احصائيات

الردود
7

المشاهدات
3093
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
06-05-2013, 06:08 PM
المشاركة 1
06-05-2013, 06:08 PM
المشاركة 1
افتراضي الحديقة
فقد برنامج يومه ، يرتشف من كوب فطوره المتأخر على غير عادته ، يقضم من كسرة خبز بعد دهنها بزيت الزيتزن ، عيناه على الساعة التي تجاوزت عقاربها العاشرة ، بدل ملابسه وباله مشغول بسجارته متى يلقمها وقد ألزم نفسه التدخين خارج البيت ، وجد نفسه يبتعد عن منزله في دروب ضيقة بخطوات ثقيلة ، ينفث دخان التبغ في الهواء كقاطرة بخارية ، الحركة عادية والبقالون يشرون النعناع و السكر والخبز لزبنائهم ، يتزاحم الصغار أمام الدكاكين وهم يقتنون الحلويات ، بائع السمك يدفع عربته المكدسة بصناديق الحوت مطلقا صيحات مميزة تتلقفها أذان الأطفال مرددينها كالصدى ، التقطه الشارع فرمى عقب سجارته التي تتعبه ماشيا في وعاء قمامة أفرغه عمال النظافة للتو ، أخذ يستكشف المكان كغريب عن الديار ، السيارات بين غدو ورواح متواصل ، الحافلات ينقلن المصطفين في المحطات ، المقاهي رصت كراسيها و شاشاتها تنقل آخر الأخبار ، مر بجانب الكشك فتسللت أصابعه إلى جيبه دافعا ثمن جريدته ، لفها مواصلا سيره وهو على ثقة أن أحد المقاهي هو من سيستر تشرده ، متجر بجانب متجر لم تغره يوما لمعرفة محتوياتها ، هذا للأدوات الكهرباية والآخر للألبسة بينهما مستودع للتجهيزات المنزلية ، صيدلية و محل تجميل ، حلاق فبائع أشرطة ، كلما تقدمت خطواته تغيرت وظائف الدكاكين فانشغل بالمارة ، هذه عجوز تتحدى ثقل السنين ، وهذا حرفي يحمل بعض سلع ، وتلك شابة تتلاحق أقدامها بخفة ورشاقة وهي تميط شعرها المنسدل على كتفيها عن عينيها ، هذا شاب يحمل ملفا وحذاؤه يصفع الرصيف المبلط بثبات ، نسوة يحملن قفافا و ولدان ينطون حولهن ، أحس عجرا عن مجاراة كل هؤلاء ، فواصل مشيه بدون اكتراث ، مر أمام السينما والمسرح البلدي و دار الثقافة ليصل أخيرا إلى باب الحديقة التي ستريحه من تعب نال منه و من أشعة شمس بدأت تؤرقه ، هي من ستؤنس وحشته بازهارها المنعشة وطيورها المغردة و ظلال أشجارها الوارفة و اخضرار أعشابها المهذبة .
