قديم 05-12-2019, 03:52 PM
المشاركة 11
سعيد مقدم أبو شروق
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي يوميات السيول السوداء (10)
رجعنا من الحميدية ليلا، ومررنا بحي الثورة حيث يأوي ياسر أبو عمار عوائل منكوبة من الشعيبية والسوس في معمله، هو يسكن في الطابق الثاني من المعمل أيضا.
يملك أبو عمار معمل حليب، وفيه عدة حجر خصصها للمنكوبين، وقد تم التنسيق مع لجان الإغاثة فأرسلوا إلى معمله عوائل اجتاحت بيوتها السيول، فآوى هذا الرجل الشريف ثلاث عشرة عائلة.
وبلغ خبر مكان هذه العوائل إلى المتضامنين فأصبحوا يقصدونهم من أماكن مختلفة ليقدموا لهم الدعم المادي والمعنوي.
قبل أيام تبرع شباب عبادان بمكيف ماء لهذه العوائل بعد أن وجدوا أطفالهم يعانون من الحر.
قدمنا لهم ما أبقينا في سياراتنا من ملابس وخبز وحلويات وألعاب للأطفال.
كنا قد اشترينا ما يكفي من البيض والطماطم لنتعشى معهم، جهزت أم عمار العشاء فجلسنا نتعشى ونتبادل حديث السيول مع رجالهم ومع أبي عمار.
يقول أبو عمار إن من ضمن العوائل التي لجأت في معمله عائلة تتكون من شاب وزوجته وطفلهما الرضيع؛ وكنت أرى الزوجة تبكي بحرقة كلما مررت من جانبها!
فكنت أسليها وأصبرها، حتى استخبرت عن سبب هذا الجزع والضجر! فقالت وهي تسكب الدموع:
بعد الزواج اقترضنا مالا واشترينا أثاث بيتنا، ثم ولكي نرد القروض إلى أهلها اقترضنا ثانية لنزرع جميع أراضينا؛ وقد أثمرت الأراضي بفضل الله والمطر الغزير، وينع الثمر؛ اتصلنا بالسيارات والعمال كي نبدأ الجني غدا ... عند الفجر كانت السيول قد غمرت جميع المحصول، ودخلت بيتنا لتدمر كل الأثاث التي اشتريناها بالقروض!
إنها لمأساة حقيقية!
ونقلوا لي في الشعيبية أن امرأة توفي زوجها وهي شابة، وقد أنجبت منه ولدا.
نصحها أهلها أن تتزوج ثانية وقد جاء من يخطبها، لكنها أبت وفضلت أن تكرس حياتها لتربية ابنها.
عندما فتحوا منافذ السد ليفتعلوا السيول، جرفت دابة من دواب الابن الذي بلغ الخامسة عشرة من عمره؛ فدخل المياه وتبع الدابة لينجيها؛ لكن السيول كانت أقوى منه ومن الدابة فجرفتهما وأدت بحياتهما؛ وأبقت المرأة المسكينة ثكلى!
ويستمر مسلسل المأساة، امرأة شابة تبكي في المخيم بحرقة وهي تنظر إلى وجه ابنها الرضيع وقد ورم وجهه من لسعات البعوض.
امرأة أخرى تبكي وتطلب من لجان الإغاثة أن يرجعوها إلى بيتها ظانة أن السيول ستبقى فيه إلى الأبد!
رجل يدخل مزرعته التي غمرتها السيول فيغوص ويخرج السنبل ويُقبله، وآخر يخرج الخيار وهما يبكيان! وقلما ترى الرجل الأهوازي يبكي! لكن الفاجعة مؤلمة.
إنها ضياع تعب أشهر، وضياع ثروة كان يحسب لها الفلاح ألف حساب.

هناك مزارع تلفت، وبيوت دُمرت، وعائلات هُجرت، وأطفال ذعروا ...
ولكن رغم كل هذه المآسي التي خلفتها السيول، والتي مضى على افتعالها أكثر من شهر ولم تزل مستمرة؛ رغم عمق الفاجعة والخسائر في البنية التحتية، ورغم ضياع الكثير من فرص العمل، لابد أن أشير إلى صمود الأهوازيين الأسطوري بكل أطيافهم أمام هذه السيول الفتاكة!
الكل أشاد وجلل تعاون الأهوازيين مع بعضهم، وأنهم نجحوا حقا في هذه التجربة الصعبة نجاحا عظيما، وانتصروا على المحنة انتصارا باهرا. ورغم كل الخطط الخبيثة لترحيلهم ثبتوا في أراضيهم.
في هذه الوقفة التي لم يرَ التأريخ مثيلا لها، والتي نعتها البعض بالانتفاضة الخالدة، والبعض الآخر بالملحمة، هبّ الجميع ليساعد أخوته المنكوبين، من كل مدينة وقرية، صغير وكبير، رجل وامرأة، لينجوا القرى من الاقتطاع من الإقليم.
9-5-2019
سعيد مقدم أبو شروق - الأهواز

