم الروح،( أوه بيروت بيروت دائماً بيروت مسيرة ما لا أستطيع حسابه من الكمائن والألغام والأعلام والأناشيد والخيبات والأخوات المعطوبة والشعارات والمؤتمرات والمذابح والمدائح والأوسمة والخطب والأكاذيب والآباء يا لطيف كم صارت بعيدة هذه البيروت ) ثم ( لقد فتحت جبهتي الخاصة كي أسدد حساب الثأر في روحي المحترقة بهيجان الخيبة وأنا أرى جميلة تسقط كانت ممسكة قلبها بيد وبطنها بيد وهي تتلوى من الألم المرعب...) وقرار الدخول في حمأة الحرب ليس خاضعاً لحسابات العقل ولا حتى المصالح ، فالمزاج له دوره في هذا العالم غير المعقول ( لكن قلبي ظل يغلي في أعماقه مكابراً ببلاهة حتى أنني رغم تهشم بارودتي التي لم تعد صالحة لشيء قررت أن أبقي جبهتي مفتوحة، وصار همي كله ينحصر في أن أجد لها نشيداً أي نشيد كان ، لكن المشكلة التي ظلت تؤرقني منذ أن صرت معروفاً هي مشكلة من صار في إمكاني أن أختارهم كخصوم؟...) ثم ( غريب يرقصون هناك رغم أنهم بين أكوام من الجنائز)
بيروت هي الكذبة التي يريد الكل تأسيسها على إيقاع لعبته وتلاعبه، مما يشعر بالانمحاق، وأن الخلاص بعيد، وأن كل عرس لقيامتنا مستحيل، مما يبرر الهلوسة... الهلوسة التي تستحضر الكاتب كضمير لا يستطيع الابتعاد عن الموكب، وعبر الصور ، ومماحكة الذاكرة التي قد لا يستطيع - وربما لا يريد – التحكم بتداعياتها ، وانتخابها ، والتركيز على علاقة الصورة بالمعنى...فشهرزاد هي الورقة الصورية –ورقة الضد – التي يسخر بها من طقوس الوضع، ويخاطب بها العقل البدئي، وبها يراهن على صمود الروح ( ورأيت شهرزاد تنسحب وقد أدركها الصباح الشهرياري الدامي أو أوشك )...أما أسباب صعوبة القيامة فكثيرة ومتنوعة ، أهمها حالة الخصاء التي ربما تنتج المصادفات ، لكنها لا تعد بأي شيء من ناحيتها ، مما يسمح بتعميم الحالة كأصل وليس استثناء، وتؤكد أن عقم الرجال أساسه عقم الرجولة ( أنا رجل فعلاً أم لا ؟) وأيضاً ( ربما صرنا أولاد ميتم كبير بعد أن تم تجريدنا من هذه الذكورة الملعونة...) ،ثم( فأنت حين لا يكون لجبهتك خصوم محددون يقودك البين بين إلى أن تصبح أشبه بجربوع مخصي تجره مجارير الآخرين إلى حيث لا يعلم ) حالة الخصاء هذه تبقي وللأسف على الحياة بحدودها الدنيا، فالعقم محلاً وموضوعاً موجود على كل حال، وهو وجود حال وآني ، ولما كان التسليم بالأمر مسألة تتعلق بالوجود والعدم، فليس هناك أنسب من البرزخ مقاماً للروح والعقل ، البرزخ الذي ينتصب علامة الكمون، وهو أقصى ما يمكن إدراكه في ظل رحمة الخالق.( رفضوا أن يتقبلوا شرف خصومتي لهم وبذلك وضعوني مجبراً في الحياد في منطقة ذاك البين بين الملعون والذي لا تعرف فيه إلا الحيرة حتى أنك لا تعود أكثر من غريب عن نفسك )
