قديم 12-21-2011, 11:36 AM
المشاركة 171
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
محمد صالح الجابري وكتابه " الادب الاجزائري في تونس

تمهيد://يهدف هذا البحث إلى إلقاء الضوء على مُصنَّفٍ مُهمٍ من مصنفات علم من أعلام الفكر والثقافة والأدب في وطننا العربي، وهذا المُصنف هو كتاب:«الأدب الجزائري في تونس» للدكتور محمد صالح الجابري،أحد مشاهير الأدباء والكتاب التونسيين، وأكثرهم خصباً وإنتاجاً في عصرنا الحاضر.
ويتناول هذا البحث في شقه الأول:
حياة محمد صالح الجابري وآثاره،وأما في شقه الثاني،فيتناول كتابه المذكور بالتعريف والتحليل،هذا الكتاب الذي يُعد من أهم الكتب التي عرّفت بالأدب الجزائري في تونس، في القرن العشرين.
سنستعرض التعريف بالكاتب ومصنفاته،والكتاب ودوافع تأليفه،ثم مصادره ومحتواه،وقيمته العلمية والأدبية والتاريخية، ونختم الدراسة بخاتمة نلخص فيها أهم الأفكار التي وردت في الكتاب.


أولاً:حياته وآثاره
توطئة:
في الأسبوع الأول من شهر يونيو(جوان)2009م،قمتُ برحلة علمية إلى تونس،إذ سافرتُ إلى العاصمة التونسية، وزرت أهم مكتباتها،كالمكتبة الوطنية، ومكتبة كلية الآداب بمنوبة، ومكتبة سحنون، وغيرها.وكان في برنامج زيارتي أيضاً الاتصال ببعض رجالات الفكر والثقافة والأدب التونسيين(1)،وبخاصة المهتمين بالأدب الأندلسي والمغربي(أدب المغرب الأدنى والأوسط والأقصى)،وذلك لأقترح على بعضهم نشر مصنفاتهم في مؤسسة بونة للبحوث والدراسات التي أسستها في مدينة بونة(عنابة) بالجزائر،سنة2004م،وكان من بين المصنفات التي فكّرت في طبعها بمؤسستنا كتاب:«الأدب الجزائري في تونس» للدكتور محمد صالح الجابري.عندما أنهيت عملي بالمكتبات،اتجهت إلى مقر اتحاد الكتاب التونسيين لمساعدتي في الحصول على عناوين وهواتف بعض هؤلاء العلماء والأدباء والباحثين، وهناك وجدت بعض الإخوة البررة،يهشّون ويبشون، ويسألون عن الحال، وقد زوّدوني بمعظم العناوين، وأرقام الهواتف التي طلبتها منهم، ومنها رقم الهاتف المحمول الخاص بالدكتور محمد صالح الجابري، فاتصلت به لمدة يومين في فترات مختلفة، ولكنه لا يجيب،فهاتفت* بعد ذلك الأستاذ الدكتور محمود طرشونة، وسألته عن عنوان الدكتور محمد صالح الجابري، فأخبرني بأنه يعمل في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم(الألسكو)، ومقرها قرب شارع محمد الخامس بتونس العاصمة، فاستقلت سيارة أجرة فوراً، واتجهت إلى مقر المنظمة، ولما وصلت سألت عن مكتبه، وهناك علمت بأنه يرقد في غرفة الإنعاش بأحد المستشفيات بتونس العاصمة،فدعوتُ الله أن يشفيه، وانصرفت مطأطئ الرأس مُفكراً في الإنجازات العلمية المتميزة لهذا الرجل العملاق، وبعد حوالي أسبوعين سمعت خبر وفاته، رحمهُ الله وطيب ثراه.


1
-حياته(موجز ترجمته):
هو محمد صالح الجابري، ولد بتوزر في تونس،سنة:1940م، وتوفي في العاصمة التونسية يوم الجمعة26جمادى الآخرة1430هـ،الموافق19يونيو(جوان)2009م،عن عمر يناهز السّبعين سنة.
بدأ تعليمه، كبقية الأطفال في مدينته، في الكُتّاب فحفظ ما تيسر من القرآن الكريم، ثم دخل المدرسة الابتدائية بمسقط رأسه سنة 1947م، والمعهد الثانوي سنة1954م، وتخرّج منه سنة1957م.
- انتقل إلى تونس العاصمة لمواصلة دراسته بالزيتونة، وحصل على شهادة التحصيل عام1961م،
وبعدها اشتغل مدرّساً في الابتدائي لعدة سنوات،
ثم سافر إلى بغداد سنة1967م للدراسة الجامعية،على حسابه الخاص،والتحق بكلية الآداب في السنة نفسها، وتخرّج منها مُجازاً في الأدب العربي سنة1971م. عاد إلى وطنه تونس،وعمل أستاذاً للغة العربية وآدابها بثانوية المنستير،ثم طمحت نفسه لاستكمال الدراسة الجامعية،فالتحق بمعهد اللغة العربية وآدابها،بجامعة الجزائر سنة1977م، وسجل موضوع الدكتوراه عن محمود بيرم التونسي، بإشراف الدكتور عبد الله ركيبي، وناقشه سنة1980م،حيث حصل على شهادة الدكتوراه.
وقد انتدب الدكتور محمد صالح الجابري إلى وزارة الثقافة، بتونس،لإدارة مصلحة الآداب،ثم عُيّن مديراً للمركز الثقافي التونسي بطرابلس الغرب. وعند انتقال الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، التحق الجابري بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألسكو)،حيث أشرف على إدارة الثقافة، وظل يعمل فيها باحثاً بارزاً حتى وافته المنية، وقد عُيّن على رأس مشروع«موسوعة أعلام وعلماء العرب والمسلمين»، التي صدر منها حتى الآن تسعة عشر مجلداً(2).


2- آثاره: توطئة:
طرق محمد صالح الجابري معظم الفنون الأدبية النثرية المعروفة في عصره،كالقصة، والمسرحية، والرواية،بالإضافة إلى الدراسات العلمية.
أ.في الدراسة العلمية:
للأديب محمد صالح الجابري عدة دراسات علمية، ومؤلفات أكاديمية،متميزة،عمل بعض أهل العلم والفضل على نشرها، وإخراجها للوجود ليستفيد منها الطلاب والدارسون،نذكر منها:
1-ديوان الشعر التونسي الحديث(تراجم ومختارات)،الشركة التونسية للتوزيع،تونس،1976.
2-الشعر التونسي المعاصر خلال قرن،الشركة التونسية للتوزيع،تونس،1974.
3-القصة التونسية،أوائلها وروادها،دار عبد الكريم عبد الله،تونس،1975.
4-دراسات في الأدب التونسي الحديث،الدار العربية للكتاب،ليبيا-تونس،1978.
5-الأدب الجزائري في تونس،(جزءان)،المؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات(بيت الحكمة)،تونس،1991.
6-رحلات الأدباء التونسيين إلى الجزائر،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع،الجزائر،1983.
7-يوميات الجهاد الليبي في الصحافة التونسية(جزءان)،الدار العربية للكتاب،ليبيا-تونس،1982.
8-التواصل الثقافي بين الجزائر وتونس،دار الغرب الإسلامي،بيروت،1990.
9-النشاط العلمي والفكري للمهاجرين الجزائريين بتونس،الدار العربية للكتاب،تونس،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع،الجزائر،1983.
10-محمود بيرم التونسي في المنفى،حياته وآثاره،(جزءان)،دار الغرب الإسلامي،بيروت،1987.
11-أبعد المسافات،مؤسسات عبد الكريم بن عبد الله،تونس،1977.


ب.في الرواية:
للأديب الباحث محمد صالح الجابري ثلاث روايات مطبوعة فقط،فيما أعلم،هي:
1-يوم من أيام زمرا،الدار التونسية للنشر،تونس،1968.
2-البحر ينشر ألواحه،الدار العربية للكتاب،ليبيا-تونس،1975.
3-ليلة السنوات العشر،الدار العربية للكتاب،تونس،1982.


ج.في القصة:
كتب الأديب محمد صالح الجابري مجموعتين قصصيتين،هما:
1-إنه الخريف يا حبيبتي،الدار التونسية للنشر،تونس،1971.
2-الرّخ يجول في الرقعة،الدار العربية للكتاب،ليبيا-تونس،1977.


د.في المسرحية:
كان محمد صالح الجابري إذن،باحثاً، وروائياً، وقاصاً، وأدلى بدلوه أيضاً في فن المسرح،وقد وصلتنا من الأديب مسرحية بعنوان: كيف لا أحب النهار؟،الدار العربية للكتاب،ليبيا-تونس،1979.


ثانياً:كتابه«الأدب الجزائري في تونس1900-1962»
تقديم:
صدر هذا الكتاب عن منشورات المؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات«بيت الحكمة» ،*** بتونس،سنة1991.وكتاب«الأدب الجزائري في تونس»،يقع في ست وثلاثين وسبعمائة صفحة(736)،من الحجم المتوسط،في جزءين، ويضم في طياته دراسة وافية عن الأدب الجزائري في تونس، من سنة1900 إلى سنة1962م، وقد بذل الباحث جُهداً كبيراً في جمع المادة ودراستها دراسة علمية.


1-دوافع تأليف الكتاب ومصادره:
لقد ورد في التقديم أن السبب في إنجاز هذا البحث يعود أساساً إلى غايتين،«وإن السبب في إنجاز هذه الدّراسة يعود أساساً إلى غايتين،أولاهما أن أساعد الدّارسين الجزائريين المتطلعين إلى استيفاء مصادر أدبهم،على الكشف عن بعض الصفحات المجهولة حقا من أدبهم، وُأنصف أولئك المبدعين الذين كان لهم شرف إرساء المعالم الأولى للأدب الجزائري الحديث،في صمت وفي ظروف عويصة مفعمة بالإحباط والخيبة، والحرمان، والعنت، وشظف العيش.

قديم 12-21-2011, 11:38 AM
المشاركة 172
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
محمد الصالح الجابري
- ولد بتوزر في 14 فيفري 1940، وتوفي يوم 19 جوان 2009 ودفن بمقبرة سيدي الجبالي بأريانة. باحث وأديب تونسي.
-من أسرة عمالية. اشتغل أبوه في مناجم الفوسفات بالرديف.
-بدأ تعليمه، كبقية الأطفال في مدينته، في الكُتّاب فحفظ ما تيسر من القرآن الكريم، ثم دخل المدرسة الابتدائية بمسقط رأسه سنة 1947م، والمعهد الثانوي سنة1954م، وتخرّج منه سنة1957م.
- انتقل إلى تونس العاصمة لمواصلة دراسته بالزيتونة، وحصل على شهادة التحصيل عام1961م
- نشرمحاولته الروائية الأولى يوم من أيام زمرا سنة 1968 وقد استمدها من صراعات العمالبالمناجم في عهد الاستعمار.؟
-روايته تمثل شهادة على مراحل عديدة من حياة البلاد... ستظل شهادة على الاستعمار وعلى العقود الأولى للاستقلال بما فيها من براءة..
- كما غلب عليها الطابع الوطني حيث ركزت على الولاء للوطن وللشهداء ومحاولة إنشاء سرد تونسي مقاوم أو محتفي بالمقاومة.
-إختار القصاص العربي البارز الجنوب التونسي "مسقط رأسه" كصورة نمطية للمكانالرمزي بقيمه الأصيلة خاصة أثناء الاحتلال الفرنسي له حتى إن صورة هذا الجنوب لازمتحياة هذا الثائر المفعم بالحماسة والأمل .
-عاش في حالة اشتباك مع قضايا الوطن العربي متجاوزا الاطار المحلي، الي آفاق العمل الثقافي العربي المشترك لأسباب كثيرة من بينها انه وان كان كاتبا تونسيا بامتياز،
-جاء من عمق الدواخل التونسية في منطقة الجريد ولأسرة عمالية يشتغل ربها عاملا بمصانع الفوسفات،
- نشأ وتربي منذ صباه تربية عروبية بمعني انه بعد ان نال قسطا من التعليم في بلاده.
-ذهب للتحصيل الجامعي في بغداد بالعراق.
-ثم ذهب للدراسات العليا والحصول علي الدكتوراة في جامعة الجزائر.
-عاش في الفترة ما بين دراسته في بغداد وتحضيره فيما بعد للدكتوراة في الجزائر، اعواما في مدينة طرابلس بليبيا حيث اسهم في تأسيس المركز الثقافي التونسي الليبي الذي تم انشاء فرع له في العاصمة التونسية وآخر في طرابلس، وبقي لبضعة اعوام مديرا لفرع طرابلس.
-مر قبل حصوله علي درجة الدكتوراة بوظائف في سلك التعليم كمدرس لطلاب المرحلة الثانوية .
-استقر به المقام في العقدين الأخيرين من حياته بالمنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم مديرا عاما لإدارة الثقافة ومشرفا علي موسوعة الإعلام، العلماء والأدباء العرب والمسلمين وهي الموسوعة التي أصدرت منها المنظمة 19 مجلدا.

==
محمد صالح الجابري تزامنت ولادته مع الحرب العالمية الثانية التي دار رحاها على بعد فرسخ من وطنه الذي لا بد انه تأثر تأثرا كبيرا بالحرب مثل باقي دول شمال إفريقيا حيث دارت بعض معارك تلك الحرب على أرضها. ولد في منطقة نائية في الجنوب من أسرة عمالية والده كان يعمل في مناجم الفوسفات...ولا بد أن حياته وحياة من حوله من العمال كانت درامية بشكل دفعة لكتابة أول رواية من رواياته عن يوم واحد من تلك الأيام فكانت روايته ( يوم من أيام زمرا) والتي استمد مادتها من صراعات العمال في المناجم أيام الاستعمار...وركز فيها على الولاء للوطن وللشهداء ومحاولة إنشاء سرد تونسي مقاوم أو محتفي بالمقاومة. ويبدو أن صورة الجنوب التونسي "مسقط رأسه" خاصة أثناء الاحتلال الفرنسي قد لازمت حياته .
السفر والترحال والبعد عن الوطن تبدو سمة أساسية من سمات حياته. صحيح ان هناك ما يشير إلى انه عاش حياة بؤس في طفولته المبكرة، بسبب الحرب والفقر والاستعمار، والمقاومة، والسعي للقمة العيش... لكننا لا نملك وللأسف تفاصيل عن طفولته وعليه سنعتبره لأغراض هذه الدراسة مجهول الطفولة.... إلى أن يقوم زملائنا من تونس، هنا، بتزويدنا بتفاصيل عن طفولته ربما.

