احصائيات

الردود
20

المشاهدات
15751
 
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي


ايوب صابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
12,766

+التقييم
2.41

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7857
04-01-2013, 11:23 AM
المشاركة 1
04-01-2013, 11:23 AM
المشاركة 1
افتراضي هل يسكن الوحي بين جدران السجن؟
هل يسكن الوحي بين جدران السجن؟

وذا السجن جامعة الجامعات... وذا القيد استاذها المعتبر

إذا كانت القدوة الحسنة من أفضل الجامعات، فأن السجن هو حتما جامعة الجامعات، وليس الكون، وأن القيد هو أستاذ هذه الجامعة المعتبر، وليس الدهر كما سبق أن قال الشاعر فيما مضى.
حيث يندهش الباحث من ضخامة عدد الأعمال الإبداعية العبقرية التي ولدتها عقول أناس ذاقوا مرارة السجون، واكتووا بنيران العزلة، والحرمان، وسلب الحرية التي تفرضها بيئة السجون.
ولا نكاد نجد إنسان يدخل السجن إلا ونجد بأن قريحته قد تفجرت عن أعمال إبداعية مدهشة وذات اثر عظيم أثناء السجن أو بعد الانعتاق من ظلمته.
والمعروف أن عشرات السجناء الذين لم تكن لهم قبل دخولهم السجن أية صلة بالكتابة تحولوا إلى كتاب بعد مرورهم بالتجربة، وعبروا عنها شعرا أو قصة أو رواية أو خاطرة.
ومنهم من دخل السجن أُميا لا يقرا ولا يكتب وخرج منه مفكرا مبدعا أو أديبا.
حتى ليكاد الباحث يظن بأن اثر السجن في صنع العبقرية لا يقل في أهميته عن اثر اليتم والذي يقع بلا منازع على رأس سلم المسببات في ولادة العبقرية كما سبق شرحه.
ولو تعمقنا في البحث والتنقيب لوجدنا أن كثيرا من أعظم الأعمال الإبداعية ولدت من عقل يتيم أو من عقل سجين حصرا، ولكن إذا ما اجتمع اليتم والسجن والتأهيل والقدوة الحسنة لدى شخص، فتكون النتيجة امتلاك ذلك الشخص القدرة على توليد نصوص عبقرية، مهولة، وخالدة، وذات اثر سحري، وكأنها ألهمت لصاحبها إلهاما ووحيا.
ولا شك أن ذلك تحديدا ما دفع الفيلسوف المبدع جان جينه إلى القول بأن "الوحي يسكن بين جدران السجن" ، وأيده في ذلك الكثير من الأدباء المبدعين الذين تخرجوا من جامعة السجن، وان كانوا قد عبروا عن ذلك المعنى بصور مختلفة.
فأذا كان الشاعر الألماني ( ريلكه ) يرى بأن الأفكار تهبط على الفنانين كما تهبط الأمطار من السحب، فأن الشيخ القرضاوي يقول في قصيدته النونية الشهيرة التي أبدعها أثناء سجنه بأن ملاكا أوحى له بقصيدته تلك:


واليوم عاودني الملاكُ فهزني.....طربًا إلى الإنشادِ والتلحينِ
أُلهمتُها عصماءَ تنبُع مِن دَمِي......ويَمُدُّها قلبي وماءُ عيوني

والصحيح أن الإنسان ليعجز عن رصد، وعد الروائع التي أبدعتها عقول أناس كُثر غيبتهم السجون واحترقوا بنيران عزلتها قديما وحديثا وأنتجوا أعمال إبداعية كثيرة ورائعة في السجون.

فتاريخ الأدب العالمي حافل بالعديد من الأعمال الأدبية التي أبدعتها عقول سجناء، ابتداء من العصور القديمة وحتى الزمن الراهن سواء في الشرق أو في الغرب.
لكننا سنذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر للتدليل على الدور الذي تلعبه جامعة السجن في خلق العبقرية:
فالمعروف أن أبي فراس الحمداني كان من بين أقدم الناس الذين عُرف عنهم بأنهم سجنوا وأبدعوا قصائد رائعة أثناء السجن، وهي تلك التي تعرف بالروميات، ومنها قصيدته الشهيرة المغناة "أراك عصي الدمع شيمتك الصبر".
كذلك فعل المعتمد بن عباد ملك اشبيلية، حيث صور عذابه وألمه وتجربته في السجن بلغة شاعرية مؤثرة وصور فنية غنية ودلالات عميقة وأسلوب شفاف كما قيل عنه.
وفي القرن السادس عشر أبدع الروائي الاسباني ميغيل دي سيرفانتس، روايته الشهيرة "دون كيشوت" والتي تحتل المرتبة الأولى في سلم أفضل 100 رواية عالمية، وأصبحت تشكل مرجعية لكل من أراد الخوض في مجال كتابة الرواية .
ولاحقا أبدع جون بونيان رواية "تقدم رحلة الخلاص ، أو "رحلة الحج Pilgrimage Progress " كما يترجمها البعض، والانجليزي دانييل ديفو ابدع رواية "روبنسون كروزو" ، وتتصدر الروايتان قائمة روائع الأدب العالمي إلى جانب رواية سيرفانتس. كما ألف الروائي الروسي ديستوفيسكي روايته الشهيرة " منزل الأموات". وألف الروائي الفرنسي هنري شاربير روايته "الفراشة" وهي الرواية التي أشعلت النار في العالم عند صدورها كما يقول النقاد، وحققت نجاحا واسعا فور صدورها. كذلك ألف الروائي الصيني زانغ كزليانغ روايته الشهيرة " نصف الرجل امرأة". كما ألف الروائي النيجيري كين سارو ويوا روايته "الفتى سوزا".
كذلك بدأ الفيلسوف والشاعر الفرنسي فولتير كتابة ملحمته الشعرية بين جدران السجن. أما الزعيم الهندي نيهرو فقد أبدع خلال سنوات سجنه الطويلة كتابه " لمحات من تاريخ العالم". كما كتب هتلر كتابه " كفاحي" وهو في السجن. كما الف الشاعر الانجليزي رالي كتاب عن تاريخ العالم. وألف الفيلسوف برتراند راسل كتابه " مبادئ في الرياضيات".
كما أبدع عباس محمود العقاد كتابه " السدود والقيود" أثناء سجنه في ثلاثينيات القرن الماضي. وأبدع عبد الرحمن منيف الروائي النجدي روايته الشهيرة " شرق المتوسط" وروايته الأخرى " الآن هنا – أو شرق المتوسط مرة أخرى".
وكتب الروائي المصري صنع الله إبراهيم روايته الشهيرة " تلك الرائحة" وهو يعتبر بأن السنوات التي قضاها خلف القضبان هي التي عملت منه روائيا متميزا. كما يرى البعض بأن كتاب عائشة عودة " أحلام بالحرية" نص أدبي عن عالم السجون لا يقل قيمة عن نص شرق المتوسط. كذلك ألف الروائي الأردني أيمن العتوم روايته " يا صاحبي السجن"، وهي رواية تمتاز بالشعرية وتحلق في عالم النفس البشرية، ويرى احدهم أن الوصف فيها مفاجئ حد الفجيعة وجميلا حد الدهشة.