تنسحب هذه الحالة على مظاهر الانفصام والانفصال... والتأثر والتأثير، لدى أشخاص الرواية ، فالحب والحرب يأتيان بقرار ( أما لماذا خطر لي أن أفتح جبهة عشق كي أسكت جبهات الحرب حين دخلت فتلك معضلة...) ثم ( وحين لا تعرف ضد من عليك أن توجه جبهتك، فإن غضبك لا يمكن له أن يصل مهما تفجر إلى أبعد من رأس منخارك، إذا ما كنت تعوم داخل هذه البحار من التفاهة الخالصة ....واخترت اعتبار رصاصاته جزءاً من مساعدة شقيقة على التحرير ، أما تحرير أي شيء والتحرير من أي شيء فالله وحده يعلم...) . وأيضاً ( أعط أي شقندحي من هذا الشرق الغريب رشاشاً أو حتى مقلاعاً وزوده بخمسة مصفقين وملقن ماكر ثم انظر ما يحدث الأرض كلها لا تعود تتسع لأمجاده

قديم 04-08-2012, 10:33 PM
المشاركة 389
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع ،،،

النساء المعشوقات يحبهن على التوالي، ويتعرف إليهن الواحدة تلو الأخرى...وجميعهن دفعة واحدة أحياناً عبر لعبة الأسماء وتعددهاوتوحدها – روز وزهرة – نوح الأول والثاني – بليغ الأول والثاني- في مقاربة ميثولوجية تؤكد حضور الأسطورة في وعيه كرمز للانتماء ، ويعيد فكرة الماهية المشتركة لجميع أشكال الحب التي عاشها بشكل متتابع،( وشربت حسبما أمرت يا بليغ شربت وأنا أرى صوراً أخرى جديدة قديمة من حياة كانت وربما تكون أو ستكون لكنني كنت أضعتها ذات موت طفولة وانبعثت حية نابضة بما هو في غاية البساطة لكنه مع ذلك عصي على الفهم فالصور ذاتها مضطربة تترك إحساساً غامضاً في الروح ولا تعلن لها عن شيء محدد ومع الخمر استسلمت لأبصر ما الذي يريده هذا الرأس المحترق قدام الحضور البهي لتلك المرأة الحزينة التي تبدت مثل زهرة في خرائب مدينة ضربها زلزال )... ولن يكتشف أخيراً في جميع وجوه النساء هذه، إلا وجهاً واحداً ، هو الذي يحبه...تماماً كما في جميع وجوه الرجال أنفسهم، وذلك من خلال العناصر ممكنة الوجود في نفسه كما في نفس الآخرين ، فأحرى به أن يستحضر من ذاته – مع التحفظ على عطبهامادة الحب الأساسية ليكون أكثر صدقاً وواقعية ، ويبتعد على الأقل عن مشقة مجابهة الشعور بالخيانة، لاستحالة وقوعها كفعل سلبي بسبب غياب أحد أهم أركان القصد، ويبقى محذور تعدد الوجود الواقعي فعلاً ، الذي يحيل إلى اللا إرادة، أو اللاشعور، لإعطاء نتيجة مغايرة، وهو ما يمكن أن يحدث بدون قصد، لكنه وللأسف موجود أو محتمل، وكأن الكاتب يسلم بلا معقولية العقل باعتباره خالق أدوات الإدراك، حتى تلك التي لا تنسجم مع العقل، أو لا توصل إلى نتيجة ، فلا يكفي تفسير التماثل والترادف، وتعدد الأسماء ، وبالتالي تعدد الهويات ، أو نفيها ،( قد يأتي يوم تعرف فيه أن زهرة ليست إلا حلماً وأنك قضيت الليل منفرداً بروحك) ثم (من دهور كانت بيروت مهزومة ولولا ذلك لما وصلوا إليها أما زهرة فهي مجدلية من طراز هذا الزمان لكن أحداً لم يؤلف لها أسطورتها بعد).
