قديم 12-08-2011, 09:03 AM
المشاركة 111
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حوار مع الروائي العربي الكبير ... احمد إبراهيم الفقيه



حاوره : كـريـم الـهـزاع
لا شك في أن الكثير يعرفون الروائي الرائع الدكتور احمد إبراهيم الفقيه من ليبيا . أديب مثل هذا قدم الكثير للأدب العربي و اشهرها الثلاثية التي اثارت الكثير من التساؤلات في الوسط الثقافي حيث الصراع النفسي الذي يعيشه المغترب و استلابه من الحياة عبر اختلافات الشرق و الغرب ومحاولة البحث عن حالة التوازن.
و قد اسهم أيضا في النقد حيث كتب كتاباً نقديا باسم هاجس الكتابة تحدث به بشكل مثري عن تكوين الكاتب و كيف يمارس الكاتب فعل القراءة و الكتابة و الابداع
• بماذا تشعر أثناء الكتابة و أثناء ولادة العمل ؟
- الحقيقة هذه قضية تختلف من مرحلة إلى مرحلة و من عمر إلى عمر، كلنا ابتدأنا هواة ، كنا نكتب تحت إلحاح الشعور بأنه عندك شيء تريد أن تقوله أو قصة تريد أن تكتبها، و أعتقد أن هذه اللحظة تنمو مع العمر والتجربة وتصبح الكتابة بالنسبة لك نوع من المهنة تمارسها يومياً، و أيضا تتعامل مع أشكال أخرى من الكتابة غير الأشكال المعتادة سواء كانت قصة أو رواية أو شعر.. ، يبقى تنظيم الوقت والاستعداد الدائم للكتابة جزء من عملية الحرفية في الكتابة فتأتي لتمارس الكتابة كل يوم مثل ما يفعل نجيب محفوظ و غيره من الكتاب ، فالكتابة عمل يومي بالنسبة لي و ليست مجرد استجابة للحظات الإلحاح التي تأتي بعواطف مجهولة و بالنسبة لي الآن جزء من نهاري و ليلي ، و ليس شرط بالنسبة لي أن اكتب في الوقت المخصص للكتابة حيث إنني قد أقرا أو اكتب أعمدة صحفية و ما إلى ذلك ، و اعتقد عندما أمارس الكتابة لفترة طويلة من الزمن تكون عندي عادات تكبر معي و تصبح جزء من برنامجك اليومي فتعد نفسك لهذه المهنة و ليس بانتظار الوحي و الإلهام لكي يأتي ، و هناك فترة من الوقت تتغير فيها كتابتك لأنك كرست حياتك و انتظمت لهذا الطريق، و صرت ملك للكتابة و تحت سيطرة هاجس الكتابة .

• هل نحن كحركة ثقافية عربية على وعي بما يدور في العالم من حولنا ؟
- اعتقد أن دورة الوعي تزداد كل يوم و في العالم من حولنا، ليس طواعية و ليس اجتهاداً وليس استجابة لإلحاح، أما نحن مرغمين، الآن العالم يطاردك بإحداثه نتيجة للثورة الكبرى في التقنية الإعلامية ، تقنية الاتصالات التي جعلت أحداث العالم تصل إليك وقت حدوثها تنقلها إليك بالفضائيات العربية و الصحيفة المطبوعة عشرات الأماكن في نفس الوقت و بالكمبيوتر والإنترنت ، فالآن كله متاح أمامك، و اعتقد أن شبكات مثل الإنترنت أنهت بالضرورة احتكار المعلومة ، الآن هذه الشبكة وسيلة يملكها كل الناس فبمثل ما تلقى كلام عن دولة من الدول حتى لو كان نظامها فردي دكتاتوري ما يمنع صدور المعلومة تلقى أيضا ناس معارضين لها ،
• في زمن السرعة هل ستفقد الرواية بريقها ؟
- إطلاقا ، بل هي تزداد قوة، لأن الرواية بعكس كل الإبداعات فهي ارتبطت بالتطور، كلما تطورت المجتمعات على مدى الزمن ارتبط هذا التطور بالرواية والنشر فتبقى الشعورية فطرية لا تحتاج لتعقيد ولا لتراكيب، فالإنسان بالمراهقة كتب الشعر وأؤكد لك أن شعراء كثيرين بدأ قوياً ثم فقد قوته، فالرواية تحتوي على تركيبة ذهنية وليس فقط شعورية، فجاءت الرواية تاجا لكل العصور وستبقى فهي لم تنتهي إلى الآن ولن تنتهي، فكما يحتاج الإنسان للراحة يحتاج للرواية. فالرواية تخاطب الوجدان و الوعي و هي تغني الأدب و لا غنى عنها .

• هل تأثر الرواية على حياتك الخاصة ؟
- جداً، جداً، فهي أرقى هبة تسعدني في الحياة و هي نعمة من الواهب. و هي اجمل رفاهية لي و لأولادي، فالكتابة تحتل جزء كبير من الحياة و العقل. أنها صدى المجتمع بصوت الكاتب .

• من أين تستمد روح الكتابة ؟
- سؤال مهم ، أولا : الكتابة تأتي مبكرة دون وعي و تجد نفسك في طريق الكتابة واستجابة لنداء الوعي و الفطرة فجأة، و لكن هذا لا ينفع وحده، فهناك موارد كثيرة أخرى:
- فإحساس هذا الإنسان الكاتب بمآسي الشارع هو من أحد الدوافع. انه الحس بالمسؤولية و هو دافع العمل وهناك دوافع نفسيه أخرى . المتعة بالإحساس براحة، فالكاتب كلاعب السيرك لا يقفز في النار هكذا فقط بل للمتعة أيضا،واللعب بالحياة و كلماتها كذلك،وهناك عامل ضعيف موجود في الدول العربية و هو أن الكتابة مصدر للرزق، فالكتابة باعتقادي ليس لها مكاسب صراحة في الوطن العربي، وحتى لو كان كما يحدث في الغرب لا يجب ربط الكتابة بالمال أبدا، فمثلاً ماذا تقاضى شكسبير من أعماله الرائعة، و ظلم أن تحسب هذه الروائع بأموال البنوك وهناك مثال آخر مثل رسومات بانغو فهو منها لم يحصل إلا على أجرة لطبيب فقط .

• ما هو الأفضل لخلاص الإنسان : الديانة ، الوطنية ، القومية ، الفكرة ؟
- اعتقد أن الفكر الإنساني لكي يكون فوق الخيارات الأخرى ولكن ليحتوي و يتجاوز هذه الخيارات، فلا يكون متعصب بل يكون موف لمكان أو بلاد فنحن نرى الإنسان عندما يأخذ شيئاً من النعم مثل الزرع فيعبده إلى أن اهتد إلى الله ، إذا أن هذه الفكرة تحتوي الخيارات الأخرى ، فجوهر الدين واحد و التوحد الإنساني وبوسائل الاتصال أيضا للتواصل سيصنع المودة والتحاب وبهذه الطريقة تنتهي الحواجز الدينية والوطنية و....

• بعد هذا المشوار الطويل و الشهرة هل ما زلت تمشي في حقول الألغام و تحاول ضربالتابو؟
- حقول الألغام لا تنتهي في الكتابة باعتقادي فالذي يحدث أن الخبرة في الطريق تُظهر سهولة الرحلة، فنرى الكثير من الكتاب تضرروا مثل الجزائريين والإيرانيين بسبب الإشكاليات والحروب، ربما ثقة الإنسان بنفسه و لمساحة التي تتسع للرأي، و مع أننا مقيدين بقيود نحن العرب، يجب علينا أن ندخل العالم، لا أن نتأخر بسبب النزاعات العربية مما أخر العرب عقود وعقود، إذا يجب استنفار هذه القاعدة، و الإنسان لن يكون إنسان إلا بعقله، فأنا لا أخاف من اقتحام التابو، ومشي في حقول الألغام، و المساحة المتاحة للرأي تجبرنا على المشي في هذا الطريق .

• ما هو الشيء الذي يحسس الإنسان بذاته الحقيقية؟
- أنا اعتقد أن اثمن شيء هو الحرية ، بكل مستوياتها و ملامحها ، التي تتيح المعرفة و الاختيار، فحب الامتلاك و مصادرة الآخر تمسح شخصية الإنسان .

• أهم قرار اتخذته في حياتك؟
- لا ادري بالضبط . ربما الإنسان كل يوم له قرار فلا اعلم بالضبط . فكل يوم تتغير الأحداث والمصادفات . فقراري بالسير في طريق الكتابة قرارا مهم. فأنا قد كتبت في إحدى مقالاتي ، وكأنني ذهبت لمحطة القطار لأجد قطار جميل و مريح و سريع لكنه لا يوصلني للمكان الذي أريده أما القطار الآخر الرديء والبطيء يوصلني إلى ما أريده لذا استوجب علي ركوبه و أنا قصدت به طريق الكتابة بالنسبة لي .

• المقاومة بالحيلة باعتقادك ما الذي دعا هذا الإنسان للجوء لهذا الشعار؟
- أنها ضرورة بالحياة و هي تستخدم من بداية خلق الإنسان ، فمثلاً الإنسان كان في الغابة فاستخدم هذا السلاح لقتل العدو الآخر، و هو برأيي سلاح مشروع للإنسان ، لمواجهة التخلف و ما إلى ذلك ، و لتنوير الآخرين حتى .

• حدثنا عن المجلات الثقافية التي ساهمت في صدورها ؟
- الثقافة العربية صدرت في بيروت و لكن للأسف بمستوى ضعيف ، أما الأسبوع الثقافي فقد استمرت لأربع سنوات و أكملت لمدة عامان ثم توقفت ليس لقرار سياسي بل لأن البيئة الثقافية المحدودة لهذه الجريدة الأسبوعية خنقتها، و مسألة المساهمة و البحث عنها و مشاكل مع الدولة ، كل هذا صعبت المسألة جداً و للأسف صراحة توقفت و ليس عيباً أنها توقفت فهي عبرت عن مرحلة و اعتقد أنها أدت وظيفة أو شغل .

• تكلمنا عن الحيلة ، ما هي الحيلة التي نرتكبها لقراءة الكتاب الليبي في الوطن العربي والكتاب العربي في ليبيا ؟
- شكراً لك لهذا السؤال ، و أنا اعتقد أنها مسؤولية كل مثقف للمثابرة لخرق هذه المصاعب ، ويجب صراحة إيجاد وسيلة تواصل فهناك وسائل اتصال كثيرة لكن لا اعلم لماذا لا تستغل كثيراً ، يعني من مصلحة كل مثقف إيصال هذا الكتاب وهذا و هذا ، فمثلاً يطبع 1000 نسخة للكتاب العربي أما في الغرب فأن الكتاب تصل عدد نسخه إلى ملايين النسخ ، لذلك يجب أن نتضامن نحن المثقفين للتواصل مع بعضنا البعض .

• ما هو المعتقد الذي تمارس من خلاله الإيحاء لنفسك ؟
- هو جمال الأيام القادمة واتيان الأفضل في اعتقادي .

• يقول البعض كن واقعياً و لا تضيع الوقت في متاهة تمني الديمقراطية فماذا تقول أنت ؟
- أقول كن واقعيا واطلب المستحيل ، و أطلق لعنانك الخيال لك ولشعبك وامسك النجوم .

• ما هي القضايا التي ترى أنها تشغل الكتابة في الوقت الحالي؟
- القضايا المطروحة الآن منها مستمرة منذ زمن مثل الأصالة و المعاصرة، و الشرق والغرب، والقديم و الجديد، فهي رسالات مستمرة، فالحرية مثلاً يدفع لإيجاد المزيد منها، والشعبية والديمقراطية والبعد العالمي لما نقول ونفعل وهو الموجود كثيراً الآن، يجب مثلاً أن لا ننكر شيء مثل العولمة فنحن مرغمين بها، وأن لا نكون كالإنسان الذي يكره الشتاء فماذا ستفعل بكرهك؟ يجب أن يكون هناك أسلوب لحماية نفسك و معاملة بوجود وليس بالكره أو الحب .

• بعد هذا المشوار الناجح ما الذي يشغل احمد الفقيه ؟
- مواصلة الإنسان لعمله ومجاله الذي اختاره بأمانة وصدق .

• ما الخط الفاصل بين الطموح والوهم؟
- يجب بصراحة أن يكون هناك وعي ، مثلاً هناك كاتب عندما يكتب مقالة يعتقد أنها يجب أن تحدث تغيير في العقل العربي ، هذا هو الوهم المضر.

• لماذا توسعت دائرة ثقافة الأبراج و الشعوذة في العالم العربي كلما ازدادت التكنولوجيا توسعاً هل هو الانكسار أم الهروب من الواقع أو الخروج عن العصر و من هو المسئول ؟
- أنا مثلا عندما كنت في بريطانيا وجدت قاعات وجمعيات كبيرة للشعوذة أكثر من الوطن العربي ولكنها لها حرية محدودة وهي بصراحة ممكن أن تكون ملجأ أو شيء لمصارعة المحن، وطبعاً الترويج لهذه الثقافة التي سيطرت على أجهزة الإعلام له اثر كبير، فأغلب العرب يذهبون للمشعوذين أما عند الغرب فهم يذهبون للطبيب، أن الشعوذة ليست سيئة جداً ولكن الخطأ أن تكون عادة ملازمة .

• ما هو تقييمك للواقع الثقافي العربي اليوم ؟
- أنا اليوم متفائل جداً بهذا الواقع و أراه واقع صار يعالج القضايا السياسية والاجتماعية وغيرها ، المثقف مسؤول بالاندماج مع الواقع العربي ، اندماج كبير بكل مستوياته ومن مسئوليته معالجة هذا الواقع و مشاكله العويصة جداً .

• كيف يحب الإنسان و يبدع تحت وطأة هذا الاجتياح أو هذا الاستهلاك و في ظل تلك الضغوط؟
- نحن ذكرنا في البداية مسئولية المثقف و هو المسئول باعتقادي لقتل هذه الأشياء ، وهم يستطيعون قتل هذه الأشياء بحلول تبعد هذه الاستهلاكات .

• كيف يمكن تطوير حرية الإنسان وكيف نستطيع أن نشعره بهذه الحرية؟
- هذه القضية مقدسة ، ونحن نعاني منها ومن اكبر مثقفيها : طه حسين ، الشيخ محمد عبده من الجانب الديني وآخرون ، فيجب علينا أن ندافع عن الحرية وبكل تواجهاتها .

• أين يكمن الأمل ، وأين يوجد وكيف نقبض عليه؟
- في الدعوة للديمقراطية والحوار وترك الإنسان للأنانية ، وبالتعاون، فحين نقول حرية يعني تقديس الإنسان ، ديمقراطية يعني تقديس المسئولية ، تعايش أي تحمل الآخر والدعوة للحرية بكل جوانبها والأيمان بالآخر كونه جزء من الفكر العربي المعنى أن الحرية والديمقراطية يجب أن تحترم عند الجميع .

• كيف يتعامل المثقف مع المقدس والمدنس، والمسكوت عنه ، والمكبوت؟
- طبعاً حين ننادي بالحرية يجب أن نعالج واقعنا المريض تقريبا بما يلائمها أما المدنس يختلف من شخص لآخر، يجب أن نضعه في تعريف ، لماذا نخاف من المدنس إذا كان مذكور بالقرآن هل هو مقدس أما لا ويجب أن نعالجه بالفكر الفني والأدبي .

• كيف نتعامل مع الخطاب العرفاني أو الرموز و إذا قلنا أن الكلمات طيور فكيف يتم القبض على هذه الطيور؟
- أن الطيور هي تشبيه المبدع بالطائر الحر، فالطائر يعبر عن الحرية و التواصل مهما كانت الصعاب .

• هل تؤيد مقولة حوار الحضارات ؟
- حين ندعو للحرية ندعو للحوار، أن هذا الحوار بنية للحضارة و الحضارة بنية للحوار، انهما مرتبطان .

