احصائيات

الردود
10

المشاهدات
7979
 
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة

زهراء الامير is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
326

+التقييم
0.07

تاريخ التسجيل
Apr 2012

الاقامة
عبـق الكنانة

رقم العضوية
11083
05-05-2012, 11:50 AM
المشاركة 1
05-05-2012, 11:50 AM
المشاركة 1
افتراضي مكسيمـ غوركي : إنــه عالـمـ كامل !!
سليل نوفجراد المُرّة


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة




يا قرائي الأعزاء, إن هذا ليس شيئاً من الماضي البعيد! أنتم مولعون بالحوادث المرعبة, وتستلذون قراءة روايات الرعب, ولا تنفرون من أن تدغدغ أحاسيسكم النزوات المعذبة. ولكنني عرفت أهوالاً حقيقة, أهوال الحياة اليومية , وأعرف أن من حقي أن أدغدغ مشاعركم, وأثير فيها الخوف, بأن أروي عليكم, هذه الأهوال بحيث تعرفون حق المعرفة
أين تعيشون, وكيف تعيشون؟

أنا مغرم بحب المخلوقات البشرية, وأرفض أن أكدر إنساناً , وأرى أنه لا ينبغي علينا أن نكون عاطفيين, أو أن نخفي الحقيقة الأليمة وراء عبارات زائفة خداعة. يجب أن نقف في صف الحياة, وأقرب ما يكون إليها, وينبغي أن نهرق فيها كل ما في قلوبنا وأذهاننا من خير و سمو إنساني .

مكسيم غوركي


قديم 05-05-2012, 11:53 AM
المشاركة 2
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


أليكسي مكسيموفيتش بيشكوف
بالروسية Алексей Максимович Пешков
ويعرف بمكسيم غوركي Максим Горький,

آخر الأدباء الروس الكبار من الواقعيين والذي تعكس أعماله الأدبية المبكرة فلسفته الشيوعية وهو يصف الفقر المدقع الذي تعاني منه الطبقات الدنيا . ناشط سياسي ماركسي, ومؤسس مدرسة الواقعية الاجتماعية, التي تجسد النظرة الماركسية للأدب, حيث يرى أن الأدب مبني على النشاط الاقتصادي في نشأته ونموه وتطوره، وأنه يؤثر في المجتمع بقوته الخاصة، لذلك ينبغي توظيفه في خدمة المجتمع.

تعنى كلمة غوركى باللغة الروسية "المر" وقد اختارها الكاتب لقباً مستعاراً له من واقع المرارة التى كان يعانى منها الشعب الروسى تحت الحكم القيصري والتى شاهدها بعينه خلال المسيرة الطويلة التى قطعها بحثا عن القوت ، وقد انعكس هذا الواقع المرير بشكل واضح على كتاباته وبشكل خاص في رائعته "الأم". يقول عن نفسه:" إني مغرم بالمآسي مولع أشد الولع بتصوير الألم البشرى لا لأني أكره الحياة، بل لأني على النقيض أحبها حباً شديدا وأرى في الألم نبضها المختلج وقوتها الدافقة ونارها المنعشة المطهرة."


ولد في نجني نوفجراد عام 1868 ، وأصبح يتيم الأب والأم وهو في التاسعة من عمره، فتولت جدته تربيته, وكان لهذه الجدة أسلوب قصصي ممتاز، مما صقل مواهبه القصصية. وبعد وفاة جدته تأثر لذلك تأثرأ كبيراً مما جعله يحاول الانتحار. جاس بعد ذلك على قدميه في أنحاء الإمبراطورية الروسية. لم يتعلم في المدارس، ولم يتثقف، ولم يأكل يوما كفايته ليشبع، غير أن صدق إيمانه، وعمق إحساسه بمواهبه دفعه إلى احتمال الألم في صبر وإلى عشق المجاهدة في عناد وإلى التنقل من مهنة لأخرى، سافر بعد ذلك على قدميه خلال الإمبراطورية الروسية، لمدة خمس سنوات غير خلالها عمله عدة مرات، عسى أن يجد مهنة توفر له ولو بضع ساعات ينفقها في المطالعة والتثقف فعمل إسكافيا، بستانياً، طباخاً، رسام أيقونات مقدسة، خبازاً، نجاراً، بائعاً متجولاً، حمالاً في الموانئ، مراقباً لحواجز القطارات.مما سهل له مخالطة كل الأوساط، وتشربت روحه بروح الشعب وغرست فيه معاناته هذه حب الثورة على الظلم والقهر والصعاب، فانتقد ظلم لينين وتروسكى رغم إنهما كانا من رموز الثورة، مما كان سببا لوفاته مسموما في موسكو.

اهتم بالأدب إلى جانب العمل الشاق، نشر أول قصة له في صحيفة محلية في مدينة " تفليس " حيث كان يعمل شغالاً في ورشات العمل المجاورة لخطوط السكك الحديد، ومن هناك كانت بداية مضماره في الكتابة الأدبية حيث مسرحياته ورواياته الطامحة إلى إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية في وطنه.


