قديم 08-13-2010, 01:04 PM
المشاركة 11
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي الحلقة الرابعة
الحلقة الحادية عشر : الأمهات 2
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلا بكم ونكمل سويا برنامجنا "الجنة في بيوتنا".في الحقيقة حلقة اليوم استكمال لحلقة الأمس، كانت حلقة الأمس أو قاعدة الأمس ( أنتِ غالية يا أمي ) بمثابة حفلة التكريم أو حلقة التكريم للأم. وما زلنا نتوجه بحديثنا للأم في حلقة اليوم ونقول لها شيئا مختلفا: هناك دور كبير منوط بكِ، فباستطاعتكِ أن تصنعي نهضة لهذه الأمة. المطلوب منكِ عدة أدوار في تعاملكِ مع ابنكِ، ومن خلال هذه الأدوار سيخرج لنا رجل عظيم وستخرج لنا فتاة عظيمة. إذا كنا في الحلقة السابقة قد قلنا: إننا لن نطلب منكِ شيئا لأنها حلقة تكريم ففي هذه الحلقة سنطلب منكِ أشياءَ. حلقة اليوم، أو قاعدة اليوم "الأم المحفزة للنجاح". سنحكي دور الأم في عدة نقاط، ونتوقف عند كل نقطة في منتصف الحلقة لنقول: الأم المحفزة للنجاح أي التي تدفع ابنها لينجح. وتخيلوا لو كان لدينا عشرة آلاف أم أو عشرون ألف أم أو حتى ثلاثين ألف أم من هذه النوعية. ذكرنا بالأمس أنكِ العاطفة كلها ونقول لكِ اليوم - إلى جانب ما ذكرناه بالأمس- إنكِ العاطفة والرحمة كلها: أنكِ أنت القادرة على تحفيز الشباب للنجاح حتى لو لم تكن لديه تلك الإمكانات إلا أنه بتحفيزكِ يستطيع أن ينجح. يمر ابنك معك بأربعة مراحل:• المرحلة الأولى: منذ ولادته وحتى يبلغ الثالثة من عمره: في هذه المرحلة امنحيه الحنان على قدر استطاعتكِ. المطلوب منكِ في هذه المرحلة هو الحنان والعطف والرقة واللطف والحب والاهتمام وإياكِ أن تتركيه وكوني معه ليل نهار.جاءت امرأة إلى السيدة عائشة رضي الله عنها ومعها صبيان صغيران وجلست عندها قليلاً ثم قالت: يا أم المؤمنين أنا جائعة – ليس معها نقود – فبحثت السيدة عائشة فلم تجد سوى ثلاث تمرات فأعطتها إياها، أعطت المرأة ابنها الأول تمرة والآخر كذلك وأخذت هي تمرة، فإذا بالطفلين قد التهما تمرتيهما بسرعة من شدة الجوع ثم أخذا ينظران إلى الأم التي معها تمرتها، ففعلت الأم ما كانت ستفعله أي أمّ تسمعني الآن حيث قسمت تمرتها بين طفليها نصفين وظلت هي على جوعها. تأثرت السيدة عائشة بالموقف ولما جاء النبي أخبرته خبرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما أخبرتِها بأن الله قد رحمها برحمتها لصبييها؟ كم من مرة كان ابنك جائعا ففضلته على نفسك؟ كثيرا أليس كذلك؟ أي أنه تصرف عاديّ تفعله كل أم بشكل طبيعي، أتخيلتِ هذا الحديث؟ إن الله قد رحمها، أي إنه إن شاء الله قد رحمكِ وغمرتكِ رحمته. أرأيت كم أنتِ غالية؟ هذه هي المرحلة الأولى. • المرحلة الثانية: من سن الثالثة إلى سن السادسة: انتبهي إلى أن ابنك في هذه المرحلة شغوف بالتعرف على أبيه والتقرب منه، يريد أن يراه ويتعرف على عالم الرجولة – خاصة إن كان ذكرا وقد قلنا ذلك في حلقة الأب- والكثير من النساء في هذه المرحلة يتملكها شعور بالغيرة وتشتاط غضبا لأنها تقوم يوميا بأعباء الغسيل والكي والنظافة ... إلخ، وإذا بالابن مصاحب لأبيه ويطيعه ويتقرب إليه، فأقول لها: إن هذا أمر طبيعي وفطري في هذه المرحلة، وليس خاصا بابنكِ وأبيه، لأنه يريد استكشاف الرجل وذلك بحكم المرحلة حتى وإن كانت بنتا، فذكاء المرأة أن تترك المجال للابن ليتعرف على أبيه ولا تغضب؛ لأن هذا هو المطلوب. خير مَن تستقين منه هذا الفن السيدة هاجر؛ فقد كان إبراهيم يقطن في فلسطين ويغيب طويلاً بينما هي وإسماعيل في مكة، ولكن حينما يعود يجد أن إسماعيل يحبه ويطيعه على الرغم من أنه لم يعش معه كثيرا، وهنا يظهر دورها في ربط الابن بأبيه ولذلك لما قال له: يا بني إني أرى كذا وكذا، قال: يا أبتِ افعل ما تؤمر، ولما قال له: يابني إن الله أمرني أن أبني الكعبة أتعينني؟ قال: أعينك، وما ذلك إلا لأنه تربى على أنه وأباه متلاحمين كما أن الأم ساعدت على ربط الابن بأبيه. • المرحلة الثالثة: من سن السادسة إلى سن العاشرة: هذه المرحلة هي مرحلة القيم، ضعي قيما قدر استطاعتكِ وربيه على كل الخصال الجميلة - إلى جانب العطف والحنان- من صدق، وأمانة وإخلاص، ورحمة، وأدب، وفن تعامل مع الناس، وصلاة، وحب الله، وكل ما تريدين غرسه، تغرسين جزءا منه في حكاية ما قبل النوم وجزءا في موقف معين وهكذا. لو جاء أحد لهذا الابن ليصلحه بينما هو في الثلاثين أو الأربعين من عمره فقد يتمكن وقد لا يتمكن، فما غرستيه في هذه السنين الخمس هو الذي سيبقى، وكما قال النبي: (كل مولود يولد على الفطرة). فهذا الابن قد وهبه الله لكِ وترك لكِ مهمة تشكيله، وما ستغرسينه في ابنكِ هو ما ستجدينه إن شاء الله، حتى وإن ابتعد قليلاً في سن المراهقة، وإن انحرف عن الجادة يوما، فلا تخافي لأن البذرة التي غرستها في هذه المرحلة ستكبر وتؤتي أكلها كما غرستِ. فانظري أي قدوة ستقدمين له؟ وكيف ستكون شخصيتكِ أمامه؟ فما ستغرسينه هو الذي سينتج. أرأيتِ مقدار حاجة ابنكِ لك؟ • المرحلة الرابعة: دخول فترة المراهقة: في هذه المرحلة يحتاجكِ ابنكِ ،كثيرا وإن كنت تظنين أن الشباب لم يعد يؤيد الجلوس معكِ ويتهرب منكِ، ولكن إذا أجريتِ تعديلاً بسيطا جدا على طريقة حبكِ وحنانكِ فسيلجأ إليكِ. فهو يحتاج منكِ إلى عاطفة جديدة إيجابية تدفعه للنجاح. استمري في إعطائه الحنان والعطف ولكن امنحيه إلى جانب ذلك يدًا تدفعه للأمام: أنتَ ستنجح. أنتَ ستستطيع. فمتى قدمتِ له ذلك تصبحين الأم الصديقة، وستكونين الأم المثالية بل أعظم أم في عيني ابنكِ. نريد منكِ لشبابنا حنانا ممزوجا بقوة دفع لنصنع النهضة لهذه الأمة. نريد أمًّا كأم موسى واجعلي سورة القصص، وقصة أم موسى نموذجا لك، يدٌ تُرَبِّت: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ...."، واليد الأخرى ماذا تفعل؟ ".... فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي....." (القصص:7) فهكذا هي الدنيا. ابنك - وهو في مقتبل الخامسة عشرة والسادسة عشرة- في بداية مواجهة صعوبات الحياة ومعوقاتها ومشاكلها فنريد من الأم أن تدفعه: لاتخف أنا معك، والله معك، وسأدعو لك، وسأقف إلى جانبك. نموذج آخر للأم التي تدفع ابنها للأمام: يوم معركة القادسية حين خرج سيدنا سعد ليحث المسلمين على الإنفاق حيث لا يوجد مال وفير للجهاد فقال: أيها المسلمون، أنفقوا، وإذ خرجت امرأة فقالت له: يا سعد والله ليس عندي ما أعطيه وما أنفقه فما وجدت إلا ضفيرتي – قصت ضفيرتها- اجعلها لجاما لفرسك يا سعد، فتأثر سيدنا سعد بموقف هذه المرأة. فلما كانت ليلة المعركة أقبل إليه صبي في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره تقريبا، فقال له: يا سعد، أريد أن أخرج معك، قال سعد: لا نأخذ الأطفال، قال: يا سعد، الأمر ليس بينك وبيني الأمر بيني وبين الله، إن الله اشترى وأنا بعت فما دخلك أنت؟ قال سعد: إذًا، كن معنا. وفي صبيحة يوم المعركة أتاه الغلام فقال: يا سعد، والله لقد رأيت رؤيا عجيبة. قال: ما رأيت؟ قال: رأيت نفسي أمشي في حديقة ليست من حدائق الدنيا، وعن يميني وعن شمالي قصور ليست من قصور الدنيا، وأنهار ليست كأنهار الدنيا، فقال سيدنا سعد: أبشر يا غلام إنها الشهادة، فإذا لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبلغه مني السلام، قال الغلام: يا سعد، وأنت أيضا أبلغ أمي مني السلام، قل لها: جزاكِ الله عني خيرا، قال سعد: ومن أمك؟ قال: ذات الضفيرة. هذه الأم تخرج هذا الابن. يا أمهات نهضة هذه الأمة بين أيديكن، في أيديكن أن ترجعن النهضة وفي أيديكن استمرار الانهيار. أرجوكن يا أمهات، عندما يتجاوز ابنك التاسعة والعاشرة من عمره وقد منحته الحب والحنان وربطته بأبيه وغرست فيه القيم؛ حفزيه وشجعيه، وابني في نفسه آمالاً يرى نفسه صغيرا أمامها وقد يكون كذلك فعلاً ولكن بالعاطفة والحنان اللذين يشعان قوة من عينيكِ، ونظرة عينيكِ التي تقول له: ستنجح يا بني. سيكون. حقيقة، أود أن نعرض نموذجا لشخص، وكيف أنه مازال يتخذ قرارته بناءً على رضا أمه حتى بعد وفاتها، فيسأل نفسه: ما الذي يرضي أمي؟ وما الذي تتمناه أمي؟ ألهذه الدرجة من الممكن أن يكون تأثير الأم في حياة الشخص حتى بعد وفاتها؟ تعالوا بنا نعرض شخصية عامة مشهورة، وهيا بنا نسمعه كيف يحكي عن أمه؟ ونرى كيف للأم أن تحفز حتى بعد وفاتها؟ محمود سعد – إعلامي: بكل اعتزاز وبكل فخر أقول دوما أن قدوتي في الحياة هي أمي – رحمها الله- فقد تركها والدي منذ زمن طويل فعكفت على أربعة من الأولاد لتربيهم، وعملت صباح مساء فكانت تخرج من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثانية والنصف ظهرا – حسب مواعيد العمل آنذاك – ثم تعود لتخرج مرة أخرى من الخامسة والنصف مساءً وحتى التاسعة ليلاً، كل ذلك من أجل تربية أبنائها. أنا معجب بها لدرجة أنه قد حدث لي معها شيء عجيب جدا، فبالرغم من أنها توفيت في يونيو من عام 1999 ونحن الآن نتكلم في عام 2007 أي أنه قد مر على وفاتها ما يقارب سبع أو ثمانِ سنوات إلا أنها تشاركني اتخاذ أي قرار في حياتي، فكلما أردت اتخاذ قرار أسأل نفسي: يا ترى إذا كانت أمي موجودة هل كانت ستقول لي افعل أم لا تفعل؟ فإذا أحسست أنها كانت ستقول: لا تفعل، لا أفعل، أما إذا أحسست أنها كانت ستقول: افعل، أفعل على الفور، وإن كان هذا القرار غير موافق لهواي تمامًا؛ لأنها هي من علمني ذلك حقيقة. علمتني أنه "لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ..... " (آل عمران:92 ). تروقني كثيرا فكرة استمرار القدوة فقد كان مفهومي طوال عمري للقدوة أنها عبارة عن شخص أمامي أتوسم فيه خيرا، وأتعلم منه أشياء، وأمضي على دربه فحسب، ومتى اختفى هذا الشخص فإنني أسير في الحياة وفق رغبتي أو إرادتي أو بطريقة تفكيري. لكن الحقيقة في قدوة أمي اكتشفت شيئا غريبا جدا بعد مرور سبع أو ثمانِ سنوات على وفاتها؛ وهي أنها قدوة مستمرة حتى وهي غير موجودة، فقد نقشت في صدري وفي عقلي وفي كياني أفكارا وقيما من المستحيل أن تزول بدليل أنها ما زالت هي القدوة حتى الآن. • المرحلة الأخيرة: الأم الصديقة: كَبُرَ ابنك وتَخَرَّج وزاول مهنته: مبارك عليكِ ذلك إذًا كوني أمًّا صديقة، صاحبي ابنك، كوني صديقة له بينك وبينه أسرار وأحاديث خاصة وافتحا قلبيكما لبعض، أنا أفضفض لابنتي فنحن أصدقاء. هذه هي الأم الصديقة التي تحدثنا عنها. تبقى آخر جزء وهو شيء تقومين به في جميع تلك المراحل، وحذارِ أن تنسيه، فهو سلاح غير عادي، أرجوكِ لا تنسِ سلاح الدعاء الذي وعدكِ به الله، فكما أعطاكِ سرا إلهيا - استطعتِ من خلاله أن تتعاملي مع ابنكِ يوم أن كان في بطنكِ- فقد أعطاكِ سراً آخر بل سلاح: سلاح لكِ وحدكِ وهو أن دعوتكِ لابنكِ مستجابة، ليقول لكِ: سيواجه ابنكِ أشياء كثيرة فالحياة صعبة، وليقول لابنكِ: أنت محتاج إليها جدا فبحوزتها السلاح الذي فيه نجاتك. أطلب من أمك أن تدعو لك، ارضِها واطلب منها أن تدعو لك، وعلمي ابنكِ منذ صغره أنكِ تدعين له؛ لأن هذه رابطة قوية، وكأن الله قد جعلكِ مستجابة الدعاء لابنكِ حتى تظل رابطتكِ بابنكِ وابنتكِ رابطة متينة، فكما كان هناك سرا إلهيا وهو في بطنكِ فقد أصبح هناك سرا إلهيا عندما كَبُرَ اسمه: دعاؤكِ له مستجاب، وكأن علاقتكِ بابنكِ والسر الإلهي - سر الرحمة- مستمر منذ كان في بطنكِ إلى أن يمد الله في عمركِ وعمره ويلقى أحدكما الله سبحانه وتعالى. ستبقى كلمة السر هي الدعاء. انتبهوا يا جماعة إلى القرآن عندما يتكلم عن مستقبل أمة من الأمم فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ....." (آل عمران:128) أو عندما يقول: "حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ...." (يوسف:110) هذا على مستوى الدعوة، على مستوى الأمم. لكن على مستوى أم وابنها يجب أن يطمئنها "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي....." لم يفعل هذا مع الأنبياء بل في جميع قصص الأنبياء كان لابد من أن يمضوا ويكملوا المسير، لكن مع الأم لابد أن تُطَمئَن فهي الرحمة كلها "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ". ثم ينتقل السياق للحديث عن صراع فرعون وموسى – هذا القرآن الذي يتكلم عن إصلاح الأمم ليوم القيامة- وفي خضم هذه الأحداث "فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ....." ( القصص:13) نحن نتحدث عن موضوع كبير، ما مناسبة أن نعلم إن كان قد رجع أم لا؟ لا، لأن هذه أم غالية على الله وعاطفة الأم غالية أيضا على الله "فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ......" لو وعدكِ الله فلابد وأن يوفي بوعده. أتتخيلون هذا المشهد في وسط الحديث عن مواجهة موسى بفرعون في وسط سورة القصص؛ ذلك بأن مشهد الأمومة غالٍ ويجب أن تَطْمئِن الأم. أنتِ سرٌ إلهي لله سبحانه وتعالى أودعه فيكِ فأنتِ نموذج الرحمة. ارفعي يديكِ وادعِ لابنكِ. إذًا، لتدمع عيناكِ من أجل ابنكِ ولتدعِ له وسترين ماذا سنفعل له؟ لا تقولي: أنا متدينة لست متدينة، أو لست متدينة، فأنتِ في النهاية أمٌّ بصرف النظر عمن تكونين فأنتِ أمّ. وما دمتِ أمّاً فأنتِ غالية لأنك تجسدين الرحمة ودعوتكِ ترفع إلى السماء بدون حجاب.لكن في الوقت ذاته أقول للشباب: لو أن أمّك لم تفعل ذلك فلا تترك أمّك. واسمع مني ولا تغضب: أمّك بأخطائها وبعيوبها ومشاكلها أين ستذهب؟ فالله هو من جعلها أمك، واختار فلانة الفلانية لتكون أمك، ألم تعجبك؟ ماذا ستفعل؟ هل ستغير أمك؟ أنا أريدك أن تتخيل معي وتتذكر كم تعبت هي من أجلك، كم ليلة لم تنم فيها بسبب بكائك؟ وإذا تنفس الصبح تطعمك وتغير لك ثيابك، وإذا بك تتقيأ وتفعل، وتفعل، وتفعل، وهي معك تفعل لك كل شيء حتى إذا جن الليل وإذا بالإرهاق بادٍ على تقاسيم وجهها، وحالتها النفسية صعبة جدا وهي في منتهى التعب - لأنها إنسان أيضا- وتحتاج للنوم إذا بك تبكي من جديد فتقوم لتهتم بك، وفي وسط هذا التعب تأتي أنت وقد تركت فراشك وأتيت لتفترش حضنها وتنام على حجرها فتنسى التعب لمجرد أنك في حضنها، ثم في اليوم التالي تعود لتكمل على النهج نفسه! أهي أقوى من الرجل؟ لا، ولكن الله سبحانه وتعالى وهبها سرا اسمه رحمة وحنان وعطف منه. فارعَ أمك وارعَ الرحمة التي وهبها الله إياها. انتبهوا يا شباب، فهذه النقطة مهمة جدا لو لم تستشعر رحمة الله التي وهبها إياها وأودعها في أمك فكأنك تقول: إنك غير مقتنع بالجزء الذي وضعه الله في الأرض من رحمته، وبالتالي - وأنت في العشر الأوائل من شهر رمضان- كيف تريد أن تتنزل عليك رحمة الله وأنت تصد أمك دائما؟ فلن تشعر برحمة الله، فانتبه فهذا المعنى خطير جدا. وفي المقابل، طالما أنت تشكر الله على الرحمة التي وضعها في الأرض وحافظت عليها وساعدت أمك على إبداء عاطفتها وتمسكت بها لتضفي عليك من عطفها وحنانها فلعل رحمة الله تتنزل عليك وعليها. حكت لي إحدى الأمهات بالأمس - وهي أم لأربعة من الأولاد وقد بلغوا أشدهم؛ فمنهم من يدرس في الجامعة ومنهم من تخرج بحمد الله، فقال لها أحد أبناؤها: ألستِ قد تخرجتِ في كلية الطب يا أمي؟ قالت: بلى، فقال: لماذا إذًا لم تعملي وتجلسين هكذا في المنزل؟ تقول: أوجعتني هذه الكلمة وأحسست بأنني عاطلة ولا قيمة لي، فرددت عليه: يا بني قد كان لي أحلام كثيرة وطموحات لا حصر لها، ولما تخرجت في كلية الطب بدأت أرسم تلك الأحلام، ولكن عندما أتيتم إلى الدنيا قررت أن أتنازل عن أحلامي من أجلكم وأستبدلها جميعا بحلم واحد وهو أنتم، فأنا قد عشت من أجلكم. من هنا أقول لهذه الأم ولمثيلاتها إياكِ أن تشعري بأنكِ بلا قيمة، أو أنكِ قد أضعت حياتكِ أبدا؛ لأنكِ قد أنجزتِ أعظم مهمة خلقها الله في البشرية، فالأم مدرسة. نعم أنتِ مدرسة - كما قال أحمد شوقي- ولا توجد مدرسة أعظم منكِ. فإذا كنتِ أما عاملة أو ربة منزل فلتفخري بالدرجة الأولى بأنكِ أمّ، وإذا كنتِ ربة منزل، وقد أديتِ رسالة عظيمة وكبر أبناؤك فلا مانع من أن تعملي وتصنعي حياة وتتطوعي في عمل خيري، أو أي مجال آخر تريدينه لكن لا تنسِ في المرتبة الأولى أن تفخري بأنكِ أمّ شرفكِ الله وأعز قدركِ وذكركِ في كتبه السماوية بمشاهد يطمئنكِ فيها، واستجاب دعاءكِ وغفر ذنوبكِ عند أول طلقة من طلقات المخاض، وكتب لكِ في كل تربية لابنكِ أجر الصائم القائم. أنتِ غالية جدا، أنتِ معززة جدا.