الموت نفسه لم يعد ذو أهمية ، طالما أن الانسان لا يجب أن ينتظر ليرى رأسه تتدحرج ليتيقن من موته، فهناك الموت الحكمي... المفترض، النازل منزلة الموت الحقيقي، والموت الفانتازي ، الحاصل بعد خسران اليقين بعناصر الحياة والأشياء، والحياة نفسها لا يهمه من أين تصدر، ولا من أين تستمد قيمتها، طالما أن الحضور الروحي تتحكم به علاقات لا تخضع لمقاييس الكون والتاريخ، فتتحول وتتداخل الأرواح والأشباح، ويمكن التعرف إليها كأشياء مجردة من القيمة، ومن هنا يمكن فهم شخصية بليغ...ضمير الرواية ، والقبول بما أسبغه عليه الكاتب من إمكانيات ، ربما كانت صدى لحضور الكاتب نفسه، الذي لا يتحرج من الحضور عند اللزوموفي الأمكنة التي تتطلب وجوده، والحضور الحكمي أو الفانتازي ، يفسر ويبرر الوقائع، فيرقى بليغ إلى مستوى الفيلسوف أحياناً، وقد يستجدي النصح والمشورة من طريف ، الشخصية التي تمثل الظل والشعاع في آن ، ويماهي حركة روحه، وينكفئ بليغ عندما تغيب الفانتازيا ، ويرجع إلى ذاته عبر رجوع الكاتب إلى تهدئة اندفاع الرمز، فيخرج من السديم لفترة يتعرف فيها على نفسه تحت ضوء الشمس، وعلى بيته وأمه... وأخيه الدودة ، في مقاربة عيانية يرجع فيها إلى روحه، ويدرك من خلالها انمحاقه الأكيد، واستحالة وجوده ضمن هذا التشوه الحاصل، فيعود به الحلم، ويعود بالحلم الذي يمازج اليقظة إلى بيروت، ولا يتحرج الكاتب من استجداء الفانتازيا مجدداً ، بل يضطر للجوء إليها وتعميقها ، كمعادل تقني، للإحاطة بالمكان... وتفسير العودة بدلاً من عدمها ، ولتفسير وضع بليغ وتحولات شخصيته ونوازعها، التي تشكل النسق العام لتحولات الحدث الروائي وسيرورته، ثم يخرج منها طائعاً ليخاطب ذاته الواقعيةالحيوية ...ذات الإمكانات الكبيرة ...كخال أصيل ينتمي إلى ذات الأصالة التي ينتسب إليها بليغ الثاني...الشاعر المبشر بالأعراس، ويضمّن الكاتب النص قصيدة ، يشكل ورودها إشارة توحي بحضور المنشئ، في حركة جريئة ومستحدثة، تحيل إلى التوثيق، قد تكون مستمدة من أدوات المسرح، الذي يكون التواصل الحي والمباشروالتوثيقي فيه جزءاً من طبيعته ، وكأنه يردد...كم قد قتلت وكم قد مت عندكم ثم انتفضت فزال القبر والكفن .
