قديم 12-12-2017, 11:42 AM
المشاركة 21
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ..قراءة معمقة في قصة " المركا " للقاص مبارك الحمود :

"مرت الشهور والأوضاع كما هي, المراكي العديدة التي يشتريها الشيخ تختفي في لحظة, بدون سبب وبدون سابق إنذار, تختفي في أوقات تختار بعناية.."

يعود القاص في هذه الفقرة الرابعة والتي هي قصيرة نسبيا من حيث الطول، الى اللعب على التضاد من جديد، فمن ناحية هو يتحدث عن ثبات في الموقف (مرت الشهور والأوضاع كما هي)، أي انه لم يتطور الحدث ولم يحدث أي جديد بخصوص كيف تختفي المراكي ومن يقف وراء اختفاءها؟! وان الأوضاع ظلت على ذلك الحال منذ شهور.

لكنه من ناحية أخرى يعود الى اثارة قضية اختفاء المراكي، بل ويوضح هنا ان اختفاء المراكي لا يقتصر على تلك التي كانت موجودة في بيت الشيخ، وانما كل تلك المراكي التي ظل يشتريها الشيخ أيضا عبر تلك الشهور، كما وان هذا الاختفاء لا يحدث بصورة عشوائية، وهذا مهم، وانما يجري في لحظة معينة، وفي أوقات تختار بعناية، دون سبب او دون سابق انذار.

وهذا الحديث عن ان الوقت يختار بعناية يفتح المجال للتأويل والتوقع والاستنباط، وهو يزيد الموقف تعقيدا وغموضا واثارة، ويفتح الأبواب لتوقعات جديدة، وكأننا بصدد قوة ذكية وراء اختفاء المراكي، فالأمر لا يحدث بصورة عشوائية.

وقد تبدو هذه الفقرة غير ذات أهمية لقصرها لكنها في الواقع تفتح الأبواب على مصارعها للتاويل، ففي الفقرات السابقة كان هناك تلميح وتصريح بأن الدخيل ربما يكون هو من يقف وراء اختفاء المراكي، وفي مكان اخر القهوجي ...لكن هنا يزداد الموقف غموضا ذلك ان القاص لا يؤشر بالشبهة الى أحد بعينه، وانما ترك الباب مفتوحا امام المتلقي ليخمن...لكنه في نفس الوقت يقدم إضافة مهمة وهي ان المراكي تختفي في أوقات تختار بعناية، وهذا التلميح ما يوحي بأن قوة ذكية وراء اختفاءها، وليس أي قوة عادية.

ومن خلال هذا التلميح يمكن استنباط فكرة القصة او ما أراد القاص ان يقوله لنا...فاذا كانت المراكي تركض لوحدها كما شاهدها الراعي في المنطقة الشرقية من ارض القبيلة، وهي تختفي من دون سبب ظاهر على الأقل، لكنها تختفي في أوقات تختار بعناية فهل يريد القاص ان يقول لنا بأن تلك المراكي انما هي صاحبة ذكاء صناعي؟! وهل فكرة القصة تدور حول الصراع القادم بين الانسان وبين الريبوتات ذات الذكاء الصناعي الذي اصبح العلماء يحذرون منه؟

على كل حال واضح ان القاص تمكن من إبقاء العقدة مستمرة لا بل لقد عمل على تعقيدها اكثر فاكثر فهو لم يقدم شخصية جديدة هنا يمكن ان نلصق بها تهمة اختفاء المراكي وأضاف انها تختفي لوحدها وفي أوقات تختار بعناية مما يعتبر جرعة تشويق إضافية أخرى هائلة.

ولا بد ان المتلقي سيتابع القراءة ليعرف المزيد خاصة بعد ان فتح القاص أبواب توقع جديدة واحتمالات اكثر غموضا ولو بكلمات قليلة جدا.