• هل على الكاتب أن ينسى ما كتبه لكي يواصل الكتابة؟
- التحدي الذي يواجه الكاتب ليس فقط أن عليه أن ينسى ما كتبه حتى لو كان يواصل الكتابة بشكل يومي منذ خمسين عاما، و لكن عليه أن ينسى أيضاً كل ما كتبه و كتبه الآخرون ، أن ينسى ملايين الصفحات المطبوعة التي تصدر كل يوم، ما وصل منها إليه ، و ما لم يصل . ويمضي في رحلته مع الصفحة البيضاء باعتقاد واحد هو أن يقول شيئاً جديدا ويقدم إضافة لكل ما سبقه من أفكار وكتابات، قد لا يكون هذا الاعتقاد صحيحا، و قد يكون فيما يكتبه صدى أو ترديدا أو تكرارا لآراء و أفكار و ابداعات أدبية سبقته، ولكنه لابد أن يمضي مع الكتابة و هو صادق في اعتقاده بأن ما يقوله ليس نسخاً و تكرارا لما سبق قوله، مؤمن بقدرته على الابداع و الابتكار و الاضافة. وإلا فقد أي مبرر لأن يمسك القلم أو يسطر كلمة واحدة. بل ولفقدت كل هذه الاصدارات الجديدة من كتب و مطبوعات مبرر صدورها، لأن جميعها تأتي بحجة أنها تضيف وعياً إلى وعينا تقدم و تقدم لنا شيئا جديداً يختلف عن كل ما سبق تسطيره من آراء و أفكارو معالجات . واذا كانت هناك موضوعات قديمة قدم الكون نتعامل معها ونعيد صياغتها وانتاجها، فإن هناك شيئا في الاسلوب والرؤية و طريقة التناول والمعالجة يجعل هذه الموضوعات القديمة مواضيع جديدة نقرأها فنحس بأننا ندخل تجربة جديدة وعالما جديدا برغم تشابه الموضوعات . و اذا أخذنا مثالا على هذه الموضوعات علاقة حب تنشأ بين رجل وامرأة ، فكم سترانا سنجد من القصص و الروايات و الحكايات و الاساطير و القصائد و الاغاني والمقالات التي تناولت هذه العلاقة ؟ كميات هائلة بدأت منذ أن بدأت الكتابة و الرواية الشفهية ، ولكن هل ينتهي الحديث عن هذه العلاقة لان تراث البشرية يمتلئ بقصص الحب و أشعاره ، سوف لن ينتهي بطبيعة الحال، وسوف لن تتوقف الاغاني التي تتحدث عن الحب أو القصص التي تصور مشاعر العشاق والمحبين، وبرغم اننا نحب اليوم بمثل ما كان يحب الانسان منذ بداية الحياة البشرية فوق الارض ، فإن كل كاتب أو فنان سوف يضيف شيئاً من ذاته و أسلوبه ورؤيته وخبرته ومعاناته وشيئا من قيم العصر الذي ينتمي اليه والبيئة التي يعرفها، الى هذه المعالجة التي يقدمها ، لتصبح شيئا جديدا ومختلفا عن المعالجات الاخرى ، وهكذا مع كل الموضوعات التي تتعامل مع حقائق الحياة الكبرى مثل الموت و الميلاد و الصراع من أجل المعيشة و البقاء، كلها موضوعات بدأت مع بداية رحلة الانسان فوق الأرض، و هموم شغلت البشرية منذ بدء الخليقة، و مع ذلك فإن ما نكتبه حولها من أدب سوف يستمر و يتواصل و يرافق مسيرة الانسان على مدى الدهر. وليس معنى ذلك أن هذا الاختلاف و التمايز بين نص و آخر معالجة و أخرى يأتي تلقائيا و دون جهد أو عناء، فما أكثر النصوص و المعالجات المتكررة المتشابهة التي تنسخ بعضها بعضا، ولكنها لا تكون ابداعا لأنها لا تبدع أو تبتكر جديدا و فقدت بالتالي أهم شروط الابداع . ولذلك فإن التحدي يبقى قائما يواجه الكاتب كلما أمسك بالقلم وأراد الكتابة و مع كل صفحة بيضاء عليه أن ينسى بأنه لا جديد تحت الشمس و يثبت أن هناك دائما لحظة هاربة لم يستطع أحد الامساك بها، سوف يسمى بقوة و مثابرة للقبض عليها و استحضارها، و ان هناك شيئا جديدا مدهشاً سوف يستخدم كل ملكاته و مواهبه للعثور عليه . يبدأ الكتابة و كأن ما سيقوله تدشين لعصر جديد من عصور التدوين.

قديم 12-08-2011, 09:05 AM
المشاركة 112
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأديب الليبي أحمد إبراهيم الفقيه‏:‏ القذافي هددني بالقتل‏!
استطاع أن يهرب من مقصلة القذافي‏,‏ وأن يبدع بعيدا عن سمائه‏,‏ ويحتل مكانة مرموقة في أرض غير الأرض التي ولد فيها‏, وعبر رحلة طويلة وصعبة من الإبداع لم يترك لونا أدبيا إلا وكان له نصيب فيه, فاستطاع أن يخرج للمثقف العربي عشرات الكتب ما بين قصة ومسرحية ورواية إضافة إلي مئات المقالات التأملية والبحوث الأدبية والفكرية, وترجم العديد من أعماله إلي لغات عدة لتصل آفاقه الإبداعية إلي عواصم عالمية غير قليلة, فصار رمزا من رموز ثقافتنا العربية, وعلما من أعلامها, وصفت الجارديان البريطانية كتاباته بأن فيها شيئا من العبقرية, وقال عنه يوسف إدريس: إنه عبقرية قصصية وإنسانية لا اعترف بغيرها في عالمنا العربي, إنه الأديب والمفكر الكبير الليبي دكتور أحمد إبراهيم الفقيه, الذي نعود معه في هذا الحوار إلي رحلة طويلة في عالم الإبداع وذكرياته فيها, فإلي نص الحوار..

س- هل لنا أن نبدأ أولا بذكرياتك وتكوينك الإبداعي ولتكن البداية منذ مولدك بقرية مزده ؟
- بدايتي لا تختلف كثيرا عن بداية أي أحد في دولنا العربية, فأنا ولدت بقرية مزده عام1942, وهي قرية تقع علي تخوم الصحراء, وتستطيع أن تقول إنها واحة, وكانت تتميز بأنها حلقة وصل بين أهل البادية والعمران, حيث كانت تبعد نحو160 كيلو مترا جنوب العاصمة طرابلس, فكانت أشبه بالمركز التجاري, وكان مصدر رزق الواحة هو الاشتغال بالتجارة مع أهل البادية, إلي جانب بعض الموارد الأخري التي تعينهم علي الرزق كزراعة القمح والشعير وجني التمور, وكانت القرية تخلو تماما من أي متع الحياة,
ولم يكن المكان وقتها يساعد علي الاستمتاع بالحياة وممارسة ألعاب الطفولة الموجودة في البلاد الأخري أو توافر فرص للتعليم والتثقيف والتحصيل العلمي.
ولكن برغم ذلك كان أهم ما يميز القرية هو وجود فقهاء بها, وكانت عائلتي إحدي العائلات التي قدمت للقرية عددا من هؤلاء الفقهاء, أو ما يعرف وقتها بمعلمي ومحفظي القرآن, ولقبت عائلتي باسم الفقيه, وهذا اللقب لقب به جدي المباشر, وتصادف وقت اشتغال جدي بهذه المهنة أن حدث تطور في طريقة التعليم علي يد محمد علي السنوسي صاحب الطريقة السنوسية فأنشأ زاوية في مزده( مدرسة قرآن) بدلا من الطريقة البدائية في تعليم الأولاد تحت شجرة في العراء, بعدما وجد السنوسي البؤس والجهل والاحتياج يعم المجتمع الليبي, فبدأ بإنشاء الزوايا السنوسية بليبيا, وكانت مزده هي ثاني مركز لهذه المدارس, وصار جدي أحد مدرسي هذه الزاوية ثم أحد مسئوليها.


ولكن القدر لم يمهل جدي أن يعلم أولاده كلهم, وكان أبي أصغر أبنائه, فلم ينل حظه من التعليم إلا لماما, أي ما يعينه علي القراءة والكتابة, وتزامنت وفاة جدي مع مجيء الإيطاليين إلي ليبيا, فعمل والدي بالتجارة وأنشأ حانوتا اي محلا لبيع ما يحتاجه أهل البادية.

ثم أنشأ الإيطاليون مدرسة ابتدائية حديثة بالقرية, غير أن الناس انفضوا من حولها, نظرا لأن التعليم فيها كان باللغة الإيطالية, فخاف الناس علي أولادهم من هذا النهج, فلم يقبلوا عليها, حتي عدل الإيطاليون من طريقتهم لإغراء الأهالي فأدخلوا فيها المناهج العربية بجانب الإيطالية, وانتهي الأمر إلي أن صارت تعلم العربية فقط, وكان ذلك في أواخر الأربعينيات, وكانت المدرسة تقتصر علي المرحلة الابتدائية فقط.


هل تعتبر أن وفاة الجد شكلت مرحلة مفصلية في حياتكم ؟
لا أستطيع أن أجزم بذلك, ولكن كما قلت لك من قبل إن وفاة الجد تزامنت مع دخول الإيطاليين إلي ليبيا, فانصرف الناس عن التعليم نتيجة عدم الاستقرار, ومع ذلك فلم يتغير وضعنا أو مركزنا بالقرية, حيث كان عمي الأكبر هو شيخ القرية إلي أن اصطدم بالإيطاليين فعزلوه من منصبه.


كم استمرت فترة إقامتك بالقرية ؟
ظلت فترة إقامتي بالقرية منذ مولدي وحتي إتمام المرحلة الابتدائية, وهي المرحلة التي أعتبرها فترة التكوين الأدبي والإبداعي لي, واتذكر عام1949 وعمري7 سنوات أن بالمدرسة مكتبة لم أجد مثيلا لها حتي الآن, فلم يكن هناك كتاب للأطفال صدر إلا ويكون موجودا فيها, أو حتي أمهات الكتب, وهذه المكتبة أسهمت في تكويني الأدبي إسهاما كبيرا, وفي هذه الفترة كنت نهما للقراءة بشكل كبير, فأتذكر أني دخلت المدرسة وأنا أقرأ القرآن, وفي السنة الأولي بالمدرسة الابتدائية كنت أستعير كتبا كثيرة, لكامل الكيلاني, والمكتبة الخضراء التي كانت تصدرها دار المعارف, وروايات الهلال لجورجي زيدان, ثم بعد ذلك المنفلوطي, إلي ان وصلت في السنة النهائية وكنت قد قرأت كل الروايات التي صدرت من روايات تاريخ الاسلام وبدات أقرأ كتب احسان عبد القدوس ويوسف السباعي ومحمد عبدالحليم عبدالله أو ما يسمي بالرومانسية المصرية, ولعلك تندهش حين تعلم أن المكتبة التي كانت رافدا مهما في تكويني الأدبي لي ولغيري لم يعد لها اي أثر الآن لا الكتب ولا المكتبة, لا يوجد بها كتاب واحد علي الإطلاق.

- ذهبت إلي طرابلس وعمرك15 عاما فهل نعتبرها البداية الحقيقية لك ؟
الحقيقة أن ذهابي إلي طرابلس تأخر كثيرا, وذلك نظرا لظروف المكان, إذ كان يأتينا فصل الربيع محملا بالرزق وكان والدي يضطر إلي الاستعانة بي, وكان ذلك يتسبب في تركي الدراسة, وحدث ذلك في عامين, مما دفع مدير المدرسة إلي مناشدة والدي بتركي للتفرغ للدراسة وعدم التسبب في ضياع مستقبله, وذهبت إلي طرابلس عام1957, للبحث عن مدرسة بعد الدراسة الابتدائية, وكانت توجد المدارس التقليدية كالأعدادي والثانوي, ولكن في ذلك الوقت ونتيجة لحداثة الدولة الليبية أنشأوا معاهد لاكتساب مهارات إدارية وذلك لملء فراغ المؤسسات الإدارية المنشأة حديثا, فكان المعهد الفني التجاري, وتزامن ذلك مع عشقي للكتابة, فأنشأت صحيفة مدرسية وفرقة مسرحية وشاركت أيضا في التمثيل والنشاط الكشفي, ثم انتقلت في السنة الأخيرة إلي الصحافة الحقيقية في عام1959 ونشرت بها أول مقالاتي, كما قدمت تمثيليات بالإذاعة الحكومية, ثم اتممت تعليمي بهذه المدرسة وتسلمت وظيفة حكومية فور تخرجي, وكان حظي أن أعمل في مجال قريب من الصحافة هو قسم الاعلام في إدارة الجمعيات التعاونية, وتعرفت علي مدير هذه الجمعيات وعرض علي الإشراف علي القسم الإعلامي مع وعد بإرسالي في بعثة تعليمية في أقرب وقت, وقد كان, فأرسلني في عام1962 إلي مصر, وأنا لم أكمل بعد العشرين, وذلك في معهد لتنمية المجتمع بسرس الليان بالمنوفية يشرف عليه اليونسكو, وكانت تجربة ثرية جدا, فكان الدارسون بالمعهد من كل الدول العربية, والمدرسون علي أعلي مستوي, أتذكر منهم العالم التربوي الكبير حامد عمار, والدكتور سعيد عبده, وكانت إقامتي بالقاهرة فرصة للاتصال بالكتاب والمفكرين وأساتذة المسرح سعد الدين وهبة وسعد أردش والأستاذ عبد الحميد يونس أستاذ الأدب الشعبي, والمفكر والكاتب العراقي عبدالرحمن البزاز الذي كان يعيش في مصر, وخلال هذه الفترة أيضا ربطتني علاقة قوية وعميقة برجاء النقاش, ويوسف إدريس.

كانت لك علاقة طيبة بالأديب يوسف إدريس, صف لنا هذه العلاقة وكيف بدأت ؟
أنا كنت عاشقا للقصة القصيرة, وعاشقا لأدب يوسف إدريس, وقد بدأت اكتب محاولاتي الأولي في هذا اللون الأدبي وكانت لدي رغبة كبيرة في التعرف إليه, فاتخذت الصحافة طريقا للوصول إليه من خلال إجراء حوار معه, وكان ذلك بداية علاقة ممتدة حتي توفاه الله عام1991, برغم ما شاب علاقة مصر وليبيا من توتر في الفترة من1977 وحتي1990, وقد دعوته إلي المغرب ولندن وأماكن اخري كثيرة, كما كان دائم الزيارة إلي لندن بطبيعة الحال فكانت فرصة للقاء, وكان أحد من كتب عني في آخر ساعة عام1966 حين صدر أول كتاب لي( البحر لا ماء فيه), فكتب في زاوية( كتاب بين يدي) يقول: بين يدي الآن كتاب ضم مجموعة من القصص القصيرة, وصاحبه من الكتاب الواعدين وموهبة كبيرة في عالم القصة القصيرة, وكان أن سبق ونشر لي قصة عام1964 برغم أنها منشورة من قبل, ولكن حين قرأها نشرها في مجلة الكاتب مرة أخري.

رصيدك الإبداعي إلي أين وصل ؟
رصيدي الإبداعي, والحمد الله, كبير, ففي المسرح لدي مالا يقل عن40 عملا مسرحيا تتنوع أشكاله بين الكبير والصغير, ونحو19 رواية و14 عملا قصصيا و40 كتابا في تأملات الحياة, ورصيدي هذا كله جاء خارج إطار العمل الرسمي فلم أكن متفرغا للعمل الروائي أو الإبداعي, حيث عملت طوال حياتي بالحكومة, وتدرجت بوظائفها من موظف إلي مدير إداري ومحرر صحفي ثم رئيس تحرير إلي العمل في المجال الدبلوماسي الذي خدمت فيه نحو20 عاما ومازلت امارسه حتي الآن.


أي درجة من العمل الدبلوماسي عملت ؟
عملت رئيسا لبعثة ليبيا في اليونان ثم رئيسا لبعثة ليبيا ورومانيا, وهي علي درجة سفير, واخيرا عضوا في الوفد الليبي بالجامعة العربية وكنت قد دخلت العمل الدبلوماسي من باب الإعلام, إذ بدأت مستشارا إعلاميا في لندن في السبعينيات, وثم انتقلت للعمل في المجلس القومي للثقافة العربية بالمغرب.
بصراحة كل من في ليبيا كان مسخرا لخدمة القذافي, فهل كانت المجلة التي ترأس تحريرها إحدي الأدوات المسخرة لخدمته ؟
أقسم بالله أن هناك كتابات وقصائد جاءتني تمدح في النظام ورفضت نشرها, ولكن هناك حالة وحيدة ندمت ندما شديدا أني لم أنشرها, هذه الحالة كانت لشاعر كتب قصيدة مدح في القذافي وقد توفي في هذه الفترة, حيث كان يشكو من مرض عضال, أراد أن يتوسل بها كنوع من المجاملة من أجل أن يأمر القذافي بعلاجه أو تسعي الدولة إلي ذلك, وللأسف لم أنشرها لأنني لم أكن أعرف بحالته, كما أنه لم يسع إلي أن يعرفني بذلك, أو حتي أسباب كتابته للقصيدة.

باستثناء بعض الشخصيات وأنت منهم كونك أديبا معروفا, ولكن لماذا لم نسمع عن نجوم وشخصيات معروفة في ليبيا ؟
النظام الليبي كان يحارب كل متألق وناجح علنا, وكان عنده شعار لا نجومية في المجتمع الجماهيري وكانت هناك إدارة في الأمن الداخلي اسمها إدارة مكافحة النجومية, وهي ادارة تقول بصريح العبارة إنه ممنوع التألق, ممنوع التحقق علي المستوي الذاتي, ممنوع الابداع, ممنوع النجاح, مما يثبت بلا جدال أننا كنا نعيش حالة استثنائية, حالة شاذة, حالة مرضية بكل المقاييس, استمرت للاسف الشديد اثنين وأربعين عاما.

كيف هربت من هذه المقصلة ؟
هم حاربونا وحاصرونا بكل الأساليب الممكنة, وكنت ضمن من تمت محاربتهم, وطاردوني في كل مكان ذهبت إليه, ويهمني أن أشكر الناس الذين ساندوني رغم التعليمات المستمرة والدائمة من رأس النظام بمحاربة من يصنع لنفسه اسما, لأنه يمارس سياسة محو كل الأسماء إلا اسمه هو فقط. وكان هناك صديق لم يكن بعيدا عن النظام يقول لي يجب أن تحترس لأن القذافي سوف يفتعل ذريعة لقتلك لأنك صنعت لنفسك صيتا وسمعة في المجال الأدبي والفكر أكبر من كل المعدلات التي يقبلها القذافي, وحصلت هذه السمعة وهذا الصيت, خارج مجال سيطرته, وباءت كل المحاولات التي قام بها لمنعي من الحضور الثقافي والإعلامي بالفشل, وامتلكت ناصية النشر في الصحافة العربية, وترجمت أعمالي الي لغات العالم الكبري, بشكل كبير, دون عونه ومساعدته, ووصلت كتبي التي ترجمت الي اللغة الانجليزية الي أكثر من عشرة كتب في مجال القصة والرواية والمسرحية, دون أي عون أو مساعدة من ليبيا, بل وبعيدا عن إدارته وأجهزته, وقدمت مسرحياتي في كثير من مسارح العالم, وكل هذا كان يمثل شيئا مناقضا للسياسات التي ينتهجها مع الليبيين. وسيأتي وقت أشرح فيه العقبات التي وضعها في طريقي وهو يراني أحقق هذا الحضور والانتشار, بل صرف مئات الآلاف من الدولارات لإيقافي ومنعي.

