قديم 01-31-2018, 05:24 PM
المشاركة 11
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
دراسة قيّمة أستاذ أيوب ، شكراً لمشاركتها معنا ..
علنا نجد مقاربة بين مفهوم الشعر عند الشعراء بين العصور القديمة والحديثة..

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 02-01-2018, 01:35 AM
المشاركة 12
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
* الشِعر زير:



وتشبيهه الشِعر بالرّجل المحبّ للنساء ليس إلاّ رؤية للمساحة الواسعة التي يحتلّها الشعر في التعبير ، و تناوله الموضوعات المختلفة. فهو زير المعاني و المحبّ لها بكل ألوانها ، يحبّ أكثر من معنى ، ويهيم بلعبة التحوّل في التعابير ، هو زير الأغراض فهيامه بالمديح لا يقل مكانة عن حبه للهجاء والفخر والغزل والنسيب وغيرها الكثير .
يقول مهيار :
ملكتم نواصِيَ هذا الكلام ..... فليس بهنَّ سواكم يطورُ
لذاك وأنتم فحولُ الرجا ...... ل يهواكم الشعرُ والشعر زِيرُ (3)

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 02-01-2018, 01:48 AM
المشاركة 13
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
* الشّعر ثمرة الفكر :


وهنا يؤكّد مهيار على فكرة مهمّة ؛ فالشعر نتاج الفكر ، وليس أي فكر ، فالشّاعر الذي يجهد فكره في الوصول إلى قصيدة تلاقي الإعجاب بين الناس هو الشاعر الذي يستحقّ شعره الخلود.

يقول مهيار في هذا السياق:


أقِلْني العجزَ إن قَصَّرتُ وصفاً ...... لِما أوليتَ أو قَصَّرتُ شكرا
فإنَّ عليّ جَهْدَ الفكرِ قولاً ...... وليس عليَّ عند الغيثِ قَطْرا(1)

ومن هنا نستطيع معرفة المكانة الكبيرة التي كان الشعراء يشغلونها لدى القبائل ، وقد أشار ابن رشيق إلى هذه المكانة قائلاً : "كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنّأتها ، وصنعت الأطمعة ، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر ، كما يصنعون في الأعراس ، ويتباشر الرجال والولدان ؛ لأنّه ـ الشاعر ـ حماية
لأعراضهم ، وذبّ عن أحسابهم ، وإشادة بذكرهم ، وكانوا لا يُهنَّؤون إلاّ بغلام يولد ، أو شاعر ينبغ فيهم ، أو فرس تنتج".(2)
فالشعر بالنظرة الديلميّة صناعة فكريّة معقّدة ، فالقوافي لا تتولد بالسهولة التي يظنّها بعض الجاهليين بالشعر ومحاسنه وأدواته ، لكن شاعرنا وحده يستطيع ترويض القافية العصيّة ، والوقوف في وجهها حتى ترضخ لسلطان فكره وتستجيب لأبياته ، يقول في ذلك:
وقافيةٍ باتت تحارب ربَّها ..... فنازلتُها شيئاً فألقت يدَ الصلح(3)
وربما هذه الصعوبة تأخذنا من زاوية فرعيّة لنتذكر ما يرويه الشعراء من تعرضهم لخيانة الفكر في أوقات معينة ، فالإلهام لا يحلّ في جميع الأوقات " وكان الفرزدق يقول : أنا أشعر تميم عند تميم ، وربما أتت عليّ ساعة ونزع ضرس أهون عليّ من قول بيت"(4) ولكلّ شاعر طقوسه الخاصّة التي تبزغ فيها بنات أفكاره أو تخبو ، وتذكر كتب الأخبار أنّه " قيل لكُثيّر : كيف تصنع يا أبا صخر إذا عسر عليك الشعر ؟ قال: أطوف الرباع المحيلة ، والرياض المعشبة ، فيسهل عليّ أريضه ، ويسرع إليّ أحسنه"(5) .
ويعبّر شاعرنا الديلمي عن موقف مشابه لهؤلاء الشعراء ، حيث يقول :
وقُصَّ جَناحُ الشِّعرِ لا الطبعُ جارياً ..... يَرِقُّ ولا مستولَدُ الفكر يُنْجِبُ(6)
فهو لا يبتعد كثيراً عن تلك الأوقات "عصيبة الفكر "، حتى يشعر أنّ جناح الشعر قد قُصّ ، وماعاد الخيال يحلّق عالياً في فضاءاته الواسعة ، كما أنّ الطبع لم يعد يسعفه ويقصد هنا الحالة الإلهاميّة التي تستفز كوامن الشاعر الداخليّة، فتوقف فكره عن توليد البواكر وتقفية الأبيات أو تحفزّها. فإذاً هو يؤكّد على حالة الاستعصاء الفكريّة التي تمرّ بأمزجة الشعراء ، وتبعدهم في أوقات عديدة عن وضع القصائد وصوغها . فالشعر حالة مرتبطة بأمزجة الشعراء من جهة ، وبقضيّة الإلهام من جهة أخرى.




