احصائيات

الردود
3

المشاهدات
2899
 
ندى يزوغ
من آل منابر ثقافية

ندى يزوغ is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
15

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Jul 2008

الاقامة

رقم العضوية
5240
06-19-2011, 01:06 PM
المشاركة 1
06-19-2011, 01:06 PM
المشاركة 1
افتراضي رجل يتمنى أن يعيش دون ذاكرة
رجل يتمنى أن يعيش دون ذاكرة
استنزف كل ما لديه من أوراق التفاؤل، وطاقات التأقلم والرضا بما تيسَّر له من لحظات يقتسمها مع غيره من بقية الآدميين الذين تبعثرت أوراقهم، وخاضت أيامهم ثورات ضخمة ضد ما ينبغي أن يكون، وضد ما هو موجود.
لم يعد قادراً على احتمال واقعه، أو القدرة على الابتسامة في وجوه تعوَّد أن يستقبل جبنها، وظلمها، وخذلانها، خصوصاً أولئك الذين وقف بجانبهم يوم كانت الشدة تقسم ظهورهم.
لم يعد يحتمل رؤية القصر الذي بناه هو وأصدقاؤه، وقد اعتزم آخرون على ردمه، تحت لافتات مستعارة، وأفكار سوداوية يعتقدون أنها المنقذ من الضلال أو هكذا يستسيغونها ويستنسخونها لتحقيق مآربهم، أما هو فلا يستطيع الدفاع عن نفسه، ولا حتى التفوه ببنت شفة، وإلا تعرَّض للإبادة.
عاد إلى نفسه وذاته التي أنهكته بتساؤلاتها، إلى متى سأظل وليمة سهلة؟!، إلى متى سأظلّ حبيس الاستسلام والتعويل على غد أفضل!، إلى متى ستظل حشائش قلبي طفيلية!؟.
اهتزت كل الكمائن بداخله كما يحلو له أن ينعتها، وفي لحظة..! تداخلت فيها كل المشاعر، ومحن الصراعات الداخلية، قرَّر الهجرة بعيداً عن وطن أعطاه الكثير، وناضل من أجله، وقدَّم له كل ما كان يملكه من طاقات، ولم يبخل قط بجهده، وصحته، وساعات طوال كانت ملكاً لزوجته وأطفاله، فكان يعصف أفكاره يبتغي الخلاص لأهله من خيوط الأخطبوط التي كانت تلفّ حول أعناقهم، وكان دوماً مناضلاً على جبهتين، فكان يحسب ألف حساب للجبهة التي من المفروض أن تكون سنداً له، ويده اليمنى.
كان يقرع جميع أبواب الاحتمالات، لئلا يكون الخطأ الأول هو الأخير، كما أنه كان دوماً يردِّد: "نحن نحتاج للفرح، كي نعبر حقول ألغامنا وندافع عن جماليات عيشنا".
يعشق "البيلسان" و"الزنزلخت" ويحسّ أن قلمه مشرطاً مثل الأوامر التي كان يعطيها للعاملين تحت إمرته أيام كان يعمل بمنصب عال. إذْ كان دوماً يقول: "أن الشخصية ليست ملامحاً، ولا الجسد جسداً، ولا الحب حباً، ولا الكره كرهاً".

