احصائيات

الردود
15

المشاهدات
4111
 
عبد الرحيم صابر
من آل منابر ثقافية

عبد الرحيم صابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
71

+التقييم
0.02

تاريخ التسجيل
Sep 2012

الاقامة

رقم العضوية
11515
04-26-2019, 10:17 PM
المشاركة 1
04-26-2019, 10:17 PM
المشاركة 1
افتراضي فسيفساء الحياة
"لدي إعاقة حركية عميقة جعلت مني ذاتا تفتقر للاستقلالية في تلبية مطالب الحياة الضرورية. وشدتني لصفحتك كتاباتك عن الأمل والعمل والحياة لله، ووددت ذلك، لكن كيف أتذوق حلاوة السجود وجبهتي لا تطأ الأرض مثلهم؟ وكيف أتلذذ بالقرآن وأصابعي لا تلامس صفحاته؟ لا أستطيع العمل لأبرز ذاتي وأكون منتجا ناجحا مثلهم. تضيع كل أوقاتي في المقاهي ومشاهدة كل ما يشاهد. فلا دور لي في الحياة".
هذه رسالة أقضت مضجعي يوم اقتحمت رسائلي الخاصة. لما تحمله في طياتها من ضياع وفقد لمعان الحياة. ولأنها تمثل رؤية منتشرة بين أهل الابتلاء بالمكاره إلا من رحم. وإن لم تكن ذائعة بالمقال فإنها تتجلى في الوقائع والأحوال. فإنما هي صورة لمثيلاتها مما قد تختلف معها في إيراد الحجج وصوغ القول لكنها تصب في معنى واجد يجمعها في آخية واحدة مهما تعددت وهو: سوء فهم لجوهر هذه الحياة وحقيقة إيجادها. مما أدى لضلال في التصور وعمى عن إدراك حكمة الحق في الخلق. وتظلم من مجريات القدر يتستر بأنين الشكوى.
فإن للحياة حقائق تتعلق بها ينبغي للمؤمن أن يعلمها علم يقين وإيمان، وأن تكون ركنا في تكوين بصيرته بها وبنفسه. منها:
ـ أن الحياة سبيل عبور. ومحطة في طريق الرحيل إلى الحق. فليست دار قرار ولا مقام، وتأمل معي ما أخرجه الترمذي من حديث عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ: نَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَد أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً، فَقَالَ: "مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا".
ـ وأنها ليست هي الحياة الوحيدة التي سوف نحياها، بل هي أصغر جزء من حياتنا وأسرعه ذهابا وزوالا {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} [يونس: 45] فلا تغتر بلهوها وزخرفها فالحياة الحق إنما هي هنالك {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)} [العنكبوت: 64] فعلام تتحسر! وعلام تهدر حياتك الأكمل لأجل حياة ناقصة عابرة، لها أجل معدود ومقدار من الزمن محدود!.
ـ الحياة تتكامل بجميع أجزائها لا بمفرداتها كقطع فسيفساء تعضض بعضها بعضا لتشكل لوحة ذات منظر متماسك لا استغناء لجزء عن الآخر في أداء وظيفته وإنجاز اختباره فيها قال الحق سبحانه {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)} [الزخرف: 32] فأنت جزء مهم من الحياة لك دور في سيرورتها وإن غفلت عن ذلك أو جهلته.
ـ من علم كنه الحياة وجوهرها من خلال الوحي أيقن بأن حقيقة النجاح فيها ليس هو ما يشاع هنا وهناك من مفاهيم منطلقة من تأثير الرؤية المادية الأحادية للحياة ولكيان الانسان. فاختزلت قيمته وقيمة نجاحه بمركزه وماله وغيرها من ظواهر الحياة دونما نظر لقيمة جوهره وما تحتويه نفسه من فضائل وركائز نبيلة تؤسس لبناء قوله وفعله على هدى من الله.
ـ من الحقائق المنسية عملا: أن غاية إيجادنا في الحياة إنما هي لنؤمر فنأتمر وننهى فننتهي، فلم نخلق سدى وعبثا {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56] {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)} [المؤمنون: 115]. لا خيار لنا عن العبودية لله وامتثال شرعه.
ـ هذه الحياة ابتلاء لنا بحلوها ومرها، الحياة اختبار لاختياراتنا في مقابل كل منع أو عطاء، لتفاعلنا مع كل منحة أو محنة. هذه الثنائيات المتجلية في حياتنا إلى فقر وغنى، إلى مرض وعافية، إلى مكتسبات وفشل، ونحو ذلك مما تتباين فيه مجريات الحياة وتتضاد. إنما هي ابتلاء لنا. فهل سنحسن الرد عليها بأقوالنا وأفعالنا؟ أم سننشغل بوصف الامتحان ووصف صعوبته ويسره عن العمل للفلاح في اجتيازه.
ـ ومن الحقائق عن الابتلاء فيها: أن منه الاختبار بالنعمة. فتأمل ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون» . ليتجلى لك أن الابتلاء مقرون بالعطاء كما هو مقرون بالمنع بل قد تكون فتنة العطاء أشد لما يلازمها غالبا من تبلد الحس وموت دفء القلوب والغفلة بها عن حقيقة الحياة وما يلازم ذلك من الغرق في طلبها والسعي لتحصيلها بكل ممكن بغض النظر عن حسنه وقبحه. وانظر ببصيرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبا أمته: «والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم» وفي رواية «وتلهيكم كما ألهتهم» . إن الكثير منا لا يدرك نعمة البلاء بأخذ المال والصحة والأحباب ... إننا لا نبصر لضعف علمنا ولجهلنا بالحق سبحانه وحكمته ما احتوته تلك الاقدار المؤلمة من لطف الهبات وحسن المنة. فعطايا الرب في المحنة أعظم منها في المنحة لكننا غالبا ﻻ ندرك كنهها. وما ذاك إلا لأننا حين رأينا الحياة نظرنا إلينا بعين الدنيا فقط وتركنا عين الآخرة وتلك رؤية ناقصة مضللة وليست مما يتصف به المسلم، {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)} [الروم: 7، 8]
فما أحوجنا في التخطيط لخطونا ومسيرة حياتنا أن نهتدي بقول الله عن حكمة ابتلائه: "{ونبلوكم بالشر والخير فتنة} أي: نختبركم بالمصائب تارة، وبالنعم أخرى، لننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط، كما قال ابن عباس {ونبلوكم} نبتليكم بالشر والخير فتنة، بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية والهدى والضلال" . ولنسترشد بالكلمة الجليلة لابن مسعود رضي الله عنه: " ألا حبذا المكروهان: الموت والفقر، وايم الله، إن هو إلا الغنى أو الفقر، وما أبالي بأيهما ابتليت، إن كان الغنى إن فيه للعطف، وإن كان الفقر إن فيه للصبر" لتنبلج عن يومك سحائب اليأس والقنوط، وتنفرج لك بصيرتك في الدنيا وأحداثها نحو معان أعمق أثرا وأشمل رؤية. فالغنى والفقر في تلك البصيرة ليسا إلا تجليا من مجريات دار البلاء والاختبار للأفعال والأقوال والقلوب. فحق الله لا يفارقك كيف ما كانت حالتك. فإنما الحياة بحيثياتها أمانة لا تنفك عن كاهلك. الكل في حملها سواء.