إلاّ أنّ هذه الحالة يعقبها انفتاح فكري كبير ، حيث تبدأ القوافي بالهطول على سكينة الشاعر فتأتي عذراء لم يمسّها خيال من قبل ، ولم يظفر بها فكر شاعر آخر ، يقول مهيار في هذا الصدد:
أعرنِيَ سمعاً لم تزل مطرباً له ....... إذا ما تغنَّته القوافي الفصائحُ
وأَصغِ لها عذراءَ لولاك لم تُجب ....... خطيباً ولم يظفَر بها الدهرَ ناكحُ(1)
ويبدو أن كلّ شاعر كان يفخر بعذرية قوافيه ، فلم تُنجب مخيلة غيره مثلها ، ودرجت سمة القوافي هذه على ألسنة الشعراء ، فنجد أنّ السّري الرفّاه* يفتخر بقوافيه العذراء ، فما مسّها فكر سواه ، ولم ينكحها إلاّه شاعر ، يقول:
إليكَ زَففتُها عذراءَ تأوي ...... حِجابَ القلبِ لا حُجُبَ النِّقابِ
أذَبْتُ لِصَوْغِها ذَهَبَ القوافي ...... فأَدَّتْ رونقَ الذَّهَبِ المُذاب(2)
فالسّري يزّف قوافيه كالعروس العذراء ليلة زفافها لقلب ممدوحه ، وهي ليست ككل القوافي ؛ فهي مصوغة بذهب الإبداع الذي لا يضاهيه فيه شاعر آخر .

وإن كانت القوافي سبائك ذهب عند السري الرفّاه ، فهي تحف نادرة في عيني مهيار ؛ تحف غريبة لم يُرَ مثيل لها بين القوافي ، تفخر بها الأسماع إذا قُدّمت عطيّة لوجه ممدوح يستحقّها .
يقول شاعرنا الديلميّ:

حَملن إليك من تحف القوافي ..... غرائبَ من مثانٍ أو وُحادِ
هدايا تفخر الأسماعُ فيها ..... على الأبصار أيّامَ التهادي(3)
وربما مهيار استقى هذه السمة للقوافي من أستاذه وصاحبه الصدوق " الشّريف الرضي " ، فالأخير بدوره كان يرى قوافيه تحفة لم يُصغ مثلها ، وقلائد تزيّن الصّدور كوسام شرف رفيع على صدر ممدوحها.
يقول الشريف :
أبا قاسمٍ جاءت إليك قلائدٌ ..... تُقلّد أعناق الكرام مناقبا
قلائدُ من نظمي يودّ لحسنها ..... قلوب الأعادي أن تكون ترائبا
إذا هدّها راوي القريض حسبته ..... يقوم بها في ندوة الحيّ خاطبا(4)





والسّر الذي يريد الشعراء البوح به ، ليس فقط الفخر بقصائدهم ، ونعمة قولهم الشعر ، بل أرادوا بتلك السمات التي نسبوا قوافيهم إليها ؛ تحديد القيمة التي تستحقها القوافي ، فالقصائد بدونها تأتي عقيمة لا معنىً لها ، فهي ركن أساسي وثابت في الصياغة الشعريّة .
وتأتي القيمة الكبيرة للشعر عند مهيار ، من قدرته الخارقة على التأثير في قلوب الناس ، فهي تفوق تأثير
السيوف القواطع ، وذلك بقوله:


