قديم 05-28-2012, 07:49 AM
المشاركة 711
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جميل عطية ابراهيم

أوراق 1954:
بين المتغير الشخصي والتاريخى وحفظ ذاكرة الأمة


- المصدر : فتحي ابو رفيعة.

في مارس 1994 ، كان قد مضى 40 عاما على تنحية محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر التى أعلنت فى 18 يونية 1953. ومع أن التنحية الرسمية أعلنت فى نوفمبر 1953 إلا أنها كانت “تحصيل حاصل” منذ شهر مارس فى أعقاب ماعرف فى إطار التاريخ “الرسمي” لحركة 1952 بإسم “أزمة مارس”. على أن ماتكشف ولايزال يتكشف من حقائق عن خبايا ماحدث فى مارس 1954 حري بأن يجعل من هذه “الأزمة” حركة داخل الحركة، أو إنقلابا داخل الإنقلاب، أو ثورة داخل الثورة، أيا كانت التسمية التى يمكن إطلاقها على ماحدث فى مصر صبيحة 23 يوليو 1952. فقد أقصي محمد نجيب عن السلطة بشراسة لم يتعرض لها فاروق آخر ملوك مصر. وهى شراسة ربما تذكرنا بما تعرض له أحمد عرابى زعيم أول ثورة شعبية مصرية فى عام 1888. وفى مذكرات محمد نجيب المنشورة مالا يحصى من أشكال سوء المعاملة التى تعرض لها منذ أبلغه عبد الحكيم عامر فى 4 نوفمبر 1953 أن مجلس قيادة الثورة قرر إقصاءه عن منصبه وما تلا ذلك من تحديد إقامته فى فيلا منعزلة فى ضواحى القاهرة إلى أن تم الإفراج عنه فى عام 1983 بأمر من الرئيس حسنى مبارك.
و”أوراق 1954” للروائى جميل عطية إبراهيم هى قصة صعود محمد نجيب وسقوطه فى رحى الصراع على السلطة فى مارس من ذلك العام.
ويشير تعريف الناشر (دار الهلال) الوارد فى الصفحة الأخيرة من الرواية إلى أن الكاتب “يلتقط طرف الخيط من روايته السابقة “1952” ليكتشف هذا الفنان المؤرخ وراء السطح الصاخب للأحداث مسار قواها الدافعة الحقيقية المتنكرة خلف الأوهام والشعارات الرائجة”. ويضيف التعريف أن ربيع 1954 كان لحظة تاريخية حبلى بالإمكانات المتعارضة أمام حركة يوليو 1952، وقد انتهت بالهزيمة المؤقتة بكل غزارتها واختلاط تفاصيلها جزءا من النسيج الحي لحاضرنا.
وبقدر مايعكس هذا التعريف فى إيجاز بليغ فحوى هذا العمل الهام، فإنه يفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات والقضايا التى تثيرها هذه الرواية شكلا ومضمونا. ففى ضوء هذا التعريف هل يمكن اعتبار أن هذا هو الحكم الذى يمكن استخلاصه من الرواية على ماسمي بأزمة مارس 1954، وبالتالى على حركة – لا “ثورة” – يوليو 1952؟ وإلى أي مدى استطاع المؤلف الدفاع عن وجهة النظر هذه وترسيخها فى ذهن القارئ وإقناعه بها؟ ثم ماهى المعايير التى يتعين الحكم بها على عمل “الفنان المؤرخ”:هل هى معايير العمل الأدبي الفني أم معايير السياسة والتاريخ ودقة الوقائع التاريخية وتأصيلها؟ كما يثير “شكل” الرواية تساؤلات هامة عن اختيار هذا الشكل بالتحديد، وهو الرواية المتتابعة الأجزاء فى شكل ثلاثية أو رباعية أو غير ذلك، وملاءمة هذا الإختيار لموضوع الرواية.
عزبة عويس باشا، قرية صغيرة بالقرب من أهرامات الجيزة، هى الأرضية التى تنطلق منها أحداث رواية “1952” والتى تقدم الشخصيات المحورية فى هذه الرواية وفى جزئها التالى “أوراق 1954”. ومن هناك يرقب المؤلف ويرصد تفاعلات شخصياته فى اقتدار حقيقى. الباشا صهر الملك والذى ينتظر تكليفه بالوزارة. عمدة القرية وشيخ الغفر (الخفراء( وولده كرامه طالب قسم اللغة الإنجليزية المعجب بإليوت وأرضه الخراب؛ وزهية الفلاحة التى عشقته وحملت منه – فى لحظة نزوة – طفلا أسمته محمد نجيب تيمنا بقائد الثورة، لكن قلب كرامة معلق بالأميرة جويدان إبنة عويس باشا، وفى نهاية الجزء الثانى يلقى القبض عليه وهو فى طريقه إلى الخارج بصحبة أسرة الباشا؛ وعكاشة المغنواتى الذى يقوم بعملية فدائية ضد الإنجليز فى الإسماعيلية؛ والطبيبة المثقفة الضالعة فى العمل السياسى السرى أوديت السيد أحمد إبنة أستاذ الحقوق الكبير الذى نلتقى به فى الجزء الثانى من الرواية مستضيفا جمال عبد الناصر فى سنوات الثورة الأولى حيث يستشيره عبد الناصر فى قضايا هامة مثل تأميم قناة السويس، والمأساة أن أوديت تقتل فى حادث فى نهاية الرواية فيهتز لموتها د. يونس أستاذ الجامعة المفصول الذى يبدو أنه كان يحبها من طرف واحد.
هذه هى بعض الشخصيات التى يقدمها المؤلف فى الروايتين المتصلتين فى ظل الخلفية التاريخية لثورة يوليو 1952. وفى الجزء الأول من الرواية “1952” يتولى المؤلف سرد الأحداث وتقديم الشخصيات فى فصول متتابعة تضعنا فى النهاية أمام نسيج روائي محكم. أما فى الجزء الثانى فإننا نجد أنفسنا أمام شكل روائى جديد حيث قسم الرواية إلى فصول ترك فيها السرد لشخصيات الرواية نفسها وبعناوين تحمل أسماءها. وضمن هذه الفصول التى تتحول إلى شهادات تاريخية نطالع شهادات هامة لمحمد نجيب، استنادا إلى مذكراته المنشورة، تعبر عن ذروة الحدث الرئيسى الذى يبنى عليه المؤلف عمله الثانى وهو أزمة مارس 1954 وصراع السلطة بين محمد نجيب وجمال عبد الناصر. ولعل هذا يعكس رؤية المؤلف التى عبر عنها فى الجزء الثانى من الرواية بقوله:”القضية قبل 23 يوليو كانت واضحة. أما الآن بعد حركة الجيش فقد اختلطت الأمور.” إن اختلاط الأمور هذا هو الذى حدا بالمؤلف إلى إختيار شكل جديد للجزء الثانى من الرواية كي يتيح للقارئ التعرف على صورة كاملة لتطور الأحداث على لسان صانعيها ولسان من عاشوها.
وإذا كان من أهم أحداث الجزء الأول “1952” هو حريق القاهرة فى يناير من ذلك العام، فقد كاد عام 1954 – مسرح أحداث الجزء الثانى – أن يشهد حريقا مماثلا. ففى مذكرات محمد نجيب التى نشرها فى كتابه “كنت رئيسا لمصر” يقول :”كنت قد أدركت أن مجلس الثورة أراد إحراق البلد وإحراق الديمقراطية، وطلبت ساعتها زكريا محي الدين فى التليفون وقلت له:
- أنتم تلعبون بالنار يازكريا، والنار ستحرقكم قبل أي شىء آخر، وعليكم أن تتحملوا نتيجة ماتفعلون.
ولأن الوقائع التاريخية تشكل العمود الفقرى لأحداث 1952/أوراق 1954 فلعلنا نتساءل هل يشكل هذا العمل تاريخا فى شكل رواية أم رواية “تتعامل” مع التاريخ؟ إن الرواية، بجزأيها، تمزج بين شخصيات عامة بأسمائها الحقيقية ووقائع مستقاة من مصادر تاريخية يعتد بها، وشخصيات أخرى هي أيضا بالتأكيد شخصيات حقيقية ولكن لأنها ليست شخصيات عامة (أو غير محسوبة على الشق التاريخي فى الرواية) فإننا نعتبرها فى النهاية “شخصيات روائية” سواء ابتدعها المؤلف أو انتقاها وأدخلها فى النسيج الروائي لعمله. ومن هنا يصبح التاريخ عاملا مزدوجا: فهو الذى يشكل الأحداث؛ وهو من ناحية أخرى الأحداث نفسها وقد تشكلت بصورة أو بأخرى.وفضلا عن أنه يوسع من الأبعاد الزمنية للرواية من خلال توسيع نطاق حركة شخصياتها وتفاعلاتهم ، فإنه يشكل فى حد ذاته إطارا للأسباب والدوافع وراء الوقائع التاريخية (التى عادة مايكتنفها الجمود والتعقيد) فتتحول على يد الروائي الحصيف إلى وقائع “روائية” تربط بين المتغير الشخصي المحدود والمتغير التاريخي الأوسع نطاقا وتعكسهما معا فى ظل خلفية زمنية دائبة التغيير والتحول.
إن أربعين عاما قد مرت على أزمة مارس 1954 كتبت فيها آلاف الصفحات عن أحداث ذلك الربيع العاصف. واختلطت أوراق كثيرة. وعلى مدى أعوام عديدة سادت وجهة نظر واحدة متحيزة هى وجهة النظر التى كانت تسمح بها السلطة حتى وفاة عبد الناصر. ثم ظهر سيل من الدراسات والمذكرات الخاصة والوثائق السرية التى كشفت عنها الخارجية البريطانية والأمريكية. وهاهي “أوراق 1954” لجميل عطيه إبراهيم ثقدم لنا منظورا عاما جديدا لوقائع تلك الأزمة.
ولذلك، فإن جميل عطية إبراهيم، فى جانب كبير من “أوراق 1954” لايؤلف أحداثا وإنما يعرض “وقائع تاريخية” من وجهة نظره، يحدوه فيها إيمان قوى بالوعى التاريخى ، وبأن هذا الوعى، كما يقول هيربرت ماركوز، هو الأساس البنيوي الذى تقوم عليه المعرفة السياسية والعمل السياسي ، وهو المنهل الذى يولد الأدب والفن والشعر والموسيقى والعلم. وهو أيضا يتوخى مقولة ماركوز بأن نسيان آلام الماضى ومعاناته إنما يمثل العفو عن القوى التى تسببت فى هذه الآلام، وبأن الجراح التى تندمل بمرور الوقت هى أيضا الجراح التى تحمل السموم، وفى مقابل هذا الإستسلام للزمن تصبح استعادة الوعى، كوسيلة للتحرر، مهمة من أسمى مهام الفكر الإنسانى.
إن تصدى المؤلف لمهمة كتلك – من استثارة للوعى وتعميق المعرفة السياسية وطرح الوقائع التاريخية من منظور جديد إلى الإلتزام بالإطار الروائى والزمنى الممتد منذ بدايات 1952 – ألقى عليه عبئا مضاعفا من حيث تحريك عدد كبير من الشخصيات أمام خلفية من الأحداث السريعة وغير المتوقعة. ومع أن المؤلف يترك شخصياته تتحدث عن تجربتها فى فصول مستقلة فإننا نكاد نراه يقف بينها جميعا كمخرج مسرحى يوجه حركتها وينظم أدوارها إلى أن يمسك فى تهاية الرواية بجميع الخيوط التى بدأ بها فى رواية 1952.
والرواية مليئة بالإيحاءات والأحكام وهى تنتهى بالقبض على “كرامة” دون أن يرى ابنه غير الشرعى “محمد نجيب” فى كنف أمه الفلاحه “زهية” التى استطاعت أن تستميل إليها قلب الدكتور السيد أحمد باشا حتى أنها وقفت إلى جواره تتلقى العزاء فى إبنته الفقيدة وقرر بناء على طلب إبنته أن يؤول ميراثها إلى زهية وطفلها.
وكان من رأى السيد أحمد باشا، وهو من كبار فقهاء القانون الدولى، أن “سنة 1953 هى أخطر السنوات التى مرت على مصر وليست سنة 1952. فطرد الملك لم يكن سوى جملة اعتراضية فى خضم الأحداث، أما فى سنة 1953 فقد تمت تسوية الأرض لخلق الجو المناسب لإقامة دكتاتورية بعد قصقصة أجنحة جميع الرجال وإلغاء الأحزاب والدستور وإعلان فترة انتقال لمدة ثلاث سنوات.”
ولعل المؤلف أراد أن يقول على لسان بطله المستنير أن تلك كانت المقدمة المنطقية لما تلى ذلك من أحداث بلغت ذروة مأساتها فى نكسة 1967 ولا تزال آثارها باقية حتى الآن. ولعل ذلك أيضا يعطينا إشارة بأن أحداث ذلك العام الكئيب والفاصل ستكون موضوع الكتاب الجديد فى مسلسلته الرائعة

قديم 05-28-2012, 07:51 AM
المشاركة 712
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
7)
جميل عطية ابراهيم في “1981”:
فاجعة اغتيال العقل وفقدان الذاكرة