مجهول الطفولة

قديم 12-22-2011, 04:24 PM
المشاركة 173
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وألان مع سر الأفضلية في رواية:

24- موسم الهجرة إلى الشمال الطيب صالح السودان

نبذة عن رواية .................... موسم الهجــــرة إلى الشمـــــــال

نشرت في البداية في مجلة حوار في سبتمبر عام 1966, ثم نشرت بعد ذلك في كتاب مستقل عن دار العودة في بيروت في نفس العام. في هذه الرواية يزور مصطفى سعيد، وهو طالب عربي، الغرب. مصطفى يصل من الجنوب، من أفريقيا، بعيدا عن الثقافة الغربية إلى الغرب بصفة طالب. يحصل على وظيفة كمحاضر في إحدى الجامعات البريطانية ويتبنى قيم المجتمع البريطاني. هناك يتعرف إلى زوجته، جين موريس، وهي امرأة بريطانية ترفض قبول املاءات زوجها. بعد سبعة أعوام يعود مصطفى إلى بلاده، حيث يلتقي هناك بصورة مفاجئة براوي القصة الذي عاش أيضا في بريطانيا. القصة نفسها تروى عن طريق قصص يرويها الراوي والبطل.

اختيرت رواية موسم الهجرة إلى الشمال كواحدة من أفضل مائة رواية في القرن العشرين وذلك على مستوى العالم العربي, ونالت استحسانا وقبولاً عالميا وحولت إلى فلم سينمائي. إجمالاً تتناول الرواية في مضمونها مسألة العلاقة بين الشرق والغرب. وتعد "موسم الهجرة إلى الشمال" من الاعمال العربية الأولى التي تناولت لقاء الثقافات وتفاعلها وصورة الاخر الغربي بعيون الشرقي والغربي بعيون الاخر الشرقي الذي ينظر اليه كشخص قادم من عالم رومانسي يسوده السحر ويكتنفه الغموض.

وقد تطرق الطيب صالح في روايته إلى هذه العلاقة من خلال شخصية بطلها السوداني الذي يذهب ليدرس في العاصمة البريطانية لندن. وهناك يضيف إلى جانب تميزه وذكائه العقلي وتحصيله الجامعي العالى رصيدا كبيرا في اثبات فحولته مع نساء بريطانيا الذين احتلوا بلاده مع تقديم صورة ساحرة عن الحياة في المجتمع الريفي السوداني.

*** تحميل رواية ..................... موسم الهجـــرة الى الشمـــــــال

من هنـــــــــــــــا
http://www.4shared.com/file/12292917...26f/_-___.html



==

موسم الهجرة الى الشمال
من المفهوم أن رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" نالت شهرتها من كونها من أولى الروايات التي تناولت، بشكل فني راق، الصدام بين الحضارات وموقف إنسان العالم الثالث ـ النامي ورؤيته للعالم الأول المتقدم، ذلك الصدام الذي تجلى في الأعمال الوحشية دائماً، والرقيقة الشجية أحياناً، لبطل الرواية "مصطفى سعيد".
وآخر الدراسات الحديثة التي تناولت رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" ورواية "بندر شاه" للمؤلف نفسه، تلك الدراسة التي نشرت أخيراً في سلسلة حوليات كلية الآداب التي يصدرها مجلس النشر العلمي في جامعة الكويت بعنوان "رؤية الموت ودلالتها في عالم الطيب صالح الروائي، من خلال روايتي: موسم الهجرة إلى الشمال، وبندر شاه" للدكتور عبد الرحمن عبد الرؤوف الخانجي، الأستاذ في قسم اللغة العربية ـ كلية الآداب جامعة الملك سعود. تتناول الدراسة بالبحث والتحليل رؤية الموت ودلالتها في أدب الطيب صالح الروائي في عملين بارزين من أعماله هما: "موسم الهجرة إلى الشمال" و"بندر شاه"، وتنقسم الدراسة إلى قسمين كبيرين وخاتمة.
يعالج القسم الأول منهما محوري الموت الرئيسيين في هاتين الروايتين: محور موت الأنثى، وهو موت آثم يرتبط في أكثر معانيه بغريزة الجنس ولا يخلو من عنف أم خطيئة، وموت الرجل وهو موت نبيل يرتبط بالكبرياء والسمو ولا يخلو من تضحية ونكران ذات.
هذان العالمان المتمايزان يثير الروائي من خلالهما عدداً من القضايا السياسية والاجتماعية والفكرية والنفسية، توحي بأزمة الصراع المكثف بين حضارتي الشرق والغرب فكأن المقابلة بين الأنثى والرجل ووضعهما في إطارين متمايزين من خلال الموت... وهي مقابلة من صنع مؤلف الدراسة لا الروائي ـ تلك الرؤية الفنية ترمي إلى اختصار الصراع بين عالمين مختلفين حضارياً: شمال ـ جنوب، هي في النهاية المعادل الفني لأزلية الصراع بين الشر والخير ممثلين في الأنثى ـ الشر، الخير ـ الرجل، و: شمال ـ أنثى ـ شر، جنوب ـ رجل ـ خير، بما لذلك من مردود أسطوري في وعي وذاكرة الإنسان الشرقي، وهو ما لم تشر إليه الدراسة مكتفية بتتبع أنواع الموت وطرائقه التي تمارس من قبل الرجل في الروايتين.
فالمرأة في موسم الهجرة إلى الشمال ضحية لرجل ـ دائماً ـ بينما الرجل ضحية ـ أيضاً ـ لظروف مجتمعية ساهم في خلقها مجتمع الضحية الأنثى بشكل ما، فعلاقة مصطفى سعيد بالأنثى هي دائماً علاقة آخرها موت مدمر إذ إن "مصطفى" ـ كما يلاحظ المؤلف ـ ينتقم في شخص الأنثى الغربية لسنوات الذل والقهر والاستعمار لينتهي بها الأمر إلى قتل نفسها بنفسها. موت الرجل ـ وهو المحور الثاني من القسم الأول ـ فهو دائماً موت علوي تتجلى دلالاته في العودة إلى النيل مصدر الحياة "ذهب من حيث أتى من الماء إلى الماء" كما في بندر شاه.


ويتناول القسم الثاني من الدراسة الدلالات الفكرية المتصلة بعالمي الموت وكيف عبرت الروايتان عن هذه الدلالات في قوالب فنية منتهياً إلى أشكال الموت لدى الطيب صالح توزعت على أطر ثلاثة:
  • الموت ـ الوفاة
  • الموت ـ القتل
  • الموت ـ الانتحار
وكل إطار من هذه الأطر الثلاثة عن رؤى فكرية وفلسفية ونفسية اقتضتها طبيعة الأحداث والمواقف... لكن النمط الأكثر بروزاً من أنماط الموت الثلاثة السابقة هو النمط الثاني الذي يمثله: الموت ـ القتل، حين جعلته رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" يفجر طاقات متباينة من الدلالات الفكرية ووظائفها الفنية، وظل الموت ـ القتل في صراع الشخصيات يتراوح بين السلب والإيجاب وبين الرفض والقبول وبين القوة والضعف وتتبع الدراسة التجليات المختلفة لهذا النوع من الموت عبر روايتي: "موسم الهجرة إلى الشمال" و"بندر شاه". وتخلص الدراسة ـ عبر خاتمتها ـ إلى أن للموت سلطاناً لا ينكر على عالم الطيب صالح الروائي فقد وفق الروائي من خلال بناء هذا العالم في تقديم عطيل جديد هو: مصطفى سعيد عطيل القرن العشرين الذي حاول عقله أن يستوعب حضارة الغرب لا يبالي ولا يهاب، له القدرة على الفعل والإنجاز، يحارب الغرب بأسلحة الغرب.


وبعد: سوف يبقى الطيب صالح وأعماله الروائية والقصصية ذخيرة لا تنضب لبحث الباحثين نقاداً كانوا أم مؤرخين، فهو عالم ثري مليء بقضايا إنسان العالم الثالث الذي آمن به الطيب صالح وعبر عن همومه وآلامه، أفراحه وإحباطاته

قديم 12-22-2011, 04:26 PM
المشاركة 174
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الطيب صالح

- أو ( عبقري الرواية العربية ) كما جرى بعضالنقاد على تسميته- أديب عربي من السودان،إسمه الكامل الطيب محمد صالح أحمد. ولدعام (1348هـ - 1929م) في إقليم مروي شمالي السودان بقرية كَرْمَكوْل بالقرب من قرية دبة الفقراء وهي إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها،وتوفي في أحدي مستشفياتالعاصمة البريطانية لندن التي أقام فيها في ليلة الأربعاء 18 شباط/فبراير 2009الموافق 23 صفر 1430هـ.
عاش مطلع حياته وطفولته في ذلك الإقليم، و في شبابه انتقلإلى الخرطوم لإكمال دراسته فحصل من جامعتها على درجة البكالوريوس في العلوم. سافرإلى إنجلترا حيث واصل دراسته، و غيّر تخصصه إلى دراسة الشؤون الدوليةالسياسية.

تنقل بين عدة مواقع مهنية فعدا عن خبرة قصيرة في إدارة مدرسة، عمللسنوات طويلة من حياته في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية, وترقى بها حتىوصل إلى منصب مدير قسم الدراما, وبعد استقالته من البي بي سي عاد إلى السودان وعمللفترة في الإذاعة السودانية, ثم هاجر إلى دولة قطر وعمل في وزارة إعلامها وكيلاًومشرفاً على أجهزتها. عمل بعد ذلك مديراً إقليمياً بمنظمة اليونيسكو في باريس, وعملممثلاً لهذه المنظمة في الخليج العربي.

ويمكن القول أن حالة الترحال والتنقل بينالشرق والغرب والشمال والجنوب أكسبته خبرة واسعة بأحوال الحياة والعالم وأهم من ذلكأحوال أمته وقضاياها وهو ما وظفه في كتاباته وأعماله الروائية وخاصة روايتهالعالمية ( موسم الهجرة إلى الشمال ) .


كتابته تتطرق بصورة عامة إلى السياسة، والى مواضيع أخرى متعلقة بالاستعمار, والمجتمع العربي والعلاقة بينه وبين الغرب. في اعقاب سكنه لسنوات طويلة في بريطانيا فان كتابته تتطرق إلى الاختلافات بين الحضارتين الغربية والشرقية. الطيب صالح معروف كأحد أشهر الكتاب في يومنا هذا، لا سيما بسبب قصصه القصيرة، التي تقف في صف واحد مع جبران خليل جبران، طه حسين ونجيب محفوظ .

الطيب صالح كتب العديد من الروايات التي ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة . تعتبر روايته (موسم الهجرة إلى الشمال ) واحدة من أفضل مائة رواية في العالم. وقد حصلت على العديد من الجوائز.
أصدر الطيب صالح ثلاث روايات وعدة مجموعات قصصية قصيرة. روايته "عرس الزين" حولت إلى دراما في ليبيا و لفيلم سينمائي من إخراج المخرج الكويتي خالد صديق في أواخر السبعينات حيث فاز في مهرجان كان.

توفي في يوم الأربعاء 18 فبراير عام 2009 في لندن . وشيع جثمانه يوم الجمعة 20 فبراير في السودان حيث حضر جنازته عدد كبير من الشخصيات البارزة والكتاب العرب والرئيسس السوداني عمر البشيرو السيد الصادق المهدي المفكر السوداني والرئيس السابق المنتخب والسيد محمد عثمان الميرغني رئيس سابق للسودان ولم يعلن التلفزيون السوداني ولا الاذاعات الحداد على الطيب صالح لكنها خصصت الكثير من النشرات الاخبارية والبرامج للحديث عنه.