جاهدتُ فيك بقولي يوم تختصم ال ..... أبطالُ إذ فات سيفي يومَ تمتصِعُ(1)
إنّ اللِّسان لوصَّالٌ إلى طرقٍ ..... في القلب لا تهتديها الذُّبَّلُ الشُّرَّعُ(2)

فالشعر يملك تأثيره القوي لمحاكاته دواخل النفوس ، لذا تفوّق على حدّة السيوف القاطعة التي تترك أثرها على الجسد الخارجي ، بينما الشعر يكون أثره وتأثيره أعمق بكثير.
ومنه فالشعر في مفهوم مهيار هو مؤثر خارجي ، يحاكي النّفس الداخليّة ، ويطبعها بتأثيره ؛ ليثير الإعجاب والتعجب من سحر ما مرّ على الأسماع.
وهذا التأثير يدفع الشاعر لحمل همّ شعره ، فهو يعتبره طفله الغالي على قلبه ، لذا كان يعتني به ، ويوجب الآخرين على عنايته أيضاً ، معبّراً عن ذلك بقوله:
واحنُ عليه فإنّه ولدٌ ..... أبوه قلبٌ وأمُّه خاطرْ(3)
فمشاعر الأبوّة التي يُعبّر عنها الديلمي ، لا يفهمها إلاّ الشّعراء أنفسهم ، فنتاجاتهم الشعريّة هي بمثابة ولادات تحمل أسماءهم وتحفظ ذكرها على مدى السنين ، وكأنّ الشّعر طفل صغير ، والده القلب المفعم بالأحاسيس الذي يتزاوج مع الخاطر والإلهام الذّاتيّين للشاعر ، فينجبان سوياً أبياتاً تحمل الخلود لذكرهم.

وإن يكن الشّعر في مثل هذا الموقع، كانت العناية به واجبة، وقد يرقى واجب صون الشعر وعدم امتهانه إلى مستوى الواجب الديني.
يقول مهيار :
والشعرَ صنْه فالشعرُ يحتسب ال ...... لَهَ إذا لم يُصَنْ على الشاعرْ
انظرْ إلى مَنْ وفي مدائح مَن ..... أنت وقد بات نائماً ساهرْ
لا تمتهنه في كلّ سوقٍ فقد ...... تربَح حيناً وبيعُك الخاسرْ(4)
،فهو يصونه عن الهجاء ، والمدح الكاذب ، فليس من السهل عليه أن ينزل من قدر شعره في مديح بعيد عن محله ، أو استجداء الملوك على أبواب بلاطاتهم ، ويعبّر عن ذلك بقوله:
وهل أظمأ وهذا الشِّعرُ سَجْلٌ(5) ..... أمدُّ به وراحتك القَليبُ(6)



فشعره يرويه من مياه التعبير والمدح ؛ وكأنّه دلو من الخواطر يغرف من صفات الممدوحين ليروي شغف الشّاعر إلى إخراج ما يعتمل داخله على صورة أبيات مدح نابعة من قلبه ، وبذلك يرتقي بشعره إلى المكانة التي يستحقها.وهو يعطي لشعره مهمّة شكر المحسن على نعمه وعطاياه ، عن طريق الثناء والمدح ، فجزاء الإحسان عند الله ليس إلا الإحسان ، وجزاؤه عند الشاعر أبيات مدح تخلّد صنيعه .


يقول مهيار :
ومهما تُعِرْ من نِعمةٍ فجزاؤها ..... على الله ثُمَّ الشعرُ عني يُثيبُها(1)
ونجد في مواطن كثيرة أنّ شاعرنا الديلمي يحمل فوق كاهله همّ الحفاظ على الشعر من السلب و الضياع ، وهو همّ مؤرق ، بخاصّة لمن يمتلك رؤية ، ويلتزم مبادئ ، ويريد لشعره أن يُكشف على أضواء هذه الرؤية وضمن تلك المبادئ.يقول مخاطباً إحدى الوزراء في الدّولة "شبيب بن حمّاد بن مزيد" قائلاً:
وتحمون البلادَ وفي ذَراكم ..... حريمُ الشِّعرِ منتهَكٌ سليبُ(2)









https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 02-01-2018, 02:05 AM
المشاركة 14
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
* الشِّعر سلاح الشّاعر:


فقضية تأثير الشعر في النفوس ، وقوة هذا التأثير ، جعلت مهيار يتصوّر أنّ هذا الشعر أقوى سلاح يرفعه الشاعر في وجه من يعاديه ، أو يحاول تدنيس بلاطه العاجيّ ، وتأثيره الإيجابي سيكون بمستوى تأثيره السلبي حين يكون سلاح دفاع أو هجوم ، فهو لسان الشاعر وحاله ، يقول مهيار في ذلك:
إذا شئتَ أن تبلو امرأً أين فضلُهُ .... من النّقصِ فاسمع منه إطرايَ أو جَرحي
وكم ملكٍ لو قد سمحتُ أريتُه ...... بوجهِ قريضي طلعةَ النصر والفتحِ(3)
فالشّعر يفضح مواطن النّقص في الناس ، وليس أي شعر ، فمهيار يخصّ شعره وحده بذلك فخراً وزهواً ، حتى إنّه لا يمدح نصر ملك أو فتحاً حتى ليطلق لخاطره العنان. فثقته الكبيرة بقوافيه ، تجعله يهدّد منازعه بجبروتها وسطوتها ، فهي تضرب في الأرض طولها وعرضها ، وتحقّق مآربها بما تملكه من قوة وتأثير، ونرى ذلك في قوله:
فتأهَّبْ لوافداتِ القوافي ..... يعتملنَ الدُّجَى وما كُنَّ سَفْرا
ضارباتٍ في الأرض طولاً وعرضاً ..... وهي لم تلق جانباً مغبرّا(4)
فتعبيره بفعل " تأهّب" فيه من القوة ما يهيب النفس ، ويجعل الطرف الآخر يتوقّع القادم ، وهذا دليل فخر مهيار بنفسه وبشعره ، وكيف لا ، وشعره الميراث الذي يتباهى به أمام قومه ، فهو من نسج فكره ، وليس له من منازع في أصالته وحنكته ، يقول في ذلك:


لا زال مدحِيَ ميراثاً يقابلكم ..... عنّي إذا الشعرُ في آذانكم نُودِي
من نسج فكري تردّ العارَ دونكُمُ ..... ردّ السهام نبتْ عن نسج داودِ(5)





فالقوافي باتت سهام تردّ العار عن قوم مهيار بفضل دفاعها عنهم وشدتها في بلوغ مآربها في النيل من كلّ من يحاول النيل ممن يخصّ الشاعر.
وقلنا سابقاً إنّ القبائل كانت تحسب حساباً كبيراً لشاعر قبيلتها ، فهو حاميها لحظة الشدّة ، ورافع شأنها بصيته بين القبائل ، وممّا ورد في كتب الأخبار ، أنّ الشّاعر كان " يُقدّم على الخطيب ؛ لفرط حاجتهم إلى الشّعر الذي يقيّد عليهم مآثرهم ، ويُفخّم شأنهم ، ويهوِّل على عدوّهم ومَنْ غزاهم ، ويُهيَّب من فرسانهم ، ويخوّف من كثرة عددهم ، فيهابهم شاعر غيرهم ، ويراقب شاعرهم"(1)