المصدر- فتحي ابو رفيعة
لكل أمة ماض ثابت ومستقر، أما المستقبل فهو غير معلوم. وإذا كان لنا أن نعرف الماضي فإنه لايسعنا سوى التكهن بالمستقبل. أما الحاضر فلا هو ثابت ولا مستقر، وهو سرعان ماينحسر دوما بين تلافيف الماضي. وإنه فقط من خلال تفسير الماضي ورؤية الحاضر من خلال هذا التفسير يمكننا أن نحدد موقعنا الحالي على خريطة العالم. وبمعنى آخر، فإنه إذا كان يستعصي علينا استقراء المستقبل، وتستغلق علينا قراءة الحاضر، فلا أقل من استكناه الماضي. وإذا عرفنا ماذا كنا، فربما نكتشف ماذا نكون. إنها التساؤلات التاريخية الأزلية: ماذا حدث؟ ولماذا حدث؟ وما هي التفسيرات المختلفة لماحدث؟ الوقائع، والتفسير، والمغزى. إنها باختصار العناصر الأساسية لفلسفة التاريخ. هذه التساؤلات ومحاولات الرد عليها هي فحوى عمل جميل عطية ابراهيم العظيم: ثلاثية 1952 التي صدر مؤخرا الجزء الثالث والأخير منها تحت عنوان “1981”.
وقد تناول المؤلف في الجزء الأول إرهاصات الثورة وقيامها، وتناول في الجزء الثاني ماسمي بأزمة 1954 التي أطاحت بالرئيس محمد نجيب. نعم، لقد كان1952 و 1954 تاريخين هامين في عمر الثورة وفي مسيرة الوطن. وكانا تعبيرا عن مرحلة مفعمة بالآمال والأحلام وأيضا بالصراعات التي هددت الثورة من الداخل إلى أن مرت العاصفة، وانتصر جناح على آخر، وبدا أن الأمر أصبح مهيأ للثورة كي تحقق أحلامها الموعودة. وقد استطاع جميل عطية ابراهيم أن يرسم معالم هذه المرحلة بكل الصدق وبكل الأمل في تحقيق الحلم والخوف من تبدده. فأي طريق سلكته الثورة؟ أو أي طريق أريد لها أن تسلكه؟
ربما تصور البعض أن المؤلف، سيرا على المنهج التاريخي التقليدي، سيتوقف عند 1956 أو 1967 أو 1973، وكلها تواريخ هامة وإن كان يجمع بينها أنها كلها تواريخ معارك وحروب. لكن جميل عطية ابراهيم، بحركة ساحر، أخرج من جعبته “جوكرا” مسح القديم والجديد، وغطى على مايمكن أن يقال عن أي من هذه التواريخ وغيرها والتي قادت جميعها إلى هذه النقطة الفارقة في تاريخ الوطن: نقطة الإنهيار أو مرحلة الكتلة الحرجة Critical Mass التي كان لابد عندها من تعديل المسار: ينطبق هذا على الوطن ككل وعلى شخصيات الرواية فردا فردا، كما سنرى.
ثلاثون عاما، 1952 ـ 1982 ، أعمل فيها جميل عطية ابراهيم قلمه وفكره ليس بمنهج الرواية التاريخية التقليدية ولكن بأسلوب المؤرخ الفرنسي البارع فرناند برودال مؤسس المدرسة البنيوية في تسجيل الحوليات التاريخية والذي اعتبر من طليعة مؤرخي مدرسة مابعد الحداثة. وتجسد نظرية برودال فكرة التاريخ الممتد أو الطويل الأجل في مقابل الوقائع القصيرة الأجل، بما فيها الحروب والغزوات. وتركز مدرسة الحوليات، التي بلغت ذروة تأثيرها خلال الستينات والسبعينات، على التاريخ العام والشامل وعلى تنوع التفاعلات التي تشكل في النهاية قاعدة عامة موحدة أكثر من تركيزها على التاريخ السردي التقليدي. ويستجيب برودال لنظرية نيتشه من حيث كتابة التاريخ من مواقع ومناظير مختلفة تشمل الإجتماعي والثقافي والإقتصادي والأنثروبولوجي. ويعكس جميل عطية ابراهيم هذا المفهوم المتعدد الجوانب للتاريخ في ثلاثيته التي تبدأ في عزبة عويس قبيل قيام ثورة 1952 وتنتهي في عام 1982، حينما تجمع الغربة والإغتراب بين بعض أبطالها خارج الوطن، لكنهم يقررون في لحظة هامة من لحظات اتخاذ القرار أن يعودوا إلى “عزبتهم” وإنقاذها من الخطر الذي يتربص بها.
من الشخصيات الرئيسية في “1891” كرامة سرحان السقا، طالب اللغة الإنجليزية، الذي التحق بعد تخرجه بوزارة الخارجية، وتزوج من الأميرة جويدان إبنة اللواء عويس، أما زهية الفلاحة التي حملت منه، في لحظة نزوة، طفلا أسمته محمد نجيب تيمنا بقائد الثورة، فقد التحقت بخدمة الدكتور أحمد السيد باشا أستاذ القانون الذي فقد إبنته في حادث يتعلق بنشاطها السياسي، وانتهى الأمر بزواج زهية من الباشا، الذي قام بتربية محمد نجيب الذي أصبح عمره الآن ثلاثين عاما.
في نيسان 1982 (نيسان أقسى الشهور، إفتتاحية “الأرض الخراب” الشهيرة لإليوت التي كان يعشقها كرامة سرحان ويرددها في سنوات صباه)، هاهو نيسان يعود بعد ثلاثين عاما بقسوة أشد. فقد حضر إلى جنيف، حيث يعمل كرامة مستشارا بالبعثة، الباشا وزوجته التي أصبحت الآن زهية هانم، ومعهما إبنه ـ أي إبن كرامة ـ المعروف بأنه إبن زوجة الباشا من “رجل آخر”. وستظل صفة “الآخر” هذه تعذب كرامة إلى أن يقرر الإعتراف بإبنه في آخر الرواية، التي تنتهي بموت الباشا، وربما ـ كتحصيل حاصل ـ زواج كرامة من زهية وانفصاله عن زوجته الأميرة التي ثبت حتى نهاية الرواية أنها لاتزال تتآمر ضد عزبة عويس وأهلها.
هذا هو السياق الروائي لـ “1981” الذي يطوي في ثناياه نصا زاخرا بالرؤى والأفكار والأحكام والشخصيات التي تتحرك حركة دؤوبة في كل اتجاه. وهاهو قصر الأمم في جنيف يشكل مسرحا دوليا يختلط فيه العام والخاص، ويدلف بنا المؤلف ليس فقط بين دهاليز هذا المبنى التاريخي وكواليسه السياسية والدبلوماسية ولكن ايضا بين خبايا النفوس البشرية فنتعرف على شخصيات فريدة أبدع المؤلف رسمها وسبر أغوارها: أميرة تحولت إلى مترجمة وتعاني من الوحدة في أواخر العمر، لازوج ولا ولد، وعينها على المصير الذي ينتظرها: بيت المسنين؛ وملازم سابق في الجيش (هو أيضا تحول إلى مترجم) وحكاياته عن مؤامرة قام بها ضد عبد الناصر وانخراطه في العمليات الإنتحارية في سيناء في أعقاب نكسة 1967؛ والخال عباس أبو حميده الإشتراكي الذي هدته الغربة.
على أن أهم الشخصيات التي قدمها جميل عطية ابراهيم في “1891” هي شخصية الأستاذ عبد الله صابر التي أفرد لها تمهيدا صدر به روايته. فهذه الشخصية التي لم يكن لها وجود في الجزأين السابقين إن كانت توحي بأي شىء لأول وهله فلا أقل من أنها توحي بشخصية سقراط العظيم، المثقف الأزلي، الباحث عن الحقيقة.الأستاذ عبد الله صابر الذي يضطهد ويعتقل بسبب أفكاره، ويتحلق حوله الصغار والكبار في القرية يحكي لهم ويسمع منهم، ومع ذلك فهو يردد لهم دائما أن “جعبتي خالية ياأولاد من الإجابات، هي تساؤلات نطرحها على بعضنا البعض حتى نعثر على حكيم يفتح أعيننا على الحقيقة.” ولكننا ماأن نتعلق بهذه الشخصية ـ التي ربما أراد لها المؤلف أن تمثل العقل أو روح الشعب ـ نفاجأ بأنه “في اليوم التالي عثر على عبد الله صابر مكوما أمام باب الدار وقد اخترقت جسده عدة طعنات بخنجر من الخلف.”
لماذا يبدأ جميل عطية ابراهيم روايته بواقعة تمثل إغتيال العقل؟ لعله يعبر بذلك عن حكمه على ماآلت إليه الأمور في عزبة عويس التي كانت في الجزأين السابقين تعبيرا وتجسيدا للوطن؟
هنا، تتأكد مرة أخرى، مثلما تأكدت في الجزأين السابقين، رؤية جميل عطية ابراهيم للكتابة باعتبارها تعميقا للوعي التاريخي الذي يشكل الأساس البنيوي الذي تقوم عليه المعرفة السياسية والعمل السياسي، وإيمانه بمقولة ماركوز بأن استعادة الوعي، كوسيلة للتحرر، هي مهمة من أسمى مهام الفكر الإنساني. وهاهو كرامة سرحان، الشخصية الرئيسية في الرواية يسترجع ذكرياته المكبوته، وفي هذا الإسترجاع يحدث التحول في شخصيته السلبية إلى الشخصية التي يريدها لنفسه. في هذا الإسترجاع يتحول سرحان من مجرد “الآخر” إلي “الأنا”، ويحقق لنفسه السعادة والحرية.
إن ذاكرة الوطن هي همّ أساسي يحمله سقراط جميل عطية ابراهيم، وتصبح من الشواغل الرئيسية التي تتمحور حولها الرواية. “لقد خلقت الجماعات الإسلامية، التي تتخذ الإرهاب وسيلة لتحقيق أهدافها، ذاكرة أخرى للوطن، العودة إلى القرن الأول الهجري تحت شعار تطبيق الشريعة الإسلامية والإسلام هو الحل.”
“ـ والحل؟
“ـ الدفاع عن ذاكرة الأمة وتاريخها. التصدي لهذه الجماعات في الشارع المصري دفاعا عن أحلام الشعب.”
من هذا المنطلق يصدق على ثلاثية جميل عطية ابراهيم وصف الرواية “الجمعية” التي تستهدف استثارة وعي الجماهير والتعبير عنه في مواجهة ماتتعرض له هذه الجماهير من عنت ومن استلاب للحلم. وفي الرواية الجمعية تقوم الجماعة أو المجتمع بدور الشخصية الرئيسية، ويتعين على المؤلف أن ينقل هذا الإحساس الجماعي الذي يصبح أكثر أهمية من التركيز على شخصية الفرد. وهذا هو الإحساس الذي نجح جميل عطية ابراهيم تماما في نقله إلى القارئ.
ولأن 1981 هو عام اغتيال السادات فإن “1891”(الرواية) تتضمن الكثير من الأحكام على الحقبة الساداتية وهي أحكام تخضع في مجموعها للقبول أو الرفض. من هذه الأحكام مثلا مايقوله عباس أبو حميده الإشتراكي : “لاتنس ياسعادة المستشار أن الرئيس (السادات) قد حكم برجال عبد الناصر فيما عدا القلة من رجال مكتبه والمقربين إليه ، هؤلاء وضعهم في السجن بعد محاكمة سياسية ظالمة ليتخلص من منافستهم له.” (؟) ويقول أحد شخصيات الرواية:”المأساة أننا خرجنا جميعا في وقت مبكر جدا ونحن في قمة العطاء. حقيقة لايبقى على المداود غير شر البقر. الطاعون والمجاعات هي وحدها التي تجبر الناس على الفرار، وما جرى في مصر في زمن السادات يشبه الطاعون، فرار جماعي.” وتضيف هذه الشخصية قائلة :”مانردده هذه الساعه في جنيف يردده مئات غيرنا، من المثقفين المصريين المطرودين، في كافة أنحاء المعمورة. مقاهي لندن وباريس وروما وبرلين تغص بالمصريين، حتى المدن الصغيرة في بلدان الشمال عرفت المهاجرين المصريين لأسباب سياسية.” وفي مكان آخر يقول المؤلف إن “السادات رحمه الله استحق مصيره ليس لأنه وقع اتفاقية سلام مع اسرائيل، فكلنا يعرف أن اتفاقيات السلام غير العادلة ليست إلا هدنة حرب، لكن أخطاءه السياسية هي أنه عمل لمسح ذكريات الوطن… ذكريات الوطن ضاعت في عهده من أذهان الناس، والوطن هو الذكريات.”
عزبة عويس الآن “…غارقة في الهم، وصفار شمس العصاري كالذهب المزيف يثير الشجن. … منذ الهوجة التي حلت بعزبة عويس … قلت الأشغال وكثر الكلام وانتشرت الحواديت. يتجمع الفلاحون في السوق بحثا عن قطعة لحم وحزمة جرجير وأربع بيضات بشق الأنفس. أما الزبد والجبن القريش فقد اختفيا وحل محلهما الزبد والجبن الدانمركيان.” أهالي عزبة عويس أصبحوا يتسوقون حاجياتهم من سقارة والبدرشين وأبو النمرس، وفي الرايحة والجاية يلعنون هذا الزمان. عيونهم على مكتب البريد لتلقي الحوالات من الأولاد الذين يطفحون “الكوته” في بلاد النفط الغنية. النقود جرت في أيديهم، وعزت عليهم اللقمة.”
“تتحول الدكاكين الطينية إلى بوتيكات بها سجائر مستوردة وكوكاكولا لكنها خالية من رغيف الخبز والجبن والفول والطعمية. بوتيكات تباع فيها الحلي والتماثيل إلى السياح ويجري فيها تغيير العملة سرا.”
عزبة عويس التي كانت تستعد لإقامة مشروع لتعليب الخضروات، من كثرتها، والتي كانت تباع فيها المانجو بالكوم والخضروات بالشروة، تغير حالها. لم تعد مفرداتها زراعة وتصنيعا واكتفاء ذاتيا ولكن سياحة وانفتاحا وتاكسي بالنفر وتحويل عملة وتأشيرة خروج إلى بلد عربي وتوظيف أموال. “أحلام كالذهب الفالصو في شمس العصاري التي تغرق السوق.”
في”1981″، واتساقا مع ذروة الأحداث في الثلاثية، تسمو لغة الرواية إلى مستوى رفيع وبالغ الدلالة والتعبير:
“شمس الماضي أشد فتكا بالروح من أحلام المستقبل الوردية التي لم يقدر لها التحقق بعد. هي تبزغ فجأة فتعري الحقائق وتزيل عنها تلك الستائر الواهية التي طرزتها الأيام والليالي.”
“ الغربة بطالة، ونحن بشر. رنت في أذني كلماته كالنفير الناعق في مقطوعة موسيقية مليئة بالشجن. و “1981” هي هذه المقطوعة ذاتها، وهي تحمل شجنا لايوصف، وهو شجن يبدو أن المؤلف يحسه حتى النخاع، ولهذا فقد جاء التعبير عنه بكل العمق والسلاسة: “أمضيت عمري كله متغربا. طحنتني الغربة في عزبة عويس بين أهلي وناسي. وفي الغربة الحقيقية تجرعت كأس الوحدة حتى الثمالة.”
هناك أيضا الكثير من الإيحاءات والتلميحات التي لايتسع المجال لذكرها، لكن أهميتها تكمن في أن المؤلف يعني كل كلمة وكل عبارة ويعني ماوراءهما من دلالات . في مطلع الرواية تطغي على القرية نذر “التقسيم”، ومع أن المقصود هو تقسيم الأراضي الزراعية بعد تجريفها تمهيدا لبيعها وتحويلها إلى أراض للبناء، إلا أن شبح كلمة التقسيم بمدلولاتها السياسية يفرض نفسه على السياق. “مات جمال عبد الناصر، فانفض مولد الثورة، وتفرق الناس.” وفي آخر الرواية، وحينما يقرر كرامة المثقف وعباس أبو حميدة الفلاح الثوري العودة إلى القاهرة لإنقاذ عزبة عويس، تقول إحدى الشخصيات في تعبير لاتخفى دلالته:”يبدو أن عزبة عويس عليها العين منذ حركة الجيش.”
إن جميل عطية ابراهيم حينما تصدى لقراءة ـ أو إعادة قراءة ـ ثلاثين عاما من تاريخ الوطن فقد كان يدرك أن التاريخ هو أكثر من مجرد حادثة تلو أخرى، وأكثر من مجرد استرجاع وقائع قديمة، بل وكان يدرك أنه أكثر من مجرد ماوقع من أحداث. لقد نظر جميل عطية ابراهيم إلى تاريخ هذه الفترة باعتباره خطابا سياسيا يفوق مجرد سرد أحداث الماضي وتفسيرها ليصبح تعبيرا عن مجمل تجربة شعب وتفاعل العلاقات بين أفراده في ظل المعطيات التاريخية لهذه الفترة. وقد جعل ذلك من ثلاثيته عملا كلاسيكيا أصيلا سوف يحتل دائما مكانته بين شوامخ أدبنا الحديث.

قديم 05-28-2012, 08:03 AM
المشاركة 713
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قيمة النص/ نص القيمة ... د. مصطفى الضبع
التاريخ: السبت 02 أكتوبر 2004
الموضوع: نقد


ترقينات نقدية :

قيمة النص/ نص القيمة . رواية 1952 نموذجا

تعد" 1952"، للروائي المصري جميل عطية إبراهيم رواية واقعية بوقوفها عند مرحلة تاريخية ذات ملامح محددة في التاريخ المصري ، ولرصدها لأحداث لا يخالفها الواقع التاريخي (ثورة يوليو) ، ولا يختلف عليها من يؤرخون لهذه الفترة التي تمثل منعطفا تاريخيا مؤثرا في تاريخ المنطقة العربية كلها ، ثم هي في نهاية الأمر تقف عند أشخاص كان لهم وجودهم الواقعي المؤثر تماما كتلك الأحداث المشار إليها .

من البداية يحيلنا النص لقيمة عددية ليست مقصودة في ذاتها ، إذ هي تشير لقيمة تاريخية ، حيث لا قيمة للعدد خارج الإطار التاريخي (1) ، ولا معنى له إن لم يقترن بالتاريخ ، أو بالواقع التاريخي المحدد .
والتاريخ هنا يمثل بؤرة أو مركزا زمنيا ليس منفصلا عما قبله كما إنه يحيلنا –بالضرورة – لما بعده ، فإذا كان التاريخ خارج النص من صنع الواقع ومعطياته ، فالتاريخ داخل النص في امتزاجه بالتاريخ النصي (2) يطرح صيغة جديدة – ويجب أن تكون كذلك – على المتلقي الذي يكون مشغولا بمراقبة المعطيات الفنية ، وليس مراقبة التاريخ في حركته داخل النص ، متجنبا التشتت إن هو تحرك بين التاريخين : النصي والواقعي ، ولا تتحقق له المتعة إن هو ظل يتحرك بين النقطتين : التاريخ خارج النص ، والتاريخ داخله .