قديم 04-27-2019, 03:50 AM
المشاركة 2
نجلاء فتحي
عطر
  • غير موجود
افتراضي رد: فسيفساء الحياة
كلنا في هذا التيه يا أخي ، كلنا نعاني من السواد الأعظم الذي لا يتوقف ولا ينتهي ، كلنا في العذاب مجتمعون ،
كلنا نشعر بتأنيب الضمير حتى لو لم نذنب ، يا الله ،
وكأن الحياة خلقت لنشقى بها وفيها ، وكلما شكونا ازداد سواد أنفسنا ، وازدادت أوجاعنا وظلمنا لأنفسنا ولمن حولنا ،

إلى الله أشكو سوءَ نفسي وجورَها
عليَّ فإنّ الجهلَ فيها قرينُها

هُما والمعاصي في وئامٍ كأنّما
من الجهلِ نفسي من حميمٍ معينُها

ونسألك روحا كفافا ليس لها ولا عليها
قديم 04-27-2019, 07:19 AM
المشاركة 3
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: فسيفساء الحياة
السلام عليكم
بوركت أخي عبد الرحيم صابر

قديم 08-09-2019, 01:52 PM
المشاركة 4
عبد الرحيم صابر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: فسيفساء الحياة
كلنا في هذا التيه يا أخي ، كلنا نعاني من السواد الأعظم الذي لا يتوقف ولا ينتهي ، كلنا في العذاب مجتمعون ،
كلنا نشعر بتأنيب الضمير حتى لو لم نذنب ، يا الله ،
وكأن الحياة خلقت لنشقى بها وفيها ، وكلما شكونا ازداد سواد أنفسنا ، وازدادت أوجاعنا وظلمنا لأنفسنا ولمن حولنا ،

إلى الله أشكو سوءَ نفسي وجورَها
عليَّ فإنّ الجهلَ فيها قرينُها

هُما والمعاصي في وئامٍ كأنّما
من الجهلِ نفسي من حميمٍ معينُها
سعيد بمرورك الطيب أستاذة نجلاء
تحياتي وتقديري

