احصائيات

الردود
3

المشاهدات
4367
 
الدكتور جاسم شاهين
من آل منابر ثقافية

الدكتور جاسم شاهين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
3

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Mar 2014

الاقامة

رقم العضوية
12805
03-24-2014, 02:06 AM
المشاركة 1
03-24-2014, 02:06 AM
المشاركة 1
افتراضي السرد في رواية اعترافات كائن
السرد في رواية اعترافات كائن لابراهيم حسيب الغالبي
الدكتورجاسم شاهين كاظم
المقدمة
لقد كانت حقبة نظام البعث في العراق وما اعقبه من سقوط الصنم ودخول قوات اجنبية وما اعقب ذلك من فوضى وانفلات واحداث عنف كل ذلك يمكن ان يشكل رواية واقعية نسج خيوطها اهل العراق وكانوا ابطالها
وقائع سنوات الظلم وما بعدها كانت الحاضنة والمسرح الكبير لكم لاينقطع من روايات واعمال قصصية تتناول تلك الحقبة بشيء من الحقيقة وبشيء من الخيال كل ما كتب وما سيكتب سيكون نقطة صغيرة من بحر من الاحداث والوقائع التي تبحث عن مدون يخطها
رواية اعترافات كائن ترسم لقطة من المشهد العراقي بواقعية ام بمبالغة؟ بصدق وحقيقة واقعة ام بكذبة بائنة الكذب؟ هل نحن امام مشهد خيالي ام صورة منتزعة من عمق ووسط المأساة العراقية ؟
هل تصور الرواية مشاهد سوداوية ام مشاهد لازمت البلد فكانت من واقعه المعيش ؟
يحاول البحث ان يقف ليقرأ الرواية ويصف بنيتها السردية ولايدعي انه سبر غور شخصياتها او انه الم بكل ابعاد العمل ومراميه وانما حاول ان يصف الرواية ويقف عند شواطيء السرد فيها