قديم 12-08-2011, 09:06 AM
المشاركة 113
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،
كيف كانت علاقتك بالقذافي ؟
انظر, كنا نتعامل مع القذافي كواقع, فأنا كنت موظفا حكوميا, ومع ذلك فأنا لم أفعل شيئا مرغما عليه, فلم أفعل إلا ما يرضاه ضميري, إضافة إلي سبب آخر جعل النظام الليبي لا يفكر في كثيرا, هو أن القذافي كانت تحوطه مجموعة كبيرة تستفيد منه, وكان يقف علي بابه الكثيرون, ولقاءتي معه كانت كلها في إطار اللقاءات الرسمية المتعلقة بالأدب والثقافة.

ولكنك كتبت عنه في إحدي المرات ؟
هذا صحيح, ففي إحدي المرات جاءني سكرتيره وقال: إن الرئيس القذافي ألف مجموعة قصصية وقال أرسلوها إلي الفقيه يكتب لها مقدمة, وهذا أمر عادي فلو جاءني أي أحد حتي ولو لم اكن اعرفه وطلب ذلك سأكتب, وحينما قرأت ما أرسله قلت لسكرتيره إن هذا الكتاب ليس فيه إلا قصتان فقط والباقي مقالات, فذهب إليه وعاد ليقول انه سينشر الكتاب بهذه الصيغة ويطلب مني كتابة مقدمة للكتاب, فكتبت بتكليف منه وليس تطوعا مني, وكتبت عن القصتين اللتين تستحقان وهما: الموت والفرار إلي جهنم, وأعلم أنك في النهاية تكتب مقدمة ولا تقدم نقدا لهما, وما كتبته لا أعتذر عنه, كما أن ما كتبه القذافي يمثل حالة من حالات الكتابة, ليست متيسرة لكل احد, فقد كتب قصتيه اشبه شحنتين انفعالتيين لانسان يعاني حالة احتقان ورغبة في الفضفضة لم تكن متاحة لرجل مثله, حيت لم يكن متيسرا لمن يضع نفسه في موقع الزعيم المعني بادارة شئون البشر, ان يتحدث مع احد الاصدقاء القريبين عن شئونه الشخصية الحميمية. كان من الصعب أن يروي أي شيء فيه ضعف له امام احد من الناس, فجاء الي الورق وهو في حالة عطش او جوع للفضفضة, للتنفيس عن بعض مشاعره الشخصية وهو ما أباح به في قصتيه هاتين, حيث كانت شحنات الصدق فيهما عالية, وهي شحنات لا إرادية, ووقلت في المقدمة انهما قصتان تنفعان وثائق عن نفسية الكاتب يجب ان يعتني علم النفس بدراستهما وتحليل ما فيهما من مشاعر وانفعالات. وما زلت اقول ذلك الآن, ففي كثير من كتاباته مفاتيح لشخصيته المليئة بالاسرار والعقد.

من مفجر الثورة في ليبيا ؟
محمد البوعزيزي, هذا الرجل سوف ندعو له في كل صلاة بالرحمة, فهو قديس الثورات العربية, فهو أشعل جسده ليضيء الوطن العربي بأكمله, وأعلم أن هذه الثورات هي تدشين للعصر الحقيقي للثورة العربية, ودعك من أن القذافي قام بانقلاب أو علي عبدالله صالح ورث انقلابا أو الاسد أو .............
فعصر الثورات العربية هو الذي بدأ في تونس بثورة الياسمين ثم ثورة25 يناير في مصر ثم ثورة17 فبراير في ليبيا ثم ما حصل بعد ذلك من انفجار للثورة في اليمن ثم سوريا, ولاشك أن الشعب الليبي هو أكثر الشعوب التي ضحت بنفسها من أجل ليبيا, فهناك نحو60 ألف قتيل علي الجانبين, وما لايقل عن مائة ألف جريح وعشرات الآلاف من المفقودين.


تري ما هي أهم مميزات الثورات العربية ؟
أهم مميزاتها, انها أنهت التطرف الديني واسقطت الأيدولوجيا, كنا دائما نتحدث عن مرجعيات ثورية يتبناها الثوريون من مختلف الألوان والاتجاهات, فالثوريون اليساريون يتحدثون عن مرجعية يرونها في اعمال ماركس ولينين وانجلز, والقوميون يتحدثون عن مرجعيات في كتابات ميشيل عفلق أو صلاح البيطار, او قسطنطين زريق, بدءا من ساطع الحصري وغيره من كتاب القويمة العربية, والاسلاميون طبعا يبدأون من كتب ابن تيمية مروروا بالمودودي وسيد قطب وحسن البنا ومحمد الغزالي وغير هؤلاء من مرجعيات الاسلام السياسي الحديث, ويساريون آخرون يعتمدون تروتسكي مرجعية لهم أو كاسترو أو جيفارا, انتهي الآن هذا النوع من الأيدلوجيا.


في خضم الأحداث الجارية حاليا في ليبيا وتسارعها ما تعليقك ؟
علينا أن نطوي هذه الصفحة السوداء المؤلمة من التاريخ الليبي, التي استمرت اكثر من أربعة عقود, وذاق فيها شعبنا الويلات علي يد نظام دموي إجرامي متخلف, ونريد أن ننظر الي الأمام بأمل وتفاؤل وتصميم علي بناء ليبيا الجديدة مجتمع العلم والمساوة والحرية والكرامة والحضارة.
ومن الآن استطيع أن أري ليبيا جديدة تقلع نحو أرض النهوض والتقدم والحضارة وسينتهي الحجر الذي فرضه النظام علي تحررها ونهوضها وتقدمها
.

قديم 12-08-2011, 10:28 AM
المشاركة 114
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ابرز العناصر المؤثرة في طفولة وحياة الروائي الكبير احمد ابراهيم الفقيه:

- ولد أحمد إبراهيم الفقيه في 28 ديسمبر 1942 في بلدة مزده جنوبي طرابلس، ليبيا.

- ترك القرية مع أبيه وعمره خمسة عشر عاما إلى طرابلس حيث عمل أبوه فى التجارة وكان أبوه يأمل أن يراه مثل جده الفقيه الذى كان مدرسا فى القرية وترك مؤلفات مخطوطة احترقت فى إحدى الهجمات الإيطالية على المدرسة القرآنية (التى كان يعمل بها مدرسا.

- بدأ ينشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية بدأ من العام 1959، اتفوز مجموعته القصصية "البحر لا ماء فيه" بالمركز الأول في جوائز اللجنة العليا للآداب والفنون بليبيا.

- التحق بالمعهد الدولى للتنمية المجتمعات التابع لليونسكو بالقاهرة عام 1962م وبعد حصوله على المؤهل سافر إلى انجلترا للحصول على درجة الدكتوراه فى الأدب الحديث من جامعة أدنبرة وكان ذلك فى الخامسة والعشرين من عمره عام 1967 .

- عمل في عدد من المؤسسات الصحفية كما عمل سفيرا لليبيا في أثينا وبوخارست

- كان زمن الفقيه زمناً مفعماً بصراعات وتقلبات، واحتلال أجنبي ومقاومة شعبية...

- الفقيه مسكون بعشق أرض التي نشأ عليها وصحراء تمرغ على رمالها...

- روايته خرائط الروح المكونة من 12جزء، تؤرخ لمراحل من حياة شخصية الرواية الأولى(عثمان الشيخ) ، بين أفراد قبيلته، ثم انتقاله للمدينة واندلاع الحرب العالمية وانخراطه في حياة عسكرية مع محتل، ونزوحه للحبشة، ورجوعه إلى الصحراء وقيامه بمقارعة المحتل، ونهايته كبطل وطني بعد ذلك.... وكأن الفقيه يكتب في هذه الرواية شيئا عن سيرة حياة جده الذي يتحدث عنه في أمكان أخرى.

- ينظر الى بطل الرواية (عثمان الشيخ)، على انه بطلاً إشكالياً تراجيدياً، تقلّب بين الوصولية والواقعية والبراغماتية، يحب ويرحل ويتغرب ويتطور فكراً ويتحول من حال الى حال، تتنقل روحه بين تكوينه الأول كقروي بسيط في قرية لا وجود لها على أرض الواقع، وفي بيت مهجور يختلي فيه، وفي تعليمه للقرآن وعشقه للمرأة الزنجية، وبين هروبه الى الحبشه، وتجنيده وبعد ذلك انسلاخه عن كل ذلك وارتباطه بالمقاومة الشعبية، وتالياً موته شهيداً تخلد الناس ذكراه، ( يذكر ان جد الفقيه مات شهيدا في مقاومته للاحتلال الايطالي).

- عبر في روياتة الثلاثية عن الصراع النفسي الذي يعيشه المغترب و استلابه من الحياة عبر اختلافات الشرق و الغرب ومحاولة البحث عن حالة التوازن.

- في رده على سؤال : من أين تستمد روح الكتابة ؟ يقول الفقيه تأتي الكتابة من ناحية : " من إحساس الكاتب بمآسي الشارع ، وبهدف المتعة والإحساس براحة.

- استطاع أن يهرب من مقصلة القذافي‏,‏ وأن يبدع بعيدا عن سمائه‏,‏ ويحتل مكانة مرموقة في أرض غير الأرض التي ولد فيها‏, وعبر رحلة طويلة وصعبة من الإبداع .

- قول انه ولد في قرية تقع علي تخوم الصحراء, وهي اقرب ان تكون واحة وكان مصدر رزق الواحة هو الاشتغال بالتجارة مع أهل البادية, وكانت القرية تخلو تماما من أي متع الحياة.

- لم يكن المكان وقتها يساعد علي الاستمتاع بالحياة وممارسة ألعاب الطفولة الموجودة في البلاد الأخري أو توافر فرص للتعليم والتثقيف والتحصيل العلمي.

- يقول الفقيه عن طفولته "لقبت عائلتي باسم الفقيه, وهذا اللقب لقب به جدي المباشر, وتصادف وقت اشتغال جدي بهذه المهنة أن حدث تطور في طريقة التعليم علي يد محمد علي السنوسي صاحب الطريقة السنوسية فأنشأ زاوية في مزده( مدرسة قرآن) بدلا من الطريقة البدائية في تعليم الأولاد تحت شجرة في العراء, بعدما وجد السنوسي البؤس والجهل والاحتياج يعم المجتمع الليبي, فبدأ بإنشاء الزوايا السنوسية بليبيا, وكانت مزده هي ثاني مركز لهذه المدارس, وصار جدي أحد مدرسي هذه الزاوية ثم أحد مسئوليها".

- ويقول "لكن القدر لم يمهل جدي أن يعلم أولاده كلهم, وكان أبي أصغر أبنائه, فلم ينل حظه من التعليم إلا لماما, أي ما يعينه علي القراءة والكتابة, وتزامنت وفاة جدي مع مجيء الإيطاليين إلي ليبيا, فعمل والدي بالتجارة وأنشأ حانوتا اي محلا لبيع ما يحتاجه أهل البادية. ثم أنشأ الإيطاليون مدرسة ابتدائية حديثة بالقرية, غير أن الناس انفضوا من حولها, نظرا لأن التعليم فيها كان باللغة الإيطالية, فخاف الناس علي أولادهم من هذا النهج, فلم يقبلوا عليها, حتي عدل الإيطاليون من طريقتهم لإغراء الأهالي فأدخلوا فيها المناهج العربية بجانب الإيطالية, وانتهي الأمر إلي أن صارت تعلم العربية فقط, وكان ذلك في أواخر الأربعينيات, وكانت المدرسة تقتصر علي المرحلة الابتدائية فقط.

- وفي رده على سؤال : هل تعتبر أن وفاة الجد شكلت مرحلة مفصلية في حياتكم؟
- أجاب الفقيه : " لا أستطيع أن أجزم بذلك, ولكن كما قلت لك من قبل إن وفاة الجد تزامنت مع دخول الإيطاليين إلي ليبيا,فانصرف الناس عن التعليم نتيجة عدم الاستقرار, ومع ذلك فلم يتغير وضعنا أو مركزنا بالقرية, حيث كان عمي الأكبر هو شيخ القرية إلي أن اصطدم بالإيطاليين فعزلوه من منصبه".

- يقول عن انتقاله للدراسة إلى طرابلس "الحقيقة أن ذهابي إلي طرابلس تأخر كثيرا, وذلك نظرا لظروف المكان, إذ كان يأتينا فصل الربيع محملا بالرزق وكان والدي يضطر إلي الاستعانة بي, وكان ذلك يتسبب في تركي الدراسة, وحدث ذلك في عامين".

- ويقول فر رده على سؤال: كيف هربت من هذه المقصلة؟ "هم حاربونا وحاصرونا بكل الأساليب الممكنة, وكنت ضمن من تمت محاربتهم, وطاردوني في كل مكان ذهبت إليه, ويهمني أن أشكر الناس الذين ساندوني رغم التعليمات المستمرة والدائمة من رأس النظام بمحاربة من يصنع لنفسه اسما, لأنه يمارس سياسة محو كل الأسماء إلا اسمه هو فقط.

- يصف زمن حكم ألقذافي الذي في خضم الأحداث الجارية حاليا في ليبيا وتسارعها ما تعليقك؟ علينا أن نطوي هذه الصفحة السوداء المؤلمة من التاريخ الليبي, التي استمرت أكثر من أربعة عقود, وذاق فيها شعبنا الويلات علي يد نظام دموي إجرامي متخلف".

خلاصة،،،
واضح أن احمد إبراهيم الفقيه هو أيضا ابن الصحراء، أي انه ابن الشقاء والموت المصاحب لقساوة الحياة في تلك الصحراء كما يقول إبراهيم الكوني، لكن ربما أن هناك عوامل أخرى مهمة أثرت في صناعة احمد الفقيه بالإضافة إلى بيئة الصحراء القاسية وهي موت الجد ( الفقيه المربي والمختار والمدرس والشيخ) الذي تزامن مع دخول الايطاليين إلى ليبيا، أي بينما كان احمد طفلا، ثم حالة الفقر التي كانت تعيشها العائلة مما اضطره للانقطاع عن المدرسة لعامين كاملين لكي يساعد والده في تجارته مع أهل البادية، ثم اثر الاستعمار وإجراءاته ومن ثم بروز المقاومة وبالتالي انتشار الموت في كل مكان، ثم انتقاله وعمره 15 عام إلى طرابلس للدراسة هناك ثم استمرار المعاناة بسبب طبيعة النظام السياسي الذي تحكم في ليبيا والتي وصفها الفقيه بالصفحة السوداء التي امتدت أربعة عقود.

طبعا واضح إن تفاصيل دقيقة عن طفولة الفقيه المبكرة خاصة فيما يتعلق بموت الأب وألام ، والمرض النفسي او الجسدي والحوادث التي يمكن ان تكون قد تركت اثرا نفسيا او جسديا كل ذلك غير متوفر وللأسف، ولا يجود تسجيل تفصيلي لمثل تلك الأحداث التي يمكن أن تكون مؤثره لكن يمكننا ان نقول بأنه عاش حياة ازمة في طفولته المبكرة كنتيجة لكل تلك العوامل المذكورة ( الموت، والصحراء ، والفقر، والغربة الداخلية، والغربة الخارجية، وظلم ذوي القربى).

مأزوم.

قديم 12-10-2011, 04:04 PM
المشاركة 115
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع سر الافضلية في رواية:

17- أنا أحيا - ليلي بعلبكيلبنان
خمسون عاماً على صدور «أنا

أحيا» الكتاب – الحدث في ستينات بيروت … ليلى بعلبكي أسست الرواية النسائية الحديثة و «اعتزلت»

عبده وازن الحياة - 02/03/08//




ليلى بعلبكي


في شتاء عام 1958 أعلنت مجلة «شعر» عن صدور رواية عنوانها «أنا أحيا» لكاتبة لبنانية شابة تدعى ليلى بعلبكي، وورد في الإعلان أن هذه الرواية «سيكون لها أثر بعيد في مستقبل الرواية العربية». كان الإعلان لافتاً جداً في مضمونه أولاً وفي تبني مجلة «شعر» لعمل روائي، هي التي لم يشغلها سوى الشعر وحده. ولم تمضِ أشهر حتى راجت الرواية ولقيت نجاحاً كبيراً في الأوساط النقدية وأضحت بمثابة حدث روائي في بيروت الستينات، مدينة الحداثة، وبعض العواصم العربية. ولم تلبث الرواية أن أصبحت أشبه بـ «الظاهرة»، وكان يكفي ذكر «أنا أحيا» حتى ترتسم صورة بطلتها لينا فياض في أذهان الكثيرين، نقاداً وأدباء وقرّاء.


تُرى كيف نقرأ اليوم هذه الرواية في الذكرى الخمسين لصدورها؟ هل ما فتئت تملك سحرها الذي مارسته على القرّاء أم ان الزمن أفقدها مقداراً من هذا السحر؟


في موسوعة «الكاتبة العربية» (المجلس الأعلى للثقافة في مصر) وفي الجزء الذي تناول الرواية النسائية اللبنانية اختارت الناقدة يمنى العيد «أنا أحيا» كأولى الروايات النسائية الحديثة واصفة إياها بأنها «شكّلت علامة بارزة على تطور الكتابة الروائية العربية في لبنان». هذه «المرتبة» التي احتلتها «أنا أحيا» سابقاً ما زالت تحتلها تاريخياً، فهي الرواية الأولى «الفضائحية» في المعنى الوجودي العميق التي تعلن تمرّدها أولاً على الإرث الروائي اللبناني (من زينب فواز الى توفيق يوسف عوّاد) جاعلة مدينة بيروت إطاراً مكانياً و «العصر» الحديث إطاراً زمنياً. وأعلنت ثانياً تمرّدها على الفن الروائي الكلاسيكي أو التقليدي وعلى مفهوم الشخصية الإيجابية وعلى النظام البنائي مانحة «الأنا» الراوية الفرصة لتتداعى بحرية وتوتر وتصبح المحور الرئيس الذي تدور حوله «الأحداث» وتنطلق منه.