قيمة الحكي والحكاية .
منذ الفاصلة السردية الأولى يحيلنا الروائي للحكاية بوصفها قيمة دافعة ومحركة ، ومن قبل ذلك حافظة للتاريخ ومعطياته ، وقيم الماضي ، والقيم الواجب الحفاظ عليها ، يطرح الاستهلال النصي الحكاية القيمة بمكانها وزمانها وشخوصها ، الحكاية في بعدها القريب من الأسطوري ، الممتزج بالإنساني ، ولا يكتفي الروائي في استهلاله بأن يضع متلقيه في خط الحكاية ، وإنما يروح يبث مجموعة من الإشارات النصية عبر استهلال بقوة المتن :
" عزبة عويس غارقة في "صفار شمس العصاري " وقد خفت حركة البيع والشراء في سوق الخميس وتفرق الخلق في دوائر وحلقات .
حلقة من الخلق حول الرفاعي المخاوي للثعابين وهو يرقى الشباب ويأخذ عليهم العهد بعدم إيذاء صنف الثعبان والحية .
وحلقة أخرى حول الصندوق وقد تسمر ستة من الصبيان والبنات وأسدلت على رؤوسهم ستارة سوداء وعيونهم تحدق في العيون والصور الملونة تجري أمامهم ملهبة لخيالاتهم ومبددة للخمول الذي يصيبهم طوال الأسبوع .
يستمعون إلى أصل الحكاية ويرون أبطالها كل خميس مقابل ثلاثة مليمات يجمعونها في صبر ، ويحرصون عليها ويعطونها للعجوز عن طيب خاطر " (3)
يتجاوز الاستهلال وظيفته التقليدية بوصفه ممهدا للنص ومهيئا للدخول للمتن ، فالإشارات النصية التي يتضمنها الاستهلال تكاد تكون القانون النصي أو بداية التعاهد بين النص ومتلقيه ، حيث النص يقدم نفسه ، وعلى المتلقي أن يكون على وعى بما يطرحه النص من إشارات دالة لا يمكن للتلقى أن يستقيم دون الوعى التام بها (4) وقد صاغها السارد محكمة مستثمرا إمكانيات صيغة نحو النص ، ونحو اللغة (يورد الجملة الأولى بصيغة الجملة الخبرية ، وما بعدها ملحقات وتوابع نحوية ، أسلوبية لها )، وهى إشارات تمثل مفاتيح لمقاربة القيمة الروائية ، تتشكل على النحو التالى :
- يطرح النص مكانا يمثل بؤرة يتأسس عليها التلقى (عزبة عويس) في إشارتها لمكان دال في انتمائه لاسم له حضوره المصري (عويس ) ، كما يشكل مع الإشارة الزمنية في العنوان( 1952) صورة طبقية لمالك وأجراء ، باشا يمتلك عزبة بناسها وأرضها وسمائها ، يضاف لذلك قدرة العزبة على أن تحمل قوة الرمز في إشارته للوطن الأكبر (مصر ) التي لم يكن وضعها حينذاك مغايرا للعزبة ، وهو ما تؤكده الرواية في تفاصيلها اللاحقة .
- ثم يطرح حالة للمكان ، حالة تطرح إخبارا عن هذه الحالة ، يتناسب مع صيغة الخبر (غارقة) : اسم الفاعل الدال على حالة دائمة للغرق في التفاصيل الأكثر قسوة على السواد الأعظم من البشر ، إضافة لما يشكله التعبير من استغراق معناه في الزمن (وهو ما لم يكن يطرح لو استخدم السارد الفعل المضارع ) .
- وقبل أن تنتهى الجملة المحورية الأولى يطرح السارد الإشارة الزمنية الصغرى الفاتحة بدورها المجال الزمنى للنص(5) ، وما يخلقه من علاقات مع الواقع الخارجى ("صفار شمس العصارى ") تلك الصيغة ذات الطابع الشعبى المميز بما يحمله اللون الأصفر من دلالات تستمد قوتها من الثقافة الشعبية ، وقد أكد السارد عليها عبر تمييزها بالفاصلتين ، كما أنها تمثل انطلاقة لعلامة متكررة تطرح عنصرا له حضوره الدال في النص (تتكرر الشمس والنور في الرواية بصورة دالة لا يمكن تجاوزها في تشكيل دلالته الكلية ) .
- بعد أن تستوفي الجملة النحوية أركانها التعبيرية يبدأ السارد جملة جديدة تطرح الفعل الذي يضمه المكان ، وتضيف العنصر البشرى المتحرك في إطار عزبة عويس (خفت حركة ...وتفرق الخلق ) طارحا فعل الانعزال ، وكاشفا عن النشاط البشرى في إشارته لثقافة المكان وما يشغل الخلق ( يحسب للسارد وعيه بقيمة اللغة في انتقاء الدال منها حيث يؤسس عبر (الخلق ) دون غيرها لعمومية أو لإشارة دالة على انفتاح الرمز ، حيث الخلق أشمل من الناس ، وقد أراد أن يبث قيمة كرنفالية يتحرك خلالها الكائن الإنسانى بهذه الصورة ) مخرجا وعى متلقيه من منطقة عزبة عويس بوصفها الحيز الأضيق إلى ما هو أوسع ، الحيز الأكثر اتساعا الذي يبدأ من مصر ولا ينتهى عندها إذا ما اتسع وعى المتلقي للقيمة الكونية أو الإنسانية التي يبثها النص ـ منحازا إليها بصورة واضحة - حيث يطرح السياق بعدا إنسانيا يمكن للمتلقى إن استثمره أن يتجاوز المنطقة المحلية منطلقا لحركات التحرر الإنسانى ، فالظلم الواقع على الإنسان – و إن اختلفت صوره وأشكاله – يكون دافعا مؤثرا للتخلص منه ، يستوى في ذلك البشر في كل زمان ومكان ، لا فرق بين أمة وأخرى في هذه النظرة ، وهو ما يكون مبررا للثورة على الظلم بصوره وأشكاله التي تكاد تكون قناعا لفعل واحد متكرر، عندها يكون النص قد وصل للمنطقة الأعمق في طرح ما هو إنسانى ، طارحا خاصية خالدة تمنح النص نفسه القيمة الفنية الكبرى على حد التعبير النقدى :" وكلما أمعنت هذه الخاصية في العمق ارتقى العمل الأدبى إلى القمة وأصبح خلاصة للروح القومى في شكل محسوس ، وموجزا للملامح الأساسية في فترة تاريخية محددة ، وتصويرا للغرائز والملكات الثابتة لدى عنصر ما ، كما أصبح في نفس الوقت قطعة من الإنسان في مختلف أنحاء العالم " (6) .
- يبدأ الرمز في بث تفاصيله والكشف عنها ممارسا نوعا من القوة الترميزية ، ( الثعبان والحية ) كاشفا عن مفارقة تعبيرية ، تتمثل في أن الرفاعى يأخذ عهدا على ألا يؤذى الناس هذه الحيات والثعابين وليس العكس ، مما يثير أسئلة منتجة تتأسس على المفارقة نفسها : هل بدأت الثعابين تشعر أنها تفقد قوتها مما جعلها في حاجة للحماية بدافع الخوف ، أم أنها ليست قوية في ذاتها ، وأن قوتها مزيفة مما يضطرها للبحث عن مصدر للقوة ، أو السلام مع القوة الشعبية ( خاصة أن العهد يؤخذ من الشباب تحديدا والرواية تطرح كيف أن الإيذاء يقع بصورة تكاد تكون قدرية لهؤلاء ) ؟ ، وهل الشعب يمثل قوة في ذاته تكون كفيلة بإرهاب هذه الحيات والثعابين ؟ أم أن من فروض الطاعة ، طاعة العامة للخاصة ، أن يبعد العامة أذاهم عن الخاصة ؟ ، يضاف لذلك قوة الثعابين التي لم تكتف بما هي فيه بل أخذت طريقها لبطون البشر " استقرت الثعابين في بطنه وأصبحت تشاركه طعامه وتمصه منه قبل أن يبر به جسده " (7) ، وكذلك حقد هؤلاء على الفلاحين وليس العكس ، فاللواء عويس " أحس بحقد على الفلاحين الذين يبيتون وقلوبهم خالية " (8) .
- ويخلص السارد من طرح الرمز الأول للقوة المسيطرة و الرمز الثاني الممثل في الحاوى وثعابينه والفئة الشبابية إلى طرح الفئة الثانية من تصنيفه للبشر في حالتهم الناشطة ، وهى الفئة الأقل عددا (لتحديدها بستة فقط ) والأضعف (الصبيان والبنات ) ، كاشفا عن رمز جديد لجيل قادم يعى الحكاية أو عليه أن يكون على وعى بها ، وهى الفئة التي يمكن استثمار طاقتها الدلالية على وجهين : أولهما : أنها صورة سابقة للشباب تمثل قدرا أو صورة من الظلم الاجتماعى لما يؤول إليه حال القاعدة العريضة من القوى الشعبية ، تبدأ بالحكاية التي لا تمثل إلا شكلا من أشكال التسلية ، أو الترفيه لا التعليم الصانع للوعى ، وتنتهى بأخذ العهد من الحاوى بعدم الإيذاء ، يؤكد ذلك الإشارة لكرامة بن سرحان السقا (الذي لم يكن اسما على مسمى ) فهو مقارنة بمن تعلمت في المدينة (أوديت الثائرة القادمة من المدينة ابنة الباشا) ، يمثل شكلا من أشكال الخنوع للسلطة ، ولم يملك "كرامة " ما يدافع به عن نفسه وقد جلده " اللواء عويس باشا " مضيعا كرامته ورامزا لضياع كرامة من يرمز إليهم من طبقته أو من شعبه الذين حولوا حدث الجلد إلى حدث أسطورى بدلا من أن يكون دافعا للثورة عليه أو التمرد بسببه ، أهل العزبة يفسرون حدث الجلد تفسيرا دينيا ، حيث يحفر الكرباج آية قرآنية على جسم المجلود، يبثون عبره نوعا من الصبر غير المقبول على القهر الذي يمارسه عويس عليهم ، " انتظر الحمقى معجزة ، وبحثوا عن آية قرآنية على جسده الممزق ، يؤكد لهم أن الله قادر على كل شيء "(9) ، وهذا الوجه يحيل إلى السلبية الكامنة في البعض ، والتى تجعل من الطرف الآخر متجبرا ، متسلطا ، ممعنا في ذلك اعتمادا على ضعف هؤلاء . والوجه الثاني : يحيل إلى جانب إيجابي ، فالصغار متسمرون حول الرفاعى ، في مقابل حركة الشباب الحرة مما يمنح الأمل في استثمارهم لقدر ما من الحرية ، كما أن الشباب عيونهم غير مغطاة بستارة سوداء كما الصغار ، و"كرامة" الرامز لهذا الجيل من الشباب لم تمت فيه تماما بذرة الإحساس بنفسه ، فهو موزع بين الموت كمدا من ناحية والانتقام من ناحية أخرى : " تمزقت روحه بين كونه متعلما وبين حقيقة وضعه كعبد لدى جناب الباشا ، رغبتان تتنازعانه ، إحداهما تشده إلى أسفل وتزين له الموت كمدا ، والأخرى تدفعه للانتقام وكراهية البشر ، وبين الرغبتين يجلس حائرا على شط الترعة ، ولا من أنيس حوله سوى أنفاس زهية ونبرات صوتها الحانية وهى تتردد حوله وتلفه بهالة من الحنان البشرى والتواصل الإنسانى " (10) ، وتعد الحيرة وقبوله التواصل مع زهية علامات على بقاء بذور الحياة داخله، رامزة لأمل ربما يتحقق يوما .
تكتسب الحكاية قيمتها من رمزيتها ، وشمول منظورها الفنى للوقوف على جماليات الحكاية من هذا النوع ، الحكاية القابلة للتطبيق أو تلك الدالة على أن الزمن قادر على أن يحافظ على دورته الطبيعية في قلوب البشر .
ولقد كان للحكى دور الشاهد على التاريخ ، ذلك التاريخ الذي يشهد بدوره على البشر وحياتهم وفعل الزمن فيهم . وقد استثمر السارد طاقة الحكي في تزويد النص بقدر كبير من الحكايات الكاشفة عن طبيعة المكان المحتضن الحكايات ، فقد كان عليه أن يختار مكانا صالحا للحكى ، لذا يكون التنوع في صيغة الحكاية ، أو في طريقة تقديمها واضحا بين مشاهد تدور في المدينة (القاهرة ) ، أو في القرية ( عزبة عويس ) ، ومابينهما من مكان مؤقت (مدينة الإسماعيلية ) التي جعلها مكانا لبطولة عكاشة المغنواتى وقد تنازل قرر أن يغنى أغنيته الأخيرة هناك ، فارا ببطولته ، أو فارا برجولته المهددة في عزبة عويس (وقد هددته صديقات الأميرة جويدان الأجنبيات بجب عضوه الذكرى كما فعل بأبيس الخادم المخصى ) ، لذلك كانت حكاية عكاشة حكاية كاشفة عن قيمة المصري الذي يرفض حياة لا تناسب طبيعته ، ولم يكن الموال الأخير الذي يردده قبل استشهاده إلا علامة فارقة بين حياتين ، حياة يرفضها ، وحياة يختارها ، وقد انتهت حياته دون أن يحقق أحلامه البسيطة ، ولكن موته لم ينه حكايته فقد ظل صورة لحياة زاخرة بالقيمة وعلامة على ثقافة مهددة بالزوال ، ثقافة مصرية كان عكاشة اختزالا لها .

القيمة المكانية :
أدار السارد حكاياته عبر ثلاثة أمكنة تشكل مجتمعة قيمة خاصة ، كما يمثل كل منها قيمته المنفردة ، وقد نشأ صراع ، أو حوار بين مكانين أساسيين : عزبة عويس – القاهرة ، انطلق الحكي من المكان الأول بوصفه محتضن الحكايات ، والثانى بوصفه مستهلكا لها ، لقد نشأ حوار بين الأمكنة الثلاثة ، ظاهريا الكلمة العليا فيه للقاهرة بوصفها مركز السلطة ، ومدار الحركة المضطربة والنشاط السياسى المتمخض عن حريق القاهرة ، ولكن الكلمة الأقوى كانت لعزبة عويس بالأساس ، وقد تضمن النص حدثين دالين على قوة العزبة في حوارها مع القاهرة :

- أولهما : أن حريق القاهرة كان على يد القادمين من العزبة ، أو بعبارة أخرى لعب سرحان السقا ومن معه الدور الفعال ، أو الدور الذي كشفت عنه الرواية بوضوح تأكيدا عليه ، دور القائد الفاعل عبر سلطة دينية اكتسبها هذا العائد لحظيرة الحق ، أو التائب فيمنح القوة للفعل ،:" أطلق عليه المتظاهرون :" مولانا " يأتمرون بأمره ، يسيرون خلفه ، يقطعون الخرق له ويحملون له قطع الحجارة وصفائح الجاز ، يشعل أو لكرة ويقذف بها ، فيهللون ، ويتبعونه في إلقاء الكرات المشتعلة " (11) تلك التي كانت بمثابة فعل التطهير على المستويين العام والخاص .
لقد صرخ السقا بسؤاله الوجودى : نكون أو لا نكون ؟ فتحول للقائد المشارك غير المتعالى على من يقودهم ، هؤلاء الذين هزموا في العزبة فجاءوا للقاهرة بحثا عن فرصة لغزو من هزموهم ، وسرقوا منهم الحياة الكريمة هناك في العزبة ، وعلى رأس هؤلاء سرحان السقا الذي يعد النموذج الأكثر واقعية ، صاحب الفضل في الكشف عن قيمة النيران " اشتعلت النيران على طول طريق الأهرامات بفضله ، وهاهو قد مل رائحة الدخان ولم تعد صيحات المشاغبين حوله تروقه : انتقم من الجميع ، الباشا والعمدة ، وشيخ الغفر ، وابنه كرامة ، وزوجته خديجة " (12) .