اعمـــــــــــــــــاله :
*عرس الزين رواية ( 1962 )
* موسم الهجرة إلى الشمال رواية ( 1971 )
* مريود رواية .
* نخلة على الجدول
* دومة ود حامد رواية .
* بندر شاه ضو البيت
* المنسي

قديم 12-24-2011, 11:29 AM
المشاركة 175
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الطيب صالح- رواياته

- موسم الهجرة إلى الشمال [2]
- ضو البيت (بندر شاه): أحدوثة عن گون الأب ضحية لأبيه وإبنه
- دومة ود حامد ويتناول فيها مشگلة الفقر وسوء التعاطي معه من قبل الفقراء أنفسهم من جهة، واستغلال الإقطاعيين الذين لا يهمهم سوى زيادة أموالهم دون رحمة من جهة أخرى.
- عرس الزين
- مريود

ومن المفهوم أن رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" نالت شهرتها من گونها من أولى الروايات التي تناولت، بشگل فني راق، الصدام بين الحضارات وموقف إنسان العالم الثالث ـ النامي ورؤيته للعالم الأول المتقدم، ذلگ الصدام الذي تجلى في الأعمال الوحشية دائماً، والرقيقة الشجية أحياناً، لبطل الرواية "مصطفى سعيد".
وآخر الدراسات الحديثة التي تناولت رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" ورواية "بندر شاه" للمؤلف نفسه، تلگ الدراسة التي نشرت أخيراً في سلسلة حولـ◊ــ°ـيات گلية الآداب التي يصدرها مجلس النشر العلمي في جامعة الگويت بعنوان "رؤية الموت ودلالتها في عالم الطيب صالح الروائي، من خلال روايتي: موسم الهجرة إلى الشمال، وبندر شاه" للدگتور عبد الرحمن عبد الرؤوف الخانجي، الأستاذ في قسم اللغة العربية ـ گلية الآداب جامعة الملگ سعود . تتناول الدراسة بالبحث والتحليل رؤية الموت ودلالتها في أدب الطيب صالح الروائي في عملين بارزين من أعماله هما: "موسم الهجرة إلى الشمال" و"بندر شاه"، وتنقسم الدراسة إلى قسمين گبيرين وخاتمة.
يعالج القسم الأول منهما محوري الموت الرئيسيين في هاتين الروايتين: محور موت الأنثى، وهو موت آثم يرتبط في أگثر معانيه بغريزة الجنس ولا يخلو من عنف أم خطيئة، وموت الرجل وهو موت نبيل يرتبط بالگبرياء والسمو ولا يخلو من تضحية ونگران ذات.
هذان العالمان المتمايزان يثير الروائي من خلالهما عدداً من القضايا السياسية والاجتماعية والفگرية والنفسية، توحي بأزمة الصراع المگثف بين حضارتي الشرق والغرب فگأن المقابلة بين الأنثى والرجل ووضعهما في إطارين متمايزين من خلال الموت... وهي مقابلة من صنع مؤلف الدراسة لا الروائي ـ تلگ الرؤية الفنية ترمي إلى اختصار الصراع بين عالمين مختلفين حضارياً: شمال ـ جنوب، هي في النهـ°ـ°ـاية المعادل الفني لأزلية الصراع بين الشر والخير ممثلين في الأنثى ـ الشر، الخير ـ الرجل، و: شمال ـ أنثى ـ شر، جنوب ـ رجل ـ خير، بما لذلگ من مردود أسطوري في وعي وذاگرة الإنسان الشرقي، وهو ما لم تشر إليه الدراسة مگتفية بتتبع أنواع الموت وطرائقه التي تمارس من قبل الرجل في الروايتين.
فالمرأة في موسم الهجرة إلى الشمال ضحية لرجل ـ دائماً ـ بينما الرجل ضحية ـ أيضاً ـ لظروف مجتمعية ساهم في خلقها مجتمع الضحية الأنثى بشگل ما، فعلاقة مصطفى سعيد بالأنثى هي دائماً علاقة آخرها موت مدمر إذ إن "مصطفى" ـ گما يلاحظ المؤلف ـ ينتقم في شخص الأنثى الغربية لسنوات الذل والقهر والاستعمار لينتهي بها الأمر إلى قتل نفسها بنفسها. موت الرجل ـ وهو المحور الثاني من القسم الأول ـ فهو دائماً موت علوي تتجلى دلالاته في العودة إلى النيل مصدر الحياة "ذهب من حيث أتى من الماء إلى الماء" گما في بندر شاه.
ويتناول القسم الثاني من الدراسة الدلالات الفگرية المتصلة بعالمي الموت وگيف عبرت الروايتان عن هذه الدلالات في قوالب فنية منتهياً إلى أشگال الموت لدى الطيب صالح توزعت على أطر ثلاثة:
الموت ـ الوفاة
الموت ـ القتل
الموت ـ الانتحار
وگل إطار من هذه الأطر الثلاثة عن رؤى فگرية وفلسفية ونفسية اقتضتها طبيعة الأحداث والمواقف... لگن النمط الأگثر بروزاً من أنماط الموت الثلاثة السابقة هو النمط الثاني الذي يمثله: الموت ـ القتل، حين جعلته رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" يفجر طاقات متباينة من الدلالات الفگرية ووظائفها الفنية، وظل الموت ـ القتل في صراع الشخصيات يتراوح بين السلب والإيجاب وبين الرفض والقبول وبين القوة والضعف وتتبع الدراسة التجليات المختلفة لهذا النوع من الموت عبر روايتي: "موسم الهجرة إلى الشمال" و"بندر شاه". وتخلص الدراسة ـ عبر خاتمتها ـ إلى أن للموت سلطاناً لا ينگر على عالم الطيب صالح الروائي فقد وفق الروائي من خلال بناء هذا العالم في تقديم عطيل هو: مصطفى سعيد عطيل القرن العشرين الذي حاول عقله أن يستوعب حضارة الغرب لا يبالي ولا يهاب، له القدرة على الفعل والإنجاز، يحارب الغرب بأسلحة الغرب.
وبعد: سوف يبقى الطيب صالح وأعماله الروائية والقصصية ذخيرة لا تنضب لبحث الباحثين نقاداً گانوا أم مؤرخين، فهو عالم ثري مليء بقضايا إنسان العالم الثالث الذي آمن به الطيب صالح وعبر عن همومه وآلامه، أفراحه وإحباطاته.
وفاته
توفي في يوم الأربعاء 18 فبراير عام 2009 في لندن. شيع جثمانه يوم الجمعة 20 فبراير في السودان حيث حضر مراسم العزاء عدد گبير من الشخصيات البارزة والگتاب العرب والرئيس السوداني عمر البشير والسيد الصادق المهدي المفگر السوداني ورئيس الوزراء السابق، والسيد محمد عثمان الميرغني ،ولم يعلن التلفزيون السوداني ولا الاذاعات الحداد على الطيب صالح لگنها خصصت الگثير من النشرات الاخبارية والبرامج للحديث عنه.
جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الگتابي
تم الإعلان في فبراير من العام 2011 الإعلان عن جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الگتابي قامت تقديرا للدور الگبير الذي قام به الروائي الطيب صالح في الثقافة العربية .

==
* تمتاز هذه الرواية بتجسيد ثنائية التقاليد الشرقية والغربية واعتماد صورة البطل الإشكالي الملتبس على خلاف صورته الواضحة ، سلبًا أو إيجابًا ، الشائعة في أعمال روائية كثيرة قبله .

* يمتاز الفن الروائي للطيب صالح بالالتصاق بالأجواء والمشاهد المحلية ورفعها إلى مستوى العالمية من خلال لغة تلامس الواقع خالية من الرتوش والاستعارات ، منجزًا في هذا مساهمة جدية في تطور بناء الرواية العربية ودفعها إلى آفاق جديدة مؤلفات الطيب صالح


قديم 12-24-2011, 11:37 AM
المشاركة 176
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كتبها زاويـ ـ ـ ـة ، في 26 مارس 2009 الساعة: 23:40 م

العبور من محطة إلي أخري مع الطيب صالح يصيبك بالدهشة
الطيب صالح : الشهيرة " زائفة " والنجومية " وهم " .. !