الدكتور جاسم شاهين


السرد في رواية اعترافات كائن لابراهيم حسيب الغالبي
تعد هذه الرواية هي الاولى لابراهيم حسيب الغالبي بعد ان نشر مجموعة كبيرة من القصص القصيرة في المجلات والصحف في السنوات التي اعقبت 2003فضلا عن ان له مجموعات شعرية قيد النشر ، وقد فازت هذه الرواية بجائزة موقع الروائي لعام 2008 والتي صدرت عن دار التكوين – دمشق في 2009 وتقع في 146 صفحة من القطع المتوسط .
احداث الرواية تؤرخ للفترة بين صيف 2001 حيث تم اعتقال بطل الرواية ثائر مجدول لمدة ستة اشهر وتنتهي يوم 13 / 5 / 2003 حين يقوم ثائر مجدول بقتل زوجته
وابرز شخصيات الرواية هم
1. ثائر مجدول مهدي وهو بطل الرواية اعتقل لاتهامه بقتل احد رجال المخابرات ثم قيل انه قتل احد اعضاء الحزب وبعد ستة اشهر من التعذيب اطلق سراحه لاعتراف القتلة الحقيقيين وانه كان بريئا .
2. خمائل بدر المنصوري زوج ثائر وتبدا الرواية بخروجه من السجن وتجد ان زوجها قد سرقوا منه اهم اعضائه ولم يبقى من ذلك الا شيء يسير لا يكفي ويكتشف علاقتها بهاشم فيقتلها
3. هاشم عبد صديق ثائر وهو متنفذ في الحزب ووسيم للغاية وشخصيته جذابة ومتزوج من امراة قبيحة ذات وجه بشع
4. الشيخ راضي وابو بلقيس هما رفيقاه في الزنزانة
5. رجاء فتاة هاربة من اهلها ايام الحرب التي انتهت بسقوط النظام في نيسان 2003 وتعيش اياما في بيت ثائر .
هذه الرواية هي واحدة من الكثير من الروايات التي كتبت لتنقل ظاهرة القمع وتجارب السجون والتعذيب في معتقلات الانظمة الشمولية العربية ، واثرها على الحياة والمجتمع والذي ينعكس على حياة الناس الاخرين ويبقى ذلك الاثر عل شكل معاناة دائمة .
(تبدو الرواية لدى المتلقي عموما نصا حكائيا موازيا للواقع او هي تشبهه كثيرا او قليلا وربما كانت مجرد حكاية خيالية لا صلة لها بالواقع . اما رواية السجن فانها تستغرق في اليومي والتفصيلي والتسجيلي الحي وكأنها وثيقة حقيقية او مذكرات حميمية ، فيختلط لدى المتلقي شكل الوثيقة التسجيلية مع ما يبدو كانه بحث عن صياغة جديدة لشكل ابداعي غير مسبوق ، هذا الشكل ليس رواية تشبه الحياة ولكنه الحياة نفسها تاخذ شكل الرواية ) (1) .
ولعل عنوان الرواية (اعترافات كائن)تشير الى السيرة الذاتية التي تنقل صورة الواقع المعيشي وكلمة (اعترافات) توحي بالبوح الذي يريد ان ينقله القاص الى الاخر وهذا اصبح (ستراتيجية نصية) وجدناها في (اعترافات فتى العصر) لالفريد دي موسيه و (اعترافات حامد المنسي) لازهر عطية ورواية (اعترافات امراة تائبة) لسميرة الششتاوي و (اعترافات سمير اميس) لعبد الكريم ناصيف و (اعترافات امراة) لعائشة بنت المعمورة و (اعترافات كاتم صوت) لمؤنس الرزاز، وللمعترف ان ينقل كل الحقيقة المدعمة بالوثيقة التي تؤيد صحة وصدق ما يعترف به ، وتصف احدهم رواية البورصة لبلزاك (فصار عمله بحسب احد النقاد اكبر مستودع للوثائق الانسانية لدرجة اعترف معها كارل ماركس بانه استفاد من روايات بلزاك في فهم العلاقات الاقتصادية في مجتمع القرن التاسع عشر في اوربا اكثر مما استفاد من علماء الاقتصاد المعاصرين له ) (2)
ان شخصية ثائر مجدول بطل الرواية شخصية مضطربة وممزقة وقد توزعت بين حروب وحصارات وسجن وفقر وعذاب وخيانة ولابد ان حضور العوق الجنسي والخيانة الزوجية التي تتكرر كانت ترسم صورة الانتقام وهو انتقام كان يجب ان يطال جميع المشتركين فيها الا ان الاخرين من الذين نالهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
(1) السمات الفنية في رواية القمع العربية . نزيه ابو نضال مجلة فصول مجلد 16 العدد 3 ص120
(2) بناة العالم . ستيفان زفايج ترجمة محمد جديد/33 دار المدى - دمشق - 2003