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

كان صديقاً لـ لينين الذي التقاه عام 1905 م .لكنه انتقد بعد ذلك ثورة أكتوبر, وكتب بعدها أن لينين وتروسكي ليست لديهما أي فكرة عن الحرية وحقوق الانسان, مما جعل لينين يرسل له رسالة يهدده فيها بالقتل ما لم يغير من تصرفاته المضادة للثورة. وفي عام 1934 م وضعه ستالين تحت الإقامة الجبرية في منزله في موسكو، وكان يزود خلالها بطبعة خاصة من صحيفة برافدا بحيث لا تحتوي على أخبار التصفيات والاعتقالات.

هناك قصة هي صاحبة الفضل في الإنتشار والشهرة التي حظي بها غوركي وهي رواية "الأم" التي لم تكد تظهر حتى اعتبر غوركي رائد الأدب الثوري الشعبي الإنساني في روسيا والعالم كله، فقد ذاق كاتبها مختلف صور البؤس والألم الذي مر بها الشعب لكنه لم يسلم بأن العذاب هو القدر المكتوب على الفقير، فأدرك أن النظام الطبقي الذي لا يرحم الفقير بل يستغله، والذي لا يعاونه على الحياة الكريمة بل يدوسه ويسحقه وعبر عن ذلك في الكثير من قصصه ورواياته.

فقرر أن يثور على النظام، وثار على القيصر الذي يمثل هذا النظام، وعلى سلطة الأشراف و الإقطاعيين ورجال المال التي تسنده، ولم يكن ثائراً ومتمرداً فحسب،بل أراد أن يبدع أدباً جديداً شعبياً ثورياً يعبر عن ألوان المعاناة التي يذوقها الشعب ويثور على صور الظلم، فحمل هذه القصة " الأم " كل تلك الصور والتي رسم فيها يقظة الجيل الروسي القديم المعذب المضطهد، في تعطشه العميق للحق والعدل والحرية وكيف أن يقظة هذا الجيل القديم الذي ذاق ألوان العذاب،ألهبت في الجيل الصاعد إرادة المجالده والكفاح.


توفي في 18 يناير 1936م في موسكو, وسط شكوك بأنه مات مسموماً. سميت مدينة نجني نوفجراد التي ولد فيها باسمه "غوركي" منذ عام 1932م . هذه قراءة لبعض أعمال أليكسي مكسيموفيتش بيشكوف, منها ثلاثيته الشهيره ورواية الأم.
لقراءة وتحميل بعض أعماله
طفولتي


يتبــع

قديم 05-05-2012, 11:54 AM
المشاركة 3
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي
طفولتي


" في طفولتي أصور نفسي كخلية نحل, وضع فيها مختلف الأشخاص البسطاء العاديين مثلما النحل عسل معارفهم وأفكارهم عن الحياة. وأثروا روحي بسخاء, كل بما استطاع . وكثيراً ما كان هذا العسل قذراً مراً,
ولكن كل معرفة هي مع ذلك عسل "


طفولتي - مكسيم غوركي



عندما كتب مكسيم غوركي ثلاثيته الشهيرة التي تحكي سيرته منذ الطفولة, كان يقصد الدعوة للنهوض بالمجتمع الروسي, وبالأخص طبقة المجتمع الفقيرة المعدمة , التي تعيش مآسي وصراعات لا تحتمل , حتى أصبح الروس المجبرين على حياة فقيرة فارغة, يفتشون عن تسلية لهم في الحزن نفسه, فيلعبون به كالأطفال, ولا يحسون بالخجل من مصائبهم إلا في القليل النادر. وحين تكون الحياة رتيبة يسمي الحزن نفسه عيداً وحدثاً مرحباً بهما! وحتى الحريق يصير تسلية لذيذة. وكذلك الجرح البسيط في وجه فارغ من كل معنى يضحى زينة جميلة رائعة. في كل بيت من طبقات هذا المجتمع كان يوجد " إنسان " يسقط وينهار ويتعذب . القيم العائلية منهارة, الفقر أجبر أطفال في عمر الزهور للعمل في تجميع الخشب من أجل كسب القوت اليومي. الضرب هو الوسيلة الوحيدة للتربية, ولأتفه الأسباب. بل حتى الصراعات الدينية تضرب في صدور هذا المجتمع, وهذا الإنسان الذي يتعذب . بالرغم من تشابه أغلب القصص التي تُحكى في هذه الثلاثية , إلا انها جميعاً تتشابه بصورة غريبة جداً, موضوعها الآلام البشرية والذل والهوان, وفي كل منهما انسان يتعذب .

لم يركز مكسيم في كتابته للرواية على حال الفرد الروسي, بل كان التركيز مركزاً باتجاه المجتمع الذي كان يحلم به مكسيم أن يتخلص من هذا الجنون. والقيام بنهضة إجتماعية تحفظ كيان الإنسان ومركزه وكرامته في هذا المجتمع. يقول مكسيم بين ثنايا " طفولتي " الجزء الأول من سيرته :

" حين أذكر شناعات تلك الحياة الروسية الهمجية أتساءل أحياناً أكانت تستحق المرء أن يتحدث عنها ؟ لكنني اقتنعت بعد التفكير أن من الواجب أن أعرضها , لأنها تشكل الحقيقة الشريرة الدنيئة التي لم تستأصل شأفتها بعد حتى اليوم الحاضر .. انها تمثل حقيقة يجب معرفتها حتى أعمق جذورها , كي ننتزعها بعد ذلك من حياتنا الكئيبة الملطخة بالعار , ننتزعها من صميم نفس الإنسان وذاكرته .