ومن السجناء الذين أبدعوا أعمالا خالدة أيضا، فريدة النقاش وألفت " السجن ، الوطن"، والطاهر بن جلود وألف " تلك العتمة الباهرة"، وفاضل الغزاوي وألف القلعة الخامسة"، وشريف حتاتة وألف "العين الزجاجية"، ومليكة اوفثير والفت رواية "السجينة"، وسمر المقرن والفت رواية " نساء المنكر"، وامجد حسونه وألف " خارج الزمن".

وقد انعكس اثر السجن على أعمال الكثير من الشعراء المعروفين أمثال أبو الطيب المتنبي الذي يقول :


أنا الذي نظر الاعمى إلى أدبي ....وأسمعت كلمات من به صمم.

ويرى طه حسين أن تجربة السجن كان لها أثرا مهولا على المتنبي وعلى تطوير ملكاته الإبداعية.

وكان للسجن أثرا واضحا على شاعر تركيا العظيم ناظم حكمت، وشاعر تشيلي العظيم بابلو نيرودا، والشاعر المصري احمد فواد نجم، ومحمد الماغوط، والشاعر الكبير محمود درويش والذي يقول في قصيدته التي أبدعها وهو في السجن وهي بعنوان" آخر الليل" :
وطني يعلمني حديد سلاسلي
عنف النور ورقة المتفائل
ما كنت اعرف أن تحت جلودنا
ميلاد عاصفة وعرس جداول
سدوا علي النور في زنزانة
فتوهجت في القلب شمس جداول.

ولا يفوتنا أن نذكر اثر السجن على بعض رجال الدين والأئمة ومنهم الإمام احمد بن حنبل الذي كتب الشعر في السجن أيضا، والشيخ بن تيمية والذي اعتبر أن سجنه خلوة، والشيخ سيد قطب الذي ألف في سجنه عدة مؤلفات منها في "ظلال القرآن" وكتاب "معالم في الطريق"، والشيخ عايض القرني والذي ألف في سجنه كتاب لا تحزن والذي أصبح واسع الانتشار، كما ألف كتاب آخر يعالج في جانب منه اثر محنة السجن على السجين، وهو بعنوان " أعظم سجين في التاريخ" وهذا الكتاب يروي قصة سجن سيدنا يوسف عليه السلام، والذي ربما يكون أقدم سجين عرفه التاريخ.

و في الواقع، ما هذه الأعمال التي ذكرت هنا إلا نماذج قليلة ومحدودة من إبداعات ولدت في السجون أو أن أصحابها ذاقوا مرارة السجون واثر السجن على ملكاتهم الإبداعية. وقد اختيرت هنا بصورة عشوائية، وتم ذكرها للتدليل فقط على مدى اتساع دائرة المبدعين الذين صنعتهم جامعة السجن. فهم وجدوا أينما وجدت السجون وفي كل الأزمان، والقرون، والأماكن، وجاءوا من كل الجنسيات وتحدثوا كل اللغات.

كما أنهم أبدعوا في كل المجالات خاصة المجالات الأدبية والفكرية والقيادية وجلهم أنتج أعمالا خالدة ثرية، عميقة، بليغة، ومؤثرة، أو خرج من السجن ليصبح قائدا وحاكما كرزميا.

يتبع،،،


قديم 04-01-2013, 11:25 AM
المشاركة 2
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وذا القيد أستاذها المعتبر:
هل القيد أستاذ في السجن، يعلم المسجونين كيف يبدعون؟ أم أن في السجن منجم للأفكار؟ أم هو رحم للإبداع؟ أم أن وحي الإبداع يسكن هناك؟

يعتبر أنيس منصور السجن انطلاقة وإبداع، وهو يقول في مقال له عن أدب السجون " كأنهم كانوا في حاجة إلى السجن لكي ينطلقوا، كأنهم كانوا بحاجة إلى عزلة تامة ليكملوا الصورة العقلية الناقصة، وعندما خرجوا من السجن لم يهاجموا الذين حبسوهم وإنما شكروهم على أنهم أعطوهم هذه الفرصة السعيدة بأن يكونوا وحدهم بعيدين عن الناس وشوشرة الحياة".

ويرى البعض أن السجن منجما مذهلا للأفكار، فيقول أيمن العتوم مثلا في كتابه " يسمعون حسيسها"، أن ما من فكرة مستحيلة في السجن، وما من فكرة لم تخطر على بال.

بينما نجد الكاتب المصري صنع الله إبراهيم يقول في لقاء صحفي له " انه غير نادم على الفترة التي قضاها في السجن، وهو يرى بأنه مدين لها بالكثير، فهي التي أتاحت له التعرف على عوامل ثرية، ما كان ليتعرف عليها لولى السجن، وهو يضيف انه لو عاد به الزمن إلى الوراء وخير فسوف يختار تجربة السجن مرة ثانية دون تردد".
كما نجد أن بعض الذين سجنوا ربما تلذذ بالسجن مثل عباس محمود العقاد الذي سجن في الثلاثينيات من القرن الماضي، وهو يقول انه وجد في السجن حلاوة ولذة، كما ويقول انه في سجنه خطرت له أفكار كثيرة. وهو يعتبر السجن رحمٌ للإبداع حيث كتب في إحدى قصائده يقول:
وكنت جنين السجن تسعة أشهر
فهانذا في ساحة الخلد أولد
وفي كل يوم يولد المرء ذو الحجى
وفي كلي يوم ذو الجهالة يلحد .