القمع شاركوا بعملية الانتقام وتصفية الحساب فالمسؤول الحزبي (هاشم) والذي ظل في علاقته بزوجة ثائر والذي ضبطه على فراشه معها في احدى الليالي وتاكد وهو يراهما من نافذة الغرفة في تعري وحميمية ، ظلا زمنا طويلا في هذه العلاقة دون ان يضع في افقه ان يقف ليقطع ذله وفضيحته ولولا الاخرين الذين كانوا اكثر شجاعة منه فقتلوه على الفراش الذي كان موطأ الخيانة والذل .
وهكذا فان السلطة الغاشمة قد سقطت فهو قد اسقطها من انتقامه ومثلها سقط (هاشم) الطرف الاول في خيانته فهو صديقه وعشيق زوجته ولم يبق غير زوجته الطرف الثاني والذي يرى ان عليه ان يضعا في الموضع الذي وضعه به النظام السابق ، هل جمالها هو الذي اغرى هاشما ان يشي به ليضعه بالسجن ثم ليخرج منه وهو كائن اخر لا ينفع وان هاشما سيظل (الجوكر) الذي يحتاجه الزوجان ، فالزوج ثائر عاجز فقير دون عمل فضلا عن انه مراقب ومتهم لابد له من يد تساعده ليعمل ، والزوجة تحتاجه لاشباع رغباتها المالية و الجسدية .
وهكذا تساقط دون عناء وتعب منه الذين كان عليه ان يثار منهم ولكي يسبغ على نفسه العدالة والابتعاد عن
الهمجية فقد كان عليه اقامة سلطة (بعد سقوط سلطة الحكومة السابقة في 9 /4 /2003 )
ولانه يعرف السلطة بزيها الزيتوني الذي كان يراه في كل مكان الجندي والشرطي ورجل الامن والرفيق الحزبي وحتى طلاب المدارس والمسؤولين من وزراء وقيادات فقد تقمص صورة الجلاد الذي كان يحقق معه وارتدى زيه ولباسه الزيتوني واستعار كل صور المكان الذي تمت فيه الاطاحة برجولته فلا بد ان تتحقق العدالة و ان يكون (السن بالسن والعين بالعين) فهاهو يقيم غرفة تحقيق تضمن له ان يقتص من خلالها كما يعتقد من اخر عنصر من عناصر هزيمته وظلمه وخيانته ويحقق للمرأة التي خانته وظلمته العدالة بان يقدمها الى محكمة عادلة يكون فيها المظلوم هو الحاكم والجلاد في ان واحد . (يسيطر الموضوع العراقي بكل تداعياته التراجيدية على الرواية ويرسم لثيمته السوداوية عالما كابوسيا نأخذ عليه انه خلا من فسحة أمل تيدد هذا الواقع المر لبطلها(ثائر مجدول مهدي) الذي عاش تجربة سجن مريرة ليحول غضبه ونقمته بالاتجاه الخاطئ ...ان الرواية بالرغم من اجوائها المريرة تمتلك مبررات المصائر التي رسمها الكاتب لشخصباته كما انها مكتوبة بلغة روائية عالية واهتمام حرفي بتفاصيل تلك المسارات)(1)
(إعترافات كائن: أنه عمل روائي جيد وشبه متكامل، لا تعوزه إلا بعض اللمسات..لكن بالرغم من ذلك أقول، أن صاحبه يستحق التحية..شخصياً عرفت ومنذ السطور الأولى للرواية بأنني بمواجهة روائي سيحفر أسمه في تاريخ الرواية العراقية الناشئة...الروائي شدني من السطر الأول..0)(2)
(رواية اعترافات كائن تلامس إيقاع المجتمع العراقي في العقدين الأخيرين عبر شخصيات استطاع الكاتب أن يجسد فيها معاناة ذات أبعاد متعددة كالحصار والحرب والقمع السلطوي، كل ذلك ضمن علاقات انسانية بين الضحية والجلاد، المرأة والرجل، وقد كشفت عمق التشوهات في الروح العراقية بسبب تلك الظروف، حيث يتحول الفرد في النهاية إلى وحش يقطع زوجته دون أدنى عاطفة بشرية. رواية هي وليدة معايشة عيانية من الكاتب، كانت اللغة فيها نتاج تلك المعايشة، وهذا ما خلق لها مصداقية مؤثرة تلامس روح القارئ.)(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. ميسلون هادي رأيها في موقع الروائي
2. نجم والي رأيه في موقع الروائي
3. شاكر الأنباري رأيه في موقع الروائي