ثانيهما : عملية نسف الجنود الإنجليز في الإسماعيلية ، والتى كان الأساس فيها عكاشة ابن عزبة عويس والذى لم يكن ليفعل ذلك ما لم يكن قد عاين حياة الطبقة الأعلى خلال الحفل الذي أحياه لابنة اللواء عويس وصديقاتها من بنات طبقتها الأجنبيات ، وهو هنا يرفع صوت العزبة ، ليكون بمثابة سفير الانتقام من الطرف الثاني فيما آلت إليه الأحوال في مصر .
من هنا تحملت عزبة عويس عبر رجالها عبء الدفاع عن الوطن ضد من أوصلوه لحالته المتردية (الملك وأعوانه في القاهرة ، والانجليز في الإسماعيلية ) ، كما تحملت العزبة عبء الرمز على المستوى الفنى ، حيث العزبة رمز للقرية المصرية ، تلك العنصر الأصيل لمصر .

مقولات النص
يعد النص – في أحد وجوهه – تشكيلا من المقولات المتداولة عبر تفاصيله (الحوار – السرد ) ويمكن للمتلقى استكشافها تأسيسا على صداها ، وفعلها عبر النص ،ويكون من دورها :
- الكشف عن الرؤية الكلية للسارد ومن قبله المؤلف الضمنى ، حيث يتبنى المتلقي هذه المقولات بوصفها هدفا لرســالة يتلقاها عبر النص .
- التعبير عن البنية العبير عن البنية العميقة لآليات التفكير لدى الشخصيات ، حيث تشكل هذه المقولات علامات على الشخصية ومدى تفكيرها النمطى ، أو المغاير .
- تقديم شهادة على عصرها ، تطرح عبرها قضايا العصر وطبيعة المجتمع .
- الإشارة لثقافة العصر ، وإنسانه .
- الإشارة لجذور ثقافية ، ونتاج عقلى تستمد منهما هذه المقولات مرجعيتها .
- رسم صورة لصراعات الفكر الإنسانى ، وجذور مؤرقات الشخصية المصرية .
وقد وضعتنا الرواية إزاء مساحة واسعة من المقولات المسندة لـلسارد أو للشخصيات :
- ما يسند للسارد طارحا رؤيته المباشرة لعصره ، كما أنها تفض إشكاليات في قضايا غير محسومة أحيانا ، أو تمهد لمقولات أكبر يتطلب بثها وعيا خاصا لدى متلقيها ، وتعبر بدرجة ما عن حكمة السارد بوصفه المسئول عن بناء القيمة في النص ، ومسئوليته ليست أمام المتلقي فحسب ، وإنما هي مسئولية أمام التاريخ والأشخاص الممثلين لهذا التاريخ ، وقد استثمر السارد كثيرا من لحظات سرده لبث الكثير من المقولات منها :

1- " الأعيان لا يكونون أعيانا بحق إلا إذا استمع لهم الناس " (13) .
2- " ومن ينس هويته ينس همومه "(14).
3- "ومن يتبن البشر لا يحزن لفقدان ابن واحد أو امرأة واحدة "(15) .
4- "فإذا كانت الإكزيما الحادة قد أصابت زينة نسوة المنطقة ، هاهى الحرائق تلتهم القاهرة لحظة صحوتها " (16) .
5- آفة المشتغل بالحياة العامة الجبن " (17) .
6- "السجن يجسم عجز الإنسان ويزيد من خياله " (18) .
7- الذين ينوون الانسحاب من المعركة لا يتمسحون بالشهداء " (19) .
8- "السياسة لا ترحم " (20).
9- " مخ النساء مثل مخ الرجال . شعيرات وخلايا عصبية . وتلافيف متعرجة ، هذه أمور مادية ياباشا ، يمكن وزنها وقياس حجمها ، أما الوعى فشيء آخر تماما ، هو محرك التاريخ ، والتاريخ لا يمكن وزنه وقياس حجمه ، وإن كان متمثلا أمام أعيننا في قصور وطرق ومشروعات ، وجيوش ، وأسلحة ." (21) .
10- " قلب الأم دليلها ، الخطر يحيط بها من كل جانب ، ومعرفتها بالتاريخ تؤكد لها أن حريق عاصمة البلاد نهاية لعمر بأكمله " (22).
11- لا شيء تغير !! هذا ظاهر الأشياء . العجلة دارت / لن تدافع عن حركة الجيش ، لتستمع إليهن . هذا الشعب يحتفظ بحكمته من جيل إلى جيل . صراع بين الرفاق يكاد يودى بالحركة وقد انقسمت على نفسها بين مؤيد لحركة الجيش وبين معارض لها . سرق العسكر نضال الناس " (23).

ظاهريا تسند هذه المقولات للمؤلف / السارد ، ولكنها مضمونيا تحيلنا إلى شخصيات ترد المقولات في سياقها ، ويدور صداها في فلكها ، وتقدم دلالة عليها خلال مستويات متعددة خالقة إطارا عاما تتحرك فيه الشخصيات ، حيث تقوم المقولات بدور نصوص القانون المحرك للمجموعة البشرية مادامت على وعى به ، ولا يفوتنا ملاحظة الصيغة المعتمدة - أسلوبيا – صيغة أسلوب الشرط الآخذة صورتين :

- مباشرة : تجئ جملة الشرط مصرحا فيها بالأداة ، مباشرة التركيب ( المقولات من الأولى حتى الرابعة ) وتحمل معانى الترغيب والترهيب ، والحث وغيرها مما يمكن أن يكون على سبيل الإغراء أو التحذير .

- غير مباشرة : وفيها يتحقق معنى الشرط دون أركانه غير المصرح بها محققة معانى الصيغة السابقة،مضيفة إليها أنها تخلق نوعا من القيمة السارية مع خط الزمن (وهو ما يحدث مع تجاوز الزمن واستمرار التلقى للنص بعد سنوات من نشره للمرة الأولى حيث تستقر هذه المقولات في الأذهان طارحة قيمة متجددة تحتضنها الرواية عبر دورات تلقيها المختلفة ) .
-
لقد خلقت المقولات مجموعة من محطات التأمل ، وزرعت أشجارا تظلل طريق المتلقي المؤول ، كما أنها أضافت نوعا من خبرة الزمن ، وتجلى الحكمة المصرية التي ترى الأمور ممررة عبر خبراتها الحياتية ، كاشفة عن بعض ملامح الشخصية المصرية التي تواجه أمورها بالنقيضين : الحكمة ، أو السخرية ،(24) وكلتاهما تفصحان عن حكمة الإنسان المصري بشكل خاص .

قيمة النور
لخدمة النص يوظف الروائي عنصر النور ، بوصفه العنصر الأكثر حضورا من بين العناصر الشيئية غير البشرية ، ليقوم بدور البطل غير الملحوظ ، حيث يلحظ غيره به ولا يلحظ هو بغيره ، فقد عول النص كثيرا على هذه الوظيفة بوصفها الوظيفة الكبرى الخالقة للوعى الروائي .
تتجاوز مفردات النور (وخاصة الشمس ) قيمتها الدلالية بوصفها إشارة زمنية (تشير في حدها الدلالى الأدنى لزمن قرين مشهد روائى ،أو بنية صغرى من بنى الحدث ) ، هنا يلعب النور دوره معلنا عن قيمته الروائية المؤسسة على عنصرين :
- التكرار والتداول .
- السياق المشهدى .
في الأولى يجد المتلقي نفسه إزاء عنصر متكرر عبر الفواصل السردية ، بداية من الاستهلال ذى الطبيعة الزمنية / الضوئية " صفار شمس العصارى " (25) ، ومرورا بـ " آلاف الشموس الصغيرة ترمى بأشعتها الناعمة وتغرق جناح الأميرة جويدان (26) ، وحتى الحضور الدال للسيدة بثينة عبد الجواد ، وبداية حركتها " وقد اشتدت الشمس في الخارج " (27) ، وتجاه مفردات : كالشمس ، الضوء ، النور ، وأخيرا النار.
و قد لعبت جميعها - بداية - وظيفة الكشف، فالمشاهد التي تتم تحت ضوء الشمس تغاير تلك التي تتم ليلا ( والروائى الممتلك حرية تشكيل البعد الزمنى لنصه يوزع أحداثه بصورة واعية ، ودالة ) ، وعندما ينبهنا الروائي إلى غرق عزبة عويس في صفار ضوء الشمس فإنه يشير إلى ذلك النور (الوعى) الذي تغرق فيه العزبة ، ذلك الوعى الآخذ في الأفول ، لذا وقف الجميع موقف المتفرجين إزاء أفعال اللواء عويس ( بوصفه نموذجا سلطويا ) ، ومنها مشهد جلده " كرامة " (لاحظ الاسم الدال ، غير المحتاج للتأويل ) ، ومن ثم كان على الراوى أن يحاول إعادة الأمور لنصابها ، فالمجتمع الذي يعمل الكبار – عمدا أو إهمالا - لتخريبه ، أو هكذا تفضى أعمالهم ، لابد له من استعادة هويته ، وقد جاء حدث جلد الباشا عويس لكرامة موازيا أو معادلا لهذا المجتمع في صورته هذه ، وقد كان للوعى الناهض لدى كرامة الحد الفاصل على مستوى النص في تحوله للبحث عن طريق ، تمثل واضحا في سرحان السقا الذي كانت عملية الجلد نقطة تحول في حياته ، تحول من المرحلة المائية للمرحلة النارية ( سنفصل القول في هذاالجانب لاحقا ) .

ويكاد رد فعل كرامة تجاه شمس الصباح يكون صورة لما يحدث للمجتمع ، أو للواقع آنذاك " شمس الصباح العفية تبخ هبابا في عينى كرامة ولد سرحان السقا ، وهو مكوم على شط الترعة على بعضه كشوال الجلة . أضاءت الدنيا ، ولمعت غيطان عزبة عويس ، وبلل الندى النباتات وأوراق الشجر فلمعت ، وعيناه تريان سوادا ، ولسانه يلوك فقرات من قصيدة الأرض الخراب لإليوت في لغتها الأصلية وقد خانته بعض المقاطع وحرف كلماتها في مقاطع أخرى "(28).

ويشكل العنصر المتداول نوعا من البناء التراتبى للدلالة المؤسسة عليه ، طارحة صيغة إيقاعية متكررة ، أو عزفا متواترا في نطاق النص الروائي ، حيث تبدو بوصفها الخلفيات ، أو القماشة التي يتشكل فوقها/ منها الحدث بكل ما يضم من تفاصيل ، كما تبدو في حالة سكون

وفى الثانية تكون كل مفردة منها مؤدية دورا سياقيا يرتبط بمشهد ما ، أو بموضع ما في سياق النص .العناصر في هذا الجانب لها قوة الفعل ، متحركة ، فاعلة بقدر ما يمنحها النص من قوة للفعل، وقد أحسن الروائي توظيف العنصر الذي ليس بإمكان المتلقي تجاوزه عبر رحلته مع النص.

هنا نحن أمام كاميرا الراوى وقد وجهها لعنصر بعينه ليكون محركا لغيره ، أو ليكون دافعا للحدث ، فالشمس (على سبيل المثال ) تتجاوز الدور الساكن الذي تبدو فيه خلفية للمشهد ، إلى الدور الذي تكون فيه محركة للنص عبر تحريكها للحدث أو لشخصية من الشخصيات .

" وكلما حميت الشمس وسخن صهدها ، أحس كرامة بالعرى ، وماذا يفعل ؟! وكيف ينتقم لنفسه ؟ هل يرقد للباشا في الذرة ؟! أم يحرق له الزرع ؟!" (29) .
والنار يبدو دورها التطهيرى في حريق القاهرة الذي ظهر بوصفه مخلصا القاهرة من أدرانها ، وبوصفها الحدث الفاصل الذي كان لابد أن يحدث في موضعه وقد بات الوضع في حالة لا يمكن تجاوزها إلا بالتطهير عبر النار .


المرأة / القيمة
" قلب الأم دليلها ، الخطر يحيط بها من كل جانب . ومعرفتها بالتاريخ تؤكد لها أن حريق عاصمة البلاد نهاية لعمر بأكمله ، لكنها خائفة من الجديد الذي سوف يقام على جثث عديدة " (30) .
هكذا تظهر بثينة عبد الجواد في الربع الأخير من أحداث الرواية ، لتجعل المتلقي يعيد النظر في الشخصية النسائية ، والوجود الأنثوى عبر الرواية ، ورغم أنها لم تكن مشاركة بصورة مباشرة فاعلة في سير الأحداث ولكنها تظهر مؤخرا لتلعب مجموعة من الأدوار ذات الفاعلية في سياق النص :

- أولها : يطرح ظهورها المتأخر حكمة الشخصية التي لابد أن تمارس النص / الحياة لتكشف عن حكمتها في النهاية ، وقد جاءت بثينة عبد الجواد لتخلق توازنا في سياق الشخصيات .

- ثانيها : تلعب أدوارا تتوازن مع غيرها من الشخصيات النسائية ،وإن تعددت فهى تمثل :

1- خلفية مرجعية للدكتورة أوديت التي لم يكشف النص عن أسرتها بالدرجة التي يتكشف للمتلقى منابعها المانحة حب الوطن ، والانتماء له ( لقد أراد الراوى أن يفتح أفق الشخصية النموذج ، حيث تكون مرجعية الدكتورة أوديت متصلة بامرأة غير أمها ، فاتصال مرجعيتها بأمها أو الكشف عن أصولها من شأنه أن يجعل بذرة الوطنية في أسرتها فحسب ، وإنما أراد الراوى أن يجعل من فكرة الانتماء ميراثا متحركا في الشخصية المصرية ،ليس مقتصرا على الرجل فحسب ) .

2- الهدوء والحكمة في مقابل ثورة الدكتورة أوديت واندفاعها في كثير من الأحيان ، بحيث باتت الشخصيتان – بما تملكان من معرفة وعلم - وجهين لعملة واحدة ، في مقابل الشخصيات النسائية الأخرى التي يمكن تصنيفها إلى صنفين مغايرين : فتيات القصر ، والإنجليزيات- باستثناء مارجريت سنكلير - ممن يأخذن الحياة بوجهها الترفيهى ، والفلاحات بما يسيطر عليهن من جهل ، وتخلف ( يرجى العودة لشخصية ستهم زوجة العمدة،وأم حبيبة زوجة عكاشة بوصفهما نموذجا لهذا النوع ) .

3- الأم في جانبها الرمزى ، وقلبها في إحساسه بالخطر ، مما يؤهلها لتكون صورة مجازية عن الوطن في خوفه على أبنائه المنتمين له ، وهو التمثيل الواضح الذي يجعل من بثينة عبد الجواد نموذجا أموميا له قيمته على مستوييه الحياتى والنصى .

- ثالثها : يكون ظهورها ممهدا لظهور شخصيتين لهما دورهما الفاعل ، وإن لم يمنح النص لهما مساحة كبرى على مستوى المساحة الممنوحة للشخصيات الروائية المختلفة ( وهما ابناها الضابطان ، بوصفهما ممثلين لأبناء الوطن من رجال القوات المسلحة ، كما يمثلان جيلين متتاليين يعملان لخدمة الوطن ) ، وقد أجاد الراوى في طرح الشخصيتين بقدر من العناية بالجانب الرمزى أو عبر منحهما من الملامح ما يرتفع بهما لدرجة الرمز ، وهو ما ينبنى على :

- كونهما غير محددي الملامح ، فلم يرد الراوى أن يكونا شخصين لهما ملامحهما الحاسمة التي يمكنها أن تغلق الباب أمام فكرة النمذجة ، لذا تتعامل الأم معهما بوصفهما ، الابن الأكبر ، والابن الأصغر دونما أسماء تشكل علامات فارقة .