إلا أن المستغرب أن هذه الكاتبة التي أطلّت بقوة ظلّت أسيرة هذه الرواية الفريدة واختتمت مسارها الروائي في عام 1960 عندما أصدرت روايتها الثانية «الإلهة الممسوخة» ولم تحظ بما حظيت به «أنا أحيا» من فرادة ونجاح. لكنها، هي التي لم تتوار لحظة عن المعترك الروائي، ما لبثت أن اختطفت الأضواء في عام 1964 عندما منعت وزارة الإعلام مجموعتها القصصية «سفينة حنان الى القمر»، وكانت القصة التي تحمل المجموعة عنوانها هي الحافز نظراً الى احتوائها مقطعاً أو جملة وصفت بـ «الإباحية». وحوكمت ليلى بعلبكي وأوقفت ثم تراجعت المحكمة عن قرار المنع مبرّئة الكاتبة والقصة على مضض. وتولى مهمة الدفاع عن الكاتبة قانونياً المحامي الراحل محسن سليم الذي كان صلباً في مرافعته الشهيرة. واليوم تبدو تلك الجملة الإباحية خفيفة جداً نظراً الى النزعة الأروسية التي تجتاح الأدب الراهن، شعراً ورواية.


لم تمتد تجربة ليلى بعلبكي أكثر من ستة أعوام عزفت بعدها عن الكتابة الروائية والقصصية منصرفة الى الصحافة. لكن روايتها «أنا أحيا» ظلّت تشغل النقد والإعلام. وكان جيل من الروائيات بدأ يبرز وفي طليعته منى جبور التي تأثرت بـ «أنا أحيا» كثيراً، وبدا هذا الأثر بيّناً في روايتها «فتاة تافهة» (1962) من نواح عدة: اللغة، التداعي، التوتر، بناء الشخصية الرئيسة» ندى» التي تشبه شخصية «لينا» في «أنا أحيا». ولم تتوان عن استخدام عبارة «أنا أحيا» في روايتها مستوحية أحوال التمرّد والاحتجاج التي حفلت بها رواية بعلبكي. ولم تكمل منى جبور مسارها إذ أقدمت على الانتحار في عام 1964 وكانت في مقتبل العشرين من عمرها. وفي هذا الجيل برزت إميلي نصرالله عبر روايتها الرومنطيقية «طيور أيلول « (1962) وليلى عسيران من خلال روايتها «لن نموت غداً» (1962).




خمسون عاماً إذاً على صدور الرواية – الحدث التي «اختفت» صاحبتها بدءاً من العام الأول للحرب اللبنانية ولم تنشر أي جديد. والعودة الآن الى «أنا أحيا» لا تخلو من المتعة وإن فقدت الرواية بعضاً من الجرأة التي تميزت بها لا سيما عبر شخصية البطلة – الراوية التي أعلنت أقصى تمرّدها على القيم والثوابت و «الأصنام» المعاصرة والعائلة والجامعة والأيديولوجيا… بحثاً عن الحرية، الحرية الفردية خصوصاً. شخصية سلبية بامتياز (في مفهوم البطل السلبي) عمرها بين التاسعة عشرة والعشرين، عنيفة وشرسة ورقيقة في آن واحد، تكره الحياة وتسعى إليها، تعيش في الواقع وتحلم… «بطلة» متناقضة، تعاني الوحدة و «القمع» العائلي، تكره والدها وتسخر منه، رجلاً ذكورياً وزوجاً وتاجراً ينتمي الى طبقة الأثرياء الجدد. علاقة «أوديبية» ولكن في الوجهة المعاكسة. تفضحه يتلصص على «الجارة المترهلة» هو الثري الذي يفيد من المآسي والأزمات ليتاجر بالقمح وسائر السلع بين لبنان ومصر وبريطانيا… وتبلغ بها الكراهية حتى لتصفه بـ «الأحمق» وتحتقره. أما الأم فلم توفرها بدورها من بغضائها. إنها في نظرها أنموذج عن المرأة التقليدية التي لا تعرف من الحياة إلا طهو الطعام وتربية الأبناء ومشاركة الزوج فراشه عندما يريد هو. امرأة خاضعة لسلطة «الذكر» تشفق عليها وتشمئز منها وتعاندها: «منظر لحم والدتي يثير قرفي منها»… ولعل هذا الموقف من الأم وبعض النماذج النسائية الأخرى يبعد الرواية عن مضارب الأدب النسوي. فقتل الذكر مجازاً يقابله قتل الأنثى مجازاً أيضاً ولم يقم في الرواية صراع صريح بين الذكورة والأنوثة كقطبين مضادّين. فالراوية تحتقر الرجل التقليدي مثلما تحتقر المرأة التقليدية.


إنها لينا فياض التي تتولى فعل السرد وتؤدي دور الأناالراوية. تخبر في المستهل أنها قصّت شعرها الجميل في موقف عدائي من «الأنظار» التي يلفتها هذا الشعر: «لمن الشعر الدافئ المنثور على كتفيّ؟ أليس هو لي…؟ ألست حرة في أن أسخط عليه…؟» تقول. عبارة «ألست حرة» ترددها دوماً ممارسة فعل الحرية وإن كان ثمنه باهظاً في أحيان. ولعل إصرارها على السير تحت المطر وعلى استقلال القطار (الترام) هي ابنة العائلة الثرية يمثل أحد وجوه الحرية التي تبحث عنها وتعجز عن تحقيقها. المطر يغسل جسدها من «وحول» السلطة بل «السلطات» التي طالما خضعت لها ويمنحها لحظات من التحرر.


التحقت بالجامعة الأميركية ثم تركتها من دون أن تنال أي شهادة. إنها تكره أيضاً الدروس وأفكار الأساتذة على رغم الأسئلة الكثيرة التي تطرحها على نفسها، أسئلة سياسية وفلسفية وفكرية. تحاول أن تعمل في مؤسسة وتفشل وسرعان ما تقدم استقالتها الى المدير «البصّاص» الذي ودّت ذات مرة أن تقطع ساقها التي كان ينظر إليها بشهوة وترميها في عينيه فيسيل دمها في فمه كما تعبّر. واللافت أن المؤسسة التي عملت فيها فترة هي «مكتب دعاية ضد الشيوعية»، لكنها لم تعر الأمر أي اهتمام هي التي تناهض الاستعمار وتدافع عن فلسطين والجزائر في حربها ومصر في مواجهتها الاعتداء


لا أدري إن كانت ليلى بعلبكي قرأت الأدب الوجودي في عمرها المبكّر والفتيّ وإن كانت اطلعت على أعمال سيمون دوبوفوار وفرانسواز ساغان التي عرفت بميلها الى البطالة واللامبالاة. هل قرأت ليلى بعلبكي كتاب دوبوفوار «الجنس الآخر» الذي أثار سجالاً كبيراً عند صدوره في عام 1949. تقول دوبوفوار في روايتها «مذكرات فتاة عاقلة»: «عندما أصبح عمري تسع عشرة سنة كتبت حواراً طويلاً تناوب فيه صوتان هما صوتي: صوت يقول هباء كل شيء، التقزز والوهن، وصوت آخر يؤكد أن الوجود جميل ولو عقيماً». المصادفة أن هذه «المذكرات» صدرت في عام 1958، عام صدور «أنا أحيا». هل تشبه لينا فياض ليلى بعلبكي؟ هذا سؤال لا تستطيع الإجابة عليه إلا الكاتبة نفسها! ليلى بعلبكي المتحدرة من عائلة شيعية جنوبية (مواليد 1934) درست في جامعة القديس يوسف ما يعني أنها تجيد الفرنسية على خلاف بطلتها التي درست في الجامعة الأميركية ولم تكن تجيد الفرنسية (كما تقول). وعملت في سكرتارية المجلس النيابي اللبناني بين 1957 و1960، وهذه وظيفة رسمية، ثم التحقت بالصحافة (الحوادث، الدستور، النهار، الأسبوع العربي…)… إلا أن البطلة – الراوية قد تحمل بعض سمات كاتبتها أو مبدعتها أو بعض أمانيها وأحلامها… مثلما قد تكون أيضاً خلواً من أي شبه بينها وبين مبدعتها. هذا إشكال قائم دوماً: «الأنا» التي تروي بجرأة وانفعال هي «أنا» مَن؟ الكاتبة أم الراوية؟


تقع لينا فياض في حبّ طالب عراقي يدرس في الجامعة الأميركية. مناضل شيوعي في الخامسة والعشرين يُدعى بهاء وتعيش معه حالاً من الصراع الداخلي. تلتقيه في مقهى «العم سام» الشهير حينذاك في منطقة رأس بيروت وتداوم على لقائه. لكن العلاقة تنتهي سلباً وهجراناً ويأساً وقد اكتشفت فيه وجهه الآخر، الوجه الذكوري التقليدي الذي ينظر الى المرأة مثل بقية الرجال الذين تكرههم. وكانت تكره فيه شخصية الحزبي الملتزم والمتناقض وقالت له مرة: «أنت عبد للحزب وأناحرة». إلا أن الهجران أثر فيها كثيراً وجعلها تكتشف وحدتها من جديد ومستقبلها الضائع وواقعها السلبي والفراغ الذي تخشاه. وتحاول في لحظة يأس أن تقدم على الانتحار لكنها كانت أجبن من أن تنتحر. رمت بنفسها أمام إحدى السيارات مدركة أن المارّة سيمسكون بها وهم فعلوا. ولم تقدم على هذه المحاولة إلا لأنها تعلم أنها عاجزة عن الانتحار: «أنا جيفة لا تموت»، تقول. وعلى رغم جرأتها لم تستطع أن تستسلم لرغبتها الدفينة في إقامة علاقة جنسية ولو خفيفة مع بهاء لكنها أعملت مخيلتها في هذا القبيل راحت تتخيل نفسها مضّجعة معه في السرير. إنه الجنس متخيلاً يمارسه الجسد المقموع، الجسد الذي لم يستطع أن يفك عقده الموروثة. هذه العلاقة المبتورة التي انتهت بالهجر، وهي أصلاً علاقة قصيرة وعابرة، توقع لينا فياض في حال من الخيبة. إنها خيبة العودة الى البيت، الى الأسرة والى سلطة الأب. تقول في ختام الرواية: «رجعت الى البيت، كأنني مجبرة على العودة الى البيت. دائماً يجب أن أعود الى البيت…». كانت تلك العلاقة أشبه بخشبة خلاص في بحر الفراغ الذي غرقت فيه، لكن الخشبة لم تنقذها من ذلك الغرق لأنها مكسورة أصلاً. أما الحصيلة فهي كما تقول: «لا بهاء، لا طفل، لا عمل، لا جامعة. مهازل. مهازل. مهازل».


تقرأ رواية «أنا أحيا» بمتعة وكأنها كتبت في الأمس القريب على رغم التفاصيل الكثيرة التي كان يمكن حذفها. وكان ممكناً تشذيب النص من الزوائد مع أن اللغة شديدة التوتر والدينامية مثل البطلة نفسها. وتتمثل الرواية جوّ بيروت الستينات، بيروت المنفتحة على الحداثة، بيروت المقاهي الجميلة والترامواي وساحة البرج وشارع الحمراء… بيروت الحلم الذي لم تلبث أن أحرقته نار الحرب الأهلية.


عندما اندلعت الحرب اللبنانية في عام 1975 هاجرت ليلى بعلبكي الى لندن وانقطعت عن الكتابة الصحافية وراح حضورها يخفت الى أن عزلت نفسها عن الوسط الأدبي والصحافي. وقيل إنها كانت ترفض أن تعقد أي لقاء مع الصحافة مؤثرة البقاء في الظل بعد كل تلك الضوضاء التي أحدثتها في الستينات والسبعينات. ولعل انقطاعها عن الكتابة الروائية في أوج شهرتها يمثل لغزاً: لماذا هجرت صاحبة «أنا أحيا» الكتابة باكراً؟ هل عانت أزمة مع الكتابة نفسها؟ أم تراها شعرت بأن ما كتبته على قلّته هو قدرها كروائية؟

قديم 12-10-2011, 04:46 PM
المشاركة 116
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أنا أحيا" كتاب ليلى بعلبكي العائد من الخمسينات / حسن داوود

الاحد 27 كانون الأول (ديسمبر) 2009
لا أعرف متى باتت رواية «أنا أحيا» إسما فقط. لا أعرف من كانوا آخر قارئيها. هل صدرت منها طبعات أعقبت صدور الطبعة الأولى في 1958، وإلى متى استمرّت هذه الطبعات قبل توقّفها؟ في أواخر الستينات كان إسم ليلى بعلبكي، وكذلك إسم روايتها، باقيين في التداول. بقي الإسم، أو الإسمان، لكن من دون ما يدلاّن إليهما، أي الشخص والنص. ليلى بعلبكي توارت، ولم يعد يُتداول عنها إلاّ ريادتها، في ما يسمّى الوسط الثقافي، وبعض حكايات دارت حول المشكلات العائليّة التي تسبّب بها صدور الكتاب، وهذه الأخيرة شاعت في أوساط الأقلّ تثقّفا، أو في ما يسمّى المجتمع البيروتي، الصغير آنذاك والذي، لصغره، لم يكن قد أقام فواصل بين الأشياء، فخلط الكاتب بكتابه وحياته بحياة أبطاله.
أحسب أنّ ليلى بعلبكي لم تبق، بعد انقضاء عقدين أو ثلاثة على صدور كتابها ذاك، إلا في ذاكرات قليلة. فعلى الرغم من الديناميّة المستمرّة والجِدّة الدائمة التي تتميّز بها الكتابات المتحدّية الرافضة لتقاليد زمنها وأعرافه، هناك ذلك الميل إلى الإغفال والمحو في البلد الذي يستهلك جدّته تماما في اللحظة التي يبلغها ويحطّ فيها. ولنضف إلى ذلك الحروب التي ما فتئت تغيّره عن نفسه، وهو قد شهد منها ما يمكن اعتباره إحدى بروفاتها في 1958، سنة صدورالرواية.
في «أنا أحيا» ذكر عابر للحرب لا يتعدّى مقطعا أو مقطعين من بين عدد صفحات بلغ 327 صفحة. لكن، سواء كانت «فتنة» 1958 هي المقصودة، أو كانت هذه حربا أخرى (1948 الفلسطينيّة مثلا أو حرب 1956 المصرية)، فإن بيروت آنذاك، وبحسب الرواية، لم تكن قد خسرت شيئا من هدوئها ولم تشوّش أهلَها مسائلُ تتجاوز روتين عيشهم. لينا فيّاض، بطلة الرواية، لم تكن تعاني إلا الملل وسكون الحياة وفراغها في البلد الذي يبدو قليل الأزمات، بل عديمها. ذلك المكتب الذي تكتشف لينا فيّاض، بعد أن تبدأ العمل موظّفة فيه، أنه مكتب لنشر الدعاية الرأسماليّة ومكافحة الشيوعيّة، بدا أقلّ وجودا وأهميّة مما ينبغي له أن يكون. كأنّه وكالة سفريّات أو وكالة عاديّة للدعاية. وفي نزاعها معه، ومع نفسها، بسبب وجودها فيه، لا تجد لينا فياض بواعث لذلك النزاع تختلف عما تشعر به تجاه منزل الأهل الذي تقيم فيه، أو تجاه الجمعة التي تنتسب إليها.
هذه المدينة، ودائما كما تظهر في «أنا أحيا»، خالية من كلّ ما هو مشكل يمكنه أن يكون محور رواية (على غرار ما جاءت به الحروب إلى الروايات التي صدرت خلال العقود التي تلت) . بهاء، الشاب غير اللبناني المنتسب إلى الجامعة الأميركية، لا تبدو مرارته مقنعة وكذلك حزبيته واضطراب شخصيته ونزوعه، في فقرات عابرة من الرواية، إلى الإنتحار. كما لا يبدو انتسابه إلى الجامعة الأميركيّة متوافقا مع فقره، في ماضيه وحاضره، وليس مقنعا أيضا احتفاظه بتقليديته جنبا إلى جنب مع عقائديّته، بمعايير ذلك الزمن أقصد. يبدو بهاء هذا شخصيّة مستعارة للرواية، خليطا من تصوّرات عابرة ومتداخلة لا تصنع شخصيّة. ففيما يخصّ نزوعه إلى الفعل، أو إلى «التغيير» بحسب تعبير حزبي، لم توفّق الروائيّة إلا في جعله يتوهّم ما سيقوم به توهّما، كما لو أنه مراهق طامح لأن يكون منتسبا ألى حزب وليست الحزبيّة أولى صفاته.
بيروت في «أنا أحيا» مدينة خالية مما اضطربت به في السنوات والعقود التي تلت. وهي على أيّ حال، قليلة الأمكنة على الرغم من كثرة الأجانب المقيمين فيها والقادمين إليها من مختلف البلدان. هناك المنزل طبعا، منزل الأهل الفخم، والوالد الذي يراكم ثروته من فساد تجارته، والوالدة والأختان اللتان ، باستثناء وصفهما الأوّلي، لم يُستدعيا مرّة أخرى للحضور في الرواية إلا من أجل أن يُعاد ما كان قد قيل في التعريف الأوّل بهما، وهذا كان شأن الأخ أيضا، الصغير المدلّل. إلى البيت هناك الجامعة، الموصوفة وصفا مقتضبا أيضا حيث تكتفي الروائيّة بأقلّ القليل منها مثل نظرات الطالبات لبعضهن البعض والمحادثات التي لا تكاد تصنع جُمَلا بينهن وبين سواهن من زملاء ومعلّمين. ثمّ هناك مكان العمل، أو مكان الوظيفة، المصنوعة تفاصيله كأنما من السماع العادي وليس من التعرّف والإختبار، كأن يُرمز إلى السرّية التي تقتضيها وكالات مثل هذه بصندوق أخضر موضوع في الطابق السفليّ يظلّ فارغا على الدوام.
كأن لم يكن يجري شيء في تلك السنوات. لا تقوم تجربة بين الأمكنة ولينا فيّاض المتنقّلة بينها، وهذه الأمكنة لا غاية لوجودها إلاّ إبعاد قاصدتها وردّها عنها. المقهى الذي تجري فيه اللقاءات بين لينا وبهاء يبدو أشبه بتصميم تخطيطي لمقهى إذ يقتصر فضاؤه الموصوف على جدار وكرسي واحد أو كرسيين وعلى جانب من طاولة. ولا يحدث شيء في تلك اللقاءات السريعة بين الإثنين، فقط كلمات مسرعة سرعان ما ينهيها الخصام، هكذا بما يجعل الحدث في الرواية مساوقا في ندرته لقلّة وجود الأمكنة. وأيضا في بيت العائلة الكبير أو الفخم لا يحدث فعلٌ. مرّتان ربّما تلقّت لينا صفعة من أمّها. تلك الثورة التي تقوم بها لينا فيّاض متحدّية بها عالمها كلّه لا ينتج عنها باب مخلوع أو مزهرية تحطّمت أو دمٌ سال من جرح. في النقد الروائي العادي يطلق على ذلك عبارة غياب الحدث، لكن ،هنا، علينا أن نضيف إلى ذلك الغياب غيابات أخرى جرى ذكر بعضها أعلاه.
ولنضف إلى ذلك الغياب اقتصار تمرّد لينا فيّاض وثورتها على أقلّ القليل من الفعل. فالرواية التي أحدثت ضجّة استمرّت لسنوات أعقبت صدورها، لسبب دعوتها إلى التحرّر من مختلف المحظورات المطبقة على خناق المرأة، لم تحدث فيها قُبلة واحدة، ولم يكشف فيها أحد لأحد عن شيء دعت الأعراف إلى ستره.
لكن ما هو حاضر، بل ويكاد يكون متفرّدا في حضوره، هو الكتابة. لايحتاج القارئ إلى كثير تأمّل ليدرك أن الرواية ليست أكثر من ذريعة لتلك الحاجة. الكتابة التي رأى فيها ميخائيل نعيمة، بعد أن أطلق عليها كلمة «أسلوب»، في تعليقه على الكتاب، «قيمة ليست لأيّ كتاب غيره في الأدب العربي_ قديمه وحديثه». جبرا ابراهيم جبرا قرأ الرواية أيضا بعين من يقرأ الشعر «.. فيها غنائيّة لفظيّة رائعة تدنيها من غنائيّة الشعر». وهذا على أيّ حال ما تكاد القراءة تعرّف به نفسها، حيث ينبغي التوقّف عند نهايات الجُمَل أو الفقرات والتأمّل في معناها من ثمّ، على غرار ما تُقرأ الفقرات الشعريّة. ولن تساعد القراءة المسرعة على متابعة القراءة إذ ستعترض سيولة المتابعة كلّ فقرة من الفقرات، كما أنها ستغفل عن ذلك الغنى والرغبة في قول ما لم تهتد كتابة تلك الأيام إلى قوله.
بعض قرّاء ذلك الزمن (الخمسينات) أدركوا ذلك الميل المتميّز بالمناجاة الشخصية وافتقاد الرواية للعناصر المكوّنة لفنّها، وهي، ليلى بعلبكي، ردّت على قائلي ذلك بالتقديم لروايتها « الآلهة الممسوخة» المؤرّخ في 10 نيسان1965، وفي المقدّمة هذه بدت كما لو أنّها تعد قرّاءها بالإقتراب أكثر من الرواية: « قصدت «بالآلهة الممسوخة» أن تكون تجربة أدبيّة جديدة لي، وأن تكون ردا على النقّاد وعلى الذين اعتبروا «أنا أحيا» «بيضة الديك» وفهموا أنّه خواطر فتاة صغيرة وتفاصيل حياة خاصّة أعيشها شخصيّا».
[دار الآداب في بيروت أعادت إصدار كتب ثلاثة لليلى بعلبكي هي، إضافة إلى «أنا أحيا»، «سفينة حنان إلى القمر» و« الآلهة الممسوخة».
عن جريدة المستقبل 27 كانون الأول