قديم 12-15-2017, 12:08 PM
المشاركة 22
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع قراءة معمقة في قصة " المركا" :
"أخيرا ظهر بصيص أمل حينما سرت إشاعة أن هناك خربوش يوجد فيه مركا قديم لم يختف.. ذهب الشيخ مع حاشيته.. ووجدوا الخربوش المتهالك يجلس فيه طاعن بالسن.. ركض الشيخ إلى المركا وضمه, وتلوى عليه وتبطح وشمشمه.. أخبرهم المسن أن هذا المركا يعود إلى جده أبوطخة, وأنه لن يتنازل عنه, لكن الشيخ أصر على أخذه, وقال حينما يعود أبو طخة من قبره, أخبره عن أن المركا هرب.. رجع الشيخ لبيته حاملا مركاه بين جوانحه كطفل من أطفاله, وعيون العشيرة تنظر إليه بشغف, وهو يحاول أن يمنعهم من الاقتراب منه.. ربط المركا بقدمه جيدا بسلسلة حديدية, ونام.."


- بعد ان فتح القاص الأبواب على مصارعها حول الاحتمالات لمن يقف وراء اختفاء المراكي ورفع من درجة الاثارة والغموض، نجده يبدأ هذه الفقرة الخامسة بالحديث عن بصيص امل؟! ولا بد ان المتلقي يظن لوهلة ان ذلك الأمل مرتبط بمعرفة من الذي يقف وراء اختفاء المراكي او كيف حصل ذلك ، وهو ما يعني حل عقدة النص، لكنه ما يلبث ان يكتشف، اي المتلقي ، ان بصيص الأمل ليس له علاقة بكشف سر اختفاء المراكي وانما يرتبط بظهور إشاعة ان هناك واحد من المراكي ما يزال موجودا ولم يختف. وهنا يقحم القاص المتلقي من جديد في متابعة قصة ذلك المركا الوحيد الذي لم يختف... ليتابع الحدث باهتمام ، بل ان وصف تعلق الشيخ بالمركا الوحيد الذي سمع عن وجوده والطريقة التي تصرف بها تجاه ذلك المركا يزيد من تعقيد الحبكة ويثير فضول المتلقي الذي يحاول جاهدا معرفة سر تعلق شيخ القبيلة بالمركا.

ونجد ان هذه الفقرة تمثل حد اعلى من الدراما والحركة والإثارة والتشويق التي لا تتأتى من طبيعة الحدث هنا فحسب، ولكن من اللغة التي استخدمها القاص بذكاء وقصد واختياره للكلمات التي ترفع من مستوى الإثارة الى حدها الاعلى، ومن ذلك استخدامه كلمات مثل ( خربوش، ، متهالك ، طاعن في السن ، ركض الشيخ الى المركا وضمه ، و تلوى عليه ، وتبطح ، وشمشمه ، المسن، ابو طخه، حينما يعود ابو طخة من قبره ، هرب، بشغف، ربط المركا جيدا بقدمه بسلسله حديدية ) ففي كل كلمة بركان إثارة، ومعنى عميق هادف لجعل التشويق في اعلى حالاته.

وتوضح هذه الفقرة ايضا ان القاص يختار كلماته بعناية فائقة كيف لا وقد اختار اسم ( ابو طخه ) مثلا لصاحب المركا الميت من بين ملايين الاسماء المحتملة ؟! وذلك لما تحمله كلمة ابو طخه من معنى يوحي بالعنف والجريمة والغموض والإثارة . كما اختار جعل المبنى الذي وجد فيه المركا ( متهالك وخربوش ) وذلك لجعل المشهد يعج بالإثارة والتشويق والدراما التي يكون لها تأثير سحري على المتلقي.

ثم نجد ان القاص ابدع في وصف المشهد والطريقة التي تصرف فيها شيخ القبيلة حينما شاهد المركا الذي لم يختف ( ركض الشيخ الى المركا-وكانه يركض للقاء حبيب له- وضمه، وتلوى عليه، وتبطح، وشمشمه ) فاي دراما يحتويها هذا المشهد ؟؟!! انه وصف عجيب حقا...

ولمزيد من الاثار والتشويق جعل القاص صاحب المركا مسنا، وان المركا يعود الى جده ابو طخه، وانه لن يتنازل عنه، لكن في المقابل أصر الشيخ على أخذه قائلا حينما يعود ابو طخه من قبره، اخبره ان المركا هرب...فاين نجد مشهد فيه من الإثارة والتشويق والدراما التصويرية في مثل هذا المشهد؟! مسن وابو طخه وقبر وهروب !!!

