بعد طول انتظارى لعل وعسى، بعد هيهات، قررت الخوض فى بحر البداية، لم أخش الغرق، ولم أرهب البلل، أبحرت وطال إبحارى، لقطع المسافات.. فى البحر زمن يخالف زمن البر، فكيف الحال فى التجليات، حيث تتجاوز وتتضفر البدايات والنهايات

مودتي

أنظر فى الفرص الضائعة فى عمرى القصير.. فى البرهة والساعة واليوم والأسبوع والشهر والسنة، قبل أن أسأل نفسى: هل سلكت الطريق الخطأ؟ وأين هى سكة السلامة؟.. أبحث عن الطمأنينة المستحيلة، ولكنى ليلة الامس وفى الكتاب الذى أقرأ فيه، وضعت خطا تحت عبارة تقول: "عند مفترق الطرق تصبح الطمأنينة وهما من الأوهام".

مودتي

حسب ما تقوله بعض التقاليد القديمة، شجرة الحياة تنمو بالمقلوب.. الجذع والأغصان إلى أسفل، والجذور إلى أعلى.. قمتها مغروسة فى الأرض، والجذور تتطلع إلى السماء.. لا تُظهر ثمارها، وإنما أصلها.. لا تخبئ تحت التراب ما هو أشد حميمية، وما هو أشد وقارا، وإنما تعرضه فى العراء: تسلم جذورها، مكشوفة، لرياح العالم.

مودتي

فى قلب الليل يحاسب الإنسان نفسه، يواجه الخسائر.. الحبال التى تمسكنى لا تضعنى على الأرض، ولا ترفعنى، لا زلت غريبا، على الرغم من كل الإعادة والتكرار.. أعرف أشياء وأسماء.. وفى ذهنى كلمات فارغة، وجوع لا يرتوى، قطع من صور ممزقة فى سلة مهملات.. سابقتنى على الطريق كلمات.. أسير خلفها وهى كالقطيع تثير من حولى غبارا.. أنظر إلى السماء.. قمم العمارات، جائعا إلى نقط المطر التى لا تنزل.. كأننى عشت هذه الليلة من قبل أو سأعيشها بعد سنوات تكشفنى أمام نفسى، ويرتبك فى عقلى الزمن.

مودتي

لا أحس على الإطلاق بما يقال عن الشيخوخة.. فها أنا أفعل أجمل وأعظم ما يمكن أن يفعله إنسان فى الحياة: مصادقة الأطفال وزراعة الأشجار.. أضع الأساس لأهم عنصرين تقوم عليهما الحياة.. لم تأت بعد مرحلة شيخوختى.. كذلك الزمن، من قال إن الزمن شيخوخة؟.. إن هى إلا تقسيمات ومحطات من صنع الإنسان يتغلب بها على إحساسه المروع بالمتاهة الكبرى داخل هذا المحيط الشاسع اللانهائى!

مودتي

لطالما فتشت عن الحجر الأسود الذى يطهر روح الموت.. وعندما أقول لطالما، أتخيل بئرا بلا قعر، نفقا حفرته بأصابعى، بأسنانى.. يحدونى الأمل العنيد بأن أبصر، ولو لدقيقة، لدقيقة متمادية خالدة، شعاع نور، شرارة من شأنها أن تنطبع فى مأقِ عينى وتحفظها أحشائى مصونة كسرّ.. فتكون هنا، ساكنة صدرى مرضعة ليالى البلا ختام، هنا، فى هذا القبر، فى باطن الأرض الرطبة، المفعمة برائحة الإنسان المفرغ من إنسانيته بضربات معزقة تسلخ جلده، وتنزع منه البصر والصوت والعقل.

مودتي

منذ أن وعيت كانت المعركة أبدا هى نفسها: بينى وبين نفسى، بينى وبين الآخرين، بينى وبين العالم.. معركة حب أردته لكل شىء، لكل إنسان.. فإذا أردت تغيير العالم للحب (يا للغرور!)، وجب علىّ أن أغيّر الآخرين، وإذا أردت تغيير الآخرين، وجب علىّ أن أغيّر نفسى.

مودتي

كنتم فى نفس الكهف..
تتبادلون نفس الهمسات الثكلى..
وتتناوشكم خفافيش الظلمة وهوام الحجر..
أعينكم لا تبعد أبعد من كف اليد..
لا يجرؤ فيكم من يخرج صوب الباب..
تخشون نهارا يسطع فى الخارج..
وتخافون الزهر.. وأشجار الغاب.. وطيور البحر.
أطلقت الصرخة كى اوقظكم..
أشعلت النار.. بزيت القنديل..
لتضىء بكهفكم الليلة وتدفعكم نحو مسار الفجر..
ألقيتم بحجارة غفوتكم فى وجهى..
وغرستم فى ظهرى طعنات الغدر..
ووضعتم فى دربى جمرة..
أمسكت الجمرة..
لم تحرق جلدى.. لم أصرخ..
الكلمة جمرة..
والجمرة قد تشعل نارا..
والنار تضىء.. فى ليل القفر..
حتى لو أحرقت بعضا من الجلد..
قد يتجدد.. ويجدد ما بلى بسنوات العمر

مودتي

اذهبي حمامتي
طيري لموطن الحريه
انثري جناحيك وطيري
لا تلتفتي الى الوراء
اذهبي وكوني
زبدا في السماء
اسبحي في بحرك
ورجي الهواء
اذهبي
ولا تلتفتي الى الوراء
كوني زبدا في بحر السماء
واصرخي
همسا ............نحيبا
لن اعود
الى الوراء ........

مودتي