ثائر مجدول أو الكائن لم يصبح قاتلا لزوجته في النهاية الا بعد أن مرّ بنفق طويل من المآسي والانفاق والأوكار المادية والنفسية، وعملية تنمية الوحش فيه جرت بسكوت وبكتمان وغيظ وكبت، وحين زالت المؤسسة من الوجود بعدسقوط النظام وخلال الفوضى، عثر في نفسه، كما يعثر الانسان في الطريق أو في أي منعطف، على كائن آخر ليس هو ولكنه يشبهه، خرج من أعماقه: اي عثر على الكائن، والكائن ليس الانسان ولكنه المتحول والشبيه، الكائن المصنّع عبر سنوات من الكبت والغضب والسخط الدفين وفقدان العدالة والجريمة: بمعنى ان هذا الكائن الذي ولد في الفوضى وشهوات الانتقام وفقدان النظام العام،لم يولد، فجأة، ولكنه مرّ، مثل أي مخلوق أو كائن، بمراحل نمو، وكل ما في الأمر انه كان الرحم والكائن المولود، أي ولد من رحمه. هل ولد من رحمه، حقا؟ وهل رحم هذا الكائن غريب ومعزول عن الرحم العام؟ ام انه الكائن الذي ولد من رحم تاريخ مغلق ونزل من بوابة منظومة قيم وبنية اجتماعية ونظام معايير؟
هذا الثائر ، يخرج من السجن بعد صفقة تقوم بها زوجته خمائل الحسناء مع مسؤول حزبي، صفقة تقوم على التضحية بجسدها من اجل انقاذ الزوج الذي يخرج من السجن لكنه هو الآخر خرج بعد اقتطاع نصفه الآخر، فتقول له الزوجة: (لقد فعلوها بك اذن...) تقولها لرجل يجهش في البكاء أمام عري جسدي.
العنف الجنسي من آليات عمل السلطة لأن الجنس استمرارية والسلطة احتكار، الجنس خصوبة وتناسل والملك عقيم، الخصوبة تنوع والسلطة اجتياح، الايروسية لذة والسلطة ثكنة:(لست أدري كيف كان شعورها وهي تحدّق بالمشهد الذي كان أمامها ! نعم رأيتها ذاهلة و عيناها تومئان إلى لهثةٍ ميّتة.كنت أجهش بالصمتِ في وجهها وأحاول أن أبقى ساكناً، ألاّ أحرّك من جسدي شيئاً، فالمقابر تحترم الموتى بصمتها وسكونها الهادئ . وأخيراً اكتفت زوجتي بالقول :- لقد فعلوها بك إذن).(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
(1) اعترافات كائن/11
منذ تلك اللحظة يواجه هذا الكائن قسوة التناقض الحاد بين الرغبة بل الشهوة وبين العجز ولم يكن مدركا، أول الأمر، ان خروجه بهذا النصف الباقي قد تم بناءً على صفقة تقوم على مبدأ العقاب الإكراهي نفسه: قدمت الزوجة بدورها نصفها الباقي كتضحية وكقربان( لا يقع منزل الغالبي بعيدا عن أور التاريخية وهو يعرف معنى القربان أفضل من غيره لأنه على أرض القرابين) ولم يكن مدركا أيضا انهما، الآن، ليسا في وضعيتين متناقضتين بل في وضع واحد لأن الإنتهاك واحد والقطع واحد، لكن المشهد يبدو لكليهما عبر مرايا مشوشة أو مقعرة.
هي تنظر الى عجزه كعاهة وليس كجرح نفسي وجسدي وروحي عميق، وهو، في النهاية، صار ينظر اليها، بعد اكتشاف علاقتها مع المسؤول الحزبي هاشم، من خلال المرايا نفسها أيضا،كعاهة وعاهرة وخائنة: هذه طبيعة النظر في المرايا المقعرة لدى المخلوقات المتحولة والكائنة، لأنها لا تنظر الى ذواتها عبر مراياها بل تستعير مرايا الاخرين المشوهة: قد تتحمل الرواية، في قراءة أخرى، تأويلا رمزيا يضع خمائل(الخمائل تعني الشجر الكثيف)المدللة والقعيدة من جلادها، والمقتولة، حباً وانتقاماً، في مسرح معد من قبل الزوج الضحية، في إطار علاقة رمزية أوسع كعلاقة تعاقب سيئة بين الانسان والأرض ، وهو أمر ممكن، لأن القراءة اليوم هي تفجير وبحث واحتمال وحقل رؤيا وتخيل بل وكتابة، لكننا سنغوص في الفوضى.
في الفوضى والسقوط ولد( الكائن) المُنَمّى والراقد والهاجع والمنتظر كغوريلا تولد من الرماد والدم والاحتباس والتربص، فيقرر في تلك الساعات أن يصفي الحساب، لكن مع من؟ مع الزوجة، ويجهز لها مسرحاً شكسبيرياً في المنزل ويلبس هو الملابس الزيتونية التي كانوا يلبسونها خلال استجوابه وتعذيبه: ولد الوحش المتماهي مع الجلاد كما كان متوقعا أن يحصل ـ في روايتنا(سنوات الحريق، 2000)يسأل الراوي أحد الشخوص وهما يجلسان في محطة قطارات بودابيست:" ماذا سنفعل يوما لو عدنا الى بلداننا ونحن نحمل معنا هذه الجروح النفسية؟" فيكون جواب الآخر:" نصير جلادين ـ ص 151". وهذا ما حصل.