ولم يكتف القاص بذلك الحد من الوصف التشويقي وانما استكمل المشهد بالحديث عن قيام الشيخ بحمل المركا بين جوانحه كطفل من اطفاله ، وعيون العشيرة تنظر اليه بشغف، وهو يحاول منعهم من الاقتراب منه ، ثم يربط الشيخ المركا بقدمه بسلسلة حديدية... فاي وصف هذا الذي جاء به القاص في وصف هذا المشهد ؟؟!! فاي حميمية هذه التي يصفها القاص هنا ؟! وهل هناك اشد من حميمية العلاقة بين الاب وطفله ؟!

ان الدراما في هذه الفقرة هي اشبه ما تكون بالدراما في احد حلقات مسلسل تويلات زون ، لهتشكوك، اما فكرة القصة ككل والتي تتمحور حول اختفاء المركا وعدم معرفة من يقف وراء ذلك وتعدد الاحتمالات فهي اقرب الى فصل من فصول روايات الجريمة الغامضة لاغاثا كريستي ، ولا شك انها شديدة الأثر في ذهن ونفس المتلقي.

يتبع

قديم 12-16-2017, 02:27 PM
المشاركة 23
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ..قراءة معمقة في قصة " المركاه " للقاص مبارك الحمود :

"أخيرا ظهر بصيص أمل حينما سرت إشاعة أن هناك خربوش يوجد فيه مركا قديم لم يختف.. ذهب الشيخ مع حاشيته.. ووجدوا الخربوش المتهالك يجلس فيه طاعن بالسن.. ركض الشيخ إلى المركا وضمه, وتلوى عليه وتبطح وشمشمه.. أخبرهم المسن أن هذا المركا يعود إلى جده أبوطخة, وأنه لن يتنازل عنه, لكن الشيخ أصر على أخذه, وقال حينما يعود أبو طخة من قبره, أخبره عن أن المركا هرب.. رجع الشيخ لبيته حاملا مركاه بين جوانحه كطفل من أطفاله, وعيون العشيرة تنظر إليه بشغف, وهو يحاول أن يمنعهم من الاقتراب منه.. ربط المركا بقدمه جيدا بسلسلة حديدية, ونام.."

-اما من ناحية المحسنات البدعية وأدوات التأثير في هذه الفقرة، فنجد ان القاص أكثر في هذه الفقرة من استخدام حروف الهمس (السين ومشتقاته) وهو ما يترك اثرا عظيما على اذن المتلقي وكأنه يصرخ بالكلمات اذ همس بها.

وادراكا من القاص بأهمية التضاد في التأثير على عقل المتلقي نجده يسخر التضاد في مطلع هذه الفقرة، فهو يتحدث عن (ظهور بصيص امل) من ناحية، ومن ناحية أخرى يتحدث عن (خربوش يوجد فيه مركا قديم لم يختف ).

كما يتحدث عن ذهاب الشيخ الى الخربوش وفي نفس الفقرة يتحدث عن عودة ابو طخه من القبر، ففي استخدام كلمتي (ذهب ويعود ) تسخير للتضاد.

كما اننا نجد تسخير للتضاد في كلمتي ( يجلس فيه طاعن في السن و ركض الشيخ). وفي كلمات ( ذهب الشيخ مع حاشيته و رجع الشيخ الى بيته) تسخير اخر للتضاد.

والفقرة تعج بالحركة طبعا، وقد سخر القاص هنا مجموعة من الكلمات التي توحي بالحركة والنشاط الباعثة للحياة في النص ومنها ( ظهر، سرت، ذهب، ركض، تلوى، تبطح، شمشمه، يعود، هرب، رجع، الاقتراب، ربط، قدمه ).

ونجد في الفقرة تسخير للحواس وهو ما يوقظ حواس المتلقي فيقع التأثير ومن ذلك استخدام كلمات مرتبطة بحاستي الشم والبصر ( وشمشمه وعيون العشيرة ، تنظر اليه).

