قديم 05-19-2014, 11:05 PM
المشاركة 1161
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

-تعمل رواية (( حكاية زهرة )) لحنان الشيخ على تفجير قوة داخلية هائلة، داخل الجسد/ المرأة ، ناشئة من اصطدامها بالوعي / الأنثى ، الوعي الذي يكتسب من الجسد/ المرأة ، وجوداً مغايراً ،يمتلك حريته خارجه، ليشكل ملامحه ورؤيته تجاه الآخرين والعالم ، بعين طفلة – امرأة، مع تحويل الجسد إلى شفرات مؤسطرة، دون الوقوع في دائرته، ولكن باتحادهما تكتمل الصورة لـ الجسد – الأنثى، ويتسم الجسد عند حنان الشيخ بالقمع، والكبت، والاضطهاد، والتدنيس بشكل بارز وحاد، لان النص عند الروائية جسد امرأة متشظ، بل نص منسوج من رؤية ثنائية للبطلة والكاتبة ، نص يتألف من جسد زهرة ووعي حنان، وهذا الجسد لا تتحقق هويته إلا بالتحامه وتداخله مع الجسد/ الآخر، فعندئذ تتحقق هوية جسد/ الذكر ايضا، وعند غياب أحدهما تغيب الهوية، لان أحد الجسدين لا يشكل (كينونة مكتفية بذاتها، انه يحتاج الآخر وتمييزه وتعرفه وفاعليته القادرة على التشكيل)(1) (باختين)، فهما يخضعان لمبدأ العثور على الذات في الآخر ، مع بقاء خصوصية كل منهما مستقلة، متفردة، متميزة، ولكنهما يعيشان نمطين من الحياة (واحدة كانت رسمية وجدية، وأخرى : سوقية بطريقة كرنفالية، حرة ومليئة بالضحك المكافئ بين الأضداد وبالتجديف، وبتدنيس كل ما هو مقدس)(2)، والنص الروائي هو موضوع مفتوح على تذوق جمالي لا نهائي، ولحظة جمالية مفتوحة، تتصف (بانثنة) الوعي وتوعية الجسد.
تقسم الرواية إلى قسمين، الأول يحتوي على خمسة فصول، ثلاثة بصوت زهرة، والرابع بصوت هاشم (خالها) والخامس بصوت ماجد (زوجها)، وتقع أحداث الفصول في بيروت باستثناء الأول في أفريقيا، المنفى الذي تُهرّب اليه جسدها خوفاً من الفضيحة، وليكون حربها الداخلية(ان الحرب قد اندلعت في داخلي) ص36، ولتكون فيها سجينة جسدها،المتقززة منه، ولا تستطيع السيطرة عليه(آه اني لا أقوى على جسمي) ص122 في آن واحد.
والقسم الثاني، يحتوي على فصلين، بصوت زهرة، يكونان حربها الخارجية، (أريد ان أكون لنفسي، ان يكون جسدي لي) ص99، حربها مع العالم لرسم خرائط جسدها فوق قارة نون النسوة، وتكون فيها متحررة من جسدها، مسيطرة عليه، ولتكتشف أسراره وخباياه.
يمثل القسم الأول: الأنثى خارج الجسد، ويمثل القسم الثاني: الأنثى داخل الجسد، تحكمها علاقة جدلية – حوارية، لان الرواية(ذلك النوع الملحمي الكبير، ذلك التصوير الحكائي للكلية الاجتماعية)(3)، الكلية التي تكون الحكاية فيها استرجاعا لواقع المرأة العربية وكشف الرؤية الذكورية لها في المجتمع العربي.
ورغم تعددية الأصوات في الرواية، وعدم اندماج أشكال الوعي ببعضها، ورغم حواريتها القوية، الا ان صوت زهرة يطغي على الآخرين، ولكنه صوت يمتلك تأثيرا متبادلا تأما معهم ضمن المستويين الدلالي والتكويني، وفي تناصية الأشخاص، وعليه يتأسس متن جديد يقع وراء المتن المقروء، يعمل على سحب كبسولات المتن الملغوم- المقروء.
بالإضافة إلى ذلك توجد قراءة بصرية لسرديات الصور الفوتوغرافية الموجودة على الغلاف الأمامي للرواية، وهذه الصور تعطي إيحاءات متنوعة للقارئ في إيجاد المعاني، وإيجاد القيمة الدلالية للشخصيات التي تقص، وتُخبر في النص- الروائي، وهذه القراءة المزدوجة، تشكل المدخل للتغلغل إلى الآخر، لا بوصفه موضوعا بل بوصفه ذاتا فاعلة، وميزة القراءة البصرية اذ تعطي معاني مشتركة فورية بين الروائية والقارئ، بعكس القراءة – النصية التي تمنح القارئ حرية في تعددية التأويل في القراءة.