- استثمار الراوى الشخصيتين في بث إشارات لها خطورتها ، تتمثل في الخلاف بين الإخوة حول تفسير حريق القاهرة :" دارت بعدها مناقشات حامية بين الأخوين . اتهم ابنها الأصغر الملك بتدبير الحريق للتخلص من حكومة الوفد وضرب حركة المقاومة الشعبية في مدن القنال . وابنها الأكبر يؤكد أن جلالته كان خائفا وقد فزع عندما وصلته أنباء الحريق ، وليس من المعقول أن يحرق الملك عاصمة ملكه ليتفرج عليها وولى عهده عمره سبعة أيام " (31) . وهو ما يكشف عن رمز واضح يقف بنا على إخلاص الجيل السابق للملك ، وأن جيلا جديدا يرى خلاف ذلك، وهو جيل قادر على توجيه الاتهام ، ووضع الآخرين / السابقين الكبار في وضع المدافع ( وهو ما فعله الابن الأصغر وقد وضع أخاه الأكبر في هذا الموضع ، ويلاحظ أن الراوى يؤكد الفكرة ، وقد استثمر الطاقة الدلالية للتقديم ( تقديم صوت الأخ الأصغر /الاتهام على صوت الأخ الأكبر المدافع ) .

- رابعها : القيام بدور المراقب المتأمل ، الممتلك خبرة ووعيا يمنحانه القدرة على التفسير والتأويل ومن ثم الوعى بما يدور وما يمكن أن يكون متواريا هناك خلف ما هو ظاهر ، لذا كانت حركة بثينة عبد الجواد على قدر كبير من الدقة أحسن الراوى تقديمها ، وتحريكها لخدمة القيمة التي وظفها لها ورغم أن ظهورها كان مباغتا للقارئ الذي كاد يستنيم للشخصيات الروائية متآلفا معها دون أن يتوقع ظهور شخصية جديدة ، فإنه (القارئ ) لا يلبث أن يتآلف معها بعد السطور الأولى عنها : " تحس السيدة بثينة عبد الجواد المفتشة السابقة لمادة التاريخ بوزارة المعارف العمومية بالقلق طوال اليوم لسبب غامض . في الصباح قالت لنفسها : هذا يوم شديد الحرارة وشديد الرطوبة . وفتحت نوافذ الشقة لتهويتها ثم أغلقت شيش النوافذ لمنع الصهد من التسلل إليها وقد اشتدت الشمس في الخارج " (32).

لقد كانت حركتها – في جانبها الرمزى - محسوبة لصالح الوطن ، فهى ربة البيت المثقفة الواعية التي تعد نموذجا للمرأة / الأم / الوطن ، ولم تكن معرفتها بالتاريخ (دراسة وتدريسا ) قيمة مجانية أو مهدرة ، فهل خرج أبناء مصر ، أبناء القوات المسلحة من رحم غير رحم التاريخ ؟ ( وهو الدور الرمزى الذي يتحقق في ابنيها الضابطين ) .
بثينة عبد الجواد عبر هذا الطرح تمثل الشخصية التي كان لابد لأحداث الرواية أن تنتهى إلى إنتاجها ، أو التعبير عنها كاشفة عن أدوارها غير المحدودة ( المتعددة بتعدد التأويلات النصية )

قديم 05-28-2012, 11:43 AM
المشاركة 714
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حوار مع الكاتب المصري جميل عطية إبراهيم
إيلاف 27- سبتمبر 2006

سلوى اللوباني من القاهرة : حصل الاديب "جميل عطية ابراهيم" على شهادات دراسية متباينة ونتيجة لذلك عمل في مهن متعددة، فقد عمل قبل تخرجه من الجامعة كاتب حسابات في مصنع للنسيج في شبرا الخيمة ومدرساً للموسيقي للأطفال، وكذلك مدرساً للحساب والجبر والهندسة للمراحل الإعدادية في مصر والمغرب، وبعد تخرجه من الجامعة عمل كمفتش مالي وإداري في وزارة الشباب في سنوات الستينات، وبعد نجاحه في نشر بعض القصص انتقل إلى الثقافة الجماهيرية بفضل الأساتذة نجيب محفوظ وسعد الدين وهبة ويعقوب الشاروني، وظل في الثقافة الجماهيرية حتى سافر إلى سويسرا عام 1979 وعمل بالصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة العربية في جنيف حتى هذه اللحظات حيث يستعد للتقاعد والتفرغ للأدب، الاديب جميل عطية ابراهيم أحد مؤسسي مجلة جاليري 68 الادبية، ومن رواد حركة أدباء الستينيات، ركز من خلال اعماله على الدور الاجتماعي للادب، من مؤلفاته.. أصيلاً، النزول الى البحر، ثلاثية 1952، أوراق اسكندرية، الثورة، المسألة الهمجية، خزانة الكلام وغيرهم.. دار الحوار حول أيدولوجيات الستينيات، ومجلة جاليري... ورسالة الاديب، وعن افكاره التي وردت في رواية المسألة الهمجية وبطله المثقل بهموم وطنه، وأيضاً عن الحوار مع الآخر وأسباب انتشار التيار السلفي... ونظرته الى العالم اليوم.

* ما هو السبب في حصولك على شهادات دراسية متباينة؟
- دراستي الأساسية في كلية التجارة، حيث تأثرت في صباي بمقولات المفكر المصري البارز "سلامة موسى" حيث كتبه ومجلاته التي أصدرها كانت توجد في المنزل لسبب أجهله وقرأتها في صباي وشبابي عدة مرات، وتعلمت منه أن الأديب يجب أن يكون ملماً بالاقتصاد وعارفاً بالعلوم، فتوجهت إلى كلية التجارة ودرست إدارة الأعمال والتنظيم وغير ذلك، ورفضت الالتحاق لهذا السبب بكلية الآداب التي كانت تناسبني، وبتأثير كتابات سلامة موسى الذي لم ألتق به في حياته دلفت إلى معهد الموسيقى العربية وتخرجت منه أثناء دراستي في الجامعة وحصلت على دبلوم متوسط والتفت إلى الفنون التشكيلية وفي سنوات السبعينات التحقت بأكاديمية الفنون في القاهرة، ودرست فيها حتى حصلت على ماجستير في فنون عصور ما قبل التاريخ، وهذه الدراسات نفعتني عند عملي في الصحافة في الخارج فقد كنت مسلحاً بمعارف كثيرة وسهلت لي متابعة خطوات العولمة وفهم أبعاد الاقتصاد والسياسة الدولية، كما أن دراستي للقانون في كلية التجارة لمدة أربع سنوات مكنتني من متابعة الاتفاقيات المختلفة وفهم المصطلحات القانونية والجديدة منها، فعلت كل هذا لأكتب قصة قصيرة جيدة فقط وليس للتفوق في تلك المهن.

* مجلة غاليري 68 مشروع ثقافي رائد وعبر عن مرحلة جديدة كما أفرز العديد من الكتاب، هل ولدت فكرة المجلة كنتيجة لهزيمة 67؟
- صدرت غاليري 68 في مايو 1968 واستمرت حتى فبراير 1971، ولم يكن صدورها معلقاً بهزيمة 67، فقد كنا قد بدأنا التحضير لها بين عامي 66 و 67 وكانت المشكلة في الحصول على رخصة إصدار رسمية وفشلنا في ذلك الحين، وبعد استشارة قانونيين قررنا إصدار المجلة ككتاب غير دوري، وكان وزير الإعلام في ذلك الوقت "محمد فائق" وهو رجل متفتح فساعدنا بالترخيص للشاعر "أحمد مرسى" بتولي رئاسة التحرير إلى جانب وظيفته في وزارة الإعلام وكان ذلك ضرورياً، الخلاصة التفكير في إصدار جاليري 68 كان نابعاً قبل الهزيمة لأسباب موضوعية كثيرة، أجملها في عدة نقاط أولاً مع بداية الستينات تقدم إلى الساحة الثقافية كتاب جدد لم يسمع بهم أحد من قبل، ومعهم كتابات جديدة مختلفة عن الكتابة السائدة، كتاب من حواري القاهرة ومن الأقاليم، قرءوا وتعلموا بالمجان في عهد جمال عبد الناصر وأحبوه وخاصموه واختلفوا وأيدوا وسجنوا طويلاً وظهر ذلك في كتابات جديدة تسير على درب الدكتور يوسف إدريس وتبتعد تماماً عن درب يوسف السباعي وعبد الحليم عبد الله وغيرهم، ومن حسن الحظ كانت الساحة الثقافية غنية بالرواد يحي حقي في مجلة المجلة، عبد الفتاح الجمل في جريدة المساء، فؤاد كامل وبهاء طاهر في البرنامج الثقافي في الإذاعة المصرية، ومن النقاد محمد مندور وعبد القادر القط وعلي الراعي وأحمد عباس صالح وإبراهيم فتحي ورجاء النقاش وغالي شكري وصبري حافظ وعلي شلش وغيرهم، وتلقف هؤلاء العظام الكتابات الجديدة وأفسحوا لها مكاناً بقدر وحذر في البداية، وكانت النقطة الحاسمة ندوة الأستاذ نجيب محفوظ في كازينو أوبرا، حيث تجمع أجيال متعددة من المفكرين والمبدعين وتسلل الكتاب الجدد إلى الندوة للقيام بندوة أخرى في شوارع القاهرة بعد ندوة الأستاذ، وتعارف الشباب وانتقلوا إلى مقهى ريش وباب اللوق ومعهم إنتاج جديد لا يعرف الثرثرة ويضرب في الواقع ويحلم بدنياً أخرى، ونشر يحي حقي أعمالاً لم يكن من السهل قبله نشرها مثل أعمال محمد إبراهيم مبروك وأعمال أدوار الخراط وأعمال وإبراهيم أصلان وجمال الغيطاني وأنا، وعرفت الكتابات الجديدة بصعوبتها وبجديتها وبرفضها للواقع المعاش، ولما صدرت جاليري 68 تفرغت لنشر هذه الأعمال الجديدة وقد جمعت صداقات بينهم وبعدها انضم إليهم كتاب الأقاليم، وكانت تأتي إلينا رسائل من كتاب جدد من الأقاليم ونهب إليهم وندعوهم إلى القاهرة وعرف جيل الستينات.

*ولماذا لم تستمر المجلة؟
- سبب توقف جاليري 68 فكان لأسباب موضوعية فبعد الترحيب بالكتاب الجدد ونشر أعمالهم في المنابر التقليدية والمؤسسات الحكومية لم تعد هناك حاجة إلى مجلة خاصة بهم، كما أن المجلة كانت تصدر بجهود ذاتية من مقهى ريش، وفتر الحماس ودبت شيخوخة.. وزادت مطالب الحياة.. فتوقفت جاليري 68 بعد أن أدت رسالتها في انتظار موجة تجديد أخرى لتصدر مجلة أخرى وهذا ما حدث!

* الا تعتقد بأن جيل الستينات بقي محصوراً في أفكار وأيدولوجيات لم تعد صالحة للوقت الحالي؟ وهل نجحت الأيدولوجيات المختلفة التي نشأت في الستينيات مثل اليمين أو اليسار أو الناصريين أو الاخوان المسلمين في إحراز أي تغيير أو تقدم للمجتمع؟
- جيل الستينات انفتح على العالم ولم يكن محصوراً في الدعاوى السياسية في ذلك الوقت، بل وكان معارضاً شديداً لبعض سياسات الرئيس جمال عبد الناصر والزعامات المعروفة ومعظمه دخل السجون لسنوات طويلة، جيل الستينات حافظ على استقلاليته الأدبية ولم يكن تابعاً للسلطة في مصر أو في غيرها، والنقد الأساسي الذي يوجه لجيل الستينات هو انشغاله بالسياسة على حساب الأدب، وكانت هناك معركة طاحنة في مصر بين دعاة الفن للفن، وبين دعاة الفن للحياة، وقد انحاز جيل الستينات بكل قوة لمدرسة الفن للحياة كما أوضحها سارتر ودفع ثمناً كبيراً لهذا الانحياز، ووسط جيل الستينات تفرغ بعض الكتاب بإعطاء أولوية للفن بدلاً من السياسة منهم إدوار الخراط وإبراهيم أصلان على سبيل المثال رغم اهتمامهما بالسياسة ومواقفهما التقدمية المشرفة، كانت مصر في ذلك الحين ترفع شعارات الوحدة والاشتراكية والعدالة ومقاومة المحتلين في الجزائر وفي الدول الإفريقية التي كانت معظمها محتلة ودعمت حركات التحرير وأممت شركات البترول ودعمت دول الخليج، وكان جيل الستينات يدعم هذه التوجهات وعيناه على غياب الديموقراطية مما ولد معارك بين الكتاب والسلطة وفشلت كل جهود السلطة في تطويع جيل الستينات، وكلنا يذكر البيان الذي قدمه صنع الله إبراهيم في رفض جائزة مبارك منذ ثلاث سنوات، فقد كان البيان قنبلة بحق، وأنا لست عضواً في اتحاد كتاب مصر حتى اليوم ومنذ عهد يوسف السباعي.

* وعلى من تقع مسئولية الفشل؟
- حقيقة كما جاء في السؤال فشلت عدة حركات سياسية تبنتها أنظمة في ذلك الحين في تحقيق إنجازات واضحة، وفشلت الأنظمة في ترسيخ الديموقراطية وتحقيق عدالة مقبولة والقيام بنهضة شاملة ومحو الأمية الذي تبين أنها تتزايد بعد خمسين سنة ثورة، وهذه كلها مثالب سلبية، ومسؤولية الفشل لا تقع على الكتاب ولكن على السلطة التي رفضت السماع للكتاب والمفكرين ووضعتهم في السجون وعزلتهم عن الجماهير، في سنوات الستينات كان يسمح لنا بالحديث في البرنامج الثاني باعتباره للمثقفين ولا يسمح لنا في قنوات التلفزيون العادية، يسمح لنا في الكتابة في مجلة المجلة والكاتب والمساء ولا يسمح لنا باقتحام الصحافة اليومية واسعة الانتشار، وهكذا قننت عزلة المثقفين بأعراف محكمة.

* ما هي ملامح رسالة الاديب في نظرك.. وهل ينجح الاديب عادة في رسالته؟ هل بامكانك أن تقدم لي مثالاً على نجاح أديب معين برسالته!
- الأدب قيمه جمالية وللمتعة وليس منشوراً سياسياً، وقد نجحت الحركات الأدبية التقدمية في الحفاظ على ذوق المتلقي إلى حد ما وفي صعوبة شديدة لأسباب راجعة للسلطة، وأعظم قصة قصيرة لن تٌخرج مظاهرة ولكنها تتفاعل مع الناس وتخرج مظاهرات في الشوارع ربما بعدها بسنين، انحطاط الذوق مصيبة مثل الحفاظ عليه نضال، ومبادئ الحق والخير والجمال هي أساسيات الأدب والفن، ولنر حالياً مع انحطاط الذوق العام في كل الدول العربية ماذا حدث؟ انتشر العنف والإرهاب والقتل على الهوية وتجاهل الآخر ونسيان الصراع الأساسي بين الدول النامية والقوى العظمى والانشغال بأمور جانبية، الحديث عن الفشل والنجاح في هذا السياق ليس منطقياً، المهم كم من أعمال متميزة أنتجت؟ لأن هذه الأعمال تؤتي ثمارها بعد حين.

* في معظم كتاباتك نجد جميل عطية ابراهيم يبرز بين فترة وأخرى.. لذلك دعني اسألك عما ورد في رواية "المسألة الهمجية" على لسان البطل والذي اعتبرته لسان جميل عطية، تقول بأنك تبينت أن كل ما اعتقدت بكذبه في سابق أيامي كان صحيحاً، وأن معظم أوهامي كانت حقائق واختلطت أوراقي..هل هذه رؤيتك للاحداث والتاريخ؟
- الفنان والكاتب عندما يعيش في الغربة تواجهه عدة أزمات، هل يندمج كلية في المجتمع الجديد ويصنع له حاضراً في الغربة؟ أم ينفصل عن حاضره المعاش ويغرق في ماضيه وأوهامه من ناحية أخرى، الكتابة في الغربة محنة، فكيف يصنع الكاتب الوصل والفصل؟ كل كاتب يحل هذه الأزمة بمعرفته ووفقا لقيمه، الكتاب اللبنانيون في الحرب الأهلية عاشوا في باريس، وبعد انتهاء الحرب عادوا إلى بيروت، وكانت الغربة فترة إجبارية مؤقتة، وقلة منهم بقت في باريس، أنا منذ قدومي تبينت أن الكتابة في الغربة باردة وجافة وتنقصها الروح، فدأبت على العمل في الغربة من حيث الدراسات والتحضير، والكتابة الأولية ثم العودة إلى القاهرة عدة مرات في السنة بإعادة ما كتبته وسط ضجة القاهرة وقيظها ولياليها الساهرة وزيارة المواضع القديمة، وكنت في السنوات الأولى من غربتي مشغولاً برصد التغيرات السياسية والاجتماعية منذ 1952 حتى مصرع الرئيس السادات، وبعدها شغلت بثلاثية العولمة، وكتبت نصفها في الغربة ونصفها في القاهرة وفي العامين الأخيرين، تعلمت الكتابة في الغربة، والمراجعة في القاهرة فقط، لإجراء تعديلات بسيطة، ومالت كتاباتي لرصد الخارج بعد أن كنت مشغولاً بالداخل في النزول إلى البحر، وثلاثية 1952، وعلى كل حال أنا كنت محظوظاً في الغربة بسبب صحبة الكاتب الكبير "بهاء طاهر" الذي عاش في جنيف 15 عاماً، وكذلك المترجم المعروف "محمد مستجير"، حيث نقلنا مقهى ريش وزهرة البستان إلى وسط جنيف، واعتقد أنه بدونهما لما واصلت البقاء في الغربة.