* الكتابة تصبح أصعب عندما يكون الواقع أغرب مما يتخيلة الكاتب .
* " نوبل " لن تفكر في " الطيب " لأن حياته غير مثيرة وكتبه غير كثيرة .
* المجتمعات العربية قائمة على الصراعات والتاريخ الدموي .
* أحيانا أشعر أن البشرية تأئهة وأنا معها !
القاهرة - أصيلة : حاوره : خالد محمد غازي :
العبور من محطة إلي أخري مع الطيب صالح يصيبك بالدهشة•• هو شخص عادي -كما يصف نفسه- وولوجه إلي عالم الكتابة لم يكن بغرض الكتابة لكنها الوسيلة المثلي للتعبير•• لكن ما الذي يريد أن يعبر عنه هذا "الأسطوري" الذي يعترف بأن حياته تصنعها الصدفة، وأنه ككاتب يعاني نوعاً من الإنفصام•• ها أنا قد عبرت معه من محطة البداية بعد رحلته من السودان إلي لندن، ومن الخاص إلي العام فإذا به يعود إلي محطته الأولي السودان•• وإذا بي أعود إلي صورة الصوفي الزاهد التي رسخت عنه في نفسي، فأجدني أكثر عطشاً من ذي قبل أريد أن أقف علي جدوله وأنتظر تمر نخلته، فأجمع "حفنة تمر" وأضعها علي مائدة أوراقي وأقول له•• وماذا بعد أول قصة كتبتها فيقول: بعد "نخلة علي الجدول" بسبع سنوات كتبت قصة قصيرة أخري أسميتها "حفنة تمر" ثم كتبت "دومة ود حامد"، نشرت في مجلة كانت تصدر بلندن اسمها "أصوات" يحررها المستشرق الإنجليزي دينيس جونسون ديفيس مع الصديق المصري الراحل - ادقار فرج - وبادر جونسون ديفيس إلي ترجمة -دومة ود حامد- إلي الانجليزية وأرسلها إلي مجلة (إنكونتر ظهظيلهي ئظؤ) وكانت أكبر مجلة أدبية تصدر في بريطانيا في تلك الفترة•• ولشدة دهشتي قبلت المجلة القصة ونشرتها
إن أي متفحص للمراحل التي مرت بها تجربة الكتابة للطيب صالح سيلمس بسهولة أن هذا الكاتب لم يكن يرسم لنفسه يوما المنزلة الأدبية والابداعية التي يتربع عليها اليوم•• إذ كانت الملامح الأولي لهذه التجربة لا تمثل بالنسبة اليه إلا هواية ولعبة أدبية استهوتها نفسه، وشجعت لها إطراءات المقربين اليه، العاملين خاصة بإذاعة لندن •• وإذا ما كان واحد من هؤلاء الأصدقاء المقربين اليه يلح عليه بمواصلة الكتابة•• فإن جواب الطيب صالح لا يأتي إلا متعجبا للطلب•• بمواصلة الكتابة•• ؟•• يعني أن أتحول إلي كاتب•• هذه مزحة•• لقد كتبت ما عندي وخلاص••! تلك كانت الإجابة التي يمكن أن تمثل بعد المسافة الفاصلة في أن تكون الكتابة هما وانتماءً له •• أولا تكون •• ليتعامل معها كأمر ثانوي وعن بعد • الإنجازات الأولي ولكن•• متي بدأ هذا الروائي يقف حقيقة عند البداية الجادة للإحتراف الأدبي ؟•• وما هي العوامل التي ساعدت علي أن يستمر في الكتابة ويقدم إبداعاته هنا وهناك؟•• إنها في الواقع عدة مؤثرات وعوامل، منها ما يتعلق بشخصية الكاتب نفسه•• وأخري تتعلق بالفترة التاريخية التي ظهرت بها تلك الكتابات
في عام 4691 نشر روايته الأولي - عرس الزين - والتي كان قد كتبها قبل هذا التاريخ بسنوات •• ولم تحظ هذه الرواية بالاهتمام الذي حدث بالنسبة لروايته الثانية التي جلبت له كل الشهرة دفعة واحدة•• حصل هذا عام 6691 حينما نشر رواية (موسم الهجرة إلي الشمال) في مجلة حوار اللبنانية التي كان يرأس تحريرها الشاعر الفلسطيني توفيق صائغ•• في ذات الوقت كانت هذه الرواية قد صدرت في لندن مترجمة من قبل أحد زملاء الكاتب العاملين في هيئة الإذاعة البريطانية•• ومن المحتم أن هذه الانجازات الأدبية التي حصلت ما بين عامي 4691-6691 قد حثت وشجعت الأديب للمضي في التجربة، هذا بعد أن لاقت الرواية الثانية صدي واسعا من قبل القراء والنقاد•• وأصبحت الأضواء تتركز علي شخصية الطيب صالح•• الأديب
ويروي الأديب واحدة من صور الإهتمام المدهشة والجديدة التي واجهها من قبل القراء والنقاد خلال تلك الأعوام >زرت جامعة أكسفورد ، وكان لي منها بعض الأصدقاء ، منهم الأخوان حسن بشير وكرار أحمد كرار، وهناك التقيت واحدة من علماء إحدي كليات أكسفورد اسمها سانت أنتوني saint antoy ، كانت مجلة إنكونتر قد نشرت في العدد نفسه الذي نشرت فيه (دومة ود حامد) قصة للكاتب الأمريكي نورمان ميلر، وهو من أشهر الكتاب في أمريكا•• وأثناء تناولنا وجبة الغذاء قال لي أحد الأساتذة
هل تعلم أن نورمان ميلر يمكن أن يتعلم منك •• صعقت حين سمعت هذا التعليق•• وتساءلت >يتعلم مني أنا<••!•• فأجاب بالإيجاب، وراح يتحدث عن مميزات القصة•• وقال إنها قصة كلاسيكية فيها بساطة شديدة وجوانب فنية غير مطروقة< تلك واحدة من صور عديدة جعلت وساهمت مثلما ساهم الكثير من العوامل والأسباب لأن ينظر الطيب صالح نظرة أكثر حميمية وقربا وانتماء إلي عملية الكتابة•• ففاز بآراء نقدية جادة ومهمة •• فقبل 52 عاما تقريبا صار اسم الطيب صالح ذائع الصيت في دنيا الرواية العربية•• ووصفه الناقد (رجاء النقاش) وبوقت مبكر•• الطيب صالح في الرواية شاعر كبير•• أدواته الفنية في منتهي الطاعة لرؤاه الفنية الفياضة•• وأدبه نموذجا للحوار الفصيح الذي يحمل الكثير من الروح الشعبية••< السودان أولا البيئة الشعبية السودانية هي العالم الوحيد الذي تدور فيه كل أجواء رواياته وقصصه القصيرة التي كتبها•• وحتي اذا ما كتبت عن مكان آخر غير السودان، فان ذلك المكان يأتي موظفا للبيئة الأصل•• وهي واحدة من أهم العوامل التي ساعدت علي صنع هذا الأديب•• فإذا ما كنا قد عرفنا تأثير البيئة السودانية علي كتابات الطيب صالح فما هو تأثير الأماكن الأخري غير السودانية علي الكاتب•• يقول: >إنني لم أهتم بالكتابة عن البيئات الأخري إلا بشكل محدد جدا، ولذلك كان اهتمامي بالبيئة السودانية•• وحتي الأفكار التي أكتبها عن بيئات أخري أجلبها إلي هذه البيئة وأغرسها فيها •• ثم أراقب ماذا يمكن أن تفعل •• ولعل في شخصيتي الكتابية - لا شخصيتي كإنسان - نوعا من الانفصام هنالك جانب في > عرس الزين < أقرب إلي طبيعتي •• أحيانا أكتب روايات ليس فيها توتر ، والعلم فيها متجانس وليس فيه صراعات عنيفة •• ثم هنالك جانب آخر هو عالم > موسم الهجرة < وهو العالم المكتسب من التعليم والسفر والعيش في بيئات غريبة ومعاناة الشتاء القاسي في لندن والدخول في أزمات مع النفس•• ومعايشة أقوام غرباء•• فأكتب عندها علي غرار >موسم الهجرة<•• ولعلي في روايتي >ضو البيت< و >مريود < خلطت بين الشخصيتين فثمة جانب عنيف تمثله أسطورة بندرشاه وعلي السطح هنالك القرية بل هنالك أشخاص >عرس الزين< وامتدادهم محجوب وعبد الحفيظ والطيب يعيشون علي السطح•• ويستطيع الواحد منا القول أننا في العالم العربي كله نعيش في مجتمعات قائمة علي أعماق من الصراعات والتاريخ الدموي
مشهد من رواية بندرشاه بقيت الثقافة والبيئة السودانية بخصوصيتها المتوارثة من جيل لجيل هي مكان وزمان الكتابة•• حتي بدت كتابات الطيب صالح عبارة عن إعادة وحفظ لتلك الميثلوجيا •• والفلكور الإجتماعي •• مفيدا له ومستفيدا منه•• ولنلاحظ الإستفادة التي أخذت منها رواية ( بندرشاه ) من الفلكورالسوداني، حيث جعل الأديب الشخصية التقليدية السودانية تتحرك وتعيش في روايته دون تدخل منه ودون قمعها تحت تأثير ذاتية المزاج أو لغة الكتابة•• بل إن الكتابة تأتي أحيانا باللهجة السودانية• >قعدنا علي الحالة دي أسبوع عند بندرشاه•• حكيت لهم حكاية الشطة، وقت جروحنا بردت أنا ومختار •• رجعنا للحلوة •• مختار بطل الافتراء ، وأنا من يومها ما قاشطت جنس مخلوق•• ونحن الأربعة بندرشاه، وجدك، ومختار، وأنا، بقينا أصحاب أي كأننا اخوان أشقاء ما يفرق بيننا إلا الموت< قلت لسعيد الذي كان قبلا يلقب بسعيد البوم: >قالوا سموك سعيد عشا البايتات ضحك ضحكته البريئة التي أذكرها من أيام طفولتي في ود حامد وقال بلهجته البدوية•• >الوليه فطومه أجارك الله ، وقت العرقي يشلع في راسها تطلع الكلام خارم بارم قلت له•• -وكمان فطومة غنت في عرسك قال •• - يامحيمين أخوي•• في هادي الأيام الفلوس موتجيب الهوا من فروته•• قلت له•• - فطومة شن قالت فيك ••؟ فقال فخورا وهو يبرم شاربه الصغير الذي يجلس قلقا علي فمه كما تجلس العمامة المفرطة الكبري علي رأسه - يازول فطومة تطير عيشتها•• هو لكن غنا فصاح - يازول العرس الماغنت فيه فطومه أصلا ما يقولوا عليه عرس < وأعدت عليه السؤال، فقال: - علي الحرام، أخوك عرس عرسا خلي ناس ها البلده تنسي عرس الزين•• أسأل أيا من كان يقول بك العرس عرس سعيد والا بلاش< عرس الزين كان أعجوبة•• أما أن سعيد اليوم يصبح صهرا للناظر بجلالة قدره، فهذه هي المعجزة•• وقال سعيد•• >عليك أمان الله، ما لقينا محل نحشرها•• قبايل قبايل•• كل قبيلة تساوي الشئ العلاني•• عملنا العقد في الجامع الإمام قال للرجالة كل واحد يشوف ويسمع سعيد راجل حبابة•• ما في انسان يقول سعيد اليوم< ••
تلك الشخصيات وتلك الأجواء حاضرة أبدا في روايات وقصص الطيب صالح•• ويبدو أنها دائما مُستلة من واقع اجتماعي سوداني لم تدخل اليه السياسة بعد •• ولم تجعله فيما بعد واقعا إجتماعيا قلقا كما هو عليه اليوم بفضل التناحرات السياسية أو المعاناة الإقتصادية والمعيشية التي يعاني منها الإنسان السوداني • زمن مختلف عن هذا الواقع المتغّير•• يقول الطيب صالح وهو يتحدث عن أجواء رواياته في حقبات ما قبل امتداد أصابع السياسة إلي لوحة المجتمع في السودان•• >حين كتبت هذه الروايات كان السودان -نسبيا- مستقرا، ولم يكن قد دخل في هذه الصراعات الدامية •• وربما هذا جزء من عرقلة الكتابة •• فهي تغدو أصعب حين يصبح الواقع أغرب مما يمكن أن يتخيله الكاتب• هذا هو الأمر عندما يتذكر المرء إعدام النميري لعبد الخالق محجوب والشفيع ثم شنقه محمود محمد طه أو يتذكر إعدام هذا النظام حوالي ثمانية وعشرين ضابطا في أواخر شهر رمضان •• وأنا وصفت في >ضو البيت< الجلد والتعذيب قبل أن يحدث ذلك في السودان •• كنت أحس ذلك خيالا •• ولكنه حدث فعلا•• بيوت أشباح وتعذيب وبلاء•• هذه الأمور أحيانا تعرقل الخيال أو تعكره ••
ما حدث في الجنوب مأساة كبري جدا إذ أبيدت قري كاملة•• أنا أنتمي إلي الشمال ولكن علينا أن نقر بأنه وقع ظلم كبير جدا علي الجنوبيين في حرب أدارها زعماء سياسيون< الشهرة شئ زائف قبل أن يظهر اسم هذا الروائي، ليحضر بكل قوة وتفرد في الساحة الأدبية العربية منذ منتصف الستينات، لم يكن يعرف القارئ كاتبا سودانيا كان قد حقق من قبل ما حققه الطيب صالح علي مستوي العملية الإبداعية والانتشار مع أنه يعتبر كاتبا ليس غزير الانتاج•• فما السر الذي يراه هذا الكاتب بالنسبة لاهتمام القارئ بنتاجاته••؟ >عندما أكتب شيئاً، أحب أن يكتشف فيه القارئ متعة مختلفة ،يكتشف عالما جديدا<•• لكن الأقلال في الكتابة كيف يفسره ؟ يقول عن ذلك > ليس عندي هذا الهوس بالكتابة كما لدي بعض الكتاب ، فإذا كتبت فليكن، وإن لم أكتب فلا أظن أن الناس قد خسروا كثيراً، فأنا لا أؤمن بالكثرة في الإنتاج، إذ ليس ضروريا أن أخرج كل سنة كتابا •• بل الكتابة تأتي حين يكون الكاتب قد نضج تماما ، وما عنده لا يمكن حبسه أي كما يقول العرب -بلغ السيل الربي- وكثيرا ما أجد اناسا كتبوا أشياء رائعة في العالم فأتساءل: ماذا بوسعي أن أضيف إلي كل هذا•• بل ما معني أن أكتب رواية كل شهر ليس لها مضمون ذو بال•• كما أنني حقيقة، لا أحس بهذه الرغبة الحادة في الكتابة، غير أني أستمتع بأشياء أخري ذلك أن عالم الإبداع يلتهم الحياة ، فحين نقرأ سيرة الكاتب > بلزاك < مثلا ، نجد أن هذا الرجل أفني عمره ليكتب فالتهم الفن حياته•• وقد تأسف علي ذلك في آخر سنوات عمره••< • هل هذا يعني الإعتراف صراحة بأن الطيب صالح آسف علي ذلك الزمن الذي التهم من حياته وأنفقه علي الكتابة•• ؟
ثم ما هي الحياة التي يتمناها ويرنو لها من بعيد ليعيشها•• يضيف الكاتب•• >أريد أن أوازن بين الحياة وبين الفن حتي لا يلتهم أحدهما الآخر، ولعلي أميل إلي الحياة مني إلي هذا العالم الموهوم الذي أسمه الفن•• لذلك فأني أستمتع بالقراءة وبمقابلة الناس وبالسفر< هل هذا معناه محاولة للهروب من ضريبة الشهرة التي يجلبها الإبداع علي الكاتب••؟ يجيب عن ذلك بالقول••>في الحقيقة أن الشهرة شئ زائف ووقتي والنجومية وهم•• والشئ الأهم وهو الأمر العادي الذي ينتج عن هذا الجهد الذي يبذله الكاتب العربي لا يحصل عليه•• فلو كنت كاتبا انجليزيا لحصلت علي تقدير مادي، وكتاب مثلي يعيشون في بحبوحة من العيش لدي الإنجليز والفرنسيين أما نحن العرب فمساكين لا نجد سوي بعض الحفاوة ونحمد الله علي ذلك•• والشعوب التي تهتم بالكاتب بحكم توجهها الحضاري أعطت للإبداع سواء كان كتابة أو موسيقي أو رسم ، وظيفة في المجتمع ، وأي مجتمع لا يمكن أن يكون متحضرا بدون الإبداع لأنه في نهاية الأمر لا يبقي سوي الفن والثقافة•• فالأمة التي تريد أن تصنع حضارة لابد أن تحتفي بالثقافة والفن، ونحن أهملنا هذا، ربما لظروف فرضت علينا لأننا ظللنا قرونا عديدة وطويلة لا ننتج شيئا< • جائزة نوبل جوابك هذا يعني أن الأديب والمبدع العربي بأقصي حاجة إلي رعاية•• ولعل تكريمه بجائزة ما عالمية سيكون لها أبلغ الأثر عليه• كما حصل مع الروائي نجيب محفوظ ••> فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل كان فوزا بينا، وهو رجل يستحق هذه الجائزة بكل المقاييس ولقد قلت ذلك قبل سنوات••
