احصائيات

الردود
2

المشاهدات
2312
 
عبدالعزيز صلاح الظاهري
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


عبدالعزيز صلاح الظاهري is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
378

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Jun 2015

الاقامة

رقم العضوية
13953
08-29-2018, 02:55 PM
المشاركة 1
08-29-2018, 02:55 PM
المشاركة 1
افتراضي (حرباء تنضبة)
عندما كنت في سن السابعة عشر من عمري وكان ذلك في نهاية 1976م عرضت عليه وظيفة موزع بريد للمناطق النائية قبلت بها رغم توفر فرص العمل بكثرة في ذلك الزمان ،لأكثر من سبب فالراتب مغري ،والدوام مفتوح إضافة لما اجنيه من أرباح نظير أعمال تجارية ،ولولا هذه الإغراءت لم أكن لأوافق على هذا العمل أو أن أخوض هذه التجربة والسير في مثل هذا المسار ففي تلك الأيام كان الخطر يحوم في تلك المناطق كقرش جائع، فلا طرق معبده ولا حتى ممهده ،والطرق الوحيدة هي مجاري السيول وما تركه أهل هذه المناطق من اثر مرسوم لعجلات سيارتهم لا يعتد به لكثرة تفرعه، كم كنت أعاني خاصة عندما يحل موسم الأمطار كانت مركبتي هي نعشي وطوق نجاتي فأي تعطل لها يعني هلاكي في ذلك الركن المظلم
مرة بعد مرة، تكيفت مع الوضع تحررت من الحرص والخوف وهنا مكمن الخطر فالحرص والخوف رغم سلبياتهما يبقيانك يقضاً ، ففي احد الأيام وأنا في طريقي لأحد القرى تركت الطريق الذي اعرفه وسلكت طريق آخر محاولاً اختصار المسافة وبعد أن تعمقت فيه لحوالي 10 كم رأيت بالأفق سحاب مثل الجبال بلون الرمل يشاركه سواد يزحف باتجاهي ،دقائق معدودة اقتربت تلك السحابة وزاد سوادها وشعرت بالسكون الذي يسبق العاصفة يلف المكان، فأسرعت نحو شجرة تنضب - شجرة صحراوية لها جذوع ضخمه و أغصان كثيرة متشابكة– وركنت مركبتي خلفها لتكون حاجز وترساَ بيني وبين هذه العاصفة الهوجاء
خلال ثوان اختفى الضياء والشمس في كبد السماء وحل الظلام لأصبح سجيناً مع نفسي داخل سيارتي
أخذت مركبتي تهتز ولم اعد اسمع إلا صرير الرياح وفحيح شجرة التنضب وهي تجلد مركبتي بعيدانها التي تشبه السياط و زخات حبات الرمل وهي ترشق مركبتي بين الحين والأخرى وازداد الوضع سوءً عندما تسللت ذرات الغبار داخل الكبينة رغم احتياطاتي،
بعد نصف ساعة من هذه المعاناة اخذ الظلام ينجلي تدريجيا فأصبحت ارى ما حولي لكن الرياح الغاضبة مازالت تزأر فكرت بتحرك ومعاودة البحث لكني كنت قلق فالليل كان قريبا جداً ومن الصعب لإنسان يعتبر نصف تائه المغامرة داخل صحراء لو شعرت بتوترك ستظهر لك بألف وجه لذا قررت أن أبقى مكاني حتى تطلع شمس اليوم التالي في أحضان شجرة التنضب
لم انىسى أو أتناسى أساطير السكان المحليين بعدم الاقتراب من هذه الشجرة ليلاً لأنها حسب اعتقادهم مسكن تلازمه الحرباء والجن
لم يكن عدم اكتراثي بهذه النصائح هو عدم تصديقي بما خفي عني ولكن كنت اعتقد بان الشكل عادة ما يعطي الاشياء تصورا مخالفا لحقيقته وهذه الشجرة المغبرة صيفا وشتاء كل شيء فيها غريب وعجيب جذعها وفروعها لا تراها إلا بصعوبة ،أغصانها طويلة كثيفة متشابكة ،أوراقها ضامرة ،عيدانها بيضاء وإذا أحرقتها خرج منها دخان ابيض بلون الغبار إضافة للون ثمرها برتقالي لامع تخالطه حمرة كل هذه الأمور أعطت هذه الشجرة شيء من الغموض والمهابة