في هذا المسرح الرهيب يظهر الكائن الآخر المختفي ويطرح الأسئلة على الزوجة بعقلية جلاد وباللغة والنغمة والاسلوب نفسه:( اسمكِ الثلاثي؟ العمر؟ السكن؟ الخ) كما لو ان الفوضى حررته من كل معرفة سابقة ومن كل التزام وينتهي الأمر بموت بطيء ومنهك ووحشي للزوجة التي حاولت أن تقوم بتضحية بنصف الجسد من أجل قضية الزوج وحريته الذي خرج هو الآخر بنصف جسد، ولم تكن تعرف ان حرية الزوج مؤسسة على فكرة الشرف، وان مفهوم الشرف عنده أهم من مفاهيم العلم والحرية والحداثة والقانون والأرض، في حين حاولتْ، عبر استمرار علاقتها مع المسؤول، الاحتفاظ بالنصف الاخر لعجز الزوج من أجل المتعة، أولا، ومن أجل منافع اقتصادية يوفرها المسؤول للزوج كالتزكية والعمل والشعور بالأمان، ثانيا.
السؤال هل الشخصية الروائية مضت في الطريق الخاطئ وهو قتل الزوجة :(حوّل غضبه ونقمته في الطريق الخاطئ) والكلام غير المكتمل والمحذوف هو ان على هذه الشخصية الروائية ان تقتل جلادها لأن هذا هو الطريق الصحيح، تماما كما لو أننا في محاكمة سياسية أو اجتماعية تتعلق بقضية ثأر وليست قضية أدبية تحُاكَم من داخل شروطها الادبية وليس شرطها الاخلاقي، لأن الشرط الأخلاقي للروائي هو أن يكتب بصورة جيدة ومقنعة وان يكشف عن أمر جديد ، أما التأويل فهو أمر آخر لكن القارئ ليس طليقا تماما في التأويل.
إن الحديث عن العقلانية (الصواب والخطأ) في السلوك، في حالة التماهي، هو نوع من الانشاء اللفظي في أفضل التعابير، لأن التماهي في الأساس" هو سلوك لاعقلاني ومحاكاة نكوصية لنموذج وليس امتلاكا له عبر سلوك طفولي ثُبتَّ لذلك حافظ على قوته المحفزة" وهو تفسير فرويدي منطقي، وهذا التماهي الذي يكمن فترة من الزمن ثم يظهر في سلوك جديد تقمصي يظهر بصورة "مشاعر جديدة"
في حالة كائن الغالبي نحن أمام شخصية روائية ممزقة شر تمزيق بين حروب وحصارات وسجون وذل وعوز وتعذيب واهانة ولم يكن التماهي من باب الاعجاب، اي ان هذا الكائن في جريمة القتل التي لم تكن تتم بدون اشتهاء جسدي واضح ورغبة عارمة لكنها رغبة ملجومة بعاملين: الرجولة الملغية في السجن، ومشاعر الخيانة، هذا الكائن الذي هو نتاج جديد لتمازج واندماج شخصيتين: الضحية وجلادها (رمز السلطة) هو مخلوق جديد خرج من ذاته كضحية ( كما حصل مع غيره) وامتص وهذا الامتصاص ـ انتج هذا الوحش البشري الجديد: جديد في لحظة الظهور فحسب لكنه قديم وكامن ، لكن هذا الكائن في قلب الفوضى والانهيار الشامل كان يريد ان لاينشغل بموضوع غير الشرف الشخصي
ان هذا القاتل والجلاد الهادئ والأنيق هو تدريب سنوات من العذاب حتى تم اخراج الذئب من أعماقه أو الوحش وأُطلق في الشوارع، وكل كلام عن العقلانية في هذه الساعات الحرجة لا يعني شيئاً.
المسرح الدموي الأخير الذي اقامه الكائن لزوجته بعد انهيار النظام ـ ليس النظام السياسي فحسب ولكن النظام العام، كل النظام، الاجتماعي، والقانوني والعقلي والاخلاقي الخ فكيف يحترم نظاما حوله الى نصف كائن؟ ـ هو صورة مكررة لحياتنا اليومية لكنها في(اعترافات كائن) صورة مكبرة مجسمة بقصدية، نحن أمام صورة عراقية نمطية مألوفة لكنها عند التكبير والتركيز وتسليط الأضواء الأدبية عليها تبدو بصورة بشعة، ومثل هذا المسرح الوحشي والبربري هو تقليد ليس نادراً حيث تجبر الضحية وهي امرأة دائما على المشاركة في حفر قبرها.
يبدو المسرح الأخير الدموي مسرحا أنيقاً ومحاكمته للزوجة على قسوتها وفي مسرح عائلي مرتب، واذا كان الكائن المضمحل الذات أو المحاكي لنموذج اخر قد قام بفعل القتل البطيء وعلى مراحل من أجل التشفي( كان يرتدي البدلة الزيتونية صورة التماهي الخارجية) وطرح عليها الأسئلة ذاتها التي تلقاها خلال التحقيق في السجن( التماهي مع النموذج بصورته الداخلية باللغة الصاخبة والبذيئة نفسها) فلأنه لم يكن يحاكم الامور بناء على بنية عقلانية بل بنية نكوصية رَسخَ عندها هاجس الانتقام وهو شعور غير عقلاني أصلاً.
قبل القتل المباشر، كان يمارس دور الجلاد الخفي في الكوابيس والأحلام مع نفسه ومع زوجته وهو الدور الذي سيمارسه على أرض الواقع وبهذه اللغة يسرد رؤيته لنفسه:(كان ثائر مجدول يقف أمامي ، يمزّق ثيابه و يذرف الدموع و كان صراخه عجيبا حقا، يشبه صراخ امرأة يتم اغتصابها بوحشية . كان ثائر ماردا لعينا يحاول افتراسي و تدمير كل ما حولي ورأيته يجذب خمائل من شعرها ثم يسحبها على الأرض)(1).
لكن المحير في مفارقات هذا العقل كيف يمكن القيام باعداد المسرح بالمعنى الحرفي للمسرح:كرسي وديكور وزمن اعداد ومراحل... والخ:(بدت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
1. اعترافات كائن/126