ولكن ربما ان ما يميز هذه الفقرة هو الوصف الحميمي للمشهد الذي سخر له القاص كلمات جعلته بالغ التأثير، وقد بلغ ذلك التأثير أوجه كنتيجة لتسخير حروف الهمس هنا أيضا.

فالحديث عن خروبش يوجد فيه مركا قديم مثير للاهتمام وكذلك ذهاب الشيخ مع حاشيته الى ذلك الخربوش، ولكن الاثارة لا تقف عند هذا الحد لان القاص جعل الخربوش متهالك ويجلس فيه طاعن في السن. كما جعل القاص الشيخ يركض نحو المركاه مجرد ان شاهده ليضمه ويتلوى عليه ويتبطح ويشمشمه. أيضا لا تقف الاثارة عند هذا الحد انما يجعل القاص المركاه ورثة جد المسن أبو طخه الميت، فيصر الشيخ على اخذه قائلا له عندما رفض التنازل عنه انه سيعيده عندما يعود أبو طخه من قبره. ولا تنتهي الاثار عند هذا الحد انما نجد وصف الطريق التي تعامل فيها الشيخ مع المركاه تشتمل على حد اقصى من الاثارة والحميمية حينما قارن حمل الشيخ للمركاه بين جوانحه، وكأنه طفل من اطفاله، ليس ذلك فقط بل نجده يقول بان عيون العشيرة قد تعلقت بالمركاه القديم الوحيد المتبقي، وجعلهم القاص ينظرون اليه بشغف، بينما يحاول الشيح منعهم الاقتراب من المركاه، وينهي القاص المشهد بان جعل الشيخ يربط المركاه بقدمه بسلسلة حديدية، وينام على تلك الحالة.

وهذا حتما وصف تصويري متفوق وبالغ التأثير. ويجد المتلقي ان هذا المشهد لم يساهم في حل العقدة بل جعلها أكثر تعقيدا كنتيجة لإصرار الشيخ على مصادرة المركاه من ذلك المسن ثم شغف العشيرة بالنظر اليه ثم الطريقة التي حاول الشيخ فيها الاحتفاظ بالمركاه.

وتنتهي هذه الفقرة وقد ارتفعت حدة التشويق الى مستويات عليا ليندفع المتلقي لمتابعة القراءة عل التالي يلقي بصيص امل إضافي على الذي جرى.
يتبع ...

قديم 12-23-2017, 05:50 PM
المشاركة 24
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يظل لطفا الباب مفتوح لتقديم قراءات مغايرة فالنص غني وغامض ويحتمل اكثر من تفسير.

فاهلا وسهلا بهواة النقد الادبي ومتذوقي الأدب وقراء النصوص الجميلة .