على كل حال كان كل شيء حولي طبيعياً فأخذت أتصفح الموقع كانت الأجمة تتراقص والخنافس تتقلب وهي تشق طريقها وسط هذه الأجواء والأعشاب التي اجتثتها العاصفة تنطلق للمجهول والكثير الكثير من النمل ترمي به الرياح وتصده عن وجهته وهو مثابر مستمر في حركته ، وبينما أنا على هذه الحال تسلل النعاس واخذ يلهو بجفني يرفعهما وينزلهما وراح راسي يترنح ويرتطم بالمقود مرة تلو الأخرى كنت أحاول جاهدا فتح عيني حتى غابت الشمس وهبط الظلام واختفى ما كنت أراه خلف سواده وجاء الليل واخرج هوامه فأخذت اسمع خطوات تحوم حول سيارتي تقترب نحوي تارة وتتراجع مبتعدة عني لم اكترث لها– لم يكن لرباطة جأشي لا... ولا ادعي ذلك، فهذه الأشياء حصلت معي في ما مضى وكانت تدخل الرعب في قلبي ومع تكرارها لم تعد بالنسبة لي سوى ظاهرة طبيعيه تحدث في أي موقع نائي بعيد خلا من البشر لذا لم أتوتر بل رميت بجسدي المرهق على المقعد الخلفي ورحت في سبات عميق،
استيقظت مع نجمت الصباح وهي تطل علي من برجها العالي وأخذت بمللٍ انتظر طلوع الشمس وما إن بزغ نورها خرجت من مركبتي لاغتسل استعداد للانطلاق فلمحت حرباء قبيحة تتسلق العجلة الخلفية لمركبتي ببطء ،فالتقطت حجرة كانت على مقربة مني ورميتها باتجاهها محاولاً إبعادها فاختفت خلف العجلة فقمت من مكاني وصعدت سيارتي وأدرت محركها وتحركت بهدوء كان همي هو إيصال البريد في وقته المحدد فأخذت أطوف بعيني بحثا عن أي طريق منحدر يأخذني إلى الوادي الكبير – تنفست الصعداء عندما رأيت عن بعد معلماً طبيعياً اعرفه – وهو عبارة عن صخرة عظيمة على شكل كرة مفرغة من الهواء مبسوطة فوق تل يشرف من الجهة الشمالية على القرية التي خرجت من اجلها – فاتجهت إليها مسرعا وصعدت التله وعندما وصلت بمحاذاة تلك الصخرة انحدرت نزولا باتجاه القرية، فجأة شعرت بقشعريرة عمت أجزاء جسمي انتفض لها قلبي عندما لمحت شيء جالسا في المقعد الأمامي بالقرب مني فلتفت مسرعا فإذا بي وجه لوجه مع حرباء قذفت لسانها مصوبة عيني اليسرى فقفزت لا إرادياً ودفعت المقود فانحرفت المركبة وأخذت تتقلب منحدرة كصخرة باتجاه القرية استمرت في التدحرج حتى ارتطمت متكئة بصخره ،فخرجت منها مسرعا - لا اعلم كيف فعلت ذلك- واتجهت صوب القرية مستغيثاً طالبا النجدة ،عدد من الخطوات شعرت بدوار، ترنحت ،وسقطت على الأرض ،
هرول أهل القرية عندما رؤوا الحادث والغريب أنهم لم يروني وأنا في طريقهم ! واتجهوا مسرعين إلى سيارتي وتجمهروا حولها واخذوا يسالون كنت اسمع حديثهم وكأنني في حلم
- أين السائق؟!
- إننا حتى لا نرى له اثر
- هل تبقي الرياح على اثر؟!
- بقع دمه تملا المكان
من يكون؟ -
انه موظف البريد -
- قد يكون هارباً !
- ولماذا ومن من؟!
- حادث في هذه البرية لا بد أن يكون! .... تعلم أمور الشباب
- اتقوا الله ابحثوا عنه بدلاً من هذا الكلام