رمى جثته على أحد المقاعد متصفحا عناوين جريدته ، حروب مستعرة ، انتفاضات متوالية ، تعسفات مسؤولين تظلمات مواطنين ، فسحة أدبية ففنية و صفحات رياضة ، أخذ قلمه هاما بملء شبكة الكلمات المسهمة حين استوت يافعة بالطرف الآخر من المقعد الطويل الذي يأويه ، افترست مقلتاه الحديقة بلمحة سريعة فوجد الكراسي أغلبها شاغرة ، تساءل في نفسه إن كان بلده تجاوز عقدة الاختلاط ، نظر إليها بزاوية عينيه فوجدها منغمسة في كتاب لم يتسن له معرفة فصيلته ، فجالت في ذهنه أفكار سريعة ، أفاتحها ، أتجاهلها ، ربما ترغب بشيء ... رجع بذهنه إلى شبكته ينسج فيها حروفا متناغمة و هاتف الفتاة لا تكاد تهدأ رناته ، دغدغه هذا الأسلوب العجيب في التواصل ، رنة برنة ، وتساءل كم تحمل هذه الرنة التي يستصغرها بين نوتاتها من تعابير و أساليب و مواويل لا يفقهها من أوتي جوامع الكلم و سحر الخطاب .
ـ عذرا هل أعينك على تعبئتها ؟
ـ طبعا من دواعي سروري .
ـ هيا اقترب .
صافحها وقدم لها القلم واكتفت بالإملاء عليه ، بينما تتصفح الجداول راصدة ما كتبه و مستكشفة ألغازها انساق إلى عطرها الفواح و عيناه تموضعتا على خاتم يسرج بنصرها الطويل مشكلا نواة لوحة فنية رسمها رسام في لحظة إلهام نادرة ، تذكر ليونة ملمسها فلم تسحب يدها من المصافحة إلا حين اكتشف أن قبضته دامت أكثر من اللازم ، كل جزء فيها يشده إليها شدا ، قطعت عليه حلمه الجميل حين انطلق لسانها بنغمته الفريدة الملامسة للأسنان :" أنت بارع ، لم يتبق غير بعض كلمات ربما وجدت واحدة ، لاحظ هذه حديقة " فرد عليها : " أنت ذكية جدا هذه الكلمة هي مفتاح الباقي " فقالت : " أعرف ،فواصلت ، هل أنت من رواد الحديقة ؟" فأجابها : " كنت من سكانها في زمان ما " فواصلت :" أنا مغرمة بها ، لا يمر يوم دون أن أطمئن عليها " فوافقها : " كنت أيضا مولعا بها " فتذاكت عليه : " أتقصد أني يوما سأتركها " فأكد : " ربما كلنا نتغير " .
تتناسل الأسئلة من فمها و عيناها تحملان بريقا لم يره منذ أمد بعيد ، تحاول سبر ما يختلج في دواخله ، و فضح ما يجوب خواطره ، فيجيب إجابات تجعلها تائهة في بحر السؤال لتخلص في الأخير بحزم : " ألا أعجبك ؟" ابتلع ما جاد به فمه من ريق و صارحها : " ماذا أقول ، أنت ملاك يا صبية ، أوتيت الحسن والذكاء والرقة والبشارة ، كل شيء فيك يمزق رصانتي لكن أرجوك لا تكثري علي ، فأنا لا أملك مما ترينه أمامك شيئا ، اليوم غادرت لتزور أهلها وليتها ما فعلت " أحست بما يجترح قلبه فطمأنته : " طوبى لها ، فقد اختارت من يحفظ عهدها و يكبر بحبها فسلاما أخي سلاما ".
غادرت الحديقة ولم تلتفت ، وصاحبنا ينتظر غيابها ، فهرول إلى بيته وهو يسترجع شريط الصباح الذي كاد يذكي في نفسه أشجانا حسبها لن تعود وقد نال التي يبغي .