قديم 08-13-2010, 01:06 PM
المشاركة 12
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي الحلقة الرابعة
الحلقة الثانية عشر : لغة العاطفة 1نقلا عن قناة الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. سنذكركم أولا باسم البرنامج "الجنة في بيوتنا" وقد سميناه بهذا الاسم ليكون أقرب وصف نتذكر به أن بيتنا كالجنة، هذا البيت الذي كان الجميع يهربون منه، وكل منهم يبحث عن حجة للخروج منه، أصبحنا نريد أن نرجع إليه لنقابل بعضنا البعض؛ لأننا نفرح حينما نرى بعضنا البعض، ولأني أفرح حينما أجلس مع أبي، ولأني أحب أن أتكلم مع أختي، ولأني أنا وزوجتي نحب أن نتحدث معا. فالبرنامج كله يريد هذا الجزء، والذي لو تحقق فهو شيء كبير جدا لمستقبل أجيال، ولمستقبل بلاد، ولمستقبل أمة. لا يظن أحدكم أن هذا كلاما مبالغ فيه، أبدا والله فالأسرة إذا وقفت على قدميها، وإذا كانت متماسكة ، تستطيع أن تخرج رجالا ونساءً من الصفوة من وسط هذه الدنيا الفاسدة - مهما كان الخراب من حولها-، لذا نتكلم في كل حلقة عن موضوع مختلف، فتارةً عن الأزواج والزوجات، وتارةً أخرى عن الأب. اليوم نتحدث عن علاقة الآباء بالأبناء، فنتحدث عن الأب والأم، ونتحدث عن الشاب والفتاة، وعن أصل العلاقة وعما يجمعهم، وعن اللغة التي نتحدث بها مع بعضنا البعض، وهل اللغة التي نتحدث بها مع أولادنا هي: يا بنى مصلحتك في هذا الأمر، لغة المنطق، بالطبع يجب أن نتطرق لهذا الأمر، وإذا لم يقلها الأب فمن يقولها، وإذا لم يوجه الأب أبناءه فمن يوجههم؟ الهدف الأساسي من حلقة اليوم إرساء قاعدة أن اللغة الأساسية التي يجب أن نبدأ بها هي لغة العاطفة، ثم بعدها أي شيء آخر تريده: لغة العقل، لغة المنطق، لغة المصلحة – مصلحتك يا بني- لكن رقم واحد الذي نبدأ به: لغة القلب، ففي القلب شيء يحدث، فيساعد العقل على الاستيعاب. وعلى الرغم من أن هذه الحلقة موجهة للآباء والأمهات، إلا أنها تخاطب الشباب أيضا، وتسأله: أين هي عاطفتك لأبيك وأمك؟ ولماذا أغلقت قلبك تجاههما ووضعت سدًّا بينكما؟ فلتذهب لأمك ولتحتضنها وتقبل رأسها، وتدللها بكلمات حلوة.لماذا يا إخوتي نكبت عواطفنا، وكأننا قذفناها منذ زمن في بئر عميق، نحن اليوم نريد أن نقول إن أكثر ما يحرك العلاقات الإنسانية العاطفة، ولو أنك حاولت استخدام العقل، والمنطق، والمصلحة فقط فلن تنجح، والدليل أن هذه الطرق لم تأت بنتائج مع أولادنا. فحاول يا أخي استخدام العاطفة، حاول ولو مائة مرة، فبدون الطبطبة، ودون كلمة "أنا أحبك يا بني"، ودون كلمة "أنا أحبك يا أبي" ينقصنا الكثير. سبحان الله، فكأن الحضارة تتقدم والعاطفة تتراجع، كأن العاطفة لا تصلح إلا للحبيبة، أو العشيقة ونسينا أن الله سبحانه وتعالى خلق الأسرة لتكون مكانا لتفريغ هذه العواطف. فالهدف الذي خلقنا الله من أجله هو إصلاح الأرض، والله كريم رحيم، يعلم أن مهمة الأرض شاقة للغاية والسماوات والأرض أشفقن منها فبها الخير والشر وإبليس، فأنشأ الله لنا شيئًا ليكون سكنًسا لنا وطمأنينة فقال سبحانه: "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا.." (النحل:80)، وطالما غرسنا في قلوبنا حب بعضنا البعض وأنشأنا عاطفة رباعية: زوجان يحبان بعضهما البعض، أمٌّ تحب أولادها، أبٌ يحب أولاده، أولاد يحبون آبائهم تتوفر لنا الراحة في مواجهة متاعب الحياة، وهذه قاعدة مدروسة منذ أيام آدم وحتى تقوم الساعة، وحقيقة واقعة، وهذه المشاعر الأربعة مغروسة في الكائن البشرى مادامت الشمس تطلع من المشرق وتغرب من المغرب. أضرب لكم مثلاً بشاب عمره ثمانية عشر عاما لديه مائة وحدة من المشاعر والعواطف، ولظروف معينة لا يستطيع أن يتزوج، فلولا وجود الكيان المسمى بالأسرة لاتجهت هذه المشاعر إلى الحرام. فبوجود الأسرة يستشعر دفئا عاطفيا حتى يحين ميعاد زواجه، فبعض هذه الوحدات المائة، وليس كلها بالطبع تكون موجهة داخل الأسرة، 20 وحدة للأم، 15 وحدة للأب، الأخت والعم والخال، ولو استنفذ ستين من المائة فهذا معدل معقول جدًّا. ولنتدارس معا بعض الحوارات التي تدور بين الآباء والأبناء حيث يقول الأب لابنه: "عندما كنا في مثل عمرك لم نكن نتصرف تصرفاتك هذه، كنا ندرك أين هي مصلحتنا؟ وبالتالي نهتم بدروسنا، بينما أنت لا تستذكر دروسك لأنك لا تعي مصلحتك، وعلى فكرة إذا نجحت فستنجح لنفسك، وأنا لن أستفيد من مذاكرتك شيئا، فأنت الذي سيذاكر، وأنت الذي سيستفيد"، وها هم الشباب يضحكون بينما كل كلمة قالها الأب صحيحة، فهو هنا تحدث مع ابنه بلغة المصلحة، ويجب عليه أن ينصح لابنه وإلا من سيفعل غيره؟ يقول الله عز وجل: "..قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا.."، فالكائن الوحيد الذي تمتد فترة تربيته إلى أكثر من عشر سنوات هو الإنسان، وانظر معي لبقية المخلوقات، شبل الأسد مثلاً يصبح قادرا على الصيد بعد سنة واحدة فقط يصبح بعدها حرًّا، بينما الإنسان يستغرق عاما ليتعلم الحبو وآخر ليتعلم المشي وهكذا، والسبب وراء مدة التربية الطويلة هذه احتياجه إلى شريط من الذكريات التي يعيشها مع الأسرة التي ستمده بالحنان والعطف وعدم القسوة؛ لأنه المخلوق المكلف بإصلاح الأرض. أما الابن فلن يرد على أبيه لكنه سيحادث نفسه قائلاً: "ومن أخبرك أنى أريد أن أنجح؟ لا فارق عندي بين النجاح والرسوب"! إذن هناك شيء مفقود، هذا النصح يجب أن يقال للابن حتى وإن لم يعجبه. لكن النقطة التي نتحدث عنها: كيف نقول هذا النصح؟ وبأي ترتيب؟ لذا يجب أن ننتبه للغة العاطفة في كلامنا، فإذا كنا نرفض من الابن حين نصحه أبوه أن يقول حتى في نفسه: "أف، سيعطيني أبى محاضرة الآن"، فنحن أيضا نرفض من الأب اللغة التي استعملها في حواره مع ابنه.مثال آخر للحوار: يقول أب لابنه: "أنا حريص على أن أمدك بالكثير من الخبرات التي لدي، ولديك فرصة ذهبية لتستفيد منها لكنك للأسف لا تفعل بل تلهو"، إن كل كلمة قالها الأب صحيحة، لكنها أيضا لغة العقل والمنطق والمصلحة، والمطلوب هذه الكلمات نفسها لكن مغلفة بالعاطفة. مثال آخر للحوار: أم تقول لابنتها: "أنا لا يعجبني التصاقك بأصدقائك هؤلاء، وقابليني إن نجحت وأنت مستمرة في صداقتك مع فلانة". كل كلمة قالتها الأم صحيحة، فهذه صديقة ستضيع ابنتها، لكن الفكرة: كيف تبدأ الحديث؟ وكيف تتحدث في هذا الأمر مع ابنتها التي ردت: "أصحابي ويعجبونني"؟ أو قد تكون قالت في نفسها: "ومن كنت يا أمي تصادقين وأنت في مثل سني؟" حتى هذا الكلام مع النفس حرام.وأنا اليوم أوجه كلامي للطرفين وبالأخص للآباء والأمهات لتغيير الطريقة، والبدء بلغة أخرى؛ لغة العاطفة، ونركز على القلب قبل العقل، فعلى الرغم من أن الأبناء قد بدأوا الدخول في مرحلة الشباب، وارتياد النوادي الرياضية، والجسم الضخم والوجه العبوس، فقلوبهم رقيقة، وهذه ليست طبيعة ابنك فقط بل كل الشباب، خلقهم الله هكذا، والبنات أكثر، فلا يغرنك المظهر الخارجي أو قلة كلامهم، فمن الداخل هو يحتاج عاطفة، وكأنك يجب أن تمر إلى عقله من خلال قلبه، وكأنه يخبرك: لكي أسمعك حدث قلبي. تخيل شخصا يفتح باب الشقة بالمفتاح، فلم يفتح الباب، كم مرة تظنه سيستمر في المحاولة، ثلاث، خمس مرات، لكن لا يمكن أن يظل يحاول عشرين سنة، وكل يوم يجرب المفتاح نفسه على الرغم من أنه لا يفتح الباب، بل سيحاول أن يغير المفتاح، ويستخدم طريقة أخرى. فإذا كنت تحاول منذ سنين استخدام الطريقة نفسها مع أبنائك ولا تفلح، فحاول استخدام طريقة أخرى، وجرب أن تبدأ بالعاطفة. انظر معي كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الشباب؟ وكيف كان الشباب يتعامل معه؟ وانتبه للمسات الصغيرة، فأحيانا الأشياء الصغيرة تحل مشاكل كبرى، فلا تستهين بها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحقرن أحدكم من المعروف شيئا" ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق مبتسم. كان النبي ماشيا فرأى معاذ بن جبل، وعمره تسعة عشر عاما، فماذا يفعل النبي؟، لقد أمسك يد معاذ وشبك يديهما في بعضهما البعض وأخذا يسيران معا، وبعد قليل قال له النبي: "يا معاذ"، فقال له معاذ: "لبيك يا رسول الله"، قال: "يا معاذ، إني أحبك، فلا تنسى أن تقول بعد كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". والناس في المساجد، وفى البيوت بعد كل صلاة يحفظون هذه الكلمات لأن معاذ قصها للأمة كلها ولم ينسَها، والسبب في أنه لم ينسها: إمساك اليد وكلمة أحبك التي لا يمكن أن تجعلك تنسى الكلام الذي يليها.