لكن هناك سبباً اخر , أكثر رضى , يدفعني إلى وصف هذه الاهوال المقيته . بالرغم من بشاعتها , وبالرغم من الطريقة التي تشوه بها ما كان يمكن أن يكون في نفوسنا رائعة دون ذلك . إن الإنسان الروسي يملك من الفتوة وسلامة الفكر ما يكفي كي يبيد مثل هذه الأشياء ... إن حياتنا لرائعة , ليس لأنها نمت في تربة خصبة من الحيوانية فحسب . بل لما يتضوأ وراءها من قوى خلاقة براقة وصحية . وإن اثر الخير ليتضاعف , وإن شعبنا سوف يستيقظ أخيراً إلى حياة ملأى بالجمال , مشعشة بالإنسانية "

التصوير الفني في الرواية ,موسيقى حزينة واقعية أساسها البؤس والحزن. لم يرسم مكسيم من خياله شخصيات خيالية , كل شخصية تحمل الطيبة والنقاء , وشخصية أخرى الشر مزروع في أحشائها . بل كان يكتب شخصيات عاشها وتعامل معها أقسى سنوات أيامه عذاباً . فالجد الذي لم يرحم مكسيم , وكان شريراً ,كان طيباً بعض الأحيان , ويتحول لطفل وديع بسبب تأثره بذكرياته القديمة .كل شخص في شخصيات حياة مكسيم كان يحمل الطيب من جهة , والشر من جهة آخرى .


بعد الإغفاءة الاخيرة لوالد أليوشا بشكوف - بطل السيرة والروائي نفسه - بسبب مرض الكوليرا الذي ضرب روسيا تلك الفترة , ومشاهدته لدموع الرجال التي لم يشاهدها وهو في عمر الأطفال, ينتقل مع والدته فاريوشا, وجدته أكولينا إيفانوفنا إلى مدينة نيجنئ المعروفة بمدينة الكنائس. للعيش في كنف عائلة والدته. وفي هذه المدينة, وفي جو هذه العائلة المثيرة تدور سيرة أليوشا المليئة بالقهر والحزن والبؤس. عندما يصل أليوشا للعيش في كنف هذه العائلة وهو طفل يتفاجئ بجو العائلة القائم على الصراعات بين أفراد العائلة الواحدة. لا رحمة ولا ترابط بينهم ,ولا علاقة صحية قائمة بينهم, التفكك الأسري والصراعات على أموال الأب الحي هي القائمة منذ وصول أليوشا للمنزل. صراعات الخال ميخائيل الذي يوصف بالسيرة بالمنافق الكبير, والخال ياكوف الكافر الجبان كما يصفه الجد هي البداية لدخول الطفل اليتيم في صراعات العائلة, التي تمثل العائلة الروسية الفقيرة في العهد القصيري.

الجد وهو إحدى شخصيات السيرة بالإمكان تصوره أنه مجنون طائش. وسيلته في الإدارة هي العقاب الجماعي, ضرب الأطفال والرجال, بل حتى النساء. ولا يمكن صبغة صفة الشر على الجد بصورة مطلقة, فهو رغم جنونه وتعطشه للضرب, إلا أنه يتحول لطفل وديع حين يسترجع ذكرياته مع زوجته ,والعذابات التي قاساها في حياته . يقول مكسيم بما معناه أنهما كانا دائماً ينسيان وجوده عندما يسترجعون ذكرياتهم , حتى يلوح لي أنهما ينشدان أغنية شجية, لكنها حزينة في الغالب, موضوعها النار, والامراض والمصائب والإعتداء على الناس بالضرب, والموت المفاجئ, واللصوص الأذكياء, والنبلاء المرتزقة, والمتسولون المتعددون . يبقى التذكير بأن الجد كان يعطف على أليوشا بعض الأحيان, ويحبه في لحظة صفاء, حتى قال لـ أليوشا ينصحه " ستبقى وحيداً, أفاهم أنت.. تظل وحيداً تدبر أمور نفسك بنفسك . تعلم أن تعتني بنفسك, وإياك أن تنحني للغير ! عش هادئاً مسالماً, لكن كن عنيداً, وامض في طريقك الخاصة دون خوف او وجل.. واصغ للجميع, لكن افعل ما تعتقد أنه الافضل "

الجدة وهي الشخصية الثانية في السيرة تحمل الطيبة والنقاء والعطف على هذا الطفل اليتيم, وهي في نفس الوقت, تقع في المتاعب وتدمن الشرب بسبب الصراعات والقلق لـ إعتمادها بعد فترة من حياتها على العيش من رزق يديها, بعد الإنفصال المالي بين الزوج وزوجته . تصور مكسيم لجدته انها تمثل العذراء في حبها له وعطفها عليه. هي الي تدافع عنه تحت سياط الجد, و صراعات العائلة. تحكي له القصص, وأعتقد ان مكسيم استفاد من الروح القصصية التي كانت تقولها له جدته. فبعض القصص التي ذكرها في ثنايا السيرة لا يمكن القول إلا أنها رائعة جداً, خصوصاً قصة إيفان المحارب وفيرون الراهب.

