احصائيات

الردود
0

المشاهدات
3883
 
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي


ايوب صابر is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
12,766

+التقييم
2.39

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7857
02-10-2014, 10:13 AM
المشاركة 1
02-10-2014, 10:13 AM
المشاركة 1
افتراضي رواية ‘مدارات الغربة والكتابة’ لأحمد المخلوفي: الرهان والجذور
رواية ‘مدارات الغربة والكتابة’ لأحمد المخلوفي: الرهان والجذور

خالد البقالي القاسمي
February 9, 2014
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

تؤكد الفلسفة الألمانية الأنوارية المرتبطة بالمدرسة الفينومينولوجية على سؤالين أساسين: كيف نعيش عندما نعود من العدم؟ وكيف نكتب انطلاقا من هذا العدم؟ إن الفلسفة الكامنة في هذين السؤالين هي فلسفة الألم التي هي مرادفة لمفهوم الكتابة أو الحياة، وهنا تكمن المفارقة التي تجمع بين مفهومي الاتصال والانفصال، بحيث كيف يتسنى للعائد من العدم أن يكتب أو يعيش؟ ثم من هو هذا العائد من العدم؟
كتابة الغربة هي إحساس بالضياع، بل هي توثيق للضياع، والكتابة عن الغربة عودة من العدم لأن الكاتب ساهم في إحياء شخصيات لم تكن تعيش اليومي أو الحاضر بل كانت تستبق المستقبل لتشييد الأحلام المجهضة، وهو ما يرد في رواية الأستاذ المخلوفي ‘مدارات الغربة والكتابة’ التي يتشكل نصها من ثلاث مائة وسبعين صفحة متوسطة، وهي صادرة عن منار الكتاب، مطبعة الخليج العربي، مدينة تطوان بالمملكة المغربية سنة 2011، صفحة الغلاف عبارة عن لوحة سوريالية تدل على تشظي النفسية البشرية وتمظهرها وفق عدة صور مختلفة مرتبطة بطبيعة الصراع والتدافع الحاصلين بين أطراف اللعبة التي تظل سمتها مطبوعة بمفهوم الانكسار لدى الشخصيات، و مفهوم التخثر في كل شيء.
إن الذي يقرأ عنوان الرواية يتصور لأول وهلة بأن هذا العنوان هو مقال في النقد، بحيث لا يدل العنوان على أحداث روائية، بمعنى أن الكاتب تعمد هذا العنوان قطعا لكي يوهم القارئ بعكس رغبته ونيته، لماذا كان الكاتب يهدف بصيغة ماكرة إلى إلقاء القارئ في تيه الوهم؟ إن هذا الاختيار عبارة عن لعبة حارقة، فهو اختيار يبقى مشرعا على الاحتمالين الوحيدين الواردين في هذا المجال، يسود النص أو يبيد. ولكن عندما نتفحص النص بعناية ونقرأ مكوناته نتأكد حقيقة من أمر جلي يدل على أن نص الرواية يعكس فعلا معنى المدارات التي هي في أصلها ذات علاقات علية داخل مجال دوائرها المتصلة بامتدادات مادية ونفسية وجغرافية وثقافية.
رواية أحمد المخلوفي ميثاق للغربة، والغربة حالة من الحزن العميق بسبب الابتعاد عن البلد الأصلي، إنها التأسف حول البلد الأصلي، وقد تكون الغربة من وجهة نظر سيكولوجية عبارة عن مرض نفسي ناتج عن الابتعاد عن المكان العادي للوجود الأصلي بمعنى إنها انعدام التكيف ورفض التوطين، ثم إن الغربة إحساس بالضعف أو عدم القدرة التي تظل لصيقة بشخص ما مرتبط بمثال ما أو يبحث بلهفة عن قيمة أو أهمية، وهذا بالضبط ما عملت الرواية على إثارته، أي شخصيات تحاول إعادة بناء المثال ولا تجد له مقابلا أو ندا سواء في تطوان أو الحسيمة أو امرابضن أو الدار البيضاء أو حتى هولندا، لقد انقرض المثال واندثرت معالمه وبقي المهووسون بحب العبودية يجوسون حول المزابل والقاذورات، ثم إن القيم جميعها وفي مقدمتها التضحية والقيادة أضحت متلاشية حبيسة الرفوف والكتب البالية، أما الأهمية فلا يشك مميز بأنها من رموز التبعية المزيفة، إن في الرواية غربة الماضي عندما كان كل شيء مبنيا على الانفتاح على الأحلام المحققة حسب تدرجها الزمني والمنطقي.
