احصائيات

الردود
7

المشاهدات
13803
 
غادة قويدر
أديـبة وشـاعرة سـوريـة

اوسمتي


غادة قويدر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
733

+التقييم
0.14

تاريخ التسجيل
May 2010

الاقامة
Syria

رقم العضوية
9194
01-22-2020, 07:20 PM
المشاركة 1
01-22-2020, 07:20 PM
المشاركة 1
افتراضي بحث الرثاء في شعر الخنساء بقلم أ.غادة قويدر


الرثاء في شعر الخنساء
Lamentations in AL kansaa' Poetry
كتابة واعداد أ.غادة صالح قويدر


الفصل الأول
المقدمـــــــــــــة :
يعتبر الرثاء من أهمّ الأغراض الشعريّة في الشعر العربي القديم ، فهو كالمدح إلّا أنّ هناك قرائن تدلّ على أنّه في الميّت أو القتيل،بعبارة أخرى أنّ الرثاء هو موطن العاطفة الحزينة يصف فيه الشاعر الجاهلي المرثي بجميع الصفات التي يصف بها الممدوح. ولا شكّ أنّ العاطفة عندما كان الرثاء في الأقرباء أصدق منها في غيرهم. فلذلك نجد الشاعر يباشر بالرثاء عند رثاء الأقرباء دون أن ينهج المنهج المعروف للقصيدة الجاهلية،فيرثي دون أن يقف على الأطلال ويصفها، ودون أن يبكي أو يستبكي لسيطرة العاطفة الحزينة عليه. وهو في رثائه يستخدم الأساليب المختلفة من استفهام واستثناء ونداء وما إلى ذلك للتقرير أو التهديد أو الحسرة أو التعظيم للمرثي.
يعرّف الرِّثاء لُغةً البُكاء على المَيت وتعداد مناقبه ومآثره واستذكاره ومَدحُهُ ، فيقال رثى فلان فلانا رثاءً وتسمى القصيدة في الرثاء مرثية ، يعني بكاه بعد موته شعورا ومشاعرا وأجزل في مدحه ونظم فيه شعرا وعدد محاسنه ،
وأمّا معناه في الاصطلاح ،فيقول قدامه بن جعفر: ليس بين المَراثي والنّعتِ فرقٌ إلّا أن يذكر في اللفظ ما یَدلّ علی أنّه لِهالكٍ مثلُ «كان وتولى وقَضَى وما أشبه ذلك »، وهذا ليس يزيد في المعنى ولا ينقص منه. وقد يسلك ُ في التأبين مسالك آخَر يدلُّ علی الرَّثاء، كأن يقول : ذهب الجودُ، أومَن للجود بعده؟وما أشبه ذلک ولما الرّثاءُ في الأصل ناشئاً مِن الحُزن والأسف، أضاف ابنُ رشیق علی تفسیر القدامى للرّثاء، وقال: وسبیل الرّثاء أن یکون ظاهرَ لتفجع بَیِّنَ الحَسرَة،مخلوطاً بالتّلهّف والأسف والاستعظام .
وهناك كلمتين كثيرا ما تُستعملان في معنی الرّثاء فَیَبدو أنّه لافرقَ بینهما، فهاتانِ الکلمتان هما النّدبُ والتّأبین . فهذا "قدامه" كما سبق آنفاً استعمل التأبین في معنی الرّثاء.لکن إذا أمعَنّا النَّظَر َفي معناهما وجدنا اختلافاً یسیراً بینهما.فالتأبینُ هو الثّناءُ علی الشّخص بعد موته،والنّدب بكاء الميت وتعدّد محاسنه، والرّثاء أعمّ منهما. الرثاء هو تعداد خصال الميت بما كان يتصف به من صفات كالكرم والشجاعة والعفة والعدل والعقل. والرثاء هو التفجّع على الميت والتأسّي والتعزّي. وقِوامُ القصيدة الرثائية بنيةٌ تتألف ـ في الأغلب الأعمّ ـ من عناصر أربعة ترد متراتبة على النحو التالي: العنصر الأوّل وبه يتمّ الاستهلال وهو حتمية الموت ويليه العنصر الثاني وهو التفجّع ومن معانيه تحديد أسباب الفاجعة(كيف حصل موت المرثيّ)وزمانها ومكانها ثم إبراز تأثير الفاجعة في أهل المرثي وفي الراثي الشاعر ثم العنصر الثالث وهو التأبين ويكون بتعداد خصال الميت وترد مختلفة باختلاف سنّ المرثي فإن كان شابا أو كهلا تُرصد معاني تأبين مخصوصة قائمة على الشجاعة والعفة والعدل والعقل والكرم وإن كان طفلا فإنّ المعاني تأتي ضامرة، ورمزية، مدارها على البراءة والطهر والغضاضة والنضارة وإن كان شيخا فإن التأبين سينهض على معاني الوقار والتوبة والورع...وإن كان امرأة فله معان تخصّ محاسن النساء الخَلقية والخُلقية وأمّا العنصر الرابع والأخير فيتضمّن التأسّي والتعزّي.
ويعتبر العصر الجاهلي من أغنى العصور الأدبية عند العرب شعراً. فله أثر كبير في هيكلية الشعر في العصور التالية له شكلاً ومضموناً. أمّا من حيث الشكل فنسج للشعر العربي نسيجاً شكلياً خاصاً فرض نفسه على عاطفة الشاعر العربي طوال القرون المتمادية وشكّلت فيه ذائقة شعرية رافضة لغيرها من أشكال البيان العاطفي. فاحتبس الشاعر الجاهلي في ذائقته المفروضة عليه.فلم يستطع الخروج عليها فأصبح الشكل ميزاناً لتمييز جيّد الشعر من رديئه و قبيحه. ثمّ أتى فيما بعد جيل من الدارسين بينهم خليل بن أحمد الفراهيدي كشف الأوزان العروضيّة التي عرفت فيما بعد بالأوزان الفراهيدي فالأبيات بموسيقاها الخاصة تتصل بعضها بالبعض بموسيقى أخرى جانبية تشكّلـها القافية التي تتميز بها كل قصيدة من أخرى بل تسمّى كلّ قصيدة بحرفها الأخيرة.إما من حيث المضمون فكان الشاعر الجاهلي يبدأ قصيدته بذكر الحبيب ومنزله ووصف آثاره وصفاً دقيقاً،ثمّ يخلص إلى وصف ناقته التي تنجيه من أحزانه وآلامه. فيصورها للقارئ أرجلها وأيديها وضمور بطنها وصلابة فقراتها واستطالة وجهها وكثرة أسفارها. ثمّ يعرض غرضه الرئيس في القصيدة.
والشاعر كما قيل هو لسان قومه وقبيلته يوذّع مناقبها يدافع حريمها مادحاً أبطالها يهجو أعداءها يرثي موتاها وقتلاها يفخر بمناقبها، فيرفع شأن من يريد ويخفض بمنزلة من يعارضه.كما أنّه هو الذي يشجّع الأبطال للقتال ويقوّيهم بأبياته ويهزم الأعداء بتمزيق شوكتهم.فهوراية القبيلة وسيفها القاطع.
والرثاء هي من الأغراض الرئيسة التي تناولها الشاعر الجاهلي. فهو عند الرثاء إمّا يبدأ القصيدة بمنهـج الجاهلي المعروف وإمّا يباشر فيها بالرثاء لطغيان عواطفه وتسليمه أمام مشاعره دون مراعاة للأسلوب السائد على القصيدة آنذاك.
والشّاعر الجاهلي كأن يتّبع في رثائه المنهج الشعري الجاهلي المعروف أحياناً ويدخل في الرّثاء مباشرة أحيانا أخری.ففي إتباعه المنهج الشعري الجاهلي كأن يقف علی الأطلال وبقايا منزل الحبيب. فيبكي وسائل الأشياء عن حبيبه. ثمَّ لكي ينسى ألمه ينتقل إلى الصّحراء بالركوب على جمل قويّ سريع يشبه حمار الوحش. فيصف ما تقع عليه عيناه. ثمّ يدخل في الرّثاء. .
إذن دراسة الرثاء كغرض من الأغراض الأصلية للشعر الجاهلي هي دراسة توضّح البيئة الجاهلية وتبيّن منهج الشاعر وتبرز أنواع الرثاء والمرثيين والصفات ممدوحة بها . ونحن في هذا المجال ندرس هذا الغرض دراسة إجمالية يشمل عدداً من القصائد والتي قيلت في مناسبات عدة من قبل الخنساء الشاعرة وفي مراحل زمنية متعددة تبرز فيها شخصيتها الشعرية في هذا المضمار الأدبي المعروف والذي أغنت به المكتبات العربية والتاريخ العربي .
والغالب أنّه كان يدخل الرّثاء مباشرة لحزنه الشّديد وللمتموجات العاطفيّة الحادّة في نفسه ممّا كانت تضيق عليه المجال على متابعة المنهج المعروف. فتجري الكلمات في مجرى عاطفي حزين فيستهلّ رثاءه بما يظهر من حزنه، فيزيده ذكر المرثي حزناً على حزنه ودموعاً على دموعه، فتطول له الليالي، فيصرخ الشاعر بتفجعه .
وللقدماء نهج سائد في مراثيهم ، فمن عادتهم مثلا أن يضربوا الأمثال في المراثي بالأسود الغادرة ،والنسور والعقبان ، والحيات ، لبأسها وطول أعمارها ، وذلك في أشعارهم كثير موجود ولا يكاد يخلو منه شعر .
-الخنساء اسمها ونسبها ونشأتها :

هي تماضر بنت عمرو بن الحرث بن الشريد بن السلمي,واحدة من ابرز شاعرات العرب منذ العصر الجاهلي وحى الساعة ولدت سنة 575 للميلاد،ولم يسجل ميلادها فلم تكن هناك وثائق تسجل مثل هذه الأحداث ولم يكن هناك من يتنبأ لها بالذيوع والشهرة حتى يهتم باليوم الذي ولدت فيه تماضر .وقد حاول الكثيرون من الباحثين المعاصرين تحديد يوم مولدها فمنهم من رأى لها يوم ولادة ارتاح له ومنهم من اثر نهج الأقدمين بالتقدير تحرجا من اتخاذ رأي تعوزه الأدلة ومنهم من توسط بين الاتجاهين فرضي بتاريخ لمولدها عاما . فالمستشرق جبريلي جعل تاريخ الولادة سنة 575م وتبعه من العرب الأب لويس شيخو اليسوعي والأستاذ افرام البستاني أما المستشرق غرنباوم يقرر أنها عاشت في النصف الأول من القرن السابع الميلادي . أما بنت الشاطئ فقد تبعت خطى القدماء ولم تتكلف البحث عن يوم مولدها . وهكذا نرى أنفسنا في تيه إذا حاولنا أن نحدد يوما لميلاد تماضر أو حتى عام .. لقبت بالخنساء لقصر أنفها وارتفاع أرنبته. عرفت بحرية الرأي وقوة الشخصية ونستدل على ذلك من خلال نشأتها في بيت عز وجاه مع والدها وأخويها معاوية وصخر، والقصائد التي كانت تتفاخر بها بكرمهما وجودهما، وأيضا أثبتت قوة شخصيتها برفضها الزواج من دريد بن الصمة أحد فرسان بني جشم؛ لأنها آثرت الزواج من أحد بني قومها، فتزوجت من ابن عمها عبد الله بن رواحه بن عبد العزيز السلمي ، إلا أنها لم تدم طويلا معه ، لأنه كان يقامر ولا يكترث بماله ، لكنها أنجبت منه ولدا ، ثم تزوجت بعدها من ابن عمها مرداس بن أبي عامر السلمي ، وأنجبت منه أربعة أولاد ، وهم يزيد ومعاوية وعمرو وعمرة . وتعد الخنساء من المخضرمين ؛ لأنها عاشت في عصرين : عصر الجاهلية وعصر الإسلام ، وبعد ظهور الإسلام أسلمت وحسن إسلامها . ويقال أنها توفيت سنة 664ميلاديه .
كانت الخنساء صغيره عندما دق الموت بابها اسمها تماضر وهي تشبه الضبي الصغير وسميت الخنساء بهذا الاسم نسبة لأحد أسمائه .لم يلتفت أحد إلى جمالها ، ولم تلتفت هي إلى نفسها .
كانت قبيلتها ( سليم ) في ذيل القبائل حتى جاء أخواها .. معاوية وصخر.
لقد أصبح من حق أبيها أن يسير إلى عكاظ ليفاخر بقية العرب لا بماله ولا بنسبه وإنما بولديه.
وحفظت الخنساء هذا التفاخر تمثله كحقيقة شخصيتها ، تعزو من حولها من القبائل وتفرض كلمتها، ماذا تفعل بنو مرة وأسد أو غطفان ، و ليس فيهم صخر أو معاوية .
ومع الحرب والغارات تدفقت الأسلاب على القبيلة وامتلأ البيت حول الخنساء بالغنائم الملوثة بالدم وكانت رائحتها أطيب من أي عطر لدى الخنساء .
معاوية هو الأكبر .. القائد.. الشمس الساطعة التي تبهر عينيها ، غاية في السماحة و الجود والعطاء والقوة ، لم يدانيه في الفروسية إلا دريد بن الصمه فارس بني حتم لذا تصادقا و تحالفا .
ولكن نهاية معاوية كانت سريعة ، امرأة هي السبب مجرد امرأة تؤثر الأقوى والأقدر على دفع الثمن .
إنها ( أسماء المرية ) بغى سوق عكاظ دعاها معاوية إلى نفسه فامتنعت وصمم معاوية على أن ينالها.
واعتبر ( هاشم ) الذي فضلته على ( أسماء المرية ) أن ما فعله معاوية بمثابة الإهانة, وظل يترصد معاوية ويرقب تحركاته حتى تخلى معاوية ذات مرة عن حذره وسار وسط جمع قليل من رجاله وإذا بجيش ( بني مرة ) يحاصرهم .
وحاول معاوية شق طريقا ولكن هاشما وأخاه تصديا له
تظاهر أحدهما بالهزيمة وحين هم معاوية بالإجهاز عليه طعنه الأخر في ظهره .
منذ تلك اللحظة خرج طائر الصدى يجوب الفضاء ويزعق من العطش ولبست الخنساء الحداد وبدأت أيام المراثي .

قال صخر لأخته سوف نذهب لموسم الحج هذا العام لعلنا نرى من قتلوا أخانا فنهضت الخنساء لتمسح دموعها ، وتستعد للرحيل إلى البلد الحرام حيث يتجاور القتلة وطالبوا الثأر ، دون أن يجرؤ أحد على رفع سيفه.
سافرا إلى مكة وطافا بالكعبة والأصنام وسوق عكاظ وفى كل مكان يسألان عن مكان بني مرة .
كان صخر هادئا والخنساء تنتابها انفعالات شتى حتى رأت عباءة معاوية معلقة فوق الخيام ممزقة من أثر الطعن ملوثة بالدم وولدا (حرملة وأسماء) يشربان ويفاخران بما فعل أبواهما وصخر والخنساء لا يستطيعان شيئا إنهما في البلد الحرام .وعادا إلى ديار ( سليم ( وبدأ صخر يستعد للثأر بينما الخنساء تستعد للزواج زواج بلا حب أو رغبة ولكنها تؤدى ما تعرض عليها التقاليد القبلية وفى ليلة الزفاف لم تخلع ثوب الحداد وزفت وهي حليقة الرأس وظلت تنتظر عودة صخر من أول غزواته ونسيت الخنساء أنها وزوجها ( رواحه ) قد أصبحا في بيت واحد وعندما وضع يده عليها ارتعدت نظرت إليه في اندهاش وسمعت الخيل وهى عائدة فهرعت إليها فكان صخر فهتفت به !هل أدركت ثأرك ؟
فأجابها صخر قائلا لم أشف غليلي بعد !وفى ليلة جلست الخنساء أمام رواحه تجتر أحزان عمرها الذي لم يبدأ بعد واستيقظت في الصباح ولم تجده بجانبها.ولكن ها هو صخر قد عاد عاد سعيدا من الغزو لقد أباد بني مرة قتل ولدى حرملة ظفر بثأر وحشي وسوف تظل الجثث عارية تأكل منها الجوارح حتى التخمة ثم تذروها العواصف لعل معاوية يهدأ ولعل أشعار الخنساء تصفو اندفع إلى خيمتها يحمل البشرى فوجدها باكية ماذا أصابك يا أختاه ؟
انه رواحه لقد أخذ ما يمكن بيعه وذهب فاستل صخر سيفه وهو ما زال دافئا .
ورغم أن رواحه هو ابن العم والزوج ولكن أشرق وجه الخنساء عندما انتبهت لعلامات القتال على ثياب صخر فهتفت بسؤالها التقليدي هل أدركت ثأرك ؟
فأجاب وأفنيت بني مرة عن بكرة أبيهم كان يحسب أنها سوف تهدأ ..لكنها تساءلت في مرارة وحلفاء بني مرة .. أسد وغطفان مازالا بخير ؟ أليس كذلك ؟ ووافقها صخر كأن الصحراء كانت مقبرة واسعة .. وعلى الجميع ان يكونوا فيها موتى .
وفى الصباح عثروا على جثة رواحه زوج الخنساء قالوا إنه تعثر في الصخور وسقط لكن آثار الطعان كانت واضحة في جسمه ، نقلوه إلى بيته ثم إلى قبره
ولم تكن الخنساء قد خلعت ثوب الحداد بعد لكنها لم تنح عليه بكلمة .لم ترثه ببيت
ولم تفكر لحظة في أن تزور قبره وظلت ترثى معاوية كأنه هو الذي مات بالأمس ولم يبقى إلا عبد الله ابن رواحه ( و ابن الخنساء (الشاهد الوحيد لهذه الزيجة
تفرغت الخنساء لصخر وتفرغ صخر للثأر ثأر يقع على من شاهد القتلة أو سمع عنهم ثلاث قبائل كاملة من أجل رجلا واحد لكن القبيلتين الباقيتين لم تكونا فريسة سهلة فقد توثقتا وتعاهدتا وأحضرتا ( ربيعة بن ثور ) أبرع من رمى الرمح في بلاد العرب استضافوه وجهزوا له الأموال والجواري حتى يأتي وقته .
ويركب صخر فرسه الشماء وقال لأخته :
أختاه
أخشى أن يعرفوني .. ويعرفوا غرة الشماء فيتأهبوا فسودت الخنساء غرة الشماء بتراب الفحم وودعها صخر و حمحمت الخيل إلى ديار غطفان ونفذ سيف صخر في أجساد بني غطفان فهرعوا إلى ربيعة بن ثور فأطلق رمحه كالوميض إلى جانب صخر ولم يخطئ وانتزع صخر الرمح وظل يقاتل ويتراجع وينزف مات معاوية مرة واحدة .. لحظة واحدة...لكن صخر يموت في كل لحظة عشرات المرات ليته ميت فينعى وليته حي فيرجى .. فقد ظل صخر يعانى اللام الجرح حتى مات بعد عام .يا خنساء : أيهما أوجع وأفجع ؟
أما صخر فجمر العمر وأما معاوية فسقام الجسد وترحل الخنساء إلى عكاظ وتتذكر كيف كانت بالأمس و أخيها ووقفت تنشد المراثي وتسأل العرب هل هناك من هي أعظم مصيبة ؟
فخرجت إليها امرأة وقفت في محاذاتها وهتفت في الموجودين أنا أعظم العرب مصيبة .ونظرت الخنساء إلى البكاءة المنافسة وسألتها من أنت ؟
فأجابت : أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة أبكى أبى عتيبة بن الربيعة وعمي شيبة وأخي الوليد
الذين قتلوا في بدر على يد حمزة بن عبد المطلب وانطلقت تنشد الأشعار تحكى عن يوم بدر وتحرض الجميع على ( محمد صلى الله عليه وسلم )وانطلقت الخنساء تنشد كلا من معاوية وصخر وكل منهما تتباهى بقتلاها وتفضل مصيبتها .وتحول الحزن الإنساني إلى منافسة تفوقت فيها الخنساء وانصرفت هند بنت عتبة مخذولة لكنها ما لبثت أن أطفأت حرقتها حين مضغت كبد حمزة في يوم أحد وبقت الخنساء وحيده في حاجة إلى عدد هائل من الأكباد كي تشفى غليلها .أفاقت ) سليم ) وقد عادت إلى مكانتها الأولى ضعيفة مكسورة الناب لا تقدر على رد اللدغة فقد ذهب فارسا( آل الشرير( ولكن بقيت ( أسد وغطفان ) خطرا دائما متجددا .ولذلك اجتمعت قبيلة سليم وتناقشوا وكان الاتفاق على الانضمام إلى اكبر القوى الصاعدة والتي تعاديها أسد وغطفان في الوقت ذاته فقرروا أن ينضموا إلى الإسلام.
وتالف وفد منهم ظهرت عليهم إمارات الاقتناع المفاجئ بالدعوة الجديدة والخنساء بينهم، تسير بثوبها الغرابى وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ( في مسجده وأحست سليم أن الأمر مختلف عما تصورت ليس تحالف أو سعيا للحماية بل إنها رسالة وليست فرصة تنتهز انسابت كلمات النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وتشربتها نفوسهم كالأراضي العطشى .وابتسم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في وجه الخنساء واستمع إلى أشعارها في حزنها وأخبرها أن في الإسلام العزاء لكل القلوب الحزينة .وتزوجت الخنساء للمرة الثانية من ( مراوس بن أبي عمر (
شيخ كبير يلاءم مزاجها النفسي فتفرغت لحياتها الزوجية ووالت إنجاب الأطفال تحاول تعويض أيام العقم والرثاء لكنها تجردت من كل عواطفها ماتت داخلها رغبة الاستمتاع بالنزوات وأصبحت أما صارمة عكرة المزاج ولكن لم يمنعها هذا من أن تنجب بنتا جميلة هي ( عمرة ) ظبية صغيرة تملك قلبا متوثبا ولم ترحم الأيام الخنساء فقد حولت كل ذكرياتها إلى قبور ولم ترحم هي نفسها وحين أقبلت الخنساء على المدينة ومعها أناس من قومها التقوا مع بن الخطاب وقالوا :
هذه الخنساء نزلت المدينة بزى الجاهلية فلو وعظتها يا أمير المؤمنين فقد طال بكاؤها في الجاهلية والإسلام .وقام عمر بن الخطاب واتاها يا خنساء ما الذي قرح عينيك ؟ رفعت رأسها وقالت : البكاء على السادة من مضر .قال : أنهم هلكوا في الجاهلية هم وقود اللهب وحشو جهنم قالت : فذاك الذي زادني وجعا وعاشت الخنساء أيامها

