احصائيات

الردود
0

المشاهدات
990
 
بختي ضيف الله
من آل منابر ثقافية

بختي ضيف الله is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
118

+التقييم
0.10

تاريخ التسجيل
Dec 2020

الاقامة

رقم العضوية
16456
12-30-2020, 11:40 PM
المشاركة 1
12-30-2020, 11:40 PM
المشاركة 1
افتراضي قصة قصيرة: مفاتيح و أبواب المدينة القديمة (4)
لم يستطع النوم رغم ما أصابه من تعب من عمله اليومي الشاق، ومن البحث عن حقيقة اقتراب العودة. كم كان في ترقب دائم، ينتظر خبرا أو إشارة تأذن له ومن معه أن أدخلوا الأرض المقدسة بسلام آمنين.
أشفق عليه ابنه، وأدخله إلى الخيمة خوفا أن يتجمد، فالليلة كانت باردة جدا:
-يا أبي ..لم يحن الرحيل بعد ..أراك أكثر شوقا مني ..أليس كذلك؟..تعال ..نم ..فأنت متعب..
-(وهو مبتسم، وعيناه يسلبهما النعاس): بلى..بلى...هذا صحيح ...
نام نوما عميقا، متوسدا حلمه وانتظاره، لكن ابنه لم ينم له جفن. بقي مستأنسا بمصباحه الزيتي، وقد قرأ وجه أبيه ونبضات قلبه غير المنتظمة. راح يخلّد حلمه في لوحة رائعة، أخذت ليله كله دون كلل أو ملل. لم يفق من سكرة خياله والتواء فرشاته وتقاطعات ألوانه إلا بعد بزوغ الفجر، معلنا ميلاد يوم جديد.
استيقظ أبو صالح، وبعد أن صلى الفجر معه، التفت إليه قائلا:
-بني..إني رأيت حلما جميلا، أسعدت قلبي كثيرا..أرجو أن يكون واقعا في القادم من الأيام..
ابتسم ابنه، ونظر في لوحته نظرة عاشق ولهان، ثم قام وأخذ الفرشاة من جديد، وكتب اسمه، واسم أبيه ، واسم جده، وتاريخ ذلك اليوم، و نام، وعلى وجهه يرتسم الابتسام.
بينما بقي أبو صالح يلاعب أزرار مذياعه، باحثا عن نصف خبر. كانت موجة الإذاعة أكثر وضوحا هذه المرة، كأن المذيعين جالسون بين يديه يحدثونه عن ما جرى؛ هنا فلسطين، هنا الأرض المقدسة.. الآن، يحق لشهيد طوقان أن يتكلم ويسمع من به صمم !.. بيد أنه لم يجد صوت صهيون بين الأصوات السابحة. أعاد البحث عنه، لم يعد له أثر، لا مكان له في الفضاء !
-أبعدكم الله عنا.. لعنة الله عليكم إلى يوم الدين..
المذيع: أيها الفلسطينيون في كل مكان من العالم.. آن لكم أن تعودوا إلى دياركم وأرضكم التي أخرجتم منها بغير حق.. لا مكان اليوم للعدو بينكم، لقد ضاقت به تربتكم الطاهرة بما رحبت.. أدخلوا بسلام آمين.. يا جماهيرنا المنتظرة في المخيمات والشتات..في البلدان العربية و أوربا و أمريكا..
لم ينه المذيع كلامه حتى هرع أبو صالح إلى ابنه..
-استيقظ يا بني ..استيقظ ..لقد تحقق الحلم ..نعم ..لقد تحقق الحلم..الحمد لله..الحمد لله..
قبل منتصف النهار، طويا الخيمة المتهالكة التي حمتهم طويلا، واستعدا للعودة كما فعل كل فلسطيني. أخرج أبو صالح مفتاح البيت من صندوق خشبي كبير، مرددا:
-ها قد حانت عودتنا يا جدي وجدتي، سأوصل كلماتكما وكلمات من سبقوكما إلى كل الأجيال..
ثم أعاده إليه دون أن يغلقه حتى يتلمسه من حين إلى حين ولتكتحل به عيناه وتشفى من رمد الغياب. لم ينس سلاح جده الذي قاتل به العدو مع عبد القدر الحسيني.