انظر معي لكلمة (لبيك، لبيك يا أبي، لبيك يا أمي)، وتخيل أن شابا يقرر أنه طوال شهر رمضان سيطيع والدته في كل ما تطلبه منه، هذا نوع من العبادة لله في رمضان، وسيعتبر أن هذا هو عربون العاطفة، فسيقولها بثقة وبحب، وانظر معي لتوجيه النبي المغلف. وأنتم أيها الشباب، يقول النبي: "لينوا في يد إخوانكم" وأنا أقول لك: لِن في وجه أبيك، ساعد والدك؛ عندما يمد يده إليك يجدك تتجاوب معه وتمد يدك أنت الآخر. كن شهما، وكن رجلاً، فو الله قد يكون وضع يدك في يد أبيك ومشيكما معا أغلى عند الله من صيام وصلاة نوافل شهور وشهور، لأن هذه تغيظ الشيطان وتطرده من البيت، بينما صلاة النافلة وأنت تتشاجر مع أهلك والبيت مليء بنكد ومشاحنات لن تأتى بالكثير.أتذكرون قصة جريج العابد، الذي كان كلما دخل في صلاة النافلة، تنادى عليه أمه فيقول: "يا ربي أمي وصلاتي"، فيفضل الصلاة، فتأتى في اليوم التالي تنادى عليه، وهو يصلى أيضا، فيقول: "يا ربي أمي وصلاتي" فيفضل الصلاة. يعلق النبي صلى الله عليه وسلم على هذه القصة فيقول: "رحم الله أخي جريجًا، لو كان عالما لعلم أن إجابة أمه خيرا من صلاته"، فهو عابد وليس عالما.لذا ضع يدك في يد أبيك، ودعم كل صور العاطفة مع والديك، فلو جعلنا لغة العاطفة رقم واحد في علاقاتنا مع أبنائنا ستحل لنا مئات المشاكل، وتذيب الخلافات، فتبدأ الفضفضة، ويظهر الأب الصديق، ويصبح الاحترام والتقدير متبادل، ويزيد الحب، وتصبح البيوت كما خلقها الله لتكون الجنة في بيوتنا فعلاً. قصة أخرى: يقابل النبي "أبا أمامة" وهو صحابي عمره حوالي الستة عشر عاما، فيقول له: "يا أبا أمامة، إن من الناس من أراه فيلين له قلبي وأنت منهم، يا أبا أمامة إذا دخلت فسلم على أهل البيت تكن بركة عليك وعلى أهل البيت"، يقول أبو أمامة: "فوالله ما نسيتها منذ ذلك الحين".انظر، هي الطريقة السابقة نفسها، هي طريقة واحدة: عاطفة، توجيه، وليس العكس.وليس كالأب الذي يقول لابنه: "إذا قدت سيارتك بهذا الشكل مرة أخرى ستموت، فاهم ستموت، وأنا أقول لك هذا لأني أحبك". هذا لا يجدي بل قدم المحبة قبل أي توجيه. قصة ثالثة: يقول ابن مسعود: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن – أي يحفظني ويكرر- يفعل ذلك ويده في يدي، وكفه في كفى".فنحن كنا دوما ننظر للنبي من الجانب العسكري في غزواته، لماذا لا ننظر له من الجانب الاجتماعي وكم هو رائع.قصة أخرى: سيدنا "ابن عباس" الصحابي، وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم كان عمره عند وفاة النبي ثلاثة عشر عاما، يرى النبي ابن عباس وعمره حوالي إحدى عشر عاما، ويلحظ فيه النبي الذكاء والموهبة، ونحن نحتاج لأناس يتفقهون في هذا الدين، فعندما يرى النبي ابن عباس قادما يفتح يداه ويحتضنه ويضغط عليه في محبة، ثم بعد ذلك يهمس في أذنه بدعاء لكن دعاء موجه: يقول: "اللهم فقهه في الدين، اللهم فقهه في الدين". كأنه يقول له: اذهب فتفقه في الدين، لكن بالدعاء أحلى. وبالفعل أصبح ابن عباس أفقه الأمة، وبعد عشرين عاما من دعوة النبي له أصبح ابن عباس المستشار الشخصي لعمر بن الخطاب خليفة المسلمين وأمير المؤمنين. وكان عمر بن الخطاب يقول أعوذ بالله من معضلة وليس فيها على ابن أبى طالب، وابن عباس. كل هذا بم تحقق؟ بحب، وضمة، وهمسة في الأذن غير مباشرة. ودوما كان النبي عندما يواجه موضوعات حساسة يمهد لها تمهيدا عاطفيا؛ فقد أتى النبي إلى بيئة بدوية صعبة ولم تكن الذوقيات قد علت بعد، وقد أتى الإسلام بنظافة ووضوء ونقاط حساسة كيف تتصرف في الحمام والاغتسال؟ وهناك أخطاء مازال الصحابة يقعون فيها، فماذا يفعل النبي؟في المسجد؟ لقد قال: "أيها الناس اقتربوا، إنما أنا لكم بمنزلة الوالد لولده، أحب لكم ما أحب لنفسي، فإذا دخلتم الغائط فافعلوا كذا وكذا". ولا تظنن أنني لا أواجه مشاكل مع ابني فهو صعب المراس، لكن مهما قيل لي، فلن أغير كلامي فهي كلمة قالها الله عز وجل للنبي لننفذها على أنفسنا: "وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران:159). فلنأخذها على بيتنا كما أخذناها على الأمم والشعوب، فلو أعملت العاطفة وشعر ابنك كم تحبه حتى ولو بنظرة عين وقد ملأ قلبه هذا الحب ستتفاهمان معا.هذا كلام للآباء والأمهات ، وعلى الشباب الذي يسمعني الآن أن يقرر أن يستجيب بل ويبادر إلى أبيه وأمه، فلو حدث هذا الحب ستصبح نظرة العين أقوى من ألف عقوبة. في غزوة خيبر، وصل الجوع بالمسلمين أن ربطوا على بطونهم الحجر، واتفقوا أن أي أكل يرد لهم سيقسمونه فيما بينهم، ووجد أحد الصحابة - واسمه "عبس بن جبر"- بعض الشحم وقطعة لحم متبقية من شاه، فنظر فلم يجد أحدا يراه فقال والله لا أعطي منه أحدًا، يقول فالتفت فإذا رسول الله أمامي، فنظر إلى وابتسم ابتسامة الحزين، وتركني وسبقته إلى الناس أقول: هذا هو اللحم، لكي يسمع النبي. فأحيانا كلمة: أنا مخاصمك تكون أشد من أشد عقوبة، لكن متى؟ لو تربينا على الحب، وإلا فلن تجدي أن تفعلها الآن مع أولادك وتخاصمهم لأنهم لا يشعرون بها. وهكذا كان الصحابة في المدينة؛ لأنهم كانوا يحبون بعضهم البعض، أتذكرون الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وأمرهم النبي بالخروج فلم يخرجوا؟ لذا وجب أن تكون عقوبتهم شديدة، فماذا كانت العقوبة؟ عدم الحديث معهم لمدة خمسين يوما، خصام خمسين يوما، فتنزل الآية فيهم: "..ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ.." (التوبة:118) تخيل لو أن هذه هي أكبر عقوبة في المنزل، وقد قالها الله عن يوم القيامة: "كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ" (المطففين:15) فأشد عقوبة يوم القيامة أنهم محجوبون عن الله تبارك وتعالى.أحد العابدين كان شديد الحب لله، ثم فعل معصية كبيرة، فتوقع أنه سيعاقب، فلم يجد من الله عقوبة، فأخذ يسأل نفسه: لماذا لم يعاقبني الله، فرأى في المنام ملك يقول له: ألم تحرم لذة مناجاة الله عز وجل؟ عقوبة الحرمان لمن يحبون بعضهم البعض أشد كثيرا من أي عقوبة. في أمريكا، أعدوا إحصائية على ألف فرد: خمسمائة أب وأم، وخمسمائة شاب. سألوا كل الآباء: هل تحب ابنك؟ فأجابوا جميعا: نعم، وظنوا أنه سؤال سخيف، بالطبع نحب أولادنا. وسألوا كل الأبناء: هل يحبك أبوك؟ بعضهم قال: أظن، والآخر:لا أدرى، والآخر: أحيانا، والبعض: طبعا، والبعض: ممكن. كانت أغلب الإجابات: طبعا أبي يحبني، لكنه لم يشعرني بها أبدا. هذا في أمريكا، ونحن لدينا العلاقات أدفأ بكثير، لكنها بدأت تتراجع. فلنتفق جميعا إخوتي، على أن نغير المفتاح، وأن نبدأ بالعاطفة، والشباب أقدر مني على إصلاح هذه النقطة. أقول لكل شاب: مد يدك إلى أمك وأبيك، قبّلهما، قبّل أيديهما، اعرض عليهما الخروج سويا للمشي معا في يوم من الأيام. قل لهم: منذ زمن أريد أن أصحبكم معي، اعبد ربنا لعلك تعتق في رمضان هذا العام بتقبيلك ليد أم أو أب، بفتحك قلبك لهما. تجد مشاعر بعض الآباء الرجال جامدة تجاه أولادهم، وفى هذا الموضوع أحكي لكم قصة: حينما كنت أعيش في لبنان، كان هناك سباق كبير يقام كل عام يشارك فيه شباب وبنات، فكان هناك ابن يشارك في السباق فطلب من أبيه الحضور وألح عليه، وكان الأب شخصا محترما صارما، فذهب لحضور السباق مرتديا (بدلة) كاملة، ووقف يشاهد السباق بكل وقار دون كلمة تشجيع واحدة لابنه، وفى اللحظات الأخيرة ارتفعت سخونة السباق وأوشك ابنه على أن يكون ضمن الفائزين الأوائل، فوجدت هذا الأب يفك الكرافتة التي كان يرتديها، وأخذ يجرى بجوار الحاجز، وانتعش فجأة، وأخذ يشجع ابنه: هيا، هيا، تشجع ستصل بإذن الله، والعرق يتصبب منه والناس مندهشين من التحول المفاجئ في تصرف الرجل الوقور الجامد، فنظر إليهم قائلاً: عفوا فأنا أب.بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحابة رأى الحسن والحسين - وعمرهما حوالي ثلاثة أو أربعة أعوام- يدخلان المسجد فيتعثران في جلابيبهما الطويلة، فينزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ويقطع الخطبة، ويحملهما ويصعد بهما على المنبر وأخذ يكمل الخطبة ويقول للصحابة: "إن ابني هذان رأيتهما يعثران فلم يصبر قلبي حتى حملتهما" يا سلام يا رسول الله على العاطفة العظيمة- صلى الله عليك يا رسول الله، فلم يستح من إظهار هذه العاطفة في وقفة المنبر. طبعا لو فعلها أحد في بلادنا الآن سيستنكر الناس فعلته! فمن منا يقلد رسول الله؟نحن نطلب من الآباء والأمهات أن يغلبوا لغة العاطفة ويتخلوا عن الجمود، وأنتم يا شباب أحذركم أيضا من الجمود فإذا اقترب أباك استجب، إن جمدت الآن في صغرك فماذا ستفعل في كبرك.وفى النهاية، نلخص ما سبق كله بتوجيه كلمة للآباء والأمهات في التعامل مع الشباب أن قاعدة اليوم ليعود التآلف الأسرى: لغة العاطفة قبل لغة العقل.