كلها في الشيخوخة رفعت بصرها قربانا لأيام البكاء الحارة وحين جاءتها الأخبار أن أولادها الأربعة قد استشهدوا في معركة القادسية كانت قد استنفدت كل الدموع وكل أبيات الشعر وزاد عدد القبور أربعة قبور وأدركت بشكل غامض أن كل ما يمت إليها بصلة مقضي عليه .ولم يبق إلا هي : وحيدة كئيبة تنتظر وقع دبيب الموت الذي تأخر عن موعده
البيئة الاجتماعية التي تحيط بالشاعرة الخنساء :
تتضح شخصية الإنسان بالبيئة التي يعيش فيها ، ولاسيما أولئك الذين طواهم التاريخ ولم نستطع التعرف عليهم إلا من مظاهر بدت في سلوكهم أو أعمالهم أو أقوالهم والخنساء واحدة من هؤلاء فقد تبين كيف ولدت وعاشت ولا يعرف أحد عنها ولا يذكر من أوصافها شيئا إلا حين تعرض دريد بن الصمة لها طالبا الزواج منها وعندها فقط عرفنا أنها جميلة وقد أسر جمالها فارسا طالما أسر الفرسان ، هذا وأن البيئة ليست قاصرة على ذلك البيت الذي عاشت فيه وأغلقت أبوابه دونها ، ولذا فليس لنا بد من أن نستعرض من البيئة بمدلولها الفسيح الذي نشأت فيه الخنساء لنتمكن من رسم صورة لها ترضى الحقيقة . البيئة زمان ومكان وبيئة وأشخاص يتفاعل معها تكوين الشخص ويتأثر بها بناؤه .لقد تحددت بيئة الخنساء في مولدها في البادية الحجازية في عصر الجاهلية قبيل الإسلام .وليس كما يعتقد ا ناهل البادية همج تقطع أوصالهم الحروب فقد كانت لهم معارفهم التي عملت في إنضاجها أذهانهم الصافية ونظراتهم الصادقة إلى الطبيعة وحاجاتهم إلى الحياة .
ولعل من أهم ما تتسم به البيئة آنذاك مما يساعدنا في توضيح شخص الخنساء هو أن القبيلة كانت تتألف من ثلاث طبقات :
1- الأبناء الذين يربط بهم الدم والنسب وعليهم تقوم القبيلة .
2- العبيد المجلوبون من البلاد الأجنبية المجاورة ولا سيما الحبشة .
3- الموالي وهم عتقاء القبيلة
وتخضع القبيلة بطبقاتها الثلاث لقانون اجتماعي عام فرضته عليهم ظروف الحياة وألزمهم إياه شعورهم بالحاجة الملحة إلى التضامن وننظر إلى المرأة فنجدها من طبقتين : الحرائر والإماء . فأما الإماء فكان منهن العاهرات يتخذن الأخدان ، وقينات يضربن على المزهر وغيره ، وكان منهن جوار يخدمن الشريفات .وأما الحرة فتقوم بطهي الطعام ونسج الثياب ، إلا إذا كانت من الشريفات المخدومات فانه كان يقوم لها على بعض هذه الأعمال الجواري .
وتدل الأخبار أن بنات الأشراف والسادة كان لهن منزلة سامية ، فكن يخترن أزواجهن ويتركهن إذا لم يحسن معاملتهن ، وقد بلغ بعضهن المنزلة أنهن كن يحمين من يستجرن بهن .
هذه هي البيئة التي نشأت فيها الخنساء وأثرت في تكوين شخصيتها سواء كانت الشخصية الأدبية أم الفكرية أو الاجتماعية أو الإنسانية . ويعنينا هنا أن البيئة التي رأينا صورتها من قبل تنقسم في حقيقتها إلى عدة بيئات لكل منها مؤثراتها الخاصة وطابعها المميز .
إذ نخلص للقول أن الخنساء البدوية كانت تقطن مكانا له خصائص وميزات نضخت على أهله ، وظهرت على سكانه ، فقد اشتهر أهل نجد بالبلاغة ،وقد ذهبوا بالشعر كل مذهب ،وإذا أحصينا شعراء الجاهلية الذين بلغنا خبرهم بالنظر الى المواطن ، وجدنا أكثر من خمسين شاعرا من نجد فحسب .
نستطيع مما سبق أن نلمح صورة الخنساء بالقدر الذي يمكن ان نصفها بأنها كانت ذات حسب ونسب وجاه وشرف ،وأنها كانت ذات جمال أخاذ وقوام متناسق لذا شبهوها بالبقرة الوحشية ، وأنها بلغت مبلغا من الأسر لم تبلغه فتاة ، وأنها كانت ذات جاذبية طاغية ،أطلقت الألسن فواجهتها وصارحتها بفتنتها فعرفت ما تملك بيدها من سلاح كما عرفت قيمة ذلك السلاح .
كانت الخنساء عاقلة حازمة حتى أنها قد عدت من شهيرات النساء ، ومثل هذه يخشاها المتغزلون فلا يجرؤ أحد على التهجم عليها او التحدث عنها الا لقي ما يسوؤه ، لذا لم يتكلم عليها أحد ولم يتفوه شاعر بشيء يمكن أن ينقل أو تحمله
الألسن . حتى كان يوم أناخ فيه بنو جشم رواحلهم طلبا للراحة من عناء سفر طويل إلى مكة وكان منزلهم في بادية الحجاز قريبا من منازل بني سليم ، وتسوق الأقدار سيد بني جشم دريدا ، فينطلق على فرسه في رياضة قصيرة فلفت نظره مشهد فتاة تهنأ بعيرا لها ، وقد تبذلت حتى فرغت منه ، فنضت على ثيابها واعتلت وهي لا تشعر به ، وتمضي الحادثة ليسأل عنها فيعرف بأنها تماضر بنت عمر وشقيقة صديقه معاوية فيخطبها . فترفض كل الوساطات في ذلك ولم تقبل الزواج به فنخلص إذن إلى أنه لا شك في أن الخنساء مرت قبل دريد بتجربة زواج فرفضت على أبيها ألا يقطع برأي إلا بعد أن يستشيرها ودفعت منها ،فلم تتحرج حين نضت ثيابها ، ولا خجلت من أبيها حين كلمها بأمر الزواج ولا استحيت أن تبدي رأيها فيه .
رأينا أن الخنساء متأثرة بمرارة الفشل في زواجها السابق ترفض الزواج من غير بني العم فترفض سيد آل بدر ثم ترفض سيد آل جشم وأبوها في كلا الحالتين حانٍ مشفق لا يحاول أن يضغط عليها حتى لا يجمع الى أزمتها التي تعيشها أزمة أخرى ، وقد يكون موقفه هذا ترضية لروح زوجه التي رحلت أم الخنساء .ومن الروايات التي تحدثت عن زواج الخنساء الكثير . وقد ذكر لنا ثلاثة أزواج وهم الرواحي وعبد العزى ومرداس ، وقد اختلف الرواة في ترتيب أزواجها أيهم الأول . والمحقق من الأخبار ما نقلته بنت الشاطئ أن صاحب هذه الأسماء المختلفة هو شخص واحد هو الرواحي السلمي عبد العزى بن عبد الله بن رواحة .
أحداث كثيرة تكشف لنا عن ذلك الجانب في حياة الخنساء ونرى على ضوءها الخنساء في علاقتها بأخويها . لا تنتهي حادثة حتى تبدأ حادثة أخرى ، وكأنما استعاض التاريخ بتلك الأحداث في حياتها عن الرصد والتدوين ، لنأخذ منه ما تطمئن إليه أفكارنا وما يتفق مع ما تسبغه نظراتنا إلى عصرها وبيئتها وظروف حياتها .
هذا وليس ببعيد عنا موقف أخيها صخر من معاوية الذي حاول أن يكرهها على الزواج بصديقه دريد فلجأت إليه ليكون لها عوناً تحقق به ما رغبت ، وتتغلب على رغبة شقيقها ، وليس ببعيد عن ذلك الموقف موقفه منها حين أوقعها زوجها عبد العزى في ورطة مالية ، فلم تجد غيره مسعى تلجأ اليه . انهارت الخنساء بعدما تمالكت نفسها ، وكانت موشكة أن تنهار في اثر مقتل معاوية لولا أن ساندها وجود صخر ومنعها أخلاق قومها ، ولكنها لم تجد سناداً ولم تجد مانعاً ، فما قدرت على تمالك نفسها بعد موت صخر ، فقد مات عزها ومؤنسها وملجؤها وحاميها ، ولذا وجدت به أعظم وجدٍ وولهت به أشد ولهٍ ، وأقامت على قبره زمناً تبكيه وتندبه وترثيه . كما كان صخر في حياتها ملجأ الخنساء ، يزيل عنها شكايتها ويمسح عنها آلامها ، كان بعد موته ملجأها أيضا ، خفف عنها ما كبتت من أحزان بنفسها وما ابتلعت من غصص طالما أقلقها وأقضت فيها المضاجع ، فلما مات صخراً انفجرت باكية من غير تماسك . وقد أجزلت بالقصائد الكثيرة والوفيرة في رثاء أخيها صخر وقد كان أكثر مراثيها في أخيها صخر ويعود الإكثار من رثائها له خاصة إلى مواقفه الرائعة وصلاته الحميمة بأخته وبرّه بها وعطفه عليها وإيثارها بما لديه من مال على نفسه وأهله. مما عمّق محبته في قلبها ومكّن لهذه المحبة من أن تسود فؤادها، والإحسان قيدُ وفاءٍ للنفوس الحرة، ومَن وجد الإحسان قيداً تقيّدا، وكذلك كانت الخنساء مع أخيها صخر، فقد تجاوز في كرمه معها إلى ما هو أكثر من حدود صلة الرحم حيث بلغت صلته بأخته ورعايته لها وحنوّه عليها ومواساتها ما لا يقدر عليه سوى من استطاع أن يفعل مثل ما فعل، ومن إكرامه لها وتقديرها ما ذكرته في هذا المجال: أنها تزوجت برجل من عشيرتها متلاف للمال فأنفق ماله كله حتى لم يعد يملك شيئاً فأشارت عليه بأن يذهبا إلى أخيها صخر، فقسم ماله شطرين وأعطاهما خيريي الشطرين، فلما عاتبته زوجته قائلة: أما يكفي أن أعطيتهما شطر مالك حتى تعطيهما خيريي الشطرين لم يلتفت إلى كلامها، وحين عادت أخته إليه مع زوجها مرتين بعد ذلك كان يفعل مثل ما فعل في المرة الأولى يشاطرهما ماله ويخصهما بأفضله، ولو امتد به العمر واستزادته عدة مرات لاستمر في عطائه لها في غير مَنّ منه ولا ضيق بطلباتها . كانت الخنساء تقول البيتين أو الثلاثة حتى قتل أخوها شقيقها معاوية بن عمر ، وقتل أخوها لأبيها صخر ، وكان أحبهما إليها لأنه كان حليماً جوداً محبوباً في العشيرة ، كان غزا بني أسد ، فطعنه أبو ثور الأسدي طعنه مرض منها حولاً ثم مات ، فلما قتل أخوها صخر قال ترثيه فقالت :
أعينيّ جودا ولا تجمُدا
ألا تبكيانِ لصخرِ النّدى ؟
ألا تبكيانِ الجريءَ الجميلَ
ألا تبكيانِ الفَتى السيّدا؟
طويلَ النّجادِ رفيعَ العما
سادَ عَشيرَتَهُ أمْرَدا
إذا القوْمُ مَدّوا بأيديهِمِ
إلى المَجدِ مدّ إلَيهِ يَدا
فنالَ الذي فوْقَ أيديهِمِ
من المجدِ ثمّ مضَى مُصْعِدا
يُكَلّفُهُ القَوْمُ ما عالهُمْ
وإنْ كانَ أصغرَهم موْلِدا
تَرى المجدَ يهوي الَى بيتهِ
يَرى افضلَ الكسبِ انْ يحمدَا
وَانَ ذكرَ المجدُ الفيتهُ
تَأزّرَ بالمَجدِ ثمّ ارْتَدَى

وقالت في رثاء أخيها معاوية :
ألا لا أرى في الناس مثل معاوية
إذا طرقت إحدى الليالي بداهية
بداهية يصغى الكلاب حسيسها
و تخرج من سر النجي علانية
و كان لزاز الحرب عند نشوبها
إذا شمرت عن ساقها و هي ذاكية
و قواد خيل نحو أخرى كأنها
سعال و عقبان عليها زبانية
بلينا و ما تبلى تعار و ما ترى
على حدث الأيام إلا كما هيه
فأقسمت لا ينفعك دمعي و عولتي
عليك بحزن ما دعا الله داعية





-وفاتها :
يزداد أمر الخنساء غرابة ، كلما ازددنا بحثا عنها وتنقيبا وراءها . نظرنا الى ميلادها المجهول ، فقلنا سر ذلك أنها لم تكن بعد قد اشتهرت ، وقد ولدت مغمورة فما كان ليسجل ميلادها أحد ، وصادفنا شبابها وزواجها فاضطربت المرويات في عدد الأزواج مع ما وضح لها آنذاك من معالم جمالية أنثوية تغري بالتتبع وتدفع الى الملاحظة . ثم قتل أخواها واستشهد بنوها ، فتناوشتها الألسن بعد أن تجددت حول موقفها التعليلات .بيد أنها لم تتخل في موتها عما اتسمت به في حياتها من الامتزاج بالغرائب . ماتت الخنساء وقد طبقت شهرتها الآفاق ، ان لم يكن ببكائها على السادات من مضر فباستشهاد بنيها الأربعة .
ماتت الخنساء ومعها شاهد تضمن به تسجيل يوم مولدها ولا نعتمد فيه على رواية الأفراد من عامة الشعب ، وما قد يعتورها من تضارب واختلاف ، ومع هذا فما كان موتها بأحسن حال من ميلادها ، ماتت فاختلف الباخثون واتسع بينهم الاختلاف حتى بلغت مسافته ثلث قرن أو يزيد . فمن قائل كانت وفاتها سنة 646م وهو يوافق سنة 26هـ الى قائل في أول خلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه ، وحددها البعض بسنة 24هـ ، وقد حددها الشيخ محمد محي الدين بن عبد الحميد بنحو سنة 50 هـ أما لويس شيخو فحددها عام 680 م .
فلعل سر ذلك الخلاف خلو حياة الخنساء من ميراث يغري المؤرخين والباحثين بالتتبع والتقصي ، ولذا وقفوا باستشهاد أبنائها في القادسية ، وإعطائها أ رزاق أولادها الشهداءما عاش عمر رضي الله عنه وهكذا ننظر فنرى في الخنساء امراة ضاقت بها الحياة وضاقت الحياة بها وكأنها محكوم حكم عليه بسجن يقضيه على الرغم ممن يجاورونه بل على الرغم من المكان الذي يدب فيه .ولذا ماتت الخنساء التي طالما أبكت العيون حياتها ، فما دمعت لها عين ولا نطق من أجلها رثاء