وما أن خرج من السجن حتى أعلن بأن لديه الكثير ليقوله، مشيرا إلى انه أصبح جاهزا للتطرق إلى أمور مهمة بعد تخرجه من جامعة السجن وكان في نيته وضع تفسير حديث للقران الكريم لكن القدر عاجله.

وهناك من يذهب ابعد من ذلك بكثير ويرى بأن وحي الإبداع يسكن في السجن، وهو يتقمص الكثير من المسجونين فيبدعون، وتكون إبداعاتهم سحرية غاية في التأثير وكأنها من وحي الابداع.

ومن هؤلاء الشيخ القرضاوي والذي يقول في قصيدته النونية والتي أبدعها خلال فترة سجنه بأنه أنما اُلهم قصيدته النونية إلهاما حينما عاوده الوحي هناك في السجن فهزه وكان ثمرة زيارة الوحي له تلك القصيدة الرائعة.

اما مؤسسس الديانة البهائية فقد ذهب بعيدا ليدعي بأنه تلقى ما خطه من الوحي اثناء وجوده في السجن.

ومنهم جان جينه صاحب المقولة الشهيرة أعلاه والذي أبدع أعماله العبقرية في السجن مما دفع الفيلسوف جان بول سارتر أن يؤلف عنه كتاب وقد رأى فيه شخصية القديس بعنوان " القديس جينيه ممثلا وشهيدا" .

والمعروف ان جينيه كان يعتبر السجن المكان الأمثل للكتابة والمهبط الذي يؤثره وحي الإبداع. وهو يقول عنه إنه مكان للصفاء الروحي والعبادة والوصول إلى جوهر الأشياء. وفي ذلك المكان كتب رائعته «معجزة الوردة» وهي رواية تزخر بالرموز المستمدة من حياة القرون الوسطى، وتصور الأغلال التي رسف فيها السجين، وهي تتحول إلى أكاليل غار وورود. وكتب واحدة من أفضل قصائده كما يقول النقاد، والتي هي بعنوان "الرجل المحكوم عليه بالموت".

فلا شك أن اثر السجن واضح في توليد مخرجات عبقرية بالغة القيمة والأثر، والنصوص التي تولد بين جدران السجن أو من عقل سجين سابق غالبا ما تكون مدهشة وذات وقع مزلزل وكأنها مكتوبة بلغة كودية وتختزن في داخلها عناصر تأثير سحرية. وهي استشرافية في طبيعتها وكأنها ثمرة لحظات وجد استثنائية تلتقي فيها الأزمنة في لحظة واحدة وتلتقي فيها الأمكنة في نقطة واحدة.

وجامعة السجن لا تكتفي بتخريج الأدباء والشعراء وأصحاب الفكر فقط، بل هي مكان لصناعة القادة العظماء والتاريخ يقول لنا أن عددا كبيرا جدا من القادة إنما وصلوا إلى الحكم من بوابة السجن، وبعد أن التحقوا بجامعته لسنوات. فتشكلت لديهم الصفات والسمات القيادية وعلى رأسها امتلاكهم لتلك الكرزما السحرية التي هي من أهم عناصر الشخصية القيادية.

ولقد افرد القران الكريم سورة كاملة للحديث عن محنة سيدنا يوسف عليه السلام في سجنه والذي سجن لفترة طويلة وهناك من الله عليه في تعبير الرؤى فكانت محنة السجن بالنسبة له عاملا إضافيا لمحنه الأخرى لتأهيله للقيادة كما يقول الشيخ عائض القرني في كتابه " أعظم سجين في التاريخ" وخرج من السجن ليتولى أعلى وظيفة يمكن أن يتولها إنسان عند العزيز الذي سجنه ابتداء حيث أصبح مسئولا عن خزائن مصر في ذلك الزمان.
ومن القادة المعاصرين الذين انتقلوا من السجن ليحكموا وعلى سبيل المثال لا الحصر: نيلسون مانديلا واردوغان ومحمد مرسي.



يتبع،،،

قديم 04-01-2013, 11:26 AM
المشاركة 3
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وخلاصة القول،،،
أيّنْ كان ذلك الدور الذي يلعبه السجن في توليد العبقرية، وسواء كان السجن منجما للأفكار، أو هو رحم للإبداع، أم أن الوحي يسكن هناك، فكل ذلك يؤكد حقيقة لا مراء فيها، وهي أن السجن جامعة الجامعات، وكل من يلتحق فيها يكون لديه فرصة لتوليد نصوص إبداعيه والوصول إلى العبقرية في الكتابة أو القيادة الفذة، إضافة إلى امتلاكه قدرات ذهنية هائلة منها استشرافية ومنها القدرة على تعبير الرؤى.


والسجن مثله مثل اليتم يفرض على الإنسان فرضا، ولا احد يختار أن يدخل السجن، لما فيه من الم ومشقة ومعاناة وعزلة، ويشهد بذلك كل من جرب السجن.


يصف الأسير حسام خضر الأسر مثلا بقوله" هو حبس للروح في زجاجة، الزجاجة في صندوق معتم، الصندوق في قعر بحر متلاطم الأمواج، فلا قرار ولا إمكانية للاستقرار" فأي الم يمكن ان يصيب الانسان اشد من الم السجن؟!


ولا شك أن الأدلة التي سقناها أعلاه ما هي إلا جزءا يسيرا مما تحويه المكتبة عن اثر السجون في صنع العبقرية، وتشير إلى أن محنة السجن ربما تأتي في المرتبة الثانية بعد اليتم من ناحية التأثير في خلق العبقرية وتوفير الفرصة لتوليد نصوص عبقرية فذة.