قديم 08-13-2010, 01:07 PM
المشاركة 13
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي الحلقة الرابعة
الحلقة الثالثة عشر : لغة العاطفة 2
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.الأسرة هي جنة بيوتنا: يقول أحد العلماء: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. وأنا أقول لعل جنة الدنيا هي الأسرة؛ جنة معرفة الله وجنة لمّ شمل الأسرة. العاطفة المفتاح السحري:هيا نعيش مع الرسول صلى الله عليه وسلم وحب العائله و حب الناس، وكيف أن لغة العاطفة هي الأكثر تأثيرا في البشرية؟ نجد أن العاطفة هي المفتاح السحري للعلاقه بين الآباء والأبناء، مثل عصا موسى السحرية، ماذا فعلت عصا موسى؟ قلبت الأرض بحرا وقلبت البحر جبلا، وكذلك العاطفة هي المفتاح لعودة ابنك أو بنتك لحضنك.العاطفة يا شباب، هي المفتاح الذي يفتح العلاقة بينك وبين أبيك. بادر أيها الابن لفتح الباب وستجد الجنة في بيتك. الرسول عليه الصلاة والسلام ولغة العاطفة:كان في المدينة رجل يُدعى "زاهر"، وكان هذا الرجل ذات شخصية شديدة، لذلك كان الصحابة يتجنبون التعامل معه، وفي يوم كان واقفا في السوق، فلما رآه النبي آتيا أمسك به من ظهره، فقال زاهر: مَن هذا؟؟ أرسلني.يقول: فوجدت النبي فاتحا زراعيه لي.يقول زاهر: فما فرحت لشيء إلا لملاصقة جسدي لجسد النبي صلى الله عليه وسلم.فأخذ النبي بيد زاهر ورفعها وقال: من يشتري هذا العبد؟ ويضحك النبي صلى الله عليه وسلم.يقول زاهر: إذن تجدني كاسدا يا رسول الله.فقال له رسول الله: ولكنك عند الله غالٍ.ما هذه العاطفة يا رسول الله؟! ما هذا الجمال؟! رسالة الآباء والأمهات:حب ابنك بدون شروط، بمعنى سواء ابنك حسن الخُلق أو غير ذلك عليك أن تحبه، وتُظهر له عاطفتك وحبك له، وتضمه إليك لكي يبادلك العاطفة نفسها؛ لأنه لو شعر بأن الحب مشروط بأن يكون مطيعا سيتحول إلى ابن عنيد. مواقف من واقعنا:كان لأمٍّ ابن مدمن للمخدرات، وقد عانت الكثير معه من سوء معاملة وسبّ، ثم ذهبت به إلى المستشفى لكي يتم علاجه، وعندما قابلت الطبيبة المسئولة عن الحالة سألتها الطبيبة: منذ متى قلتي لابنك إني أُحبك؟قالت الأم: منذ كان صغيرا.فقالت لها الطبيبة: اذهبي وقولي لابنك أحبك بصدق و بحنان.تقول الأم: جلست أمام ابني ولكني لا أستطيع أن أعبر له عن حبي له، وبدأت أستشعر ذكرياتي معه عندما كان صغيرا، وبالفعل قلت له:أني أُحبك.تقول الأم: فبكى ابني وقام ليحتضني.ياااه، كان يحتاج لهذة الكلمه منذ زمن بعيد.دعوني أسأل: لماذا يتوقف الحب إلى أن يبلغ الطفل عشر سنوات؟ متى قلت لابنك أني أُحبك؟ وأنت أيتها الأم الحنون متى قلتِ لابنك أو بنتك إني أُحبك؟وأنت أيها الشاب، متى قلت لأبيك أُحبك؟ أو كتبت له كلمة حب في ورقه؟ لماذا نخجل من أن نُظهر عاطفتنا وحبنا تجاه بعضنا؟ اُكتب لابنك:كان هناك أب وأم، وكان لديهم ابن في السابعة عشر عامًا، وكان ابنا عنيدا جدا وعصبيا جدافلم يجدوا وسيلة للتحدث معه إلا بالكتابة. كانوا يكتبون له رسائل ويضعونها له في مكان نومه، وكانوا يكتبون على الظرف: اقرأها عندما تكون وحدك، وكان يقرأ الرسائل كل يوم. يقول الابن: كنت أنتظر كل يوم الرسالة من أبي وأمي، وعندما كانت تتأخر الرسالة كنت أحزن كثيرا، ويقول: تمت فترة المراهقة بسلام بسبب هذة الرسائل. وقفة مع الشباب:لماذا تترك والديك حتى يستخدموا وسيلة الرسائل؟ابدأ أنت، لا تنتظر حتى يتوصلوا للكتابة لك. رسالة إلى الشباب:لابد أن تعلم أيها الشاب أنك أغلى شيء في حياة والديك.وضح لنا الله سبحانه وتعالى مدى عاطفة الأم تجاه ابنها من خلال قصة أم موسى، قال تعالى:" وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا..." (القصص10). هنا الآية تبين حال قلب أم موسى من شدة التألم لفراق ابنها.ثم قال تبارك وتعالى:"....إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ..." (القصص7)، يطمئن الله عز وجل قلبها سنرده لكِ، لأنه يَعلم قلب الأم وعاطفة الأم تجاه ابنها. قال تعالى "... َلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ" (القصص7)، ثم يقول تبارك وتعالى" فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ...." (القصص13). يا شباب، أمك شيء غالٍ.يأتي القرآن أيضا ويُظهر لنا عاطفة الأب: فسيدنا نوح وابنه على الرغم من أنه كافر إلا أنه دعا له بعد غرقه، قال تعالى"... فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ "(هود45 )، نرى عاطفة سيدنا موسى تجاه ابنه وهو يدعو الله بأن ينجِّي ابنه.هل رأيتم يا شباب مدى عاطفة الأم والأب؟ النبي والرحمة بالأطفال:على الرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهى عن الالتفات في الصلاة، ولكنه ذات مرة دخل المسجد وكان يحمل بنت السيدة زينب وصلى بها - صلى الله عليه وسلم- وهنا أراد النبي أن يلفت الأنظار إلى أهمية البنت، وأنها تحتاج إلى الاهتمام نظرًا؛ لأنه كان مجتمعا يوأد البنات. (ما رأينا أحد أرحم بالأطفال إلا رسول الله)!جاء الحسن والحسين فأخذ النبي يقبلهما، فجاء رجل وقال: أتقبلون أولادكم؟ إني عندي عشرة من الأولاد ما قبلت واحدا منهم. فقال له النبي: و كيف أفعل برجل نزع الله الرحمة من قلبه؟قال عليه الصلاة والسلام "من كانت له ثلاث بنات، فيؤدبهمن، ويرحمهن، ويكفلهن، وجبت له الجنه البتَّة". قلنا: وإن كانتا اثنتين. قال :وإن كانتا اثنتين. مواقف من الواقع في التعامل بالعاطفة:تروي إحدى الفتيات وتقول: أبي شيء غال عندي جدا، وأشعر بالضيق النفسي عندما أشعر أنه غاضب مني، فكنت كل يوم قبل ذهابي إلى العمل أكتب ورقة وأرسم فيها قلبا وأكتب اسمي واسمه وأقول له أُحبك يا أبي. أبي هو مفتاح حياتي في الدنيا.ويقول أحد الشباب: كنت أنا ووالدي رحمه الله تجمعنا صداقة قوية جدا، وكان يتناقش معي في كل صغيرة وكبيرة، وعلى الرغم من هذه الصداقة إلا أنه كان يعاقبني عندما كنت أفعل شيئا خطأً، ولكني ما غضبت منه لأنه عاقبني، وأحب أن أُوجه رساله للشباب: ستعرف مدى أهمية الوالد إذا قدر الله لك أن تفتقده، فكل شاب ينتهز فرصة وجود والده معه ويحتضنه ويصادقه.كثيرا ما أشعر أنني محتاج له في قراراتي، وكثيرا ما أحتاج للتحدث معه.وبفضل الله لا أنساه في دعائي أبدا. كلمه أخيرة:فلنبدأ بالعاطفة... وكيف نجدها؟اعبدوا الله سويا سيقذف الله تعالى في قلوبكم العاطفة، والحب والرحمة.

قديم 08-13-2010, 01:09 PM
المشاركة 14
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي الحلقة الرابعة
الحلقة الرابعة عشر : كيف توجه أبناءك 1
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. نكمل سويا "الجنة في بيوتنا"، هدف هذا البرنامج هو إعادة الدفء والحب في العلاقات داخل بيوتنا وأسرنا، ونمنع الجزر المنعزلة، فتعالوا نجمع العلاقات الأسرية مرة أخرى. تحدثنا في الحلقات السابقة عن علاقة الأزواج بالزوجات، ودور الآباء (لأب القدوة، الأب الصديق). واليوم نتحدث عن مفتاح جديد من مفاتيح التعامل، وقاعدة جديدة للتعامل تعيد حضن الأسرة. قاعدة اليوم خاصة بالآباء - سواء أب أو أم- وبين الشباب، بنات أو أولاد، وعنوان الحلقة: "كيف توجّه أبناءك" فيتساءل الكثير من الآباء والأمهات عن كيفية التعامل مع الأبناء، ويشكو الكثير من استهتار الأبناء وردودهم السخيفة إلى آخره. أساليب توجيه الآباء للأبناء في الطفولة:كيف نوجه أبناءنا؟ ما هي الطرق التي نوجه بها أبناءنا ؟ تعالوا نحصر هذه الطرق ثم نتحدث عن كيفية تعامل النبي صلى الله عليه وسلم والمبدأ الذي كان يتحرك به النبي في التعامل مع الشباب، ثم ننصح الآباء بالتعامل مثلما كان يتعامل النبي صلى الله عليه وسلم، ونتفق على طريقة تربية جديدة وطريقة معاملة جديدة. فحلقة اليوم عن طرق التوجيه، وكيفية توجيه الشباب.في البداية، نسأل كيف كانت طريقة توجيه الآباء للأطفال؟ هناك طرق شهيرة للتعامل والتوجيه أثناء الطفولة منها طريقة الأوامر المباشرة فتأمر ابنك أمرًا مباشر: كُلْ، اشرب، نَمْ. وهناك طريقة ثانية؛ وهي طريقة اللوم والعتاب بأن تقول: لا تفعل كذا. وهناك طريقة ثالثة وهي طريقة التهديد؛ فمثلا تنظر الأم لابنها نظرة حادة. فهذه كانت طرق التوجيه أثناء الطفولة ولكنهم الآن أصبحوا أكبر سنا وأصبح سنهم يتراوح ما بين الثانية عشرة والعشرين. هل يمكن أن نستخدم الطرق نفسها التي كنا نستخدمها أثناء الطفولة أم يجب أن نغيرها؟ الأساليب الخطأ في توجيه الآباء للأبناء عند الكبر:سأعرض ما يقوله الآباء والطرق التي يستخدمونها، وليس الهدف من ذلك أن نقول بأن طرق الآباء خطأ بل الهدف هو أن نتفق بأن نتحد ونمنع الجزر المنعزلة. الأسلوب الأول: اللوم والعتاب: فالأسلوب الأول الذي يستخدمه أغلب الآباء أسلوب اللوم والعتاب؛ فمثلا تقول أم لابنتها: تركتي الزيت على النار حتى احترق، فيمن تفكرين إذن؟ من يشغل بالك؟ كاد البيت أن يحترق، وعادةً ترد البنت وتقول: نعم كنت سارحة ولا مشكلة، وتراها ترد بردود سخيفة ومرفوضة من الآباء. الأسلوب الثاني: النصح الاستفزازي: يقول أب لابنه: إني أحذرك من هؤلاء الأصدقاء، لو خرجت معهم مرة ثانية سيحدث لك مصيبة، ولن أكون مسئولا عنك! فعادة يرد الابن ويقول: وماذا تعرف عن أصدقائي؟ الأسلوب الثالث: التهديد:إذا كان رأيك أن المذاكرة ليست مهمة فأنا رأيي أن المصروف ليس مهمًّا أيضا، فيقول الابن في نفسه: متى أخرج من هذا البيت؟ الأسلوب الرابع: الأوامر:أغلق التلفاز حالا وقم لتذاكر، فيرد الابن قائلا: لا. الأسلوب الخامس: المحاضرات:تجلس طويلاً لتعطي ابنك محاضرة طويلة بأن هذا الفعل خطأ بسبب كذا وكذا، وأننا عندما كنا في مثل عمرك لم نكن نفعل كذا. الأسلوب السادس: التحقير والاستهزاء:لقد نسيت أن تغلق السيارة إذن فأنت إنسان بلا مسؤولية. الأسلوب السابع: المقارنة:تقول أم لابنتها: أختك أفضل منك ولهذا السبب يحبها الناس، لأنها تعامل الآخرين بطريقة جيدة. فالطرق التي نوجه بها أبناءنا غالبا ما تكون في شكل من هذه النقاط السبعة. أحيانا تهديد، وأحيانا لوم وعتاب، وأحيانا نصح ولكن باستفزاز، أحيانا أوامر مباشرة، أحيانا استهزاء وأحيانا مقارنة.ولكن يجب أن نُذكّر الشباب أنه مهما فعل الآباء فإن بر الوالدين فرض، وأحيانا دمعة أم غاضبة منك تكون أشد عند الله من ذنوب سنة، وأحيانا احمرار وجه أب من غضبه تكون أشد عند الله من مئات الذنوب، واعلم أنه إذا مات الأب أو الأم أو أنت، وهما غاضب عليك فأنت في مصيبة شديدة، فمهما كانت الطرق التي يستخدمها الآباء مع الأبناء فليس هناك أي مبرر بالرد عليهم، فقد قال الله تعالى "... فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا ..." (الإسراء23)، فأنت مأمور بالبر من الله سبحانه وتعالى. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يضع طعامه وشرابه)، فقول الزور معناه الكلام السيئ، فلذلك لا يصح التعامل بهذه اللهجة مع أبوك وأمك. الطريقة الصحيحة في توجيه الآباء للأبناء:نريد أن نقول للآباء أن هذه ليست الأساليب الصحيحة في التوجيه، ثمة طريقة أفضل من هذه الأساليب السبعة؛ وهي الطريقة النبوية التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الشباب، ألا وهو المبدأ هو الاحترام والتقدير للشباب؛ أنت محترم، أنت مُقدّر، أنت غالٍ، فأنا أتعامل معك على أنك كبير وأنك رجل، حتى وإن وصل إلى أسوأ درجات إدمان المخدرات لابد أن تستمر في معاملته باحترام. بداخل الإنسان إنزيمات وهرمونات تجعله يريد أن يشعر أنه محترم حتى تفرز إنزيمات الاحترام بشكل طبيعي وبطريقة غير مكبوتة، فهناك مثل سوري يقول: (كبّره يكبر.. صغّره يصغر). مثال للاحترام بين الأبناء والآباء: لو استخدمت هذا المبدأ وهو الاحترام مع ابنك سيشعر بذلك جيدا وستنهض الأمة. ثمة مدرسة الآن تسير بهذا المبدأ أي الاحترام والتقدير، حيث تقوم بتطبيقه على شبابها، فالأمل هو نهضة أمتنا من خلال أناس تسير على هذا المبدأ. يقول فتى إنه كان يجلس مع أصدقائه فدخلت أمه وتحدثت معه، فرد عليها بصوت عالٍ، فقدرته ولم تحرجه أمام أصدقائه وانتظرت بعد أن غادر أصدقائه، وقالت له: لا تفعل هذا مرة أخرى، فيقول الفتى إنه احترمها كثيرا؛ لأنها قدرته، ولم تحرجه أمام أصدقائه. فمن هنا نلاحظ أن هذا الولد شعر بالذنب أكثر من أن لو عاتبته أمه أمام أصدقائه. أسلوب النبي في التعامل مع الشباب:فمبدأ الاحترام والتقدير هو مبدأ من مبادئ النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يوجد أي حديث للنبي يتعامل به مع الأساليب السبعة السابقة التي ذكرناها. من أمثلة ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما وسط كبار الصحابة كأبو بكر وسعد بن أبي وقاص، ومعاذ بن جبل، وأبو عبيدة بن الجراح، وكان الطقس حارًّا والجميع عطشان، فطلب النبي الماء فجاء إناء وكان يجلس بجانب النبي الأيمن طفل صغير يبلغ من العمر عشر سنوات فمسك النبي الإناء وقال للطفل: أتأذن لي أن أبدأ بالكبار؟ فقال الطفل: لا، لماذا؟ لا أؤثر بنصيبي منك أحدا، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكبار وقال لهم: هذا حقه فأبدأ به: اشرب يا غلام.عندما أمر الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة، جمع النبي أبو لهب، والعباس وصفية، وجميع عائلته، وقال لهم: والله لو ضللت الناس ما ضللتكم، ولو كذبت الناس ما كذبتكم، إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، إني رسول الله إليكم: من يبايعني على الإسلام؟ فما قام أحد، فقام ولد يبلغ من العمر سبع سنوات - وهو علي بن أبي طالب- وقال له: أنا أبايعك على الإسلام، فضحكوا، ولكن انظر إلى النبي وهو يقول له: نعم امدد يدك أبايعك، فسكت الناس فتقدم علي بن أبي طالب ووضع يده في يد النبي، فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم. فذاك هو علي بن أبي طالب الذي فتح الله على يديه خيبر، وأصبح أمير المؤمنين، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مني بمنزلة هارون لموسى. لماذا؟ لأنه رجل، ولأنه تربى على الاحترام. ولذلك إذا نظرنا لطالب يحب مُدرسه، أو مدربه سنرى أنه يحبه؛ لأنه يحترمه ويقدره ويشعره بقيمته، ومن هنا تحدث نهضة الأمة. المثال الثالث: تعامل النبي صلى الله عليه وسلم باحترام حتى مع البنات؛ فكانت تأتي الجارية أي البنت الصغيرة التي تبلغ من العمر تسع سنوات تأخذ بيد النبي إلى السوق ليشتري لها ما يشاء، فما كان ليتركها النبي صلى الله عليه وسلم حتى تنتهي. المثال الرابع لتقدير واحترام النبي صلى الله عليه وسلم للشباب يحكيه لنا شاب اسمه أبو رفاعة العدوي، يقول: لم أكن مسلما، فذهبت إلى المدينة لأتعرف على الإسلام فوجد النبي يخطب على المنبر، فقلت: يا محمد، فنظر في وجهي فعرف أني جاد فنزل من على المنبر وتقدم بين الناس حتى أتاني وقال: آتوني بكرسي، فأتيناه بكرسي، فجلس أمامي يعلمني بصوت مرتفع، والناس تسمع، فظل يعلمني حتى قال لي: أفهمت؟ فقلت: نعم يا رسول الله، فقام وعاد إلى المنبر يكمل خطبته. يقول أحد الصحابة: كنت شابا جلدا فجاء النبي في الحج على ناقته، والناس تتزاحم عليه بينما يمنع أبو بكر وعمر وعلي الناس لتمر الناقة فتزاحمت عليهم، فرآني النبي صلى الله عليه وسلم فوجدني من الشباب، فقال دعوه: فجئت وأخذت بناقة النبي صلى الله عليه وسلم أقودها والنبي الله عليه وسلم يميل ليربت على كتفي. أنت محترم، ومقدر، ولك قيمة. لا يوجد إنسان لا يحتاج للتقدير، ولو كان يشرب المخدرات فعليك أن تعطيه الاحترام، فصوتك سيكون أعلى وستنتصر على هذه الأزمة. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يختار شبابا صغيرا لعمل قضايا كبرى، فالذي حمل الزاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة هي أسماء بنت أبي بكر، فقد أعطاها النبي صلى الله عليه وسلم سرًّا خطيرا كهذا، وهي تبلغ من العمر واحد وعشرون عاما فقط، فمن احترامه أن يحملهم أسرارا ومهاما كبرى. أيضا أسامة بن زيد حيث كان عمره ستة عشر عاما، وقد عُيّن قائدا للجيش، وكان في هذا الجيش أبو بكر وعمر، فقال الناس: أتجعله قائدا على جيش فيه أبو بكر وعمر، فقال لهم: إنه لخليق بها. فعملية تعيين أسامة بن زيد لم تكن سهلة، ولكن النبي أصر على تعيينه وأعطاه الثقة، وكأن تعيين أسامة بن زيد قائدا للجيش رسالة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى كل شاب يقول له فيها: أنت في عيني محترم و أهل للثقة، ورسالة لكل أب وأم لتكليف أبناءهما بمهام؛ كي يشعرون أنهم أصبحوا على قدر المسؤولية، فيجب أن نُشعر الابن بأنه محترم، فالاحترام مبدأ.

قديم 08-13-2010, 01:10 PM
المشاركة 15
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي الحلقة الرابعة
الحلقة الخامسة عشر : كيف توجه أبناءك 2
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلاً بكم، ونعيش مع حلقة جديدة من الجنة في بيوتنا، ولكن بدايةً نحن في شهر رمضان، شهر القرب والإقبال على الله، ومثل رمضان مثل من يقوم بإيداع مبالغ كبيرة في البنك فيصبح لديه رصيد كبير، ونحن نملأ رصيدنا عند الله عزّ وجل حسنات وعبادة وقرب من الله، وقيام، ودعاء، وعمل صالح، فرمضان يعطينا رصيد سنة كاملة. ولابد من الحرص على إعلاء هذا الرصيد الذي سيُسحب منه كثيراً بعد انتهاء هذا الشهر، فاعبدوا، واجتهدوا وأكثروا من الحسنات، هذه مقدمة كان لابد منها. حلقة اليوم استكمال لحلقة الأمس: كيف توجه أبناءك، وكنا قد تحدثنا عن أنه لدينا مبدأ وقاعدة للتآلف الأسري في توجيه الأبناء، ومبدأ تربوي خطير وهام اسمه الاحترام والتقدير. قبل الدخول في حلقة اليوم لابد أن نلخص ما جاء في حلقة الأمس، ونعيش مع مزيد من مبدأ الاحترام والتقدير.نريد أن نعيد مبدأ التواصل والاحترام بيننا وبين أبنائنا، وقد ذكرنا أن هناك طرقاً لا نوافق عليها ولابد من تغييرها: التهديد أو السخرية، أو الأوامر، أو المقارنة بالغير، كلها طرق كنا قد اعتدنا عليها منذ فترة طويلة ولكن لم تأت بأية نتيجة فلابد أن تتغير. فاقترحنا عليكم مبدأ فعله النبي صلى الله عليه وسلم ألا وهو مبدأ الاحترام والتقدير، وليس معناه التدليل و الرضوخ لطلباتهم من شراء سيارة مثلاً، أو أي أمر آخر، وإنما المقصود هو الإصغاء لآرائهم، وإشراكهم ومشاورتهم في أية مسألة والأخذ بآرائهم، مبدأ "أن لا أعرض أبنائي) للإهانة أمام الآخرين. قديماً في المدارس، كان الأب إذا أخطأ ابنه جاء إلى المدرسة وقام بضربه أمام أصحابه وأستاذه، والأب فعل ذلك من باب أنه يربي ابنه، هذا أسلوب خاطئ جداً، وأنت إن أردت توبيخ ابنك أو ضربه فليكن ذلك بمفرده وبعيداً عن أي أحد، ولقد حذر علماء النفس من هذا التصرف ولو كان طفلاً في الخامسة من عمره أو أكثر. لابد أن نغرس فيهم شعور احترامهم وتقديرهم، والنتيجة لا بد أن تكون محبة الأبناء لآبائهم واستجابتهم لهم.