قديم 12-28-2017, 07:24 PM
المشاركة 25
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
[justify]لقد حدث ذلك, في يوم مغبر اختفت كلها, كل المراكي من جميع أرجاء القبيلة, لم يستطع الشيخ فادي تصديق ذلك, وشعر بسبب ذلك بالعار حينما أتاه ضيوف من قبيلة أخرى.. قرر مؤقتا إحضار كراسٍ بدلا من ذلك, ولكنه شعر بإهانة شديدة حينما زاره شيخ قبيلة أخرى, فلقد أصيب الضيف بموجة ضحك مستمرة حتى ذهابه, وبقيت أصداء ضحكاته تتردد لعدة أيام من خلف الكثبان.
اتفقت الآراء والروايات-تقريبا- على أن ذلك بدأ من طرد شيخهم, لذلك الدخيل الهارب من ملاحقة القبيلة المجاورة, لقتله قريب شيخها. ورغم ذلك لم يستطيعوا معرفة كيف حدث ذلك, وكان آخر خبر وصلهم حينما دخل الراعي عليهم وهو يلهث, وأقسم لهم بطلاق امرأته ثلاثا -رغم أنه غير متزوج- أنه رأى قطيعا من المراكي تركض في الجهة الشرقية من الشعيب..
وغير ذلك لم يحدث أي تغير في تلك الفترة غير التوتر الذي يزيد مع الأيام, وكان لذلك بعض الضحايا مثل القهوجي الجديد, الذي لم تمر سنة على تواجده في بيت شعر الشيخ, حتى تم طرده وإحضار آخر لإزالة الشك الذي حام حوله.. ولكن بالرغم من ذلك استمرت المراكي بالاختفاء.. مما اضطر الشيخ لجعل بعض أعوانه مراكٍ له ولمقربيه ولضيوفه.
مرت الشهور والأوضاع كما هي, المراكي العديدة التي يشتريها الشيخ تختفي في لحظة, بدون سبب وبدون سابق إنذار, تختفي في أوقات تختار بعناية..
أخيرا ظهر بصيص أمل حينما سرت إشاعة أن هناك خربوش يوجد فيه مركا قديم لم يختف.. ذهب الشيخ مع حاشيته.. ووجدوا الخربوش المتهالك يجلس فيه طاعن بالسن.. ركض الشيخ إلى المركا وضمه, وتلوى عليه وتبطح وشمشمه.. أخبرهم المسن أن هذا المركا يعود إلى جده أبوطخة, وأنه لن يتنازل عنه, لكن الشيخ أصر على أخذه, وقال حينما يعود أبو طخة من قبره, أخبره عن أن المركا هرب.. رجع الشيخ لبيته حاملا مركاه بين جوانحه كطفل من أطفاله, وعيون العشيرة تنظر إليه بشغف, وهو يحاول أن يمنعهم من الاقتراب منه.. ربط المركا بقدمه جيدا بسلسلة حديدية, ونام..
في منتصف الليل شعر الشيخ بحركة بجانبه, أقرب للرجفة, رفع رأسه, ولم يشعر سوى بشيء يسحبه بقوة, وينطلق به إلى المساحة الشاسعة من الصحراء, كان المركا ينطلق بسرعة كبيرة, والشيخ ببشته يتخبط خلفه مستسلما, يمر به على الصخور والأشواك, ويكنس به الرمال..
سحبه مسافة طويلة, وقدم الشيخ تنزف دما من طوق الحديد الذي حولها, غير الكدمات والرضوخ بكل جسده من الجر الشديد على الأرض, حتى لاح مع الأفق أنوار لضفة مدينة.. أوصله لمكان تنثال إليه المراكي من أماكن عدة, ينظر لها وهي تدخل إلى مصنع تدوير.. أصابه الرعب وهو يراها تلقي بنفسها إلى حاوية, وتتطاير أشلاؤها ونتفها الأسفنجية, حاول الانفكاك من السلسلة لكن بلاجدوى. ارتفعت يداه فجأة وبقوة إلى فوق ونزع بشته نفسه منه, نظر الشيخ منصدما إليه والبشت يطير بعيدا في الأفق كطائر أسطوري, قبل أن يدخل النشارة لتتفرقع أشلاؤه عاليا, ويعم بعدها صمت الصحراء المهيب.[/justify]
السلام عليكم جميعاً
وتحية خاصة للأخ مبارك
أشكرك أخي أيوب في البداية على دعوتك والتي تتيح الفرصة لي لمطالعة هذه القصة
ثم إني آثرت أن أقتبس النص بالكامل ليتسنى لي أن أطلع عليه وأعيد قراءته كلما دعتني الحاجة لذلك
فنص القصة يحتاج إلى أكثر من قراءة ...
علماً بأنني لا أحب هذا النوع من النصوص الغامضة والتي يفسرها القارئ بطريقة ربما لم يقصدها الكاتب أصلاً .. وعلى أية حال
يتضح أن القصة تقسم إلى ثلاثة أقسام :
= جزء واقعي مئة بالمئة يريد القاص من خلال هذا الجزء توضيح اهتمام العرب - حيث استخدم مصطلح القبيلة وشيخها وهذا غير مستخدم في غير العرب - بالموروث والقديم والتمسك به إلى أبعد الحدود لدرجة كبيرة.
= جزء ثان غير واقعي وهو التفاني اللامحدود بتلك الموروثات واستمرارية البحث عن المراكي وكان آخرها التمسك المجنون والذي جعل الشيخ يربط نفسه بالمركا ..
= الجزء الخيالي وهذا الجزء حقيقة جعلني أضحك وأنا أتخيل المشهد والشيخ يتقلب على الرمال والشوك وهو مربوط به