وذلك يؤشر بدوره إلى أن الم ومرارة محنة السجن، لها دور مشابه لمحنة اليتم، وهي حتما تؤدي إلى زيادة حادة في نشاط الدماغ، ربما بسبب ذلك الألم الرهيب الذي يعانيه السجين في غيابة السجن، فيصبح مثل اللؤلؤة التي قال جبران خليل جبران عنها بأنها "هيكل يبنيه الألم حول حبة رمل". وربما أنها العزلة التي هي خلوة إجبارية تشبه خلوة الصوفيين وتوصل إلى لحظات الوجد والالهام. ذلك إن تحدثنا بشكل عام، لكن لا بد أن تجربة السجن وألمه تتسبب في تنشيط الدماغ من خلال ربما التغير في كيمياء الدماغ، الذي يؤدي بدوره إلى زيادة منسوب طاقة البوزيترون فيه، فيعمل على غير شاكلته، ويصبح قادرا على توليد نصوص إبداعية قد تصل إلى حد العبقرية تماما كما يحدث في حالة مرور الشخص في محنة اليتم.


المهم أن الوقائع والتاريخ تؤكد وبما لا يدع مجالا للشك بأن كل سجين، وخاصة سجين الرأي، يصبح مشروع عظيم، لان وحيا للإبداع يسكن إلى جواره بين جدران السجن، يتقمصه ويوحي له بمخرجات إبداعية قد تصل إلى حدود العبقرية، ويرتبط ذلك بظروف السجن، ومستوى الألم الذي يكابده السجين، وطول المدة التي يعزل فيها ذلك السجين عن العالم ويخلو فيها مجبرا إلى نفسه، اضافة الى تعليمه ومستواه الثقافي، وقدرته على استثمار الوقت للاطلاع على المعارف في امهات الكتب، ثم تخلصه من مشاعره السلبية والنظر الى سجنه على انه منحه وليس محنه وتمسكه بالامل والتفكير الايجابي رغم كل ما هو فيه.


وعلى كل من يمر عبر بوابة السجن ليقبع هناك أسيرا، أو سجينا، أن يتذكر دائما بأنه ورغم الألم والعزلة والقهر والمعاناة والبعد عن الأحبة فأنه في أسره إنما التحق إلى أعظم جامعة لتخريج العباقرة العظماء، بل هي جامعة الجامعات.


وعليه أن يتخلص بسرعة من كل مشاعر الحزن والألم ويبعد عنه مشاعر الكآبة والتفكير السلبي، وينكب على القراءة والكتابة، وان يترك الوحي الذي يسكن إلى جواره يساعده في توليد نصوص عبقرية.


على كل سجين أو سجين سابق أن يتذكر بأن السجن فرصة، وليس غصة، وهو طريق معبد وقصير يوصل إلى العبقرية والقيادة الفذة.


على كل سجين أن يدرك بأنه بدخوله السجن فقد امتلك أدوات توليد النصوص العبقرية وهو في طريقه لترك بصمتة على صفحات التاريخ.

===
اطلع على الرابط ادناه على كامل قوانين اكتساب العبقرية وأخرها اثر السجن في صنع العبقرية:


قديم 06-04-2013, 03:57 PM
المشاركة 4
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
قديم 06-17-2013, 09:24 PM
المشاركة 5
سامر العتيبي
أسطـورة الفـن التشكـيلي
  • غير موجود
افتراضي
استاذ ايوب صابر
لفت انتباهي وانا هنا بالصدفه تاريخ نشرك للموضوع
كيف لم تكن له ردود ومشاركات تليق به .
اما انا سيدي فاسرت بغياهبه مسرورً بمعرفتك

قديم 06-24-2013, 07:28 PM
المشاركة 6
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الاستاذ سامر العتيبي

لكم سعدت بمرورك وتعليقك الجميل وسوف اعده بعشرة الاف مرور.

قديم 08-24-2013, 12:49 PM
المشاركة 7
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نموذج من ادب السجون
============
تراتيل لآلامها’ لرشيدة الشارني: على أجنحة الألم لا خارج القضبان
مسعودة بوبكر August 23, 2013
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