قديم 06-05-2013, 07:11 PM
المشاركة 2
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عزيزي ياسر .. مساؤك النجرس

هلّا تريثت قليلا في إدراج نصوصك .. كي تأخذ نصوصك الموجودة مسبقا حقها في الرد !! نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ولي عودة للرد ..
مودتي.



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 06-09-2013, 12:18 AM
المشاركة 3
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


سرني تواجدك و حضورك الراقي على الدوام
شكرا على التنويه
في انتظار عودتك
تقبلي احترامي


قديم 06-21-2013, 05:16 PM
المشاركة 4
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جميلة ياسر هذه القصة .. تعج بالكثير من تفاصيل يومية يعيشها الكثيرين بغالبيتها..
تضمنت جزالة في التعبير و رصانة في الوصف ..

لكن لن أخفيك
هذه المرة لم يَرُقني العنوان نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة .. ربما كان يجدر بك أن تختار عنوان أكثر عمقا .


مودتي .



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 06-25-2013, 05:51 PM
المشاركة 5
آية أحمد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
جميل كعادتك يا أستاذ ياسر وأنت ترسم المسار السردي لقصتك
بكل تؤدّة وحرص على ترتيب الأفكار رغم أنها في الأخير
تبقى قيد التأويل، كما هو الحال مع هذه الحديقة التي تحمل
أكثر من دلالة سيميائية، ففي البداية يصوّر لنا القاص حالة البطل
في البيت ثم في الشارع بكثير من الدقة ليخلص في النهاية
إلى الحديقة التي تجعلنا مباشرة نفهم أنها موطن الراحة
الذي كان في عجلة من أمره للوصول إليه، ليشير بعد ذلك
ومن خلال الحديقة أيضا إلى أمر سياسي متعلق بالدولة
حين يقول:" وتساءل إن كان بلده تجاوز عقدة الاختلاط"
حيث وظف الحديقة ليعبر بصورة إيحائية عن قضية أخرى
وإن بطريقة عابرة، ليأتي دور الحسناء التي ترتاد الحديقة كما
يرتادها هو عشقا وهياما بها، فتنفتح أمامنا أبواب أخرى للتأويلات
حول الغموض الذي يلف هذه اليافعة ووجودها في الحديقة
وقبولها مجالسة الغرباء وغزلهم، فيجعلنا نحمل تصوّرا آخر
عن هذه الحديقة... أهي وكر للمنكرات أيضا، وما تلك اليافعة
إلا واحدة من أولئك اللاتي تستغل نقاء الحديقة لتصطاد فرائسها
من هناك... أم أنها مجرد امرأة تبتغي اصطياد رجل يكون لها زوجا
وكفى، فتكون الحديقة بذلك فضاء آخر للتعارف واللقيا وبالتالي
تأخذ دورا جديدا في تقريب القلوب وربما الانتهاء بالزواج.
ثم وبعودته السريعة إلى البيت حاملا هموم الذكريات
ثم قول القاص "...وقد نال التي يبغي"، نفهم شيئا من ماضيه
الذي كان يقضيه على كراسيها يغازل هته وتلك قبل أن ينال
التي يبغي من هناك...

رائع كعادتك أستاذ ياسر في حَبْك القصة وجعلها
مفتوحة على عديد القراءات، وقد وفّقت في اختيار
العنوان لأنه كان محور السبك كله...

قديم 06-25-2013, 06:05 PM
المشاركة 6
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جميل كعادتك يا أستاذ ياسر وأنت ترسم المسار السردي لقصتك
بكل تؤدّة وحرص على ترتيب الأفكار رغم أنها في الأخير
تبقى قيد التأويل، كما هو الحال مع هذه الحديقة التي تحمل
أكثر من دلالة سيميائية، ففي البداية يصوّر لنا القاص حالة البطل
في البيت ثم في الشارع بكثير من الدقة ليخلص في النهاية
إلى الحديقة التي تجعلنا مباشرة نفهم أنها موطن الراحة
الذي كان في عجلة من أمره للوصول إليه، ليشير بعد ذلك
ومن خلال الحديقة أيضا إلى أمر سياسي متعلق بالدولة
حين يقول:" وتساءل إن كان بلده تجاوز عقدة الاختلاط"
حيث وظف الحديقة ليعبر بصورة إيحائية عن قضية أخرى
وإن بطريقة عابرة، ليأتي دور الحسناء التي ترتاد الحديقة كما
يرتادها هو عشقا وهياما بها، فتنفتح أمامنا أبواب أخرى للتأويلات
حول الغموض الذي يلف هذه اليافعة ووجودها في الحديقة
وقبولها مجالسة الغرباء وغزلهم، فيجعلنا نحمل تصوّرا آخر
عن هذه الحديقة... أهي وكر للمنكرات أيضا، وما تلك اليافعة
إلا واحدة من أولئك اللاتي تستغل نقاء الحديقة لتصطاد فرائسها
من هناك... أم أنها مجرد امرأة تبتغي اصطياد رجل يكون لها زوجا
وكفى، فتكون الحديقة بذلك فضاء آخر للتعارف واللقيا وبالتالي
تأخذ دورا جديدا في تقريب القلوب وربما الانتهاء بالزواج.
ثم وبعودته السريعة إلى البيت حاملا هموم الذكريات
ثم قول القاص "...وقد نال التي يبغي"، نفهم شيئا من ماضيه
الذي كان يقضيه على كراسيها يغازل هته وتلك قبل أن ينال
التي يبغي من هناك...