-الأغراض المكونة للصورة الشعرية لديها :
لعلَّ روعة الشعر مستمدة من روعة صوره؛ لأن الصورة عماد الشعر وقِوامه، وهي بداية الخيط الذي يقودنا إلى البناء الشعري وأرى أن مقدار الشاعرية يتوقـف على الإبداع في التصوير؛ لذلك شغل تحديد مفهوم الصورة الفنية، وأهميتها النُقـاد القدماء والمحدثين على السواء، ومازال البحث قائماً في ميدان دراسة الصورة؛ لـذا قال في ذلك أحد كبار الباحثين المحدثين:" ما بذلته من جهد في هذا السبيل جعلنـي أقتنع اقتناعاً عميقاً بأن قضية الصورة في التراث النقدي العربـي مشكلة جوهرية، لا تحتاج إلى دراسـة واحــدة فحـسب، بـل إلـى العديــد مـن الدراسـات على الرغم من أن هذا الميدان استوعب دراسات متعددة، تناولـت المتخصصة" الصورة وأهميتها، وقيمتها الجمالية من جوانبٍ مختلفة. والتصوير ليس أمراً جديداً أو مبتكراً في الشعر، وأشار إلى ذلك إحسان بقوله:" ليست الصورة شيئاً جديداً، فإن الشعر قائم على الصورة - منذ أن وجد حتى اليوم- ولكن استخدام الصورة يختلف بين شاعر وآخر، كما أن الشعر الحديث يختلف عن الشعر القديم باستخدامه للصورة . ومن هنا نرى بأنه لا يمكن تصور شعرٍ خالٍ من الصورة؛ لذا أولى النُقَّاد ـ على مر العصور ـ الصورة اهتماماً كبيراً، وإذا ذهبنا نستقصي ما جاء في كتب النقـد القـديم حـول الصورة، فإن المقام سيطول، ولكننا سنكتفي بعرض آراء بعض النقاد القدامى الذين كانت لهم جهود بارزةٌ في هذا الشأن. وسوف نلاحظ أن الجذور العربيـة لدراسـة الصورة متوافرة وليست مفقودة، وإن اختلفت درجة الاهتمام ـ عند هؤلاء النُقَّاد ـ بين إشارات ولمحات بسيطة وعابرة حيناً، وبـين إدراك ووعـي عميـق لطبيعـة الصورة وأثرها في النص الأدبي مع اهتمام بالنواحي الفنية والجمالية فيهـا حينـاً آخر. ويعد الجاحظ أول من وضع حجر الزاوية؛ لتوضيح مفهوم الـصورة وإبـراز قيمتها الفنية، من خلال نظرته التقويمية للشعر، والإشارة إلـى الخـصائص التـي تتوافر فيه؛ فعندما بلغه أن أبا عمرو الشيباني استحسن بيتين من الشعر لمعناهما مع سوء عبارتهما، علق برأيه أن:" المعاني مطروحة في الطريـق يعرفهـا العجمـي والعربي والبدوي والقروي، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخيـر اللفـظ وسـهولة المخرج . فمن هنا اتفق أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قبلها، ولا بعدها، أشعر منها" هذا ولا تزال الخنساء موضع عناية الباحثين في عصرنا الحـديث؛ إذ نجـدهم يعدونها شاعرة جاهلية راثية، فبنت الشاطئ تنسبها:" فنياً إلى العصر الجاهلي،. وترى أيضاً أن حياتها قد امتدت في الواقع إلى ما بعد الإسلام سنين عددا وقد سجل التاريخ الأدبي للعرب مولد شاعرة قُدر لها أن تـشغل المكـان الأول بـين شواعر العربية ويقدمها لويس شيخو بقوله:" امرأةٌ طار ذكرها في أواخـر الجاهليـة وغـرة الإسلام، حتى صار مجرد اسمها عند العرب مثلاً يضرب في مناحة الأقوام، وبكاء . وذهب إلى مثل هذا أنور أبو سويلم؛ إذ يقول في مقدمة تحقيقـه الإخوان الكرام" لديوانها إنها:" عبرت بأشعارها الرقيقة أصدق تعبير عن مرارة الثكل، وألم الموت، وصورت التجربة الإنسانية المؤلمة أدق تصوير، فكـان شِـعرها خالـداً نحـسه، ونتجاوب معه، وننفعل به" ، ويرى عبد الرحمن الناصر في تقديمه لكتاب إسماعيل القاضي ـ الخنساء فـي مرآة عصرها ـ أنها تفرض:"نفسها على التاريخ الأدبي، وتبقى الـشاعرة المقدمـة على شواعر العرب جميعاً، سواء منهن من سبقنها، أو من جئن بعـدها إلـى يـوم الناس هذا، رأى هذا الأقدمون من نقاد العرب، وشيوخ الأدب، وأمراء البيان، ورآه ـ ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة.
ولعل الصورة في الشعر الجاهلي وليدة ثلاثة أشياء ممتزجة مختلطـة هـي البيئة، والنفس، واللغة. فلولا البيئة ما كانت تلك المشاهد والصور التي تحتشد بهـا القصيدة الجاهلية، ولولا النفس الشاعرة ما رأينا تلك الأحاسيس والمشاعر المتولـدة من معاناة التجارب الخاصة، التي استدعت صوراً بعينها تظهر من خلالهـا عنـد الشعراء الجاهليين، ولولا اللغة الشاعرة الحية القادرة على تجسيد الطاقات الشعورية بجرس حروفها، وإيحاء كلماتها، وظلال عبارتها لضاعت تلك المشاعر وماتت فـي . أنفس الشعراء . ومن خلال دراستي وجدت أن هذه العناصر الثلاثة تفاعلت جميعاً واشتركت في إبداع الصور الفني عند الخنساء؛ ولما للصورة من أهمية في كـشف جماليـات الشعر اتخذتها مجالاً للدراسة في نتاج الخنساء الشعري، آمـلاً أن تمنحنـي هـذه الدراسة للصورة أداة كاشفة عن أسرار كامنة داخل الشعر والشاعرة معاً.
-حياتها الشعرية والبعد النفسي وأثر الخطاب الديني عليها وانعكاسه في شعرها.
عاشت الخنساء شطراً من حياتها في الجاهلية، والشطر الآخـر فـي الإسـلام، فسعدت بقدومها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع قومها بنـي سلَيم، للإسلام والارتضاء به ديناً مـن بعـد الوثنيـة التـي كـانوا عليهـا مـن قبـل، فشهدت:"القادسية ومعها أربعة بنين لها، فقالت لهم أول الليل: أي بني ، إنَّكم أسـلمتم وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله غيره، إنّكم لبنو رجل واحد، كما أنّكم بنو امرأةٍ واحدة، ما خُنتُ أباكم، ولا فضحتُ خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيرتُ نـسبكم، وقد تعلمون ما أعد اللهُ للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية...فإذا أصبحتم غداً ـ إن شاء الله ــ سـالمين، فاغدوا إلى قتال عدوكُم مستبصرين، وبالله على أعدائـه مستنـصرين، وإذا رأيـتم الحرب قد شمرت عن ساقها، واضطرمت لظى على سياقها، وجللـت نـاراً علـى أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها، عند احتدام خميـسها، تظفـروا بـالغنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة. فخرج بنوها قابلين لنصحهـا، وتقدموا، فقـاتلوا وهم يرتجزون، وأبلوا بلاء حسناً، واستُشهدوا ـ رحمهم الله ـ، فلما بلغهـا الخبـر قالت: الحمد الله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم فـي مـستقر رحمته" ونفاجأ بالخنساء التي لم تُظهر رد الفعل المتوقع لثُّكلِها ببنيها الأربعة، اكتفائهـا بجملتها التي تردد صداها حتى وصل الآفاق: الحمد الله الذي شرفني بقتلهم. ونحـن الآن أمام موقفين متناقضين للخنساء: نراها في الموقف الأول باكيةً حزينةً، تأبى أن تخلع ثوب الحداد، وتنظم في رثاء أخويها القصائد الطوال المحملة بالبكاء والعويل. ونراها في الموقف الثاني، يصلها خبر مقتل أبنائها عن آخرهم، لا تُحرك ساكناً، ولا تذرف دمعاً! بل تقبل الخبر بصدر رحب، فتحمد االله الذي شرفها بقتلهم جميعاً. و:" لنفرض أن الخنساء وجدت في مجد الاستشهاد عزاءها، فهل هاج مـصرع الأبنـاء الأربعة شاعريتها، وأطلق لسانها بنشيد الشهادة، وحلاوة الإيمان!! فهل يقال: إن بكاءها على أخويها قد استنفد الدمع من مآقيهـا، وإن رثاءهـا . إذ لم نجد بيتَ شِعرٍ واحدٍ نظمته في رثاء أبنائها، وهي (2) لهما قد استهلك عواطفها" شاعرة أصبحت مضرب الأمثال في الرثاء. وترى بنت الشاطئ أن :" موقف الخنساء من بنيها مصدره شذوذ في طبيعـة تُماضر، جعل عاطفة الأخوة فيها تطغى على عاطفة الأمومة التـي هـي جـوهر الأنوثة، والعنصر الأصيل في مقومات الفطرة لحواء" وأرى أن موقف الخنساء في هذا ليس لشذوذٍ وانحرافٍ في طبيعتها؛ بل لأنها فهمت الإسلام وكيفية الالتزام بقوانينه عندما آمنت به، فهو ينهى في مضمونه عـن النواح ولطم الخدود وشقّ الجيوب على الأموات؛ وقد تلقت جميع أحكام الإسلام من لسان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينما قدمت مع قومها إليه، وحينما رآها تبكي وتنوح على من مات مِن ذويها، وخاصة أخاها صخراً. فمن هنا نراها تابـت مـن النواح، فتلقّيها خبر أبنائها بروح غير باكية، هو من نتائج هذا الالتزام، هـذا مـن جانب، والجانب الآخر يعود في مضمونه إلى ضياع الشعر الذي قيل فيهم:"ولـيس في ذلك شك، فإن كثيراً من الشعر الجاهلي ضاع في أثناء رحلتـه الجاهليـة إلـى عصر التدوين" وهذه قصيدة عصماء من قصائدها في رثاء أخويها صخر ومعاوية :
هريقي من دموعك أو أفيقي
وصبرا إن أطقت ولن تطيقي

وقولي إن خير بني سليم
وفارسهم بصحراء العقيق

وإني والبكاء من بعد صخر
كسالكة سوى قصد الطريق

فلا وأبيك ما سليت صدري
بفاحشة أتيت ولا عقوق

ولكني وجدت الصبر خيرا
من النعلين والرأس الحليق

ألا هل ترجعن لنا الليالي
وأيام لنا بلوى الشقيق؟

ألا يا لهف نفسي بعد عيش
لنا بندى المختم والمضيق

وإذ يتحاكم السادات طرا
إلى أبياتنا وذو الحقوق

وإذ فينا فوارس كل هيجا
إذا فزعوا وفتيان الحروق

إذا ما الحرب صلصل ناجذاها
وفاجأها الكماة لدى البروق

وإذ فينا معاوية بن عمرو
على أدماء كالحمل الفنيق

فبكيه فقد ولى حميدا
أصيل الرأي محمود الصديق

هو الرزء المبين لا كباس
عظيم الرأي يحلم بالنعيق

من أراد أن يعرف كيف يُقلّب الله القلوب من حال إلى حال ، وكيف يصنع النفوس الأبية صنعا يثير الإعجاب ، وكيف ينزع منها العبث والهزل والقنوط ويبعث فيها الرجاء والأمل والرضا بالقضاء والقدر - فلينظر إلى الخنساء بنت عمرو بن الشريد الأسلمية كيف كانت في الجاهلية ثم كيف صاغها الإسلام صياغة جديدة ، وتحولت معها إلى امرأة مجاهدة صبور ، تحرض أولادها على الجهاد في سبيل كتاب الله وتدفعهم إلى ميادين القتال لكي يسطروا على البطولة والتضحية لكي تنال باستشهادهم هناء الدارين دار الدنيا ودار الآخرة فقد أسلمت رضي الله عنها مع وفد من قومها وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامها ، وتركت الشعر جانباً ، واشتغلت بتلاوة القرآن الكريم ، وما كانت تنشد الشعر بعد إسلامها إلا في مناسبات خاصة . وقد حضرت موقعة القادسية بين المسلمين والفرس في السنة الرابعة عشرة من الهجرة في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعها بنوها الأربعة ، فقالت لهم حين نادى سعد بن أبي وقاص حي على الجهاد :- يا بني لقد أسلمتم طائعين ، وهاجرتم مختارين ، والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو رجل واحد ، ما خنت أباكم ،ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيرّت نسبكم، و تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين ، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية . يقول الله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين ، فاغدوا على قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه مستنصرين ، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها وحلّت ناراً على أوراقها ، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدا ء خميسها ، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة . وأعانتهم بكل ما استطاعت من قوة مادية ومعنوية ، وزودتهم بالنصائح الغالية ، وأوصتهم بأن يكروا ولا يفروا ، وأن يقدموا ولا يحجموا .وليس هناك كلمات أبلغ من هذه الكلمات التي تفجرت من ينابيع حكمتها فبعثت في نفوسهم دوافع الشجاعة والإقدام، وألهبت في نفوسهم الحمية المحمودة في مثل هذه المواقف البطولية ، وغرست في نفوسهم حب الاستشهاد في سبيل الله فأقبلوا على الحرب يتوسطون جموع العدو، ويضربون فوق العناق بكل قوة وشراسة ، لا يبالون أسقطوا على الموتى أم سقط الموتى عليهم . فهي قدمتهم جميعاً إلى أتون المعارك ، ولم تدخر منهم أحداً يعولها أو يقوم بشأنها ، لأنها تحسن التوكل على الله ، وتثق في فضله العظيم ، وترجوا من أعماق قلبها أن ينتصر المسلمون نصراً عزيزاً على تلك القوة الغاشمة التي جاءت من كل صوب وحدب بأعداد غفيرة لا أول لها ولا آخر ، ومعهم من العتاد والعدد ما لا يكاد يحصى ولا يُعد .
لقد جاءوا ومعهم الفيلة التي لا تقف أمامها الجيوش الجرارة ،و لاتستطيع أن تقهرها قوة مهما كان لديها من سلاح ، في الوقت الذي لم يكن المسلمون يملكون من السلاح إلا السيوف والرماح وقليل من الخيل المسومة ، ولم يكن لديهم من الأقوات ما يكفيهم ، ولم يكن عددهم كبير بل كانوا نحو أربعة آلاف رجل ، ولكنهم كانوا في ذروة الإيمان بالله تعالى ومقبلون عليه راغبون في خوض غمار تلك المعركة الضارية الشرسة مع جنود الفرس ، فقد باعوا أنفسهم لله ، لا يخشون الموت في سبيله ، بل يستحبون الموت في مثل هذه المعارك ، لينالوا شرف الشهادة وثوابها العظيم،مؤمنين بقوله عز وجل (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم)(1) . وكان سعد بن أبي وقاص هو القائد في هذه المعركة ، وهو قائد ملهم ، وفارس معلم يحسن التدبير ، ويحكم وضع الخطط الحربية ، ويعرف من أين يأتي العدو وكيف يأخذه على غرة ، وكيف يتغلب على كثرته وقوة سلاحه بحسن الحيلة وأخذ الحيطة والحذر ،وبعد عدة جولات شديدة البأس - انتصر المسلمون على عدوهم انتصاراً عظيماً في يوم مشهود ، فقد استطاع المسلمون بإذن الله تعالى أن يتعاملوا مع الفيلة حتى ردوها على أدبارها ، فانقلبت على من أتى بها ففرقت جموعهم وأحدثت بينهم دماراً شاملاً ، ففروا من الميدان خزايا مهزومين ، وقتل قائدهم رستم في هذه المعركة التي زلزلت أقدامهم وأذهبت ريحهم وشتت شملهم ، وقذف الله الرعب في قلوبهم .(ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز
وبعد انتهاء المعركة الفاصلة سألت الخنساء عن أبنائها الأربعة فأخبروها أنهم قد استشهدوا جميعاً ، فتلقت هذا الخبر بالصبر والرضا والجلد ، واحتسبتهم عند الله عز وجل ، وكفكفت دمعها ، وتخففت من حزنها ، فلم ترثهم كما كانت ترثي أخاها صخراً في الجاهلية . فالإسلام قد هذبها ، وأمدها بقوة إيمانية تجعلها قادرة على المثابرة في مثل هذه المصاب الجلل والإيمان نصفه صبر ونصفه شكر .)وبشر الصابرين الذين إذا أصباتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) أتدري ماذا قالت حين علمت باستشهاد أبنائها الأربعة ؟ قالت : " الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجوا من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته " .هكذا استقبلت الخنساء : تماضر بنت عمرو الأسلمية نبأ استشهاد أبنائها الأربعة فما وهنت وما ضعفت وما استكانت وما تفوهت بما تتفوه به الثكلى عادة لعلمها بأنها ستلحق بهم وتحشر معهم إن شاء الله وتلقى جزاء الصابرين من جنات النعيم