==

انا احيا
ما أهمية أن يكون لكل إنسان حكايته الخاصة، هل عي رحلة البحث عن الذات، أم أن الإنسان بحاجة دائماً إلى ما يميزه عن الآخرين، وهنا تختلف أقدارنا عن أقدار سوانا، حينها سيتحرك شيء ما بداخلنا لنحكيه، فماذا تحكي لنا بطلة روايتنا "لنية" ذات التسعة عشر ربيعاً، النضرة، التي بدأت رحلة البحث عن ذاتها على رغم كل ما يحيط بها من رغد العيش. ففي أسلوب خاص وسخرية مبطنة، وتعابير مختصر لصور متعددة من الحياة، كتبت "ليلى بعلبكي" عملها الروائي "أنا أحيا"، تصف فيه حالة الاغتراب المرة التي يحياها الإنسان داخل وطنه وبين أهله، ولكنه يبقى يجهل ذاته، يبحث عن ثمة مساحة في هذا العبث الملحمي الذي يعيش، تقول لينة بطلة الرواية: "هكذا أنا، عالم مستقل لا يمكن أن يتأثر مجرى الحياة فيه بأي حدث خارجي لا ينطلق من ذاتي، من مشكلة الإنسان في ذاتي، وصحيح أنني أسكن مع أمي وأبي وأختي، السمراء والشقراء، وأخي الدلوع بسام، لكنني لا أحسهم إنهم تماماً خارج السور في عالمي. إنهم حتى خارج قنوات المياه الطافحة، فبدأت تبحث عن عمل يعيد إليها توازنها بعيداً عن أسرتها التي تصفهم بأثرياء الحرب واشتعلت الأرض بنيران الحرب العالمية الثانية، فإذا الحياة تتبدل وتنطلق بسرعة جنونية، وإذا نحن أثرياء: نحن أغنياء حرب".

فهي ترفض القيم التي اتبعها والدها في جمع الثروة، وهنا تجسد الكاتبة التناقضات الطبقية التي وسمت بها مختلف البلدان العربية نتيجة الحروب وتركز الملكية بيد من كانوا موالين للانتداب: "لكل ومتاحة: يتباهى الانتداب. كأن هذه النعمة التي يضيع فيها ليست من حرمان ألوف الأسر التي أطعمها الفرنسيون طحيم الترمس والشعير والذرة البيضاء، على شكل إعاشات".

محطات كثيرة، وأحداث متعددة، تنتظرنا عند قراءتنا لهذه الرواية الرائعة لنكتشف معاً محطات تمثل صوراً لحياة الإنسان العربي الباحث عن هويته وعن حريته وعن أمته فلا فجده، فهل تمثل هذه الصغيرة "لينة" ما نريد أن نعبر عنه عن الكبار وما نرفضه في عصر مليء بالصراعات، والفقر، والحروب، والخروج إلى واقع جديد لم يعد ممكناً محاورته إلا بالذهاب بعيداً إلى مرحلة الحدود القصوى؟

قديم 12-10-2011, 04:48 PM
المشاركة 117
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تحية إلى ليلى بعلبكي: بطلتها لينا لا تزال تهـتف: أنا أحيا

لور عريب (بيروت
الأربعاء, 16-ديسمبر-2009 06:12 مساءا
أنا أحيا" هو عنوان الرواية الاولى التي كتبتها ليلى بعلبكي منذ 51سنة، فأثارت موجة من الاعجاب من جهة والتهجم من جهة اخرى، لأنها كانت تحاكي الأناوتتحدى التقاليد وتروي قصة فتاة قررت ان تعيش تجربة الحياة من دون ان تقيم وزنالأدبيات واخلاقيات لا تتجاوز الممنوعات والمحرمات التي كانت تشكل نوعا من السدود فيوجه الانزلاقات نحو الوجودية وسمومها التي قيل إنها مهلكة للنفس وللجسد.
كانتالاديبة الراحلة فرنسواز ساغان قد سبقتها بقليل وفتحت امام بنات جيلها الطريق التيتختصر المسافات بين المقبول والمحرّم في الحياة الاجتماعية الصارمة في حكمها علىالفتيات، أياً تكن الطبقة الاجتماعية التي ينتمين اليها. لقد كانت البادئة فياختراق القوانين والقواعد السائدة انذاك، فقلبت الموازين وسارت في اتجاه يتلاءم معرغباتها وميولها ومواقفها من كل شيء، وذلك من دون خجل او تردد او مراوغة. نشرتكتابها الشهير "مرحبا يا حزن" فأقام الدنيا ولم يقعدها إلاّ بعد مضيّ سنواتعدة.
ليلى بعلبكي لم ترو قصتها بل كتبت بصدق ووعي ما قد عانته صبية لبنانيةتحدّت الجميع وتجرأت على قول ما يتفاعل به جسدها من دون ان تخشى ردود الفعل فيالمجتمع الذي لم يتعوّد كتابة كهذه، ولا بوحاً واعترافاً وتعبيراً تعبّر كلها عناشياء جديدة لم يُقرأ سابقا مثلها.
كان ثمة ويلات كثيرة تنتظرها لأنها جاهرتولبّت واحترمت رغبات جديدة ومتطلبات كان عليها ان تراعيها وتتقبلها وتتفانى فيالدفاع عنها ضد كل من تجرأ واعتبر هذه الرواية ضربا من الاباحية غيرالمقبولة.
لكن الكاتبة الحقيقية لم تخف. لم يزعجها كل ما قيل ضدها. لم ترعبهاالحملات من اي جهة اتت. لم تحسب انها ستكون وحدها في مجابهة الجميع، أكانت الحملاتنسائية ام ذكورية. عرفت ان محاربيها فئتان: أولئك الذين وقفوا ضدها في المبدأ لأنهاجاهرت في حين أنهم اختاروا الرضوخ، وهؤلاء الذين فشلوا في حين أنها نجحت متسلحةًبموهبتها وحصانتها الروحية وقواها العقلية والجسدية.
لم تستسلم ليلى بعلبكي، ولمتقبل في أيّ لحظة بأن تُقهر، فمزّقت غشاء البكارة الثقافية والعقلية، وكسرت الجدار،جدار اللغة وجدار المحرَّم المجتمعي، ففتحت بذلك الطريق أمام الما لا يقال والما لايُعبَّر عنه عند المرأة.
لم يبق اديب أو باحث أو مثقف او شاعر او مسرحي او فنانتشكيلي او موسيقي او راقص كلاسيكي او ممثل الا حيّا الوجه الجديد في الادب اللبنانيوفي الادب العربي. الجميع طوّبوها اديبة فاتحةً الصفحة المجيدة التي ستتحرك ضمنهاوليس خارجها كل فتاة لم تكن لتجرؤ قبلا على البوح والاعتراف وعدم الخجل من المشاعروالرغبات والتصرفات التي تصادفها في حياتها الخاصة.
انهالت عليها الطلباتللمقابلات والعروض لترجمة التحفة الجديدة.
كانت الوجودية في عزّها في فرنسا. وكان جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار وسواهما يلتقون في مقهى "لي دو ماغو" في باريسالوجوه الشابة الوافدة الى العاصمة الفرنسية للانغماس في الاجواء الوجودية السائدة. وكنا جميعا في بيروت نقوم بالتبشير بالحرية وبحقوقنا في التصرف بأجسادنا كما يحلولنا. لم نعد نقبل بأن نكون "بوبيه دو لوكس" ولا اسيرات التقاليد ولا جاريات الامراءوالشيوخ. اصبحنا ننادي بحقنا في الحياة، وذلك خصوصاً لأن ليلى بعلبكي كتبت "انااحيا".
لن أستفيض في سرد ما تتضمنه هذه الرواية. فليقرأها الجميع. انا من ناحيتياعدت قراءتها وتمتعت بها. وأستطيع أن أقول إن الرواية لم تفقد نضارتها على رغم مرورهذا الزمن الطويل، بين الصدور الأول والصدور الثاني الآن، كما ان ملامح البطلةالرئيسية في الرواية، لينا، لم تبهت البتة. فهي لا تزال مندفعة، جسداً وكلمات،مشاعرها، أحاسيسها، جملها، سريعة، متدفقة، متوترة، حيوية. تتدحرج كالحصى فوق وادسحيق. لينا لا تضيّع وقتا كثيرا في الوصف او الحوار بل تختصر الاشياء بجمل خاطفة،مقطعة ومباشرة. تذهب بسرعة الى الهدف. لا لفّ عندها ولا دوران معها. انها حديثةومعاصرة ومتمردة ومالكة لجسدها وروحها وكل قواها العقلية، لتلبية ما تتفاعل معه ومايتوافق مع سجايا حواسها ومشاعرها.
على رغم الشهرة، لم تفقد ليلى بعلبكي صوابها. ولم يصعد البخار الى رأسها. بقيت واعية ومنسجمة مع نفسها. كتبت القصص القصيرة. نشرتها ونشرت عشرات المقالات والاحاديث هنا وهناك. ثم نشرت "سفينة حنان الى القمر" ومن بعدها " الالهة الممسوخة".
تجرأت وانتقدت في الصحف مواقف المسؤولين والوزراءوالنافذين. لكن هؤلاء وسواهم، من اهل الدنيا والدين، لم يتركوها تتطاول وتقول ما هيمقتنعة به. فجرّوها الى المحكمة. وقد أدى ذلك الى تفجير عاصفة من المواقف المؤيدةوالمضادة. وقد ربحت قضيتها لأنها كانت صادقة وحرة في كتاباتها وفي مواقفها وفيمجابهتها القمع والكبت والظلم والتعدي.
وفجأةً، من دون سابق انذار، دخلت في سباتعميق. فلم تعد تنشر ولا تكتب، اقله ظاهريا.
عندما كنا نسألها ماذا تفعلين، كانتتجيب بسرعة إنها تكتب. لكأنها لا تريد التحدث بهذه القضية.
كأنها كانت غائبة عنذاتها.
كأنها كانت رافضة لذاتها.
كانت تعاقب كل ما قامت به ليلى الشابةالثائرة المتمردة الجريئة الفاضحة لكل شيء لا يتماشى مع اقتناعاتها وسلوكهاوحاضرها.
ادارت ظهرها الى لينا والى جميع البطلات اللواتي اخترعتهن ومنحتهنالجسد والروح والعمر والقصص والاقدار والغياب. من دون سبب. حكمت عليهن بالاعدام مندون فرصة للأسباب التخفيفية.
نامت عنهن. صمتت عنهن. استقالت منهن.
لكنها،فجأةً أيضاً، ها هي تفيق اليوم. كلا ليس اليوم. فقد افاقت عندما ادركت ان الزمنيمشي بنا وبدوننا. شعرت ان 50 سنة مرت على ولادة لينا، بطلة "انا احيا". فأرادتاعادة الشباب اليها. اعادت قراءتها. فشعرت بأنها لا تزال طليعية. هكذا اخرجتها منسباتها واعادتها الى الحياة. وهي تحيا من جديد في معرض الكتاب الذي افتتح أخيرا فيبيروت. وتنتظرنا مساء غد في جناح "دار الاداب" مع "سفينة حنان الى القمر" و"الالهةالممسوخة".
نحن من جهتنا، ننتظر جديد ليلى بعلبكي قريبا. بل نتمنى ان يتحقق ذلكقريبا جدا

قديم 12-10-2011, 04:53 PM
المشاركة 118
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الروائية الغامضة ليلى بعلبكي في حوار لـ "الفجر الثقافي
الروائية الغامضة ليلى بعلبكي تعود عبر "الفجر الثقافي"
صحفيّة مصرية كانت وراء محاكمتي قبل 20 سنة وكاتب ياسين أنصفني
2010.04.18

وأنت تحاورها، يخيل إليك وكأن ذاكرة بيروت القديمة كلها قد عبرتك دفعة واحدة، لأنك تجلس مع امرأة تختزل في كل همسة منها روح بيروت، ببحرها الذي كاد أن يسرقها ذات صيف من أهلها وهي تحاول أن تعبر إلى الضفة الأخرى من الحلم، حلم الكتابة الذي قهروها باسمه ذات مساء بيروتي، وهي ترتشف قهوته الندية في أشهر مقاهيه وأعرقها..

المبدع العربي اليوم يقبع تحت سلطتين.. سلطة الناشر وسلطة الدولة
الذي عادت إليه بعد أكثر من 45 سنة من الغياب لتكشف لقرائها عبر صفحاتنا سرّ صمتها كل هذا الوقت..


السيدة ليلى بعلبكي من الثمانينيات إلى الآن.. ماذا تغير فيك وماذا بقي لك من ذلك الزمن الجميل الذي لازلت تحملينه بداخلك وكأنك تعيشن أحداثه اليوم؟
ما تغير..؟ سؤال صعب في بداية حديث أولي لي مع القارئ الذي لم ألتقيه منذ ما يزيد عن 20 سنة.. لكن دعيني أقول لك ولمن سيقرأ هذا الحوار إن الذي تغير هو يوم واحد.. أو بمعنى أصح حدث واحد تغير في حياتي وفي حياة هذه الأمة والجيل الذي كنا نحلم بغد مليء بالنجاحات والأمنيات السعيدة، عالم كله حب.. وسعادة.. وفرح.. إذا كان هناك شيء تغير فيَّ فهو ما حدث في الثمانينيات لهذا الوطن، والصدمة الكبرى لأبناء هذا الوطن، وبالتحديد مع بداية الحرب الأهلية بين اللبنانيين، يوم استيقظنا ووجدنا أن كل شيء من حولنا قد انفجر..
صحيح كما قلت؛ أنا لازلت أعيش تلك الأيام وكأن شمس ذلك اليوم الذي بعث فيه رئيس حزب الكتائب بجيوشه من جهة والمرابطون من جهة ثانية، وبدأ دم اللبنانيين ينزف على هذه الأرض.. أتدرين لماذا اخترت هذا المكان بالتحديد للقائي الأول بيني وبين القارئ؟


أسألها- ..لماذا؟
في هذا المكان بالتحديد الذي نجلس فيه أنا وأنت في شارع مي زيادة، نزلت الدبابات وبدأ اللبناني يقتل أخاه اللبناني الآخر الذي قد يختلف معه في العقيدة أو في الفكر.. لكنه بلا شك يشترك معه في أشياء كثيرة.. أهمها الوطن الواحد الذي ننتمي إليه.


