احصائيات

الردود
2

المشاهدات
2383
 
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي


ريم بدر الدين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
4,267

+التقييم
0.68

تاريخ التسجيل
Jan 2007

الاقامة

رقم العضوية
2765
05-11-2018, 12:23 AM
المشاركة 1
05-11-2018, 12:23 AM
المشاركة 1
افتراضي مقبرة جماعية
مقبرة جماعية

ريم بدر الدين بزال
نشرت في مجلة الكاتب الفلسطيني ديسمبر 2017

( يغطي الغبار كل شيء بسرعة معانداً كل محاولات التنظيف)، قالت امرأة لجارتها خلال مسابقة تنظيف المنازل الصباحي المعتادة.
(مشكلتي اليومية تراكم الغبار على سيارتي. يلزمني في كل مرة نصف ساعة على الأقل لأنفض الغبار عن الزجاج كي أستطيع القيادة.) قال الطبيب لجاره العجوز.
(نحن نبذل جهوداً مضاعفة لجرف الغبار عن الطريق..حركة السيارات تغضب الغبار فيثور و يملأ الجو ثم يعود للتراكم ) قال عمال البلدية .
في الوقت ذاته عقدت جلسات استثنائية في مبنى البلدية لنقاش مشكلة الغبار المنتشر في أجواء المدينة..خلص الاجتماع إلى جملة مقررات طبعت على رزمة ضخمة من الورق الفاخر و حفظت في الأرشيف. غطاها التراب مباشرة بحيث لم يعد ممكنا التمييز بينها و بين الملفات القديمة. غادر المجتمعون إلى مطعم فخم لتناول الغداء على شرف المقررات التي توصل إليها الورق.
في كوخ منزو تعيش فيه أرملة، مات طفل بعد أن أصيب بذات الرئة ..راقبت الأم احتضار ابنها بصبر من خلال ستارة كثيفة من الغبار.
لم يكن هذا الطفل الأول الذي يقضي نحبه في المدينة فقد ازدادت الوفيات يوما بعد يوم وجلهم من المسنين و الأطفال و مرضى الربو التحسسي.
ازدهرت تجارة المنظفات و معطرات الجو و منافض الغبار و المكانس الكهربائية و فلاتر الهواء في المدينة. و في كل يوم يتوصلون إلى اختراع تفصيل جديد يختص بتنقية الجو.
لمعت فكرة في رأس كبير تجار المدينة و هو يشاهد تقريراً عن ضحايا الغبار.. قام باستيراد عدد كبير من الأقنعة التي تستخدم عادة في أماكن التلوث الكيماوي أو الكوارث البيئية. تكلفة تلك الأقنعة كانت عالية، فما كان منه إلا أن خفض من مواصفاتها الفنية في بلد المنشأ بغرض تخفيض التكاليف رأفة بالفقراء. و رأفة بمنسوب أرباحه من الانخفاض.
هجر الأطفال مدارسهم. سُرّوا في الأيام الأولى لأنهم ارتاحوا من عناء الدروس و المذاكرات لكنهم بعد أيام من الحبس داخل البيوت و استمرار الغبار بالتراكم وقعوا فريسة المرض و الملل و الموت المتربص برئاتهم الصغيرة.
أغلقت المتاجر الكبرى أبوابها فالغبار يفسد بضائعهم الثمينة فضلا عن انشغال الناس بمواجهة الجائحة و استغنائهم عن شراء الكماليات.
دأبت النساء كل صباح و ظهر و مساء على مسح الغبار داخل البيوت و على النوافذ، و تشغيل أجهزة الفلترة، وتنظيف مداخل الأبنية ثم رمي الأتربة نحو الشارع الذي اختفت معالمه تقريبا و العودة بسرعة إلى داخل المنازل.
كان الطبيب هو الرجل الأخير في المدينة الذي واظب على قيادة سيارته لكنه اضطر أخيراً لإيقافها وسط الطريق السريع لأن حجراً مدبباً ثقب العجلة و كاد أن يتسبب في انقلاب السيارة و بطبيعة الحال كادت أن تتسبب في موته.
سكان المدينة المتبقون على قيد الغبار بدؤوا يقصدون أعمالهم سيراً على الأقدام و سط الأتربة التي بلغ ارتفاعها ما يزيد عن نصف متر. هذا الوضع أثار مشكلة كبيرة بين الأزواج المصرين على متابعة العمل في الظرف الخانق الذي تمر به المدينة و زوجاتهن حين يعودون ليملؤوا البيوت بالغبار الذي كنسته النساء في الصباح نحو الطريق.
عقدت لجان إدارة الأبنية اجتماعات مكثفة للبحث عن حل لمشكلة الغبار لكنها باءت جميعا بفشل ذريع . انتهت بالخلاف على المراكز القيادية والألقاب التي ستمنح لمن سيديرون العمل.
أقيمت الصلوات و الابتهالات في دور العبادة المختلفة كي تنزاح هذه الغمة عن رؤوس العباد. صرح رجال الدين بأن الوباء عقوبة إلهية على الذنوب و الآثام الظاهرة والباطنة التي يرتكبها الناس ولن تزول إلا بإقلاعهم عن المعاصي و العودة إلى حظيرة الإيمان والالتزام الديني. بدأت شبكة الانترنت تمتلئ بدعوات للصلاة والتسبيح والالتزام بالأخلاق الحميدة للخروج من أتون هذا الجحيم الأرضي.
لكن العلميون أصروا أن وراء الوباء ظاهرة كونية لا تحدث إلا مرة في كل مليون وألف من السنوات وسوف تزول عندما تتغير حركة الأجرام السماوية دون أن يحددوا جدولاً زمنياً للحركة المنتظرة.
قال السياسيون أن مؤامرة ضخمة أديرت ضد المدينة لطمسها بالغبار و تغيير معالمها الحضارية وأن ثمة مشروع استخباراتي ضخم تديره الدول الكبرى لتغيير الطقس والتحكم بأمزجة الناس.
كثيرة هي التكهنات و النظريات لكنها جميعا انتهت دون التوصل إلى طريقة لدرء الغبار و استمرت الجهود النسائية اليومية لدرء تراكم التراب في البيوت.
امتلأت حاضنات المستشفيات بالمواليد في حالات حرجة بينما توفيت الكثير من النساء الوالدات في الجائحة الغبارية.
انقطعت الكهرباء عن المدينة عندما توقفت العنفات عن توليد الكهرباء بفعل تراكم الأتربة على مسنناتها. و ألقى الناس في بيوتهم المظلمة و الباردة باللائمة على الحكومة التي لم تؤمن لهم المستلزمات الضرورية. في حقيقة الأمر توقفت الكهرباء لأن معظم موظفي التشغيل لازموا بيوتهم ومن واظبوا على الحضور ماتوا على رأس عملهم.
تفقد الطبيب جاره العجوز في بيته حيث يسكن هو و زوجته العجوز.. بعد تفقد كل الغرف وجدهما يحتضنان بعضهما و قد غطاهما الغبار كتمثال قديم يمثل الحب والوفاء.
امرأة مسابقة النظافة أخبرت جارتها أن الغبار تراكم وغطى نوافذ طابقها الأرضي وأن الظلام غمر شقتها بالكامل وأن أجهزة التنقية لديها توقفت بالكامل.
أسفت الجارة لوضع سيدة الطابق الأرضي لكنها شكرت الله في سرها لأنها تسكن الطابق الأعلى .. لم يستمر الأمر طويلا عندما انتبهت إلى أن الغبار تراكم حتى غطى منتصف نوافذها.. تذكرت أنها لم تر جارتها منذ أيام..
كان الهواء ثقيلاً خانقاً في فضاء السلالم و هي تتلمس طريقها بصعوبة بالغة يرشدها ضوء مصباح يدوي شحيح الضوء.. طرقت باب سيدة الطابق الأرضي كثيراً و لم يرد أحد.. طلبت مساعدة من جيران البناء.. كسروا الباب ليجدوها جثة مغطاة بالأتربة كما لو أنها مستحاثة هاربة من باطن الأرض.. لم ينتبهوا إلى أنهم كانوا يشبهونها كثيرا غير أنهم يتحركون.
دب الذعر في قلوب سكان البناء و بدأوا ينزحون من طابق إلى أعلى كلما امتد الغبار إلى أن تجمعوا جميعا في الطابق الأخير.
*************************
(انظر). قال طفل لصديقه و هو ينكأ الأرض بعصا صغيرة .. بدهشة بالغة بدأا يحفران فوجدا هياكل عظمية لعدد كبير من الأشخاص.
لمع الشريط الأحمر في أسفل الشاشة: (العثور على مقبرة جماعية لأشخاص من أعمار مختلفة يرجح أنهم ضحايا الحرب الدائرة الآن)!