وظلت الخنساء عازفة عن حياة الدنيا ، زاهدة في متاعها الفاني ، مشغولة بذكر الله وتلاوة القرآن ، حتى لقيت ربها عز وجل صابرة شاكرة، فكانت مثال للمؤمنات الصالحات في التضحية والفداء ، وقدوة لهن في الصبر على المكارة ومواجهة الشدائد بصدر رحب وقلب مطمئن، كما كان أولادها الأربعة مثالاً رائعاً في البطولة والنضال، وقدوة لكل مسلم يحرص على الموت من أجل أن توهب له الحياة .
_ الأبعاد السيكولوجية والتي تتحلى بها والتي انعكست على شعرها فصاحة كما ونوعا .
ان ما قصدته بالبعد السيكالوجي هو تلك المؤثرات النفسية التي ترافق الشاعر في خلق الصورة الشعرية بفنيتها العالية والتي تتجلى في شعر كل شاعر بشكل عام وليس على وجه التحديد . ولكنّ هذا البعد النفسي أخذ مسلكا آخر وصدى تعبيريا عن المرأة كيف ترسم حزنها بالحروف وتلون بدموعها الصورة الفنية بقصد وبدون قصد فللمرأة إغراء ما بعده إغراء في استنطاق ما حولها حين تتكلم وحين تبكي وحين تمشي . وما نعلمه بأنه تعددت موضوعات الصورة الفنية في الشعر العربـي سـواء فـي القـديم أم الحديث، ومن أبرز هذه الموضوعات(الرثاء)، وهو محور إشارتي عن الصورة الفنية في شعر الخنساء، ولا ينتابني شك أنها قد أفنت حياتها في موضـوع الرثاء، فالشاعرة في بداية مرحلتها الشعرية كانت تقول البيت أو البيتين ولـم تهـتم . ومن هنا بـدأت نقطـة بالشعر إلا بعدما فُجِعت بمقتل أخويها وفرسان عشيرتها التحول، ونبعت قريحة الرثاء التي صورت حزنها المؤلم الباكي والمبكي؛ لذلك يعد الرثاء من أهم الفنون الأدبية، وأبرز الموضوعات في الشعر العربـي، وأكثرهـا تأثيراً في النفس، والذي اهتم شعراء الجاهلية بصيغته ونوعوها تنويعاً واسعاً، يلاءم بين تقاليدهم الشعرية وشعورهم بالحزن والأسى؛ ولأن:" العامل الإنساني الذي يكمن وراء الرثاء، هو الذي يطبع هذا الفن بطابعه؛ فيقال عنه: إنه فن إنساني، يرتفع فوق المصلحة الذاتية" يصف بعض النقاد أن شعر الرثاء أصدق الشعر؛ إذ يقول الجبوري أنه:" تعبير ؛ وذلك لارتباطه بظـاهرة المـوت، وهـذه مباشرة قلما تشوبه الصنعة والتكلف" الظاهرة من الظواهر الإنسانية التي شغلت بال الأدباء والفلاسفة والحكماء على حد سواء، منذ أقدم العصور، ويقوم على تعداد مناقب الميت وصفاته الحميدة. والرثاء في اللغة: مدح الميت، ورثاه: بكاه، وعدد محاسنه، يقال: رثاه بقصيدة، ، ومعنى هذا أن الرثاء يكون شعراً كما يكون نثراً، إلا أننا نُطلق لفظ الرثاء ورثاه بكلمة الرثاء على الشعر خاصة، وهو ما ذهب إليه قُدامة بن جعفر عندما قال: " الرثاء في اللغة بكاء الميت وعد محاسنه شعراً" ومما سبق نستنتج أن تعريف الرثاء يتمثل في جانبين هما: التعبير عن مـشاعر الحزن، وذكر محاسن الميت وأمجاده. فبكاء الميت أو التعبير عن مـشاعر الحـزن والأسى أمر ضروري، إذ لا يستقيم دونه الرثاء، وهذه العاطفة هي التي أشار إليها ابن رشيق القيرواني في قوله:" وسبيل الرثاء يكون ظاهر التفجع بين الحـسرة" ومِن هنا يعد الرثاء:"تصوير حزن الشاعر لموت إنسان واستثارة نفس الحزن فـي . السامع والقارئ ويمكن القول إن الرثاء حديث القلب الجريح وتعبير العين الحزينة الصادرة من تجربة صادقة لفقد عزيز على النفس، أخذت صورته أصدق الـصور، تنبـع مـن وجدان حزين وإحساس مرهف، وخيال صادق الشعور يخاطب من فـارق الحيـاة الدنيا وترك فراغاً واسعاً في حياةِ من يرثيه، فليس هناك مصيبة أعظم من المـوت وفقد الأحبة؛ لذلك أصبح شعر الرثاء متميزاً عن غيره في جلب الأحزان للمتلقـي، والدليل على ذلك أنه لو استمع أحد منا إلى إحدى المراثي الجيدة؛ لأحس بعد الفراغ منها بالحزن العميق والكآبة، كأنه دخل إلى أعماق صاحبها، ورأى ما يعـاني مِـن عذاب وألم. ومن هنا يعد المهلهل بن ربيعة، أقدم منبكى؛ ورثى أخاه كُليبـاً فنبـع هذا الحزن شعراً يصور فيه بكاءه ليلاً ونهاراً بدموعٍ غزار، حيث يقول :
أهاجَ قذاء عيني الـأذكار هدوا فالدموع لها أعذار
وصار الليل مشتملا علينا كأن الليل ليس له نهارُ
وبتّ أراقبُ الجوزاء حتى تقارب من أوائلها انحدارُ
أُصرّفُ مقلتي في اثر قوم تباينت البلاد بها فغاروا
وأبكي النجوم المطلّعاتُ كأن لم تمحوها عني البحارُ
على من لو نعيتُ كان حيا لقاد الخيل يحجبها الغبارُ
فإذا انتقلنا إلى شعر الخنساء نجد أنها لم تهتم بسواه من الموضوعات الـشعرية، كيف لا؟ وهي قد فُجعت بمقتل من يعولها ويهتم بها؛ حتى قيل إنه:" تكـاد لا تخلـو قصيدة، أو مقطوعة رثت بها أخويها صخراً ومعاوية، وخاصةً صخراً، مِن استهلال هذه المقطوعة، أو تلك القصيدة ببيت أو بيتين أو ثلاثة أو أكثر بالبكـاء فعـلاً، أو باستدرار الدمع... تعبيراً عن الحزن، وتبياناً لعاطفة الحب الأخوي الذي جمع بـين الأخ والأخت، لا بل إن عاطفة الحزن والبكاء لتصل أحياناً إلى حد التفجع، والتوجع والتأسف، والتلهف والتولّه إزاء هذه المصيبة، مـصيبة التفجـع التـي لا تعـدلها مصيبة . وها هي تبكي صخرا فتقول :
قـذًى بِعَينكِ أمْ بالعَين عُوَّارُ أم ذرَفَتْ إذْ خلتْ مِن أهلِها الـدَّارُ
كـأنَّ عينِي لِذِكراهُ إذا خطرتْ فيضٌ يَسيلُ على الخدَّينِ مِـدرارُ
تَبكي لصخرٍ هي العَبْرى وقد وَلَهتْ ودونَه من جديدِ التُّربِ أستارُ...
لا بُـدَّ مِن ميتةٍ في صرفِهـا عِبَرٌ والدَّهرُ في صَرفِه حولٌ وأطـوارُ...
قد كان خالصتي مِن كلِّ ذي نسبٍ فقد أُصيبَ فما للعيشِ أوطارُ
وتبدو في هذه الصورة أيضا تستبكي نفسها، وتستدر العين دمعها، وإنها لتعجب مـن جمودها، فتستمطرها سحاً وتسكاباً، فتقول :
يا عين مالك تبكين تسكابا ؟ إذ راب دهر ، وكان الدهر ريابا
فابكي أخاكِ لأيتام وأرملةٍ، وابكي أخاكِ ، إذا جاورتِ أجنابا
وابكي أخاكِ لخيل كالقطا عصبا، فقدن ، لما ثوى، سيبا وأنهابا
يغدو به سابحٌ ، نهدٌ مراكله، مجلببٌ بسواد الليل جلبابا
حتى يصبح أقواما ، يحاربهم ، أو يسلبوا ، دون صفّ القومِ ، أسلابا
وقد انبعث من قلب الخنساء حزن بالغ، وانفعال عاصف، وحرقة وتلهف علـى الفقيد، وتمجيد لمآثره وفعاله وخصاله، فكررت ذلك كله في نظمها، مما زاد عاطفة ذلك النظم صدقاً وتأثيراً، فها هي ذا تستدر العين دمعاً منسكباً كالمطر، وتعرض هذا المعنى في صورة واضحة تتجلّى في قولها وهي ترثي أخاها صخرا :
بعينكِ أمْ بالعينِ عـوَّارُ .... أمْ ذرَّفتْ إذْ خلتْ منْ أهلهَا الدَّارُ

كانَّ عيني لذكـراهُ إذَا خطرتْ .... فيضٌ يسـيلُ علَى الخدَّينِ مدرارُ
تبكي لصخرٍ هي العبرَى وَقدْ ولهتْ .... وَدونـهُ منْ جديدِ التُّربِ أستارُ

تبكي خناسٌ فما تنـفكُّ مَا عمرتْ .... لَها عليهِ رنـينٌ وَهيَ مفتـارُ

تبكي خناسٌ علَى صـخرٍ وحقَّ لهَا .... إذْ رابـهَا الدَّهـرُ إنَّ الدَّهـرَ ضـرَّارُ

لاَ بدَّ منْ ميـتةٍ في صرفهَا عبرٌ .... وَالدَّهرُ في صرفهِ حولٌ وَأطوارُ

قدْ كانَ فيكمْ أبـو عمـرٍو يسودكمُ .... نعمَ المعمَّمُ للدَّاعـينَ نصَّـارُ

صـلبُ النَّـحـيزةِ وَهَّـابٌ إذَا منـعُوا .... وَفي الحـروبِ جريءُ الصَّدرِ مهصارُ


يا صخرُ ورَّادَ مــاءٍ قدْ تـنـاذرهُ .... أهلُ المواردِ مَا في وردهِ عارُ

مشَي السَّبنـتى إلى هيـجاءِ معضلةٍ .... لهُ سلاحانِ أنيابٌ وَأظـفارُ

وَما عجولٌ علَى بوٍ تطـيـفُ بـهِ .... لهَا حنـيـننانِ إعلانٌ وَإسرارُ


ترتـعُ مَا رتعـتْ حتَّى إذا ادّكرتْ .... فإنَّـنما هيَ إقـبالٌ وَإدبـارُ

لاَ تسمنُ الدَّهرَ في أرضٍ وَإنْ رتـعتْ .... فإنَّـما هيَ تـحـنانٌ وَتسجارُ

يوماً بأوجدَ منّي يـومَ فارقني .... صخـرٌ وَللـدَّهرِ إحلاءٌ وَإمرارُ

وإنَّ صخراً لواليـنَا وَسيّـدنَا .... وإنَّ صخراً إذَا نـشتُـو لنحَّـارُ

وإنَّ صخراً لـمقدامٌ إذَا ركبـوا .... وإنَّ صـخراً إذَا جاعُـوا لعقّارُ



وإنَّ صخراً لتأتـمُّ الهـداةُ بـهِ .... كأنَّـهُ علمٌ في رأسـهِ نـارُ

جلـدٌ جميـلُ المحـيَّا كاملٌ ورعٌ .... وَللحروبِ غـداةََ الـرَّوعِ مسعـارُ


حمَّالُ ألويةٍ هـبّــَاطُ أوديـةٍ .... شهَّادُ أنـديـةٍ للجـيشِ جرَّارُ

فقلتُ لمَّا رأيـتُ الدَّهرَ ليسَ لهُ .... معاتـبٌ وحدهُ يسدي وَنيَّـارُ
لقدْ نعى ابنُ نهيكٍ لي أخاَ ثـقـةٍ .... كانتْ ترجَّـمُ عـنهُ قبلُ أخبارُ

فبـتُّ ساهـرةً للنَّجمِ أرقـبهُ .... حتَّى أتَى دونَ غورِ النَّجمِ أستارُ

لمْ ترهُ جارةٌ يمـشِي بساحتهَا .... لريبةٍ حـينَ يخـلِي بيـتهُ الجارُ

ولا تراهُ وما في البيـتِ يأكلهُ .... لكنَّهُ بارزٌ بالصَّحنِ مهمـارُ

ومطعمُ القومِ شحماً عندَ مسغبهمْ .... وَفي الجدوبِ كريمُ الجدِّ ميسارُ

قدْ كانَ خالصتي منْ كلِّ ذي نسبٍ .... فقدْ أصيبَ فما للعـيشِ أوطارُ

مثلَ الرُّدينيِّ لمْ تنـفـدْ شبيـبتهُ .... كأنَّهُ تـحتَ طيِّ البـردِ أسوارُ

جهمُ المحيَّا تضيءُ اللَّيل صورتهُ .... آباؤهُ منْ طوالِ السَّـمكِ أحرارُ

مورَّثُ المجـدِ ميمـونٌ نقيبتهُ .... ضخمُ الدَّسيـعـةِ في العـزَّاءِ مغوارُ

فـرعٌ لفرعٍ كريمٍ غيـرِ مؤتشبٍ .... جلدُ المريرةِ عندَ الجمعِ فخَّـارُ


في جوفِ لحـدٍ مقيمٌ قدْ تضمَّـنهُ .... في رمسهِ مقمطرَّاتٌ وَأحجارُ

طلقُ اليدينِ لفعلِ الخـيـرِ ذو فجـرٍ .... ضخمُ الدَّسيـعةِ بالـخيراتِ أمَّـارُ

ليبكهِ مقتـرٌ أفنى حريبـتهُ .... دهرٌ وَحالفهُ بؤسٌ وَإقتـارُ

ورفقةٌ حارَ حاديهـمْ بمهلكةٍ .... كأنَّ ظلمتَها في الطّـخيةِ القارُ

لا يمنعُ القومَ إنْ سألوهُ خلعـتهُ .... وَلاَ يـجاوزهُ باللَّـيـلِ مـرَّارُ

الفصل الثاني
-الخنساء الشاعرة وإبداعها الشعري ومكانتها بين الشعراء.
تركت الخنساء الحياة الدنيا وتركت بعدها دوياً ملأ الزمان شهرة , تناقلته الأجيال المتعاقبة الذين ذكروا أن عبد الملك بن مروان " سأل في مجلس له : أي نساء الجاهلية أشعر ? فقال الشعبي : الخنساء .‏ فسأله عبد الملك : ولمَ فضّلتها على غيرها ؟ قال : لقولها :‏
وقائلة والناس قد فات خطوها لتدركه يا لهف نفسي على صخر‏
ألا ثكلت أمُّ الذين غدوا به إلى القبر, ماذا يحملون إلى القبر !؟‏
فقال عبد الملك : أشعر منها والله التي تقول :‏
مهفهف الكشح والسربال منخرق عنه القميص لسير الليل محتقر‏
لا يأمن الناس ممساه ومصبحه في كل فج ٍ وإن لم يغزُ ينتظرُ‏
وذكروا أن جريراً .. سئل : من أشعر الناس ؟‏
قال : أنا , لولا هذه الخبيثة ـ يعني الخنساء ـ فسألوه : بم فضلتك ? أجاب , بقولها :‏
إن الزمان وما تفنى عجائبه أبقى لنا ذنباً واستأصل الرأس‏
أبقى لنا كلَّ مجهول ونجّعنا بالحالمين فهم هامُ وأر ماس‏
إن الجديدين في طول اختلافهما لا يفسدان ولكن يفسد الناس‏
رأى الكثرة من علماء الشعر أنه لم تكن قط امرأة قبلها و لا بعدها أشعر منها .‏
لم يشذ عن ذلك ـ فيما قرأت ـ سوى » الأصمعي " وعبد الملك بن مروان : ففي كتاب " فحول الشعراء للأصمعي " أنه سأل راويته أبا حاتم الجمستاني :‏أشعر بأن ليلى الأخيلية أشعر من الخنساء ؟‏
وصيغة السؤال تشعرنا بأن الأصمعي كان يلقى هذا الرأي في الشاعرتين هو يحسن أنه يخالف الرأي العام المعترف للخنساء بأنها أشعر النساء .‏وعبارة الأصمعي هنا , تذكرنا بالذي نقلنا من قول » عبد الملك « للشعبي وقد خالفه في الحكم على الخنساء بأنها أشعر نساء الجاهلية , إذ أدرك من فوره أنه يصدم حسن سامعه بما يخالف الرأي الشائع في تفضيل الخنساء فهو يسأله : يا شعبي , هل شق عليك ما سمعت ? فأجاب :‏ إي والله يا أمير المؤمنين , أشد المشقة ! ..‏
والسؤالان على ما يبدو من مساسهما بمكانة الخنساء صريحا الدلالة على ما اطمأن إليه الناس من زعامة الخنساء شواعر العرب , فما يكاد يخالف على أحد هذا إلا وهو يحسن أنه يشذ عن الرأي الأدبي العام , ويشق على سامعيه .‏
على أن "المبرد " قد وضع الشاعرتين معاً , وإن بدأ بالخنساء قال : ( كانت الخنساء وليلى الأخيلية في أشعارهما متقدمتين لأكثر الفحول وقلما رأيت امرأة تتقدم في صناعة وقلما يخلو كتاب من الكتب المؤلفة قديماً في الأدب العربي من ذكر للخنساء أو استشهاد بشيء من شعرها : فاليزيدي مثلاً يختار مرثية لها في أماليه وكذلك فعل البحتري في حماسته , ولم ينسها أبو العلاء في رسالة الغفران واحتفل بها أبو الفرج الأصفهاني أيما احتفال باعتبارها من الشعراء الذين اختير شعرهم للأصوات المائة التي تغنى بها المغنون أمام الرشيد وإن لم يفتنا أن نلحظ أن أبا تمام " في حماسته ; لم يأت بشيء من شعرها في باب المراثي , مع أنه جاء في الباب بمختارات من مراثي شعراء ثلاث , دخلوا في حياتها .‏
ففيه مرثية لخاطبها " دريد بن الصمة .. في أخيه‏
وأخرى لأخيها " صخر " يرثي معاوية‏
وثالثة لابنتها عمرة بنت سرداس " في أخيها العباس .‏
ولم تكن عند مؤرخي الأدب في المغرب مجهولة ولا مغمورة , فقد اهتم بها ابن رشيق في ( العمدة ) والمصري والقيرواني في ( زهر الآداب ) وابن خلدون في ( تاريخه ) .‏
-الخنساء في سوق عكاظ
وذكر أولئك الذين ترجموا لها وحفِلوا بأخبارها، أنها قد قرضت الشعر في سِـن مبكرةٍ، وربما يعود ذلك لرهافة حسها، ويقظة مشاعرها، وتأثير البيئة التي عاشـت ٍّ فيها؛ فقد ذكروا أن أباها عمراً كان شاعراً فارساً سيداً لقومه، وكان أخواها صـخر ومعاويةَ شاعرين. وقد زاولت الخنساء فن الشعر في الفترة الزمنية الجاهلية التـي سبقت الإسلام بقليل، التي ظهرت فيها طائفة من الشعراء الفحول كزهيـر وابنيـه كعب وبجير المزنيين، والنابغة الذبياني، والنابغة الجعدي، ولبيد العامري، والأعشى البكري، وحسان بن ثابت الأنصاري، ودريد بـن الـصمة الجـشمي، وغيـرهم، وعاصرت تُماضر هؤلاء جميعاً فتأثرت بهم، وحفظت أشعارهم، وتناصت منه فـي شعرها، وزاحمتهم في الأسواق الأدبية التي كانت تُعقد في أرجاء الجزيرة العربية، كسوق عكاظ. وبهذا احتلت الخنساء مكانة شعرية مرموقة، تجاوزت بعض معاصريها أحياناً، فشهد لها أقرانها من الشعراء بقوة الشاعرية، قال النابغة الذبياني وقد أنشدته: وكان يومئذ في قبته الحمراء في سوق عكاظ، يحكم بين الشعراء:"والله لو لا أن أبا بصير أنشدني لقلت: إنك أشعر الجن والإنس". وقال حسان بن ثابت الأنصاري بعد أن أنشدته شعرها:" والله مـا رأيـتُ ذاتَ مثانة أشعر منك" وقيل لجرير:" من أشعر الناس؟ قال: أنا لولا هذه الفاعلة ـ يعني الخنساءـ" ولعله أشار إلى شيءٍ من شعرها كان بين يديه. ورأى بـشار بـن بـرد أن شـعر الخنساء قوي ومتين ليس فيه ضعف، قال:" لم تقل امرأة شِعراً قطّ إلا ظهر الضعف فيه، فقيل له: أو كذلك الخنساء؟ فقال: تلك كان لها أربع خصى" ورأى بعض النُقَّاد أنها متقدمة على سائر النساء في قول الشعر؛ إذ جعلها ابـن سلام ضمن شعراء الرثاء، فقال:" وصيرنا أصحاب المراثـي طبقـةً بعـد العـشرِ الطبقات: أولهم المتمم بن نويرة...رثى أخاه مالكاً، والخنساء بنت عمـرو...رثـت . والمبرد يساوي بينها وبين ليلى الأخيلية، مع أنه قـدمها أخويها صخراً ومعاوية" في الذكر فقال:" كانت الخنساء وليلى في أشعارهما متقدمتين لأكثر الفحول، وقلّمـا . وقارن أبو زيد بين الخنـساء وليلـى الأخيليـة، رأيت امرأةً تتقدم في صناعة" بقوله:"ليلى أغزر بحراً، وأكثر تصرفاً وأقوى لفظاً؛ والخنساء أذهـب فـي عمـود الرثاء.
والقصيدة التي اخترناها تجسد خير تجسيد مدى الحب الذي كان في قلب الخنساء تجاه أخيها صخر.. كما تظهر لمن يطلع عليها كيف كان بكاؤها الذي أبكى جميع من أصغى إليها وخاصة في ذلك اللقاء السنوي الذي كان يجمع أفضل شعراء العرب في عكاظ.
تقول الخنساء:
يؤرقُني التّذكرُ حيَن أُمْسي
فأصبحُ قد بليتُ بفَرْط نُكْسِ
على صَخرٍ، وأي فتى كصخرٍ
ليَومِ كريهَةٍ وطعان جلس
فلم أر مثله رزءاً لجنًّ
ولم أرَ مثلَهُ رزءاً لإنس
أشدَّ على صروفِ الدهرِ أبداً
وأفضل في الخطوبِ بغير لَبْسِ
وضيفٍ طارق أو مستجيرٍ
يروَّع قلبهُ من كل جرسِ
فأكرمَهُ وآمنَهُ فأمسى
خلياً بالُهُ من كل بؤسِ
يذكرني طلوعُ الشمسِ صخراً
وأذكُرهُ لكلِ غروبِ شمسِ
ولولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي
ولكن لا أزالُ أرى عجولاً
وباكيةً تنوحُ ليومِ نحسِ
وما يبكون مثل أخي ولكن
أعزي النفس عنه بالتأسي
فلا والِله لا أنساكَ حَتى
أفارق مُهجتي ويُشق رَّمسي
فقد ودّعتُ يوم فراق صخرٍ
أبي حسّان لذّاتي وأنسي
فيا لهفي عليه ولهف أمّي
أيصبحُ في الضّريح وفيه يُمسي
-الخنساء والوله في لغة الخطاب

