احصائيات

الردود
2

المشاهدات
945
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.39

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
02-17-2021, 12:48 PM
المشاركة 1
02-17-2021, 12:48 PM
المشاركة 1
افتراضي أنا وطفلي
أنا وطفلي



طفلي غادرني هذا الصباح، كذبت عليه لسنوات طويلة حتى صدقت كذباتي، أما هو فلم تنطل عليه حيلي، بل أحس حزنه من نظراته، لا ينظر إلى وجهي ملء عينيه بل يفضل أن يخطف نظرة جانبية، لكأنه على استعداد ليضعني وراء ظهره ويهجرني، *بالأمس ضربني بركلة عنيفة، وإذ بقلبي يضرب الأخماس في الأسداس، كيف له أن يصل به العقوق إلى هذا الحد، استغربت: ما الذي أصابه بهذا الضجر وجعله فاقدا لأعصابه. تراني قصرت في حقه إلى هذا الحد، ما نسيت أن أشتري له علبة الشكلاطة، وفي عيد ميلاده الأخير أهديته بذلة أنيقة، أعددت له الحلوى بيدي، أشعلت الشموع وغنيت له: سنة حلوة يا جميل! أنسي كل هذه اللمسات؟ كل يوم أقبل جبينه، أمرر يدي برفق على شعره الناعم، أليست هذه من الحسنات؟ نعم، أحيانا ألعب معه لعبة الأبوة، ألزمه البقاء في البيت، أقسو عليه لكي لا يركبه الدلال، في السنتين الماضيتين لم أرسله إلى المخيم، لكن هذا لا يكفي لتبرير هذا الهروب المفاجئ. ظننت في الوهلة الأولى أن الأمر مجرد مشاغبة طريفة، فتشت عنه تحت الموائد والكراسي، فتحت كل الصناديق، ما طرق مكان يصلح للعبة الكاشكاش ذهني إلا قصدته، ولما استيأست روحي من تلك الفكرة، هدأت بالي أن الحالة طبيعية، ولا تستحق هذا التهويل، قد يكون عند بنت الجيران التي يحب ملاعبتها، وممازحتها، بل يشاكسها أحيانا بجر دميتها من شعرها، تقطب وجهها وترفع يدها لتصفعه فيهرب بوجهه، لكنه في الأخير يرطب خاطرها بقطعة حلوى لا تفارق جيبه. لكن الأمر ليس بهذه السلاسة التي توقعتها، فالجيران بيوتهم مقفلة، بيدو أن الجميع هذا الصباح أضرب عن الاستيقاظ. الأمر إذن جدي ويستحق أن يؤخذ بمزيد من المسؤولية، فأنا لا أستطيع العيش بدون طفلي، من عاشر المستحيلات أن أقبل بتصحر حياتي، في الزقاق المجاور، رأيت امرأة خمسينية تجري غير عابئة بشعرها الطائش على رأسها، بل لا تزال في منامتها، حتى قدماها حافيتان، سألتني دون أن تتوقف عن الركض: ألم تلمح طفلة في الجوار؟ *كنت أجيبها بالنفي، أسألها عن طفلي،لكن المسافة بيننا تزداد اتساعا أحسست حينها أنني أيضا كنت أهرول، لا أستطيع كبح رجلاي، في الساحة وجدت بضعة أشخاص شمروا على سواعدهم ومنهم من عض طرف جلبابه بأسنانه، عيونهم تدور في محاجرها كثيران هائجة، كل منهم يجري في اتجاه، كلما استمرت رجلاي في التقدم تضاعفت الأفواج الهائمة على وجوهها، أدركت أن المسألة تزداد تعقيدا، كل هؤلاء البشر فقدوا شيئا ثمينا، شيئا عظيما، لم يصل الزوال حتى ضجت المدينة بالفوضى، السيارات يركب بعضها بعضا، الدراجات تخيط الدروب، شاحنة كادت تتركني بلا رجل، ورغم ذلك رجلاي مصرتان على مزيد من الاقتحام، رجوتهما أن تمنحاني مهلة لاسترداد نفسي، لاستجماع قوتي، لتشغيل عقلي، لاستيعاب ما يجري، لكن يبدو أنني فقدت الاتصال بهما، شيء ما يحدث، لا أملك له تفسيرا، فمنذ بداية البحث لم ألتق طفلا واحدا، ولم أصادف امرأة تحمل طفلا، جبت ثلاثة أرباع المدينة تقودني رجلاي وها نحن بصدد إنهاء الربع الأخير، لكن الأمر مختلف بعض الشيء فالصيدلية التي أمامي تبدو قريبة ومنذ نصف ساعة وأنا أركض بكامل قوتي دون أن أصل إليها، هل تباطأ الزمان أم امتد المكان، لا أعرف تحديدا ماذا يقع، لكن الأمر أشبه *بالعرض البطيء، عرض بطيء جدا، حتى هذه البنت التي تجري بجواري شعرت بذلك، سألتني وأنفاسها متلاحقة: متى نصل لتلك الصيدلية؟ لأول مرة وجدت من يكلمني منذ الصباح وهاهي الشمس مستعدة لمعانقة البحر، قلت لها: لماذا أنت مستعجلة؟ قالت: أريد قارورة منشطات، لن أنام حتى أعثر على طفلتي، أنا طبيبة، أعرف ما يلزمني لتسريع حركتي. قد تكون محقة، سألتها: متى أحسست بهروب طفلتك؟ أجابتني: رأيتها بعيني تنزل مني هاربة، ظننت أنها أحست بالملل وأنا في الدوام، وبعد بزوغ نور الصباح بحثت عنها لأصطحابها معي إلى البيت فما عثرت عليها، تفاجأت أن زميلي أيضا يبحث عن صغيره، وها أنت ترى المدينة كلها مجنونة. سألتها، هل نستطيع أن نتعاون؟ ردت علي بغضب: أركض أمامك ولا تبحث عن المساعدة ألا ترى أن كل الناس غارقون حتى آذانهم. لحسن الحظ وصلنا إلى الصيدلية، الكثير من العلب ساقطة على الأرض، الطبيبة تسب بملء فمها، سبقونا إليها، لا توجد هنا إلا المهدئات، سمعتها تطلق زغرودة، عثرت على علبة، تناولت كبسولتين أضافت ثالثة، طلبت منها واحدة، فقهقهت: والله لن تشمها من يدي، ازدادت حركتها لكنها لم تبرح مكانها، لكأنها راكبة على دراجة لا تلمس الأرض، رجلاها تنثنيان لتمتدا وتمتدان لتنثنيا، أضحكني المشهد قليلا، تجري بكل ما أوتيت من قوة لكنها لا تبرح مكانها، تزداد تعرقا، ناولتها العديد من المناشف لحسن حظي فأنا في شبه سكون وجمود، رغم أنني أحس أنني أجري. تناولت حبة مهدئة، رفيقتي لا تسمعني فهي كآلة ميكانيكية، كمحرك سيارة فصل عن العجلات، لا تبالي بشيء إلا زيادة حركتها، خفت عليها من الاحتراق، بدأت استرجاع أنفاسي، أيضا تركيزي، بل عيناي تظهران عالما آخر، مجموعة من الأطفال بعضهم يلعبون لا مبالين وآخرون تائهون، منهم من يبكي و منهم من يحاول التعلق بهؤلاء السكارى، يحاولون كبح جماح هوسهم، طفلة قرب رجلي، تحاول فرملة أرجل الطبيبة دون جدوى، فمرة تركل ومرة تصاحب الرجل صعودا وهبوطا،*ناولتها قطعة حلوى، فشكرتني بابتسامة انقشعت من وراء وجهها الملطخ بالدموع وأشياء أخرى، فجأة دخل طفلي، ضحك ضحكة ماكرة، قلت له ما هذا، أيها المشاغب؟ رد علي بحزم: ألا ترى كم أنتم ممسوخون، نحس أننا مسجونون في دواخلكم، فقدتم براءتكم، أرأيتم كم أنتم تافهون، سألته، ولماذا بعضكم يحاول استعادة مخدعه، قال بغضب، لأننا لم نفقد براءتنا، توجهت نحوه، طبعت قبلة على جبينه، ناولته قطعة شكلاطة فعانقني. وبدأت أوزع المهدئات على القوم. *


قديم 02-22-2021, 03:56 AM
المشاركة 2
منى الحريزي
القادم أجمل بإذن الله

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: أنا وطفلي
نص دسم وإن كان يجلب الدوار في النهاية قليلاً ...
كأننا ركضنا معهم ...
القصة مكتوبة بحنكة و براعة أدبية فائقة ...
وإن كنت لا أتفق مع تناول موضوع المنبهات ...

ملاحظة صغيرة : لايجوز الإحتفال بأعياد الميلاد لأن أصول الفكرة وثنية

تقبل مني التحية ...

دعاء سيد الاستغفار
قال رسول الله ﷺ: ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت،
أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
)
من قالها حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة، ومن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة
قديم 02-25-2021, 05:22 PM
المشاركة 3
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: أنا وطفلي
مع كل إطلالة، تزداد ثقتي بك أكثر، وأنت تضيئين ما كنت عنه غافلا، لك التحية والشكر والتقدير.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:54 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.