لف ابنه لوحاته في قطعة قماش كبيرة، وشدها بحبل متين. وقد وثق عليها جزء كبيرة من تاريخ فلسطين. بكى طويلا حين تذكر أمه التي غادرت الحياة وقد كانت تتمنى أن تزوجه بمقدسية، وأن تموت على أرض أجدادها، لترى شجرة الزيتون الكبيرة التي كان بنو عمومتها يتحدثون عنها و عن خيراتها؛ كانت مباركة جامعة للقبيلة و القبائل الأخرى، تقضى تحتها الحوائج. تذكر ابن عمه الذي كان كاتبا موثقا، مستمعا جليسا لكثير من المؤرخين و الأدباء، يكتب كل معلومة عن الأرض، عن شعابها و وديانها، سهولها وهضابها. كان صاحب مكتبة كبيرة، يجمع تاريخ فلسطين القديم والحديث وخرائط قديمة لأهم الأماكن قبل أن يطمس وجهها العدو.
في الطريق، سأله ابنه (والفرحة تملأ صدره):
-كيف سنجد أرضنا يا ترى؟
رد عليه:أكيد.. كما رسمتها لوحاتك الرائعة..يا بني..ستراها قريبا..لا يمكن أن يخطئ خيالك الواسع ..ههه..
نادى أحد المرافقين:
-ها نحن دخلنا أرض فلسطين المباركة..الحمد لله..الحمد لله..
بدأ الجميع في التكبير والحمد: الله أكبر..الله أكبر..الحمد لله..الحمد لله..
وانتشروا في الأرض، كعطشى باحثين عن الماء في يوم شديد الحرارة، كل منهم يبحث عن رائحة جده كما يفعل أبو صالح؛ إذ أخرج خريطة قديمة من حقيبته، وتفقد المفتاح البيت القديم ليفتح باب الشوق، بينما كان الابن يجري خلفه يحاول أن يهدئ من حالته الهستيرية، جرى في كل ناحية، لكنه لم يجد أثرا للجد وبيته، كأن الأرض لم تعد هي الأرض.
وهو في حيرة من أمره، والحزن يعصر قلبه؛ كيف له أن ينتظر كل ذلك الانتظار المضني.. فجأة وقف ابن أخيه الكاتب بين يديه، والتعب باد على وجهه، ففرح هو وابنه فرحا شديدا، لم يرياه منذ أن مات أبوه فغادر المخيم رفقة أمه ليستقر عند أخواله في إحدى المخيمات البعيدة. جاء هو أيضا يبحث عن الجد. خفف عنه بعضا من الحزن. وتبادل معه أطراف الحديث، سائلا عن سر غيابه الطويل.
-بحثت عنك في كل مكان يا عمي، ما تركت مخيما إلا وسألت عنك..لم أكن أعلم أنك رحلت ..الحمد لله إني وجدتك..سأبحث أنا أيضا عن أثرنا..
أخرج هو أيضا كل ما لديه من كتب وخرائط قديمة وحديثة، مدققا ومقارنا، لكن دون جدوى...

....يتبعنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


الكلمةُ الطيّبةُ صَدقَة

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قصة قصيرة: مفاتيح و أبواب المدينة القديمة (4)
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قصة قصيرة: مفاتيح و أبواب المدينة القديمة (كاملة) بختي ضيف الله منبر القصص والروايات والمسرح . 4 01-14-2021 10:32 PM
قصة قصيرة: مفاتيح و أبواب المدينة القديمة (2) بختي ضيف الله منبر القصص والروايات والمسرح . 2 01-03-2021 08:24 PM
قصة قصيرة: مفاتيح و أبواب المدينة القديمة (5) بختي ضيف الله منبر القصص والروايات والمسرح . 0 01-01-2021 02:03 AM
قصة قصيرة: مفاتيح و أبواب المدينة القديمة (1) بختي ضيف الله منبر القصص والروايات والمسرح . 5 12-30-2020 05:05 PM
قصة قصيرة: مفاتيح و أبواب المدينة القديمة (3) بختي ضيف الله منبر القصص والروايات والمسرح . 0 12-29-2020 09:39 PM

الساعة الآن 11:36 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.