احصائيات

الردود
0

المشاهدات
862
 
بختي ضيف الله
من آل منابر ثقافية

بختي ضيف الله is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
118

+التقييم
0.10

تاريخ التسجيل
Dec 2020

الاقامة

رقم العضوية
16456
01-01-2021, 02:03 AM
المشاركة 1
01-01-2021, 02:03 AM
المشاركة 1
افتراضي قصة قصيرة: مفاتيح و أبواب المدينة القديمة (5)
بعد أن كاد الجميع أن يفقد الأمل، قدم رجل مسن، ظل متمسكا بأرضه رغم ما ليقيه من تدمير لكل البيوت التي بناها، كان أبوه صديقا وفيا للجد، علم بأنهم يبحثون عن أثره. أخبرهم بأن الأرض التي هم عليها هي أرضهم، وقد طمس الملاعين كل معالمها؛ اقتلعت كل أشجار التين و الزيتون التي كانت شاهدة على ميلاد رجال أخلصوا حبهم للمكان، قدموا العرق والدم، محافظين على شموخها وطهارتها؛ أصبحت المساجد التي كانت تعانق الكنائس القديمة حانات ومراقص لمترفيهم، و ملاعب للكرة لشبابهم المستهزئين، و إسطبلات لدوابهم.
أبو صالح (والدموع تملأ عينيه):
-اللعنة على بني صهيون، كم كانوا حاقدين على كل شيء جميل عليه بصمات أهلنا وأحبابنا..
صاح ابنه غاضبا، ممزقا قميصه:
-..وأين البيت القديم ذو الباب الخشبي الذي كنت تحدثنا عنه؟ ..إني لا أراه .. هل هذا هو بيتنا؟ !..أدخلوا ..تعالوا ..هات المفتاح !!..تفضلوا !!..يا أبي لا يمكن أن يكون هذا هو، لقد ضللنا المكان..لأننا اتبعنا خرائط التيه.. ولماذا احتفظنا بالمفتاح كل هذه المدة؟..لماذا أوصتك الجدة بأن تحافظ عليه كما تحافظ على نفسك أو أكثر؟..ألم توصني بأن أثبته في كل لوحاتي؟..آه ..يا أبي..وأين الكرسي الحجري الذي كان يجلس عليه الجد؟ !..آه كم تعلمنا –نحن الشباب- منكم اجترار أحاديث السراب..آه..آه..يا أبي..
ودخل ابنه في حزن شديد، فهو في حالة من الضياع؛ لم يتصرف هذا التصرف المشين أمام أبيه قط. حاول أن يهدئه هو وابن أخيه دون فائدة.
عاد ابنه إلى المخيم وحده ، محافظا على حلمه القديم، مبتعدا عن واقع لم يكن منتظرا، تاركا لوحاته سابحة في خيالها، لكن لم يجد فيه أحدا، سوى الدرويش، يقتات على ما تركوه من طعام.
حزن أبو صالح على فراق ابنه حزنا أنهك جسمه. لم يكن ينتظر هذا المشهد الحزين . ولكن بعد أن تأكد بأن رجله على أرضه ولا يمكن إلا أن تكون كذلك.
-أكاد أجد أثر أقدامهم على هذا الثرى الطاهر وأشم رائحة عرقهم في غباره المتصاعد، أليس كذلك يا ابن أخي؟..
-نعم يا عمي، وأن هذا المسكن الذي هو أمامنا ملكنا أيضا، تركه أحد المستوطنين الذي كان جده من أشرس مقاتلي العصابات اليهودية، وقعت معركة شرسة عنده، دافع جدنا عن حقه بكل ما أتي من قوة، لكن خوفا عن شرف بناته تركه واتجه نحو المخيم، ولو حفرنا فيه حفرة كبيرة لوجدنا أساسات بيتنا،هذا ما قرأته، وقد أكد لي ذلك الشيخ هذا الكلام.
لم تكن هذه الحالة معه هو فقط بل كانت مع كل الفلسطينيين، لأن فلسطين قد تغير وجهها ولم ويتغير قلبها النابض..
بعد أن سكت عن ابنه الغضب، عاد إلى المدينة رفقة الدرويش، طالبا العفو منه ولكن بقيت تلك الصورة المظلمة في خاليه ، يتجول كل صباح بين شوارع حيه والأحياء الأخرى. لم يجد شيئا مما ذكره الكتّاب والروائيون والشعراء، كانت كل كلماتهم سردا رائعا و مخيلة بديعة، كانت الخيام التي تربى بينها أقربها للحقيقة؛ تعبر كل الأشياء في البيوت على أنها يهودية؛ الشمعدان في كل ركن، صور المشاهير في كل الواجهات. لم يكن وحده صاحب هذا الشعور، كل الشباب الفلسطيني يعيش غربة في وطنه؛ فكل الصور التي بين ناظريه ليس من الذاكرة.
احتار أبو صالح في الأمر، وقد حمل ثقل شؤون المدينة بعد أصبح عمدتها.. كيف يعيدهم إلى سيرتهم التي كان عليها أجدادهم، وهم يمارسون عادات ليست عربية و يتكلمون بألسنة مختلفة ويلبسون ثيابا غريبا لشعوب بعيدة، ولدوا وتربوا بينهم، ولا يزالون على تواصل دائم بها عبر وسائط التواصل الاجتماعي وبكل وسيلة متاحة. يحيره أمر هؤلاء الذين يتخاصمون من أجل إرث قديم، الكل يدعي أنّ له الحق فيما ترك الجد، والكل يكن له الحب والتمجيد، فأفسدوا صور العودة التي انتظروها، ومن يكون صاحب الكلمة الأولى في الديوان عند اجتماعهم..