والخنساء فى رثائها تتمثل أخاها وتخاطبه وتصوره بحب أخوى صادق وتطنب فى وصفه ولاتمل من تذكار هذه الأوصاف فهو ملء العين والنفس والقلب وكل ما فى الحياة يعيد لها ذكرى أخويها ويثير فى نفسها الشجون فتبكى وتبكى ولا تمل من مخاطبة عينيها، والعينان تجيبان بذرف الدموع المتواصلة بغزارة وبلا انقطاع وإذا لوعتها تطول ، فلا يثنيها عن الانتحار سوى كثرة الباكين حولها ..
ولولا كثرة الباكين حولى ****** على إخوانهم لقتلت نفسى

حين نطالع أشعار الخنساء في الرثاء، ننسى أننا أمام امرأة شاعرة حيث تتحول الأنوثة عندها إلى رجولة وبطولة، فإذا نحن في وسط القتال والمعارك، حيث يتنازل الأبطال ويتصارعون، وإذا الأبيات تتابع قوية صاخبة، منطلقة بوقع ملحميّ شديد حتى نكاد نسمع قرع السيوف وصهيل الخيول.
وحين تتحوّل الخنساء من وصف شجاعة أخويها إلى وصف حالها بعدهما، ترى العاطفة الصادقة المتدفقة تسيطر على كل موقف وهكذا فإن رثاء الخنساء هو مزيج من شعره ولين، وبكاء وأنين،وشكوى وحنين ، وقد بلغت بشعرها أعلى مراتب الشهرة ، فإذا حزنها الكبير ولوعتها التي لم تنقض ، جعلاها تغوص في أعماق النفس البشرية تجتلي الضعف الإنساني أمام قسوة القدر الظالم ، والموت الرهيب ، مستسلمة حينا ، ورافضة في معظم الأحيان ، تمجد القوة والنصر ، تبتغي الحياة فلا تلقى إلا دمارا وهلاكا وموتا زؤاما ،ملأت الدنيا نحيبا وعويلا وزرعت أشعارها في قلب كل إنسان حزين ، وهكذا فان الخنساء عبرت بشعرها عن مظلمة المرأة واستسلامها للقضاء والقدر وعبرت بأشعارها الرقيقة أصدق تعبير عن مرارة الفقد فقد الأهل والأحبة وألم الموت وصورت التجربة الإنسانية المؤلمة أدق تصوير فكان شعرها خالدا تحسه ، وتتجاوب معه ، وتنفعل به ، فنراها هنا تخاطب عينها قائلة :
يا عينِ ما لكِ لا تبكين تَسكابَا إذ رابَ دهرٌ وكان الدَّهرُ ريَّابا
فابكي أخاكِ لأيتامٍ وأرملـةٍ وابكي أخاكِ إذا جاورتِ أجنابا...
المجدُ حُلَّتُـه، والجُودُ عِلَّتُـه والصِّدقُ حوزتُه إن قِرنُه هابـا...
حمَّال أَلوِيـةٍ، قَطَّاعُ أوديـةٍ شَهَّـادُ أنجيـةٍ، للوترِ طَلَّابَـا