قديم 08-09-2019, 02:53 PM
المشاركة 5
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: فسيفساء الحياة
"لدي إعاقة حركية عميقة جعلت مني ذاتا تفتقر للاستقلالية في تلبية مطالب الحياة الضرورية. وشدتني لصفحتك كتاباتك عن الأمل والعمل والحياة لله، ووددت ذلك، لكن كيف أتذوق حلاوة السجود وجبهتي لا تطأ الأرض مثلهم؟ وكيف أتلذذ بالقرآن وأصابعي لا تلامس صفحاته؟ لا أستطيع العمل لأبرز ذاتي وأكون منتجا ناجحا مثلهم. تضيع كل أوقاتي في المقاهي ومشاهدة كل ما يشاهد. فلا دور لي في الحياة".
هذه رسالة أقضت مضجعي يوم اقتحمت رسائلي الخاصة. لما تحمله في طياتها من ضياع وفقد لمعان الحياة. ولأنها تمثل رؤية منتشرة بين أهل الابتلاء بالمكاره إلا من رحم. وإن لم تكن ذائعة بالمقال فإنها تتجلى في الوقائع والأحوال. فإنما هي صورة لمثيلاتها مما قد تختلف معها في إيراد الحجج وصوغ القول لكنها تصب في معنى واجد يجمعها في آخية واحدة مهما تعددت وهو: سوء فهم لجوهر هذه الحياة وحقيقة إيجادها. مما أدى لضلال في التصور وعمى عن إدراك حكمة الحق في الخلق. وتظلم من مجريات القدر يتستر بأنين الشكوى.
فإن للحياة حقائق تتعلق بها ينبغي للمؤمن أن يعلمها علم يقين وإيمان، وأن تكون ركنا في تكوين بصيرته بها وبنفسه. منها:
ـ أن الحياة سبيل عبور. ومحطة في طريق الرحيل إلى الحق. فليست دار قرار ولا مقام، وتأمل معي ما أخرجه الترمذي من حديث عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ: نَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَد أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً، فَقَالَ: "مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا".
ـ وأنها ليست هي الحياة الوحيدة التي سوف نحياها، بل هي أصغر جزء من حياتنا وأسرعه ذهابا وزوالا {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} [يونس: 45] فلا تغتر بلهوها وزخرفها فالحياة الحق إنما هي هنالك {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)} [العنكبوت: 64] فعلام تتحسر! وعلام تهدر حياتك الأكمل لأجل حياة ناقصة عابرة، لها أجل معدود ومقدار من الزمن محدود!.
ـ الحياة تتكامل بجميع أجزائها لا بمفرداتها كقطع فسيفساء تعضض بعضها بعضا لتشكل لوحة ذات منظر متماسك لا استغناء لجزء عن الآخر في أداء وظيفته وإنجاز اختباره فيها قال الحق سبحانه {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)} [الزخرف: 32] فأنت جزء مهم من الحياة لك دور في سيرورتها وإن غفلت عن ذلك أو جهلته.
ـ من علم كنه الحياة وجوهرها من خلال الوحي أيقن بأن حقيقة النجاح فيها ليس هو ما يشاع هنا وهناك من مفاهيم منطلقة من تأثير الرؤية المادية الأحادية للحياة ولكيان الانسان. فاختزلت قيمته وقيمة نجاحه بمركزه وماله وغيرها من ظواهر الحياة دونما نظر لقيمة جوهره وما تحتويه نفسه من فضائل وركائز نبيلة تؤسس لبناء قوله وفعله على هدى من الله.
ـ من الحقائق المنسية عملا: أن غاية إيجادنا في الحياة إنما هي لنؤمر فنأتمر وننهى فننتهي، فلم نخلق سدى وعبثا {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56] {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)} [المؤمنون: 115]. لا خيار لنا عن العبودية لله وامتثال شرعه.