وإذا كانت المصادفات أو الحتميات -لا فرق- ، هي التي قادت بليغاً إلى بيروت، وكان مناخ الجنون والتشوه- كما اكتشف - وراء كل مجريات الأحداث التي تعصف بهذا المكان، فإن هذا المناخ ذاته ، سيسحب بالضرورة نتائجه على الأمكنة الأخرى المختلفة التي تنتمي إليها ذات الشرائح الاجتماعية والطبقية، وإذا كان في مكان كبيروت قد أنتج حرباً أهلية عبثية مجنونة، فإنه يمكن أن ينتج ظواهر أخرى-تصدر عن ذات السيماء الجنونية- لكنها مختلفة بالشكل أو المستوى في القرية، التي عاد إليها بليغ مختاراً، ليكتشف أن لا كبير فرق بين بيروت السائرة نحو الموت بالانتحار الطوعي، والذي قادتها إليه أسباب الجنون، وبين مكان آخر قصي، يصدر عن ذات المقدمات والأسباب والماهية، لكنه ينتج التشوه الصامت والتفسخ البطيء ربما، وعهده بها –وفقاً لذاكرته الأولية- بعيدة عن متناول وحش الجنون القادم ، ليكتشف أن الرياح المسمومة من القوة والعنف بحيث وصلت إلى أقاصي المساحات والجهات، و الاختلاف هنا فقط في طبيعة أدوات الصراع،المحددة لشكل الظاهرة أو طبيعتها، وتكون صدمة بليغ في أخيه والآخرين ، تماثل صدمته بأطراف الصراع الأخرى المختلفة في بيروت، والتي صدم بجنونها الذي لم يسلم منه أحد فيما يبدو، فيعود هذه المرة مختاراً، لأنه على الأقل، اكتشف في بيروت ذاته ربما، وأسهمت إقامته فيها في بناء ذاكرة جديدة لن يكون بمقدوره التخلي عنها مجدداً، ذاكرة تتعلق بحياته الجديدة، الفكرية والسياسيةوالعاطفية، التي عاشها إبان تواجده في بيروت المتحاربة، إنما التي تستطيع إرشاد الشخص إلى ذاته، أو تساعده في اكتشاف ذاته، وهو أمر يتعلق بطبيعة الحدث المعاشوضخامته وجديته من جهة، وللإمكانيات الأخرى التي تنتجها المدينة بطبيعتها، وربما كان الرهان الأخير على الطهارة التي تنتجها النار بعد الحريق.
الرواية تحفل-بحواراتها وخطها الدرامي على مستوى الحدث وتحولاته- بالكثير الكثير من المصادرات الجريئة... العقلية والفكرية والسياسية والدينية ،على السائد من السياقات إياها، وعلى ما يتم العمل عليه، من قبل أدوات الفساد والإفساد،وعلى مستويات الثقافة والسياسةوالاجتماع...والعقل، من تأسيس لحالات تنذر بالقطع مع إحالات العقل باعتباره القيمة الأساس في معادلة الحياة، وبالطبع ليس هناك-وللأسف- من معيار غير الجنون، في غياب أدوات الكشف الحسي الأخرى لتمييز العقل ذاته، أي تقعيد وتعميم الاستثناء للولوج إلى القاعدة التي أصبحت لا تحيل إلا إلى الغربة، عالم العقل..المقصي والمهمش. لكنه-لحسن الحظ أو سوئه- الوسيلة الممكنة الوحيدة في عالم الغرائب والعجائب، لتمييز خطأ العالم وصوابه، فلماذا نعجب بعد كل هذا من فراديس الجنون؟ وهي المكان الذي يتسع ويؤوي شاربي ماء النهر، على ما تنبأ به جبران، وهم غالبية البشر الذين ينعمون في بيمارستانات عالم الجنون الوافد بصلفه وجبروته، والهازئ من عالم الوعي، ومنطق الحياة والبشر، في سيرورة تحولات وقحة، لا تقيم وزناً لإنسانية الانسان وعقله، وهل يبقى لنا سوى الأمل الذي يبدو أننا محكومون به فعلاً؟ الأمل الحلم الذي يستدعي القليل من عناصر الإنسانية المتبقية في هذا العالم، وعليها الرهان لوحدها في تحقيق الحلم ، أو مقاربته. والمعادلة في غاية الصعوبة، فإما أن نشرب كلنا من نهر الجنون، أو أن يثوب العالم إلى رشده، الأمل بالحلم هو مادة تمسكنا بالحياة، فهل تنهزم الحياة وتتراجع مسيرة الإنسانية؟ أو تواصل مسيرتها المتعثرة لاستكمال بناء عالم الإنسان كما تقتضيه إنسانيته وثقافته وحضارته؟ .