هنا أستطيع أن أقول أن القاص ربما أراد من خلال ذلك عدة أشياء :
لما عدت إلى المركا ( بطل القصة بامتياز ) في الصورة خيل إلي أنه رجل له عيون يربض بالأرض
ثقيل الظل من الصعب تحريكه ... والمراكي التي سرقت تلك الشعوب التي تغيب وتغيب عن وعيها ..
أما المركا الأخير فيرمز إلى عرش شيخ القبيلة الذي يتمسك به حد الموت الهازم
كما أنه يمثل كل موروث قديم يرفض شيوخ القبائل أي تجديد أو تغيير فيها

أخيراً أرى أن النص حافل بالرمزية ... وكل مصطلح فيها له دلالة على شيء ....
احترامي

تحية ... ناريمان الشريف

قديم 01-02-2018, 10:43 AM
المشاركة 26
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تباع قراءة معمقة في قصة " المركا" لمبارك الحمود :


اقتباس "في منتصف الليل شعر الشيخ بحركة بجانبه, أقرب للرجفة, رفع رأسه, ولم يشعر سوى بشيء يسحبه بقوة, وينطلق به إلى المساحة الشاسعة من الصحراء, كان المركا ينطلق بسرعة كبيرة, والشيخ ببشته يتخبط خلفه مستسلما, يمر به على الصخور والأشواك, ويكنس به الرمال..".

وفي هذه الفقرة السابعة يكرس القاص الحركة بشكل ملف. فبينما انهى الفقرة السابقة بحديثه عن نوم الشيخ، نجده يبدأ الفقرة هذه بالحديث عن شعوره بحركة بجانبه، وفي هذا ايضا استثمار للتضاد.

لكنه يركز على الحركة الباعثة على الحياة في النص، فبدلا من الحديث عن مجرد حركة عادية جعلها اقرب الى الرجفة، ثم يرفع الشيخ رأسه، ولم يشعر الا وبشيء يسحبه، اي مزيد من الحركة العنيفة هذه المرة، وكأنها سمفونية من الحركات، اولا حركة عادية ثم رجفة ثم يسحبه بقوة وينطلق اي كلمة تعني مزيد من الحركة، والمساحة الشاسعة في الصحراء تضخم حركة المركا التي تنطلق بسرعة كبيرة وهي تجر الشيخ ، وهو يتخبط وبشته يتخبط خلفه، والشيخ مستسلم لما حل به، وكلمات تجر ، ويمر ويكنس تكرس الحركة في الفقرة ايضا.

فهي اذا فقرة مفعمة بالحركة من اولها لاخرها، وهذا ما يجعلها مفعمة بالحياة.

وهنا يقدم لنا القاص حل جزئي للعقدة. فهو يخبرنا بأن تلك المراكي انما كانت تختفي بنفسها، ولم يكن احد وراء اختفاءها، فلا جريمة اذا وراء اختفاء المراكي، وقد جاء هذا التوضيح بعد ان المح لنا في فقرة سابقة ان المراكي تختفي في اوقات تختار بعناية مما جعلنا نعتقد ان كائنا ذكيا يقف وراء اختفاءها، وهنا يتأكد لنا بأنها المراكي نفسها، لكنه هنا يدخلنا في عقدة جديدة حيث يبدأ المتلقي يحاول فهم كيف يمكن لمثل ذلك الحدث ان يحصل؟ وما السبب الذي جعل المراكي تختفي؟ ولماذا تختفي من بيت الشيخ؟ لكنها لم تختف من بت ذلك المسن؟ ولم تختف هذه المركا لوحدها بل جرت الشيخ معها الى الصحراء الواسعة؟ فهل السبب الشيخ في اختفاء المراكي؟

ولا شك ان هذا وصف تصويري جميل للغاية وهو درامي الى حد بعيد خاصة ان القاص هنا يكرس جعل الجامد متحرك والمتحرك جامد او مجرور لا حول له ولا قوة ف حالة الشيخ.