وبسبب هذه المكانة الكبيرة للشعراء ، استطاع مهيار أن يمتلك الثقة المطلقة بذاته وبشعره من خلال تقديس قومه لأشعاره ، وفخرهم بانتمائه إليهم ، وذوده عنهم . فالشّاعر يكتسب ثقته من محبّة قبيلته ومَلكه ، وتفاخرهم بما يقوله من قصائد.
ومن يقرأ ديوان مهيار ، يستطيع أن يلاحظ بسهولة إعجابه الشديد بشعره ، وفخره به ، فهو يملك سمات الجمال التي تجعل يوسف (عليه السلام) يتخلّى عن حسنه وجماله أمام حسن هذه الأبيات وشدّة روعتها. وكأنهّا قارب يبحر وسط عباب المعاني ليصل إلى أبكار ها ويستوفيها من ممدوحيه ، يقول مهيار:
يؤخرني القريضُ لدى أناس .... ركبت إلى مدائحهم شراعهْ
قصائدُ لو سبقت بهنّ حتى .... أصيِّرهنّ في سفرٍ بضاعهْ
شريتُ جَمالَ يوسفَ وهو راضٍ .... بهنّ وعدتُ فاستثنيتُ صاعهْ (2)
فشعره ليس من النّوع العادي ، ومن غير الممكن أن يمرّ مرور الكرام في المهرجانات والمجالس ؛ فالشعراء كثيرون بلاشك ، والشعر منتشر ومسموع بشكل كبير ، إلاّ أنّ إعجازه خُلق لمهيار دوناً عن جميع الشعراء ، ونسمعه يقول في هذا الصدد:
ولعمري إنّ القريضَ إذا عُد ..... دَ كثيرٌ وما يَسيرُ يسيرُ
ليَ وحدي إعجازهُ والدعاوَى ..... طَبقُ الأرض فيه والتزويرُ(3)
ومسحة الفخر التي نراها تكلل معطم أشعار مهيار ، نراها استمداد لمسحة تمتّع بها أستاذه الشريف الرضيّ ، فقد كان رحمه الله مفاخراً بقوافيه ورشاقة معانيها ، فهو يرى أنّه الأصل في قول الشعر ، ومن سواه الفروع ، يقول الشريف :



وإنّ قوافي الشعرِ مالم أكن لها ..... مسفسفةٌ فيها عتيقٌ ومقرفُ
أنا الفارس الوثّاب في صهواتها ..... وكلّ مجيدٍ جاء بعدي مردفُ (4)




فالشّريف يستأثر بالأصالة الشعريّة لنفسه ، " فالّشعر الأصيل فطرة لا كسب ، والشّاعر يطبع ولا يصنع ولا يُقلّد ، لأنّ التقليد سلب للحريّة التي ينبغي أن يتحرك الشّاعر داخل إطارها ، ليعبّر بالشعر عن انعتاقه وتمّرده ". (1)

ونجد أنّ مهيار سار على نهج أستاذه في ذلك ، فنال قصب السبق بجودة القوافي ، ووضوحها وسط الظلام بسبب انتمائها لفكر ذي شرف ونسب رفيع:
يقول الديلمي :
لو أُقيمت معجزاتي فيكُمُ .... قِبلةً صلَّى لها الشعرُ وصاما
أو زقا الأمواتُ يستحيونها .... نشرت بالحسن رِمّاتٍ وهاما
فاسمعوها عُوَّداً وابقوا لها .... وَزَراً ما صرَفَ الصبحُ الظلاما(2)


وكأنّ الشعر بقوامه سيركع لقوافيه ، فمعجزاته حيّرت عمود الشّعر ، فاتخذها قِبلته ووجهته ، وهذا يعيدنا للفكرة التي تكرّرت عند أستاذه الشّريف ، وهي قضيّة أصوليته للشعر ، واعتبار من عداه فروع تمتدّ عنه ، لكنها لا ترقى إلى مكانته.



https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 02-01-2018, 02:06 AM
المشاركة 15
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يتبع.......

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 02-06-2018, 10:12 PM
المشاركة 16
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
شكرًا جزيلا استاذة صبا
سنكون بانتظار تكملة الموضوع .

قديم 02-24-2018, 04:48 AM
المشاركة 17
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
*ما خلص إليه البحث:


من خلال تناولنا للقصائد التي تطرّق فيها مهيار لمفهوم الشعر ، نستطيع القول:


· * إنّ مهيار كان يرى الشعر من منظور مكانته بين قومه ، فلم يتناوله وزناً أو خيالاً ، بل عُني بتصوره على أنّه معجزة لا يطالها الكثيرون ، وهذه المعجزة كانت السبب الخفي وراء النظرة العالية التي كان الناس يرون فيها الشعراء ، حيث كانوا ينظرون إليهم وكأنهم سحرة أو مشاركين في أمور السحر .
ونذكر ذلك في قوله:
لو أُقيمت معجزاتي فيكُمُ .... قِبلةً صلَّى لها الشعرُ وصاما