* وتقول إنك حبيس حارة جدنا نجيب محفوظ!
- في رواية "المسألة الهمجية" يقول البطل أنه حبيس حارة نجيب محفوظ على سبيل المديح، فقد سبر الكاتب الكبير تفاصيل الحارة المصرية وجعلها مركزاً للكون، ومن جانب آخر يلمح البطل إلى أن هناك كتابات أخرى في أمريكا اللاتينية تطير فيها الشخوص، بينما حارة الأستاذ نجيب محفوظ لا تعرف المطارات، هذه دعوة للنظر في آداب حديثة لم نقترب منها.

* بطلك الرئيسي في أعمالك هو بطل مثقل بهموم وطنه.. الذي لا يكف عن طرح التساؤلات والافتراضات بحثاً عن الحقيقة النهائية.. بعد مشوارك الادبي الثري والطويل هل استطعت أن تصل الى نهاية حقيقة؟
- لا توجد حقيقة للوصول إليها، والإمساك بها، وتوجد راحة بعد الرحلة، بعيداً عن العقائد الدينية كل الحقائق نسبية، وقابلة للمناقشة، والكمال بعيد، ويكفي الكاتب أن يطرح تساؤلات تثير مشاعر القوم للبحث فيها، وفي السنوات العشر الأخيرة شغلت بمناقشة الحداثة والثورات المختلفة من وراثية إلى اتصالات وتحرير التجارة وغيرها، وأرجو أن أكون قد نجحت في إنارة حارة وليس طريقاً على هذا الدرب.

* كيف ترى العالم الان؟
- العالم يمر الآن في مرحلة ذات خصوصية عجيبة، وهي ظاهرة القطب الواحد الذي يدور في فلكه عدة أجرام، والقطب هو الولايات المتحدة الأمريكية، والأجرام هي دول الاتحاد الأوربي وبعض الدول القريبة منها في سياساتها، من جانب آخر تسعى دول أخرى لاستعادة نفوذها مثل روسيا والصين وبعض دول آسيا الصاعدة اقتصادياً، ومن الدول التي توصف بأنها محور الشر كوريا الشمالية وإيران وإلى حد ما سوريا، ووسط هذا الخضم نجحت الولايات المتحدة في تصوير العالم العربي خاصة والإسلامي بصفة عامة بأنه مأوى الإرهاب وسبب البلاء في العالم، والصدام بينه وبين بقية دول العالم وارد وبقوة والسبب الإسلام والمسلمون، وروجت لأقوال مثل صراع الحضارات على أسس دينية وأثنية وغياب الديموقراطية وعدم سماع الآخر وغيرها، وللأسف سقطت الدول العربية والإسلامية في الفخ، واعتبرت أنها في معركة دينية مع الغرب بصفة عامة، ونسيت أن الصراع مع الغرب يعود إلى عدة قرون وأساسه مصالح استراتيجية واقتصادية ومناطق ونفوذ وليس دينياً، فالغرب لا يدافع عن المسيحية ولا تهمه المسيحية ويحسب مصالحه والحفاظ على مصالحه في ضعف الدول العربية وتقسيمها إلى دويلات على أسس اثنية ومذهبية وليست دينية فقط، صراع استمر طويلا في الماضي، وقامت جمعية الأخوان المسلمين في مصر عام 1926 رافعة شعارات محورها الإسلام هو الحل، وظلت الجمعية مصادرة وممنوعة بعد أن اقتربت من العنف بدلاً من السياسة، وفي الربع الأخير من القرن الماضي لعبت الحرب الباردة دوراً بارزاً حيث جيشت الولايات المتحدة "بمعاونة من أنظمة عربية قصيرة النظر" الجيوش لمحاربة الإلحاد السوفيتي والنظم الاشتراكية وبلغت ذروتها في أفغانستان، وعملت الجماعات الأصولية في المنطقة يداً بيد مع القوى الاستعمارية المعادية لمحاربة الإلحاد، سقطت الجماعات السلفية في الفخ ولم تفق إلا بعد وقت طويل فوجهت قنابلها وعملياتها إلى الدول الغربية وراعيها الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001.

* وهل هذه أسباب انتشار التيار السلفي في الدول العربية؟
- انتشار التيار السلفي في المنطقة العربية لا يمكن تبسيطه وحصره في هذه الأسباب، فانتشاره يعود لأسباب موضوعية، فقد فشل التيار العلماني طوال القرن العشرين في تحقيق أهدافه في التنمية والعدالة والديموقراطية، فتقدمت كتائب السلفيين لتحقق ما فشل فيه العلمانيون، بينما الحقيقة أن الحركة العلمانية القومية في العالم العربي تعرضت لمؤامرات وحروب من الخارج والداخل ولعبت الجماعات السلفية دوراً في تعطيل الديموقراطية عن جهل مرات وعن علم مرات بتقديم الذريعة لأنظمة متعسفة معادية لمحاربة الديموقراطية، وعاشت مصر لمدة ثلاثين عاماً تحت قوانين الطوارئ، وهذه جريمة تتحمل مسئوليتها الجماعات السلفية التي سعت للوصول إلى السلطة عن طريق القوة أمام التاريخ.

* أي انه صراع بين العلمانيون والسلفيون؟
- فشل العلمانيون في تحقيق الأهداف طوال القرن الماضي، وتقدم السلفيون مستندين إلى قوى إلهية سوف تحارب بدلاً منا، قوى إلهية عمادها الملائكة والجن والشياطين والنوايا الحسنة، ووسط هذا الانقسام الفكري الحاد، ضاعت أجندة الخلافات الحقيقية بيننا وبين الغرب، لمحاصرة الاستعمار الجديد، القضية ليست إيماناً أو إلحاداً، القضية في أساسها مصالح بترولية، وموارد طبيعية غنية، وعمالة رخيصة، وعوامل وحدة وتقارب بين الدول العربية، دين واحد ولغة واحدة، وأخطر ما وقع في العشر سنوات الماضية إثارة المذاهب الدينية لبث خلافات معروفة في التاريخ الإسلامي للخاصة والعامة، الخلافات المذهبية والعرقية أخطر من الخلافات الدينية، فهل من رجل رشيد يعيد أجندة النضال إلى جوهرها الحقيقي؟ ويدافع لنا عن البترول والموارد الطبيعية؟ وهل من نظام رشيد يتقدم نحو ديموقراطية حقيقية وتسلم وتسليم السلطة بالطرق السلمية، ضعفنا وانعزلنا وضاع نفوذنا إلى الحد الذي شجع الإمبريالية إلى التحالف مع الحركة الصهيونية علانية تحت اسم جديد لخلاص العالم، سلفية مقابلة لسلفية العالم العربي والإسلامي، سلفية هذه المرة تعرف مصالحها، ولا تشغل نفسها بالشعائر الدينية والانقسام حولها كما نفعل، أجندة واضحة وتتسرب بنودها من حين إلى آخر لتمزيق المنطقة.

* أي الصورة ليست مبشرة؟
- باختصار الصورة تعيسة وغير مبشرة، وهذه القضايا تشغل الكتاب في العالم العربي وبوضوح، والمشكلة أن الأنظمة لا تستمع إليهم، وتحاصرهم ولا تأثير لكتاباتهم أو إبداعهم، لقد فاض الكيل بدول كثيرة تعاني كما نعاني، وهبت بعض دول أمريكا اللاتينية براية التمرد والعصيان، في وقت تصوت فيه الدول العربية إلى جانب الولايات المتحدة، وتنكس رأسها وتسد أذنيها عن حركات التمرد المتصاعدة، لكن الثورات قادمة فالعالم يمكن ولا يعقل إرادته على النحو السائد أكثر من ثلاث أو أربع سنوات قادمة أخرى، وأنا أجد إرهاصات تحدد موعد الثورات القادمة في العالم بين عامي 2010 و2020 ونحن نحتفل بمرور مائة عام على ثورة 1919 العظيمة.

* هل ساعد الخطاب الديني في توسيع الهوة الثقافية بين العرب والغرب... وأيضا الخطاب الثقافي العربي من قبل بعض المثقفين هل ساعد في تفشي هذه الهوة؟ بمعنى هل نجحنا في التعبير عن أنفسنا كعرب؟ ما هو السبب في فشلنا إذا كنا فشلنا في التعبير أو مخاطبة الاخر؟
- العلاقة بين الشرق والغرب شديدة التعقيد نظراً لاختلاف التصورات ونقاط الانطلاق، الغرب يطمع في الموارد والسيطرة، والشرق يرغب في استقلال كامل وعلاقات متوازنة، والنضال الشعبي منذ احتلال مصر في عام 1882 وهزيمة الزعيم عرابي، كان يصب في هذا الاتجاه، وعندما فشلت الحركة العلمانية في تحقيق هذا الهدف، تقدمت الجماعات السلفية للقيادة، وتعاونت الجهات الغربية مع الجماعات السلفية وشجعتها قبل أن تنقلب عليها، كما نجح الغرب في تصوير الصراع على أنه صراع ديني بين المسيحية والإسلام وصراع حضارات، وهذه كلها أكاذيب ولكنها للأسف راجت وشاعت، وأحد أسباب رواج النظرية الغربية في نوعية الصراع، تدخل الحركة الصهيونية على نطاق واسع لترويج مقولات تصب في احتلال الأراضي الفلسطينية، وتثبيت الأمر الواقع، وعدم الاعتراف بالقرارات الدولية والتحايل عليها بالتسويف، وسوف يظل الصراع في منطقة الشرق الأوسط مادامت القضية الفلسطينية لم تحل، وقد رأينا في لبنان جرائم حرب تجرمها المواثيق الدولية ولكن الولايات المتحدة قادت الصراع بما يحقق مصلحة إسرائيل، ولولا كفاءة المقاومة اللبنانية لما قبلت إسرائيل بالانسحاب، ما جرى في لبنان يعتبر أول نصر يحققه العرب منذ عام 1948 رغم الدمار الذي حل بلبنان، وهذه سوف تضاف إلى الجماعات التي تستند إلى مظلة دينية في المنطقة، وهذه لها ثمن يدفعه الغرب الذي لا يفيق إلا مؤخراً، وما يجري حالياً يصب في صالح الشرق، ولا بد من انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وترك الفرصة للأمم المتحدة لتؤدي دورها.

قديم 05-28-2012, 11:44 AM
المشاركة 715
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جميل عطية إبراهيم: السلطة الآن في مصر لاتعتقل المثقف ولا تستمع إليه
الروائي المصري لـ«الشرق الأوسط»: ما فعله صنع اللهإبراهيم يتسق مع تاريخه السياسي والأدبي
القاهرة: محمد أبوزيد
يتعرض الروائي جميل عطية ابراهيم في روايته «المسألة الهمجية» الصادرة حديثاً عن دار ميريت بالقاهرة «إلى واحدة من أعقد القضايا الإنسانية في تاريخ البشرية وهي منطق وأفعال الهمجي وكيفية الحكم على أفعاله والقوانين والمواثيق التي تجرم الفعل الهمجي.