إذا كان البعض يؤمن بالانفصال بين السّرد ‘ باعتباره فنّا ونشاطا قوليا وتخييليا ‘لعبا’ كما يقول بعض الفلاسفة وبين الواقع وقضاياه والتاريخ واكراهاته والمستقبل ومحاولات استشرافه’ (1) فإنّ الكثير من الأعمال الأدبية التي استلهمت الواقع واستقرأت أبعاده واستدرّت لبّ وقائعه استطاعت بقدرة فنيّة راقية أن تتصدّر سدّة المدوّنات التي آمن أصحابها أنّ الكتابة فضلا عن كونها خلقا فنيّا هي قضيّة، قضيّة الإنسان عبر المكان والزّمان في كلّ مراتب المعاناة.. وما رواية ‘تراتيل لآلامها’ للكاتبة التونسية رشيدة الشارني (2) إلا نموذجا على ذلك.
من العتبة الأولى يتهيّأ القارئ لرحلة في مفاصل الألم يستوقفه وجه امرأة سادر في ألم تشي به خطوط الوجه، تصرخ ملامحه بحدّة الوجع الذي تكتمه الشّفاه وتطبق عليه في كبرياء وصبر معلن.. بين لونين داكن وباهت خجول عند البرزخين يظهر خط أحمر يتقاطع مع الخطوط الرّفيعة السوداء التي تسوّ ر الوجه… تشرق الأحرف سوداء غليظة في الجانب المضيء مثل صرخة تعبر من عتمة الأحشاء إلى ضوء الوعي… حروف تحول إلى نغمة حزينة قادمة من عمق الذات المدركة للألم والضعف… منذ اهتدت حنجرة الإنسان إلى الآهة والأنين فرتّل أوجاعه بكل الإيقاعات وأنشدها في ملمّاته على مقام شجيّ في أصوات مقرئي الكلم المقدّس تواكب الطقوس العبادتية بكل أشكالها وانتماءاتها تختلف إيقاعاتها ونغماتها وتتفق في مهابتها وتقديس النفوس لها مذ عرف الإنسان الألم الجوّاني واحتاج للتعبير عنه في تجلّياته الروحيّة… منذ الأزمنة السّحيقة وهو بين يدي القوى الغيبية بين كينونته الضّعيفة وإشراقة روحه تهفو إلى ظلال الخالق الأعظم.
‘تراتيل لآلامها’ عنوان يسري في رواق السّمع بصدى ترانيم خافتة هي صوت الرّوح المكلومة. نغمات ليست كالنغمات تكتسي من القداسة إهابا جللا…وهي في العنوان تراتيل موصوفة بوجهتها: ‘لآلامها’ تبدو بمقام قربان يهدى على شرف آلام موصولة بضمير المؤنث الغائب. ولسائل أن يسأل من تكون صاحبة ‘الهاء’؟ وسرعان ما يدرك أنّها على قدر من القداسة والمهابة ولا شك حين تبلغ عتبة الإهداء:
‘ إلى روح أمي
إلى أمّهات الشهداء ومساجين الرأي
سنوات الجمر’
الأم والشّهيد والرأي والسجن والموت والنضال، هي ذي إذن المفاتيح المعلنة لهذا النص الروائي بامتياز والصادر سنة 2011 والحائز جائزة الكريديف في السرد سنة 2012.
تنطلق الرواية من المقبرة حيث تقف الراوية دنيا الحاج لتنتقي مكانا لجثمان أمّها، مكانا يليق بالراحلة، خليق بضمّ رفات امرأة استثنائيّة ستسعى الراوية في إبراز ذلك من خلال صفحات تأبينيّة تراوح بين حرقة الحاضر ورواح الذّاكرة الخصبة… نصّ تأبيني بامتياز تحفره الكاتبة في صخر الوجع ومرارة الواقع لتنطلق عبره حفيّة بالحياة والصّراع، رافعة لواء التحدي والانتصار للرأي الحرّ.
‘ بين سنديانة ونخلة عثرت على مكان قبرك’..
هكذا تستهل الكاتبة تراتيلها، فندرك أنّ الفقيدة عملاقة هي الأخرى بما ستكشف عليه مفاصل الأحداث.
ينغلق القبر على الرّاحلة خضراء.. لتظلّ ذكريات حياتها خضراء نضرة مشرقة في صدر ابنتها دنيا الحاج ذكرى غير باهتة فيها من القوة والإيحاء والرمز والحكمة والصبر الكثير… ذكريات تتوزع وتتخلل النص التأبينيّ الطّويل الذي تختمه الكاتبة بما سعت إليه دنيا الحاج من مواصلة الانتصار للرأي الحر والصراع من أجله، كلّفها ذلك ما كلّفها والحرص على أن تجعل الراحلة تنعم بالهدوء في قبرها بالسعي لأن يغادر أخوها السّجن… شقيقها الذي يقبع خلف القضبان من أجل جهره برأي مخالف لسدنة السياسة … شقيقها الذي كان حلقة شائكة في سلسلة عذابات عاشتها خضراء. فلا تذر بابا تطرقه بين المحامين والجمعيات الإنسانية.. بل لا تتوانى في الالتجاء إلى صديق قديم (توفيق العايب) في وزارة الداخلية. تخرّج قاضيا وهي لا تزال طالبة بالسنة الثانية كان من المدافعين في صفوف الطلاب ‘على حق الشعوب في العيش الكريم وعن حرية الرأي وحرية المعتقد ومنددا بالرئاسة مدى الحياة….فوجئت باسمه يتردّد في نشرة أخبار الساعة السابعة صباحا وهي في سرا الريح كواحد من أهم الشخصيات التي أسندت لها مهام مرمووقة في البلاد ‘ص135 فيصدمها الواقع وتكتشف أنّ صديقها قد غيّر انتماءه الحزبي وصارا عضوا في الحزب الحاكم ويصارحها من موقعه أنّ ‘ لا مجال لتحقيق هذا الطلب، هناك أوامر صارمة بشأن هؤلاء السجناء’ وتنتهي المقابلة بعد أن يميل الحوار إلى مواجهة إلى إيقاف دنيا الحاج وسجنها هي الأخرى.