ويوجد شعراء وكتاب عرب عديدون يستحقون هذه الجائزة، وأنا شخصيا لا أريد أن أشغل نفسي بالجوائز•• جائزة العويس•• جائزة البابطين وغيرها من الجوائز •• ولو ظل الإنسان يفكر في هذه الجوائز فلن ينتهي إلي وضع يستريح له•• والأديب يفعل ما يستطيع تحقيقا لنوازع هي أهم من الجوائز • أما بالنسبة لجائزة نوبل فالله وحده يعلم ، هل سيعطونها لعربي في المستقبل القريب•• ؟ لكن لابد أن نتذكر أن نوبل جائزة أوروبية•• وهم أحرار في منحها لمن يريدون•• وأري أن الرد علي السخط العربي بأن كتابنا مهمشون من قبل جائزة نوبل هو إنشاء جائزة عربية تعطي علي غرار جائزة نوبل•• ونحن كعرب لاينقصنا المال•• إلي درجة أن لدينا أثرياء عرب يستطيع الواحد منهم إنشاء مثل جائزة نوبل•• فنحن نسمع أحيانا أن (فلان) لديه كذا مليار دولار >طيب يعمل أيه في هذه المليارات< فلو خصص منها علي سبيل المثال 005 مليون دولار، وتمنح هذه الجائزة لمن يكتب أحسن بحث عن جزئية معينة من الحضارة العربية والثقافة العربية • وبهذا نكون مساهمين في الحوار الدائر ولسنا متعلقين•• فنحن دائما مستهلكون، نقف متفرجين إلي أن تأتينا السلعة الأجنبية من الخارج•• فجائزة نوبل أنشأها فاعل خير سويدي اسمه -نوبل- صنع الديناميت والقنابل، وتحت أحساس وخز الضمير قال: نخصص جائزة للعلوم والآداب تمنح للمتفوقين سنويا في العالم ، ولكن موقفنا من هذه الجائزة سلبي••
ولابد إذن من انشاء جائزة عربية كبري بديلا لها وعلي الإعلام العربي أن يتولي الدعوة لها•• ومع أن الطيب صالح تحدث عن جائزة نوبل بشئ من التهكم•• إلا أن هنالك أقوالاً ترددت حول سعيه لنيل هذه الجائزة •• وبهدوئه وتواضعه المعتاد يرد الروائي السوداني علي تلك الأقوال•• >لم أسع إلي جائزة نوبل، ولم أفكر فيها علي الإطلاق•• وأنا أولاً لا أملك الإنتاج الأدبي الكافي لتأهيلي إلي نيل هذه الجائزة ثم أني لا أعتبرها شيئا متغيرا في تاريخ الأدب ولا شيئا قادرا علي تضخم الكاتب الذي يحصل عليها سوي في الأيام الأولي للإعلان عن الفوز بها•• ثم ينتهي كل شئ وتدور عجلة الحياة•• وعموما الجوائز لا تصنع أديبا ، ثم إن جائزة نوبل ليست كل شئ في حياة الأدباء الذين يحبون الأدب والحياة والجمال•• وعن سعيي إلي هذه الجائزة كمن سعي إلي السراب لا لأنها ليست مهمة، بل لأنها تسند لأسماء قد لا يتوقعها أحد ولأسباب كثيرة•• ثم إن جائزة نوبل لن تفكر في الطيب صالح لأن حياته غير مثيرة وكتبه غير كثيرة <• المتعة والإمتاع - قلت: طالما أن المتعة الحقيقية لكاتب مثل الطيب صالح تأتي في التعبير عما به، ولا يبغي الشهرة ولكنه مندهش من الواقع عندما يصبح أغرب من الخيال، فيا تري ما الذي يمتع الطيب صالح وهو يبدع؟
يقول: أحب صوت فيروز وأنا أكتب، ولا أعرف لماذا، أم كلثوم يحتاج صوتها إلي تهيؤ واستعداد، لكن صوت فيروز يثير في أشياء كثيرة، أحب المقام العراقي الملئ بالشجب، وأحب كثيراً من الغناء السوداني الخصب، ويحضرني أحمد المصطفي، وعبد الكريم الكابلي، وحسن عطية، وعثمان حسين، هؤلاء أحملهم معي من الوطن، هذه هدايا منقولة من الوطن، عندنا مطربة اسمها حنان النيل، صوتها جميل، وهادية طلسم، وعندنا شاعر من منطقتنا اسمه عبد الله محمد أحمد، وشاعرنا السوداني المعروف سيدي أحمد الحردك• وأسمع موسيقي عالمية، أحب الجاز، وأحب أناشيد المديح، مديح الرسول في شمال السودان، وأحببت موسيقي البيتلز في غناء الأوروبيين• الواقعية السحرية - قلت: تشربت بالثقافة من هنا وهناك حتي أنك تري أن الكتابة في بعض جوانبها تماثل عمل علماء الانتربولوجيا والآثار•• فكيف يكون ذلك؟•• قال: هؤلاء يحفرون طبقات الأرض فيجدون أحياناً بعض التحف أو الصخور الدالة علي حضارة معينة، وأحياناً بعض الحلي، وهم في ذلك مثل الروائيين والمؤرخين، لأن مايقولونه لا أحد يستطيع إثباته لأنه دخل في بحر الزمان، وأنا شخصياً لا أشعر بأنني غريباً عن هؤلاء الناس، علي الرغم من أنهم قد يستعملون عبارات تبدو محددة، لكنهم بالضبط مثل الروائيين
وفي اعتقادي أن الكاتب أو الروائي "أركيلوجي" بشكل مختلف•• الكاتب ينظر إلي مايسمي بالواقع، ولكن حين نفكر فيه بعمق لا يوجد واقع، من الناحية الفلسفية لا يوجد واقع، هناك حلم، كما يقول شكسبير، إذا نظرت إليه من الناحية التاريخية، وهو ليس ثابتاً• حتي الأشياء التي تحدث قبل أسبوع نجد الناس ينظرون إليها بشكل مختلف، ويحكونها بكيفية مختلفة، وكل واحد يعيد صياغتها بنفسه، وأنا شخصياً لم أسع مطلقاً أن أصنع واقعاً لأني لا أعرف ماهو هذا الواقع•• وأقول في السياق نفسه: إن الذاكرة تلعب كثيراً بالإنسان، وبالنسبة لي حيث أتذكر واقعة ما، فإنني لاأعرف علي وجه الدقة هل ما تذكرته يناسبني في الكتابة؟•• لذلك تجدني دائماً أقول إنني أعتمد أنصاف الحقائق، والأحداث التي يكون جزء منها صحيحاً والآخر مبهماً، وهذا يلائمني تماماً، بمعني آخر قد تكفيني جملة سمعتها عرضاً في الشارع لأستوحي منها فكرة للكتابة، وليس بالضرورة أن أجلس مع صاحب الجملة لأستمع إلي قصته كاملة، هذا لايهمني ولكن يكفيني جملة واحدة أسمعها في الطريق فتثير في نفسي أصداء لاحدود لها
قد لايفهم القارئ أبعاد ماتكتبه خصوصاً حين تكيف ما تسمعه لكي يتناسب وطريقتك في الكتابة، لذلك أعتقد أن كثيرين أستوعبوا وفهموا ماكتبت، وفي المقابل ربما هناك كثيرون لم يفهموا ما كتبت، وهذا شئ طبيعي، ومجمل القول إن كل صناعة لها آفات، والأذن كذلك، الحداد مثلاً علي رغم أنه يتعامل مع النار صباح مساءً قد تطير شرارة صغيرة وتحرقه، الزراعة لها آفات لذلك يستعمل المزارعون لفظ "آفة" حيث يتحدثون عن أمراض القمح أو القطن، والكتابة خصوصاً في هذا العصر وفي عالمنا العربي مليئة بالآفات، والذي يطرح أفكاره علي الناس علناً عليه أن يتحمل تبعات ذلك، لذا لا يزعجني أحياناً حين يسألني بعض الناس هل مصطفي السعيد يشكل جزءاً من سيرتي الذاتية؟ وهو مايذكرني بالواقعة التي تقول أن أبو تمام عندما أستهل إحدي قصائده المشهورة بالضمير، واستعمل كلمة "هن" في أول البيت، قال له أحدهم "لماذا لا تقول مايفهم" فرد أبو تمام "ولماذا لاتفهم مايقال"؟•• والأمثلة متعددة•• إذن الناس أحرار فيما يسمعون ويقرأون، وحدث أكثر من مرة أن ألتقي أناساً يتحدثون عن رواية وهم لايعرفون حتي عنوانها•• لكنهم أحرار، ويبدو لي أحياناً أن البشرية تائهة، وأنا تائه معها•• لذلك لا أطالب الناس أن تفهمني كما أريد•• الكاتب نفسه أحيانا لايعرف ماذا يقول وماذا يكتب
سيرة ذاتية - قلت للطيب صالح: صرحت مراراً بأن ليس في حياتك مايمكن كتابته أو طرحه كسيرة ذاتية•• فلماذا غيرت رأيك وتحدثت لتخرج سيرتك الذاتية في كتاب؟ قال: ولآخر قطرة من حياتي أقول: "ليس لدي ماأقوله"، وما حدث في السيرة الذاتية التي نقلها عني الأديب "طلحة جبريل" هو قراءة لسيرة إنسان•• وأنا أفهم الآن مايسمي بتواصل الإنسان مع بيئته ومع الناس، فقد عشت في بيئة صنعها أجدادنا، شرب جدي من لبن البقرة وشربت أنا من سلالتها من بعد، وحتي الحمير كنا نعرف من أين جاءت كأنها بني آدم، كنا نعرف تاريخ كل نخلة علي حدة، كل شئ كان متصلاً ومتناسقاً، كان هناك "هارموني" بين الإنسان وبيئته، وحين يتحدث علماء البيئة حالياً عن المدن الحديثة، أدرك تماماً مايقصدونه، لأن الإنسان في هذه المدن عبارة عن خلية أخذت من بيئة أخري، وزرعت في هذه المدن، وعندما تركت قريتي وسافرت إلي لندن ساورني طويلاً هذا الإحساس، الإحساس بأنني خلية زرعت في مدينة كبيرة زراعة اصطناعية، لذلك لم أحس إطلاقاً بالراحة النفسية التي كنت أحس بها في قريتي• وهذا الحنين الجارف إلي الجذور يتكرر في أكثر من موضع من سيرة الطيب صالح، وهذا الحنين وحده كان دافعه إلي الإبداع، وهو لم يعتبر نفسه أبداً مبدعاً علي مستوي الإحتراف، وإلي ماقبل مغادرته السودان إلي لندن في عام1953م، لم يكن كتب سوي محاولتين قصصيتين، مزقهما، وأنتهي الأمر عند هذا الحد
يقول الطيب صالح إنه لايعتبر نفسه جزءاً من الحركة الأدبية، ولديه رغبة حقيقية في عدم الإلتزام بالأدب ويقول: لاأقترب أبداً مما يسمي بالصالونات الأدبية أو اتحادات الأدباء•• أنا شخص علي الهامش، وهذا الوضع يريحني كثيراً• عزوف والذين يعرفون الطيب صالح يلمسون عزوفه عن الشهرة، ونفوره من التنظير والإدعاء، ورغم أنه كان من الممكن أن يستغل شهرته ويقبل علي انتاج أعمال كثيرة يفوز من ورائها بشهرة أكبر وربح مادي أوفر إلا أنه رغم تقدمه في العمر ورغم تجربته الموسوعية في الحياة يري أن الشهرة شئ زائف والنجومية وهم ويقول أيضاً: لم أكثر يوماً من الانتاج•• أنا مقل لأني أشتغل في عمل أكسب منه، ولكن الناس ينسون أحياناً أن الكاتب يعيش في الدنيا أيضاً، أنا أختلف في هذه الجهة عن ميخائيل نعيمة الذي كان يعيش في أعالي "بسكنتا" في جبل "حنين" والذي كان خالياً من أية مسئوليات عائلية•• زرته يوماً في منزله، وقلت له "ليتني كنت في وضعك، وليس عندي عائلة وإلتزامات"•• الكتابة ليست هي كل حياتي، وقد ذكرت مرة أنني أراوغ في عملية العلاقة مع الفن لأن الفن يلتهم الحياة•• يأكلها•• هناك من يقبل هذا المصير، ولا يفعل شيئاً سوي الرسم أو الكتابة أو نظم الشعر•• "أنا مش عاوز المصير ده"•• وأرجو بالطبع ألا يكون النبع قد جف عندي، ولكن ماينقصني هو توفر الوقت، فالوقت في الحياة قصير جداً• - قلت للطيب الصالح أليست الكتابة عملاً يومياً؟ قال: لا
لأن الأفكار تدور في ذهني•• ونوع الكتابة التي أقدمها تستلزم أن تتفاعل مع العمل وتبقي في المخيلة مدة طويلة• - يثار جدل حول مسألة زمن القصة القصيرة وزمن الشعر وهي أسئلة مستهلكة وأنت كالعادة تقرأ كل ماهو مستهلك وكل ما هو معلق•• لكن هل تعتقد أن رواية واحد جيدة في هذا الزمن تستطيع أن تصنع كاتباً؟ نعم•• ففي تاريخ الأدب، توجد أعمال منفردة صنعت كتاباً، وحين نستعرض الشعر العربي مثلاً نجد شاعراً لم يقل إلا بيتين، ولكن هذين البيتين ظلوا يترددوا، علي مر العصور، إذن فالكثرة ليست محاكاً، وإذا كانت كثرة مع جودة فهذا يكون شئ جيد•• لكن نادراً ماتكون الكثرة فيها جودة•• وهناك كتاب مقلون وكتبوا أشياءً عظيمة مازالت موجودة حتي اليوم
- عندما صدرت مجموعة يوسف إدريس مثلاً "أرخص ليالي" أثارت ضجة، وفي الطبعة الثانية كتب لها المقدمة د• طه حسين في هذا الوقت بالذات وسط الانتشار الإعلامي ووسائل الاتصال ورغم ذلك إلا أنه من الصعب جداً أن مجموعة قصصية أو عمل واحد تستطيع أن تقدم كاتباً؟ هذه القضية، قضية مفتعلة كلها، لأن القارئ لايقرأ كل شئ- حتي ولو كان قليلاً لأي كاتب، وهناك روائع عندنا قد نكرها الناس، من قبل، وكأنهم يريدون توجيه اللوم للكاتب دائماً، وأنا أنظر للأشياء دائماً علي أنها مترابطة، فغير مهم أن يكون الكاتب كبيراً ولكن المهم أن تخلق مجموعة من الأصوات تتفاعل في جيل أو جيلين لتخلق شيئاً جديداً وجيد، ولو لم يكتب يوسف إدريس إلا "أرخص ليالي" لكان من الممكن أن يشهد الناس لعمله هذا بأنه عمل جيد، ولكن من حسن الحظ انه كتب أكثر من ذلك، فالضغط علي الكاتب بأن ينتج باستمرار ليس مهماً، ويمكن الاستمرار في الكتابة في حالة واحدة فقط وهي إذا كانت حياته مرتبطة بالكتابة فمثلاً، تشارلز ديكنز عند الإنجليز أو بانزاك كان يكتب كثيراً لأنه يريد أن يكسب، وكان يقدم الرواية مسلسلة للصحيفة ليكسب منها لأنه إذا لم يفعل ذلك فقد يموت من الجوع، وهذا هو المبرر الوحيد، وغير ذلك لايوجد أي مبرر للضغط علي الكاتب كي نتتج، فإذا قارنت بين ابراهيم عبد القادر المازني وبين طه حسين ستجد أن د• طه حسين أنتج عدداً من الأعمال ذوي مستوي عالي جداً، ولكن المازني علي قلة ماكتب ترك أدباً علي مستوي عالي
- إذن فليست المسألة مسألة نجومية؟ هناك إناس يحبون النجومية، ولكن هذا ليس له صلة بعملية الإبداع