الغرفة كاملة التجهيز) وهو عمل عقلاني صرف لكن للقيام بمهمة قتل وحشية وهي حالة جنون؟
هكذا أعلن هذا الكائن بدء المحكمة:(في الرابعة و النصف تماما توجهت إلى غرفة خمائل جذبتها بعنف ، فزت من نومها هلعة و استبد بها الذعر . سحبتها من شعرها إلى الغرفة و طرحتها هناك على الأرض . لم يكن لملامحها وجود لقد مسخت خمائل مسخا و أمست شيئا آخر . أمرتها بالجلوس على الكرسي أمام المكتب و أغلقت باب الغرفة بإحكام ثم عدت لاتخذ مكاني خلف مكتب التحقيق: ـ السيدة خمائل اسمك الثلاثي و اللقب ؟) الخ الأسئلة التحقيقية. ولم يكتف بذلك بل قام بما هو أبعد: (وبالفعل أعملت الشفرة بذلك الشيء الخبيث، سلخت منه قطعتين صغيرتين من لحمه الذابل و جلست نصف جلسة لأتمكن من تقطعيه جزءا جزءا حتى أسمع منها اعترافها لكنها اكتفت بصرخة...).
حين لم يجد كائن الغالبي الذات أو الشيء أو الموضوع البديل الذي يمارس عليه تماهيه غير زوجته(كذات) وخيانة (كموضوع) وتعذيب ثم قتل( مشاعر جديدة ، إن انتهاك الشرف في السجن( شرف الكائن الجنسي) جاء من عدو وهو قادر على ايجاد تسوية أو صفقة عقلانية مع الذات قائمة على هذه الفرضية، ولأن الانتهاك الثاني جاء من داخل كيانه الأخلاقي والبنيوي والعائلي فهو أمر صعب الاحتمال: الغفران أو الصفح ـ النسيان غير ممكن ـ ربما للجلاد الأصلي أمر محتمل وممكن من خلال محاكمة عقلانية مع الذات من باب الرحمة أو الشفقة أو اللاعقاب أو اللاقصاص أو الرأفة أو النبل الشخصي أو التسامي... الخ والصفح الرسمي، خارج القلب، هو حمام دم مقبل، لكن تغيب المحاكمة العقلانية مع قضية شرف لا يتم الوعي بها في كون الجاني واحدا: الكائن المتحول الى جلاد والمتماهي معه غير قادر، في لحظة الانهيار، على أن يصفح عن الضحية الحقيقية(الزوجة)لكنه قادر على أن يتجاهل عن خوف مقيم معتق أو عن تشوش بلا غفران ولا صفح ولا نسيان عن الجلاد الأصلي للأثنين: في وضع لاعقلاني تتشابه الصور وتنقلب المعاني والأشياء.
حصل ذلك مع المسؤول الحزبي الذي أنقذه من السجن عبر صفقة الزوجة( بل تضحيتها الجسدية والأخلاقية من أجله هو) الذي كان يتردد على المنزل بسلاحه وثيابه الحزبية وكانت صلاته مع الزوجة مستمرة وقد اكتشف(الكائن) هذه العلاقة وتلصص عليها مرة عبر النافذة الخلفية، بل تواصل معه بعد ذلك تحت حكم الأمر الواقع، ليس النسيان والغفران والصفح ولكنه التأجيل والكبت، وعند سقوط النظام جاء هذا المسؤول الى منزل ثائر، متخفيا:( فاجأني هاشم وهو يرتدي ملابس ريفية أنيقة وجديدة، عباءة وكوفية و عقال و شارب غليظ لا أعرف متى تمكن من زرعه في وجهه).
لجأ هذا المسؤول، هارباً، الى بيت الكائن وزوجته وهما ضحاياه وكانت الزوجة غائبة في مكان آخر، فهل تماهى هو الآخر مع الضحايا وتقمص دورهم من أجل الخلاص في دورة التعاقب العراقية بين ضحية وجلاد وبالعكس؟ هل عاد الى مكان جريمته؟ لكنه قُتل من قبل مسلحين دخلوا المنزل وهو في فراش العائلة، اي فراش الزوجية، وتركوا الكائن ،هؤلاء الذين صفوا حسابهم مع (الجلاد) هم الذين مشوا (في الطريق الصحيح) وليس الكائن نفسه الذي( مشى في الطريق الخاطئ)حسب رأي سابق عرضناه: ولا ندري ماذا سيحصل لو استمرت هذه الدوامة؟ وأين مكان الصحيح والخطأ في قتل متبادل؟ الانقراض التدريجي؟ هل الطريق الصحيح هو قتل الجلاد أم قتل النظام المنتج له؟ في تفكيك جسد الجلاد أم في تفكيك النظام الاجتماعي والثقافي والسياسي الحاضن؟
السؤال العالق بعد هذا هو: هل صحيح ان ما اقدم عليه الكائن الروائي( وليس الواقعي) كان في الطريق الخاطئ؟ لسنا هنا في محاكمة اجتماعية قضائية اخلاقية عن الصحيح وعن الخطأ لأن الأخلاقية الأدبية شيء والاخلاقية الاجتماعية شيء آخر، ولا يمكن قراءة الأولى بمعايير الثانية، لكن يهمنا في الأساس هو أن هذا الخيال الروائي قد انتج نصاً روائيا ًمثيراً وواعداً بكثير من الآمال وباسلوب احترافي في أول عمل روائي