تهرّب الرّاوية / دنيا الحاج صورة الأم من طبقات التراب حيث غيّبتها طقوس جنائزيّة، إلى صورة امرأة مات جسدها لكن روحها ثابتة ووهجها يشحن الرّوح، ومن خلفهما الكاتبة التي تخلّد صورة امرأة استثنائية بوجود استثنائي عبر الكتابة والتخليد الفنّي.. امرأة صبورة تواجه قدرها بكبرياء وهي المنحدرة من جذع صلب لقبيلة عاشت بين صخور الجبال مثل نسورها، واجهت ضيم المحتل عبر العصور بشجاعة فتوارثت عرق الاصرار والمواجهة وأورثته، وما القابع في السجن وما دنيا الحاج إلا صورة عن العرق الثوري الدسّاس.. تعيش المرأة ظروف اعتقال ابنها الذي استله البوليس من بين أهله… تهاتف ابنتها المدرّسة بقرية سرا الريح الريفيّة من أقصى الشمال الغربي التونسي:
‘ دنيا، اعتقلوا غيثا يا بنيتي، داهموا البيت وأخرجوه من الحمام، الأوغاد لم ينتظروا حتى يرتيدي ثيابه ويضع حذاءه، قادوه وهو ملفوف بالبشكير وشعره يتقاطر ماء وألقوا به وسط سيارة الباقا مع كلابهم الشرسة التي أحاطت بالبيت وأغلقت الشارع، ياليعتي يا بنيتي ناري شاعلة وأنت ساكنة ‘سرا الريح’ ص 67
من خلال معاناة خضراء تزيح الكاتبة الستار عن صورة المرأة التي تصبح وتمسي وقلبها معلّق في الطريق إلى السجن، حيث يقبع خلف القضبان بعض أهلها، إما زوج أو ابن أو شقيق أو قريب أو حبيب… المرأة حمّالة الوجع، مكلومة الكبد..لتتجلّى مآسي كثيرات يعشن خارج القضبان صحيح، ولكن في الوقت نفسه داخل قضبان أشرّ وأمرّ لسجن كبير من اللاحول واللاقوة… العجز عن افتكاك الأسير وتنامي الخوف على التنكيل بالتعذيب الجسدي والقهر النفسي، من الانتظار الطويل المضني تحت عين الحرّاس وفي أروقة المحاكم وتحت رحمة الربّ. لا ينعمن بنوم ولا بطيب لقمة ولا بانفراج خاطر. تكون الأمّ غالبا أشدّهن معاناة .. ليس مثلها معاناة، تقضم من كبدها ما طلعت شمس لم يشهدها السجين… يصبح الألم المكتوم والصبر داء ينخر العظم شيئا فشيئا، تعمل قوارضه في الخفاء لتعلّ الجسد، وتدنيه من قبره.
تقول الكاتبة على لسان دنيا الحاج ص 93:
‘ أتأمّل أمي القابعة على مقعد حذو نافذة قاعة الانتظار وقد لوّحت الشمس سحنتها التي تفحمّت حتى صارت بلون القرنفل المحروق، أعمد إلى الحديث معها ولكنها لا تردّ بكلمة تسبح عيناي في غيهب روحها ن كأنّ نارا خبت في جوفها وراحت تنهشها من الدّاخل، أحملق فيها بمرارة متأمّلة حزنها الوحشيّ وأبكي في صمت لحالها…’
تحتلّ رواية ‘تراتيل لآلامها’ مكانة ضمن ما يشار إليه بأدب السّجون مع اختلاف في الطّرح، حيث اهتمت بعض الروايات السيرذاتية التي صدرت في تونس هذه السنوات الثلاث الأخيرة، بطرح معاناة السجين إبّان فترة اعتقاله وما لحقه من عذاب نفسي وجسدي، ومعاناة تمدّ مخالبها في الخفاء بتفاصيل ضاربة في البشاعة تفضح الوجه الكريه للسلطة وضريبة الاختلاف… نصوص وإن اختلفت درجات مكانتها من الحبكة الأدبية والصياغة الفنيّة، هي من الأهميّة بمكان، سجلت عبر الكتابة وثيقة تاريخية لمعاناة الإنسان التي ما كانت تحبّر لتعرّي عن المستور البشع لولا الثورة وسقوط جدرا الصمت، فكانت شهادة حيّة، وإدانة صارخة لسياسة قوامها الخداع والقهر. نصوص كتبها أصحابها عن ذواتهم داخل قضبان السجن. في حين تعرّضت رشيدة الشارني في روايتها هذه إلى وضع أهل السجناء…وضع من يعيش المأساة خارج أسوار السجن، وخصّت منهم النّساء، فمن غيرهن.. تصيبهن المآسي في مقتل؟ تبتلع المعارك بكل أنواعها رجالهن، يكفي استعراض تاريخ الحروب ليشهد بذلك وضع الأرامل والثكالى والأيتام (تتلقّى مسؤوليتهن المرأة بالمقام الأوّل) فضلا عمّا تتعرّض له المرأة من مهانة الأسر وانتهاك العرض. ولذلك ورد إهداء هذا العمل الأدبي إلى أمّهات الشهداء وسجناء الرأي.. كلمسة تعاطف ووفاء.
دنيا الحاج امرأة عاشت تجربة اعتقال شقيقها وعذاب أمها خضراء التي نخر عظمها وروحها البكاء على ابنها وفقده ومعاناتها اليومية حين تزوره وحين تفكّر في ما قد يحيق به حتّى أودى بها ذلك إلى القبر. عرفت معنى أن يقبض على المرء وتسلب منه حريته وعاشت سورة الرّعبـ وهي المرأة ـ من ألوان العذاب الخاصة بالمرأة في السجون ويتجلى ذلك في السؤال الحارق الذي يراودها حيث تقول ص 150 :
‘..هل يصبح جسدي ذات يوم حقلا لعبث الآخرين؟ أتذكر ما روته لنا خضراء عن المناضلة الجزائرية جميلة بةحيرد وما قرأته وأنا صبية من تفاصيل مرعبة عن أساليب تعذيبها في كتاب بالفرنسية للكاتبة جيزيل حليمي فيشتدّ جزعي وأتساءل إن كان جسدي يتحمّل مثل ذلك العذاب المروّع′
تبدأ دنيا الحاج الصراع وهي التي انقطعت عن دراستها الجامعية لتتولى تدريس الأطفال في القرى النائية تحمل رسالة الأنبياء في إيصال الحكمة، والمبشرين في الدعوة إلى درب الله، تكشط الجهل عن العقول الصغيرة وتعلمهم الحرف والكلمة ليتزوّدوا بالعلم، يدفعها إيمان بأن لا شيء يقهر الظلم سوى العلم والمعرفة والعقل فهي القيم البنّاءة المنتصرة دائما ـ وإن طال طريقها ـ على الظلمات. تحتار أن تدرس في قرية جبلية نائية لنشر العلم، معلنة حربها ضدّ الجهل فما استفحل حكم ظالم إلاّ حيث سري الجهل. تقول الراوية بضمير خضراء الرّاحلة تستحث ابنتها الغارقة في الوجع:
‘ انهضي يا غائرة الرّوح،
اقلعي أوتادك المشدودة إلى الجبال وهيّا إلى معترك الحياة،
هذا زمن محمول على كفّ النّار ولا وقت للاسترخاء الآن’
وتستجيب دنيا الحاج للنداء ‘ تقول ص 69:
‘يتلاطم الغضب في دمي وتتصارع الأصوات في رأسي يسكنني إحساس مارد وجبّار بالحركة والانعتاق، أدحرج سكون الأيّام خلفي وأعلو صهوة الرّيح، أعدوا عبر التلال تطاردني استغاثة خضراء، تعدو معي السحب والجبال والأطيار والصنوبر والفرنان، تتقافز ضلوعي وتتسرب نيران خفيّة من جميع حواسي، يتنهّد الهواء من بين شقوق الأشجار ويلسع وجهي، أشعر بقوّة أشياء غريبة كامنة فيّ.. آه ، من قال إنني آويت إلى الصّمت ونسيت الوطن وانتهيت إلى العدم؟’
لوحة من مونولوق داخلي يصف حالة فارقة من اعتمالات الاصرار على المواجهة، يخطّها الوعي باللحظة التاريخية التي تبدأ من مأساة فرد اختار أن يكون مختلفا برأيه في مواجهة آلة قمع… مواجهة على غاية من الخطورة، صدام هو الحلقة الأولى في نضال الشعوب عبر الأرض.
تستعيد دنيا الحاج من مأساة أمها قواها التي هزّها الفقدان، فقدان الأم بالموت وفقدان الشقيق بالاعتقال وفقدان الاطمئنان في العائلة، حيث الوالد شيخ هدّته النوائب وحيث الإخوة تتجاذبهم طرق العيش والقناعات، صورة صادقة من المجتمع وإيحاء بتفاوت نسب الوعي لدى المجموعة، ممّا يؤكّد لدنيا الحاج ثقل رسالتها كمدرّسة، وكشقيقة السّجين، وكفرد مثقف واع بات يقف على الضفة المقابلة للتيار الجماعي.
‘تراتيل لآلامها’ مشاهد متفرقة لواقع مجتمع عربيّ يرزح تحت واقع سياسي تداعت سلبياته على معيش الناس… تمازجت عبرها أحداث مختلفة من تاريخ الناس البسطاء وخصائص الأماكن التي عاشوا فيها وميزاتهم الثقافية وتطلعاتهم ونسب وعيهم بارهاصات الواقع، كواقعة قبائل بني خمير مع الباي المتواطئ مع المستعمر الفرنسي الذي نكّل بالعزّل ولم يسلم من جوره حتى الأجنة في بطون الأمهات، حدّثت دنيا الحاج أسوة بشهرزاد الحكاية عن مقاتلي جبال برقو، عن الرعاة والفلاّحين ومبادئهم، عن امرأة عشقت الغناء وفرّت إلى الحاضرة لتنخرط ضمن الرشيدية فلحقها رجل القبيلة ليعيدها إلى القرية ويحبسها في زريبة الغنم فكرهت نفسها الضيم وانتحرت في قاع الوادي، لم تنس شهرزاد الحكاية أن تشير إلى مآسي الرّازحين تحت الاحتلال حيث تذكر جريمة القتل المجاني الظالم في شخص الطفل محمد الدرة .. وقائع مختلفة من دنيا النّاس، عبر مشاهد حُبكت بوعي روح مثقفة برتها النوائب، ويراع مبدعة سقط الحدّ الفاصل بينها ككاتبة وبين الرّاوية/السّاردة… ليتأكّد سلطان التجربة الذاتية على عالم التخييل الفنّي… في سياق سردي توسّلت فيه الكاتبة بامتياز خصيصة الفلاش باك، إلى جانب المونولوق والحوار، على محمل لغوي لا تعقيد فيه ينساب طيّعا لصياغة الأفكار، طيّعا سلسا عند عديد اللوحات حيث الوصف الدّقيق للمشاهد الخارجية ولاهتزازات النّفس، وتطوّر حالات الذّات حيال القرار الحاسم ‘ تقول دنيا الحاج ص 69 :
‘…. كأني أخرج من شرنقتي وألج قلب الحياة ، كأن ريحا أخذت تستيقظ بداخلي وتنفخ أسرارها في ناي القلب وتحيي شراييني …. ينطفئ وهج الشمس ويزحف الغيم حثيثا إلى قلب السّماء أفرغ بئر أعماقي من آخر مفردات التوحد والعزلة وأشق عباب الغاب ممتلئة بشيء من الصفاء الكئيب ‘
مما يلفت النظر في هذا النص توحّد الذّات الحائرة بالطّبيعة وعناصرها بدءا بالأمكنة.. الموطن الأصلي لخضراء …مقبرة الأهل.. غابات الشمال حيث قرية سرا الريح الذي انتقلت إليه دنيا للتدريس..مشاهد تعيدنا إلى أمهات الكتب العالمية التي تعرّفنا عليها في عتبات الدراسة وأثّرت في كياناتنا رومانسيتها، وسمت الأدب الإنساني بطابعها، وخدمت قضايا الإنسان بامتياز.
تحتفي الكاتبة بالأرض والتربة والريح كأنما تريد أن تعيد المخلوق إلى أمّه الطبيعة ليولد من رحمها من جديد وقد تخلّص من تشوهات العالم الممسوخ بالزّيف والظلم والجهل… علّه ينهض إنسانا جديدا مشحونا بقوّة تعيد للحياة توازنها حين تهتزّ أركان الظلم والقهر.
‘تراتيل لآلامها’ رواية استهلتها رشيدة الشارني بدمعة وداع مأتمية على روح خضراء الأم التي ترمز باسمها وتفاصيل حياتها ومعاناتها ما أسّس هذا النص الإبداعي، والذي ختمته صاحبته بانفراج وفسحة أمل حين غادرت دنيا الحاج ظلمة السجن إلى الشارع حيث اغتسلت بالضوء واستشرفت برؤيتها لغرابيب يتقاتلون عند أشجار شارع الحبيب بورقيبة من العاصمة ذلك الذي سيشهد أكبر مظاهرة عرفها يوم 14 جانفي 2011 وحيث يهمس لها تمثال ابن خلدون في آخر الشارع:
خضراء يا لون تونس
ليل الغرابيب قصير
وكل العمر
أرخص من دمعتك