هذا كل ما سمعته وأتذكره بعدها غاب كل شيء عني ..........
أفقت من غيبوبتي ليلا لكنني لم استطع الحركة كانت رقبتي متصلبة وكانت يدي وقدمي مشلولتان سمعت وقع خطوات تقترب نحوي كانت الخطوات يرافقها حديث لأشخاص لم يكن واضحاً فرحت،غمرتني السعادة رغم الآلام اقتربت الخطوات بدأت اسمع الكلام بوضوح كان نقاش بين اثنين يرافقهما آخرون قال احدهم
- انه ليس منا بل من البشر ...
- فقال الآخر نعم انه من البشر وواصل حديثه
- أتعلم انه معشوق طبقبوش الجديد
- فقال احدهم متعجبا كيف عرفت ذلك ؟!
- فرد عليه قائلاً :
- رأيت طبقبوش في وادي تراتيب وكانت سعيدة وعندما سألتها عن سبب سعادتها قالت أنها وقعت في غرام شاب من الإنس
- فقلت: لكني لا أراه معك
- فقالت :نعم ،عندما خلوت به سمعت نداء فخشيت أن يكون هذا أمرا من والدي بالعودة فقلت في نفسي لا بد من عمل يبقى هذا الإنسان تحت رحمتي فرميت عليه تعويذتي
بعدها غادروا مبتعدين .....
ضللت مستلقيا على الأرض في مكاني أتصفح مجبرا سقف السماء، فجأة رأيت شهاباً منطلقاً من بين النجوم متجهاً نحوي أعمى بصري بتوهجه لثوان وما أن زالت الغشاوة حتى رأيت امرأة فوق راسي مدت يدها ورفعتني من على الأرض وقالت :اتبعني
كانت تتمايل أمامي بخفة لم يتسن لي رؤية وجهها بشكل كامل كنت أسير خلفها كما لو أن هنالك شيئا ما يجذبني أو يأسرني نحوها حقيقة لا اعرف وصفه لكنني متأكد أن عيني وروحي كانت معلقتان بها
المهم أن قصة جديدة من الترحال بدأت خلف هذه المرأة التي يتغير لونها حسب المكان ،لا أتذكر إن كنت آكل أو اشرب أو حتى أنام ،كانت تلك المرأة لا تتوقف تطوف الأرض تأخذني معها إلى كل مكان ،كل ما أتذكره أنني أغيب عن الوعي عندما تدنو مني،
و في احد الأيام وأنا اتبعها توقفت أمام غدير ماء و جالسة معطيتاً ظهرها لي كعادتها
فجأة قفز ثعبان اسود من الماء ولتف حول عنقها وأخذت تصرخ مستنجدة بي وقفت متسمراً في مكاني لم افعل لها شيء استمر ذلك الثعبان في خنقها رغم محاولتها اليائسة وعندما أصبحت جثة هامدة التفت إلي ،بدا لي غاضباً وكأنه يطلب مني الرحيل رأيت ذلك في نظرات عينيه المرعبة ثم عاد إليها وسحبها إلى داخل الماء ،أخذت مياه النبع تغلي ثم تحولت خلال ثوان إلى كثبان من الرمل
في نفس اللحظة شعرت أن روحاً جديدة تعود إلى جسدي ،اتسعت عيني في دهشة كبيره عندما لاحظت أنني عاريا لا يستر جسدي شيء ،نظرت حولي وإذا أنا وحيد في الخلاء سكون ،صفير الرياح في كل الجهات، فأخذت امشي بلا هدى وأتسأل في ذهول ماذا حصل معي ؟ وأين أنا ؟!
سرت يوم بليلته حاملا هموم الدنيا فوق راسي ،وفي صباح اليوم التالي رأيت راعي أغنام من بعيد فاتجهت إليه مسرعاً وما إن أقبلت هاجمتني الكلاب وبصرخة من الراعي توقفت وأخذت تتبعني مثل ضلي لم يتوقف نباحها حتى اقترب مني الراعي و رمى عليه عمامته وهو يردد استر نفسك استر نفسك ......
استضافني الرجل وبعدما أخبرته عن ما أتذكره من قصتي
قال لي كلام لن أنساه ما حييت :
احمد الله انك عدت إلى الدنيا بخير، كنت بين فكي داهية واخذ يردد هذه الأبيات :
إني أتيح لها حرباء تنضبة
لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا
ساعدني ذلك الراعي وعدة إلى أهلي، ورغم مرور أكثر من أربعين عاماً، مازلت لا اعلم إن كانت هذه القصة حدثت لي فعلاً أم أنها من نسج خيالي فأهلي وكل من يعرفني ينكرون أنني عملت في يوم من الأيام كموزع للبريد وكل ما يذكروه إنني كنت فاقد الوعي غائبا عن الدنيا لأكثر من ثلاثة أشهر اثر حادث حصل لي وأنا في سن التاسعة عشر من عمري
أحياناً اعتقد أن كلامهم صحيح وذلك أن القاص في حقيقة الأمر ثرثار قلمه هو لسانه انه يحلم بل يمني نفسه بان يجد قصة ليناجي من حوله حتى لو كانت هذه القصة اقرب لان تكون أحجية من أساطير الأولين
وأحياناً اعتقد أنهم يكرهون سماع هذه القصة خوفاً من أن تتلبس بهم شخصياتها ،نعم اعتقد أن هذه هي الحقيقة ،فانا ما زلت اسمع صدى صوت طبقبوش ووقع أقدامها وأنا أتجول خلفها !


قديم 09-04-2018, 02:55 PM
المشاركة 2
هنوف السلطان
كاتبة وناقدة أدبية
  • غير موجود
افتراضي
قصتك مرعبة وجميلة السرد وأخذتني معها لعالم آخر كفانا الله شر طبقبوشنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

عذرا لا أستقبل الرسائل الخاصة
قديم 09-17-2018, 11:27 AM
المشاركة 3
عبدالعزيز صلاح الظاهري
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قصتك مرعبة وجميلة السرد وأخذتني معها لعالم آخر كفانا الله شر طبقبوشنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
الأستاذة هنوف السلطان
تعليق ايجابي من كاتبه وناقده أدبيه أفرحني كثيرا
شكرا وفقك الله


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:52 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.