تنتهي السيرة الأولى من الثلاثية بوفاة والدة مكسيم بعد فترة من زواج ثاني, وبقول الجد لـ أليوشا " ليس لك مكان بعد اليوم هنا.. فقد آن لك أن تخرج إلى ما بين الناس لكسب القوت " . وهكذا خرج أليوشا إلى ما بين الناس .وهي الجزء الثاني من سيرة المؤلف اليتيم أليكسي مكسيموفيتش بيشكوف.

قديم 05-05-2012, 11:55 AM
المشاركة 4
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي

ما أكثر ما تتحول الغبطة الروسية بطريقة مفاجئة وسريعة إلى مأساة وحشية. تأكدت بأن الحزن أقرب إلى قلوب العمال من الفرح. لم تكن الغبطة تعمر طويلاً, ولم تكن قيمتها تنبع من كونها غبطة, بل نحن نحصل عليها بعد جهد باعتبارها ترياقاً ضد أوجاع القلب الروسي. لم يكن هنالك شيء معول عليه بالنسبة إلى هذه التسليات التي لم تكن لها حياة خاصة بها, أو رغبة بها , ولكنها تنبعث لإضاءة أيامنا الموحشة.


الحظ السعيد وحده هو الذي حال بيني وبين إيذاء نفسي حتى الموت, أو إصابتها بأي مرض حتى نهاية أيامي على الأرض. فليس من شيء يجهز على الإنسان أكثر من الرضوخ للقوى المتفوقة المتسلطة. وإذا عدت أخيراً إلى الأرض وقد تناوشتني العلل, فلسوف يكون في مقدوري أن أقول قبل موتي, على أقل تقدير, وفي شيء من الفخر, أني ضللت طوال أربعين عاماً صخرة صلدة في وجه جميع الجهود العنيدة للناس الذين شاؤوا أن يضللوا روحي ويدمروها.


مكسيم غوركي - بين الناس

قديم 05-05-2012, 11:55 AM
المشاركة 5
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي
بين الناس


كم من أناس بسطاء ولطفاء, وحيدين لفظتهم الحياة, التقيت بهم في السنوات التالية.ومما يبعث الذعر في نفسي أن أتذكر كم من الأشخاص الرائعين قضوا دونما أية غاية حسنة خلال هذه السنوات.


مكسيم غوركي - بين الناس



بين الناس .. الجزء الثاني من ثلاثية مكسيم غوركي التي تحكي سيرة حياته. بعد وفاة والده و والدته, وتشرد العائلة في بيت الجد, يرحل أليوشا من البيت , ويقتحم عالم الحياة الروسية الفقيرة, عالم العمال الذين يبحثون عن الفرح بين ثنايا الحزن.. كيف ستكون رحلة أليوشا الصبي ذو العشر سنوات في عالم الكبار, وبين الناس والمجتمع الذي لا يعرف شيئاً عنه؟


لم يكن البؤس والفقر أرحم مقارنة بحياته الأولى في بيت العائلة. في بيت العائلة الذي ارتحل عنه كان يتكلم مع جدته التي تعطف عليه متى ما أراد ذلك. كانت تحكي له قصص يسمعها منها الكبير قبل الصغير, وتعلمه أسس الإيمان الذي يجب أن يتحلى بها المواطن الروسي العادي. لكن الآن, وبين الناس, لن يجد من يتحدث إليه , أو يفرح معه , أو يشتكي إليه فقر الحال, مما ولد في قلبه شعور الحنين إلى الجده وأبناء الخال.

عمل طاهياً في أولى مراحل حياته, ولم يتم أيام قليلة في المنزل الذي يعمل فيه حتى أحترقت يداه, ودخل المستشفى وهو صغير , بعد أن ترك الحساء يغلي فترة طويلة دون أن ينتبه لدرجة غليانه. ثم انتقل بعد ذلك يعمل في بيت أخت جدته, كخادمة , ينظف الأواني النحاسية , ويمسح أرض المطبخ, ويغسل الصحون, ويتسوق لشراء حاجيات المنزل. هذه الفترة من حياة مكسيم جعلته يصادف أغلب أنواع البشر على مختلف اتجاهاتهم. لم يصادف الاستغلاليين , والمتوحشين ذوي القلوب السوداء أمثال معلمته وحسب , بل قابل الأناس الطيبون كذلك, وأحبهم , لكن لم يعلم أن أغلب من أحبهم إما خذلوه في حياته, و إما ماتوا بالقرب منه, لا يفصل بينه وبينهم إلا مسافة قليلة جداً. لم يتحمل مكسيم هذا الجو القائم على شتى أنواع العمل الشاق , كصبي في العاشرة من العمر يقوم بكل واجبات المنزل. بل والأكثر تحطيم احلامه بأن يكون رساماً في يوماً ما. فالمعلمة كما يصفها اليوشا ضربته باللوحة التي يرسم عليها .وتقفز علواً و هبوطاً عليه, مما أفقده الوعي. يقول أليوشا عن فترة حياه في هذا البيت بما معناه أني كنت لا أرى فيما حولي إلا الشر الذي لا يعرف الشفقة .