مع توالي الأيام فإن لعبة عملية إيقاظ الأحلام التي لجأ إليها الكاتب واعتمدها تقنية جوهرية لبناء روايته لم تعد ممكنة أو مسعفة، بمعنى أن الكاتب كان يتعامل فقط مع أطلال دارسة، لأن الأحلام التي حاول إيقاظها أصبحت مشوهة وتحولت روائيا إلى طموحات شخصية بسيطة مهنية مستندة على تصورات وآمال متواضعة، وحتى مشروع جليلة الذي طالما راودها وأرق مضجعها في إحساسها المتواصل بالتقصير وتأنيب الضمير أجهض في المهد بسبب الحريق الذي التهم المشروع ومدخرات العمر، ولا يعود الأمر فقط إلى تدخل الأمن، بل الكاتب نفسه اقتنع في روايته رغما عنه بعدم جدوى العملية وبعدم إمكانية نجاح المشروع، لأن الموضوع في عمقه عبارة عن غربة مركبة، غربة في غربة، لقد كان منطقيا وحتميا بل وطبيعيا أن تقتنع جليلة بحياتها في غربتها في هولندا وتقيم مشاريعها هناك، غربتها هناك كانت تستطيع استيعاب أنوثتها ومأساتها وطموحها ومن ثم مشاريعها، لقد كانت غلطة عمرها الأولى تراجيدية عندما أحبت بجنون الطالب الخلفي الذي خذلها بجبن ونذالة لأن الخلفي كان مثالا للكاتب الذي لا يملك إلا عريه، وعري الخلفي لم ينفعه في شيء، وكانت غلطة عمرها الثانية ساحقة عندما قررت إقامة مشروع في الدار البيضاء، إن غربة جليلة وأخيها عبد الله وزوجته زهرة والأبناء صابر وهدى تتجلى بوضوح في أنهم كانوا يريدون بيأس قاتل وعجز عدمي استرجاع الريف داخل مدينة الدار البيضاء، فابتلعت الدار البيضاء الحلم والنفس والمشروع والمال ورمت بالجميع في متاهة اليأس والإحباط والعدم.
لقد ظلت جليلة وهي سليلة الحاج علوش الشامخ أحد كبار قيادات الانتفاضة مثل غيرها من أهل الريف أسيرة لماضيها المأساوي فحاولت تصحيحه ولكن داخل جغرافية جديدة لم تستوعبه ثقافيا، ففشل كل شيء، وتحقق فعل الحلم المجهض بوضوح، ومن هنا يحق للجميع أن يتساءل لماذا ظل أهل الريف مرتبطين بالماضي؟ بانتفاضة سنتي 1958/1959 ؟ لأن حلمهم لم يتحقق فبقي مشرعا على جميع الإمكانات المتاحة، ولكن المحبطة، فعمدوا من أجل تعويض الخسارة النفسية التي أضيفت إلى الخسارة المادية إلى تقديس انتفاضتهم، وهو ما أكدت عليه الرواية ورسمته بدقة في جميع خطوطها العامة أي قدسية الانتفاضة أو الثورة، في مقابل عهارة الثورة، وهو مفهوم استعمله ‘كارل ماركس ‘ لتوصيف الثورة الفرنسية عندما اعتبر بأن هذه الثورة أصبحت رمزا للعهارة بسبب الألوان الفاقعة والمساحيق الصارخة التي أضفاها عليها الفرنسيون، لقد كان الكاتب واعيا بهذا وهو يبني روايته، فلم يفته توضيح الإحباط واليأس اللذين أصابا الجميع من إمكانية إعادة بناء وترميم ما انكسر وانفرط عقده.
عبد الهادي الصحافي الذي ساهم مع جليلة في توجيه دفة السرد في الرواية كان يضاجع هدى في الدار البيضاء، ثم يعود ليضاجع عمتها جليلة في هولندا، لقد كان يعتقد واهما بأنه يحقن فيهما معا بذور وقيم الفروسية والثورة والنخوة التي اندثرت مع تاريخ مضى، بذور مفعمة بالدم والدمع والبكاء، ورغم أنهما كانتا تحاولان كل حسب موقعها، إلا أن الشروط لم تكن مسعفة أو مساعدة على استعادة أمجاد الحاج علوش، لأن شخصيات الرواية كانت تعيش موتها الجغرافي والنفسي ويا للمفارقة، وتعتقد أنها وبصيغة فلسفية بحتة تستطيع أن تطرد أو تكلس الموت بالكتابة، بينما الأصل هو أن الكتابة ترسل إلى الموت، وهو ما يتحقق في الرواية التي نحن بصددها، إنها تصعيد نفسي، وتفريغ ذاتي لأحلام مستحيلة أجهضت وظلت ذكراها تثقل كاهل الجميع وتقض مضجعهم، إن توثيقها هو تقريب لها وتصالح معها تمهيدا لاتقاء سياطها، وتجنب تقريعها وتأنيبها.