سنعرض نماذج للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يمارس هذا الاحترام والتقدير، وكيف كان ينفذه عند الأخطاء، وما هي طرق التوجيه التي كان يتخذها؟ لكن لابد أن نعلم أن هذه الطرق ربما ليست كلها تتناسب مع ابنك، وأنت أدرى الناس بما يناسبه، ويختلف تطبيقها بين شخص وآخر. 1- جرب بنفسك:من طرق التوجيه عند النبي صلى الله عليه وسلم طريق: جرب بنفسك. فالشاب في مرحلة المراهقة يريد أن يجرب أو يستكشف كل شيء حوله، وبالطبع الأب لابد أن يتدخل هنا بحكم خبرته وأن ينصح ابنه. ومتى تستخدم طريق جرب بنفسك؟ عندما يكون الضرر محسوباً وتحت السيطرة، فلنرى كيف استخدم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الطريقة:يحكي أحد الشباب: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في معركة الطائف، وبعد محاصرة الطائف واستمرار الحصار لمدة زادت عن خمسة عشر يوماً دون أن يدخلوها، وأهل الطائف كانوا يرمون المسلمين بالنبال- وكانت المسافة التي يبتعد بها المسلمون عن الحصن كبيرة، فكانت النبال لا تقتل ولكن تجرح فقط - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني مرتحل غداً" فقام الشباب بحماستهم المعهودة يقولون: كيف نتركهم يارسول الله؟ كيف نغادر؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اغدوا على القتال غداً". فذهبوا اليوم التالي إلى القتال، فأصابهم النبال فعادوا بجروح، فنظر إليهم النبي وقال: "إني مرتحل غداً" قالوا: نعم يا رسول الله! يقولون: فسمعنا صوت ضحك النبي صلى الله عليه وسلم. أيضاً استخدم النبي طريقة "جرب بنفسك" بشكل آخر: بينما نمر مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بغلام يسلخ شاه، ولكنه يجد صعوبة في ذلك، فهممنا أن ندخل ونقول للفتى كيفية ذلك، فأشار إلينا النبي ألا نفعل، يقولون: فظل يحاول حتى ظهرت عليه الحيرة، فقال النبي: "يا غلام دعني أريك كيف تسلخ الشاه، فأدخل النبي يده بين الجلد واللحم ينظر للغلام ويقول: "هكذا تفعل". فالنبي صلى عليه وسلم ترك الفتى يجرب بنفسه ثم أراه كيف يقوم بسلخ الشاه. 2- عالج الخطأ بنفسك ثم وَجّه:بينما نحن جلوس في المسجد دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم، فاتجه إلى القبلة فوجد نخامة في القبلة إفرازات الأنف)_ لا ننسى أن الإسلام كان يعالج أناساً لم يكن استيعاب الذوقيات شيئاً كبيراً في حياتهم_ فقام النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكلمنا يبحث عن عود خشب، فأخذ عود الخشب وذهب إلى القبلة، وظل يزيل النخامة بعود الخشب ونحن ننظر، ثم أخذها ووضعها في التراب وواراها في التراب، ولم يكلمنا حتى وضعنا رؤوسنا في الأرض، ثم قال لنا: "أيكم يأتيني بعطر"، فقام غلام منا مسرعاً إلى أهله _ يريد أن يكفر عن خطئه_ فأتاه بعطر، فظل النبي صلى الله عليه وسلم يضع العطر على المكان في القبلة، ويضعها بيده حتى رضي عن المكان _ وإلى يومنا هذا تطيب المساجد، والحجر الأسود، والكعبة بالعطور منذ تلك الحادثة. ثم التفت إلينا وقال لنا: "أيكم يحب أن يُعرض الله عنه؟ فلم نتكلم، ولم نرد، فأعاد السؤال: "أيكم يحب أن يُعرض الله عنه؟"، فلم نرد، فأعاد السؤال. قلنا: لا أحد يا رسول الله، قال: "فإن أحدكم إذا أقبل على الصلاة فإن الله يقبل عليه بينه وبين القبلة، فإذا أقبل أحدكم على صلاته فلا يبصق في قبلته، فقلنا: والله لا نفعلها بعد الآن يا رسول الله. فالنبي صلى الله عليه وسلم اتبع أسلوب الشدة، ولكن بطريقة جعلتهم ينصتون إليه ويلومون أنفسهم.لماذا نعتقد أن أبناءنا أغبياء؟ وأساليبنا معهم: النصح، الاستهزاء، اللوم، العتاب، التهديد، الأوامر، التحقير والمقارنة. لماذا لا نتعلم من أسلوب النبي في معالجة الخطأ!3- التوجيه بالمشاركة:لا بد من إيجاد منطقة مشتركة بينك وبين ابنك. عن عمر بن شريد عن أبيه (الحديث في صحيح مسلم): كنت شاباً أحفظ من الشعر الكثير يلهيني أحياناً، فلقيني الرسول في الطريق، وعُرف عني ذلك، فقال لي: "أتحب أن تركب خلفي"، فركبت خلف النبي، فقال لي: "أتحفظ شيئاً من شعر أمية بن الصلت" _ اختار النبي شعر أمية بن الصلت لأن شعره كان جيداً، قلت: نعم يا رسول الله. فقال: "أنشدني بيتاً" فأنشدته بيتاً، فقال: "هيه" وكررها النبي، حتى أنشدت له مائة بيت. فقال لي النبي: كاد أمية ابن أبي الصلت أن يكون مسلماً، ثم قرأ عليّ: "َالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ" (الشعراء:224) "أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ" (الشعراء:225) "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..." (الشعراء:227) يقول ففهمت أنه يقول لي:اسمع ولكن تخير.4- التوجيه باستغلال الموهبة:هناك شباب يعرف عنهم المشاكسة والرذالة، ولكن هل حاولنا أن نبحث عن مواهبهم؟ وهذه المشاكسة أو الرذالة جاءت نتيجة طاقة لم يحسن توجيهها، وهذا حال أغلب شبابنا، وهي من الأسباب التي تجعلهم يرتكبون أخطاءً كبيرة نتيجة عدم التوجيه الصحيح في استغلال مواهبهم بالطريقة الصحيحة.أمرالنبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة سيدنا بلال أن يؤذن بالمسلمين من فوق الكعبة، وكان هناك شاب يدعى أبو محذورة – اسمه الحقيقي سلمة بن معير – ويبلغ من العمر ستة عشر عاماً، يمتلك صوتاً عذباً، فبدأ يسخر من سيدنا بلال، ويقوم بإضحاك الناس عليه، حتى ارتفعت أصوات الضحك هذه ووصلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبلال يؤذن. فعلم النبي بأبي محذورة، فقال: "ائتوني به" يقول: فذُهب بي إليه، وأنا أعلم أنني مقتول. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بلغني أنك حسن الصوت" فنظرت، فقال لي: "هل أعلمك الآذان" فقلت: نعم، فأخذني والناس تنظر، يؤذن وأنا أقلد..يقول :أردد خلفه فيبتسم في وجهي أكثر، وظل يمسح على قلبي وعلى ناصيتي، يقول: فامتلأ قلبي إيماناً ويقيناً أنه رسول الله، فلما انتهيت قال: "تعلمت الآذان ؟" قلت نعم، قال لي: "أنت مؤذن أهل مكة". راوي هذه القصة أبو محذورة نفسه عندما أصبح في الأربعين من عمره، وكان مؤذن مكة منذ تلك الحادثة، يبكي ويقول: جعلني مؤذناً لأهل مكة وأنا كنت أستهزيء ببلال، وإلى اليوم أنا مؤذن أهل مكة بما فعله معي رسول الله صلى الله عليه وسلم. لو اتبعنا أساليب النبي صلى الله عليه وسلم لا بد أن تحدث نهضة على يد شباب هذه الأمة. 5- التوجيه بالتحفيز والمدح:شاب دخل المسجد، يقول: دخلت المسجد فأحدثت جلبة، والمصلون في ركوعهم، أراد أن يلحق الصلاة قبل أن تفوته، فأحدث جلبة في المسجد، وعند الانتهاء من الصلاة، قال له النبي: "زادك الله حرصاً ولا تُعِد". التوجيه بالتحفيز بالمدح: هناك حديث للنبي صلى الله عليه وسلم "احثوا في وجه المداحين التراب" ونحن قد فهمنا هذا الحديث خطأ، المقصود هنا بالمداحين المنافقين، لكن أن تحفز ابنك، والنبي قام بتحفيز أصحابه "خير رجالتنا سلمة بن الأكوع"، "أمين هذه الأمة عبيدة بن الجراح"، "لو سلك عمر بن الخطاب طريقاً لسلك الشيطان طريقاً آخر".التحفيز برفع بالروح المعنوية، عبد الله بن عمر بن الخطاب كان يصلى قيام الليل، وحدث أن ترك ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يحثه على قيام الليل، فيقول: "نعم العبد عبد الله بن عمر لو كان يقوم الليل"، فكان عبد الله بن عمر منذ ذلك اليوم لا يترك قيام الليل. 6- فتْح الحوار:فتْح الموضوع للمناقشة: فالنبي صلى الله عليه وسلم تعلم هذا الأمر من جده سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما قال لابنه: "يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى" (الصافات:102).جاء شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمام الصحابة، وقال: يا رسول الله، أريدك أن ترخص لي في الزنا، فهم الصحابة أن يفتكوا به، فقال النبي دعوه، فقال له: "أترضاه لأمك؟ قال لا، أترضاه لخالتك؟ قال: لا، أترضاه لعمتك؟ قال: لا، أترضاه لأختك؟ قال: لا. قال "كذلك الناس لا يرضون لأولادهم وخالاتهم وعماتهم وأمهاتهم مالا ترضاه أنت لأهلك". هذه ست طرق من أصل خمس عشرة طريقة للنبي صلى الله عليه وسلم في توجيه الأبناء، يجمعها محور واحد: الاحترام والتقدير. فتكون النتيجة أن يعلو صوتي على أصوات الفساد والانحراف وأصحاب السوء،لأن صوتي سيعطيك النغمة التي تريد سماعها، أنت تريد أن تكون محترماً، ونحن قد ذكرنا أن الأب هو الصديق، واليوم نضيف علي ذلك أن الاحترام والتقدير مبدءان لا غنى عنهما للآباء في التعامل مع أولادهم. إذا أردنا أن نملك قلوب أبنائنا، وأن نجنبهم الوقوع في الخطأ، لابد أن نركز على حلقة الأب الصديق، وهي من أهم الحلقات، ونضيف عليها ما نحن بصدده اليوم توجيههم بالاحترام والتقدير.فيا آباء وأمهات لنتوب، ونعقد النية على التوبة، وأن نوجه أبناءنا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون هذا على خطى الحبيب في الجانب الاجتماعي، كذلك دعوة لبناتنا وشبابنا: ساعدوا أباءكم وأمهاتكم على احترامكم وتقديركم، وبصداقتك لوالدك ستبدأ صفحة جديدة، وتجعلون أباءكم وأمهاتكم يحترمونكم عندما تبادرون باتخاذ هذه الخطوة، وهي التقرب منهم، صاحب والدك يحترمك. فدعوتي للأب: احترم ابنك، وللشباب: صاحب والدك.. تقرب منه، افتح له قلبك، شاوره، خذ برأيه، حتى يعلم أن خبرته لم تذهب سدى، فسيحترمك، وسيغير من أسلوبه معك، وبفطرته ستكون كبيراً في عينيه.