كان يحلم أن يكون "سيناريست" (كاتباً مسرحياً)، أو مساعد مخرج، يوضِّح في الميدان قرب وابتعاد الكاميرا وحكاياتها الدائرية، وكان يحزن أحياناً لأنه يعتقد أنه كالحمار الوحشي الذي يتوقَّع الزلازل قبل وقوعها بدقائق، ويشم رائحة حريق الفصول القادمة قبل وقوعها.
حلمه في الحب أن يرفع أحباءه إلى السماء، وللرقي، ويردِّد دوماً: "ما قيمة الطيران حين نحلِّق وحدنا في سماء كئيبة حزينة!".
وفي لحظات أخرى شاحبة يعتقد نفسه لعيناً، وأن عالمه أشدَّ لعنة، ألأنه يعرف كثيراً في علوم الدواخل والدرامات؟!. فكل الناس عنده قصائد وإلياذة "هوميروس" ، فتبنى الأساطير الإغريقية وانسجم مع أبطالها وآلهتها، أما رهانات نصوصها فتتوغل فيه حد الوجع، والانصهار، مغلقاً عليه أحياناً كهفه، فلا يودّ الخروج منه، إلا وقد اكتنزت روحه تعبئة كافية من الطاقة، فلا تقبل شحناً إضافياً، ويعاود كرة الشحن من حين لآخر عندما ينخفض مستوى الطاقة في روحه.
لقد باشر كل الناس عن قرب، وبعمق، فكان يرحل عند المنعطفات، كما أنه تجوّل كثيراً بين البلدان، وعاش فصول حضارات مختلفة، وخضع لأحكام قدرية، كان يخرج من بعضها بحصيلة يفوح عبقها حكمة، وتناول كؤوس الإنسانية مع أناس تركوا بقوة بصمات في داخله، إلا أن التجربة الغجرية تبقى جذورها دفينة لا تغادره، بكل ملامح الغجر، وضوابط حياتهم، وجمالية الصور التعبيرية لديهم، حتى رقصهم ما زال متأبطاً بذراع مخيّلته، لا يفارقه حتى عندما يقرِّر الخلود إلى النوم، إذْ تشاركه في ذكرياته السلالم التي يتسلقها والفراشات الملوَّنة بقوس قزح.
لا يهنأ من أغلال ذكرياته مع الغجر، إلا وقد استحضر رحلاته عبر البحار بالسفن وفي آلاف الطرقات التي قطعها عبر القطارات، كل المحطات التي توقف عندها والتي أبرم معها اتفاقية لا شروط فيها، فقط هي شاهد من شواهد كثيرة، لذلك حصلت معه حالات الشبع مرات ومرات، ولهذا يغمره الحزن أحياناً على حين غفلة، لأنه يتذكَّر انكسارات الحياة، وذبول الفرح في عمق ارتعاشاته، خصوصاً عندما يتمنّى الرجوع إلى عالم الطفولة، عالم "اللا أمان"، والخوف، والبراءة، لعل الإحساس يعاوده بفطرة الأشياء.
لم تسلم طفولته من أذى تناقض عصره، فقد عرف يقظة مبكِّرة، وصحوة عرَّت الأشياء أمامه قبل أوانها، فاغتصبت بذلك لحظات طفولته، أثناء وقوفه عند أول امتحان له في الحياة، واستنتج مفهوم وكنه الطبقية، ومعنى أن يقتات البشر من الفتات في قمامات الأغنياء، وبطش الكلاب إذْ يمنعها من الاقتراب منها.
ألهذا السبب اعتمر لأيام طوال وهو يقرأ ويتأمَّل كل اليساريين بالعالم مثل الثوري "تشي كيفارا" ألهذا عشق "لوركا"، و"توم هانكس"، و العازف التركي"مورات"؟!.
وأكثر ما يعتب على نفسه تسرعها، وأحياناً "بوهيمية" تفكيره، التي تجعله ضحية إحساسه بالاختلاف، تلك "البوهيمية" التي يتنكر لها الكثيرون، لأنهم يجهلون جمالها، ولذة العيش بين أحضانها، فيتبناها هو عن طيب خاطر.
ندى يزوغ
مكناس المغرب























قديم 06-21-2011, 12:55 PM
المشاركة 2
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأديبة الكريمة ندى يزوغ المحترمة

أعجبتني مشاركتك بحق ، فالحياة في الوطن أصبحت هكذا . . وما نجد أمامنا سوى الصبر . .
من ناحية ثانية ، فالمشاركة ليست قصة (وهذا بالطبع لايعيبها بأي شكل من الأشكال) . .
بل هي تداعيات فكرية يمكن أن نعتبرها من بوح المشاعر أو أن تكون في منبر الركن الهادىء مثلاً . .
أما لماذا ليست قصة . . فلأنها لا تحوي مقومات القصة القصيرة كما اتفق عليها الأدباء . . كماأنها لا تحوي النهاية المناسبة المتعلقة بالأحداث الحاوية على فجاءة أو دهشة للقارىء . .

أرجو لك دوام الصحة والتوفيق . .
تقبلي تحيتي وتقديري . .

** أحمد فؤاد صوفي **

قديم 07-05-2011, 03:45 AM
المشاركة 3
نزار ب. الزين
عضو الجمعية الدولية للمترجمين العرب
  • غير موجود
افتراضي
الأديبة الفاضلة ندى يزوغ
قدمتِ هنا
وصفا دقيقا لحالة نفسية
لإنسان صدمه جحود الآخرين
مما دفعه للتفكير بالهجرة
صيغ النص بلغة مكينة
و أسلوب مشوق
***
سلمت أناملك و دمت متألقة
نزار

قديم 07-08-2011, 01:26 AM
المشاركة 4
عبدالحكيم مصلح
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بارك الله فيك اختي الفاضلة ندى على هذا النص الأنيق المتميز
تحيتي واحترامي مع جوري القدس بهية المدائن


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: رجل يتمنى أن يعيش دون ذاكرة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
" هناك من يتمنى الموت " مُهاجر نسمات إيمانية 0 02-17-2022 06:30 AM
ذاكرة قلب ياسر علي منبر القصص والروايات والمسرح . 9 01-22-2021 10:34 PM
بسمة ود في ذاكرة قلب حنان آدم منبر البوح الهادئ 11 03-03-2014 11:36 AM
من درر الشيخ د. عائض القرني (فن التطنيش لمن أراد أن يعيش) د/ محمد الزهراني المقهى 8 11-05-2010 10:28 PM
ذاكرة زمن عبدالسلام حمزة منبر البوح الهادئ 23 09-18-2010 05:31 PM

الساعة الآن 01:03 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.