لقد كان رهان الكاتب هو استعادة الجذور، فحاول القيام بذلك عبر جغرافيات متعددة ومختلفة، بالضبط هناك حيث يخترق الحكي اللازمان واللامكان، وهذا يدل على الحكايات التي تروى آخر العمر أو تكون في لحظات أخرى بدايته الأولى، لقد افتتح الكاتب الرواية بعتبة الخروج عوض عتبة الدخول لأنه كان على يقين تام بضرورة التعامل مع الماضي برؤية جديدة، رؤية واقعية مضبوطة، ولهذا نجد أن الرواية تبدأ بصيغة الاسترجاع القدسي وتنتقل إلى الواقعية الفعلية، بداية غرائبية مستندة إلى ولع الكاتب بلعبة الشيخ والمريد، واستحضار السارد ‘بوزيان’ الذي يظهر مرة أخرى، أو ينط من ‘انكسار الريح’ التي هي الرواية الأولى للمؤلف إلى ‘مدارات الغربة والكتابة’ وهو ممسك بزمام السرد في صورة شيخ وقور يتبع جيدا الجغرافية النفسية للكاتب، لقد كان هذا السارد قويا كاسحا ومهيمنا، ومن ثم كان حاسما عندما أومأ إلى عدمية الكتابة وعجز الكتاب والمثقفين عن إحداث التغيير، وهكذا أصبحت الفئة المثقفة متهمة من طرف الجميع ومهزومة لأنها خسرت كل الحقيقة.
أما رهان الرواية فيدور حول ذيول وامتدادات نكسة 1958/1959 عندما قام الجيش باجتياح منطقة الريف التي انتفضت في وجه المخزن أو النظام بسبب التهميش الذي طال مناطق الشمال والريف بالمغرب، وقد عمد الكاتب إلى تصريف روايته بواسطة حوار متواصل ومستمر مع الشخصيات التي نجدها منبثة ضمن عتبات النص ككل، والانتقال بين مكونات جغرافيا الرواية يتم عبر عناوين فرعية موحية مثل: عتبة الخروج وكان البدء طفلا حدث ذلك في حين بايعنا الفقيه معزوز الروداني في ورطة وبقيت غصة بينما ترك بعض الفصول بدون عنوان استهلال، وهي دلالة على وعي الكاتب بحياة نصه.
إن النص الروائي هنا رهان تاريخي، يربط الماضي بالحاضر، والوطن بالخارج، حيث مرة أخرى هناك إثارة لموضوع الأنا والآخر وفق مقولات القبول والرفض والنبذ، ثم إن الرواية وثيقة حية معيشة لتاريخ المغرب التعليمي والنقابي والسياسي، إن الحياة ليست فقط كتابة للذات بل هي كذلك كتابة لذوات الآخرين، والكتابة قد يعيشها البعض إحباطا، تماما كما عاشها السارد في الرواية.

*كاتب وناقد من المغرب



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: رواية ‘مدارات الغربة والكتابة’ لأحمد المخلوفي: الرهان والجذور
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حوار ادبي حول رواية "موت صغير" الفائزة بالبوكر لمحمد علوان ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 19 06-19-2017 03:31 PM
مدارات الشوق والحنين !! حسام الدين بهي الدين ريشو منبر شعر التفعيلة 8 09-24-2015 11:10 PM
المقدمة في نقد النثر العربي مشروع رؤية جديدة في تقنيات البحث والكتابة - علي حب الله د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 06-05-2014 02:16 PM
الرهان / انطون تشيكوف عمر مسلط منبر الآداب العالمية. 6 01-30-2013 01:33 PM
مدارات للقمرالشارد محمد نديم منبر شعر التفعيلة 1 05-20-2011 04:00 PM

الساعة الآن 08:32 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.