قديم 05-11-2018, 11:14 AM
المشاركة 2
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
سرني ان اجد لك نص هنا . كنت بانتظار إبداع مميز واظن اننا حصلنا عليه . القراءة السريعة تقول ان لدينا نص مميز ويستحق القراءة المعمقة . هذه دعوة لكل رواد منبر القصة للتامل والتعمق في هذا النص والتعليق كل حسب ما يراه في النص.

اهلا وسهلا استاذة ريم*
ثبتها لتكون في متناول الجميع ولانها سرد مميز .

قديم 06-10-2018, 08:16 PM
المشاركة 3
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سرني ان اجد لك نص هنا . كنت بانتظار إبداع مميز واظن اننا حصلنا عليه . القراءة السريعة تقول ان لدينا نص مميز ويستحق القراءة المعمقة . هذه دعوة لكل رواد منبر القصة للتامل والتعمق في هذا النص والتعليق كل حسب ما يراه في النص.

اهلا وسهلا استاذة ريم*
ثبتها لتكون في متناول الجميع ولانها سرد مميز .
شكرا لك أ. أيوب صابر أنتظر قراءتك المميزة للعمل. ألغيت تثبيته بنفسي لأنه نال الوقت الكافي من التثبيت مع شكري العميق
تحيتي لك


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: مقبرة جماعية
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
في الجنة الملقى/ مرثية جماعية لأجل ياسمين سلطان الركيبات منبر الشعر العمودي 16 08-28-2021 01:44 AM
غفوةٌ في مقبرة .. ( قصة قصيرة )* محمد فتحي المقداد منبر القصص والروايات والمسرح . 2 04-21-2015 10:30 PM
في مقبرة نائية الشاعر مروان الهيتي منبر قصيدة النثر 9 04-03-2011 10:43 AM

الساعة الآن 11:08 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.