وأيضا هنا :
ألا يا عينِ فانهمِري وقلَّتْ لِمَرزِئةٍ أُصِبتُ بها تولَّتْ
لِمَرزئةٍ كأنَّ النفسَ منها بُعيدَ النَّومِ تُشعَلُ يومَ غُلَّتْ
ألا يا عينُ ويحكِ أسعديني فقد عظُمتْ مُصيبتُه وجلَّتْ
مُصيبتُه عليَّ وروَّعتْنـي فقد خصَّتْ مُصيبتُه وعمَّتْ
فللخنساء أشعار كثيرة تبيح فيها لغة الخطاب والمخاطب إما ماديا ملموسا أو حسيا مدركا ..
الفصل الثالث
-أغراض الصورة الفنية
لا شك أن هذه الصورة الفنية من أهم الجماليات التي ترسم الشعر، وأوضحها وأقربها إلى دارس الأدب بشكل عام، والدارس للصورة الفنية بشكل خاص، ومن هنا أدرج النُقَّاد حديثهم عن الصورة البلاغي تحت الأنماط الفنية التي تـشمل الحـديث عـن التشبيه والاستعارة والكناية بوصفها الأركان الرئيسة في بنـاء الـصور الـشعرية وتشكيلها البلاغي، وهذه الصور الثلاث أكثر دوراناً في الشعر بشكل عـام، وعنـد الخنساء بشكل خاص، وفيما يأتي عرض لهذه الصورة البلاغية: :التشبيه لغة: التمثيل، وهو مصدر مشتق من الفعل"شبه" بتضعيف البـاء، يقـال شبهت هذا بهذا تشبيهاً؛ أي مثَّلته به أما التشبيه في اصطلاح البلاغيين هو: عقد علاقة مقارنة بين طرفين أو أكثـر، لاتحادهما أو اشتراكهما في صفة أو حالة أو مجموعة من الصفات والأحوال، وقـد تستند هذه العلاقة إلى مشابهة حسية أو حكم ومقتضى ذهني ويعد التشبيه من أقدم صور البيان ووسائل الخيال وأقربها إلى الفهم والأذهـان، ومِن أهم وسائل البيان عند العرب، ومن مقتضيات النَّظْم، ومن أبرز طُرق التصوير وأبين دليل على الشاعرية، ومصدر إعجاب النقاد القدامى والمحدثين على السواء يقول المبرد:" التشبيه جار كثير في كلام العرب، حتى لو قال قائل: هـو أكثـر وقال في موضع آخر:" والتشبيه كثير وهو باب لا آخر لـه" كلامهم، لم يبعد" ومرد ذلك الاهتمام، إعجابهم الكبير به؛ إذ إن التشبيه:" أعلق بالطبع، وألذ للـنفس وله نفع عظيم في باب الخطابة" بالتشبيه منذ القدم تعلقاً شديداً، فأكثروا من استخدامه، وتفننوا فيه، ولا يخلـوا منـه ديوان شاعر في القديم والحديث. وعد بعض النقاد التـشبيه مقياسـاً للحكـم علـى الشعراء والمفاضلة بينهم، حتى قال القاضي الجرجاني:" وكانت العرب إنما تفاضل بين الشعراء في الجودة والحسن بشرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واسـتقامته، وتسلم السبق فيه لمن وصف فأصاب، وشبه فقارب" ويمنح التشبيه النص كثافة تصويرية، وأبعاداً إيحائية تجذب اهتمام المتلقي؛ لذلك يعد تصويراً يكشف عن حقيقة الموقف الجمالي الذي عاناه الـشاعر أثنـاء عمليـة الإِبداع، ويرسم أبعاد ذلك الموقف عن طريق المقارنة بين طرفي التشبيه، مقارنة لا تهدف إلى تفضيل أحد الطرفين على الآخر بل تربط بينهما في حالة أو صـيغة أو وضع وقد اعتمدت الخنساء على التشبيه كثيراً في تشكيل صورها الفنية، وهـو أكثـر وسائل تشكيل الصورة عندها؛ لما له مِن أثر كبير في إيضاح المعـاني والأفكـار، ونقل المشاعر والأحاسيس، وكان للبيئة التي عاشت فيها الخنساء أثر فـي التقـاط صورها، وأوضح ما يكون ذلك في هذا التصوير ألتشبيهي الدال على الفخر، حينما تقول صبحتَهـم بالخَيـلِ تَردي كأَنهــا جـراد زفَتْه رِيح نَجـدٍ إلى البحـرِ
فشبهتْ خيل أخيها صخر وعشيرته بالجراد في الكثرة. وكثيراً ما تطلب الخنساء من عينهاـ ومن عشيرتهاـ البكاء على صخر وصفاته ومواقفه التي فقدت بفقـده، وخاصة وقت الحاجة إليها، فيلبس رثاؤها ثوب الافتخار، فتقول فابكِي أَخَـاكِ لأَيتَامٍ أَضــر بهـم ريب الزمانِ وكُلُّ الضـر أَغْشَانـي وابكِـي المعمم وابن القَائِديـَـن إِذا كـان الرماح لَـديهم خَلْج أَشطَـانِ نلحظ في هذه الأبيات المشبه حركة الرماح في طعن الصدور وجـذبها منهـا، والمشبه به حركة حبال الدلاء في إنزالها إلى البئر لاستقاء الماء وجذبها منها، ووجه الشبه الهيئة الحاصلة من الحركة السريعة المستمرة لأشياء كثيرة متقاربة. فمن هنا خدم التشبيه الحال التي طلبت فيها الخنساء من عينيها البكاء، ومظهر ذلـك وقـوع المشبه به خبراً للمشبه، وفي ذلك دلالة على قوة المشابهة بينهما، من نفاذهـا فـي صدور الفرسان بسهولة، ولو كان صخر حياً لما حدث ذلك في قومها، ولما طلبـت من عينها البكاء. وتشبيه حركة الرماح بحركة حبال الدلاء في البئر، يذكره الشاعر في مجال الفخر، والاعتزاز بالنفس. وتظهر براعة الخنساء التصويرية حينما تصور ما يعتلج في نفسها مـن لوعـة وأسى، فقد ذاقت ألم الحرمان وحرارة الفراق لَمِـرزئَةٍ كَـأَن الجــوفَ مِنْهــا بعيـد النَّـومِ يشْعـر حـر جمـرِ شبهت في هذا البيت أثر المصيبة في الجوف، بأثر الجمر فيه، في شـدة الألـم والوجع، ففي هذه الصورة التشبيهية تنظر الشاعرة إلى الظواهر الخارجية من خلال منظورها الداخلي فتلونها بلون أحاسيسها، فترى المصيبة وأثرها في الجوف، جمراً يحرق كل شيء؛ لذلك نلمح مقدرة الخنساء الفائقة في اختيار الألفاظ، ومدى ملائمة معانيها وموازنتها لبعضه ومن تشبيهات الخنساء ما ضربته لبيان هول المعركة، وخفـة خيلهـا، وقـوة فرسانها، ويتضح في قولها وقـواد خيلٍ نحـو أُخـرى كأنَّهـا سعـالٍ وعِقْبان عليهــا زبانية الضمير في كأنها يعود على الهيئة المتقدمة ـ أعني الخيل بقوادهـا ـ وأُنـث تغليباً للخيل على القائدين، والضمير العائد على غير العاقل يؤنث غالباً، وعلى ذلك: فالمشبه متعدد والمشبه به متعدد أيضاً، وبالتأمل في التشبيه نجده التشبيه الملفـوف، المحتوي بداخله على تشبيه الجمع. فهي هنا شبهت الخيل في خفة حركتها بالسعالي، أُنثى الغول، وهو أمر وهمـي يفيد الذعر والرعب، لِما في نفسها من استبشاع صورة الغول وأُنثاه، وتشبه –أيضاً- الخيل بسرعة حركتها وقوة ملاحظتها بالعقبان، وهي في مقابل هذا تحرص علـى وصف الفرسان بما يتجاوب مع تلك الخيل، فشبهت القائدين للخيل بالزبانية في القوة والغلظة وسرعة التصرف، والسيطرة على هذه الأشياء المتمردة وتصريفها طـوع أوامرهم، فالخنساء في هذا الحال تُصور هول الموقف وشدته وصعوبته. وفي صورة الرمح الذي نفذ في صدر أخيها صخر من ربيعة بن ثور ألأسدي في ساحة الحرب، أخذت الشاعرة ترسم صورة هذا الرمح الحاد الذي أودى بحيـاة صخر فيما بعد، تقول بمقَــومٍ لَدنِ الكُعــوبِ سِنَانُــه ذَرِب الشَّبــاةِ كَــقَادِمِ النَّســرِ أي طعنه برمحٍ مقوم مرنٍ متين، محدد السنان كجناح نسرٍ في استوائه ورهافته، ومن هذا المنطلق شبهت استواء الرمح وإرهافه بقوادم النَّسر . لاشك أن الناظر في شعر الخنساء سيجد في قراءته شيئاً كثيراً يلائم ما كان في نفس الشاعرة وقت الحدث. وأرى من خلال ذلك أنها شاعرة قوية الحـس، رقيقـة الشعور، وأن شعرها يعرب عما في نفسها، ويعلن إلى المتلقي عن تجاربها الصادقة والقوية. وتقول في مقطوعة من محاسن شعرها، عن أخيها صخر وسجاياه، التـي انعدمت بفقده، وأثر ذلك في قومها بني سليم فَكأَنَّمـــــا أَم الزمــــــا ن نُحــورنَا بمــدى الذَّبائِــح وجد الباحث محمد أبو موسى في هذا البيت:" صورة أُخرى للداهية التي كربتهم بموت صخر ترى فيها الزمان بجبروته يقصد إلى نحور بني سليم وفي يده العاتيـة مدى الذبائح فيطعن نحورهم طعنات موجعة مردية، ليس لهم بعدها حياة، ولا حس، الخنساء تصور إصابتهم في صخر بهذه الصورة المفزعة، والأم بشد الميم وفتحهـا هو القصد والتوجه. قالوا خرج القوم يؤمون البلد أي يقصدونها، والإمام متَفرع عن هذا المعنى، فإنه يتقدم القوم وهم يقصدونه. والزمان في بيت الخنساء يتجه إلى بني سليم عامداً إلى نحورهم ويطعن فيها بكل قوته وكأنه كان يحاربهم ويؤم مقـاتلتهم. وقالت بمدى الذبائح فجمعت المدى ولم تقل بمدية، ليكـون ذلـك أدل علـى مبلـغ مصابهم، وكأن الزمان نحرهم بكل المدى وليس بمدية واحدة. والقوم قد ذبحوا بكل ولا يغيب عن إدراك المتلقي إعجاب الخنساء الشديد بشخصية المرثي وصفاته؛ إذ يحس من خلال حديثها أنها تطلب بديلاً عز وجوده، وبطلاً ندر مثيله، وتقول في أخيها صخر مِثـْلُ الردينِّي لَــم تَنْفَـد شَبِيبتُه كَأَنَّــه تَحتَ طَي البـردِ أسوار تشبه في البيت السابق أخاها صخراً بالرديني. فقولها: لم تنفد شـبيبته، جملـة فعلية واقعة صفة للرديني؛ أي رمح لم يستعمل. ثم تُشبهه أيـضاً "بالـسوار" فـي ، ولطافة بدنه، وفي تكرار أداة التشبيه(مثل، وكأن)؛ دلالـة علـى حـرص هيفه الخنساء لإبراز مظهر أخيها حتى بعد موته، وحفاظاً على غرس ذكرياتِهِ في نفـس المتلقي وتقول ـ أيضاً في أخيها صخر نَصبتَ للقَـومِ فيـهِ قَصـد أَعينِهِـم مِثْـلَ الشِّهابِ وهـم شَتَّى عبادِيـد تشبه الخنساء أخاها صخراً بالشهاب أمام أعين أصحابه، يهديهم وهم متفرقون، فهي تريد إثارة اهتمام المتلقين، وتذكيرهم بقيمة أخيها صخر. وهذا التشبيه يـشكل أداة خصبة تكشف العالم الروحي للإنسان المختزن في وجـدان الـشاعرة. ومـن الصورة التشبيه قولها في تصوير حالها كُـوني كَوقَاء في أَفْنَـانِ غِيلَتِـها أو صائِـحٍ في فُروعِ النَّخْلِ هتَّـافِ في هذا التشبيه تصور الخنساء حالها بعد مقتل صـخر، وتطلـب مـن نفـسها الاستمرار على تلك الحال. فتشبه حالها أولاً بحال الحمامة التي بين الشجر الكثيـر الملتف في الحيرة والتخبط وعدم الاهتداء.
الاستعارة : تحدث البلاغيون عن الاستعارة وقدرتها على منح المعاني توسعاً، وعدولاً عن المألوف. وبينوا دورها في إنهاض النص الشعري وقد جاء حضور الاستعارة عند الخنساء في المرتبة الثانية بعد التشبيه الذي يعد البذرة الأولى للصورة الفنية، وقد عرفت الاستعارة في البلاغة العربية بأنها:" تشبيه حذف أحد طرفيه، وحذف أحد طرفي التشبيه فيها لا يعني الاستغناء عنـه، ولكنـه يعني حفز خيال المتلقي لإدراكه دائماً، وفي هذا يقظة داخلية حتمية عنـد المتلقـي كانت قد سبقتها يقظة داخلية حتمية عند المبدع، وهو يلاحـق تركيـب العناصـر وترتيبها على نسق خاص، يظهر شيئاً ويخفي آخر، وكل هذا يعطي مجـالاً للدقـة والتعقيد أكثر من التشبيه" إن العملية الاستعارية تتم وفق رؤية الشاعر داخل بوتقة نفـسية فـي مختبـر حياته، تحت تأثير حرارة شعوره التي تصهر العناصر المختلفة، فتؤلف بينهـا فـي وحدة واحدة؛ لتكوين صورة جديدة مبدعة من خلقه، ليس لها شبيه في الواقع، لكـن يد هذا الشاعر قد تدخلت وأعادت تشكيل هذه العناصر وفق روحه وفكـره لتظهـر بهيئة جديدة مختلفة. ومن هنا فإن الصورة قادرة على الكشف عن رؤيـة الـشاعر للحياة بكل ما فيها، بل هي أكثر من ذلك: إنها تمنحه فرصة لتشكيل موجودات هـذا الكون على الكيفية التي يرغب بها، حيث يغدو عالم الشعر العالم الـسحري الـذي يحقق الشاعر أحلامه وطموحاته التي لم يتمكن من تحقيقها على أرض الواقع كمـا وأن الاستعارة يصبح المتنفس الذي يفرغ من خلاله ما يكتبه مـن رغبـات ومـشاعر الاستعارة هي اللغة الطبيعية للحالات المتوترة، وللإثارة؛ لأنها تمكن الإنـسان مـن التعبير عن الارتفاع في مستوى الموقف العنيف الذي يثيره" بالإضافة إلى أن الاستعارة تعد من أدوات الشاعر في تشكيل الـصورة، وقـد استخدم بعض النقاد لفظ "الاستخدام الاستعاري:" بدل الضروب المجازيـة بعامـة، ويرى البعض الآخر أن لفظ الاستعارة لو أحسن استخدامه، فإنـه يعطـي المعنـي أفضل من لفظ الصورة، وهذا ما أشار إليه مصطفي ناصف فـي كتابـه الـصورة الأدبية، بقوله:" لا يسعني إلا أن أذكر العصريين المتلهفين على تغيير الأسـماء أن لفظ الاستعارة إذا أحسن إدراكه، فقد يكون أهدى من لفظ الصورة. وأن الصورة ـ إذا جاز الحديث المفرد عنها ـ لن تستقبل بحال عن الإدراك الاستعاري وتمزج الاستعارة بين الشعور واللاشعور، ولما كـان اللاشـعور هـو مثـوى الانفعالات الإنسانية فإن الاستعارة تقوم بعملية تنشيط القوى الوجدانية بما تحمل من هذه الانفعالات، وبما تمتلك من مساعدة على استيعاب العمل الفني، ومن ثم تكـشف عن طبيعة الإنسان الحقيقية كما هي صدى اللاشعور وقد استطاعت الخنساء أن توظف الاستعارة مع عددٍ من التقنيـات التعبيريـة، توظيفاً إبداعياً صبغ لغتها ديناميكية لافتة ومدهشة، تجاوزت بها التعبيـر العـادي، لتُحلق في سماء الإبداع بلغةٍ شعرية امتلكت الواقع، واختزلت الوجود، ذات دلالات عميقة وخصبة، مما جعلها ذات قدرة فاعلية على تحريك مشاعر المتلقي، وتفاعلـه مع قصائدها. ولا شك أن الخيل دخل نطاق الاستعارة عند الخنساء باعتبارها مظهراً من مظاهر التباهي والتفاخر والتنافس، فبها نالوا الغنائم، وطلبوا ثأرهم، واتخـذوها معاقل تقيهم غارة خصومهم، فذهبت الخنساء تستعير لخفة حركتها صورة "الـسابح في قولها :
يـردي بـهِ فـي نَقْعِهـا سابِــح أَجـرد كالسـرحانِ ثَبتُ الحصار
وأيضاً قولها يعــدو بِهِ سابِح نَهـد مراكلُــه إذا اكتسـى مِن سوادِ الليل جِـلبابا
فالعدو حركة سريعة على الأرض، والسباحة حركة في الماء، ولما كـان حـال الفرس في عدوه شبيهاً بحالة السابح السريع في الماء، يستعار له صـفة(الـسابح)؛ لذلك استعارت الخنساء السبح لجري الفرس، وكل هذه الاستعارات تعكـس أصـالة الفرس وعراقتها.
الكناية : لقد استخدمت الخنساء هذا الأسلوب البياني للتعبير بشكل غير مباشـر عـن مشاعرها وعواطفها ومكنونات نفسها والأزمات والهموم التي تعيشها، وقد بـرزت شكل جلي عند الشاعرة، فوجدت فيها قدرة رمزية في الدلالة على المعنى، فتمكنت من التعبير عن أمور تتحاشى الإفصاح عنها:" فالكناية من الفنون الجميلة التي تَمس حياة الناس وأذواقهم وتطورهم الثقافي والاجتماعي، وهي تحتاج إلى حـس لغـوي مرهف، ذكي، يختار المعنى ثم يخفيه مشيراً إليه بأحد المعاني المنبثقة منه، المترتبة عليه، اللازمة له لزوماً منطقياً أو عرفياً أو ابتكاري من صنع الفنان نفسه" وتُعد الكناية عنصراً من عناصر تشكيل الصورة الشعرية، وهي لفـظ أُطلـق وأُريد به لازم معناه، مع جواز إرادة ذلك المعنى...أو هي اللفظ الدال على معنيـين . وهـي:" عبـارة مختلفين: حقيقة ومجازا من غير واسطة لا على جهة التصريح صورية، أريد بها غير ظاهر معناها، إنها وسيلة لمعنى آخر فـي عقـل الـشاعر ، من بعيـد، أو وهذه الصورة(الكناية) تشير إلى التصوير المراد إشارة وقلبه" توحي إليه إيماء، ولذلك أطلق عليها عبد القادر الرباعي، مع المجاز المرسل اسـم . الصورة الإشارية ومن تلك الحيثية تعتمد الصورة الكنائية على إدراك عميق لسياق القصيدة ـ أو النص عامة ـ كما تتبدى الصلة بين المباشر من الدلالة وما هو مجاور لها مستجر بها، وهنا تبرز علاقة اللغة بالثقافة التي تتضمن القيم الفكرية والاجتماعية والسلوك الصادر عنها، وهذا ميسور إلى حد كبير في أذهان المعاصرين لـصاحب الـنَّص وانفعالاتهم، ويبدو بعيداً بعض الشيء عن الآخريـن في العصور التالية، وأصحاب الثقافات المختلفة تبعاً للغات المرتبطة بها زماناً ومكاناً وتتجلى القيمة التعبيرية للكناية في ثنائية دلالية، فنحن نتجه إلى الغرض والغاية من خلال نصٍ صريح؛ أي لسنا أمام حاجز هو الواقع، وليس مطلوباً فـي عمليـة التلقي إهمال هذا الجانب، فهو أساس في التركيب الدلالي وفي تشكيل الصورة، وإنه يغني الحالة الشعورية لدينا مثلما كانت عند الشاعر أو الكاتب، في إحـساس جعلـه يدور هذه الدورة ويطل من أعلى، أو من أحد الأطراف ليصل إلى الزاوية المباشرة في كيان التجربة، وهنالك الحركة المركبة عندما لا تواجه الدلالة مباشرة، فالتصور يستعد لتلقي ما هو مستكن بعد خطوة أو اثنتين، وبعد ذلك يتداخل في نسيج الكنايـة ما تشتمل عليه الألفاظ، وما هو وراءها في الإيحاء معنى المعنى ومن الكنايات التي استخدمتها الخنساء، وأسرفت فيها، لكن بصورة عفوية غيـر مقصودة قولها في صخر:
رفِيـع العِمــادِ طَــوِيلُ النِّجـادِ ســـاد عشِيرَتــهَ أمـــردا
نجد هنا ثلاث كنايات تُمثل بنية البيت كاملاً، فالمرثي"رفيع العماد" كنايـة عـن شرفه ومجده؛ لأن البيت الذي يكثر طروقه يكون مهيئاً أحسن تهيئة فهو بيت مرتفع واسع، باسق الأعمدة:" إذْ مِن المعلوم باللزوم الذهني أن الرجل ذا القامة القصيرة لا يتخذ حمائل طويلة لسيفه، إنما يتخذ الحمائل الطويلة من كان مـن النـاس طويـل . والمرثي ـ أيضاً ـ "طويل النجاد" فخمائل سيفه ليست قصيرة، وما ذاك القامة" إلا من أجل طوله، فهي كناية عن الطول، وهـو صـفة محمـودة عنـد العـرب. وصخر"ساد عشيرته أمردا"، حيث أصبح سيداً مقدماً في قومه ولما تنبـت لحيتـه، وهذه كناية عن نجابته.
- النقد لشعر الخنساء
لعلَّ من الأسباب التي دَفَعت الباحث إلى تناوُل شعر الخنساء خاصَّة: ما تتمتع به الشاعرة المخضرمة من مكانة عالية، ومنزلة رفيعة في الشِّعر العربي، فقد قال لها النابغة بعد سماعه لشعرها: "اذهبي فأنت أشعر مِن كل ذات ثديَين....وقال عنها بشار بن برد: "تلك التي غلبت الفحول من الشعراء"
وقد أشار سيبويه إمام النُّحاة إلى تميُّز لغة الشعر بما تحتمله ما لا يحتمله غيرُه من الأساليب؛ حيث عقد بابًا في كتابه سماه: هذا باب ما يحتمل الشِّعر وقد ختم هذا الباب بمبدأ عام كذلك هو قوله: "وليس شَيْءٌ يضطرون إليه إلاَّ وهم يُحاولون به وجهًا"أي: إنَّ ما يرد في الشِّعر محكوم بقوانين لغوية خاصَّة تسمح به وتجيزه في هذا المستوى من مستويات الكلام، وليس شيْءٌ يُلْجِئهم إليه الوزن، وتضطرهم نحوَه القافية، أو أنَّ هذه الأمور الجائزة متروكة لعَبثِ العابثين، ولغو اللاَّغين، بل إنَّها خصائص خاصَّة يُجيزها النظام اللغوي في هذا الضرب المخصوص من الكلام، ولها وجه يُطلب، ومعنى
يراد وتتبين من هذا أن اللُّغة في الشعر لها خصوصيتها؛ لأنَّها ترتدي ثوب الشِّعر منذ اللحظة الأولى، فالإبداع والجمال وسيلة وغاية في الشِّعر، خاصَّة أنَّ الشعراء أمراءُ الكلام "يصرفونه أنَّى شاؤوا، وجائز لهم ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده، ومن تصريف اللَّفظ وتعقيده، ومد مقصوره، وقصر الممدود، والجمع بين لُغاته، والتفريق بين صفاته، واستخراج ما كلَّت الألسن عن وصفه ونعته، والأذهان عن فهمه وإيضاحه" أو كما يرى الأستاذ الدكتور أحمد كشك: "تُعدُّ اللغة في بنيان الشعر قيمةً إيقاعية ومعنوية تمنح الشاعر فيضًا من العطاء، ويمنحها الشاعر من طاقته الإبداعيَّة وحسه الصادق مذاقًا خاصًّا، وهذا ما جعلها أحيانًا طوع يديه تخضع لسياقه، وإن خالفت نواميسها التي وضعت لها، والأصل أن تكون طاقة الشاعر الإبداعيَّة وإلهامه الصافي مع نظام اللُّغة والسياق الإيقاعي صنوَين متآلفين لا يخرج أحدهما عن ناموس الآخر .
ومِن خلال هذا المزيج يُعاد صياغة الوجود على نحوٍ يتسم بالجمال والثَّراء، كذلك يكشف اتِّصال النحو بالنص الشعري عن وسائله التفسيرية التي تُعين الناظرَ في النصِّ الشعري على التوصُّل إلى دلالاته الخافية والوقوف على أسراره الكامنة في بنيته الداخليَّة، فإنَّ النص الأدبي: "فن لغوي قبل كل شيء وبعده، وإنَّ فهمه لن يكون على الصورةِ الصحيحة المفيدة، إلاَّ إذا كان هذا الفهم قائمًا في أول أمره على فهم بنائه، وبناء الشعر لا يقوم إلاَّ على بناء جمله المسلوكة في وزنه وقوافيه أو موسيقاه"
وقد بلغ عددُ المواضع التي وردت فيها الجملة المؤكدة بأدواتِها المختلفة مائتين وتسعةً وسبعين موضعًا، وهذا يدلُّ على أنَّ الخنساء أرادت من وراء هذه المؤكدات إبراز حزنها، وألمها، وشدة وجدها لفراق آل بيتها، وبخاصَّة أخوها صخر، وإبراز الصفات التي كان يتحلَّى بها، والرد على من يُشكِّكون في ذلك.
ويتَّضح من ذلك أن جُلَّ شعر الخنساء قائم في بناء تركيبه على الجملتين الاسمية والفعلية والمزاوجة بينهما؛ حيثُ عملت هذه المزاوجة على إكساب النَّص دلالاتٍ ثرية، ومعانِيَ دقيقة ومتداخلة.

-أنواع الرثاء عند الخنساء
وينقسم هذا التراث إِلى ثلاثة ألوان هي: الندب، والتأبين، والعزاء.

أما الندب: فهو: بكاء النفس ساعة الاحتضار وبكاء الأهل والأقارب، وكل من ينزل منزلة النفس والأهل من الأحباء وأخوة الفكر والاتجاه والمشرب، بل يمتد إِلى رثاء العشيرة والوطن والدولة حين تدول أو تصاب بمحنة من المحن القاصمة المحزنة.
وأما التأبين: فليس بنواح ولا نشيج كالندب، بل هو أقرب إِلى تعداد الخصال وإِزجاء الثناء. إِنه تنويه وإِشادة بشخصية لامعة، أو عزيز ذي منزلة في عشيرته أو مجتمعه، وهو تعبير عن حزن الجماعة على الفقيد أكثر منه تعبيرًا فرديًا عن ذلك.

والعزاء: هو في مرتبة عقلية فوق مرتبة التأبين. إِذ هو نفاذ إِلى ما وراء ظاهرة الموت وانتقال الراحل، وتأمل فكري في حقيقة الحياة والموت. تأمل ينطلق إِلى آفاق فلسفية عميقة في معاني الوجود والعدم والخلود.

هذه الألوان الثلاثة من فن الرثاء لا تفصلها حدود فاصلة، ولا يقوم منها لون دون الاستناد إِلى الآخر والاتسام ببعض خصائصه. ولكن إِذا غلب منها لون أعطى العمل الفني طابعه العام، ووسمه بميسمه الخاص. على أن كثيرًا ما تتداخل تلك الألوان ضمن عمل أدبي واحد، لاسيما في رثاء قواعد الملك والدول الزاهرة والعهود المجيدة من تواريخ الأمة.

إِن ما انتهى إِلينا من تراث المراثي كثير جدًا يمثل مختلف العصور الأدبية ومختلف الألوان والاتجاهات الفكرية. وإِن أقدم تلك المراثي مما أبدعت قرائح الجاهليين، وصلتنا ناضجة محكمة، قد تجاوزت طفولتها ومراحل محاولاتها البدائية، وصارت ذات قوالب وصيغ محددة، وأساليب وصور معروفة. ثم لما تطورت مختلف فنون الشعر نتيجة مجيء الإِسلام وما تفرع عنه خلال الأجيال الطويلة المتعاقبة من تيارات فكرية ومذهبية وسياسية وأدبية...

تطورت صور الرثاء ونماذجه وتعددت دواعيه وبواعثه. فإِذا جئنا نوازن بين عناصر المرثية في نماذج تمثل تدرج الزمن ونمو العقل وتعقد الحياة، خرجنا بحقائق يمكن رصدها في رسم بياني، بدايته في العصر الجاهلي ونهايته في عصرنا الحاضر، وبين الطرفين خط يأخذ في الارتفاع التدريجي فيكون أعلاه عندنا اليوم. غير أن هذا الرسم نسبي إِلى حد كبير، ولابد من وجود تذبذبات ومنعرجات فيه..

أي أن في كل عصر كثيرًا من النماذج التي لا تمثل عصرها، بل تتخلف عنه أحيانًا قرونًا إِلى الخلف. ففي عصرنا اليوم بعض من الشعراء وقوافل من النظّامين لا يزالون يصوغون قصائدهم بأسلوب عباسي، بل بأسلوب أقدم من ذلك في بعض الأحيان.

وطبيعي أن يتفوق النساء على أكثر - إِن لم يكن كل - الرجال في أشعار المراثي، تفوقًا لا نجده في فن آخر غير هذا الفن؛ ذلك أن المرأة بتكوينها النفسي والعاطفي والاجتماعي هي أكثر استعدادًا، فعاطفتها أسرع انبعاثًا وأعمق شعورًا، وقدرتها على البكاء وبعث مكامن الشجى واللوعة لا تدانيها قدرة الرجال.