ونجد ان السرد يظل في هذه الفقرة مشوق في اعلى درجات التشويق. فالقاص يفاجئ المتلقي بان جعل المركا هي التي تجر الشيخ وتنطلق به الى الصحراء الواسعة. ويجعل الشيخ يتخبط فوق الاشواك والصخور في مشهد درامي عنيف ودامي ومؤلم وغير متوقع.

كما انه هنا يضيف وبكلمة واحدة عقدة جديدة، وهي كلمة ( البشت ) ولا بد انها اضافه عن قصد ، لاننا نكتشف ذلك في الفقرة اللاحقة حيث يجعل القاص البشت يخلع نفسه من الشيخ قبل ان يلقى الشيخ مصيره المرعب؟؟!!.

يتبع،،

قديم 01-02-2018, 11:08 AM
المشاركة 27
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع قراءة معمقة لقصة المركا للقاص مبارك الحمود :

اقتباس " سحبه مسافة طويلة, وقدم الشيخ تنزف دما من طوق الحديد الذي حولها, غير الكدمات والرضوخ بكل جسده من الجر الشديد على الأرض, حتى لاح مع الأفق أنوار لضفة مدينة.. أوصله لمكان تنثال إليه المراكي من أماكن عدة, ينظر لها وهي تدخل إلى مصنع تدوير.. أصابه الرعب وهو يراها تلقي بنفسها إلى حاوية, وتتطاير أشلاؤها ونتفها الأسفنجية, حاول الانفكاك من السلسلة لكن بلاجدوى. ارتفعت يداه فجأة وبقوة إلى فوق ونزع بشته نفسه منه, نظر الشيخ منصدما إليه والبشت يطير بعيدا في الأفق كطائر أسطوري, قبل أن يدخل النشارة لتتفرقع أشلاؤه عاليا, ويعم بعدها صمت الصحراء المهيب".

-بدأ القاص هذه الفقرة الأخيرة بالحركة أيضا التي تعطي النص الحياة، وذلك بحديثه عن سحب المركا للشيخ مسافة طويلة، والحديث عن الدم يعني الإيحاء باللون الأحمر وهذه من المحسنات المهمة حيث يظهر النص وكأنه لوحة ملونة. لكن طبعة الحدث الدرامية ( شيخ تجره المركا مسافة طويلة وقدمه تنزف بسبب طوق الحديد وليس ذلك فقط بل تظهر عله كدمات ورضوض في كل جسده، كونه يجر بشدة على الارض) هو العنصر الاكثر تأثيرا هنا.

-يعود القاص لتحدث عن انوار لضفة مدينة وهذا يعني تسخير الألوان وفي نفس الوقت تسخير التضاد حيث ان ذلك الحدث جرى في الليل فكل ما أصاب الشيخ من تحطيم كان يجري في الظلمة.

-وفي حديث القاص عن إيصال المركا للشيخ الى مكان تلتقي فيه المراكي استثمار للتضاد حيث ان الوصول عكس الحركة والسحب. لكن استخدام كلمة تنثال توح بمزيد من الحركة فه تأتي مسرعة الى حتفها وليس ببطء.

-وفي حديثه عن (النظر) الى المراكي وهي تدخل المصنع ...هو ايقاظ لحاسة البصر لدى المتلقي حيث. وفي الحديث عن مصنع تدوير يعني مزيد من الحركة.

-وفي حديثه عن رعب الشيخ مما ينتظره في ظل ذلك الموقف استثارة لمخاوف المتلقي فيتفاعل مع النص في ظل ذلك الجو المرعب.