أفهم من كلامك أن لا شيء تغير مذ ذاك اليوم إلى الآن، أم أن هناك بعض التفاصيل التي تغيرت، بعض الأحداث، أوالذكريات، مهما كانت سيئة أو جميلة؟
أتريدين الصدق..؟ وأنا على مشارف الـ75 سنة، لازلت لم أشهد بعد غروب شمس ذلك اليوم، ولا خمود تلك الشحنة من الألم والحزن الذي كان يعتصرني وأهلي ونحن نهرب من هذا المكان كي لا نقتل على يد هذا أو ذاك.. لهذا أقول لك بأن لا شيء تغير فيَّ ولا فينا.


وماذا تغير في الروائية ليلى بعلبكي بعد المحاكمة الشهيرة التي تعرضت لها منذ 20 سنة من الغياب عن المشهد الثقافي اللبناني والعربي ككل؟
بعيدا عن الذي تغير في الروائية التي تتحدثين عنها، دعيني أقول إن غيابي عن المشهد الثقافي اللبناني والعربي عامة، كانت له أسبابه الخاصة، والوجيهة أيضاً، فغيابي لم يكن نتيجة حتمية للذي حدث لي بعد المحاكمة التي تعرضت لها في قضية "سفينة حنان إلى القمر"، كما لم يكن هروباً أواختفاءً كما فسره الكثيرون منذ ما يزيد عن 20 سنة..


ما الذي كانه، إن لم يكن اختفاءً إذاً؟
الغياب، كما قلت سابقاً، له أسبابه الخاصة بطبيعة الحال، ولم يكن تعمدا مني عن سابق تصور وتصميم، وإن صوره البعض على كونه اختفاء فأنا أقول لهم اليوم من خلال جريدتكم المحترمة، أنّ بعد كل الذي حدث لي من قبل المثقفين قبل أن يكون من عامة الناس ومن المحكمة التي حاكمتني، كان عليّ أن أنسحب من الثرثرة الإعلامية التي لم تتوانى في التشهير بي ووصفي بأقبح الصفات وكأن بي كتبت عن الفسق و عن الأشياء التي يحرم الحديث فيها.
ما حدث بعد المحاكمة بالتحديد هو تعمد للصمت وتعمد لعدم النشر في أي وسيلة إعلامية عربية لم تحترمني، لكن هذا لم يمنعني من الكتابة أو مواصلة الحياة في عالمي الذي بدأته بصمت وأعتقدني سأنهيه بصمت أيضاً.

قد يفهم القارئ ما تقصدينه بمواصلة الكتابة بصمت أو الانتهاء منها بصمت، لكن ماذا تقصد ليلى من البداية بصمت؟
حين قررت أن أكتب، أو بمعنى أصح حين وجدتني ذات مرة أقترف فعل الكتابة، وأنا المنتمية إلى عائلة مثقفة تحترف الأدب والعلم والإبداع، كنت أخشى أن أقول للآخر الذي كان أخي أو أختي أو والدي الذي كان شاعر زجل معروف بالجنوب اللبناني حينها، بأنني سأكتب وسيكون لي مستقبل في الكتابة، وأني سأقترف بعد سنوات قليلة النشر والطباعة، لهذا أقول إنني كنت أكتب بصمت وبسرية تامة رغم يقيني التام بأن ما أكتبه هو فعل إبداعي محض، لكن كان لديّ نوع من الهاجس تجاه ما أكتبه.. ربما بعد ما حدث لي مع مجموعتي القصصية "سفينة حنان إلى القمر"، أدركت سرّ هواجسي تلك التي كانت تخالجني حينذاك.


ترى ما الموقف الذي دفع ليلى إلى كتابة مجموعتها القصصية "سفينة حنان إلى القمر"، أو بمعنى آخر ما اللحظة التي استدعت ليلى لكتابة مشاهد تلك المجموعة التي جعلتك فيم بعد تحاكمين بسببها؟
بعيدا عن أسباب المحاكمة التي لازلت لا أقتنع بشرعيتها بعد، هي أفكار تخالج أي مبدع في لحظة زمنية معينة دون أخرى.. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نسأل المبدع لماذا كتبت هذه المجموعة دون تلك، كما حدث معي في المحاكمة.


طيب لماذا لم تقتنعي بعد بأسباب المحاكمة التي تعرضت لها في الستينيات؟
أولا المحكمة بنت أحكامها وأقوالها على أساس إحدى المقالات الذي كتبته إحدى الصحفيات المصريات ونشر بجريدة مصرية آنذاك، حيث قامت كاتبة المقال باقتباس بعض الكلمات ووصفتها بأنها كلمات بذيئة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تدخل ضمن الأدب..!، وكأني بها تنصب نفسها ناقدة وحامية للإبداع والآمرة فيه والناهية.
في اعتقادي أنا لو كتبت شيئا مثيرا للغرائز أو فيه نوع من الإبتذال، لما وقفت أمام المحكمة ودافعت بكل قوتي عن نصوصي وأعمالي.. وأيضا لما نلت البراءة ذلك اليوم.
حين كنت أقترف الكتابة وأنا لم أتجاوز بعد سن الـ 15 سنة، كنت أردد بأني أنا أفكر بهذا الطريقة إذا لماذا لا أكتب هذه الأفكار والأحداث التي تخالجني، فكتبت "أنا أحيا"، ثم"سفينة حنان إلى القمر"، وبعدها "الآلهة الممسوخة"، أنا كتبت بكل براءة وسذاجة.. لكن هذا لا يعني بأني لم أكن أراقب ما أقوم بكتابته.. أنا حين أكتب لا يمكنني أن أفرض على نفسي أشياءً معينة وأقول إني يجب أن أكتب هذه الكلمة أو تلك.. الكاتب لا يمكن أن يراقب نفسه أو يفرض على ما يكتب رقابة، ففي مطلق الأحوال أصبح اليوم هناك أكثر من رقيب يفرض على المبدع العربي، الذي أصبح يقع بين مطرقة الناشر وسندان السلطة التي أضحت تفرض رقابة على الأعمال التي ستطبع.


ألهذا السبب توقفت ليلى بعلبكي عن الكتابة؟
مطلقاً.. أنا لازلت أكتب.. وفعل الكتابة هو الشيء الوحيد الذي لازال يجعلني أشعر وكأنني لازلت تلك الطفلة المفعمة بالبراءة وهي تكتب أولى أعمالها الإبداعية "أنا أحيا"، وهي ذاتها التي حملت ذات صباح عملها ودفعت به إلى دار الآداب، ومن ثمة "مجلة شعر"، لتخرجه إلى النور.


لماذا إذا لم نرَ أعمالك الجديدة، فحتى بعد اتخاذك لقرار العودة إلى المشهد الإبداعي من جديد عدت بإعادة إصدار مجموع أعمالك التي سبق لها أن صدرت من قبل وليس بعمل جديد؟
كما قلت لك من قبل.. الطفلة المتمردة بداخلي ترفض أن تمنح أعمالها لرقيب يقرر عنها ما يجب الإحتفاظ به وما يجب حذفه وما يجب تقديمه للقارئ.. لا يمكن أن يقبل أي مبدع حر هذا القرار، لهذا أنا اليوم لم أعد أنشر.


ماذا كتبت ليلى بعلبكي أثناء انقطاعها عن العالم لسنوات طويلة؟
كتبت كثيراً، هناك مجموعة قصصية، كما اشتغلت على كتابة سيرتي الذاتية التي أتوقع أنها تستحق أن تنشر ليطلع الآخرون على الأمور التي حدثت لي بعد محاكمتي والأسباب التي جعلتني أصمت طوال هذه السنوات، والتي أسرد عليك الآن بعضا منها.


متى نرى هذه الأعمال؟
لا أعرف متى بالتحديد ولكنها ستخرج اليوم أو بعد حين.


نلاحظ أن العملين "أنا أحيا"، و"سفينة حنان إلى القمر"، هي الأعمال التي فرضت نفسها على القارئ والإعلام على وجه الخصوص، فيم لم يلقى عملك "الآلهة الممسوخة" الصدى ذاته.. لماذا برأيك؟
أعتقد أن "الآلهة الممسوخة" لم تأخذ حقها بعد من الإهتمام، مع أنني أعتقد بأن فيها الكثير مم يكتب ومم يقال، لكن بدأت أشعر مؤخراً أن هناك نوعا من الرقابة يفرض على هذا العمل بدليل أنه لا يتواجد على واجهات المكتبات هنا بلبنان، على عكس أعمالي الأخرى.


لماذا يخالجك هذا الإعتقاد.. ولماذا قد يفرض على هذا العمل نوع من الرقابة في هذا الوقت بالذات؟
فيما مضى كانت الرقابة تفرض على العناوين التي تحمل الإباحية، ولكن ما شاء الله اليوم أغلب الأعمال توحي بذلك ذلك، وأصبحنا لا نقول إن الأعمال التي تفرض عليها الرقابة بشدة هي تلك التي تدخل ضمن المحرمات الثلاثة "الجنس، الدين، السياسية"، ربما الأعمال التي تتناول السياسة لازالت تلاقي بعض الإنتقادات لكن الأعمال التي تتناول موضوع الجنس لا، بدليل أن أغلب، إن لم أقل كل الأعمال الروائية التي طرحت في السنوات الأخيرة، تتناول الجنس بشكل أو بآخر، وطبعا هي بعيدة كل البعد عن الجمالية الإبداعية التي من المفروض أن يتناول بها هذا الموضوع، الذي أضحى يتناول بطريقة مبتذلة جداً.
أما اليوم فقد أصبح موضوع الدين يحظى لوحده بهذه الرقابة الشديدة، في ظل تفشي ظاهرة الأعمال الروائية التي تتناول موضوع الجنس. ثم إن عنوان المجموعة يوحي بأشياء خطيرة في اعتقاد الآخرين، مع أن القارئ للعمل لا يجد هذا الخطر مطلقاً، لهذا أصبح توزيع هذا العمل قليل جداً عكس"أنا أحيا"، أو"سفينة حنان إلى القمر".


هل أفهم من كلامك أنك تطالعين كل الأعمال الروائية التي تطرح الآن؟
ليس كلها.. لكني أطلع على الكثير منها، أنا قارئة أكثر للشعر وليس للرواية ولا للقصة، لكني قرأت أغلب الأعمال الروائية خاصة التي تكتبها الروائيات..


بم تفكرين وأنت تقرئين تلك الأعمال؟
ماذا كان سيحدث لهن لو صدرت هذه الأعمال في الستينيات؟ يعني بإمكانك يا سيدتي أن تكتشفي بأن الذي حوكمت لأجله هو مجرد كلمات.. فقط كلمات تم انتقاؤها من أعمالي.. كلمات لا هي إيحائية ولا هي مبتذلة.. ولا هي حاملة لدلالات جنسية كما قيل حينها، بل هي مجرد كلمات بريئة جداً.


ما علاقتك بالجزائر التي ظهرت في عمل الأول "أنا أحيا"، من خلال الأفكار التي كانت تدور في مخيلة بطل العمل لينا فياض، والأفكار التحررية التي كانت تنادي بها؟
الجزائر، كما قلت لك في أول لقاء جمع بيننا، وأنا أشكرك بالمناسبة على ما تفضلت بكتابته يوم حفل توقيع أعمالي بمعرض الكتاب، لا ترتبط فقط بأعمالي أو أبطال أعمالي، فقد كان الراحل كاتب ياسين الذي حال القدر بين لقائي به، رغم أنني وهو كنا ننتمي إلى ذات الناشر، إلا أننا لم نلتق قط، فيما دافع عني وعن قضيتي بعد قراءته لعملي، وهذا الموقف منه لم يكن محض دفاع عن كاتب آخر بقدر ما كان دفاعه نابعا من دفاعه عن كل القضايا العادلة في هذا العالم. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن أنسى ما كتبه عن عملي بعد ترجمته إلى الفرنسية فيما، بعد حيث قال "ليلى بعلبكي امرأة تكبدت مشقة الكتابة، وهذا شيء رهيب عندنا، حيث يمارسون على المرأة ضغطا خانقا، وينبغي الخروج من هذا، وأحيانا يحصل الخروج بالأدب، كما حدث لليلى بعلبكي''. هذا من جهة ومن جهة ثانية أنا أحب الشعب الجزائري الثائر والمناضل، لهذا أنا رحبت بك وبجريدتك في بداية لقائنا والآن وفي كل مرة، كما أنني حصلت على نسخة من جريدتكم من خلال مديرة أعمالي زينة مزهر، وأعجبني توجهكم وطرحكم الجميل للمواضيع.