بدّل كل شيء في بيته الجديد تبديلا، مستعينا بابن أخيه، الذي لا يزال محتفظا بالنشأة الأولى للبيت الفلسطيني بين طيات كتبه، يعود إليها كلما اختلطت عليه الأمور. أمر كل السكان بعد ذلك بأن يقوموا بما قام به. لم يتقبلوا فكرته أول مرة، لكنه واصل العمل كل العمل دون ملل. استعان بلفيف من الذين تمسحوا بتراب الأرض وارتووا من مائها ليعيد الحياة من جديد؛ المشهد الذي ظل يلازمه في حركاته وسكناته..
بعد أن ضاقت المكتبة و المتحف الصغيرين بالزوار القادمين من المدن الأخرى من فلسطين، ومن البلدان العربية والإسلامية ومن الأصدقاء في العالم. قرر أبو صالح و كبار المدينة أن يبنوا متحفا كبيرا، أسموه (البيت الفلسطيني)، لم يجدوا غير مساحة كبيرة، بعيدة، كان العدو يرمي عليها قماماته.
وجاءت الجرافة العملاقة. كم هدّمت من بيوت الآمنين. كانت متمردة تخدم المحتل الجبان وحده. تركها المجرمون من بعد نار ذات لهب. هاهي الآن خادمة مطيعة؛ تتبع سبيل المخلصين، سباقة للخيرات، تنظف المكان من أدرانه. كم كان ابنه سعيدا جدا بمشهدها الذي يشد الألباب بعد أن تحررت من قيدها. يمكن له أن يرسم لوحات جديدة تخلد الحادثة. أما هو فكان موجها سائقها حتى لا يسلب الأشجار جذورها، أو يقطع للماء أوصاله. فجأة، صاح بأعلى صوته:
-توقف..توقف..أبعد الجرافة..حالا..أبعدها...إنها الأبواب..إنها أبواب بيوت أجدادكم..تعالوا..تعالوا..أنظروا..أنظروا..
أخرجوا العشرات منها، من ذلك المكان الوسخ وعلى وجوههم سرور، وأبعدوها عن القمامة. دفنتها العصابات هناك حتى تدفن الذاكرة فيغمرها النسيان. كانت كما وصفها ابن أخيه في كتابه: (مفاتيح و أبواب المدينة القديمة). تذكر ابنه المفتاح:
-يا أبي.. أين المفتاح، هيا لنجربه عليها لنعلنا نجد باب الجد..
فأخذ الكل يفعل مثلما يفعل هو حتى أدخلت بعض المفاتيح في فتحات أبوابها، فتأكد الجميع أنها أبواب البيوت القديمة.
-الآن تحقق الحلم، يا أبي..ولكن ماذا عن الأبواب التي بقيت دون مفاتيح؟..أين أصحابها؟ !
قال: أبو صالح، (وهو في قمة السعادة):
-عرفت أصحابها..نعم عرفتهم..
التفت إليه الجميع وعلى وجوههم الدهشة، لكنه واصل كلامه بكل هدوء ليقطع دابر دهشتهم:
- يا أيها الإخوة، إن أصحاب هذه الأبواب لإخوتنا في الشتات، الذين حبستهم ظروفهم القاسية من اللحاق بكم، واعلموا أنّ قلوبهم معكم، فهم في شوق دائم، فحافظوا على أماناتهم.. فإنهم قادمون..
و وضعت كل الأبواب ومفاتيحها في المتحف الكبير الذي شيدته سواعد الشباب، وأخرج ابنه لوحاته لتزينه وتعيد رسم الذاكرة فيها حية ..غير منسية..

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة تمت بحمد لله.
adiibbdm@gmail.com


الكلمةُ الطيّبةُ صَدقَة

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قصة قصيرة: مفاتيح و أبواب المدينة القديمة (5)
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قصة قصيرة: مفاتيح و أبواب المدينة القديمة (كاملة) بختي ضيف الله منبر القصص والروايات والمسرح . 4 01-14-2021 10:32 PM
قصة قصيرة: مفاتيح و أبواب المدينة القديمة (2) بختي ضيف الله منبر القصص والروايات والمسرح . 2 01-03-2021 08:24 PM
قصة قصيرة: مفاتيح و أبواب المدينة القديمة (4) بختي ضيف الله منبر القصص والروايات والمسرح . 0 12-30-2020 11:40 PM
قصة قصيرة: مفاتيح و أبواب المدينة القديمة (1) بختي ضيف الله منبر القصص والروايات والمسرح . 5 12-30-2020 05:05 PM
قصة قصيرة: مفاتيح و أبواب المدينة القديمة (3) بختي ضيف الله منبر القصص والروايات والمسرح . 0 12-29-2020 09:39 PM

الساعة الآن 02:59 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.