رائع كعادتك أستاذ ياسر في حَبْك القصة وجعلها
مفتوحة على عديد القراءات، وقد وفّقت في اختيار
العنوان لأنه كان محور السبك كله...


كدت أقتنع بالعنوان يا آية .. ( هههههه راودتني فكرة بأنكِ غلبتيني في تضمينك للمعاني المرافقة للعنوان نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة و أنا عنيدة جدا للعلم )
لكن رغم ما سلف وذكرتيه من إيحاءات مباشرة متعلقة في الحديقة ، أرى أنا أن من باب أولى أن استخدم مفهوم آخر أكثر شمولا يعبر به عن فحوى النص .

و الإختلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية .. نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


ياسر و آية .. شكرا لكما و لحضوركما اللائق ..

و لكما من قلبي ألفي ياسمينة ..



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 06-25-2013, 06:46 PM
المشاركة 7
آية أحمد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي

كدت أقتنع بالعنوان يا آية .. ( هههههه راودتني فكرة بأنكِ غلبتيني في تضمينك للمعاني المرافقة للعنوان نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة و أنا عنيدة جدا للعلم )
لكن رغم ما سلف وذكرتيه من إيحاءات مباشرة متعلقة في الحديقة ، أرى أنا أن من باب أولى أن استخدم مفهوم آخر أكثر شمولا يعبر به عن فحوى النص .

و الإختلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية .. نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


ياسر و آية .. شكرا لكما و لحضوركما اللائق ..

و لكما من قلبي ألفي ياسمينة ..
حبيبتي ما تسمينه اختلافا في الرّأي له مصطلح نقدي
جُعل خصيصا لأجله ألا وهو "تعدد القراءات"، فما قصدتُه ليس
ردّا عليك وإنما هو قراءة أولى لقراءات لا تعدّ ولا تحصى
لهذا النص المفتوح على التأويل كما قلت آنفا، وهذا ديدن المنهج
السيميائي إذا اتخذه القارئ منهجا في قراءته، وهو منهجي الأثير...
ولك أن تجودي بقراءتك، ولكن دون تدخّل في عمل الكاتب، لأن عمله
قد انتهى بمجرد وضعه نقطة النهاية، وجاء الآن دور القارئ كفاعل
وكاتب جديد لا يقل أهمية عن كاتب النص الأصلي، لينطلق من حيث انتهى
هو، لا ليعارضه ويعترض عليه، بل بإمكانه أن ينتج نصا جديدا من خلال قراءته
تفوق نص الكاتب بعينه إذا كان متمكنا، وهذا ما طرحته نظرية القراءة...
وطبعا للأستاذ ياسر كلمته في الرد إذا شاء كقارئ لنصه، لا ككاتب...

لك مني عاطر الأمنيات...

قديم 06-26-2013, 02:12 PM
المشاركة 8
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


جميل هذا التفاعل مع هذا النص ، كما هو معلوم فميزة المنابر هي هذا الإغناء المثمر للنصوص ، هذا التكريم و التوشيح للكتابات ، هذا الإثراء الفعال الذي يخرج النص من تلك النظرة الضيقة إلى آفاق القراءات ، سواء كانت انطباعية تستند إلى الذائقة الأدبية أو ميالة إلى العلمية و التعمق في دراسة النص .

الشكر الجزيل للأستاذتين صفاء
و آية
تقديري لمجهوديكما .



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الحديقة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الحديقة البيئية في دمشق ريم بدر الدين منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 4 08-18-2010 05:07 AM

الساعة الآن 12:39 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.