· * ولم تبتعد هذه الرؤية عن الديلمي ، فالشّعر لديه من صناعة الجنّ والشياطين ، وهو من إلهامهم ، وهذا التصوّر القديم بدأ من الجاهليّة واستمرّ معلّقاً في أذهان الشعراء في العصور اللاحقة ، فالتبعيّة لمقولات الجاهليّة لم تخرج عن فكر مهيار ، ولا نستطيع أن نحتسب عليه هذا بشكل سلبي ؛ فقد ساد هذا الاعتقاد في عموم الناس آنذاك .
وقال فيما سبق :
يَنُصُّ شيطانُ القريضِ سمعَه ..... مرتقياً في جوّها مسترِقا





· * الشّعر عاشق للمعاني ، فهو لا يعرف النمطيّة وذلك بتنوع مواضيعه وتعابيره ، ويبرز ذلك حين قال:
لذاك وأنتم فحولُ الرجا ..... ل يهواكم الشعرُ والشعر زِيرُ



· * الشّعر ثمرة جهد وتفكير، فليس كلّ من قال شعر غدا شاعراً ، وهذه الثمرة صعبة المِراس في أوقات عديدة ، حتى إنّ القوافي لتخون صاحبها فلا تسعفه ، ولمسنا ذلك في قوله:

وقافيةٍ باتت تحارب ربَّها ..... فنازلتُها شيئاً فألقت يدَ الصلح





· * الشّعر عند مهيار هو الثّقة بالذّات ، و جاءت هذه الثقة من التحام قومه به كشاعر ؛ يفتخرون به وبانتمائه لديارهم :

لا زال مدحِيَ ميراثاً يقابلكم .... عنّي إذا الشعرُ في آذانكم نُودِي

· * الشّعر مؤثّر قوي ، يحمل بين طيّاته غايات ساميّة ، تصل إلى القلوب ، ويظهر أثرها في سلوكيات السامعين والمهتمّين بالشّعر:


إنّ اللِّسان لوصَّالٌ إلى طرقٍ ...... في القلب لا تهتديها الذُّبَّلُ الشُّرَّعُ

· * هو يرى الشّعر ذلك التعبير الصادق الجميل الذي يجسّد الرؤية، وينقلها مؤثراً أشدَّ تأثير. وانطلاقاً من هذا الفهم للشّعر كان مهيار يُعنى بشعره عنايةً فائقة، فيقول موجباً العناية به:

واحنُ عليه فإنّه ولدٌ .... أبوه قلبٌ وأمُّه خاطرْ




· * الشّعر يأخذ قيمته من مصداقيته ، فالمدح لا يكون إلاّ لمن يستحقه ، وهذا ما كان يدفع مهيار لتجنّب الهجاء في شعره ، والمديح الكاذب ، ولذا كان يحصر أغراض شعره في شؤون حياته الخاصّة؛ من تهنئة وعتاب وشكر ووصف، مقدّماً لهذا كله بمقدمات وجدانيّة، وهو إن مدح أحداً فلا يقف على الأبواب، بل يمدح بما يراه من مناقب تستحقّ المديح ، يقول تأكيداً لما نذهب إليه:


ينصح للهِ والخلافة لا .... يرفع في شهوة ولا يضع
وزارة من أتيتها عاشت ال ..... سـّ نَّة وماتت البدع
تشهد لي أنها اليقين قضا .... يا الله والمسلمون والجمع(1)





· * الشعر همّ يؤرّق الديلمي ، فهو رجل له مبادئ يدافع عنّها ، وتصوّرات يريد إحياءها ، ولذا كان يدعو لحماية الشعر من السّلب والإنتهاك وذلك في قوله:

وتحمون البلادَ وفي ذَراكم .... حريمُ الشِّعرِ منتهَكٌ سليبُ(2)






· * الشّعر عند مهيار ، هو فنيّة الأسلوب وأناقته. نلمس هذه الفنيّة التي تبعد عن الصناعة البديعيّة وإن كانت تفيد منها، صانعة ما يسمى بـ "سحر الألفاظ" المتكوّن من تضادها وتآلفها وتكرارها وتناغمها وتكوينها، وندلل على ذلك بكثير من أبيات ديوانه، نختار منها:
أما ترَوَن كيف نام وحَمَى ... عيني الكرى، فلم ينم ظبيُ الحمى!؟(2)