وقد جمع لويس شيخو الأديب اللبناني الراحل كتابًا ضمنه ما فاضت به قرائح كثيرات في هذا المجال، وسماه "مراثي شواعر العرب"
ونقصر حديثنا هنا عن اللون الأول وهو الندب.
الندب:
الندب هو النواح والبكاء على الميت بالعبارات المشجية والألفاظ المحزنة التي تهز القلوب وترسل الدموع وتبعث العبرات والزفرات. ويبدو أنه أقدم صور الرثاء، وكانت بدايته أرجازًا وقطعًا تؤلفها النسوة حين يندبن القتلى، ثم تطورت القطع إِلى قصائد.

ويشمل هذا اللون من الرثاء ندب النفس ساعة دنو الأجل، وندب الأزواج والأبناء والإِخوة والأخوات ومختلف ذوي الأرحام والأقرباء والأعزاء من الأصدقاء، وكذلك يشمل بكاء الشعراء شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وخلفاءه وأهل بيته، كما يشمل رثاء الحواضر والدول والأوطان.

أما بكاء الشاعر نفسه، فيقال إِن أقدم من فعل ذلك شاعر جاهلي هو يزيد بن خذَّاق. يقول من قصيدة له:
هل للفتى من بنات الدهر من واق
أم هل له من حِمَام الموت من راق
قد رجَّلوني وما بالشَّعْر من شَعَثٍ
وألبسوني ثيابًا غير أخلاق
وأرسلوا فتية من خيرهم حَسَبًا
ليسندوا في ضريح القبر أطباقي
وتعظم المصيبة على الشاعر الذي يموت غريبًا عن أهله ووطنه: ومن أروع من صوَّر هذا المعنى وما يتصل به الشاعر المجاهد مالك بن الريب الذي كان يغزو في خراسان، فلما حضرته الوفاة ناح على نفسه بألم وفجيعة. يقول من قصيدة طويلة:
ألا ليت شعري هل أبيتَنَّ ليلة
بجنب الغَضَا أُزْجِى القِلاص النَّواجيا
لقد كان في أهل الغَضَا، لو دنا الغضا
مزارٌ، ولكن الغضا ليس دانيا
تفقدتُ من يبكي عليَّ فلم أَجِدْ
سوى السيف والرمح الرُّدَينى باكِيًا
وبالرَّمْل منا نسوة لو شهدْنني
بَكيْن وفدّيْن الطبيب المداويا
يقولون لا تبعد وَهُم يدفنونني
وأين مكان البعد إِلا مكانيا!

وهي مرثية طويلة، أبرز ما فيها هذه الخواطر الممزقة بين الحنين إِلى أهله بمنطقة الغضا والرمل، وبين سكرات الموت وفزع صاحبيه من حوله ومخاطبته إِياهما تارة والذهول عنهما تارة أخرى. وأعجب ما في هذه المرثية أنها لا تفيدك أن صاحبها كان غازيًا في سبيل الله من بين الفاتحين لتلك الآفاق، إِذ لا ذكر في القصيدة لأي معنى إِسلامي يذكر!. وهي لذلك لم تخرج في أسلوبها وروحها وصورها النفسية عن أي قصيدة جاهلية أخرى.

الفصل الرابع :
-بناء الصورة الشعرية من حيث التوظيف الحسي والمحتوى فيها
لعلَّ روعة الشعر مستمدة من روعة صوره؛ لأن الصورة عماد الشعر وقِوامه، وهي بداية الخيط الذي يقودنا إلى البناء الشعري وأرى أن مقدار الشاعرية يتوقـف على الإبداع في التصوير؛ لذلك شغل تحديد مفهوم الصورة الفنية، وأهميتها النُقـاد القدماء والمحدثين على السواء، ومازال البحث قائماً في ميدان دراسة الصورة؛ لـذا قال في ذلك أحد كبار الباحثين المحدثين:" ما بذلته من جهد في هذا السبيل جعلنـي أقتنع اقتناعاً عميقاً بأن قضية الصورة في التراث النقدي العربـي مشكلة جوهرية، لا تحتاج إلى دراسـة واحــدة فحـسب، بـل إلـى العديــد مـن الدراسـات على الرغم من أن هذا الميدان استوعب دراسات متعددة، تناولـت المتخصصة" الصورة وأهميتها، وقيمتها الجمالية من جوانبٍ مختلفة. والتصوير ليس أمراً جديداً أو مبتكراً في الشعر، وأشار إلى ذلك إحسان بقوله:" ليست الصورة شيئاً جديداً، فإن الشعر قائم على الصورة - منذ أن وجد حتى اليوم- ولكن استخدام الصورة يختلف بين شاعر وآخر، كما أن الشعر الحديث يختلف عن الشعر القديم باستخدامه للصورة . ومن هنا نرى بأنه لا يمكن تصور شعرٍ خالٍ من الصورة؛ لذا أولى النُقَّاد ـ على مر العصور ـ الصورة اهتماماً كبيراً، وإذا ذهبنا نستقصي ما جاء في كتب النقـد القـديم حـول الصورة، فإن المقام سيطول، ولكننا سنكتفي بعرض آراء بعض النقاد القدامى الذين كانت لهم جهود بارزةٌ في هذا الشأن. وسوف نلاحظ أن الجذور العربيـة لدراسـة الصورة متوافرة وليست مفقودة، وإن اختلفت درجة الاهتمام ـ عند هؤلاء النُقَّاد ـ بين إشارات ولمحات بسيطة وعابرة حيناً، وبـين إدراك ووعـي عميـق لطبيعـة الصورة وأثرها في النص الأدبي مع اهتمام بالنواحي الفنية والجمالية فيهـا حينـاً آخر. ويعد الجاحظ أول من وضع حجر الزاوية؛ لتوضيح مفهوم الـصورة وإبـراز قيمتها الفنية، من خلال نظرته التقويمية للشعر، والإشارة إلـى الخـصائص التـي تتوافر فيه؛ فعندما بلغه أن أبا عمرو الشيباني استحسن بيتين من الشعر لمعناهما مع سوء عبارتهما، علق برأيه أن:" المعاني مطروحة في الطريـق يعرفهـا العجمـي والعربي والبدوي والقروي، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخيـر اللفـظ وسـهولة المخرج . فمن هنا اتفق أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قبلها، ولا بعدها، أشعر منها" هذا ولا تزال الخنساء موضع عناية الباحثين في عصرنا الحـديث؛ إذ نجـدهم يعدونها شاعرة جاهلية راثية، فبنت الشاطئ تنسبها:" فنياً إلى العصر الجاهلي،. وترى أيضاً أن حياتها قد امتدت في الواقع إلى ما بعد الإسلام سنين عددا وقد سجل التاريخ الأدبي للعرب مولد شاعرة قُدر لها أن تـشغل المكـان الأول بـين شواعر العربية ويقدمها لويس شيخو بقوله:" امرأةٌ طار ذكرها في أواخـر الجاهليـة وغـرة الإسلام، حتى صار مجرد اسمها عند العرب مثلاً يضرب في مناحة الأقوام، وبكاء . وذهب إلى مثل هذا أنور أبو سويلم؛ إذ يقول في مقدمة تحقيقـه الإخوان الكرام" لديوانها إنها:" عبرت بأشعارها الرقيقة أصدق تعبير عن مرارة الثكل، وألم الموت، وصورت التجربة الإنسانية المؤلمة أدق تصوير، فكـان شِـعرها خالـداً نحـسه، ونتجاوب معه، وننفعل به" ، ويرى عبد الرحمن الناصر في تقديمه لكتاب إسماعيل القاضي ـ الخنساء فـي مرآة عصرها ـ أنها تفرض:"نفسها على التاريخ الأدبي، وتبقى الـشاعرة المقدمـة على شواعر العرب جميعاً، سواء منهن من سبقنها، أو من جئن بعـدها إلـى يـوم الناس هذا، رأى هذا الأقدمون من نقاد العرب، وشيوخ الأدب، وأمراء البيان، ورآه ـ ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة.
ولعل الصورة في الشعر الجاهلي وليدة ثلاثة أشياء ممتزجة مختلطـة هـي البيئة، والنفس، واللغة. فلولا البيئة ما كانت تلك المشاهد والصور التي تحتشد بهـا القصيدة الجاهلية، ولولا النفس الشاعرة ما رأينا تلك الأحاسيس والمشاعر المتولـدة من معاناة التجارب الخاصة، التي استدعت صوراً بعينها تظهر من خلالهـا عنـد الشعراء الجاهليين، ولولا اللغة الشاعرة الحية القادرة على تجسيد الطاقات الشعورية بجرس حروفها، وإيحاء كلماتها، وظلال عبارتها لضاعت تلك المشاعر وماتت فـي . أنفس الشعراء . ومن خلال دراستي وجدت أن هذه العناصر الثلاثة تفاعلت جميعاً واشتركت في إبداع الصور الفني عند الخنساء؛ ولما للصورة من أهمية في كـشف جماليـات الشعر اتخذتها مجالاً للدراسة في نتاج الخنساء الشعري، آمـلاً أن تمنحنـي هـذه الدراسة للصورة أداة كاشفة عن أسرار كامنة داخل الشعر والشاعرة معاً.
وبناء الصورة الشعرية بتوظيف حسي هو إعطاء الصورة القائمة على إدراك الأشياء عن طريـق إحـدى الحواس، سواء كانت هذه الأشياء من الأمور المحسوسة أو الوجدانيـة الحس قائم على خمس حواس هي: البصر، السمع، الذوق، الشم، اللمس. إن المحسوسات تُشكل عنصراً أساسياً في رسم الصورة وتشكليها في الـشعر العربي بشكل عام؛ لأن البيئة العربية تغلب عليها الحسية، حتى في العصر الحديث، وهي:" أساس التصوير في الشعر بعامة، والصورة الحسية أقوى، من غير شك في الدلالة على المعنى والإحساس به من الصور البرهانية العقلية التـي تهـدف إلـى الإقناع" وقد استفادت الخنساء كثيراً في بناء صورها وتشكيلها الفني بكلِّ ما وقع عليه حسها وبصرها من جزئيات، سواء كان من بيئتها أو بيئة أُخرى، شاهدتها أو سمعت عنها، فمن هنا طافت عينها بما حولها من المبصرات المتحركة والساكنة والمضيئة والمتلونة، والتقطت أذنها كلّ ما سمعت من نبرات وأصوات، وشعرت وتلمست كل ما وقع على جسدها من حرارةٍ وبرودةٍ ونعومةٍ وخشونةٍ، ووظفت كل حواسها فـي تشكيل صورها، وإن كان اعتمادها الواضح والأكثر على حاسة البـصر والـسمع واللمس، فكثُرت الصور القائمة عليها في شعرها، وانعدمت أو كادت الصور القائمة على بقية الحواس الخمس؛ لذلك سنقتصر هنا الحـديث علـى صـورها البـصرية والسمعية واللمسية.
-الجملة الشعرية بدلالة التراكيب والألفاظ وتأثرها في البيئة
إن اتِّصال النحو بالنص الشعري مجال خصب جدير بالبحث والدِّراسة المنهجية المتأنية، فهذا الاتِّصال يكشف عن كثير مما يزخر به النحوُ العربي من إمكانات تعبيريَّة، تتيح للشاعر التصرف في الأساليب، وتَمُدُّه بالتراكيب المختلفة والبدائل الأسلوبيَّة المتنوعة التي يختار من بينها ما يتناسب مع غرضه، ويتَّسق مع غايته، فالنحو جزء أساسي من ذكاء الشَّاعر وفطنته وروعته، وليس جانبًا خارجيًّا، ولا طلاء يطلي به المعنى، النحو جزء أساسي مما نُسميه نشاط الكلمات في الشِّعر، إن الشعراء يتخلَّون عن أنظمة نحوية كثيرة مُمكنة، ويصعدون إلى نظام نحوي لا يُمكن الغضُّ منه، ما دمنا حريصين على أن نقرأَ الشِّعر قراءة دقيقة .
والشعر القديم أحوج من غيره لدراسة بنائه القائم على بناء جُمَله؛ وذلك لما تتسم به الجملة في هذا الشعر من نموٍّ وتداخُل، وإحكام تجعل ظاهر بناء الجملة فيه أدعى لإعادة النَّظر والتأمل
وهل يُمكن فَهْم الصورة الشعرية دون فهم تركيبها أولاً، أو دون الالتفات إلى هذا التركيب وطريقة بناء الجمل في القصيدة، وتدرج هذا البناء.. ونستطيع أن نقول: إنَّ الخنساء قد برعت في توظيف تراكيبها اللُّغوية، وبناء جملتها وَفْقًا للمعنى الذي أرادتْه، والغرض الأساسي الذي ساقتْ من أجله هذا الشِّعر، ألاَ وهو الرثاء .
والخنساء في الشعر لها خصوصيتها؛ لأنَّها ترتدي ثوب الشِّعر منذ اللحظة الأولى، فالإبداع والجمال وسيلة وغاية في الشِّعر، خاصَّة أنَّ الشعراء أمراءُ الكلام "يصرفونه أنَّى شاءوا، وجائز لهم ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده، ومن تصريف اللَّفظ وتعقيده، ومد مقصوره، وقصر الممدود، والجمع بين لُغاته، والتفريق بين صفاته، واستخراج ما كلَّت الألسن عن وصفه ونعته، والأذهان عن فهمه وإيضاحه"، أو كما يرى الأستاذ الدكتور أحمد كشك: "تُعدُّ اللغة في بنيان الشعر قيمةً إيقاعية ومعنوية تمنح الشاعر فيضًا من العطاء، ويمنحها الشاعر من طاقته الإبداعيَّة وحسه الصادق مذاقًا خاصًّا، وهذا ما جعلها أحيانًا طوع يديه تخضع لسياقه، وإن خالفت نواميسها التي وضعت لها، والأصل أن تكون طاقة الشاعر الإبداعيَّة وإلهامه الصافي مع نظام اللُّغة والسياق الإيقاعي صنوَين متآلفين لا يخرج أحدهما عن ناموس الآخر".

ومِن خلال هذا المزيج يُعاد صياغة الوجود على نحوٍ يتسم بالجمال والثَّراء، كذلك يكشف اتِّصال النحو بالنص الشعري عن وسائله التفسيرية التي تُعين الناظرَ في النصِّ الشعري على التوصُّل إلى دلالاته الخافية والوقوف على أسراره الكامنة في بنيته الداخليَّة، فإنَّ النص الأدبي: "فن لغوي قبل كل شيء وبعده، وإنَّ فهمه لن يكون على الصورةِ الصحيحة المفيدة، إلاَّ إذا كان هذا الفهم قائمًا في أول أمره على فهم بنائه، وبناء الشعر لا يقوم إلاَّ على بناء جمله المسلوكة في وزنه وقوافيه أو موسيقاه"

أو كما يقول الدكتور إبراهيم خليل: "إنَّ النص الأدبي نسيجٌ من الألفاظ والعبارات التي تطَّرِد في بناء منظمٍ متناسق، يعالج موضوعًا أو موضوعات عدَّة في أداء يتميَّز على أنماط الكلام والكتابة غير الأدبية بالجمالية، التي تعتمد على التخيُّل والإيقاع والتصوير والإيحاء والرمز".

وقد أدرك عبد القاهر الجرجاني: "أنه من خلال النحوِ يمكنه أن يُدرِك نظام اللغة، وهو نظام يختلف في تركيبه من جنس إلى جنس، فالشِّعر له نظامه النحوي الذي تكاد تكون إمكاناته نسقًا مغلقًا على ذاته، بحيث لا يتداخلُ هذا النسق مع غيرِه من أنساق فنون القول".
والنحو ليس غايةً في ذاته، بل هو وسيلة لاستكناه الطاقات الإبداعيَّة للنصِّ، سواء أكان شعرًا أم كان نثرًا، فالنحو إبداع، وقد ميَّز المتقدِّمون بين مستويين للدراسة النحوية، يتمثَّل المستوى الأول في رصْد الصَّواب والخطأ في الأداء، أمَّا المستوى الثاني فيتجاوز هذا المجالَ إلى ناحية الجمال والإبداع، فمِن المعروف أنَّ حيوية النحو في القديم نبعتْ من أنه علمٌ نصي، وغير خافٍ أنه نشأ في حِضْنِ القرآن الكريم، ومِن أنَّ النحاة لم يوقفوا دراستَهم على الجانب النظري فحسب، بل تخطوا ذلك إلى الجانب التطبيقي، وقد اتَّخذوا من القرآن الكريم والشِّعر القديم وشِعر معاصريهم- أحيانًا- مادة خصبة للتطبيق النحوي.

وإذا كان النحو يُعنى بدراسةِ العلاقات التي تربط بين الكلمات في الجملة الواحدة، وبيان وظائفها؛ إذ إنَّه وسيلة نحو التفسير النهائي لتعقيدات التركيب اللغوي، فإنَّ الدلالة كذلك تؤدي دورًا كبيرًا في التفرقة بين التركيب، فالنحو والدلالة إذًا لا يستغني أحدهما عن الآخر في توضيح النص وتفسيره وإنارته . وقد قدّم الكثير من الباحثين أبحاثا عن الجملة الشعرية عند الخنساء وتوظيفها بدلالة التراكيب والألفاظ اذ لا يمكن فهم نص شعري ان لم تفهم البعد للمعاني والمفردات التي تكون هذا النص ، فالبيئة التي عاشت فيها الخنساء والفصاحة التي تملكتها من خلال البيئة جعلت كل هذا ينعكس في شعرها ويبقى التوظيف الحسي لصياغة النص الشعري وهذا بالطبع يعتمد على موهبة الشاعر والتي حباه الله اياها وعلى مقدرته على الربط بين ما يشعر به والية تصعيد الجملة الشعرية لتخرج منظومة متكاملة . ويتَّضح من ذلك أن جُلَّ شعر الخنساء قائم في بناء تركيبه على الجملتين الاسمية والفعلية والمزاوجة بينهما؛ حيثُ عملت هذه المزاوجة على إكساب النَّص دلالاتٍ ثرية، ومعانِيَ دقيقة ومتداخلة.
وأيضا يتضح من شعرها أنها ركزت على استخدام أساليب التوكيد وقد بلغ عددُ المواضع التي وردت فيها الجملة المؤكدة بأدواتِها المختلفة مائتين وتسعةً وسبعين موضعًا، وهذا يدلُّ على أنَّ الخنساء أرادت من وراء هذه المؤكدات إبراز حزنها، وألمها، وشدة وجدها لفراق آل بيتها، وبخاصَّة أخوها صخر، وإبراز الصفات التي كان يتحلَّى بها، والرد على من يُشكِّكون في ذلك.