قديم 08-13-2010, 01:11 PM
المشاركة 16
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي الحلقة الرابعة
الحلقة السادسة عشر : العقوبة 1
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلاً بكم في حلقة اليوم، والتي تُعد استكمالاً للحلقتين السابقتين اللتين كانتا تتكلمان عن كيفية التعامل مع أبنائنا، و طريقة التوجيه الصحيحة، وهل الصحيح أن نتكلم بلغة العاطفة أولاً أم لغة العقل؟ وانتهينا إلى ثلاث قواعد أساسية للتربية: 1. الأب الصديق وكذلك الأم. 2. لغة العاطفة قبل لغة العقل. 3. الاحترام والتقدير. جاءتنا ردود سائلة عن العقاب. ماذا نفعل عندما يخطئ أولادنا؟ وهل لابد من معاقبتهم؟ لقد أفردنا حلقة كاملة للعقوبة، وهي حلقة اليوم. دعونا نبدأ بالاعتراف بوجود إفراط وإسراف في استخدام الآباء والأمهات للعقاب. وعندما أذكر العقوبة أقصد كل شئ من المنع من المصروف، إلى المنع من الخروج، إلى الحرمان من الأشياء التي يحبها أولادنا...الخ، ولا أتكلم عن الضرب لأنه مرفوض تماما،ً ولا يُعد وسيلة تربوية كما أثبت علم النفس، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، "ما ضرب رسول الله امرأة قط، وما ضرب رسول الله طفلاً قط". غالباً ما يلجأ الآباء للعقاب- رغم صحة نيته- لأنه وسيلة سهلة. ونعوذ بالله أن تفهمنا الناس أننا نقول أن الأبناء على حق والآباء ليسوا كذلك! بالعكس، فنحن أفردنا حلقتين للتحدث عن بر الوالدين، ونريد أن نربي أبناءنا على تقبيل يد الأب والأم وعلى احترامهما. هدف هذه الحلقة: العقوبة ليست وسيلة مناسبة، العقوبة ليست أول البدائل. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ما كان الرفق في شئ إلا زانه وما كان العنف في شئ إلا شانه" ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف". كان هدف النبي من هذا الحديث أن نبحث عن بدائل للتربية. وسر حديثنا عن هذا الموضوع في وسط الحلقات التي نتكلم فيها عن الأسرة كجزر منعزلة أن العقاب يؤدي لفقدان الرغبة عند الأبناء في التعامل مع الآباء. كما يعلمهم أن يفعلوا ما يريده الآباء أن يفعلوه أمامهم فقط ليظهروا بالمظهر الذي يريده الآباء لهم، ثم يفعلوا ما يحلو لهم في السر. وهكذا أصبحنا نعلمهم النفاق بهذا العقاب، فنزيد الموقف سوءاً لأننا أخذنا الحل الأسهل الذي لا يؤدي لتغيير السلوك وتقويمه. أريد أن أسألكم: هل العقاب هدف أم وسيلة؟ إذا كنت تعتبر العقاب هدفاً وتعاقب أبناءك دون سبب فهو حرام. وإذا كنت تعتبر العقاب وسيلة، فهل هو الوسيلة المؤدية لأفضل النتائج؟ وما هي الرسالة التي نوصلها للأبناء بالعقاب؟ المفاجأة هي أن ما نريد توصيله هو عكس ما يستقبله الأبناء تماماً! نحن نريد أن نوصل لهم إننا أباك وأمك نريد المصلحة لك، أنت غالي عندنا، وما تفعله يسئ لك، ولابد أن تصلح من سلوكك، ولهذا نعاقبك. أما ما يستقبله الأبناء فهو الحيرة "لماذا يقهرونني؟ لم يتحكمون فيَّ؟ هل أنا مكان يفرغون فيه مشاكلهم في العمل؟ سوف أعاند أكثر وأكثر وسأتزين أمامهم ليروني مثالاً جيداً ثم أفعل ما أريد دون أن يدروا" ويساعده الشيطان على التمرد مع تراكم هذه الرسائل. يكون الموقف أسوأ مع الضرب. أرجوكم لا تضربوا أبناءكم؛ الضرب يؤذي الشخصية ويعطي إحساساً للطفل بأن الأقوى هو الأقدر على السيطرة، ويستمر معه هذا الإحساس مع تقدم سنه، ولهذا نسمع عن ضابط بالشرطة يضرب شخصاً ضرباً مبرحاً، ولهذا نسمع ونرى العنف والتفجيرات، لابد من وجود مشاكل في بيوت وأسر هؤلاء الأشخاص متعلقة بالعنف. تعالوا نعود للقاعدة التي وضعها لنا النبي صلى الله عليه وسلم: " ما كان الرفق في شئ إلا زانه وما نُزع من شئ إلا شانه وإن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف". أحياناً نعاقب في وقت يكون استعمال العقوبة فيه غير سليم. § أحياناً نعاقب فنحرم أبناءنا الصغار من التعلم. الأطفال يريدون تعلم كل شئ فيلمسون هذا، ويتعلمون هذا، ويحطمون هذا، ويفككون هذا...فبمعاقبتنا لهم نحرمهم من التعلم والاكتشاف. قد يكون صوت الطفل مرتفعاً ويسبب لك إزعاجاً فتعاقبه، وقد يكون لديه موهبة في الإنشاد. قد تكون لعبة الطفل المفضلة هي اللعب بالورق وتشكيله وتحرمه منها وتكون ثمرتها كبت عبقرية هندسية لديه. أنا عندي وصفة تحرم الأبناء من جميع أشكال الإبداع: كلما حاول الطفل أن يفعل شيئاً سيتسبب في فوضى البيت عاقبيه! مبارك! ستحصلين على بيت مرتب جداً وابن لا يفقه شيئاً! § أحياناً يكون لدى أبنائنا خُلقاً نريد أن ننميه، وبالعقاب الخطأ نحرمه منه. تحكي أم عن اتفاق أبرمته مع زوجها على تنمية سلوك الإيجابية عند ابنهما ذي السنوات الخمس. ذات يوم والأب عائد من عمله، استقبله الابن" أبي، أنا ولد رائع!" فحكت له الأم ما حدث. أراد الولد "الإيجابي" مساعدة أمه في غسل الأطباق، ولكنه لم يكن كبيراً بالقدر الكافي ليصل إلى الصنبور، ففتح الثلاجة ليأتي بالماء لغسل الأطباق فسكب المياه كلها! ماذا ستفعلين لو كنت في هذا الموقف؟ تحكي الأم أنها قالت للولد: الأم: لماذا فعلت هذا؟ الابن: أردت أن أساعدك في غسل الأطباق. (هذه هي الإيجابية وهو سلوك رائع لا يمكن قتله) الأم: ولماذا جئت بالمياه من الثلاجة؟ الابن: لأنني لم أتمكن من الوصول للصنبور. الأم: أرأيت ما حدث؟ الابن:نعم. الأم: وماذا علينا أن نفعل؟ الابن: في المرة القادمة سأحمل الأطباق إلى الحمام لأغسلها هناك! الأم: ألا أدلك على خير من ذلك؟ في المرة القادمة التي تريد أن تساعدني، قل لي لكي آتي لك بكرسي تقف عليه فتستطيع الوصول إلى الصنبور. الابن: هذا ما سأفعله في المرة القادمة.الأم: وماذا سنفعل الآن؟الابن: سآتي بمنشفة لأجفف المياه. الأم: وأنا سأساعدك.لم تبذل الأم مجهوداً في الانفعال وتوبيخ الطفل بل استخدمت وقتها ومجهودها في إنتاج سلوك صحيح عند الطفل؛ فعندما عاد الأب من عمله وجد الابن منتعشاً. § أحياناً نعاقب لأن هذا هو الطريق السهل دون الوصول إلى أصل المشكلة. دعوني أقص عليكم قصة عمر بن أبي سَلَمة، أبي سَلَمة الذي استشهد ثم تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من أرملته أم سَلَمة. يحكي عمر:" كنت غلاماً في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت يدي تطيش في صحفة الأكل، فأخذني النبي صلى الله عليه وسلم في حجره وقال: يا غلام، إذا أكلت فسمِ الله، وكل بيمينك وكل مما يليك." لو كنت أنت زوج الأم، وابن زوجتك يأكل بطريقة غير لائقة على الإطلاق، ماذا كنت ستفعل؟ كنت ستعاقبه بالحرمان من الأكل مثلاً أو اللعب، لأن العقاب سهل. ولكن النبي لم يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم. تصرف النبي صلى الله عليه وسلم جعل الولد يتذكر هذه الحادثة رغم حداثة عمره الذي لم يتعد الست سنوات حينئذ، فظل متذكراً لها حتى روى لنا هذا الحديث! العقاب هنا سيكون خطأ لأن الأمر ليس مجرد أن الولد كان يأكل بطريقة غير لائقة، النبي صلى الله عليه وسلم توصل إلى جذر المشكلة وهي أن الغلام يتيم، وبدأت تظهر عنده صفة الجشع نتيجة إحساسه بفقدان أبوه الذي يعتمد عليه، فيريد أن يأخذ كل شئ لأنه وحيد. النبي صلى الله عليه وسلم فقه هذا ولهذا لم يعاقبه، بل ذكره بالله سبحانه وتعالى. § أحياناً نعاقب أولادنا انتقاماً لأنفسنا. تحكي أم أنها ابتاعت بيتاً جديداً ودعت صديقاتها لتريهم البيت. فظلت تنظف البيت لمدة يومين وخصوصاً غرفة طفلتها ذات الأعوام الثلاثة، كما جعلتها تنام لكي يصل لصديقاتها مدى رفعة البيت وجمال هيئته! قبيل وصول صديقات الأم، دخلت الأم غرفة البنت فوجدتها وقد فرشت أرضية الغرفة باللعب وتلعب بها وأفقدت الغرفة كل ما كان من ترتيب وتنظيم! فعاقبتها عقاباً شديداً جعل الابنة تبكي دون أن تعرف ذنبها. ما حدث هنا هو أن الأم أرادت حسن المنظر أمام صديقاتها بينما الابنة لم تخطئ. نستخلص من هذه الأمثلة أننا أحياناً نعاقب أولادنا دون سبب، أو نعاقبهم حينما لا يكون العقاب هو الوسيلة السليمة لتقويم السلوك ويكون إيذاءً قد لا ينسوه طيلة حياتهم، ولابد أن نكون حلماء وخصوصاً مع أولادنا وبناتنا. يوصينا النبي صلى الله عليه وسلم:" ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب." فالأولى أن نستخدم هذا الحديث مع أبنائنا. يقول الله تعالى:"...ولَوْ كُنتَ فَظاً غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ..." (آل عمران: 159)، نحن دائماً نفكر في هذه الآية كوصية من الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة، ولم لا تكون لنا في التعامل مع أولادنا باللين والرحمة حتى لا ينفضوا من حولنا؟! قد يبرر بعض الآباء كثرة عقابهم لأبنائهم لصعوبة زماننا، وأنه لابد من معاقبتهم لكي يصبحوا أشداء قادرين على تحمل الصعوبات. أرد على هؤلاء بهذه الآية وإنهم سينفضون من حولنا بمجرد إحساسهم بقدرتهم على الاعتماد على أنفسهم، وسيكون هذا الوقت هو أشد وقت تحتاج أنت فيه إليهم. § الأسوأ من كل ما سبق أننا قد نعاقب دون أن ندري: فقد يكون لديك طفلان أحدهما يحسن التصرف عكس الآخر. فتظل تعامل الأول بطريقة تختلف عن معاملتك للآخر، وتتوقف عن العدل بينهما تحت شعار التربية. حذار من هذه الطريقة! جاء للنبي صلى الله عليه وسلم رجل يشهده على أشياء سيعطيها لابنه. فقال له النبي: ألك أولاد؟ قال: نعم. قال: أأعطيتهم مثل ما أعطيته؟ قال: لا. قال: فأشهد على ذلك غيري". حذار من عدم العدل بين الأبناء في كل صغيرة وكبيرة، فهذه الأشياء لا ينساها الأطفال طيلة حياتهم، وقد تفرق بينهم وتزرع بينهم الحقد والكراهية حتى بعد مماتك بأعوام مديدة. بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في بيت ابنته فاطمة وعليّ رضي الله عنهما وأولادهما الحسن والحسين في الفراش، وإذا بالحسن يستيقظ فطلب السقاء، فقام سيدنا عليّ والسيدة فاطمة لإعطائه الماء، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: دعوني أنا أسقيه. فبينما النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق لسقاية الحسن وثب الحسين فسبق الحسن يريد الماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا. حتى أعطي أخاك أولاً، فإنه طلب أولاً". أترون إلى أي مدى يكون العدل؟ من طلب أولاً يأخذ أولاً أو نستأذنه. نحن لا نُقدّر ما نفعله في أولادنا بالعقاب. قد يحتاجون إلى العقاب ولكنني أؤكد أنه ليس الحل الأمثل، وهناك العديد من الحلول الأخرى التي يجب أن تسبق العقاب. يأتي الابن يوم القيامة فيقول لله تبارك وتعالى: يا رب خذ لي حقي من أبي، تركني أفعل كذا وكذا، (حديث صحيح). حجة الابن أن الأب أخذ الطريق الأسهل وهو العقاب فلم يدري ما هي مشاكل ابنه، ولم يعالجها. "بدلاً من أن يعالج مشاكلي، فرغ كل مشاكله الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في عقابي لأنه لا يستطيع أن يفعل ذلك مع مديره!" صدقوني حينما أقول لكم أن ما قلناه في الحلقات السابقة هو الحل الأمثل: 1. الأب الصديق. 2. استخدام لغة العاطفة قبل لغة العقل. 3. الاحترام والتقدير. اسمعوا كلام المعلم الأعظم صلى الله عليه وسلم: " ما كان الرفق في شئ إلا زانه، وما نُزع من شئ إلا شانه". كفانا عنفاً في بيوتنا، وأوصيكم بعدم الضرب خاصةً مع البنات، فالبنت هي فاكهة بيتك، وهي مربية أولادها، وهي جدة أحفادها فهي تبني بنياناً من ثلاثة طوابق. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من كان عنده ثلاث بنات فيكرمهن ويؤدبهن ويرحمهن كنَّ له ستراً من النار. قالوا: وإن كانتا اثنتين؟ قال: وإن كانتا اثنتين". كفانا عقاباً وتعالوا نستخدم البدائل

 

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الجنة في بيوتنا / حلقات للأستاذ عمرو خالد
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مع مصطفى محمود .. فى حلقات سرالختم ميرغنى منبر مختارات من الشتات. 0 07-29-2020 08:27 AM
البلاغة -----------حلقات متتابعة محمد محمد أبو كشك منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 6 10-24-2014 08:01 PM
عزاء للأستاذ علي الغنامي مراسل المقهى 12 06-26-2012 02:12 AM
تعازينا الحارة للأستاذ أحمد القلعاوي ريم بدر الدين المقهى 24 04-27-2012 12:59 PM

الساعة الآن 03:14 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.