وإذا كانت الرواية تبتدئ العلاقة مع المتلقي ببيان مباشر ، يشكل استهلالاً ومدخلاً، يتيح فهم المنهجية الأسلوبية، ويقدم مفاتيح أولية للدخول في متن النص، فإن هذا الاستهلال يصبح جزءاً لا يتجزأ من النص، ويبنى عليه ما بعده، وتصبح العناوين الفرعية التالية مدخلاً لفهم التنويعات على مستوى التشكيل الخارجي، لكنها تتعلق بالداخل، من حيث أن هذه العناوين تبدو مدروسة على مستوى الإيحاء، وعنوان (بليغ ينزلق على قشرة موز)، يوحي بضمير الغائب، بينما نجد أن بليغ نفسه هو المتكلم، ويقدم رؤيته في هذه المسألة (بليغ الحمود ؟ يا إلهي كم يثير قرفي هذا الاسم .....وها أنذا أتأمل فيه كما لو أنه ليس اسمي....قال بليغ الحمود قال )...ويكرر الكاتب الطريقة ذاتها في الفصل التالي ( بليغ في لعبة المطاردة ) ليؤكد بقاء النص تحت نظره، لا خوفاً من انفلاته، بل ربما لاستمرار لعبة التواصل مع المتلقي، وتذكيره بأن الأمر لا يعدو كونه حكاية، بتقديمه للراوي بنفسه،ثم يتركه يتوجه بالخطاب على طريقته، وبلسانه، وتأتي العناوين ( زواريب إمبراطورية الظلال) و(احتفال في شبكة مثقوبة) ثم ( بليغ يبيع الشيطان) ليبين رأي الكاتب بما يحدث، لا كشاهد فقط، بل كصاحب موقف، وليؤكد انفصال النص عن منشئه، وبقاءه على الحياد فيما يتعلق بالسيرورة الروائية،فهو يوصّف فقط، وقد يعطي رأيه من الخارج، ساخراً أو ممتعضا،أو مستنكراً ، وحتى عناوين ( نفق للدخول إلى متاهة القاتل والمقتول).. و( الفصول والغايات في إعمار العواصم بالقبضايات ) و(أقصر المسالك بين حطام الشرف الهالك)...فإنها تحيل إلى تبعيض الوتيرة الحكائية، وتقديم الفصل بطريقته-أي الكاتب- ويحمل العنوان أيضاً إحالة تراثية في ما يتعلق بالسجع، على طريقة واضعي السير في العصور السابقة، أما عنوان (طوق الحمامة ) الذي يستعيره من عنوان كتاب تراثي له وجود فعلي، فالغاية منه على الأرجح ، تقديم روح ذلك الكتاب المشهور، بالتماهي مع مجريات الحدث الروائي، وربما البعد الدرامي للعشق في ماهيته، وفي الرواية، وليبين فهمه الخاص للتراث بإسقاط العناوين ذاتها على المستجد من الحوادث الحكائية، ويندرج عنوان ( سورة العنكبوت) في ذات الإطار من الفهم ( أن يختطف زمنك منك أو أن يسرق بعضه وأنت ترى وتعجز عن أن تفعل شيئاً فهذا أمر مغيظ إن لم يكن أمراً مذلاً ومع ذلك فأنا الذي مررت في مثل تلك التجربة تقبلتها أخيراًراضياً أو مكرهاً، لكن أن يدخلوك في لعبة تذكر لماضيك الذي لا تتمنى شيئاً قدر ما تتمنى أن تنجح في استمرار الهرب منه...فهذا استخفاف مهين بكرامة الحياة الإنسانية كلها مهما تكن تبريرات ذلك الاستخفاف...) ويأتي عنوان ( الزوابع والتوابع في بدء استراحة اليوم السابع) ليعلن من جانبه –أي الكاتب- أن المسائل المشكو منها أساساً ، منذ اليوم الأول لخلق الحكاية، حكاية التاريخ على طريقته، أو حكاية الخلق، وهي على كل حال من التاريخ، مستمرة، ولن تنتهي في اليوم السابع ، يوم الانتهاء من خلق الكون، ويوم راحة الخالق، فهنا ... ستستمر الزوابع والعواصف، كما في الأيام التي ستأتي، ولن ننعم بالراحة على طريقة الإله، أو من كتب ذلك عنه على مسؤوليته، أما عنوان ( رسالة الغفران)...