وفي زيارته السريعة للقاهرة قادما من سويسرا حيث يقيم لحضور مؤتمر الرواية التقيناه وكان هذا الحوار:
* تفتح في روايتك الجديدة «المسألة الهمجية» ملف المسألة الهمجية وأسطورة الصهيونية ألا ترى أن هذه منطقة ملغومة؟
ـ إذا كان تاريخ البشرية هو تاريخ مقاومة الشرور فإن على الكاتب أن يقاوم دفاعاً عن بشريته لأن الهمجية ظلت وصمة عار ولاتزال وصمة عار في عالمنا الحديث، لذلك فإن الرواية تلفت النظر إلى أن الهمجي يزاول همجيته وفقاً لمنطق خاص يضعه لنفسه ويؤمن به لكي يبرر همجيته ويعتقد الهمجي دوماً أنه على صواب وعلى استعداد لتقديم مبررات وأسانيد قانونية لأفعاله المشينة وليس كما يعتقد بعض الناس بأن الهمجي لا يمتلك قانوناً ينظم همجيته ومن هنا تأتي أهمية الرواية فهي لا تدين الفعل الهمجي فقط ولكنها تكشف عن منطقه الخاص وتدينه.
* تتحدث في الرواية عن شارون، وهنا تتحدث عن الهمجي، هل أقول إنهما شخص واحد؟
ـ هذا صحيح، ومن هذا المنطلق تتوقف الرواية عند مذبحة جنين حيث مارست قوات الاحتلال الاسرائيلي ارتكاب كل الشرور والهمجية وفق منطق خاص بها يعتمد على ضرورة ابادة الشعب الفلسطيني وسرقة أراضيه انطلاقاً من النظرية الصهيونية الشائعة التي تؤيدها بقوة الدوائر الأميركية الحالية ومعظم الساسة في الغرب أيضاً في السابق بدرجات أقل من أول بلفور صاحب الوعد الشهير وحتى الزعماء الأوروبيين المحافظين الحاليين. ما أريد قوله : إذا كان للهمجي منطقه الخاص فإن المواثيق الدولية وأولها ميثاق حقوق الانسان واتفاقيات جنيف وقواعد القانون الانساني الدولي هي المحك الأخير للفصل بين الهمجية وغير الهمجية ولذلك فإن بطل الرواية وهو صحافي يعمل في جنيف وعاش سنوات الحرب الباردة وسقوط الكتلة الاشتراكية وبدء النزاعات الاقليمية ووصل إلى قناعة بأنه من الضروري تقديم شارون إلى محكمة جرائم الحرب.
* هل أستطيع أن أقول إن في الرواية شبه سيرة ذاتية؟
ـ إلى حد كبير، فالهم الخاص والعام الذي يحرك بطل الرواية هو الذي يحركني، بالاضافة الى تفاصيل أخرى.
* لماذا يتركز معظم ابداعك في سنوات ما بعد الثورة، بالتحديد في فترة الرئيس جمال عبد الناصر؟
ـ لقد عشت سنوات الثورة وتأثرت بها واستفدت من انجازاتها، ووقع عليَّ عزم من تجاوزاتها وانتكاساتها وعندما تولى الرئيس السادات الأمر عمل على مسح تاريخ الثورة من التاريخ، لذا رأيت من واجبي الحفاظ على ذاكرة الأمة بتقديم تلك السنوات بعد اعادة الدراسة والفحص فكتبت ثلاثية الثورة (1952، أوراق 1954، 1981) وهذه تواريخ فاصلة في تطور الثورة حتى مقتل الرئيس السادات، ثم بعد ذلك كتبت أوراق سكندرية التي تتعرض من أول ثورة 1919 حتى السنوات الأخيرة من القرن العشرين، فجمعت في الرواية أحداث قرن من الزمان بشكل فني وليس تسجيلياً دعائياً.
* لكن في الثلاثية توجد شخصيات حقيقية كهيكل وعبد الناصر وصلاح عيسى، كيف ترى الفارق بين الكتابة التاريخية والابداعية؟
ـ هذه اشكالية كبرى. كنت في 1952 أطلب مشورة د. علي الراعي فكان يرفض نصيحتي في أي شكل اتبعه في الكتابة قائلاً: يا جميل: اتبع التجربة والخطأ وأنت ستصل إلى القوانين ونصحني ببعض الكتب التاريخية في الأدب الانجليزي لا أعرفها، أما ما أعرفه من روايات فأعدت قراءته خاصة من الأدب الروسي والألماني مرة أخرى في أثناء الكتابة، وأنا أعتقد أني طورت منهجي بعد قراءة توماس مان على وجه التحديد، كما أنني قرأت ثلاثية نجيب محفوظ عشرات المرات حتى تثريني وتزكيني ابداعياً وروحياً، واستغرق العمل في الثلاثية عشر سنوات، وتعلمت أثناء التحضير لها أن الروائي هو المؤرخ السري للثورات، لذا وجدت من واجبي تقديم المهمشين والذين قامت ثورة 1952 من أجلهم، وظلت اشكالية التعامل مع الشخصيات العامة قائمة فاتخذت قراراً بالتعرض للشخصيات العامة في أقل مساحات مع عدم نسبي إليها أي قول لم تقله في الحياة العامة.
* لكن البعض يتهمك بضعف بناء الشخصيات العامة في رواياتك؟
ـ الشخصيات العامة ليست شخصيات روائية بالمعنى المعروف فأنا لا أتناول مشاعرها ولا حياتها الأسرية فأنا أستعملها لاستكمال الصورة فربما تأتي غير ناضجة غير مكتملة البناء كما تقول، ولكنها تكشف محاور سياسية عامة وهذا لا يضايقني لأني لا أكتب سيرة ذاتية لهذه الشخصيات ولكني أكتب سيرة الثورة.
* تبدو سلطة يوليو في كتاباتك أكثر انسانية في التعامل مع المثقفين على عكس ما هو معروف هل هو موقف سياسي أو توجه آيديولوجي؟
ـ سلطة يوليو في عهد الزعيم جمال عبد الناصر لم تعتقل المثقفين بسبب أفكارهم الثقافية ولكنها اعتقلتهم بسبب أنشطتهم السياسية، لا يوجد مثقف اعتقل في عهد عبد الناصر بسبب رواية أو قصيدة شعر، كان الاعتقال دوماً بسبب النشاط السياسي. حيث كان جمال عبد الناصر يرفض فكرة تنوع الأنشطة السياسية ويرى أنه في معركة مع الاستعمار طويلة ودائمة، ويود أن يضع البلد كله خلفه في كل لحظة تاريخية. ومن هنا وقع اضطهاد المثقفين والتضييق عليهم، لكنه من جانب آخر كان يستمع إلى المثقفين ويجري اتصالات مع المعتقلين منهم ويستفيد من آرائهم. الوضع الحالي في مصر ان السلطة لا تعتقل أي مثقف ولا تستمع إليه أيضاً، هو يقول ما يشاء، وهي تفعل ما تشاء، فيعاني المثقفون في الثلاثين سنة الماضية من هذه العزلة وهي عزلة خطيرة لأن البلد لا يستفيد من الآراء النيرة لجبهة واسعة من المثقفين. هذه الجبهة مشغولة بالرأي العام مثل الصراع العربي ـ الاسرائيلي وقضية التكامل العربي والعراق والعولمة، المثقفون لهم أفكار ومقترحات لهذه القضايا يكتبونها دوماً، والسلطة دوماً ما تسمح لهم بتشكيل الأحزاب وممارسة النشاط السياسي، ومن جانب آخر لا تستمع إليهم وهذه هي الفجوة الحقيقية بين المثقف والسلطة وأرى أنها شائعة في كل بلدان العالم العربي والعالم الثالث.
* إشكالية التعامل بين المثقف والسلطة كيف تراها، وكيف يجب أن تكون في رأيك؟
ـ هذه اشكالية موجودة منذ تشكلت السلطة ومنذ وجد المثقف وهي اشكالية تتسق في بعض العصور بالحدة، بل إلى حد ارهاب المثقف وفي عصور أخرى تتسم بالليونة ومحاولات الاحتواء والاستفادة من المثقف ويوجد في ذهني مثال واضح: يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا الحالي كان في شبابه في الستينات من الطلبة المشاغبين والفوضويين ووجهت له أقصى الاتهامات وهو حالياً من أنجح وزراء الخارجية الذين عرفتهم ألمانيا، وهذا حدث لأن النظام الألماني سمح لهذه الشخصية أن تسير في طريقها الطبيعي وتصل إلى السلطة من موقع المثقف، الأنظمة الأقل عقلانية والأكثر استبداداً لا تعرف هذا المسلك وتصنف الناس إلى خانة أعداء وخانة أصدقاء، تماماً كأنظمتنا العريبة، ومن الطبيعي دوماً أن تكون هناك خلافات واسعة بين المثقف والسلطة لأن من واجب المثقف النظر دائماً إلى تحقيق الأفضل بينما السلطة تؤمن بشعار ليس في الامكان أبدع مما كان.
* كنت أحد الموقعين على بيان الدفاع عن صنع الله ابراهيم وأن الذين ناصروه في مؤتمر نقابة الصحافيين، هل هذا بدافع الصداقة أم بدافع الموافقة على ما فعله؟
ـ أنا دافعت بشدة عن الخطوات التي اتخذها صنع الله ابراهيم برفض جائزة الدولة والأسباب التي أعلنها لهذا الرفض، وسأظل أدافع عن حقه وحق الآخرين في رفض أي جائزة لاعلان أسبابها، فهذا حق أصيل لأي كاتب ولايجوز مناقشة هذا الحق، قد يوافق عليه البعض أو يرفضه ولكنه يظل حقاً أصيلاً للكاتب أن يرفع صوته قائلاً لا.
* لكنك لم تقل لي هل أنت موافق أم لا على ما فعله؟
ـ ليس مهماً رأيي، المهم هو أن ما فعله صنع الله ابراهيم يتسق مع تاريخه السياسي وابداعه الأدبي ومواقفه المعلنة وليس لغرض الادعاء والشهرة وهذا هو صنع الله الذي نعرفه منذ سنوات الستينات.
* أنت أحد مؤسسي جماعة جاليري 68، والتي أثرت الحياة الأدبية في الستينات ماهي أسباب توقفها؟
ـ تخصصت جاليري 68 في نشر انتاج الشباب الذي يكتب بشكل مختلف عنالابداع السائد في المجلات والمنابر المختلفة الرسمية في ذلك الوقت بشكل متفرد وبدأ التفكير في مجلة خاصة عام 66، ثم جاءت الهزيمة فعطلت المشروع إلى أن صدر العدد الأول من جاليري 68 بدعم مالي من كل الكتاب ومن الفنانين والتشكيليين الذين نظموا معرضاً لبيع لوحاتهم لصالح اصدار المجلة وتوقفت المجلة بعد أن أدت رسالتها وأصبح الأدب الجديد ينشر في كل المنابر الرسمية وغير الرسمية وعرض الكتاب الجدد أدبهم على الساحة ممثلاً في نشر أعمال ابراهيم أصلان ومحمد البساطي وغيرهما في «الأهرام» وبدأت اذاعة البرنامج الثاني تقدم قصصاً لي، فلم تكن هناك حاجة ملحة لاستمرار الجماعة والمجلة، بالاضافة الى أن اصدار مجلة ليس بالعمل السهل، وكناقد تجاوزنا الثلاثين من العمر وتصدر المجلة من المقهى فتوقفنا لأسباب موضوعية أدبية وليس لأي أسباب أخرى سياسية.
* هل هذا الزخم الابداعي والثقافي الذي كان موجوداً في فترة الستينات اختفى الآن؟
ـ في الستينات كان هناك زخم ابداعي وزخم ثقافي في السنوات الأخيرة يوجد زخم ابداعي متميز ولا يوجد زخم ثقافي، بمعنى أن أجهزة الاعلام القوية تقاطع الثقافة الجادة، ولا تتيح لها الفرصة، ويقتصر الزخم الثقافي على دوائر المثقفين المعزولة عن الشارع ومن يقرأ الصحافة المصرية المكتوبة ومن يرى القنوات الفضائية التي تنبح ليلاً ونهاراً يحس بغيبة الثقافة الجادة عن هذه الأيام.


قديم 05-28-2012, 11:44 AM
المشاركة 716
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جميل عطية ابراهيم :الكتابة في الغربة محنة
القاهرة - القسم الثقافي - شريف الشافعي:

"لا أكتب عن سويسرا أو أوروبا، إنما اكتب عن مصر والمهمشين، وأقدم كتاباتي لقارئ عربي، لهذا لا اهتم بترجمة أعمالي، فهي مكتوبة لقارئ أعرفه جيداً، أما وهم الكتابة لغرض الترجمة.. فهذا ترف لا يشغلني! فأوروبا تشغلها قضايا أخرى، ولا اعتقد ان كاتباً أجنبياً يمكنه مخاطبة قارئ أوروبي، كما أنني أكره تلك الكتابة التي تحول الشرق إلى حديقة حيوانات ليتفرج عليها مشاهد أوروبي من الخارج!".هذا ما صرح به القاص والروائي جميل عطية ابراهيم المقيم في جنيف والذي زار القاهرة مؤخراً إثر صدور روايته الجديدة "خزانة الكلام"، وقال جميل عطية في حديثه إلى "ثقافة اليوم": اعتقد ان الكاتب تترجم أعماله إذا فرض نفوذه الأدبي في موطنه أولاً، فنجيب محفوظ نفسه ترجمت أعماله بغزارة بعد أن فرض نفوذه الأدبي في الشرق أولاً وحاز على جائزة نوبل.والغالب في مصر وكافة الدول العربية - يقول جميلة عطية - ان الحالة الثقافية لا تسمح بهذا الفرض لنفوذ الكاتب، فالكتابة الجادة محل تجاهل متعمد، ولا تأثير لكاتب على مسارات العمل السياسي في بلده، ورعاية الإبداع غائبة على الرغم من كافة المظاهر السائدة. إن الأمر المهم هو سماع ما يقوله الكاتب، وإذا حدث ذلك فأعتقد ان كتاباتي سو
ف تترجم! إنني كتبت كثيراً عن ثورة 1952، والحديث عن هذه الثورة مرفوض في الغرب، فهل هناك واحد على استعداد لسماع شيء عن مصر عبدالناصر؟! لا أظن. ولمن يود ترجمة أعماله ورواياته بسرعة البرق أن يروج لزيارة إسرائيل أو يتناول فتنة طائفية في حي من أحياء القاهرة في رواية أو يتحدث عن ختان البنات، فهذه الأمور يسيل لها لعاب المترجمين حتى إذا كتبت بأقل حد من الحرفية! ولكن هذا لا ينفي أن هناك دوراً للنشر قد ترجمت أعمالاً مهمة مثل كتابات إدوار الخراط وجمال الغيطاني وبهاء طاهر وصنع الله ابراهيم وسلوى بكر وغيرهم، ولكن في المحصلة تعتبر هذه النجاحات في الغرب محدودة.وحول أبرز تحديات الكتابة في الغربة يقول الروائي جميل عطية ابراهيم: الكتابة في الغربة محنة، نظراً لغربة المكان وغياب الأحبة. وربما تأتي ساعات يفقد فيها المرء القدرة على التعبير بلغته الوطنية الأصلية، وقد كان من حسن حظي أنني رفضت الارتباط بعمل في سويسرا، وبدأت في مراسلة مجموعة صحف ومجلات مصرية وعربية إلى جانب عملي الاذاعي، وهذا يتطلب التعبير باللغة الأم، وكنت في بعض الشهور أشعر بافتقادي للغة، فأعود إلى القاهرة لسماع لغتي وزيارة ملاعب الصبا والشباب، فهذه الأمكنة هي زادي
في الكتابة الروائية.خزانة التحدي!وحول تعمق روايته "خزانة الكلام" في رصد جوانيات مدينة القاهرة بناسها وشوارعها وعمائرها وترابها، يقول الروائي جميل عطية ابراهيم: حاولت في رواية "خزانة الكلام" أن أرصد مدينة القاهرة في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. فالرواية تتناول التغيرات العالمية الكاسحة من عولمة وهندسة وراثية واستنساخ وثورة اتصالات وطاقة نووية والصراع العربي الإسرائيلي من خلال اشتباك المحلي العالمي معاً وانصهارهما في بوتقة واحدة. وتصور الرواية اشتباك خيوط الصراع، وترتبط العولمة في بعض جوانبها بالرأسمالية وبإسرائيل.الجدير بالذكر ان الروائي جميل عطية ابراهيم من مواليد محافظة الجيزة في عام 1937، وقد حصل على بكالوريوس التجارة من جامعة عين شمس في عام 1961، ودبلوم معهد الموسيقى (1961)، ودبلوم معهد التذوق الفني من اكاديمية الفنون في عام 1974، وحصل على الماجستير بدرجة امتياز في تاريخ الفن من معهد التذوق والنقد الفني في عام 1980.وقد عمل في المجلس الأعلى للشباب ووزارة الشباب ووزارة الثقافة المصرية قبل سفره في عام 1979إلى سويسرا للإقامة بصفة دائمة. ومنذ ذلك الحين، وهو يتردد على القاهرة بصورة منتظمة ويمضي فيها
شهرين على الأقل من كل عام.



==
جميل عطية ابراهيم
- مواليد الجيزة 7 أغسطس 1937.
- شارك في تأسيس مجلة "جاليري 68".
- مقيم في سويسرا منذ عدة عقود.
يكتب القصة والرواية ومن أهم أعماله : "الحداد يليق بالأصدقاء" ، "أحاديث جانبية" ، "أصيلا" ، "البحر ليس بملآن" ، "النزول إلى البحر" بالإضافة لثلاثية الثورة وهي على التوالي : "1952" و "1954" و "1981" .
- نشرت أعماله بمصر والعالم العربي وترجم بعضها للغات أجنبية.
==
حصل الاديب "جميل عطية ابراهيم" على شهادات دراسية متباينة ونتيجة لذلك عمل في مهن متعددة، فقد عمل قبل تخرجه من الجامعة كاتب حسابات في مصنع للنسيج في شبرا الخيمة ومدرساً للموسيقي للأطفال، وكذلك مدرساً للحساب والجبر والهندسة للمراحل الإعدادية في مصر والمغرب، وبعد تخرجه من الجامعة عمل كمفتش مالي وإداري في وزارة الشباب في سنوات الستينات، وبعد نجاحه في نشر بعض القصص انتقل إلى الثقافة الجماهيرية بفضل الأساتذة نجيب محفوظ وسعد الدين وهبة ويعقوب الشاروني، وظل في الثقافة الجماهيرية حتى سافر إلى سويسرا عام 1979 وعمل بالصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة العربية في جنيف حتى هذه اللحظات حيث يستعد للتقاعد والتفرغ للأدب، الاديب جميل عطية ابراهيم أحد مؤسسي مجلة جاليري 68 الادبية، ومن رواد حركة أدباء الستينيات، ركز من خلال اعماله على الدور الاجتماعي للادب، من مؤلفاته.. أصيلاً، النزول الى البحر، ثلاثية 1952، أوراق اسكندرية، الثورة، المسألة الهمجية، خزانة الكلام وغيرهم.. دار الحوار حول أيدولوجيات الستينيات، ومجلة جاليري... ورسالة الاديب، وعن افكاره التي وردت في رواية المسألة الهمجية وبطله المثقل بهموم وطنه، وأيضاً عن الحوار مع الآخر وأسباب انتشار التيار السلفي... ونظرته الى العالم اليوم</span>

قديم 05-28-2012, 01:27 PM
المشاركة 717
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
العوامل الحياتية التي أثرت في تكوين الروائي جميل عطية ابراهيم

- فى بدايتي كنت أظن أني كاتب للقصة القصيرة فقط ولن أكتب شكلاً أدبياً آخر، وعندما سافرت لسويسرا وفى الغربة فشلت فى كتابة قصة قصيرة واحدة، فالقصة القصيرة تحتاج الى تركيز ولحظة وإلهام، وجو الغربة لم يغرني لكتابتها قط فتوقفت عاماً أو عامين ثم بدأت في التحضير لرواية هي من أجمل رواياتي اسمها (النزول إلى البحر) ترصد لحياة المهمشين في القاهرة وتدور حول سكان المقابر.