قديم 12-24-2011, 11:41 AM
المشاركة 177
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

الطيب صالح في مرآة جورج طرابيشي النقدية
سماححكواتي
ثقافة
الاثنين 29-6-2009
حظي الروائي السوداني الطيب صالح «الذيرحل عن دنيانا مؤخراً» باهتمام نوعي في مؤلفات الناقد والمفكر والمترجم السوري جورجطرابيشي، ترجم هذا الناقد المولود في حلب عام 1939 أكثر من مئتين وعشرين كتاباً عنالفرنسية إلى العربية
تضمنت ترجمةالأعمال الكاملة لكل من فرويد وسارتر وماركس وهيجل، إلى جانب عشرة مؤلفات في النقدالإجرائي التطبيقي للرواية العربية، كان حظ «صالح» وافراً منها، إذ درس طرابيشيروايته الثانية «موسم الهجرة إلى الشمال» 1966 في كتابين من كتبه، هما «شرق وغرب،رجولة وأنوثة»«1» 1977 والمثقفون العرب والتراث، التحليل النفسي لعصاب جماعي«2» 1991
ولعل كتاب «شرقوغرب»من أبرز الكتب التي عرفت القارئ العربي بروائي من أقصى الجنوب العربي، فالطيبصالح ولد في مركز مروى المديرية الشمالية للسودان، عام 1929 ودرس في وادي سيدناوتخرج من كلية العلوم في الخرطوم، ثم مارس التدريس، إلى أن عمل في الإذاعةالبريطانية في لندن، حيث نال شهادة في الشؤون الدولية، كما شغل منصب ممثل اليونيسكوفي دول الخليج بين عامي 1984-1989 وقد غلب الطابع الشعبي السوداني على ماقدم منأعمال روائية بدءاً بروايته الأولى «عرس الزين» 1962 مروراً بروايته الثانية «موسمالهجرة إلى الشمال» 1966 ورواية «مريود» ورواية «نخلة على الجدول» وانتهاء برواية «دومة ود حامد».‏
ويبدو أن نشرروايته موسم الهجرة إلى الشمال منجمة في مجلة «حوار» اللبنانية، قدم هذه الروايةإلى القراء العرب على نطاق واسع بعد عامين من نشرها أي عام 1968، مما دفع بالناقد «رجاء النقاش» إلى نشرها من جديد عام 1969 في دار الهلال التي كان يترأسهاآنئذ«3».‏
وقد سبق طرابيشيإلى دراسة الطيب صالح بكتاب وضعه مجموعة من النقاد اللبنانيين عام 1976 بعنوان «الطيب صالح عبقري الرواية العربية»، أي قبل صدور كتاب طرابيشي بعام واحد، كماتزامن مع صدور كتاب «المغامرة المعقدة» لمحمد كامل الخطيب «4» لكن أهمية كتاب «شرقوغرب» تكمن في المنظورين الجديدين اللذين تناول بهما الرواية مبتعداً عن التوصيفوالأحكام النقدية السريعة التي قدمها الخطيب في كتابه آنف الذكر، نتيجة للعددالكبير من الأعمال الروائية التي درسها في هذا الكتاب.‏
حاول جورجطرابيشي تفسير هذا الإقبال النقدي على دراسة رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» فيالنصف الثاني من السبعينيات بصدورها في أوج الاعتمال الداخلي للهزيمة الحزيرانية،فحظيت بكل القبول لدى القراء العرب، ولاغرو أن تكون شخصية بطلها قد أغرت المئات- وربما الآلاف- منهم بتقمصها والتماهي معها، باعتبارها شخصية حاملة لهوية قوميةوجمعية «5».‏
ويتابع طرابيشيهذا التأويل في كتابه «المثقفون العرب والتراث» فيوازن بين شخصية بطلها «مصطفىسعيد» وشخصية «حامد القادوري» في قصة «زمن الهجرة والتمرد» التي تنوء تحت العقدةالحضارية حتى قاع اليأس والقنوط، في حين ان مصطفى سعيد استطاع أن يمد جسوراً تحتيةإلى لاشعور القارئ العربي، وأن يفتح له أقنية لتصريف ضغط العقدة الحضارية التيفعلتها الهزيمة الحزيرانية تفعيلاً منقطع النظير.‏
لقد رأى طرابيشيأن هذه الهزيمة عامل مهم من عوامل العصاب الحضاري الذي جسدته هذه الشخصية،وشخصياتأخرى في أدب هذه المرحلة، ومن هنا اتخذ هذا العصاب شكل غزو للبلاد التي غزته منقبل، وبذلك يتجلى تميزه عن غيره من شخصيات الهزيمة بأنه في حضيض «الخصاء» بالمعنىالتاريخي والحضاري استطاع أن يقلب المعادلة، فيغزو البلاد التي غزت بلاده.‏
وينسجم هذاالتأويل مع منهج طرابيشي في المزاوجة بين المنهجين النفسي والواقعي في النقدالأدبي، فقدم بعداً جديداً للعقدة الحضارية التي عانتها تلك الشخصية، وهو بعد جماعيجسده فرد بعينه، مما يفسر إعجاب النقاد والقراء العرب بهذه الشخصية.‏
ويبدو أن تفسيرالرؤية الرجعية للغرب تحت ضغط الهزيمة الحزيرانية قابل للنقاش، فالرواية صدرت قبلالهزيمة بعام، الأمر الذي يباعد بين الهزيمة والرضّة الحضارية التي عاناها «مصطفىسعيد» زمنياً، إلى جانب البعد الجغرافي للمكان الذي تدور فيه أحداث الرواية عنجغرافية الهزيمة، الأمر الذي يخفف من تأثيرها على أدب تلك المنطقة، مما ينفي هذاالتفسير، لاسيما أن طرابيشي لم يتكلم على إرهاصات أو تنبؤ بالهزيمة، إنما علىمؤثرات لها على رواية الطيب صالح وأدب السبعينيات عامة.‏
أما كتابه «شرقوغرب» ،«رجولة وأنوثة» 1977 فهو يقدم أبعاداً جديدة للرواية نفسها، تحت عنوان موسمالهجرة إلى الشمال، أو الجغرافية التي قلبت معادلة التاريخ» «6» وهي أبعاد حضاريةسياسية ونفسية.‏
يحلل طرابيشيحضارياً علاقة الشرق بالغرب، تلك العلاقة التي انقلبت جغرافياً إلى علاقة الجنوببالشمال، وقد جسدت هذه العلاقة جملة من المكبوتات والعقد التي اهتم طرابيشيبتحليلها نفسياً، للوقوف على دوافع الثأر الكامنة وراء سعي الشخصية الرئيسية «مصطفىسعيد» إلى اصطياد النساء الأوروبيات، متأثراً بالعقدة النفسية ذاتها التي رآها «فرانز فانون» في كتابه «معذبو الأرض» عندما حلل نفسية الزنجي الذي عانى آثارالاستعمار.‏
وقد رد طرابيشيهذه العقدة الحضارية إلى الشعور بالدونية الذي خلفه الاستعمار الانكليزي للسودان،من دون الإشارة إلى الرضة الحضارية التي خلفتها الهزيمة الحزيرانية التي تحدث عنهافي كتابه «المثقفون العرب والتراث».‏
لذا كانت هذهالعلاقة علاقة بحث عن التفوق، عبر الثأر من الغرب المتمثل بالمرأة الأوروبية، وقدأشادت الألمانية «روتراود فلاندت» بهذه الدراسة، لاسيما التحليل المعمق لدوافعالمثقف الشرقي «مصطفى سعيد» لهذا الثأر، بتحليل عقد هذه الشخصية ومكبوتاتها نفسياً «7».
وقد اجتهدطرابيشي -إلى جانب ماسبق- في دراسة صورة المرأة الأوروبية في هذه الرواية، ليجدفيها صورة نمطية حرصت الإيديولوجيا الرجعية للرواية العربية على إسباغها على المرأةالأوروبية غالباً، مما يجعلها صورة لاتفصح عن حقيقة المرأة الأوروبية، بقدر ماتفصحعن إيديولوجيا المثقف الشرقي الذي اختزل الغرب إلى امرأة، بدافع الثأر لشرقهالكليم، ولدونيته الحضارية والثقافية.‏
إن تحليل عقدةالدونية والتفوق، قادته إلى دراسة دوافع التعويض، بهدف الكشف عن العقد الشعوريةواللاشعورية التي تتحكم بموقف شخصية مصطفى سعيد، ومن ورائها المثقف الشرقي المتبنيلشرقيته من أوروبا ومن الغرب عامة، وقد حاول إبراز التجليات الفنية الجمالية للعقدالنفسية، بتجاوز إطارها الفردي، إلى عصاب إيديولوجي لمجتمع بأكمله، إيديولوجيالاواعية جمعية، تتحكم بعلاقة الشرقي بالغرب، الأمر الذي يجعل عصابه اختزالاً لعصابمجتمع الشرق وأزماته، ومن هنا، ينتقد طرابيشي أية محاولة يقوم بها «مصطفى سعيد» للتسامي والتفوق، بطريق قلبه ضعفه الثقافي إلى سادية جنسوية، مما قاده إلى تحليلفصام هذه الشخصية وانقسامها بين العقل والروح، فكان برأيه إنساناً فرويدياً يحمل فيداخله غريزتي«الإيروس» أي غريزة الحب، «التاناتوس» أي غريزة الموت«8»، من دون أنيكون واعياً لهذا الفصام، مما يفسر رغبة مصطفى سعيد بتدمير الحضارة الأوروبيةوامتلاكها في آن معاً.‏
اهتم طرابيشي فيآخر هذه الدراسة بلغة الرواية المشحونة بطاقة رمزية عالية، منتقداً ألفاظ الاصطيادوالافتراس التي جسدتها هذه الرواية، لكنه بالغ في تفسير المرموزات، مغفلاً المستوىالواقعيللرواية.‏
وهكذا قدمطرابيشي دراسة اجتماعية عنيت بالعلاقات الحضارية بين الشرق والغرب مقارنياً،كماعنيت بتفسير العقد والمكبوتات تفسيراً نفسياً فردياً وجمعياً بطريق التداعيات الحرةالفردية، التي عادت إلى طفولة مصطفى سعيد، مما يجسد طريقة فرويد في التحليل النفسيالتي ترد العصابات إلى الحياة الطفلية، مع العلم أن طفولة تلك الشخصية نشأت في ظلالاستعمار، وتثقفت ثقافته.‏
لقد عني طرابيشيبالدراسة النفسية الداخلية للشخصيات الفنية، وتجاوز ذلك بالجمع بين علم النفسالفردي لآدلر وعلم النفس الجمعي ليونغ، إلى جانب عنايته بالإنسان الفرويدي، فكانتدراسته النفسية داخلية خارجية أيضاً، في مواطن الربط بين البيئة النفسية الداخليةللشخصيات الفنية، والبيئة الاجتماعية المحيطة بها، مع ربطه أحياناً بينها وبينالمبدع.‏
ولعل هذا مايميزهذه القراءة النفسية الاجتماعية لرواية الطيب صالح من القراءات النفسية الأخرىللرواية نفسها، ولروايات أخرى، فرصد العقد النفسية والعصابات اللاشعورية للشخصياتالفنية، قد يقود إلى نتائج متشابهة، نظراً لتشابه العقد النفسية، وتماثل أسبابهاودوافعها علمياً، لكن ربط طرابيشي هذه العقد الفردية بالمحيط الاجتماعي يسهمإسهاماً كبيراً في تقديم قراءة نفسية مختلفة ومتميزة، نظراً لاختلاف المحيطالاجتماعي للشخصيات الفنية بين عمل وآخر، مما يجعل هذه الدراسة جادة وأصيلة فيبابها، لايغض من أهميتها التشابه الذي أشار إليه نبيل سليمان في كتابه «مساهمة فينقد النقد»«9» مع كتاب محمد كامل الخطيب «المغامرة المعقدة» لأن دراسة طرابيشي أكثراتساعاً في درس هذه الرواية وفق المنهج النقدي المقارن، المدعوم بالمنهج النفسيوالمنهج الواقعي الاشتراكي، تناولاً ينسجم مع مضمون الرواية المتنوع بمحمولاتهالحضارية والنفسية والإيديولوجية.‏

قديم 12-24-2011, 11:44 AM
المشاركة 178
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أحمدمحمد البدوي - الطيب صالح سيرة كاتب ونص - الدار الثقافية للنشر - كتابإلكتروني

الكتاب من تأليف الناقد السوداني الدكتور أحمد محمد البدوي، ويتضمن 6فصول، قدم خلالها تحليلا لأعمال الأديب السوداني القصصية ورواياته الشهيرة: موسمالهجرة الى الشمال، ودومة ود حامد، وعرس الزين، وغيرها.

وقدم الدكتور البدوي ببليوجرافيا توثيقية تضمنت معلومات عن رواياتوقصص صالح والترجمات التي قدمت لها عبر اللغات المختلفة، وما كتب عنها من دراساتومقالات وأبحاث سواء بالعربية أو بغيرها.
يقول المؤلف: "ان هذا العمل الذي قدمهعن الطيب صالح والمعلومات التي أقدمها عنه في الببليوجرافيا تعتبر شبه كاملة، وأكثرإحاطة بأعماله حتى الآن، وقد اعتمدت من أجل انجازها الذي استغرق سبع سنوات علىعشرات المصادر والكتب والصحف والأطروحات العلمية والموسوعات ودوائر المعارف حتىأقدم مراحل حياة الطيب صالح البارزة أدبياً وانسانياً، للقارىء العربي والمهتمينبأدبه وقد كنت أخطط لأن أتبعها بشهادات عن أعماله كان سيكتبها عدد من المبدعينوالنقاد المصريين والعرب أمثال الدكتور علي الراعي، وعبدالبديع عبدالله، ويمنىالعيد وخالدة سعيد ونزار الغانم وابراهيم العجلوني، لكن هذا العمل تعطل فآثرتتأجيله الى وقت قريب".

قديم 12-24-2011, 11:48 AM
المشاركة 179
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الطيب صالح
1929- 2009 م

وُلِد الرّوائي وكاتب القصة الطيب صالح فى قرية الدبة فى الشمال الأوسط من السودان. تعلّم في القرية والتحق بعد تخرّجه بجامعة الخرطوم ثم جامعة لندن حيث تخصّص في التجارة الدولية.

عمل في الإذاعة البريطانية ثم في إذاعة السودان وعُيّن مديرًا عامًا لوزارة الإعلام في قطر وبعدها في الأونيسكو بباريس.
يقول الطيب صالح عن روايته الأكثر شهرةً "موسم الهجرة إلى الشمال": <<أردتُ أن أكتب روايةً مثيرةً أصفُ فيها جريمة الحب>> بعد أن <<افتتنتُ بالصّراع بين إله الحب والموت، فإذا بها بعد أن أكملتها، قد جاءت على غير ذلك. فهي تصوّر هذا العالم المُشوّش الذي نحاول جاهدين، كبشرٍ، إلى إعطائه بعض المعنى. لقد شحنت موسم الهجرة بالغُربة، إلى حدٍ كبيرٍ. وهو أحد أهم الموضوعات للمواجهة بين الشّرق والغرب: بين العالم العربي الإسلامي وبين أوروبا الغربيّة".
للطبيب صالح ثلاثة مؤلفاتِ أخرى: عرس الزبن، دومة ود حامد، بندرشاه.
وفي معلومات إضافية عن الطيب صالح، جاء في قراءةٌ شاركت بها أمال عواد رضوان في ندوةٍ أدبيّة خاصّةٍ أقامَها الصّالونُ الثقافيُّ العربيّ في النّاصرةِ، عن الرّوائيِّ الرّاحلِ الطّيب صالح، وذلك يوم الاثنين الموافق 23-3-2009 ، حولَ سيرته الذاتية ومسيرتِهِ الأدبيّةِ وإنجازاتِهِ الإبداعيّةِ والرّوائيّةِ!
الطّيّب صالح هجيرُ صرخة في موسمِ الهجرة

قراءة في (موسم الهجرة إلى الشّمال) لـ الطيّب صالح

آمال عوّاد رضوان

نبذة قصيرة عن سيرة الطيب صالح: (1929- 2009)

من مواليد السودان، مارس التدريس في السودان ثم هاجر عام 1952 إلى لندن، فعمل في الإذاعة البريطانيّة، وعمل خبيرًا بالإذاعة السودانيّ

مِن روائعِهِ الأدبيّةِ: "موسمُ الهجرةِ إلى الشّمال)، و(ضوّ البيت)، و(عُرسُ الزّين)، و(مريود)، و(دومة ود حامد)، و(بندر شاه).