ها أنا ذا أجلس من جديد
على أرض الطابق العلوي الكبير

أقص قطعاً من الورق
وأذوب قطعاً من قصدير

أتمنى لو كنت كلباً
بحيث أستطيع الفرار

هنا يخاطبني الجميع قائلين :
اخرس , أيها المغفل
وتعلم كيف تطيع الكبار

قديم 05-05-2012, 11:56 AM
المشاركة 6
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي


هرب أليوشا من هذا المنزل, ليعيش بين الشوارع والأرصفة, يقتات من حسنات الحمالين في المرفأ, وفي هذه المرحلة دخل أليوشا رحلة العمل الثالثة في حياته, انضم إلى مركب يسمى " الدوبري " ليعمل هناك غسالاً للصحون. إن فكرة العمل على سطح مركب يوجد فيه عدد هائل من كبار السن يعطي فكرة عن تشكل رؤية مكسيم تجاه العمل والحياة والدين والقيم الإنسانية. كان يدخل في حوارات جانبية مع بعض العمال المختلفين في درجة معاملتهم له عن الحياة و وجود الله , ومدى أهمية الإيمان في قلب الإنسان. كانت بعض الأراء مرعبة له, ولم يتقبلها عقله, ولكن لم يجد إجابات لبعض الاسئلة التي كانت تطرح بين الكبار. مما أوقعه في حيرة من أمره. و كان هناك بعض ممن اتجه لهم يستمع لـ أرائهم في أمور الحياة والدين . مما جعله يتعرض للصدمة بسبب فكرة " أن الإنسان هو العدو الألد للإنسان"
لا داعي لذكر ما كان يحدث داخل هذا المركب, فالشقاء والعمل الكثير لم يكن بأقل مما كان أو يتوقعه مكسيم, فالضرب والدخول في مشاجرات, والإستماع إلى قصص البحارة وما عانوه هو خط رئيسي في هذه الرحلة . كل قصة يسمعها أليوشا كانت محفورة في ذاكرته . وتعطي خلاصة له عن قيمة دينية أو إجتماعية مفقودة يفتقدها المجتمع الروسي في العهد القيصري.


ترك أليوشا العمل على سطح المركب وتنقل بين عدة أعمال مختلفة , فتارة يعمل في محل لصنع التماثيل الدينية , وتارة يعود لبيت أخت جدته للعمل من جديد كخادمة للمنزل, ومربياً للأطفال . وأخيراً يعمل مراقباً في مدينة تائهة يراقب العمال وهم يهدمون في كل خريف الدكاكين الحجرية, ويعيدون بناءها كل ربيع.

" رحت افكر وأفكر و أنا أسير, ما أحلى أن أصبح لصاً أسرق من الأغنياء وأعطي الفقراء. ما أروع ان أذهب إلى إله جدتي وعذرائها الطاهرة فأروي لهما الحقيقة كاملة عن حياة التعساء البائسين, وكيف يدفنون بعضهم بعضاً في الرمل المخيف بطريقة مؤذية راعبة, وكم على وجه البسيطة من مؤذيات لا جدوى منها, فإن صدقتني العذراء سألتها أن تمنحني الحكمة الكافية لأبدل هذه الأمور وأجعلها أفضل وأكثر رخاء, أن تجعل الناس يصغون لي ويؤمنون بي "


مقارنة بالجزء الأول - طفولتي - كان هذا الجزء غنياً لمكسيم في مجال تشكل رؤيته في عالم القراءة والتأليف الأدبي وحب القراءة. يتميز مكسيم عن غيره من الأدباء الروس بأن الكتاب لديه صعب المنال . القراءة كانت تعني أن يتخذ مكسيم مكاناً منعزلاً في البيت, بعيداً عن أعين العمال أو سكان البيت, على ضوء بقايا شمعة . كان يعاني وهو في سنه الصغير شوقاً ملحاً للقراءة, فيأخذ أحياناً من رف الأواني المنزلية قدراً نحاسياً يحاول بها أن يعكس ضوء القمر على صفحات كتاباً ما. فيصيبه الفشل , ويزداد الظلام في المكان, فيذهب للقراءة تحت ضوء شموع الأيقونات واقفاً , وحين يتعب ينام في مكانه ويستيقظ على صراغ عجوز المنزل وضربها.

مجرد أن يتم اكتشافه وهو يقرأ يعني تلقي سيل هائل من الشتائم وأسوء أنواع الأوصاف . إن لم تصل للضرب, وقطع الوعود بعدم قراءة بعض الكتب, خصوصاً الدينية منها. فالقراءة شر مستطير ولا سيما عندما يكون الفتى صغيراً حسب وجهة معارضي قراءة مكسيم للكتاب.


" حين أفكر الآن فيما جره علي ولعي المفاجئ المتزايد بالمطالعة من صنوف الحرمان والإذلال والهموم يتنازعني الحزن والفرح في آن واحد .

الذين ساعدوا مكسيم في مجال القراءة إمراءتان. الأولى زوجة الخياط التي تركت في نفسه أثراً عميقاً ..أهدت إليه كتاب من تأليف مونتيبان, بعد أن ذهب إليها محذراً إياها من تصرف الجنود تجاهها. كان أول سطر يقرأه في حياته " البيوت كالبشر, لكل منهما ملامح خاصة ". القراءة الأولى لمكسيم فتحت له مجال لم يكن يحلم به . مكنه الكتاب من الإنتقال لعالم آخر, بأسماء وصلات وشخصيات مختلفة , أبطالاً ونبلاء النفس, وأشراراً تتطابق شخصياتهم مع الذين يعاصرهم في حياته الآنيه. كل مافي الكتب يبعث على الدهشة, إلى درجة أنه فكر بمساعدة بعض أبطال الرواية, ولكن تذكر أخيراً أن من يريد مساعدتهم كانوا على الورق. بينما هو يشاهد بعينه بعض مآسي الكتاب متجسدتاً أمامه تجسيداً حياً, بحيث يصعب مد يد العون, وهو شبيه بمثلهم.