للاسف رغم عبقرية هذا الروائي وعبقرية اعماله لكنني لم اجد له سيرة ذاتية على الانترنت، والمعلومات عن حياتة وطفولته شحيحة. اهتمامه بحياة المهمشين واصحاب المقابر يوحي بأنه عرفهم عن قرب ويجوز لنا اذا ان ندعي بأنه عاش حياة ازمة على المستويات الشخصية والاجتماعية الذي تمثل بزمن الاستعمار والنكسات والهزائم والثورات لكننا سنعتبره مجهول الطفولة.

مجهول الطفولة.

قديم 05-28-2012, 06:51 PM
المشاركة 718
ماهر كرم
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
مرحباً أخي الكريم.. وآسف على تأخري في الاقتراح الذي قدمته لك، عن عمل كتاب يضم ما تكتبه في هذا الموضوع الرائع..
وحتى لا أطيل عليك فهاك فحوى الاقتراح:

1. بطاقة تعريف بالرواية:

تتضمن المعلومات التالية..

العنوان:
المؤلف:
الناشر - أو الناشرون؛ نظراً لوجود أكثر من ناشر لأغلب الروايات. ومن فائدة هذه المعلومة أن تساعد الباحث في معارض الكتب الدولية على العثور على أكثر من ناشر للرواية في حال تعذر وجودها عند أحدهم (يعني اعطاء اكثر من احتمال لوجود الرواية عند اكثر من ناشر):
سنة نشر الطبعة الاولى:
عدد الصفحات:
نبذة عن الرواية: (كتلك النبذ التي نطالعها مطبوعة على ألأغلفة الخارجية أو الكتالوجات الترويجية لكتابٍ ما).


2. بطاقة تعريف بالمؤلف:
الأسم:
المولد:
الوطن الأم:
الإقامة:
أبرز أحداث حياته:
أعماله الفنية - حسب سنوات نشرها:


3. السيرة الذاتية التفصيلية للروائي مع التركيز على العناصر المؤثرة في حياته والتي جعلت منه روائي محنك.


4. محور الرواية وحول ماذا تدور، مع ابراز خطوطها العريضة وأهم أحداثها (وهذا من شأنه مساعدة القارئ على تحديد وانتقاء الرواية التي يشعر بأنه بحاجةٍ لها - من خلال أجواءها وازمنتها وأماكنها وبيئتها - أو تتناسب مع ميوله الأدبي).


5. ملخص للحبكة في كل رواية.

6. عناصر القوة والتأثير في كل رواية، والتي جعلت منها واحدة من اروع الروايات.

7. تحليل للبيانات الاحصائية حول ابرز العوامل المؤثرة في طفولة كتاب الروايات اصحاب اروع 100 رواية عربية،(وهذه فكرتك أخي أيوب)، كأن يكون الكاتب؛ مأزوم، يتيم، يتيم الوطن، فقير، أسير، سجين، معوق... إلخ.

______________

التفاصيل:

1. تبدء كتابك - طبعاً بعد المقدمة وتقديم من قبل بعض الروائيين أو أعضاء من اتحاد الكتاب العرب - ببطاقة تعريف بالرواية رقم (واحد؛ ثلاثية نجيب محفوظ)؛ والتي تأخذ صفحة... (1 صفحة).


2. ثم تنتقل إلى صفحة جديدة لتبدأ ببطاقة تعريف بالكاتب أو المؤلف للرواية (بإيجاز جداً)، مع الاشارة إلى أهم أعماله ونتاجه الأدبي... (2صفحة).


3. ثم رسم خطوط عريضة من سيرته الذاتية - إذ لا يتسع مجلد لسيرة مفصلة لمائة وخمس روائي! ولذلك فأنت مطالب بالتركيز على الخطوط العريضة فقط- مع تسليط الضوء على أبرز العناصر التي شقت لهم طريق الرواية وأسهمت في صناعتهم الكتابية (وقد تستغرق هذه الخطوة 2-4 صفحات).


4. ثم تنتقل لفقرة مهمة وهي ابراز محور الرواية وحول ماذا تدور، مع ابراز خطوطها العريضة وأسماء ابطالها، وأهم أحداثها، ونهايتها.. وهذا من شأنه كما ذكرتُ لك سابقاً، إعطاء هوية أو بطاقة واضحة المعالم لترشد القارئ إلى استطلاع للرواية من الخارج وتعريفه بأبرز أحداثها.


كذلك فبعض القراء يميل إلى الروايات الساخرة.. فمن خلال قراءة موجزة عن رواية (الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد ابي النحس المتشائل) سيذهب ويقتني الرواية.. أو من خلال قراءة موجزة عن رواية (مدن الملح) فسيلم القارئ بمحورها السياسي وسيساعده الموجز على أختيارها.. وهذه النقطة أشبه ببعض المواقع على الشبكة العنكبوتية كـ(ملخصات) أو (قرأتُ لك..)، والتي تستعرض ملخصا عن كتابٍ ما، وقد دخلتُ منذ فترة إلى مواقع تهتم بعرض الملخصات ولكن عهدي بها بعيد، كنت أتمنى أن تأخذ فكرة عنها.. ولا يضير إذا بحثت على المحركات لتأخذ منها بعض الأفكار...(1 صفحة).
فمن أصحب المصاعب التي يواجهها القراء هي المغامرة بشراء كتاب ليكتشفوا لاحقاً بأنهم قد وقعوا ضحية للأغلفة والعناوين! وكم حصل لي هذا، وإذا رحت أحصي لك الكتب التي وقعتُ ضحية لأغلفتها وعناوينها لطاب بنا المقال.
عهدي بك أن تمنع حدوث هذا فحسب!(ابتسامة).


5. ملخص للحبكة - لا الأحداث - في كل رواية، وتسليط الضوء على النسيج الذي ميزها عن غيرها من الروايات... (2صفحة).


6. عناصر القوة والتأثير في كل رواية، والتي جعلت منها واحدة من اروع الروايات. (وهذه في برأيي على صلة بالنقطة السابقة وأرئ لو تدمج معها، فلا بأس بها)... (1 صفحة).


7. وأخيراً؛ نأتي إلى لمساتك الإبداعية التي أجزم بأنك الأول الذي أوجدتها على الشبكة! وهي تحليل البيانات الاحصائية حول ابرز العوامل المؤثرة في طفولة كتّاب الروايات اصحاب اروع 100 رواية عربية، كأن يكون الكاتب؛ مأزوم، يتيم الوالدين، يتيم الوطن... إلخ. وهذه توضع في نهاية الكتاب كخلاصة للبحث على شكل جداول ورسوم بيانية ومخططات احصائية...(3 صفحة)..

8. وأخيراً مصادر ومراجع، ثم الفهرست.

طبعاً حسب تقييمي للكتاب من حيث الحجم فقد يقع في 800 - 1100 صفحة من القطع الكبير، أو مجلدين كل مجلد يقع في 500 صفحة تقريباً.


ولا أنسى أن أوصيك بأن احجز نسخة من كتابك (سر الروعة في أفضل مئة رواية عربية).. عند أول مشاركة له في معرض الكتاب الدولي.. (ابتسامة جادّة).

وختاماً تقبل أصدق الأماني - مني إليك - بالتوفيق والنجاح.

قديم 05-29-2012, 08:04 AM
المشاركة 719
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
استاذ ماهر كرم

اقدر جدا مداخلتك الكريمة هذه وسوف ادرس المقترحات بدقة وحتما سوف آخذ بها، رغم ان العمل كما تطرح سوف يتطلب وقت وجهد عظيمين.

كنت افكر ان اختصر البحث في نقطتين اساسيتين
الاولى : نقاط التأثير التي تجعل الرواية رائعة من حيث اللغة والاسلوب والموضوع واليات السرد الخ.
الثانية : ابرز العوامل المؤثرة في طفولة كتاب الروايات اصحاب اروع 100 رواية عربية، كأن يكون الكاتب؛ مأزوم، يتيم، يتيم الوطن، فقير، أسير، سجين، معوق... إلخ.

على كل حال اقتراحك الجميل هذا اعطاني دفعة قوية للامام وسيكون هذا الكتاب واحد من الاهداف ذات الاولوية التي سوف اسعى لتحقيقها ان شاء الله.

شكرا جزيلا،،

قديم 05-29-2012, 09:19 AM
المشاركة 720
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
93- طيور أيلول أميلي نصرالله لبنان
نبذة النيل والفرات:
"عندما يحلّ أيلول، تاسع أشهر السنة، تمر فوق قريتها أسرابٌ كثيرة من طيور كبيرة الحجم، قوية الجناحين، يعرفها السكان، بـ"طيور أيلول" ويتلفت الناس نحو الفضاء الموشّح ببواكير الغمام، يراقبون الطيور، وفي صدورهم غصّات انفعال. إن هذه الطيور المهاجر تسجّل نقطة جديدة في دائرة الزمن، ويذكرون أن فصل البرد أصبح على الأبواب. ويقف شيخ في منتصف الطريق يسند ثقله إلى عصا سنديان ويمسح شاربيه، ثم يرسل نظرات متسائلة نحو الطيور، تدغدغ حلماً عزيزاً. وتمسح امرأة يديها المبللّتين بالماء على جانبي ثوبها، وتنفض منديل الرأس لتعيد حزمه من جديد حول شعرها، وتشبع الطيور بنظرات الحنين... ويبقى الحبل موصولاً أياماً تراوح بين الثلاثة والعشرة، ويتناقل القرويون أنباء الطيور الراحلة، وتتلون أحاديثهم بلون جديد يحطم رتابة الحياة البطيئة. وتتابع القافلة سيرها صوب السهول الدافئة في الجنوب، إنها تهرب من أذى الصقيع في البلاد الشمالية... ويبقى طعم الهجر يتململ في أجواء القرية أياماً. إنه يعشش في الكوى، في شقوق السطوح الوطيئة، في المسام الصغيرة بين أوراق الزيتون والسنديان، في دموع تفلت من المآقي، في آهات حرّى تندفع من صدور الأمهات. وكأنما الطيور تشعر بالأشجان التي يثيرها عبورها، وتلقيها مع ظلالها فوق السطوح وبين الأزقة وتتابع رحلتها بصمت. الصمت الحزين، المرفرف في أجواء القرية، ينقل إليها، يعصر وجودها ويخضعها لرهبة السكون". في أيلولها حزن وفي طيورها شجن، تنقاد إليهما من خلال كلماتها وعباراتها التي وكأنها ترسم لوحات ألوانها هي محض أحاسيس ومشاعر تدفقت من لحظة ولع بقرية هي موئل الفؤاد. فعند أملي نصر الله نبع إبداع أدبي لا ينضب مصدره القرية وطبيعتها، وهو متجسد بأعمالها، إلا أنه يبلغ ذروته في روايتها "طيور أيلول". فهذه الرواية، إلى جانب روعة صورها الفنية، وإلى جانب ثراءها التعبيري والبلاغي والتصويري واللغوي، إلى جانب كل ذلك، فإن طيور أيلول تمثل في إحدى جوانبها دراسة اجتماعية لعادات وتقاليد أهل تلك القرية، وفي جانب آخر، هي تمسّ وببراعة عالم النفس الإنسانية بكل طموحاتها المؤجلة والمعجلة، وبكل أمانيها المقهورة والمبتورة، وبكل معاناتها التي وكما هي بقعة سوداء في حياة بطلة أملي، هي إلى ذلك بقعة ضوء أكسبت تلك الرواية سمة الواقعية، وأغنت عالم الرواية بالكثير من التجارب الإنسانية.
==
طيور أيلول – إميلي نصر الله

Posted bysalimallawzionسبتمبر 9, 2011

طيور أيلول، رواية لإميلي نصرالله، واحدة من الروايات التي اختارها اتحاد الكتاب العرب ضمن قائمة أفضل مئة رواية في تاريخ الأدب العربي.
إنها قصة الشباب بطموحه وآلامه، والشيخوخة برضاها واستسلامها.. الأرض تعيش وتتألم أيضاً كامرأة.. والبشر يرتطمون بقدرهم قبل أن يتشظوا بعيداً في قلب المغامرة.
رفضت الكاتبة في هذه الروايا جميع التقاليد والأعراف، نسفتها بنقدها لها، تكلمت عن أحلام الشباب، الخروج أبعد من القرية، حلم المدينة، الحب الذي تختاره البنت وليس أهلها، التقاليد والأعراف البالية التي تدخل مظلوميها قفص الحرمان والذل .. هي ثورة على التقاليد البائدة السائدة في تلك الحقبة، في العام 1962
من الرواية:

“عطيناهم قول!” ..
يا كمال!
أعطوهم القول عليّ. امي وابي واخوتي وسكان القرية جميعهم اعطوا القول لسليم.
قالو له: سوف تكون نجلا عروسة لك.
عبارة واحدة تصدر حكماً يدوم مدى الحياة، واقوم انا بتنفيذه.
انا، يا كمال، الفتاة التي اختارها قلبك من بين عرائس القرية.
هل كنت تعلم، وانت تدسّ كلماتك الشهية في سبيلي، ان هذه الكلمات ستتحول الى سمّ زعاف، وتقلب حياتي كلّها الى جحيم، وتضمّخها بعبير الموت؟
لقد استعجلت كلماتك وأدي.
في مساء هذا اليوم، يلتقون في دارنا، يسمرون في سهرة عارمة، يتلذذون باطايب الطعام والكلام.
ويسردون حكايات الماضي والمستقبل. ثم يقترب كبير الجماعة ويمسك بيدي، ويقودني الى ثغر الهاوية.
سأصرخ كثيراً في هذه الليلة يا كمال. سيتعالى صوتي، ويخبط جدران صدري، ويمزق اعصابي وقلبي، ولن اسمح لأحدهم بأن يسمعني.
حتى امي لن تسمع صوتي، امي التي حملتني احشاؤها تسعة اشهر، ونام قلبي في جوار قلبها، طوال تلك المدة.
لن تقوى امي على سماع صوتي لأن جدران الكلس بدأت ترتفع في أذنيها مذ شقّت صرخاتي صمت وجودها، مذ انفصلت عنها لأكون الجيل الآخر.
ولكن الرياح التي تمرّ فوق دارنا ستحمل اصداء صوتي الى البعيد، عبر الأيام المقبلة، يا كمال!
منذ الليلة أصبح خطيبة سليم، احمل خاتمة في اصبعي، اطوّق عنقي بطوق الحديد البارد القاسي.
كتب عنها المستشرق الهولندي ( يان بروخمن): إنها واحدة من أفضل الروايات التي كتبت باللغة العربية وتجمع المؤلفة فيها بين المقدرة الفنية الغنائية في التعبير وبين الوعي الاجتماعي.
كتب عنها ميخائيل نعيمة: معرض فني للقرية اللبنانية في شتى مظاهرها … إنه لكسب كبير للقصة في لبنان.
عن الكاتبة: إملي نصر الله هي أديبة لبنانية ولدت عام 6 يوليو 1931 في قرية الكفير جنوب لبنان نشرت عددا من الروايات والمجموعات القصصية للاطفال وحصلت على جوائز عديدة منها جائزة الشّاعر سعيد عقل في لبنان وجائزة مجلّة فيروز وجائزة جبران خليل جبران من رابطة التّراث العربيّ في أوستراليا وجائزة مؤسّسة العالميّة لكتب الأولاد على رواية “يوميّات هرّ”
تلقت تعليمها الجامعي في جامعة بيروت (حاليا أصبحت الجامعة الأمريكية في لبنان) وحصلت على شهادة الماجستير سنة 1958
عملت كروائية، صحفية، كاتبة مستقلة، معلمة، محاضرة، ناشطة في حقوقِ المرأة.
أول رواية لها نشرت عام 1962 (طيور أيلول) وحازت على 3 جوائز أدبيه (افضل رواية – جائزة AKL – جائزة أصدقاء الكتاب)، وترجمت العديد من رواياتها إلى الإنجليزية والفرنسية.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 36 ( الأعضاء 0 والزوار 36)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 01:49 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.