استطاعَ أن يُثريَ المكتبةَ العربيّةَ والمؤتمرات الثّقافيّةَ والمحافلَ الفكريّةَ بإبداعاتِهِ الرّوائيّةِ ومقالاتِهِ، وقد دعتْ بعضُ الجمعيّاتِ والمؤسّساتِ الثّقافيّةِ السّودانيّةِ إلى ترشيحِ الطّيّبِ صالح لجائزةِ نوبل للآدابِ، إذ صُنّفتِ الرّوايةُ كواحدةٍ مِن أفضلِ مئةِ روايةٍ في القرنِ العشرين، ونالتِ العديدَ مِنَ الجوائزِ الّتي تناولتْ لقاءَ الثّقافاتِ وتفاعلَها. وقد ساهمَ النّاقدُ الرّاحلُ رجاء النقّاش في تعريفِ القارئِ العربيِّ بها، لتصبحَ فيما بعد إحدى المعالمِ المُهمّةِ للرّوايةِ العربيّةِ المعاصرةِ.في التسعينيّات، مَنعتِ السّلطاتُ السّودانيّةُ تداولَ الرّوايةِ "موسم الهجرة إلى الشمال"، بحجّةِ تضمّنِها مَشاهد ذات طابعٍ جنسيّ. وقد صدرَ حولَ الرّوايةِ مؤلَّفٌ عامٌّ بعنوانِ "الطّيّب صالح عبقريّ الرّوايةِ العربيّة"، لمجموعةٍ مِن الباحثينَ في بيروت، تناولَ لغتَهُ وعالمَهُ الرّوائيَّ بأبعادِهِ وإشكالاتِهِ 1976.

مصطفى سعيد شخصيّةٌ محوريّةٌ في الرّواية كملخّص:

شخصٌ غريبٌ لا يملكُ القدرةَ على المحبّةِ والتّعاطفِ الإنسانيِّ، علاقتُهُ بأمِّهِ وببلدِهِ كانَ ينقصُها الحبُّ والحنانُ والانتماءُ والعطاءُ ولغةُ التّحاورِ، يقولُ: "مثلَ جبلٍ ضربتُ خيمتي عندَهُ، وفي الصّباحِ قلعتُ الأوتادَ، وأسرجتُ بعيري، وواصلتُ رحلتي". وعندما بلَغَهُ نبأُ وفاتِها وقد كان مخمورًا قالَ: "لم أشعرْ بأيِّ حزنٍ، كأنَّ الأمرَ لا يعنيني في كثيرٍ أو قليلٍ".

كانَ يُحرّكُهُ قلبُهُ الأجوفُ رغمَ امتلاكِهِ عقليّة فذّة، كانَ جميلُ الطّلعةِ ذكيّا، تَدفعُهُ نزواتُهُ الجنسيّةُ والمادّيّةُ، وقد انسجمَ بشكلٍ فائقٍ ومذهلٍ في الحياةِ الأوروبيّةِ، خاصّةً في ملاحقةِ النّساءِ، جاعلاً مِن شقّتِهِ معبدَ إغراءٍ وإغواءٍ بأعوادِ البخورِ وأكاذيبَ غضّةٍ عن النّيلِ والأساطير.

تزوّجَ مصطفى سعيد غريبُ الأطوارِ المتطرّفُ مِن جين، الفتاةِ المتحرّرة بتطرّف، وشكّلا ثنائيًّا غريبًا في مواجهةِ الثّقافاتِ بتناقضاتِها، وانتهى بهِ الأمرُ إلى إغمادِ الخنجرِ في صدرِها، بحسبِ رغبتِها.

وقد أدركَ القاضي أنّ المأساةَ الحقيقيّةَ لمصطفى سعيد تتلخّصُ في قولِهِ: "إنّكَ يا مستر سعيد، رغمَ تفوّقِكَ العلميّ رجلٌ غبيّ. إنّ في تكوينِكَ الرّوحيِّ بقعةً مظلمةً. لذلك فقد بدّدتَ أنبلَ طاقةٍ يمنحُها اللهُ للنّاس. طاقةُ الحبّ".

وبعدَ سجْنٍ دامَ سبعُ سنواتٍ تركَ لندن، واستقرَّ في بلدٍ ريفيٍّ على ضفّةِ النّيلِ مع غموضِهِ وأسرارِهِ، وتزوّجَ مِن فتاةٍ ريفيّةٍ وأنجبَ طفليْن، وكانَ عنصرًا إيجابيّا فاعلاً رغمَ انطوائيّتِهِ وتكتّمِهِ، إلاّ أنّهُ كانَ محبوبًا، وقد حاولَ الانسجامَ معَ الحياةِ الرّيفيّةِ مِن جديد، مُخادعًا نفسَهُ بمرارةٍ، حيثُ التقى الكاتبَ ليَشيهِ بعضَ خيوطِ أسرارِهِ وهو مخمورًا، فيتكلّمُ الانجليزيّةَ والشِّعرَ بطلاقةٍ، ثم يختفي فجأةً إمّا انتحارًا أو غرقًا، أو ربّما هروبًا وانسحابا، مِن عجْزِهِ على غزوِ أوروبّا، وبسببِ استعمارِهِ فكريًّا واستعمارِ بلادِهِ، فقد آثرَ الهروبَ، وترَكَ أسرارَهُ بجانبِ مدفأةٍ تحملُ ما تحملُ مِن دلالاتٍ، إمّا الدّفءَ أو الاحتراقَ أو.... !

مميّزاتُ إبداعِ الطّيّب صالح في مواسِمِ الهجرةِ إلى الشّمال:

*الفكرةُ المركزيّةُ في الرّوايةِ: تحدّثَ عن قضايا إنسان العالم الثّالثِ وهمومِهِ وآلامِهِ، وأفراحِهِ وإحباطاتِهِ، بجوهرِهِ الطّيّبِ وظاهرِهِ الخبيثِ، ببساطتِهِ وتعقيداتِهِ، الّذي حاولَ عقلُهُ استيعابَ حضارةِ الغربِ بقدرتِهِ على الفعلِ والإنجازِ، وكذلكَ تحدّثَ عن أثرِ التّطوّراتِ العالميّةِ حولَ قضيّةِ الهجرةِ والمهاجرينَ، مِن خلالِ السّردِ المُتباينِ بينَ أم

*أحدثَ ثورةً على الرّوايةِ العربيّةِ وهيكليّةِ السّردِ الموسومةِ بصراعاتٍ حادّةٍ، و*الشّخصيّاتُ الرّوائيّةُ النّابضةُ بالحياةِ اختلقَها بفنّيّةٍ رائعةٍ في نصوصِهِ الرّوائيّةِ، فجعلَها متجدّدةً وفقًا لمقتضياتِ الزّمانِ والمكانِ والأحداثِ، مُصوِّرًا بعينِ شفافيّتِهِ البارعةِ أعماقَ همومِها اليوميّةِ، وتفاصيلَ العلاقاتِ بينَ البشرِ والأشياءِ، مِن أجلِ التّغلّبِ على صراعِها المريرِ، وقد هيّأَ لها الأجواءَ المبتكرةَ وأشكالَ حياةٍ تُناسبُها، مازجًا بينَ ألوانِ الواقعِ مِن جهةٍ، وخيالِهِ ورؤيتِهِ مِن جهةٍ أ

*أسلوبُهُ يتّسمُ بنضوجٍ فكريٍّ وانفتاحٍ كبيرٍ على الإدراكِ الذّاتيِّ، فجاءَ مُثيرًا متلاحقًا *اللّغةُ عذبةٌ مُوحِيةٌ تتوهّجُ بالمشاهدِ المحلّيّةِ البسيطةِ، وخاصّةً بأثَرِ البيئةِ السودانيّةِ الرّيفيّةِ، وبالتّالي بتشكيلِها اللّغويّ ونسيجِها الشّعريِّ الأخّاذِ، ممّا جعلَها تُلامسُ الواقعَ إلى حدٍّ قريبٍ، وقدِ انسابتْ بحرّيّةٍ وبمهارةٍ واستفاضةٍ في أدقِّ التّفاصيلِ المتداخلةِ.

الرّوايةُ تناولتْ عدّةَ محاور:

*الرّسالةَ الأساسيّةَ والجوهريّةَ الّتي يُنادي بها هي التّناغمُ بينَ الحياةِ والأحياءِ، مِن خلالِ تأصيلِ المحبّةِ والتّسامحِ في المجتمعاتِ والعائلاتِ، لمواجهةِ صعوباتِ الحياةِ وصراعِ الحضاراتِ.

*تناولتِ الاستعمارَ والهيمنةَ الغربيّةَ على الدّولِ الأفريقيّةِ، والنّظرةَ المتعاكسةُ لصورةِ العربيِّ القادمِ مِن بلاد السِّحرِ والغموضِ بعيونِ الأوروبيِّ ، والأوروبيُّ المستعمِرُ بعيونِ الشّرقيِّ، وخاصّةً آثارَ الاستعمارِ على المتعلِّمينَ في الغربِ.

*تناولتِ الصِّدامَ بينَ الحضاراتِ والثّقافاتِ وبينَ ثنائيّاتِ التّقاليدِ الشّرقيّةِ والغربيّةِ، وبينَ الشّخصيّاتِ المُتلبِّسةِ بغموضِها وتناقضاتِها.

* تناولتِ الوضعَ الاجتماعيَّ للمرأةِ وختانَ المرأةِ وحرّيّةَ تقريرِ المصيرِ، والّذي انتهى بقتلِ عجوزِ الشّهوةِ، ومن ثمّ بالانتحار. يقول:

"فلاتة والمصريّون وعرب الشام أليسوا مسلمين مثلنا؟ لكنهم ناس يعرفون الأصول يتركون نساءهم كما خلقهن الله،، أما نحن فنجزُّهُنَّ كما تُجزُّ البهيمة".

*تناولتْ الكثيرَ مِن القضايا السّياسيّةِ والاجتماعيّةِ، ومثّلَها بالرّجلِ والمرأةِ والموتِ والحياةِ، موحِيًا إلى أزمةِ الصّراعِ الكثيفِ بينَ استعمارِ الحضاراتِ، وبينَ ما تُخلِّفُهُ مِن انتكاساتٍ وأزماتٍ حياتيّةٍ.

*تناولتِ الموتَ كسلطانٍ بأنواعِهِ وطرُقِهِ، مِن وفاةٍ وقتلٍ وانتحارٍ، بمعانيهِ ودوافعِهِ، بدلالاتِهِ بالنّسبةِ للأنثى وللرّجلِ، مِن ذلٍّ وضعفٍ ورفضٍ وخطيئةٍ وإثمٍ وكبرياءَ وعنفٍ وتضحيةٍ وانتقامٍ.

*تناولتِ الارتباطَ بالوطنِ والرّيفِ:
فقد اختزنَ عقلُهُ موسوعةً مِن الألفاظِ والأمثالِ الشّعبيّةِ، وحنينًا مفصِّلاً لأبسطِ الأمورِ، كرائحةِ التّربةِ

فيحدّثُنا عن بيتِ جدِّهِ: «خليطٌ مِن روائحَ متناثرةٍ، رائحة البصل والشطة والتمر والقمح والفول واللّوبياوعن أدواتِ التّجميلِ عندَ النّساءِ في القريةِ، وأكثرُها سودانيّة خالصة، الكحل والدّلكة والدّهن والكبرتة والرّيحة والحناء.

وعن الفركة والقرمصيص والبرش الأحمر المنازل المطليّة بالطّين الأسود

وعن ملابسِ الرّجالِ: مِن ثيابٍ فضفاضةٍ، وعباءةٍ سوداءَ، وملابسِ العروسِ في ليلةِ زفافِهِ.
المصدر : موقع الحكواتي

قديم 12-24-2011, 11:52 AM
المشاركة 180
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الموضوع: قراءة لكم عن الاديب الطيب صالح : من هو مصطفي سعيد في رواية موسم الهجرة الي الشمال
· Mujahid‎

من جريدة الشرق الأوسط - 11 ابريل 2007

الخرطوم: جريزلدا الطيب

كاتبة هذا المقال جريزلدا الطيب، هي فنانة بريطانية وباحثة في الأدب الأفريقي بلغت اليوم ثمانيناتها. كانت قد تزوجت من عبد الله الطيب، الكاتب السوداني الراحل المعروف، وعايشت الحقبة التي تستوحي منها رواية «موسم الهجرة إلى الشمال أحداثها وأبطالها» في السودان كما في لندن. وهذه الباحثة تكتب اليوم، مفككة الرواية، باحثة عن أصول أبطالها في واقع الطيب صالح، لا كدارسة أكاديمية فحسب، بل كشاهد حي على فترة، لم يبق منها الكثير من الشهود. انها قراءة مختلفة ومثيرة لرواية لا تزال تشغل النقاد...

جيل اليوم يعرف الطيب صالح من خلال كتاباته الروائية والمقالات، ومعلوماتهم عن حياته، تعتمد على مقولات وفرضيات، معظمها غير صحيح، تحيط بفلك هذا الكاتب المشهور وروايته ذائعة الصيت «موسم الهجرة إلى الشمال».

وهذه المقالة تغطي فجوة زمنية مهمة، تقع بين جيل قراء ومعجبي الطيب صالح الجدد وجيلنا نحن. فأنا أنتمي الى جيل قديم انطفأ عنه البريق، ولكنه عرف الطيب صالح شخصيا في شبابه، وكذلك عرفت الأشخاص والأحداث التي شكلت، على الأرجح، خلفية لـ«موسم الهجرة الى الشمال» لأنها كانت رابضة في وعي المؤلف. والدراسة هذه هي عملية تحليل لمعرفة مفاتيح رواية «موسم الهجرة الى الشمال»
roman a_clef بدلا من الفكرة السائدة عنها في المحيط الأدبي كسيرة ذاتية للكاتب كما في دراسة سابقة للناقد رجاء النقاش الذي تعرّف على الطيب صالح في الخليج عندما كان الأخير يعمل هناك، وفي غيرها من الدراسات النقدية لنقاد تبنوا نفس التحليل رغم أن معظمهم لم يتعرّف على طبيعة الحياة في السودان أو في بريطانيا!