المأخوذ بصيغته من التاريخ الأدبي والفكري، فهو تقديم ساخر، لكن ممن ؟ إنه من النفس، فهل هناك أبلغ من طلب الغفران لتاريخ صنعناه بأيدينا؟، وطلب الغفران في حد ذاته، هو إعلان صريح عن العجز، واعتراف بالخطايا، وأيضاً بعدم القدرة على استمرار تحملها، لعل المغفرة تخفف شيئاً من ثقل الأوزار، وربما كان يحمل الاحتمال المقابل، وهو مشروعية...أو ضرورة المساجلة في طبيعة عملية التصفية والحساب الأخير، وهل من المؤكد نزول العقاب بمستحقه في وقت من الأوقات؟، أو وصول الثواب إلى مستأهله؟ وحتى طريقة تناول الحسنات والسيئات في الموازين والمكاييل، وأشكال العقاب والثواب...كما تمت الإشارة إليها في رسالة المعري الخالدة، والتي يحيل إليها الكاتب بالقطع، ثم ينهي الكاتب فصوله بعنونة الفصل الأخير ب (بقايا من سيماء الجنون)...ليقرر أن الجنون لم تنته فصوله، وإن مجمل التحولات الدرامية في النص ،لم يكن لها أن تنتهي بحالة مختلفة عما بدأت به، وأن الحكاية ليس من شأنها أن توصل القارئ، أو حتى الكاتب، إلى ما يرغب به، فهذا هو الواقع، ولا نستطيع من جهتنا التدخل لتغيير الصيرورة، من حيث هي نتائج لمقدمات ربما .
فردوس الجنون للروائي الأستاذ أحمد يوسف داؤود ، علامة متميزة في مسيرته الإبداعية ، خصوصاً على مستوى التكنيك الذي أسس له في ما سبق من أعمال روائية ، واستكمل بناءه في هذه الرواية ، فابتعد عن السرد الملازم لإيقاع الزمن، واعتمد التقطيع، والانتقال من الراهن المضارع ، إلى الزمن المفترض أو المضمر، في حركة توحي بعدم التحديد ، وتشي بتقلقل الحياة، وعدم يقينيتها، وتبرر قراءة الداخل بواسطة الخارج،بدلاً من العكس، بافتراض الحلول في الذوات المختلفة ، وتقويل الشخصيات ما يجول في فكره هو بأسلوب مزج السرد بالمونولوج، مع الاعتماد على الضمير المنفصل عنه، والمشتق من الأنا الداخلية للذوات، فلا ينكرها ولا يؤكدها، ويكتفي بمساواتها مع الضمائر المخاطبة، مما يحيل إلى الحيادية التي تشي بمصداقية المقول المفترض... لا الحدث بحد ذاته، بل كإمكانية حدوث، في محاولة لتعميم الرؤية الجمعية ( أنا الذي أتفرج عليّ من فوق ) وأيضاً ( ضحك أنا الذي يمشي ) و ( رأى أنا المقيد المتفرج ) ...فهل هناك أكثر حيادية في تناول الأنا ؟ إنها حالة من حالات التشخصن التام، لأن استقراء الجنون ، هو بحد ذاته عقلانية تحيل إلى الواقع، وإن كان تعميم حالة الجنون يوحي بالسلب، إلا أنه يفيد الإيجاب من حيث الإحالة، وهو وإن كان يحمل على الاعتقاد بعدمية الواقع أو عبثيته، إلا أنه يعمق الشعور بأهمية الواقع المعقلن الذي يستمد منه الفكر عقلانيته.