ـ هذه الحياة ابتلاء لنا بحلوها ومرها، الحياة اختبار لاختياراتنا في مقابل كل منع أو عطاء، لتفاعلنا مع كل منحة أو محنة. هذه الثنائيات المتجلية في حياتنا إلى فقر وغنى، إلى مرض وعافية، إلى مكتسبات وفشل، ونحو ذلك مما تتباين فيه مجريات الحياة وتتضاد. إنما هي ابتلاء لنا. فهل سنحسن الرد عليها بأقوالنا وأفعالنا؟ أم سننشغل بوصف الامتحان ووصف صعوبته ويسره عن العمل للفلاح في اجتيازه.
ـ ومن الحقائق عن الابتلاء فيها: أن منه الاختبار بالنعمة. فتأمل ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون» . ليتجلى لك أن الابتلاء مقرون بالعطاء كما هو مقرون بالمنع بل قد تكون فتنة العطاء أشد لما يلازمها غالبا من تبلد الحس وموت دفء القلوب والغفلة بها عن حقيقة الحياة وما يلازم ذلك من الغرق في طلبها والسعي لتحصيلها بكل ممكن بغض النظر عن حسنه وقبحه. وانظر ببصيرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبا أمته: «والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم» وفي رواية «وتلهيكم كما ألهتهم» . إن الكثير منا لا يدرك نعمة البلاء بأخذ المال والصحة والأحباب ... إننا لا نبصر لضعف علمنا ولجهلنا بالحق سبحانه وحكمته ما احتوته تلك الاقدار المؤلمة من لطف الهبات وحسن المنة. فعطايا الرب في المحنة أعظم منها في المنحة لكننا غالبا ﻻ ندرك كنهها. وما ذاك إلا لأننا حين رأينا الحياة نظرنا إلينا بعين الدنيا فقط وتركنا عين الآخرة وتلك رؤية ناقصة مضللة وليست مما يتصف به المسلم، {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)} [الروم: 7، 8]
فما أحوجنا في التخطيط لخطونا ومسيرة حياتنا أن نهتدي بقول الله عن حكمة ابتلائه: "{ونبلوكم بالشر والخير فتنة} أي: نختبركم بالمصائب تارة، وبالنعم أخرى، لننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط، كما قال ابن عباس {ونبلوكم} نبتليكم بالشر والخير فتنة، بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية والهدى والضلال" . ولنسترشد بالكلمة الجليلة لابن مسعود رضي الله عنه: " ألا حبذا المكروهان: الموت والفقر، وايم الله، إن هو إلا الغنى أو الفقر، وما أبالي بأيهما ابتليت، إن كان الغنى إن فيه للعطف، وإن كان الفقر إن فيه للصبر" لتنبلج عن يومك سحائب اليأس والقنوط، وتنفرج لك بصيرتك في الدنيا وأحداثها نحو معان أعمق أثرا وأشمل رؤية. فالغنى والفقر في تلك البصيرة ليسا إلا تجليا من مجريات دار البلاء والاختبار للأفعال والأقوال والقلوب. فحق الله لا يفارقك كيف ما كانت حالتك. فإنما الحياة بحيثياتها أمانة لا تنفك عن كاهلك. الكل في حملها سواء.
لو أدركنا مليآ بصيغة اليقين أن الجنة حفت بالمكاره والنار حفت بالشهوات لربما أحببنا المكروهات كما تقبلنا النعم وحمدنا الله عليها , والأعمال لولا أنها بالنيات لعظمت الذنوب على الخلق وما وجدنا طوق نجاة في رحمة مرتقبة , جميل أن يسعى البعض منا لفعل الخير والطاعات إرضاء للرب العظيم بين وساوس شياطين الإنس والجن ووسط فتن هذا العصر الذي أصبحنا فيه غرباء وكأننا نمسك على ديننا كجمر يحرق أيدينا ..
بوركت أستاذ عبد الرحيم لهذا القول الفصل
تقبل مروري مع فائق التقدير