-العاطفة الصادقة ومدلولاتها التي انعكست في شعرها
كان للعرب في الرثاء اليد الأولى حيث بلغوا فيه مبلغا عجز عن إدراكه من تقدمهم من الأمم السوالف. وتقاسم هذا الفن الرجال والنساء على السواء حتى أنهم كانوا يقولونه وقلوبهم تنضح بالحزن والأسى، ومن أحسن مرثيهم ما خلط فيه مدح تفجع على المرثي، فإذا وقع ذلك بكلام صحيح ولهجة معربة، ونظم غير متفاوت فهو الغاية، تقول المقطوعات من الشعر باكية أخويها العزيزين معاوية وصخرا اللذين اشتد جزعها عليهما حتى صارت مضرب الأمثال عند العرب في المناحة والرثاء وبكاء الأهل والأحباب وأهم إغراضها الشعرية الرثاء ثم الفخر. وهما متقاربا الأسلوب، يحدوهما خيال متشابه، وتزجيهما عاطفة متماثلة، وتحوطهما الحقيقة بثوب شفاف من الألم الصادق والحزن العميق ومن العجب والتباهي. والخنساء قالت الشعر الرثاء لمصابها الجلل في أخويها، وشدة تأثرها لفقدهما، وطول بكائها عليهما حتى ابيضت عيناها من الحزن وفقدت بصرها. وفخرت بأبيها وأخوها لأنهم كانوا من الصفوة المختارة من مضر. ولها شعر في غير الرثاء والفخر عن الأغراض. ونستخلص من النماذج المقدمة ان شعر الخنساء في الرثاء يعد من أجمل وأفخم ما في الأدب العربي، لأنه يصدر عن قلب موجع وعاطفة حارة خالية من كل تكلف. ومراثيها تتناول معاني كثيرة يدور معظمها حول ذكر الموت، تذكر الفقيد والحزن والتوجع عليه مع ذكر خصاله الحميدة وإبداء الألم الشديد لفقده، وشعر الخنساء ذو أثر محزن عميق في نفس السامع والقارئ لأنها تمكنت ببراعة أسلوبها وجودة لفظها وقوة خيالها أن تصور ما في نفسها من الآلام تصويرا مجسما يكاد القارئ أو السامع والقارئ لأنها تمنت ببراعة أسلوبها وجودة لفظها وقوة خيالها أن تصور ما في نفسها من الآلام تصويرا مجسما يكاد القارئ أو السامع يراه بعينه، ويلمسه ببنانه، فيصبح شريكها في أشجانها وأحزانها ويتأثر لمصابها حتى لتحسبه يجهش بالبكاء مثلها.
هذا وبعد دراستي الوافية لشعرها وتمعني في مراتبها وفي ديوانها اعتبرها فلتة من فلتات الدهر فلما يأتي الزمان بمثلها من حيث الرثاء وبكاء الفقيد على الأقل. وذلك لقوة شعرها ورقة لفظه وجمال أسلوبها وسلاسة معناه. ولعلها بهذه الصفات فاقت كثيرا من فحول الشعراء، حتى أن النابغة الذبياني وجرير بن عطية وبشار بن برد يرون أنها أفضل من الرجال شعرا. على أن شعرها ظل في الحقيقة بدوي الصبغة، جاهلي الطابع، لم تظهر عليه إمارات التأثر بالإسلام رغم أنها أسلمت وحسن إسلامها.
-ما قيل في الخنساء
فمن هنا اتفق:" أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قبلها، ولا بعدها، أشعر منها" هذا ولا تزال الخنساء موضع عناية الباحثين في عصرنا الحـديث؛ إذ نجـدهم يعدونها شاعرة جاهلية راثية، فبنت الشاطئ تنسبها:" فنياً إلى العصر الجاهلي، وإن . وترى أيضاً أن كانت حياتها قد امتدت في الواقع إلى ما بعد الإسلام سنين عدداً" التاريخ الأدبي للعرب سجل:" مولد شاعرة قُدر لها أن تـشغل المكـان الأول بـين شواعر العربية" ويقدمها لويس شيخو بقوله:" امرأةٌ طار ذكرها في أواخـر الجاهليـة وغـرة الإسلام، حتى صار مجرد اسمها عند العرب مثلاً يضرب في مناحة الأقوام، وبكاء . وذهب إلى مثل هذا أنور أبو سويلم؛ إذ يقول في مقدمة تحقيقـه الإخوان الكرام" لديوانها إنها:" عبرت بأشعارها الرقيقة أصدق تعبير عن مرارة الثكل، وألم الموت، وصورت التجربة الإنسانية المؤلمة أدق تصوير، فكـان شِـعرها خالـداً نحـسه، ونتجاوب معه، وننفعل به" ويرى عبد الرحمن الناصر في تقديمه لكتاب إسماعيل القاضي ـ الخنساء فـي مرآة عصرها ـ أنها تفرض:"نفسها على التاريخ الأدبي، وتبقى الـشاعرة المقدمـة على شواعر العرب جميعاً، سواء منهن من سبقنها، أو من جئن بعـدها إلـى يـوم الناس هذا، رأى هذا الأقدمون من نقاد العرب، وشيوخ الأدب، وأمراء البيان، ورآه المحدثون ، وقرروه ، وأجمعوا عليه . أما نوري حمودي العيسى فيرى الخنساء :" ظاهرة فنية جديدة في الشعر العربي " . وعدّها شوقي ضيف :" أشهر من بكت واستبكت في الجاهلية ". " أما محمد الحينى فيرى أنه من حق الخنساء علينا أن نقول: إن مثل هذا الشعر(شعر الخنساء) لا يصل إليه إلا شاعر كبير، وأن موهبتها الشعرية كانت ترشحها؛ لأن تكون مـن فحول الشعراء، وأن تقول الشعر في مختلف فنونه، ولكنها آثرت الرثاء وقـصرت فنها عليه؛ بسبب تلك المصائب التي أصابتها، وجذبت شاعريتها إلى غرض واحد ، وهو أشهر شعرها . ولعل أجمل الشعر وأعذبه فنياً هو أصدقه وتمثيله للواقـع، وتجـسيده للمعانـاة الإنسانية في أبرز صورها، فمن لم يعش الألم ويجرب المآسي لـن يمتلـك القلـب المرهف والإحساس الرقيق والمشاعر الصادقة؛ لذلك أرى أن شعر الخنـساء مـن أصدق ما وصل إلينا من الشعر العربي في نوعه، وأخلصه عاطفة في التعبير عـن الحزن العميق الدافع بصاحبه إلى طلب الثأر، وقصد الانتقام حينـاً، وإلـى اليـأس المجع أحياناً؛ لأنها من خلال صدمتها عاشت هذه المراتب مـن الحـزن وعانـت ويلات الفراق والرحيل، وذاقت من الآلام والأحزان ما لم يذقه إنـسان، وتجرعـت غصص الفاجعة الكبرى في أعلى مستوياتها، وبما هي أنثى لا تصغي إلا لنبـضات قلبها الجريح، جاء خطابها الشعري أنثوياً، وذلك من خلال البنية الشعرية الممتلئـة بألفاظ المرأة، فهي بنية تمتلأُ بالبكاء والعويل، والحزن، والخـوف بالإضـافة إلـى انشطار ذاتها، وقلقها الدائم من المستقبل وشعورها بالانكسار. فللمعانـاة دور فـي اختيار الخنساء لألفاظها الشعرية وتشكيلات الصياغة؛ لذلك جاءت قصائدها تجربـة مميزة في عالم الإبداع الشعري. وقد امتلكت الخنساء ـ كغيرها من الشعراء الفحول ـ القدرة الجماليـة التـي توجهها المعاناة في استعمالها الألفاظ، واستثمار خصائصها التـي حولـت الألفـاظ المفردة المعجمية إلى ألفاظٍ ذات طابع شعري، جعلها تتسم بخـصوصيات شـعرية تخرج من عواطفها المتألمة دون تكلف، حتى أصبحت أُنموذجاً للمرثـاة الـصادقة النابعة من قلبٍ صادق؛ ربما ألهمت بها عدداً كبيراً من شعراء المراثي المتأخرين. وغفل الزمن عن ذكر السنة التي توفيت فيها، وكل ما قيل: إنها كانـت تعـانق الحياة في خلافة عمر بن الخطاب ـ رضي االله عنه ـ فقد كـان يعطيهـا أرزاق أبنائها الأربعة الذين استشهدوا في معركة القادسية حتى مات. ولئن صح هذا الخبر، فإنها قد توفيت في خلافة عثمان بن عفان ـ رضي االله عنه ـ ولعل هذا الخبر هو الذي حمل الزركلي على أن رجح أنها تُوفيت في سنة: 24ه .
-خاتمة البحث
بعد هذا التطواف في عالم الخنساء الشعري، أرى أن الشاعرة تعد مفصلا من مفاصل الحركة الشعرية، ورقماً صعباً في خارطة الرثاء العاطفي، ليس من الـسهل تجاوزها، فهي صاحبة ملكة فنية وذائقة شعرية, فنلاحظ أن للمعاناة دوراً هاماً فـي اختيار صورها الفنية، وتشكيلاتها الصياغية؛ لذلك جاءت قصائدها تجربة متميزة في عالم الإبداع الشعري، فالشاعرة تمتلك القدرة الجمالية التي توجههـا المعانـاة فـي استعمالها الألفاظ، واستثمار خصائصها التي حولت الألفاظ المفردة المعجميـة إلـى ألفاظٍ ذات طابع شعري جعلها تتسم بخصوصيات شعرية. شاعرة العرب الأولى دون منازع فاقت أبناء زمانها من شعراء وشاعرات وامتاز شعرها برقة الكلمة وعذب المعاني وأبدعت في لون الرثاء ولم يفقها احد في هذا اللون تعلقت بأخيها غير الشقيق صخر وحبته حبا خلده التاريخ فكان بالنسبة لها الأخ والزوج والأب والابن بل تعدى كل هؤلاء في نفسها عندما مات حزنت عليه حزنا عظيما وتوشحت السواد باقي عمرها ورثته بأجمل مراثي الشعر العربي ،فكانت المرأة الرقيقة المرهفة المشاعر والشديدة الحب والوفاء والشاعرة التي تستنجد بالشعر لتستدر غزارة دموعها ، رحم الله الشاعرة الخنساء .
الفهرس
الفصل الأول
-الخنساء اسمها ونشأتها
-البيئة الاجتماعية التي تحيط بالشاعرة الخنساء
-وفاتها
-الأغراض المكونة للصورة الشعرية لديها
-حياتها الشعرية والبعد النفسي وأثر الخطاب الديني عليها وانعكاسه في شعرها
-البعد السيكولوجي الذي تجلى في شعرها فصاحة كما ونوعا
الفصل الثاني
- الخنساء الشاعرة وإبداعها الشعري ومكانتها بين الشعراء
- الخنساء في سوق عكاظ
- الخنساء والوله في لغة الخطاب
الفصل الثالث
-أغراض الصورة الشعرية
-النقد في شعرها
-أنواع الرثاء عند الخنساء
الفصل الرابع
-بناء الصورة الشعرية من حيث التوظيف الحسي والمحتوى فيها
-الجملة الشعرية بدلالة التراكيب والألفاظ وتأثرها بالبيئة
-العاطفة الصادقة ومدلولاتها التي انعكست في شعرها
-ما قيل في الخنساء
-خاتمة البحث
-الفهرس
-المراجع
المراجع
-الشعر والشعراء لأبي محمد الدينوري
-تاريخ الأدب العربي حنا الفاخوري
-الأدب العربي في الجاهلية وصدر الإسلام، بطرس البستاني
- ديوان الخنساء، الخنساء
الرثاء في الشعر الجاهلي وصدر الإسلام
- الخنساء، بنت الشاطئ، عائشة عبد الرحمن
- في رحاب الخنساء، فتحي كواملة
- الخنساء شاعرة بني سليم




انتهى بعون الله تعالى







للشام فروضٌ من الحبّ تسكنها الأرواحُ


وظلٌ تائهٌ على جلبابِ الزمانِ فأبشري


وهذا الفمُ فمي وأنت السواكُ أُشبههُ


ان نطقتُ باسمكِ تعطرتِ الجراحُ


كم نامتْ على كؤوسكِ المترعاتُ شفاهٌ


وتهاوتْ على صدركِ الشامخِ أتراحُ


أقولُ : أنا العاشقُ الطّرِبُ فيا حُسْنُ


استيقظْ في مقلتيها وتوضأ بهما ياراحُ


عادني الشوقُ في غربتي


إليكِ جئتُ أسبرُ قيظهُ


دمعاً يلفظني ومنديلٌ راقَ له النواح



غادة قويدر

قديم 01-22-2020, 08:04 PM
المشاركة 2
علي الغنامي
إدارة شبكة ومنتديات منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: بحث الرثاء في شعر الخنساء بقلم أ.غادة قويدر
اهلا وسهلا بك أ.غادة قويدر
سررت بعودتك للمنابر مجدداً.

نفسي عزيزة عليه نفس غنامي....
تشوم لو انها للناس محتاجة.
قديم 01-23-2020, 10:52 AM
المشاركة 3
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: بحث الرثاء في شعر الخنساء بقلم أ.غادة قويدر
أشكر لك أستاذتنا القديرة غادة قويدر موضوعك الشيِّق الجميل المفيد الذي يجمع بين الأدب والنقد، ومنابر علوم اللغة ترحِّب بك وبقلمك الجميل الواعي المفيد أجمل ترحيب.

قديم 01-23-2020, 02:21 PM
المشاركة 4
غادة قويدر
أديـبة وشـاعرة سـوريـة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: بحث الرثاء في شعر الخنساء بقلم أ.غادة قويدر
اهلا وسهلا بك أ.غادة قويدر
سررت بعودتك للمنابر مجدداً.
أسعد الله أوقاتك بكل الخير أ.علي
وأشكرك على الترحيب
سنكون هنا دائما باذن الله

غادة





للشام فروضٌ من الحبّ تسكنها الأرواحُ


وظلٌ تائهٌ على جلبابِ الزمانِ فأبشري


وهذا الفمُ فمي وأنت السواكُ أُشبههُ


ان نطقتُ باسمكِ تعطرتِ الجراحُ


كم نامتْ على كؤوسكِ المترعاتُ شفاهٌ


وتهاوتْ على صدركِ الشامخِ أتراحُ


أقولُ : أنا العاشقُ الطّرِبُ فيا حُسْنُ


استيقظْ في مقلتيها وتوضأ بهما ياراحُ


عادني الشوقُ في غربتي


إليكِ جئتُ أسبرُ قيظهُ


دمعاً يلفظني ومنديلٌ راقَ له النواح



غادة قويدر

قديم 01-23-2020, 02:23 PM
المشاركة 5
غادة قويدر
أديـبة وشـاعرة سـوريـة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: بحث الرثاء في شعر الخنساء بقلم أ.غادة قويدر
أشكر لك أستاذتنا القديرة غادة قويدر موضوعك الشيِّق الجميل المفيد الذي يجمع بين الأدب والنقد، ومنابر علوم اللغة ترحِّب بك وبقلمك الجميل الواعي المفيد أجمل ترحيب.
الأستاذ الكبير والناقد الرائع عبد المجيد جابر سررت جدا بمروركم الكريم على البحث اتمنى أن يكون نال اعجابكم ..

غادة





للشام فروضٌ من الحبّ تسكنها الأرواحُ


وظلٌ تائهٌ على جلبابِ الزمانِ فأبشري


وهذا الفمُ فمي وأنت السواكُ أُشبههُ


ان نطقتُ باسمكِ تعطرتِ الجراحُ


كم نامتْ على كؤوسكِ المترعاتُ شفاهٌ


وتهاوتْ على صدركِ الشامخِ أتراحُ


أقولُ : أنا العاشقُ الطّرِبُ فيا حُسْنُ


استيقظْ في مقلتيها وتوضأ بهما ياراحُ


عادني الشوقُ في غربتي


إليكِ جئتُ أسبرُ قيظهُ


دمعاً يلفظني ومنديلٌ راقَ له النواح



غادة قويدر

قديم 01-23-2020, 04:18 PM
المشاركة 6
بتول الدخيل
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: بحث الرثاء في شعر الخنساء بقلم أ.غادة قويدر
موضوع رائع وتحليل جميل استاذتي الكبيرة غادة

باقة ودنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

تدري وش صاب الخفوق!!..فيه بعض آثار شوق..وبه جروح وبه حروق..وبه سوالف لو تروق!!.وبه نزيف بالحنايا ..من فراقك .. يا هوى قلبي الصدوق

قديم 04-09-2020, 11:31 PM
المشاركة 7
غادة قويدر
أديـبة وشـاعرة سـوريـة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: بحث الرثاء في شعر الخنساء بقلم أ.غادة قويدر
موضوع رائع وتحليل جميل استاذتي الكبيرة غادة

باقة ودنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
سلمتِ بتول وهذا المرور الرائع
محبتي لكنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة





للشام فروضٌ من الحبّ تسكنها الأرواحُ


وظلٌ تائهٌ على جلبابِ الزمانِ فأبشري


وهذا الفمُ فمي وأنت السواكُ أُشبههُ


ان نطقتُ باسمكِ تعطرتِ الجراحُ


كم نامتْ على كؤوسكِ المترعاتُ شفاهٌ


وتهاوتْ على صدركِ الشامخِ أتراحُ


أقولُ : أنا العاشقُ الطّرِبُ فيا حُسْنُ


استيقظْ في مقلتيها وتوضأ بهما ياراحُ


عادني الشوقُ في غربتي


إليكِ جئتُ أسبرُ قيظهُ


دمعاً يلفظني ومنديلٌ راقَ له النواح



غادة قويدر

قديم 04-10-2020, 01:23 AM
المشاركة 8
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: بحث الرثاء في شعر الخنساء بقلم أ.غادة قويدر
عزيزتي أ غادة
أطلت المكوث هنا لأنني مغرمة بالشعر العربي وخاصة الشعر القديم
ولعل الرثاء من أصدق أغراضه
مجهود تشكرين عليه .. بحث كامل متكامل الجوانب أقل ما يقال فيه
( رائع )
أجدت وأحسنت ..
تحية


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: بحث الرثاء في شعر الخنساء بقلم أ.غادة قويدر
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الرمزية في الأدب العربي بقلم أ.غادة قويدر غادة قويدر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 5 12-15-2020 08:30 PM
عبرات الرثاء يعقوب العبادي منبر الشعر العمودي 1 10-20-2013 10:41 AM
عزاؤنا الأخوي للشاعرة غادة قويدر تركي عبد الغني المقهى 22 02-19-2012 07:12 PM
قراءة نقدية لنص ( ظلال شبه عارية ) للشاعرة السورية غادة قويدر غادة قويدر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 12-09-2011 11:35 PM
من شعراء العصر الاسلامي ( الخنساء ) ناريمان الشريف منبر ديوان العرب 86 10-02-2010 11:05 AM

الساعة الآن 12:34 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.