وندعي من طرفنا، أن مصطفى سعيد بطل رواية «موسم الهجرة الى الشمال» ليس هو الطيب صالح، ولا يستعير جانباً مهماً من سيرته؟ فمن يكون هذا البطل الروائي اذاً؟

هذا سؤال مثير ليس علينا أن نجفل من إجابته، ولكن دعونا أولاً نؤسس تحقيقنا على أن مصطفى سعيد ليس ولا يمكن أن يكون سيرة ذاتية للكاتب. الطيب صالح ذهب الى المملكة المتحدة عام 1952 لينضم الى فريق القسم العربي بالـ«بي بي سي» حيث ظل يعمل هناك على مدى 15 عاما، قام فيها بأعمال متميزة وبدأ وظيفته كمؤلف. ولكن الحقيقة أنه لم يدرس أبدا في أي جامعة في المملكة المتحدة، بينما مصطفى سعيد بطل الرواية يفترض أنه ذهب الى المملكة المتحدة في منتصف العشرينات، وحقق نتائج أكاديمية رفيعة ونجاحا باهرا. وفي الحقيقة أنه لا يوجد سوداني ذهب الى المملكة المتحدة في العشرينات، وهي واحدة من الأحداث المدهشة في الكتاب. ولكن في الثلاثينات ذهب الى المملكة المتحدة كل من الدرديري إسماعيل ويعقوب عثمان لدراسة القانون.

ما نود تحقيقه الآن هو أن مصطفى سعيد بطل متخيّل على عدة مستويات في ذهن المؤلف، مصطفى سعيد قد صنع من مزج عدة شخصيات التقاهم بالتأكيد الطيب صالح أو سمع بهم عندما ذهب لأول مرة إلى لندن عام 1952، ولكن قبل أن نمعن أو ننطلق في هذه الفرضية علينا أن ننظر الى شخصية البطل ونقسمها الى ثلاثة محاور:

مصطفى سعيد- الأكاديمي السوداني الذي يعيش في لندن.

مصطفى سعيد- «دون جوان لندن».

مصطفى سعيد - وعودته الى موطنه الأول.

يرجح ان مصطفى سعيد الأكاديمي هو شخصية «متكوّنة» من ثلاثة أعضاء في دفعة السودانيين النخبة الذين اختيروا بعناية، وأرسلوا بواسطة الحكومة السودانية عام 1945 لجامعات المملكة المتحدة، وكلهم يمثلون شخصيات بطولية في الوعي الوطني الباكر للسودانيين، أحدهم هو د. سعد الدين فوزي وهو أول سوداني يتخصص في الاقتصاد بجامعة أكسفورد، حيث تزوج فتاة هولندية محترمة ومخلصة وليست شبيهة بالفتيات في الرواية، وحصل على درجة الدكتوراة في العام 1953، وعاد الى السودان، حيث شغل منصبا أكاديميا رفيعا الى أن توفي بالسرطان عام 1959. ولكن قبل ذلك التاريخ في الخمسينات حصل عبدالله الطيب على درجة الدكتوراه من جامعة لندن في اللغة العربية وعيّن بعدها محاضرا في كلية الدراسات الأفريقية والشرقية بالجامعة نفسها، وقبلها بعامين تزوج من فتاة إنجليزية، ومرة أخرى ليست شبيهة بصور فتيات الرواية.

إذا هنا مزج الطيب صالح الشخصيات الثلاثة: سعد الدين وحصوله على شهادة بالاقتصاد من أكسفورد والدكتور عبدالله الطيب وتعيينه محاضرا في جامعة لندن. أما الشخص الأكاديمي السوداني الثالث الذي اقتبس الطيب صالح جزءاً من شخصيته لتمثل الصفة الثالثة عند مصطفى سعيد وهي «الدون جوان، الى حد ما، فهو الدكتور أحمد الطيب. هذا الرجل كان جذابا وشخصية معقدة ومفكرا رومانسيا، وكما حال الأكاديميين من جيله شغله الصراع النفسي بين حياته الحاضرة وإرثه القديم، كما كان مجروح العواطف ومهشما بالطموح السياسي ومنافسات الوظيفة لجيله. وكطالب يافع فإن أحمد الطيب كان معجبا جدا بـ د.هـ. لورنس وفكرة «الحب الحر»، ومن المحتمل أنه عند ذهابه الى إنجلترا كان يضع في ذهنه ونصب عينيه إمكانية إقامة علاقات رومانسية مع الفتيات الإنجليزيات. ولكن أول رحلة له للمملكة المتحدة كانت عام 1945-46 وهي فترة قصيرة، ولكن زيارته الثانية عام 1951-1954 أنجز فيها درجة الدكتوراه في الأدب العربي وتزوج من سيدة بريطانية. وقد فشل هذا الزواج والتقي أحمد بزوجة سودانية لطيفة والتي لحد ما تشابه حسنة- ولكن أحمد الطيب لم يستقر في زواجه، كما هو متوقع، وانتهت حياته في السودان فجأة وبطريقة غامضة ومأساوية. وهو بكل تأكيد معروف تماما الى الطيب صالح، وكان يعيش في لندن عندما ذهب إليها الكاتب لأول مرة.

وعامل آخر يجب أن يذكر في الربط بين الدكتور أحمد الطيب ومصطفى سعيد، هو أن أحمد الطيب كانت له علاقة وثيقة جدا بصحافي لامع شاب وهو بشير محمد سعيد، جاء من منطقة أو حياة قروية تشابه الى حد بعيد بيئة الراوي في «موسم الهجرة الى الشمال».

وإذا عدنا لشخصية الدون جوان عند مصطفى سعيد، فان الطيب صالح لم تكن لديه مبررات عظيمة أو مقنعه لإلقاء نفسه على أجساد النساء الإنجليزيات كانتقام من الإمبريالية لوطنه. أولا، ولنقل بأمانة أن الإمبريالية المذكورة في الرواية ليست بهذا السوء، فإذا كان البريطانيون قد احتلوا السودان وإذا ما كانت لديهم مغامرات في أجزاء من هذا البلد، فذلك لأن التركيب الاجتماعي في تلك المناطق يسمح بإقامة مثل هذه العلاقات بل وحتى يشجعها، ولكن الاستعماريين البريطانيين لم يؤذوا النساء في شمال السودان الإسلامي، لذا فإنه ليس هناك تبرير منطقي لهذا الإنتقام. وترينا الرواية ان الفتيات الإنجليزيات كن ينظرن الى الطلاب الأفارقة كظاهرة مثيرة جديدة تسبح في أفق حياتهن الجنسية والإجتماعية. وفي رأيي أن الكاتب النيجيري شينوا أكليشي تعامل مع هذا الوضع في روايته
No longer at ease وبطلها «أوبي» بطريقة أكثر واقعية وقابلية للتصديق من رواية مصطفى سعيد، الذي تعامل مع الوضع العام كله وكأنه حقيقة إجتماعية في ذلك الزمان. ولذا علينا هنا توضيح الأمر. ففكرة أن إعجاب النساء البيض بالرجال الأفارقة تتبع لأسطورة الرجل الأفريقي القوي جنسيا، هذه الفكرة موجودة لدى العرب أنفسهم، ومؤكدة في بداية رواية ألف ليلة وليلة فشهرزاد مهددة بالموت من زوجها الملك شهريار الذي خانته زوجته الأولى مع عبد زنجي.

كما هناك توضيح آخر يجب أن يوضع في الإعتبار، أن ذلك الجيل من الفتيات والنساء البريطانيات اللواتي تعرّفن على الطلاب الأفارقة في بلادهن في تلك الفترة هن بنات لأمهات حاربن طويلا لأجل المساواة مع الرجل وتخلصن مما يسمى بـ«عقدة أو أسطورة الرجل القوي». ولكن بلا وعي منهن فإن هؤلاء الفتيات كن يبحثن عن الذكر «الجنتلمان»- أو الحمش باللهجة المصرية، وهو الرجل الذي يوافق أدبياتهن وما قرأنه في «روايات جين آير» و«مرتفعات ويزرنج» ونموذج الرجل الغريب الأسود، وهذا ما جعلهن يتوقعن أن يجدنها عند الرجال الأفارقة الذين يبدون واثقين من أنفسهم وقوتهم وشجاعتهم وحمايتهم للمرأة وقناعتهم الثابتة بأنها المخلوق الضعيف الذي يحتاج الى الحماية! وهذا ما فشل الطيب صالح في تصويره. كما أن الفتيات البريطانيات اللواتي أقمن علاقات مع الطلاب الأفارقة كن يعملن على مساعدة هؤلاء الطلاب في بحوثهم الجامعية وكتابتها باللغة الإنجليزية الرصينة. لذا فليس الشكل الخارجي الجذاب لمصطفى سعيد هو الذي قاد الفتيات الإنجليزيات لأن يقعن في غرامه من أول وهلة!

ولحسن الحظ أنه لم تكن هناك قضية جنائية لرجل سوداني قتل فيها سيدة بريطانية أو عشيقة، ولكن كانت هناك قصة مأساوية حدثت في الخمسينات تناقلتها الصحف بتغطية واسعة، كانت القصة بين فتاة بريطانية تدعى ناوومي بيدوك وفتاها السوداني عبدالرحمن آدم، كان الإثنان يدرسان بجامعة كمبريدج ونشأت بينهما علاقة عاطفية. وقام والد الفتى بزيارة مفاجئة الى إنجلترا وعارض هذه العلاقة والزواج المخطط له بين الشابين، مما أعقبه انتحار الفتى بالغاز، ومن ثم انتحار الفتاة ناوومي بعده بأيام وبنفس الوسيلة. وكان والدها العطوف المتسامح بروفسور دان بيدو قد ألقى كلمة حزينة في التحقيق، تعاطف فيها مع قصة حب ابنته وأنه كان يتمنى لها زواجا سعيدا. وهو خطاب يشبه في عاطفيته الذي ألقاه والد الفتاة التي قتلها مصطفى سعيد في روايته للمحكمة.

بل حتى مشهد المحاكمة نفسه نستطيع ان نجد له من مقابل، فقد حدثت في العام 1947 قضية مشهورة جدا حيث قام حارس مطعم سوداني يدعى محمد عباس ألقي عليه القبض لإطلاقه النار على رجل جامايكي، وقد حكم عليه بالقتل الخطأ. وهذه القضية أثارت حساسية لدى المجتمع السوداني بلندن حيث أن كل السودانيين كانوا معتادين الذهاب الى ذلك المطعم في إيست إند ليتناولوا فيه الأطباق السودانية المحببة. وهذه الحادثة كان قد سجلها عبدالله الطيب في صحيفة «الأيام» التي تصدر في الخرطوم عام 1954.

وفي الحقيقة كانت براعة من الطيب صالح أن يقوم بخلط كل تلك الشخصيات والأحداث وإخراج عمل فني رائع منها. أما أكثر الجوانب المثيرة، والمحيطة بمصطفى سعيد فهي عودته لبلده كمواطن غير سعيد، وظاهرة عدم الرضا، وعدم التوافق مع المجتمع الأصل، كان قد تناولها عدد من الكتاب الأفارقة. وهي مشاعر يمكن الإحساس بها في الروايات
No Longer at Ease و The Beautiful one is not yet born و Morning yet inCreation و Not yet Uhuru. والقرية في الرواية شبيهة بقرية الطيب صالح التي قمت بزيارتها بمنطقة الشمالية، وهنا نجد السيرة الذاتية بالتأكيد قد دخلت في نسيج الرواية وتلاقي الأجيال هو حقيقي في القرى، إلا أن التعليقات التي قالتها المرأة العجوز في مجتمع محافظ كمجتمعات القرى يجعل المرء يتساءل من أين أتى الطيب صالح بهذه المرأة؟ وقصة حسنة وزواجها الثاني مناف للواقع حيث أن التقاليد القروية تمنح الأرامل الحرية في اختيار الزوج على عكس العذراوات.

وفي القرى حيث أن أي شخص له الحرية في التدخل في حياة الشخص الآخر وشؤونه وحيث الناس دائما في حالة إجتماع مع بعضهم البعض. ويمكننا تخيل مدى الفضول في قرية نائية تجاه كل جديد وافد. فمن الطبيعي أن شخصا مثقفا عائدا من أوروبا يريد أن تكون له مملكته الخاصة. وهذه الغرفة الخاصة بمصطفى سعيد شبيهة بغرفة كانت في حي العرب بأم درمان، وصاحبها هو المرحوم محمد صالح الشنقيطي. وهو شخصية سودانية لامعة ومن النخب المثقفة، وهو أيضا أول قاض وبرلماني ضليع تلقى تعليمه ببيروت، وقد جاء ذكره وذكر غرفته في رواية
BlackVanguard للكاتب السوري إدوارد عطية التي صدرت في الأربعينات، والذي كان يعمل في مخابرات الجيش البريطاني في السودان. وبالطبع كانت هناك الزيارات العديدة الى منزل محمد صالح الشنقيطي بعد تناول الشاي وبعدها بالتأكيد يذهبون الى الغرفة المهيأة بالأثاث في «الديوان»-الاسم القديم للصالون، المحاط بالزهور. وهي غرفة تبدو عادية من الخارج يهتم بها الشنقيطي يغلقها ويفتحها بنفسه، والكتب بها مرصوصة من الأرض الى السقف ومفروشة بالسجاجيد الفارسية الثمينة والتحف الرومانية. وهذه المكتبة الخاصة تشابه بصورة دقيقة غرفة مصطفى سعيد حيث يسمح للراوي بإلقاء نظرة على الغرفة، وتم إهداء محتويات المكتبة الى جامعة الخرطوم في الذكرى السنوية لرحيله.

وبذا نكون قد حققنا تركيبة الشخصية المعقدة لمصطفى سعيد، في هذه الرواية الشهيرة «موسم الهجرة الى الشمال» ليس استناداً فقط إلى وثائق قرأناها، وإنما إلى حقبة كاملة سنحت الفرصة ان أكون شاهدة على أحداثها.



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 25 ( الأعضاء 0 والزوار 25)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 01:26 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.