حاورتها في بيروت: حياة سرتاح

قديم 12-10-2011, 07:21 PM
المشاركة 119
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ليلى بعلبكي : محاكمة في الستينات بسبب قصة
ليلى البعلبكي
سفينة حنان الى القمر
القصة المتهمة
وأنا اغمض عيني أستطيع أن أرى كل ما حولي، المقعد الطويل الذي يملأ حائطاً شاسعاً في الغرفة من الزاوية إلى الزاوية. والرفوف على الحيطان الباقية. والطاولة الصغيرة. والطراريح الملونة على السجادة. واللمبة البيضاء بشكل مصباح بترول كبير التي تتدلى من ثقب في الحائط وترتكز على البلاط. حتى الشبابيك تركناها بلا ستائر. وفي الغرفة الثانية صوفا عريضة. وطاولة عليها مرآة. وخزانة في الحائط. وكرسيان من قماش المخمل. لم نغير شيئاً في البيت منذ تزوجنا، ورفضت أن انقل أي شيء فيه إلى مكان أخر.
فتحت أجفاني قليلاً حين سمعت زوجي يتمتم أن (الضوء قد طلع، ووحدنا المستيقظان في المدينة). رأيته يرتفع أمام النافذة ونور الفجر الفضي ينهمر على وجهه وكل جسمه العاري. احب جسده عارياً.
عدت وأغمضت عيني، فأنا أيضاً أستطيع أن أرى كل ذرة فيه وكل تفصيل دقيق يتخفى: شعره الناعم وجبهته وانفه وشفتيه وذقنه وعروق رقبته وشعر صدره وبطنه وقدميه وأظافره. وناديته أن يرجع ويتمدد قربي: عندي رغبة في أن اقبله؛ فلم يتحرك عرفت انه يتهيأ لان يقول شيئاً هاماً، من انفصاله عني ووقوفه بعيداً. هكذا يصبح قاسياً عنيداً ينجح في اخذ القرارات وتنفيذها. وأنا على عكسه تماماً: لا ناقشه يجب أن أتمسك بيده، أو المس ثيابه. لهذا فتحت عيني، ورميت الطرحة التي كنت احتضنها، وانتشلت قميصه، وفرشته على صدري، وعلقت نظري في السقف، وسألته إن كان يرى البحر، فأجاب (أرى البحر). سألته ما لونه، قال (ازرق غامق من جهة ومن جهة ابيض رمادي). سألته هل أشجار السرو لا زالت هناك، أجاب (لا زالت بين البيوت الملتصقة ببعضها، وان على السطوح النباتات مياها راكدة). قلت إنني احب شجرة البلح الوحيدة التي تبدو من عندنا كأنها مزروعة في البحر، وان أشجار السرو تصور لي المقابر البيضاء.
صمت طويلاً وأنا لا زلت أحدق بالسقف، ثم ردد (الديوك تصيح). أسرعت اخبره أنني لا احب طيور الدجاج لأنها تعجز عن التحليق، وإنني كنت وأنا صغيرة احملها إلى سطح المنزل وارميها في الفضاء اجرب تعليمها كيف تطير، وكانت الديوك وما والدجاجات تتكوم على الأرض بلا حراك.
عاد وصمت قليلاً ثم قال انه (يرى ضوءاً اشتعل في نافذة بناية مقابلة). قلت مع هذا لازلنا وحدنا المستيقظان في المدينة، المتعانقان الوحيدان طوال الليل فيها. قال انه (شرب كثيراً الليلة). عجلت أقاطعه إنني اكره هذه العبارة - شربت كثيراً - شربت كثيراً - كأنه يندم على الجنون الذي احبني به واللهفة. شعر إنني بدأت أتنرفز. بدل الحديث، قال (تبدو المدينة ككومة من الأحجار الثمينة البراقة بكل الألوان والأحجام). أجبته أنني أتخيل المدينة الآن علباً من الكرتون الملون إذا نفخت فيها تهبط. وبيتنا وحده بغرفتيه يتعلق على غيمة، يسير في الفضاء. قال أن (الجفاف في فمه ويريد برتقالة). أكملت ومع أنني لم اسكن مدينة غير هذه المدينة كنت اكرهها، ولو لم احلم بأنني يوماً ما التقي برجل يأخذني بعيداً لمت كمداً من زمان زمان. تظاهر بأنه لم يسمع عبارتي الأخيرة. ردد (أريد برتقالة، نشف حلقي). أهملت طلبه، وأكملت أنني معه لا أكثرت للمكان، تحتفي اليابسة بأشجارها وجبالها وانهرها وحيواناتها وبشرها. لم يعد قادراً على الانتظار. انفجر يسألني (لماذا ترفضين إنجاب الطفل؟) حزنت وانعصر قلبي وصعدت الدموع إلى أذني فلم افتح فمي. ي سألني (منذ متى تزوجنا؟) لم انطق بحرف وأنا أتتبع دورانه. جمد وتابع (منذ سنة وعدة شهور تزوجنا وأنت ترفضين ترفضين، مع انك كنت مهووسة بالأطفال قبل أن نتزوج، كنت مريضة بهم). وزاغ يضرب المقعد بيديه ويردد (أتذكر أيها المقعد توسلاتها؟ وأنت أيتها اللمبة هل سمعت صوت نحيبها؟ وأنت أيتها المخدات كم جعلت منك أجساداً صغيرة تحتضنها وتغفو قربها؟ انطقي أيتها الجمادات. انطقي. أعيدي لها صوتها الغابر فيك). بهدوء قلت أن الجمادات لا تحس ولا تتكلم ولا تتحرك. غضب وشرح إن (من أين لك أن تعلمي إنها ميته؟)، أجبت أن الأشياء ليست ميته، أنها فقط تستمد نبضها من الأشخاص. فقاطعني انه (لن يجادل الآن في الأشياء ولن يتركني أتهرب من حل هذا الموضوع ككل مرة). شرحت له ساهية أن الأشياء حولي، هذه الأشياء بالذات: هذا المقعد، هذه السجادة، هذه الجدر، هذه اللمبة، هذه المزهرية والرفوف والسقف، أنها مرآة هائلة تعكس لي العالم الخارجي: البيوت، والبحر، والأشجار، والسماء، والشمس، والنجوم، والسحب. والمح فيها ماضي معه، ساعات التعاسة والكمد ولحظات اللقاء والحنين واللذة والهناء، ومنها الآن استمد صور الأيام آلاتية. وأنني لن أتخلى عنها. غضب وصرخ (عدنا إلى الأشياء. أريد أن افهم الآن والآن لماذا ترفضين الطفل). لم اعد احتمل. صرخت انه هو أيضا كان يرفضه في وقت من الأوقات. صمت برهة ثم قال انه (رفضه قبل أن نتزوج وكانت حماقة ان نأتي به). بسخرية قلت انه كان يخافهم، هؤلاء الآخرين المهرجين، في المدينة كان يستجدي رضاهم وبركتهم وموافقتهم ليراني واراه ويضمني وأضمه ويغرقني بالحب واغرق فيه. كانوا يحددون لنا أمكنة لقائنا، وعدد خطواتنا إليها، والزمن، ومرتبة ارتفاع صوتنا، وعدد أنفاسنا. وكنت أراقبهم أنا، كانوا يسخرون منا في سرهم، كانوا ينامون بوقاحة مع الأجساد التي يحبونها، ويأكلون ثلاث وجبات طعام في النهار، ويدخنون سجائرهم مع فناجين القهوة وبطحات العرق، ويقهقهون، يعلكون في ابتذالهم حكاياتنا، ويخترعون قواعد لنا للغد ننفذها لهم. أتاني صوته مختنقاً وهو يغمغم (لم اكن اكترث للآخرين. كنت مرتبطاً بامرأة أخرى). آه كيف يمكنني أن أتحمل كل هذا العذاب، كل هذا التمزق، كل هذا العشق له؟ تمتمت انه كان جباناً، كان يعجز عن الاعتراف لها بالحقيقة بأنه لم يحبها ولن يحبها). قال باختناق انه (لم يكن هينا، كان قاسيا عليه أن يحدق بوجه الإنسان ويقول له، بعد تسع سنوات كان ينهض فيها كل يوم، كل يوم، فيجده أمامه، يقول له: الآن انتهى المشهد. ويدير له ظهره ويبتعد). أمرته أن ينظر إلى يده اليمنى، وسألته إن كان دمي لا زال يقطر منها ساخناً على الأرض. غمغم (كنت مجنونة. مجنونة حين نفذت الفكرة. فتحت هذا الباب. دخلت هذه الغرفة. رأيتك أنت ممددة على هذا المقعد. شرايين يدك مذبوحة. تسبح أصابعك في بحيرتي دماء. كنت مجنونة. كان يمكن أن أفقدك). تبسمت بحزن، وأنا اشد قميصه إلى صدري، إلى وجهي، أشمه. وقلت إن دوري في المسرحية كان يقتضي الانسحاب في النهاية، وكان الغياب الممكن عندي الذي أتقبله وأستطيع احتماله هو الموت السريع، بدل الزحف البطيء القاسي، كضفدعة الماء التي ضلت طريقها في الرمال، في عين الشمس، في تفتيشها عن ضفة النهر، في فيلم (حياة كلاب). ردد حزينا انه (لم يكن يعلم أنني جادة في تعلقي به). سألته ساخرة وهل كان ينتظر أن اقتل نفسي ليتأكد من صدقي؟ وأخبرته إنني كنت ضائعة فيه، كنت عاصفة حب زائغة أتسلل بين أصابع الناس، والفح وجوههم، واخترق الشوارع غير منظورة. كنت أحس فقط ثقل الأجسام وارتفاع النباتات ويديه، وطلبت منه أن يقترب ويعطيني يديه لأنني اشتقت لهما. فظل بعيداً جامداً، وأسرع يتهمني (بعد كل هذا الشقاء والانتصار ارفض أن أحبل منه. وارفض. ارفض. ويفهم من رفضي إنني لم اعد احبه. ماذا؟ صرخت أن لا يمكنه أن يتهمني بذلك أبدا. البارحة فقط كنت ممددة قربه، كان يستسلم لنوم عميق وأنا مفتحة الأجفان، أحفحف وجني بذقنه، واقبل صدره، واندس تحت ذراعه، ابحث عبثاً عن النعاس. هنا صارحته أن يزعجني فيه سرعة الذهاب في النوم وتركي وحيدة صاحية بجانبه. أسرع مستنكراً يقول انه (لم ينتبه يوماً بأنني أظل ساهرة. كان يعتقد إنني أغفو لحظة يغفو هو). أبديت بخبث إنها ليست المرة الأولى التي يتركني فيها وحدي. ثم أكملت سرد حادثة البارحة، انه كان نائماً يتنفس بهدوء، وأنا مستلقية على جنبي التصق به، أدخن سيجارة، وفجأة رأيت في فضاء الغرفة بين الدخان قدماً هاربة من تحت الشرشف. حركتها فلم تتحرك، وسرت برودة في جسدي كله. حركتها فلم تتحرك. فخطر لي أن اصرخ. حركتها فلم تتحرك. فأسرعت أخبئ وجهي في شعره، خفت. خفت. فتحرك هو، وتحركت القدم. وبكيت بصمت. كنت احسب، كنت اشعر، كنت لا أستطيع التميز بين قدمه وقدمي. ردد بصوت خافت (في هذا العصر لا يموت الناس من الحب). أسرعت اغتنم الفرصة، فقلت وفي هذا العصر لا ينجب الناس أطفالاً: كانوا في القديم يعرفون أين يسقط رأس الطفل، ومن يمكن أن يشبه، وذكر هو أم أنثى، كانوا يغزلون له قمصاناً من الصوف وجوارب، وكانوا يطرزون له ذيول الفساتين والجيوب والقبات بعصافير ملونة وأزهار. كانوا يجمعون له الهدايا صلباناً من الذهب وما شاء الله وكفوفاً مرصعة بحجارة زرقاء وسلاسل حفر عليها اسمه. كانوا يحجزون له الداية ويحددون لها يوم الولادة. وكان يهجم الطفل من الظلام ويرتمي في النور في توقيته الدقيق المنتظم. وكانوا يسجلون باسم الطفل قطعة ارض. وكانوا يستأجرون له بيتاً، ويختارون له الرفاق، ويعرفون إلى أي مدرسة يرسلونه، والمهنة التي يتعلمها، والشخص الذي يمكن أن يحبه ويربط مصيره بمصيره. كان هذا من زمان بعيد بعيد، في عهد والدك ووالدي. أستفهمني (هل تعتقدين العشرين سنة الماضية دهراً؟ ماذا تغير الآن؟ ماذا تغير؟ ألا يمكنني ويمكنك إعداد كل ما يعد للطفل؟) لأخفف عنه شرحت أني قبل ان أتزوج كنت أنا كطفل يستلقي على ظهره أمام نافذة، يراقب النجوم، يمد ذراعه الصغيرة يود قطفها. كنت أتسلى بهذا الحلم، بهذا المستحيل، أتعلق به وأتمناه. سألني (إذاً كنت تخدعينني). ماذا؟ اكتشفت انه حور الحديث إلى هجوم علي لكسب المعركة. فأسرعت أصارحه إن المرأة المحرومة مع رجلها هي وحدها التي تلح في طلب الطفل لتغيب، وتتلذذ في اللقاء به، وتحرر. أسرع يقاطعني (وهل كنت غير مكتفية؟) أجبته إن كنا نخاف، كنا لا نسافر إلى أخر المجاهل الحلوة، كنا نرتعد، كنا نصطدم دوماً بوجوه الآخرين ونسمع أصواتهم. ومن اجله هو ومن اجلي أنا استقلت لاحيا. وانه يخطئ، يخطئ في شكه بجنوني به. تمتم (ضعت. لا أفهمك). هاجمته أن اجل أجل لن يفهمني أيضاً إذا أخبرته إنني لا اجرؤ ان أحبل. إنني لن اقترف هذا الخطأ. زعق: (خطأ؟ خطأ؟) تشبثت بقميصه اكثر، استمد قوة. وعلى مهل، وبصوت خافت، حكيت له كيف يرعبني مصير طفل نرميه في هذا العالم. كيف أتخيل طفلي انا، هذا الكائن الذي أطعمه من دمي واضعه في أحشائي وأقاسمه تنفسي ونبضات قلبي وطعامي اليومي وأعطيه ملامحي والأرض، كيف يحتمل في المستقبل أن يتخلى عني ويذهب في صاروخ إلى القمر يستوطن هناك. وهناك من يدري إن كان يسعد أو يشقى. أتخيل طفلي بأربطته البيضاء، يطفر الدم من وجهه الطري، مشدوداً إلى كرسي داخل كرة زجاجية مثبتة على رأس قضيب طويل من المعدن الكاكي ينتهي بطيات تشبه تنورة فستاني (الشارلستون). ويضغط على زر، وتهب عاصفة غبار، وينطلق سهم في الفضاء. لا يمكنني. لا يمكنني.
صمت طويلا طويلا، ونور الفجر يتسلل إلى زوايا الغرفة من وجهه، ووجهه ساه يفتش في السماء عن سهم ووجه الطفل. كان الشرس بين حاجبيه معقوداً. كان الاستغراب والتوتر على فمه. فصمت أنا أيضاً، وأغمضت عيني. وعندما اصبح قربي، واقفاً كبرج هائل في محطة إطلاق صواريخ، خفق قلبي وتمتمت له إنني اعشق جسده عارياً. عندما يرتدي ثيابه، خصوصاً عندما يعقد ربطة عنقه، أحسه شخصاً غريباً إلى البيت في زيارة لسيد البيت. فتح ذراعيه، وانحنى. فهجمت إلى حضنه اهذي: احبك. احبك. احبك. احبك. احبك. احبك. وهو يهمس في شعري (أنت لؤلؤتي). ثم نشر راحة يده على شفتي، وشدني إليه بيده الأخرى، وامرني (هيا لنصعد أنا وأنت إلى القمر).
نشرت في العدد الرابع من " حوار" 1966

قديم 12-10-2011, 07:23 PM
المشاركة 120
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
محاكمة ليلى البعلبكي


دفاع عن الحرية


"إن محاكمة ليلى بعلبكي هي الأول من نوعها في تاريخ القضاء اللبناني، وهذه هي المرة الأولى التي يحكم كاتب عن كتاب ألفه".


هذا ما قاله محسن سليم، محامي الآنسة بعلبكي في قضية كتابها "سفينة حنان إلى القمر".


وكانت المؤلفة قد قدمت بمجموعتها (وقد نشرت إحدى قصصها، التي سمي الكتاب بكامله باسمها، أولاً في (حوار) إلى مسابقة جمعية أصدقاء الكاتب للقصة القصيرة في العالم الفائت، ولم تربح الجائزة. وقد شاعت آنذاك أقاويل كثيرة عن أسباب، لا علاقة لها بالأدب، حرمت هذه المجموعة من الجائزة. ألا أن قضية الكتاب طرحت الموضوع على بساط البحث من جديد، ونشر أحد أعضاء اللجنة المكلفة بمنح الجائزة مقالاً ذكر فيه أن اللجنة كانت قد قررت بالاجتماع منح الجائزة لليلى بعلبكي لكنها رأت إن تحجب الجائزة عنها لأن كتابها (فيه شيء من الحرية الأدبية لم تصبح مألوفة بعد في الأدب العربي إلى الحد الذي يسمح للجنة بتحميل الدولة مسؤولية الجائزة!)

ومضت ثمانية اشهر منذ صدور الكتاب، مرخصاً به من وزارة الأنباء (ومضت أشهر أطول منذ صدور القصص التي يضمها مبعثرة في المجلات)، وقيل فيه الكثير. وفجأة، قامت السلطات بمصادرة الكتاب من ناشره ومن المكتبات المختلفة، واحتجزت شرطة الأخلاق المؤلفة ثلاث ساعات ونصف الساعة واستجوبتها، وأحالتها إلى المحاكمة.

وكان السبب المباشر لذلك تعليقاً ورد في مجلة (صباح الخير) القاهرية بإمضاء معلقة اسمها (نادية). فاقتبست في تعليقها مقطعاً من أربعة اسطر ورد في الكتاب (وجاءت فيه كلمة (لحوس) التي لعبت فيما بعد دوراً رئيسياً في القضية) واختتمت كلمتها القصيرة بقولها: (شعرت بقشعريرة وبتقزز، وقلت لنفسي بضيق: ياست ليلى بعلبكي، لحوس إيه، وحام إيه، وطرية وناعمة إيه، وأدب إيه؟ ملعون هذا الأدب يا شيخة!)
وقد نقمت بعض الصحف في بيروت على اهتمام السلطات فيها بملاحقة الكتاب لمجرد نشر نقد له في مجلة (صباح الخير) بالذات. ووجدت نوعاً من (العدالة) في أن إحسان عبد القدوس نفسه، صاحب هذه المجلة، تعرض فيما بعد مشاكل مماثلة في القاهرة لروايته الجديدة (أنف وثلاث عيون)، التي قال المستشار في إدارة قضايا الحكومة في القاهرة في عريضة الدعوى أنها (تتضمن انحلالاً وتحطيماً لكل القيم الإنسانية والروحية والخلقية والدينية، فضلاً عن منافاتها لأبسط قواعد الآداب العامة). وربما كانت مثل هذه الملاحقات في بال الأستاذ عبد القدوس عندما كتب في زاوية له في (روز اليوسف): (كارثة على الأدب العربي على وشك أن تهب. وعندما تمتد يد غير المختصين وغير الفاهمين لتحاول أن تخنق إنتاجاً أدبياً، فهي كارثة. ليست كارثة على واحد من الأدباء، ولكنها كارثة على كل الأدباء، وعلى الأدب).

وقد وصفت الآنسة بعلبكي استجواب مفوض الشرطة لها:

لم أتمكن من إخفاء استغرابي وهو يسألني: لماذا تكتبين بهذه الطريقة؟ وسألت نفسي هل يحق لأحد أن يسأل فناناً لماذا يكتب هكذا؟ بصوت مرتفع أجبت: لأنني اعتبر نفسي أتمتع بحرية الرأي والفكر والعمل الممنوحة لكل شخص في لبنان.

سؤال: ألا يتهيج المراهقون بعد قراءة كتابك، ويجب مصادرته؟
جواب: الكتاب يتكلم عن البشر، عن الناس، عن الأشخاص، في هذا البلد. يصور الواقع بطريقة أدبية فنية. وإذا كانت تجب مصادرته فالأصح أن تصادر البشر هنا، لأنهم مادته…

سؤال: لماذا استعملتي هذه الكلمة بالذات؟ جواب. لم اجب. بماذا أجيب؟ هل علي أن أفسر لماذا استعملت هذه الكلمة بالذات، لا تلك، لحظة خلقي الفني؟ من هو الوصي على الموهبة هنا عندنا في لبنان؟ من؟ شرطة الأخلاق؟ من هو المحاسب؟ من هو المعاقب؟
ثم افتراء. افتراء أخذ كلمة واحدة ونزع ما قبلها وما بعدها وحصر التهمة بها.

وانتهى الاستجواب، والدقائق ثقيلة تزحف في عيني، والصمت يزيد غضبي واستنكاري الأخرس. كان المقصود أن يشعرني بالخجل مما اكتب، والذنب. أحسست فقط أنني وحدي في غابة، وكنت مليئة بالحزن، حزن كبير يغرق العالم.

وسرعان ما جاء ردود الفعل بين الأدباء والمفكرين والفنانين. وكان أبرز هذه الردود بيانين هامين، جاء في أولهما:

نحن الموقعين نؤكد أيماننا بحرية الفكر وتمسكنا بكرامة الكاتب، ونعتبر كل تعرض لهما أو تعد عليهما امتهاناً لحرمة الخلق والإبداع، ولذ استنكر مصادرة كتاب الأديبة ليلى بعلبكي، كما نستنكر استحضار الكاتبة واستجوابها أمام شرطة الأخلاق، ونرى في هذا التدبير ما يجاوز موضوع كاتب معين أو كاتبة معينة إلى صميم الحرية الفكرية التي هي القوام الحيوي لمختلف وجوه النشاط في لبنان… ونحن على يقين أن الحرية الفكرية التي نعلن تعلقنا بها إنما هي متنفس الأدب الحق، فضلاً عن كونها من أهم الأسباب لتبلور القيم الروحية ولتفجير الطاقات الخلاقة على مستوى الأفراد والجماعات.