الخاتمة
تعد هذه الرواية هي الاولى لابراهيم حسيب الغالبي بعد ان نشر مجموعة كبيرة من القصص القصيرة في المجلات والصحف في السنوات التي اعقبت 2003فضلا عن ان له مجموعات شعرية قيد النشر ، وقد فازت هذه الرواية بجائزة موقع الروائي لعام 2008 والت صدرت عن دار التكوين – دمشق في 2009 وتقع في 146 صفحة من القطع المتوسط .
احداث الرواية تؤرخ للفترة بين صيف 2001 حيث تم اعتقال بطل الرواية ثائر مجدول لمدة ستة اشهر وتنتهي يوم 13 / 5 / 2003 حين يقوم ثائر مجدول بقتل زوجته
ولعل عنوان الرواية (اعترافات كائن)تشير الى السيرة الذاتية التي تنقل صورة الواقع المعيشي وكلمة (اعترافات) توحي بالبوح الذي يريد ان ينقله القاص الى الاخر
هذه الرواية هي واحدة من الكثير من الروايات التي كتبت لتنقل ظاهرة القمع وتجارب السجون والتعذيب في معتقلات الانظمة الشمولية العربية ، واثرها على الحياة والمجتمع والذي ينعكس على حياة الناس الاخرين ويبقى ذلك الاثر عل شكل معاناة دائمة
المسرح الدموي الأخير الذي اقامه الكائن لزوجته بعد انهيار النظام ـ ليس النظام السياسي فحسب ولكن النظام العام، كل النظام، الاجتماعي، والقانوني والعقلي والاخلاقي الخ فكيف يحترم نظاما حوله الى نصف كائن؟ ـ هو صورة مكررة لحياتنا اليومية لكنها في(اعترافات كائن) صورة مكبرة مجسمة بقصدية، نحن أمام صورة عراقية نمطية مألوفة
لقد نجح الغالبي في روايته وادى اداءا روائيا مذهلا يمكن ان نؤشر لكاتب روائي متميز يظهر على الساحة الادبية العربية