وحيدة كالقمر
قديم 08-09-2019, 04:22 PM
المشاركة 6
خالد الزهراني
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: فسيفساء الحياة
الأخ الفاضل عبد الرحيم صابر
أثني عليك وعلى موضوعك الرائع
بارك الله فيك

و إذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقـم عليهـم مأتما و عويلا
قديم 08-10-2019, 01:47 PM
المشاركة 7
إيمان البلوي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: فسيفساء الحياة
[marq="7;right;1;scroll"]عبد الرحيم صابر[/marq]
طبيعة علاقتنا بخالقنا ينتج عها كثير من التصرفات السوية
شكرآ لموضوعك القيم .. جزيت خيرآ

قديم 08-16-2019, 03:05 PM
المشاركة 8
عبد الرحيم صابر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: فسيفساء الحياة
السلام عليكم
بوركت أخي عبد الرحيم صابر
وعليك سلام ربي
وباركك المولى وحفظك

قديم 11-22-2019, 09:28 PM
المشاركة 9
عبد الرحيم صابر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: فسيفساء الحياة
لو أدركنا مليآ بصيغة اليقين أن الجنة حفت بالمكاره والنار حفت بالشهوات لربما أحببنا المكروهات كما تقبلنا النعم وحمدنا الله عليها , والأعمال لولا أنها بالنيات لعظمت الذنوب على الخلق وما وجدنا طوق نجاة في رحمة مرتقبة , جميل أن يسعى البعض منا لفعل الخير والطاعات إرضاء للرب العظيم بين وساوس شياطين الإنس والجن ووسط فتن هذا العصر الذي أصبحنا فيه غرباء وكأننا نمسك على ديننا كجمر يحرق أيدينا ..
بوركت أستاذ عبد الرحيم لهذا القول الفصل
تقبل مروري مع فائق التقدير
سعيد بمرورك البهي
تحياتي لك

قديم 11-22-2019, 10:28 PM
المشاركة 10
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: فسيفساء الحياة
الرسالة في بداية المقالة جداً مؤثرة .. ومؤلمة تثير في النفس أكثر من شعور
ولكن الرد عليها بمقالة كهذه .. يعود بالمرء إلى حال السكينة والهدوء
بعد التعريف بالدنيا الزائلة وهمومها التي لا تبقى ..
هي فسيفساء الحياة فعلاً
آخر ما أقول ..... جملة جميلة أسمعها دوماً
( إن صبرتم نلتم وأمر الله نافذ .... وإن جزعتم كفرتم وأمر الله نافذ )
جزاك الله خيراً أخي الطيب عبد الرحيم


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: فسيفساء الحياة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
هم الحياة عبدالرحمن محمد احمد منبر الشعر الشعبي والمحاورات الشعرية. 2 09-22-2022 11:21 PM
أقوال وحكم مأثورة عن الحياة وأجمل ما قيل عن الحياة سارة الجوري منبر مختارات من الشتات. 0 03-28-2022 02:50 PM
لحن الحياة محمد فجر الدمشقي منبر البوح الهادئ 9 07-08-2013 04:44 AM
فسيفساء فتحية الحمد منبر البوح الهادئ 4 07-03-2012 03:07 PM

الساعة الآن 04:11 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.