تحية لكم من الأهواز العربية
قديم 05-20-2019, 08:10 PM
المشاركة 12
سعيد مقدم أبو شروق
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي يوميات السيول السوداء (11)
قلما تجد قرية أو مدينة لم تتضرر من هذه السيول المفتعلة؛ المحمرة مثلا، الظاهر أن السيول لم تدخلها، لكن أحد ساكني المحرزي يقول إن السيول اجتاحت بستاني فأغرقت 30 فسيلة نخلة (برحية) كنت قد شتلتها العام الماضي؛ وبقت فيها أكثر من أسبوعين فقتلتها.
يقول آخر إن المياه تدفقت في أرضي وأغرقت بستان الخضروات كلها، وكنت أجني من بيعها الملايين كل سنة.
إن الجميع تضرروا لكنهم وقفوا وتعاونوا.
عندما يسمع أهل المحمرة استغاثة أهل الفلاحية وإنهم بحاجة إلى أكياس، يرسلون لهم 50 ألف كيس، ولا أدري من أين دبروها! بل ويهبوا معهم طاوين العشرات من الكيلو مترات ليساعدوهم في إقامة السواتر لحماية القرى والمدن من السيول.
لجان الشعبية للإغاثة في الحميدية والخفاجية والسوس باتت توجه نداءات بأن لا ترسلوا الطعام، فقد اكتفى المنكوبون.
وهذا يعني أن الناس وقفوا وقفة تأريخية مشرفة لبعضهم.
حتى الأطفال أهدوا ألعابهم إلى أترابهم المنكوبين!
اتحاد وتآزر وصمود قل مثيله، الكل ساهم في هذه الوقفة التأريخية ليدعم المنكوبين؛ رغم أن المحنة استمرت لشهرين!
من استطاع ذهب بنفسه مساندا أخوته في إقامة السواتر وتقديم التبرعات، ومن لم يستطع أن يحضر بنفسه، تبرع بالمال لمجموعات الإغاثة وقدم ما يستطيع.
وصلت المساعدات إلى درجة ليفضل أطفال المنكوبين البقاء في الخيام بدل العودة إلى بيوتهم، وقد قال أحدهم ببراءته:
إن لجان الإغاثة يقدمون لنا جميع الأشياء التي نحتاجها من طعام وألعاب وحلويات، ولذا أنا أفضل البقاء هنا على الرجوع إلى بيوتنا! وأتمنى أن لا تنتهي السيول.
رأيت مقطع فلم يقول فيه متضرر من السيول مخاطبا محسن حيدري عضو مجلس خبراء القيادة:
بلغ سلامي لجماعتك وقل لهم أن يزيدوا من مياه السيول، ولا نريد أي مساعدة منكم، اذهب من هنا فحسب؛ وإننا ثابتون في أراضينا حتى لو بلغت المياه آذاننا.
الكل كان يهتف بشعار الوحدة، وقد تحققت هذه الوحدة من شمال الأهواز إلى جنوبه ومن غربه إلى شرقه.
لقد علّمت هذه السيول الشعب التضحية والنظام والإيثار؛ وتراجعت القبلية والطائفية والمناطقية بشكل ملحوظ بين أبناء الوطن.
وقف الشعب، رغم أن رجال الدين في الأهواز لم يقفوا معه، وأن مندوبيه في مجلس الشورى لم يساندوه! ورغم أن المؤسسات الحكومية لم تدعمه!
وقف رغم أن الحكومة اعتقلت بعض أعضاء لجان إغاثته!
وقف رغم أن المسؤولين كذبوا عليه وقالوا إنهم فتحوا الهور العظيم، ولا يزال الهور جافا لم تدخله قطرة ماء، والدليل هو الغبار الذي يجتاح سماءه بين الفينة والأخرى!
وقف وهو يردد أهزوجته التي سوف تسجل في التأريخ:
(بچینا الشط ما بچانا)
أي أبكينا النهر ولم يبكِنا.
وتحقق النصر بالوحدة على السيول بعد كفاح طال ما يقارب الشهرين.
ولا تزال المنازلة مستمرة ...

سعيد مقدم أبو شروق – الأهواز

تحية لكم من الأهواز العربية

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: يوميات السيول السوداء (سلسلة حلقات)
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تل من الشحوم عبدالعزيز صلاح الظاهري منبر القصص والروايات والمسرح . 7 09-30-2020 03:20 PM
يوميات عازف .. (يوميات من الحياة ) أحمد صالح منبر البوح الهادئ 11 01-15-2016 02:14 PM
البلاغة -----------حلقات متتابعة محمد محمد أبو كشك منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 6 10-24-2014 08:01 PM
يوميات متعلقَين ... يوميات مجنونة...قصة حقيقية نزهة الفلاح منبر القصص والروايات والمسرح . 34 11-30-2013 07:12 PM
أهوال يوم القيامة ,, في حلقات ناريمان الشريف منبر الحوارات الثقافية العامة 10 10-10-2010 09:43 PM

الساعة الآن 04:31 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.