" أثارت الكتب في نفسي شيئاً فشيئاً ثقة لا تتزعزع وهي أني لم أعد وحيداً في هذا العالم وأني سأشق لنفسي درباً في الحياة. كل كتاب جديد كان يبرز بصورة أوضح الفارق بين الحياة الروسية والحياة في البلدان الآخرى, ويبعث الاشمئزاز في نفسي, وفي ذات الوقت يزداد شكي في صحة أقوال هذه الوريقات المهترئة المصفرة ذات الجوانب القذرة "

الملكة مارغو, الشخصية الأكثر تأثيراً في قراءة مكسيم غوركي وهو صبي. تعرف عليها أثناء هروبه من عمله على ظهر مركب نهري في الفولغا. فاتنة ومثقفة جدًا، يقول مكسيم لولاها لم يكن كاتباً أبدًا. فهي التي دلته على الكتب المتنوعة، كانت تنصحه بأن يقرأ كتباً روسية, وأن يطلع على صميم الحياة الروسية. أهدت إليه في البداية كتاب " أسرار سان بطرسبورغ " . مما تكشف لمكسيم الاختلاف الكبير بين هذه المدينة, والمدن التي قرأ عنها كـ مدريد وباريس ولندن. كان يزورها بإنتظام , وكل مرة يزداد حباً له. ويعتبرها ملاكاً مسخرة له, إلا أنه صُدِم عندما رأى هذه الشابة تمارس الحب مع ضابطٍ شاب. "ظننتُ أنها ملاك!" , هكذا كان يقول مكسيم عنها. أهدت إليه في الزيارة الثانية وهي الأهم مجموعة من كتابات شاعر روسيا العظيم الكسندر بوشكين, ومجموعة شعرية للشاعر ليرمنتوف. وحين يذكر بوشكين يجب التذكير بأنه الأب الروحي للشعر والأدب الروسي. كانت قصائد بوشكين في ضمير الشعب الروسي مكان رائع الجمال, كل زاوية فيها تختلف عن الآخرى جمالاً. كان تأثير بوشكين على مكسيم مدوياً حتى أصبحت قصائده من أفضل ما قرأ وأقربه إلى قلبه, إلى درجة أنه حفظ جميع قصائده عن ظهر قلب . يقول غوغول الكاتب الروسي الواقعي الكبير، وصديق بوشكين ومعاصره: "عندما يذكر اسم بوشكين، تتألق في الذهن الفكرة عن شاعر روسي على نطاق الأمة كلها.. إن بوشكين ظاهرة فذة، ولربما، الظاهرة الوحيدة للنفسية الروسية. وفيه تجلت الطبيعة الروسية، والروح الروسية، واللغة الروسية، والخلق الروسي في تلك الدرجة من النقاء والجمال المصفى على عدسة بصرية بارزة".

عندما نريد أن نعرف تأثير بوشكين على مكسيم ,يجب أن نقرأ أشعار بوشكين السياسية والمقطوعات الهجائية المناهضة للتحكم والطغيان، والمدافعة عن حقوق الشعب المداسة وطبقة العمل الفقيرة التي كان يرزح مكسيم تحت سياطها, لكي نعرف أي رجل هذا الذي أحدث دوياً مذهلاً في حياة عدد هائل من الأدباء الكبار أمثال تولستوي و دوستويفسكي و غوغول و مكسيم وغيرهم من الأدباء المعاصرين.

من قصائد بوشكين المفضلة لدي
إن خدعتك الحياة
فلا تحزن ، و لا تغضب !
في اليوم الشجي اهدأ ،
يوم الفرح ، ثق ، لا بد آت !
القلب يحيا في المستقبل ،
فالحاضر كئيب !
كل شيء عابر ، كل شيء سيمضي ،
وما سيمضي – سيصبح أجمل .

ينتهي الجزء الثاني من ثلاثية غوركي , بعزمه الرحيل عن البلدة إلى قازان, ويحدوه أمل خفي في ايجاد وسيلة للتعلم والدراسة .

قديم 05-05-2012, 11:56 AM
المشاركة 7
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي

كل ما كنت أراه حولي في تلك الحياة العملية كان غريباً , في جميع دقائقه, عن فكرة العطف على الإنسان. وكانت الحياة تقدم نفسها لي بصفتها سلسلة متوالية لا حدود لها من العنف والعدوان, وباعتبارها نضالاً مستمراً وغير شريف في سبيل الوصول إلى ما لا قيمة له من الأشياء. لم أكن أرغب في شيء أكثر من الكتب. أما جميع الاشياء الأخرى, فلم تكن بالنسبة إلي, أكثر من أشياء تافهه لا قيمة لها. كان يكفيني أن أجلس ساعة من الزمن في الشارع, إلى جوانب بيتنا, كي أرى جميع أولئك الناس الحوذيين و البوابين, والعمال, والموظفين, والتجار, يعيشون حياتهم بصورة تختلف عن حياتي. وعن حياة الناس الذين أحب, يتحركون بفعل رغبات مختلفة, ويبحثون عن أهداف متغايرة. والناس الذين كنت أحترمهم, الناس الذين كنت أؤمن بهم, كانوا غرباء بصورة تبعث على الدهشة, وحيدين غرباء غير مرغوب فيهم في محيط تسوده أكثرية ساحقة, بين جموع النمل العاملة في مثابرة, في فحش ومكر, لبناء تلة للنمل يسمونها الحياة. بالنسبة إلي كانت تلك الحياة تبدو غريبة مضجرة. لقد انبثقت ضجراً ميتاً, و لطالما كنت أجد أن الناس الذين يتحدثون عن الرحمة والحب لا يفعلون أكثر من إرسال الكلام وأنهم حين يأتون إلى الأفعال فهم يخنعون, من غير أن يشعروا على الإطلاق لمرجى الحياة العام. كان ذلك قاسياً بالنسبة إلي. "


مكسيم غوركي - جامعياتي

قديم 05-05-2012, 11:58 AM
المشاركة 8
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي
جامعياتي


" الإنسان مصدر كل تعليم وعلم, وما يعلمك إياه الناس يأتيك في ألم و قسوة أكثر من تعلمك الكتب. علم الناس جاف مؤلم. ولكن العلم الذي يأتيك على ذلك الشكل هو الذي تبقى جذوره راسخة "


مكسيم غوركي - جامعياتي


جامعياتي .. أو مع الفلاحين . الجزء الثالث والأخير من ثلاثية مكسيم التي تحكي سيرة حياته. اعتماداً على عنوان الجزء , يبدو مكسيم كأنه دخل في مرحلة استقرار مكنته من الدخول للجامعة , ومخالطة أبناء الطبقة المتوسطة, وانتهاء مرحلة الفقر والتشرد. لكن بعض العناوين خداعة , تحمل تأويل آخر غير المرسوم في بداية القراءة. الجامعة التي دخلها مكسيم لم تكن جامعة تضم طلاب في سن معينة. بل جامعة كبيرة, فيها من شتى صور أنواع البشر.. جامعة الحياة, تضم إلى جانب الطلاب كل أنواع البشر من المساكين والمشردين والقتلة والثوار والسياسيين والعاهرات. لأول مرة يخالط جماعة الثوار ويتعرف على أبجديات الثورة, وجماعات ارادة الشعب, بعد استماعه لخطاب " اختلافاتنا " لأحد الثوار. يقرأ كتب عميقة مثل كتاب " هوبز - الدولة الديكتاتورية " و كتاب " الأمير لـ ميكافيللي ". الرؤية السياسية والثقافية تشكلت لديه في هذه المرحلة من اختلاطه مع الناس والتعرف على مآسيهم وأحلامهم. بدأ يستخدم كلماته الخاصة القاسية الثقيلة بدلاً مما كان يقرأ في الكتب. وهي كلمات قادرة على التعبير عن تشوش أفكارة .

هذه المرحلة من حياة مكسيم كانت بائسة كسابقها , ولكنها ثقفته . كانت بائسة جسدياً وأكثر بؤساً أخلاقياً.. فيها ارتحل عن بلدته , وجال خلال الإمبراطورية الروسية، لمدة خمس سنوات غير خلالها عمله عدة مرات، عسى أن يجد مهنة توفر له ولو بضع ساعات ينفقها في المطالعة والتثقف .مما سهل له مخالطة كل الأوساط، وتشربت روحه بروح الشعب وغرست فيه معاناته هذه حب الثورة على الظلم والقهر والصعاب.

أقسى ما في هذه المرحلة كان ابتعاده عن جدته العزيزة ,واتضح له في شيء من مرارة الالم أنه لن يجتمع مرة أخرى بصديق حميم هو جزء من نفسه. في هذه الظروف الغارقة بالبؤس يصل مكسيم إلى أقصى درجات حياته تشاؤماً وغضباً على الحياة, فيقرر الإنتحار والهروب من هذا العالم الذي يتحكم به الأقوياء. وبدلا من أن يصوب باتجاه قلبه ليقتل نفسه, صوب تجاه رئتيه ليعيش ويكتب حياتة ومأساته, التي تحكي سيرة ألوف من الفقراء. يقول مكسيم في أقصى درجاته حزناً بعد وفاة جدته

" أنا لم أذرف شيئاً من دموع ولكنني على ماأذكر بدوت كمن انهمرت فوقة ريح جليدية . أحسست بلهفة طاغية في أن أحدث كائناً من كان عن جدتي, وأن أذكر له مقدار ما كانت عليه من الحكمة والدماثة والرأفة. حملت هذه اللهفة الطاغية في قلبي أمداً طويلاً غير أنه لم يكن هنالك من استطيع أن أحدثة عن هذه الأشياء. فاضمحلت واضمحلت إلى أن انطفأت دون تحقيق . لم أملك حصاناً أحدثه أو كلباً أشكو إليه . واسفت على أنه لم يتح لي أن أبث حزني للجرذان ! "

يتبع لاحقاً

قديم 05-05-2012, 11:59 AM
المشاركة 9
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي
جامعياتي