المصادر
1. اعترافات كائن لابراهيم حسيب الغالبي دار التكوين – دمشق / 2009
2. بناة العالم . ستيفان زفايج ترجمة محمد جديد دار المدى - دمشق – 2003
3. السمات الفنية في رواية القمع العربية . نزيه ابو نضال مجلة فصول مجلد 16 العدد 3
4. موقع الروائي


قديم 03-24-2014, 02:30 PM
المشاركة 2
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الدكتور جاسم شاهين
مرحبا بك دكتور جاسم في منابر ويسرني ان تكون اول مشاركة لك في منبر الدراسات. وجدتها دراسة مهنية محترفة. كنت افضل لو انها اشتملت على ملخص للحبكة حتى يفهم المتلقي الذي لم يطلع على الرواية التحليل بصورة افضل.

قديم 03-24-2014, 09:01 PM
المشاركة 3
الدكتور جاسم شاهين
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي شكرا
شكرا لملاحظتك استاذ ايوب وهي جديرة بالاخذ بها
ويمكن تحميل الرواية من الرابط التالي:
http://www.mediafire.com/?dvap45bx1a8yq58

قديم 03-25-2014, 10:21 AM
المشاركة 4
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
اشكرك دكتور على الرابط وارجو ان تتحفنا بمزيد من الدراسات هنا في منبر الدراسات ...


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: السرد في رواية اعترافات كائن
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
هل أوصلت رواية «زاجل» النصرالله تفاصيل السرد كما ينبغي؟! سعاد العنزي ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 0 06-11-2014 11:09 PM
اعترافات قاتل!!! عدي العزيزي منبر القصص والروايات والمسرح . 2 02-02-2013 07:50 PM
اعترافات عاشقة محمد عبدالرازق عمران منبر مختارات من الشتات. 4 11-06-2011 11:50 PM
اعترافات في محراب حبك وفاء لعرعري منبر البوح الهادئ 9 12-14-2010 01:03 PM

الساعة الآن 02:39 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.