‘ قاصة وروائية من تونس

(1) ‘ السرد وأسئلة الكينونة’ للدكتور حاتم التهامي الفطناسي/ كتاب دبي الثقافية /77 فبراير 2013
(2) كاتبة تونسية من أسرة التعليم. صدرت لها مجموعتان قصصيتان ‘الحياة على حافة الدنيا ‘سنة 1997 حازت جائزة الكريديف و’صهيل الأسئلة’ الحائزة جائزة ‘إبداعات المرأة العربية بالشارقة ‘ ثم روايتها ‘تراتيل لآلامها’ سنة 2011 الحائزة بدورها على جائزة الكريديف

قديم 10-10-2013, 09:49 PM
المشاركة 8
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
وهل يختلف السجن عن اليتم ؟!
اليتيم فاقد لأبيه ..
أما السجين ففاقد لأبيه وأهله وحريته وليس غريباً أن يكون السجن جامعة الجامعات
أبدعت كعادتك في وضع الأمور في نصابها
بوركت أستاذ أيوب

تحية ... ناريمان الشريف

قديم 10-12-2013, 12:19 AM
المشاركة 9
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أستاذة ناريمان

شكرًا لك على هذه المداخلة
نعم لا بد ان اليتم والسجن يتشابهان في الأثر على الدماغ لأننا نلاحظ انهما يؤديان الى نتائج متشابهه وهوالابداع في اعلى حالاته

قديم 10-28-2013, 02:42 PM
المشاركة 10
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
للمرة الثالثة على ما أعتقد أقرأ الموضوع و عندما أقرر الرد عليه أجد ما يمنعني سواء كان المانع ظرفا خارجيا أو حاجزا نفسيا
منذ طفولتي المبكرة قرأت رواية للدكتور الروائي ( نجيب الكيلاني ) عنوانها " في الظلام" و أبطالها سجناء رأي و سياسة و لكنهم اختلطوا مع المجرمين و القتلة و من خلال هذا استطاع الكاتب أن يصور عالم السجن و ينصف شخصية السجين ولو قليلا
كان السجناء يعانون من البرد و قساوة العيش و الجوع و التعذيب و السجن المنفرد الذي أفضى ببعضهم نحو الجنون او محاولة الانتحار لكن أكثر ما كان يخيفهم هو أن يخرجوا من الباب الخلفي أي الباب الذي يخرج منه السجين نحو فضاء الحرية و لكن نحو المقابر
كان يحدوهم الأمل في الخروج من معتقلهم من الباب الرئيسي و خرجوا أحرارا و لكن مرضى نفسيين
كانت هذه رواية من إبداع الكاتب نجيب الكيلاني و ربما ارتكزت إلى تجربة شخصية أو قصة حقيقية سمعها الروائي لكن ما بقي منها في بالي هو الباب الخلفي و قتامته
و منذ فترة قريبة قرأت رواية للمعارض السوري " لؤي حسين " بعنوان الفقد يحكي بها عن معاناته خلال سنوات اعتقاله لأسباب تتعلق بالرأي و السياسة
كانت اللقطات المنقولة من داخل المعتقل رهيبة و مؤلمة جدا لدرجة أن الكاتب بعد إطلاق سراحه لم يستطع ان بتعامل مع المجتمع بشكل سليم و كان ما يلتقطه من تجربة السجن يدونه على قصاصات ثم قام بجمعها بين دفتي رواية
و قد كتب تشارلز ديكنز عن السجين الذي أودع في الباستيل لسنوات طويلة أثرت على تفكيره و سويته العملية و الاجتماعية رغم انه كان طبيبا بارعا في رواية ( قصة مدينتين) الشهيرة و قال أن المادة الاساسية التي اعتمد عليها هي قصاصات كتبها سجين محشورة بين حجرين في زنزانة من زنازين الباستيل اكتشفت بعد الثورة الفرنسية
الشاهد من الكلام الطويل الذي سردته هو ان السجين يعاني من فائض كبير في الوقت و كثير من المحدودية في الحركة فإن كانت مقاومته و قدرته على البقاء في حالتها السليمة فسوف يبحث عن عمل يقوم به ليملأ به شدق الفراغ و اذا كان من الطبقة المثقفة فلابد انه سيتجه للقراءة و الكتابة بالشكل الأمثل
و لعله يعتقد أنه إن كتب ما يحيق به من ألم و فراغ و تعذيب سوف ينجو من الخروج من الباب الخلفي للسجن فإن حدث و مات جسده بقي ما ترك منه حيا الى الابد
من يكتب في السجن يقاوم سجانيه و يخبرهم بكل بساطة: أنا اكتب خلودي و أدون عاركم
و لعل أغلبنا يعرف قصيدة هاشم الرفاعي " رسالة في ليلة التنفيذ" فقد كتب قصيدة مطولة في ليلة إعدامه تعتبر الآن من عيون الأدب
و تحضرني هنا في نهاية المطاف قصة ذلك الإنسان المعدم الفقير الذي احتاج للمال لأمر ضروري جدا فقصد صديقه الغني الذي وافق على منحه المال لقاء ان يسجنه في قبو منزله عشرين عاما
و نظرا لحاجته الملحة وافق لكن بشرط ان يزوده بمكتبة غنية
و بعد مرور سنوات على تنفيذ الشرط تراجع الغني عن رغبته و ترك له باب القبو مفتوحا ليهرب لكنه لم يفعل ..ليخرج بعد عشرين عاما مسنا بشعر أبيض و ثقافة موسوعية لا محدودة .. هنا تنتهي القصة و لكن السجين لم يقدم فائدة تذكر لأحد و لا لنفسه أيضا بحصوله على ثقافة موسوعية لم تنتقل الى أحد أو توظف في بحث علمي
أ. أيوب صابر
أطلت الحديث فاعذرني
تحيتي لك


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: هل يسكن الوحي بين جدران السجن؟
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مِنيِ لي يشكو حسام الدين بهي الدين ريشو منبر البوح الهادئ 6 02-03-2021 12:19 PM
حيث يسكن طارق ريم بدر الدين منبر القصص والروايات والمسرح . 10 09-10-2019 11:18 PM
جدران الخوف خا لد عبد اللطيف منبر القصص والروايات والمسرح . 2 08-16-2013 09:04 PM
جدران الخوف خا لد عبد اللطيف منبر القصص والروايات والمسرح . 0 07-26-2013 06:52 PM
إلى التي يسكن صداها جوف فؤادي المصطفى العمري منبر البوح الهادئ 8 03-16-2013 09:22 PM

الساعة الآن 01:15 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.