" الإنسان مصدر كل تعليم وعلم, وما يعلمك إياه الناس يأتيك في ألم و قسوة أكثر من تعلمك الكتب. علم الناس جاف مؤلم. ولكن العلم الذي يأتيك على ذلك الشكل هو الذي تبقى جذوره راسخة "


مكسيم غوركي - جامعياتي


جامعياتي .. أو مع الفلاحين . الجزء الثالث والأخير من ثلاثية مكسيم التي تحكي سيرة حياته. اعتماداً على عنوان الجزء , يبدو مكسيم كأنه دخل في مرحلة استقرار مكنته من الدخول للجامعة , ومخالطة أبناء الطبقة المتوسطة, وانتهاء مرحلة الفقر والتشرد. لكن بعض العناوين خداعة , تحمل تأويل آخر غير المرسوم في بداية القراءة. الجامعة التي دخلها مكسيم لم تكن جامعة تضم طلاب في سن معينة. بل جامعة كبيرة, فيها من شتى صور أنواع البشر.. جامعة الحياة, تضم إلى جانب الطلاب كل أنواع البشر من المساكين والمشردين والقتلة والثوار والسياسيين والعاهرات. لأول مرة يخالط جماعة الثوار ويتعرف على أبجديات الثورة, وجماعات ارادة الشعب, بعد استماعه لخطاب " اختلافاتنا " لأحد الثوار. يقرأ كتب عميقة مثل كتاب " هوبز - الدولة الديكتاتورية " و كتاب " الأمير لـ ميكافيللي ". الرؤية السياسية والثقافية تشكلت لديه في هذه المرحلة من اختلاطه مع الناس والتعرف على مآسيهم وأحلامهم. بدأ يستخدم كلماته الخاصة القاسية الثقيلة بدلاً مما كان يقرأ في الكتب. وهي كلمات قادرة على التعبير عن تشوش أفكارة .

هذه المرحلة من حياة مكسيم كانت بائسة كسابقها , ولكنها ثقفته . كانت بائسة جسدياً وأكثر بؤساً أخلاقياً.. فيها ارتحل عن بلدته , وجال خلال الإمبراطورية الروسية، لمدة خمس سنوات غير خلالها عمله عدة مرات، عسى أن يجد مهنة توفر له ولو بضع ساعات ينفقها في المطالعة والتثقف .مما سهل له مخالطة كل الأوساط، وتشربت روحه بروح الشعب وغرست فيه معاناته هذه حب الثورة على الظلم والقهر والصعاب.

أقسى ما في هذه المرحلة كان ابتعاده عن جدته العزيزة ,واتضح له في شيء من مرارة الالم أنه لن يجتمع مرة أخرى بصديق حميم هو جزء من نفسه. في هذه الظروف الغارقة بالبؤس يصل مكسيم إلى أقصى درجات حياته تشاؤماً وغضباً على الحياة, فيقرر الإنتحار والهروب من هذا العالم الذي يتحكم به الأقوياء. وبدلا من أن يصوب باتجاه قلبه ليقتل نفسه, صوب تجاه رئتيه ليعيش ويكتب حياتة ومأساته, التي تحكي سيرة ألوف من الفقراء. يقول مكسيم في أقصى درجاته حزناً بعد وفاة جدته

" أنا لم أذرف شيئاً من دموع ولكنني على ماأذكر بدوت كمن انهمرت فوقة ريح جليدية . أحسست بلهفة طاغية في أن أحدث كائناً من كان عن جدتي, وأن أذكر له مقدار ما كانت عليه من الحكمة والدماثة والرأفة. حملت هذه اللهفة الطاغية في قلبي أمداً طويلاً غير أنه لم يكن هنالك من استطيع أن أحدثة عن هذه الأشياء. فاضمحلت واضمحلت إلى أن انطفأت دون تحقيق . لم أملك حصاناً أحدثه أو كلباً أشكو إليه . واسفت على أنه لم يتح لي أن أبث حزني للجرذان ! "

يتبع لاحقاً

قديم 05-05-2012, 10:11 PM
المشاركة 10
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر لك أستاذة زهراء الأمير موضوعك الماتع حولعلم من أعلام القصة العالمية والمتمثل في مكسيم غوركي، حياته، وأدبه وأعماله الأدبية وهذا الاطلاع الماتع والموضوع المثمر لكل من هو مستزيد ومتبصِّر.
كما وأشكر نشاطك المثري، وعلمك النافع وخاصة في منابر علوم اللغة التي ترحب بك وبقلمك الجميل،
بوركت وبورك المداد.
ولي عودة بعون الله لتثبيت الموضوع.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: مكسيمـ غوركي : إنــه عالـمـ كامل !!
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مكسيم غوركي - حبيبها - قصة قصيرة ترجمة د, زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 5 08-24-2020 05:40 PM
{{ فيلم كامل للتحميل}} ساره الودعاني منبر الحوارات الثقافية العامة 5 10-18-2011 09:23 PM
( الأمّ ) لمكسيم غوركي . ماجد جابر منبر الآداب العالمية. 7 09-01-2011 02:19 AM
«الحضيض» لمكسيم غوركي: الحياة بحلوها ومرّها ريم بدر الدين منبر الآداب العالمية. 2 08-31-2011 08:04 PM
مكسيم غوركي ريم بدر الدين منبر الآداب العالمية. 2 09-06-2010 06:24 AM

الساعة الآن 07:06 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.