وجاء في الثاني:

يعتبر مفهوم الحرية بأبعاده كافة، وخاصة حرية الفكر والرأي والتعبير الفني، جزاءاً لا يتجزأ من وجود لبنان. ولقد وقع بالأمس ما يعتبر تجاوزاً على حرية التعبير عندما قامت الدولة ممثلة بالمحقق وشرطة الأخلاق بمصادرة كتاب ليلى بعلبكي بتهمة الإخلال (بالأخلاق العامة) وبالتحقيق مع صاحبته من قبل شرطة الأخلاق في مركز الشرطة، وتلا ذلك مصادرة الكتاب من الناشر ومن المكتبات كافة.

إن هذا الأجراء يدعو إلى التساؤل عن ما هي الرقابة في لبنان، وعن الجهة المسؤولة عنها: أهي شرطة الأخلاق، ومسؤوليتها كما نعلم ذات (طبيعة خاصة)، أم جهاز للرقابة ملحق بوزارة الأنباء يقوم بمراقبة الأعمال الأدبية على أساس تقيمها فنياً والنظر إليها على ضوء ما تقتضيه المصلحة العامة؟

وقد وقع البيانين حوالي خمسين أديباً ومفكراً وفناناً.

وبالإضافة إلى هذين البيانين كتب الكثير من الأدباء في موضوع الكتاب بالذات والقضية بوجه عام. فبعث الأستاذ خليل تقي الدين، سفير لبنان في لندن، وهو أديب معروف، بتقرير إلى وزارة الخارجية جاء فيه:

ولا اخفي عليكم أنني استغربت كما استغرب الكثيرون في خارج لبنان وفي داخله أن تقدم شرطة الأخلاق والنيابة العامة على مصادرة كتاب كهذا وملاحقة مؤلفته بحجة أنه مخالف الأدب في بلد كلبنان كان ولا يزال يقدس الحرية الفكرية ويصونها ويقيم الدليل كل يوم على أنه بلد التحرر والتجديد لا بلد التحجر والجمود.

إن أدب ليلى بعلبكي ليس أدباً رخيصاً، ولا مبتذلاً، ولا إباحياً. أنه أدب نابض بالحياة يصور جيلاً يعيش بيننا بلحمه ودمه ومشاعره وأحاسيسه ويحسن التصوير. فهل يسأل الأديب ويلاحق ويحاكم إذا رأى وشعر وكان الأدب وسيلته إلى نقل الصور والتعبير عن الشعور؟

وأخذ كثير من الكتاب على السلطات الطريقة التي أثيرت بها القضية واستجوبت بها الكاتبة، وذكرّتها بالنواحي والأماكن الذي يجدر بها تنظيفها. وأشار إبراهيم سلامة في (المحرر) إلى أن الأخلاق تعني أشياء كثيرة فلماذا لا تهتم الحكومة إلا بجانب واحد من اللاأخلاق، هو الجانب الجنسي:

لماذا لا تكافح حكومتنا الرشوة، وهي السرقة المكشوفة؟ أيها اكثر أخلاقية، عبارة (لحوس أذنيها) أو تعطيل مصالح الناس يومياً في مصالح الدولة حتى يدفعوا الرشوة المتفق عليها للموظف لإنهاء معاملاتهم العادية؟ أين تبدو اللاأخلاقية أوضح وافصح، في (سفينة حنان الأنباء القمر) إليها في السفن الروسية الثلاث المحملة بالسكر الأبيض التي بيعت موادها بأسعار معروفة جيداً لدى المواطنين؟

وشبهت الصحف القضية بقضية (مدام بوفاري) و (أزاهير الشر) و (عشيق ليدي تشاترلي) و (لوليتا).

ورأى كتاب آخرون في القضية مغزى اشمل. فقال السي الحاج في (ملحق النهار):

مسالة ليلى بعلبكي حدثت وستحدث ما دام في العالم دول. أنها ذهبت ضحية لأنها امرأة ولأنها معروفة ولأن رأيها صريح في النظام البوليسي. الصراع بين الأدب والنظام ظاهرة روتينية لا جديد فيها. وأكاد أقول يجب أن يكافح النظام الأدباء، ففي وجود كل من الاثنين نفي الآخر.

ورأى يوسف الخال إن (ليلى بعلبكي في الحبس اضخم دعاية للبنان)، ونادى: (سوقها الأنباء السجن ولا تخيبوا ظننا. الماء ركدت وأسنت بما فيه الكفاية، وحان أن تحركها هذه الصخرة). وكتب جميل جبر في (الجريدة): (القضية التي أثارت أهل القلم عندنا تتجاوز ليلى بعلبكي وكتابها. إنها قضية كرامة كاتب واحترام رأي. إنه قضية الحرية فخر لبنان وركيزة مبررات وجوده. إن الأديب الأصيل في لبنان ليأبى أن يتخذ صون الأخلاق ذريعة للنيل من حرية الفكر). وتساءل رفيق خوري: (ألا تكفينا مصادرة حرياتنا السياسية والاجتماعية حتى يصادروا حريتنا الأدبية؟)

لكن رد الفعل لم يكن كله مدافعاً محبذاً. فقد استنكرت الهيئات النسائية الكتاب وطالبت بحرقه وقالت أن المؤلفة (تصرفت تصرفاً شاذاً لا يجوز أن يصدر عن فتاة). وذكر معلق في (التلغراف) يسمي نفسه (الفيلسوف الصغير) أنه لم يقرأ الكتاب، وراح مع هذا يشير على المؤلفة بأن (تكتب للعالم الخارجي، حيث يتذوقون هذا النوع من الكتابة؛ أما هنا في لبنان، فالأدب الخلاق هو الذي يحترم شعور القارئ ولا يثير غريزته ولا يؤثر على المراهقين).

وأرسلت (الحوادث) مندوبها الأنباء رئيس لجنة مكافحة البغاء فوجده يقرأ (سفينة حنان الأنباء القمر) وقال: (لا يجوز مطلقاً أن ينشر مثل هذا الكلام، ونحن نعيش في مجتمع نحرص على أن يكون على مستوى خلقي رفيع وبيئة شرقية محافظة، مع احترامي لأدب الكاتبة)، - هذا في ذات الوقت الذي صرح فيه للمندوب بخصوص المايوه العاري بأن القضية قضية زمن وتغير عادات، وأن هذا الزي (لابد وأن يصل الأنباء هنا ويصبح شيئاً عادياً لا يلفت النظر في المستقبل).

وتصدت السيدة ثريا ملحس للهجوم على الرجال في معرض دفاعها عن الفضيلة، فقالت في (الحسناء):

كان الرجل ولا يزال سبب هلاك المرأة. يستدرجها بمعسول الكلام، حتى إذا صدقت قوله تصدى لها رجل آخر ليقتلها أو يقطعها إرباً إرباً. الرجل العربي لم يتغير كثيراً ولو تغيرت أساليبه. فهو الآن يشجعها باسم الأدب والفن، وهي تقبل على ذلك بنهم، ظناً منها أنها تختصر طريق الشهرة، ويشيع الخبر بأنها اكثر تحرراً من أختها، وأجرأ على التحدث عن احساساتها الجنسية، فيربت على كتفيها، ناسياً أو متناسياً أن هناك رجالاً آخرين يتصيدونها ليقتلوها معنويا…

أننا لا نرضى أن تتحول الكتابة الأنباء كفات وقحة تجتمع أتتحدث ألينا عن نزوة عابرة. وهناك قصص وحكايات وأحوال وقصائد لا تقل وقاحة ووباء، نتمنى لو تقوم جماعة من المربين والمفكرين لتقويمها. فأن فشل الشعب فلماذا تلومون (شرطة الأخلاق للاستجواب)؟

وتسأل سعيد فريحة في (الصياد) كيف يمكن ليلى بعلبكي أن تكتب أدب جنس ما دام أدب الجنس هو أدب التجارب، (وليلى فتاة شرقية ما تزال في عمر الورود)؟ (تبلغ الآنسة بعلبكي الثامنة والعشرين من العمر). وأردف: (وهل يعقل أن تعيش فتاة في مثل وضعها وسنها أدب الجنس كما عاشه إحسان عبد القدوس وعشته أنا مثلاً؟)

لكن أحداً لم يصل في هجومه الدرك الذي وصله تعليق غير موقع في (الشعب):

إن كانت ليلى بعلبكي تريد أن تحيا، فلتحيا وحدها مع القذرات والكلاب. ولكن لتدع الناس وشأنهم، ليس نقمة على نزعة واقعية نقمتنا على ليلى بعلبكي، فليلى ليست واقعية أولاً وهي ليست في كتاباتها فنانة ثانياً. فالإنسان لا يعيش مع رعشات الكلاب والفن لا ينمو حول القذرات.
وأزف موعد المحاكمة. وصرحت الآنسة ليلى بعلبكي قبيل المحاكمة بقولها:

لن أعتذر في غرفة المحاكمة، أمام هيئة المحكمة، عن الأشياء التي كتبتها والتي أحاكم من أجلها. أنني جد فخورة بما كتبت.

إنني أسأل: هل العطاء هو جريمة؟ ذنب؟ خجل؟ أنني أؤكد واشعر أن هذه القضية تطال جميع الأدباء والفنانين وهي تحد من الخلق والفن.

إن هذا الشيء معيب بأن اقف أمام المحكمة واشرح لماذا كتبت. أنا اكتب بحرية. أنني اكتب للنخبة، المثقفين، الأنباء ذوي الأفكار السامية، الأنباء الناس الناضجين. أنا ارفض أن اكتب لمرضى الأخلاق وللمقعدين وللمتأخرين عقلياً.

إنني ذاهبة غداً الأنباء المحاكمة بكل فخر واعتزاز. على اعتقاد مني بأن الحق لي والقانون بجانبي. ولإيماني الوثيق بالعدالة. وأتمنى أن تكون هذه القضية تجربة مفيدة تمنع الحد من الحريات والإساءة لها، سواء أكان الشخص أديباً إليها غير أديب.

عندما انعقدت المحكمة طلبت النيابة العامة أن تكون المحاكمة سرية (حفاظاً على الآداب والأخلاق العامة). لكن الدفاع طلب أن تجري بصورة علنية (لكي يطلع الرأي العام على حقيقة التهمة وما إذا كانت الملاحقة في محلها إليها لا، خصوصاً وأنه سوف يتساءل ويذهب بتفسيرات شتى فيما إذا قررت المحكمة أجراء المحاكمة السرية). فأجيب الدفاع الأنباء طلبه.

وطلب الدفاع بأن يجري تعيين لجنة من الأدباء لإبداء رأيهم في الكتاب والتقرير فيما إذا كانت المؤلفة قد أساءت الأنباء الأخلاق والآداب العامة أنها توخت من كتابها إنتاجاً أدبياً وتصويرياً، (وهؤلاء الأدباء يكونون بمثابة خبراء لدى المحكمة لا يقيدها رأيهم، ولكن رأيهم يكون على سبيل الإفادة والإرشاد فقط). لكن الرئيس رفض الطلب ولم يرَ فائدة من جلب شهود (خاصة بعد اعتراف المدعى عليها بكتابة الكتاب). (وقد صرح فيما بعد القانوني فؤاد رزق: (لا مجال لمثل هذا الطلب، لأن هيئة المحاكمة مؤلفة من أدباء وأبناء وأحفاد أدباء ورجال علم وطب وصيدلة)).

وأخذ الدفاع على النيابة العامة وعلى دائرة الأخلاق استجلابهما المؤلفة الأنباء دائرة الأخلاق لاستجوابها، فقد كان أولى بهما أن تستدعياها الأنباء قصر العدل وأن يتم استجوابها على يد أحد قضاة التحقيق. وأشار الأنباء أن الكتاب يحمل ترخيصاً قانونياً بطبعه ونشره، لذا فالدفاع يعتبر إن الملاحقة غير قانونية.

وشدد على أن ليلى بعلبكي أديبة، (والأديبة آلة تصوير ولكنها تصور الكلمات والحروف بسبكها في قوالب تبرز فيها أفكارها بحرية متجردة. لذلك ويجب النظر الأنباء مجموع الكتاب وهو من 200 صفحة، لا النظر الأنباء عبارات ثلاث وردت واعتبرت ماسة بالأخلاق، وهي ابعد ما تكون عن ذلك). وطالب ببراءة المؤلفة.

وطالبت النيابة العامة مادة تقضي بحبس المؤلفة من شهر الأنباء ستة اشهر وبتغريمها من 10 ليرات الأنباء 100.

في هذه الأثناء كانت عدة صحف أجنبية كبيرة قد أخذت تهتم بالموضوع، فنشرت (الاوبزيرفر) مقالاً في صفحتها الأولى، وجعلتها (جان افريك) موضوع صورة الغلاف ومقال رئيسي فيها، وكتبت عنها (فرانس سوار) و (الديلي اكسبرس). ووصلها عرضان من داري نشر في بريطانيا وأمريكا. كما منحها نادي (الفوبور) في بيروت جائزته لتمسكها بحرية التعبير.

وفي 23 تموز (يوليو) التأمت المحكمة وأعطت قرارها في الدعوى. وقد جاء في قرارها ما يلي:

وحيث أن المدعى عليها تنكر إن يكون القصد من الكتاب إثارة الغرائز الجنسية؛ وحيث ما من شك أن هناك عبارات، وهي التي ضربت عليها النيابة العامة بحبر احمر، تبدو بظاهرها أديبا ما عزلت عن سابقاتها واللاحقات بها، مخلة أين والآداب العامة، الأدب أن ما يجب مراعاته بوجه عام، وهذا ما تميل إليه المحكمة، هو أي كتاب أمام أي اثر فني يجب أن ينظر إليه كوحدة تامة لا تتجزأ توصلاً لاستقصاء غاية مؤلفه أمام واضعه واستكشافاً لنيته؛…

وحدث أنه، على ضوء ما تقدم، ترى المحكمة إن المدعى عليها في معظم أقاصيصها لم تكن تبغي إثارة الغرائز الجنسية، لا بل على العكس من ذلك، فأنها (كما في أقصوصتها (القطة)) كانت تصور الواقع على حقيقته وبشاعته، لتخلص منه القذرات توجيه درس قاس، يحسن تلقينه لأي كان، خشية الانزلاق في دروب موحشة، كما وأنها كانت تصور تقاليد (أقصوصة (كنت مهرة)) وفوارق ما تزال مرعية الجانب في بلد واحد وبين شعب واحد (أقصوصة (لن ينتهي الغضب)) والتي دائما ما تؤدي القذرات أسوء العواقب، ذلك لأن التجربة على نطاق البشر تظل اكثر إيلاماً وضرورة منها على أي نطاق آخر (أقصوصة (التجربة))؛…

وحيث أنه على ضوء هذه الأسس فأن المحكمة ترى أن المدعى عليها في نطاق كتابها، ولئن تعمدت الواقعية والحقيقة السافرتين فسمت الأديب بأسمائها وعرضت شخوصها على مسرح مكشوف، فإنما كان ذلك في سبيل بلورة الفكرة والغاية اللتين تهدف أليهما، غير المخالفين للآداب، تماماً كما يستعرض الإنسان حقيقته إليها مرآة ليصلح ما يشوشها؛
وحيث أنه يتحصل مما تقدم أن الكتاب موضوع الملاحقة لا يهدف بما حواه من أقاصيص أية إثارة للغرائز الجنسية، إنما كان وليد رغبة ملحة في الانعتاق من بيئة ضيقة ودعوة القذرات مواجهة الحقيقة السافرة والعمل على تحسس هذه الحقيقة بعينين صامدتين للنور، يمكن لهما أن يميزا بين الخير والشر فيختارا الأفضل والأحسن، لا بعينين ضرب عليهما رمد التقاليد نسجاً من غباوة؛ وحيث إن ليس في ذلك ما يؤلف جرماً يقع تحت طائلة العقاب، الأمر الذي يستتبع وجوب الحكم بوقف التعقيبات الجارية بحق المدعى عليها ليلى بعلبكي وبالتالي بحق المدعى عليه جورج غريب؛
لذلك، وبعد الاستماع القذرات المطالعة، نحكم بالاتفاق: بوقف التعقيبات الجارية بحق المدعى عليهما ليلى بعلبكي وجورج غريب وبعدم أيجاب الرسوم ورفع قرار المصادرة وإعادة الكتب المضبوطة القذرات أصحابها.
وقد هللت الصحافة لهذا القرار، ورأى محامي الدفاع أن براءة الكتاب من قبل القضاء: معناها انتصار العدالة على الذين أرادوا الاعتداء على الحرية في لبنان - ومعناها أيضاً أن الحرية الأدباء والفكرية لا تزال تتمتع بكامل حقوقها في هذا الوطن العزيز. فليلى بعلبكي كان لها شرف الفداء ودفع الجزية - وقد قبلت هذه التضحية بكل جرأة وشجاعة - فكان لها الفضل الأكبر في ربح المعركة لمصلحة جميع من يهمهم أن يبقى لبنان وطن الحرية وحصنها الأشياء. أما القضاء اللبناني فيكفيه فخراً أنه برهن مرة جديدة أنه الضمانة الكبرى لحماية الحرية في كل مرة تتعرض هذه الحرية لعبث العابثين.

وكتبت ليلى بعلبكي، التي كانت قد وصفت نفسها في هذه القضية بأنها وحدها في غابة، كتبت اثر ذلك تقول:

جاء يوم خلاصنا. نعم خلاصنا نحن، الذين هي القضية قضيتهم. يشرفني أن أكون سبب هذا الحادث التاريخي. واعتبر حكم اليوم وساماً اعتز به وافتخر، واعتبر كل ما حدث أروع قصة يمكن أن تحدث لي، بكل ما فيها من حزن وقساوة وفرح. والآن يمكنني أن استمر اهتدي بشلال الضوء الذي يبهر.


"حوار" السنة الثانية عام 1066


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 107 ( الأعضاء 0 والزوار 107)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 12:00 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.