* ويبقى لمهيار رؤيته الخاصّة التي عبّر من خلالها عن فهمه للشّعر ، من خلال مكانته كشاعر ، وكإنسان عادي يتذّوق الشعر ، وممّا لاحظناه في هذه الدّراسة ، تأثّر الشّاعر بأستاذه الشّريف الرضي في كثير من الأمور ، كثقته بشعره ، وفخره بنفسه ، ومديحه فيمن يستحق المدح فقط، لا رياء وكذب ، كما كان لقومه وأبناء جلدته دوراً مهمّاً في نظرته للشعر ، فهو مرآة الواقع ، لذا كان يعكس واقعه وعلاقاته مع من كانوا يرونه لسان حالهم و قائد كلمتهم أمام خصومهم و سواهم من الأقوام .

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 02-24-2018, 04:50 AM
المشاركة 18
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
1- المصادر:

o البيان والتبيين ، الجاحظ ، تحقيق : عبد السلام هارون ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، الطبعة السابعة ، 1998.
o الحيوان ، الجاحظ، تحقيق: عبد السلام هارون ، مصطفى البايي الحلبي ، 1948.
o ديوان الشريف الرّضي ، المطبعة الأدبيّة ، بيروت ، 1307 ه..
o ديوان مهيار الديلمي ، دار الكتب المصريّة ، القاهرة ، الطبعة الأولى،، 1926.
o الشعر والشعراء ، ابن قتيبة ، تصحيح: مصطفى أفندي السفا ، المكتبة التجاريّة ، القاهرة ، 1932.
o العمدة في محاسن الشعر ونقده ، ابن رشيق القيراواني ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، المكتبة التجارية ، القاهرة ، 1955.
o عيار الشعر ، محمّد أحمد بن طباطبا العلوي ، تحقيق عبّاس عبد الساتر ،دار الكتب العلميّة ، بيروت،الطبعة الأولى ، 1982.
o منهاج البلغاء ، وسراج الأدباء ، حازم القرطاجني ، تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة ، دار الكتب الشرقيّة ، تونس، 1966 .
o - نقد الشعر ، قدّامة بن جعفر ، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ،د.ت.
o وفيات الأعيان ، ابن خلكان ، مخطوطات جامعة الملك سعود ، سنة 681ه .
o يتيمة الّدهر ، أبو منصور الثعالبي ، مكتبة المصطفى الالكترونية(www.al-mostafa.com.) ،الرياض.

2- المراجع:

o -مفهوم الشعر ، جابر عصفور ، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب ، القاهرة ، الطبعة الخامسة ، 1995.
o -الموسوعة الشعريّة : قرص مدمج ، المجمّع الثقافي ، أبو ظبي ، الإصدار الثالث ، 2003.
o -الموقع الالكتروني :www.al-hodaonline.com ..
o النقد العربي القديم (1) : قضايا وأعلام ، أحمد دهمان ، مديرية الكتب والمطبوعات ، حمص ، الطبعة الثالثة ، 2007.

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..
قديم 09-05-2018, 06:01 PM
المشاركة 19
هنوف السلطان
كاتبة وناقدة أدبية
  • غير موجود
افتراضي
كم كبير وثراء عظيم من المعلومات الثقافية صديقتي صبا حبوش جميل جدا ماتبدعين

عذرا لا أستقبل الرسائل الخاصة
قديم 09-15-2018, 04:06 AM
المشاركة 20
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أسعدني مرورك العبق أستاذة هنوف ..
أوقاتك فرح وابتسام نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: دراستي حول مفهوم الشعر عند مهيار الديلمي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مفهوم الخيال الأدبي ريمه الخاني منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 15 01-03-2021 05:33 PM
مفهوم المدرسة الرمزية في الشعر الحديث عبدالله علي باسودان منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 03-14-2016 11:37 AM
مفهوم الشعر في ضوء نظريات النقد العربي - عبد الرءوف أبو السعد د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 06-19-2014 02:03 PM
مفهوم الغياب محمد محضار منبر البوح الهادئ 5 09-09-2011 07:20 PM
مفهوم الرجولة عبدالرحمن إبراهيم زين منبر الحوارات الثقافية العامة 11 12-24-2010 10:12 PM

الساعة الآن 06:50 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.