فردوس الجنون، هي في الواقع أكثر من رواية، ولعلها الشكل الذي يمثل إرهاصاً بمستويات فنية وإبداعية مستقبلية، أسس لها الكاتب على مستوى الشكل والموضوع...الداخل والخارج، وروايتنا هي اختزال للعالم في فكر كاتبها، وموقف منه أيضاً، ويتضايف كل من التاريخ والجغرافيا والفلسفة وعلم النفس واللغةواللاهوت... بالإضافة لحضور السياسي والاجتماعي والثقافي بشكل لافت ، في تشكيل جديد ومستحدث، والكاتب إذ يقدم كل ذلك في عمله ، فإنما يقدم نفسه...أو بعضاً منها. وربما كانت هذه هي فلسفة الكاتب الحياتية التي يريد منا التعرف إليها، أو ما يريد الكاتب أن يوصله، وبهذا تظهر الرواية كخط دفاع عن الوجود ...وجود الكاتب في نفسهوفي الآخرين الذين يحيا بهم ومعهم .
اللوحة من أعمال : غيث العبد لله

قديم 04-08-2012, 10:33 PM
المشاركة 390
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
أحمد يوسف داوود

ولد في قرية تخلة- منطقة الدريكيش- محافظة طرطوس عام 1945.
تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في الدريكيش، ثم درس في دار المعلمين بحمص وتخرج منها عام 1963، وعمل في التعليم الابتدائي حتى عام 1970 حيث تخرج من الجامعة- قسم اللغة العربية وآدابها فعمل مدرساً في الثانويات ثم انتقل إلى وزارة الإعلام حيث عمل رئيساً لشعبة الأطفال ومعاوناً لرئيس الدائرة الثقافية، كما ندب للعمل رئيساً للقسم الثقافي في جريدة تشرين ولا يزال موظفاً على ملاك هذه الجريدة.
مؤلفاته:

الشعر:

1-أغنية ثلج- شعر- وزارة الثقافة بدمشق 1970.
2-حوارية الزمن الأخير- شعر- وزارة الثقافة بدمشق 1972.
3-القيد البشري- شعر- وزارة الثقافة بدمشق 1978.
4-قمر لعرس السوسنة- شعر-دار المسيرة بيروت 1980.
5-أربعون الرماد- شعر- اتحاد الكتاب العرب. - دمشق 1992
6- مهرجان الأقوال- دار أرواد بطرطوس 1997.
الرواية:

7-دمشق الجميلة- رواية- اتحاد الكتاب العرب بدمشق 1976.
8-الخيول- رواية - ط1 - وزارة الثقافة بدمشق 1976، ط2- دار الحصاد بدمشق 1992.
9-الأوباش- رواية- وزارة الثقافة بدمشق 1981.
10- تفاح الشيطان - دار الأهالي بدمشق 1988.
11- فردوس الجنون- اتحاد الكتاب بدمشق 1996.
روايات للفتيان الكبار:

12-حكاية من دمشق - وزارة الثقافة - ضمن مجموعة "الوشاح الأزرق"- قصص مشتركة- دمشق 1975.
13-السيف المرصود- المجموعة من ثلاث روايات / وزارة الثقافة بدمشق 1979.
المسرح:

14-الخطا التي تنحدر- مسرحية - اتحاد الكتاب العرب - دمشق 1972.
15- مالكو يخترق تدمر- اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1980.
إضافة إلى مسرحيات منشورة في المجلات هي:
"الغراب" / مجلة المعرفة 1971- "الكنز" / الموقف الأدبي 1974. "سفرة جلجامش"/ المعرفة 1968، "ربيع دير ياسين" / الآداب 1973.
النقد :

16-لغة الشعر- وزارة الثقافة بدمشق 1980.
تاريخ:

17- سيرة المجاهد سعيد العاص- دار المستقبل بدمشق 1990.
18- الميراث العظيم- دار المستقبل بدمشق 1991.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 89 ( الأعضاء 0 والزوار 89)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 10:53 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.