-وفي حديث القاص عن القاء المراكي لنفسها الى حاوية مزيد من الحركة. وكذلك في حديثه عن تطاير أشلاء ونتف المراكي الى أشلاء. وفي ذكره لكملة ( يراها ) استثارة لحاسة البصر وهو ما يجعل هذا المشهد الأشد درامية من بين مشاهد القصة كلها.
- وفي حديث القاص عن محاول الشيخ الفكاك من السلسلة تسخير للتضاد فهو مقيد ويحاول الفكاك، ونلاحظ ان القاص يحشد عن قصد كلمات عديدة ف هذه الفقرة تحتوي على احرف الهمس ( سحبه، مسافة، الشيخ، تنزف، جسده، الشديد، اوصله، بنفسها، اشلاؤها ، الاسفنجية، مصنع، السلسلة ).

- وفي ارتفاع يدي الشيخ فجأة وبقوة مزيد من الحركةـ وكذلك في نزع البشت لنفسه من الشيخ حركة.

-وفي نظرة الشيخ الى البشت وهو ينزع نفسه ايقاظ لحاسة البصر لدى المتلقي.

-وفي جعل البشت يطير كطائر اسطوري تسخير لمزيد من الحركة. وفي الحديث عن طائر اسطوري تسخير للاسطورة هذه المرة ولا شك ان غاية القاص هنا إكساب النص هالة اسطورية، مما يكثف من سحرية السرد وأثره وبلاغته.

-وفي حديث القاص عن يدا الشيخ وهي ترتفع تسخر لحاسة اللمس عند المتلقي.

-وفي دخول الشيخ الى المصنع لتتفرقع اشلاؤه مزيد من الحركة والاثارة والدرامية. وبعد حديث القاص عن الفرقة يعم الصمت واي صمت انه صمت الصحراء المهيب وبذلك هو يسخر التضاد في اعلى حالاته. وهو ما يترك ابلغ الأثر ف المتلقي.
يتبع..

قديم 01-03-2018, 06:21 PM
المشاركة 28
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع

لا ننسى ان القاص قد انسن في هذه الفقرة البشت وجعله حيا قادرا على القيام باتخاذ القرار او بالفعل حينما خلع نفسه من الشيخ ليهرب من ذلك الموقف الرهيب الذي وضعته فيه المركا.

وهو بذلك يكرر ما فعله في عتبة النص حينما جعل الجامد متحرك بان جعل المركا هي صاحبة القرار في موضوع اختفاءها. وهنا بينما كان الشيخ عاجزا عن تحريك نفسه وظل عاجزا عن الانفكاك نجده يجعل البشت ينزع نفسه وفي نفس الوقت يؤكد على ان المركا هي التي دفعت بنفسها في مصنع التدوير ، ليفك العقدة لكن الغموض يظل سيد الموقف.

ويظل هذا المشهد الاكثر غموضا حتما في النص ولا نعرف تحديدا مغزاه ؟! وهناك احتمال ان يكون القاص قد ساقه كجزء من البناء الفني السحري الاسطوري للنص ، وبذلك يكون الغرض منه الإثارة والادهاش، وهناك احتمال ان يكون المشهد وصف لحالة الرعب التي تصيب الكائن الحي في مواجهة مصيره ولحظة الموت. ذلك بانه صور حتى الاشياء غير الحية تحاول الفكاك من ذلك الموقف الرهيب. وهذا يعني بان القاص ضمن نصه بعدا فلسفيا يتمثل في ردة فعل الاحياة تجاه الموت .

لكن الباب يظل مفتوحا لاحتمالات اخرى . والمهم ان النص ينتهي لكن اثره يظل لا ينتهي.

مع خالص تحياتي لكاتب أتقن فن السرد وجعله سحريا مشوقا مدهشا يحتمل التاويل ويمكن قراءة نصوصه على اكثر من وجه ومع ذلك تظل الاحتمالات مفتوحة لقراءات اخرى عديدة . وما هذه الا احدى المحاولات التي لا ادري ان كانت قد اصابت ام ظلت بعيدة عن مغزى النص ومعانيه.

*

قديم 04-27-2018, 04:19 PM
المشاركة 29
مبارك الحمود
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
رائع كعادتك أستاذ أيوب في سبر أغوار النصوص.
أشكرك, وأشكر الجميع على قراءاتهم الجميلة
, وأعتذر عن انقطاعاتي, فأحيانا الظروف تحكم.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:49 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.