ويكون الخوف المحور الأساسي في الرواية، ويتمركز فيها بكثافة، ويسود في النص ويظهر ذلك جلياً على زهرة ( فمنذ وعيت وأنا في حالة اضطراب دائمة حالة خوف)ص125، بحيث يصبح الخوف ظلها الذي لا يفارقها حتى النهاية( أنا وحدي فقط مع الخوف)ص159، ففي البداية يستعبدها بالخضوع للحياة، وفي النهاية تتحرر منه بالانتماء للموت/ الظلام، بمعنى ان موت الجسد(هو وحده القادر على تحريره: ((بعد موتك، تصير الهاً)). ادونيس – الصوفية والسوريالية) ، (العتمة قد تحولت إلى خوف وجسمي قد تحول إلى خوف)ص227، وما بينهما يتناسل الخوف بشتى الأشكال، مخترقاً لغة النص، ويأتي الخوف في القسم الثاني بشكل مضاعف، لتداخل خوف الحرب الأهلية مع خوف زهرة الدائم، ولان الحرب لا تجري في الواقع فقط، بل تجري وتنتشر في الذاكرة ايضا، لذا ففي هذا القسم يمتزج التاريخ الفردي مع التاريخ الجماعي، وتعبر لفظة الخوف هنا برمزها عن ابعاد عديدة تكاد تكون مفتاح الرؤية النقدية للرواية، فيصبح الخوف/ رمز – دلالة- وعي- أسطورة، وأحيانا يتخذ صيغة مواجهة في النص، فعند زهرة يكون مواجهة مع الذات المستلبة، المقهورة، ومع الجسد/ المرأة، وعند هاشم علوش مواجهة مع السلطة القمعية، وعند ماجد مواجهة مع المجتمع الذي نبذه، احتقره، أدانه لانحداره الطبقي العمالي، ولقد وضعتهم الشيخ في مواجهة اخرى، مواجهة الكبت والعنف، والعمل على إنضاج العلاقة غير المتكافئة بينهم لكي تعري(النفوس البشرية المرعبة، وكأنها في الجحيم)(4).
وتتلبس بالخوف منذ البداية وهي طفلة، (وقفنا خلف الباب نرتجف) ص9، وتتصاعد استراتيجية الخوف كلما توغلنا في الرواية، وكلما توغلنا في الحلول في جسد زهرة، إلى حين تساقط قطرات المطر في النهاية (إني خائفة) ص125، ليغرقه المطر في الموت، موت زهرة، عند ذلك يغادرها وهي غارقة ما بين الماء والدم، ما بين الحياة والموت، ما بين العبودية والتحرر، ما بين الانطفاء والانبعاث، وعودتها إلى حالة التوازن بعدما كانت قد فقدته، في حروبها المتعبة، وعودة الخارج / الوعي إلى الداخل/ الجسد، (انها تمطر، وقلبي يمطر، وعقلي يمطر) ص113.
ونقطة الانطلاق في الرواية، هي الكراهية، والاشمئزاز من الواقع الذي ترصده في عناية فائقة بكافة أشكاله الإنسانية والسايكلوجية، وبالأخص رصد المشكلة الخطيرة للمجتمع الا وهي تهميش وتغييب المرأة، ورصد الرؤية الذكورية التسلطية في العلاقة معها، ورصد النظرة المتخلفة عنها، وتناولت ذلك عن طريق توظيف البنية الجنسية المقترنة بالأبعاد الاجتماعية – الاقتصادية- النفسية- الثقافية، ومن خلال هذه البنية نتطلع إلى الأبعاد لاكتشافها، ومعرفة مدى ارتباطها بالحركة التاريخية- السوسيولوجية، وتثمين قيمة المرأة/ الأنثى في كلية المجتمع الشمولية، وفي اللحظة ذاتها تبين حنان الشيخ حدة التناقض بين المرأة والرجل، وبين المرأة والمجتمع، وعملت بإعطاء زهرة خصوصية إنسانية/ جسدية – أنثوية، غير اعتيادية، غير طبيعية، مع تعميدها من قبل أمها منذ الصغر بالخوف والخيانة(أدخلتني مغطس الحيرة والتساؤلات والسحر وأنا ما زلت صغيرة) ص12، فالأم خانت زوجها لتوكيد ذاتها، أما زهرة فخانت جسدها لانفصاله عنها، مما أنشأ تقاطعا بين الجسد والأنوثة، واختلال توازنهما، ليؤدي بها إلى حالة فقدان التوازن مع العالم، وليتحد الخوف مع الجسد في سلبية مخيفة، اذ تفقد هويته حتى مع الآخر، وتكون واقعة ضمن مغامرة التابع والمتبوع، فلا الجسد تابع للأنثى، ولا أنثى مالكة لجسدها، لذا قام الخوف بقذف زهرة خارجه كشاهدة تجاه الجسد(كنت شاهدة منذ البداية حتى النهاية، حتى الآن انا متفرجة، ثم شاهدة على خرق عذريتي فوق السرير القذر، وعندما حملت كنت شاهدة على هذا جسمي وعلى طاولة الدكتور العجوز، وممرضته) ص118.
وتتحدد علاقة زهرة الجسدية في ثلاثة محاور/ رجال، ومن خلالهم تتشكل صورة زهرة السايكلوجية وتكون العلاقة بينهم علاقة حوار لغة الجسد، لا صوت ينبعث منهم، كل واحد يخاطب ذاته، والتحاور يكون معها بلغة الجسد فقط، لأنها هي أصلاً لا تجادل الآخر ولا تتفق معه ( ربما ظن أني لا اقرأ ولا اكتب، وإلا ما كنت هنا اتعاطى لغة الجسد) ص178، حتى وجهة نظر الشخصيات الرجالية الثلاث لا يتم الكشف عنها من قبل المؤلفة ولا من قبلهم، فقط عرفتنا بهم من خلال علاقتهم الجسدية مع زهرة، فمالك استغل طيبتها ليغرر بها ويفض عذريتها، أما ماجد فأراد إخفاء نقصه الداخلي ، وعقده بها، فتزوج منها، واخيراً القناص الذي تمتع بجسدها، وعندما اخصّب قتله( هل قتلني لأني حبلى ام لأني سألته اذا كان قناصاً) ص226. فالاقتناص هنا دلالة رمزية لمسخ إنسانية الإنسان، وإدخاله دائرة الحيوان.
ومما يزيد تعقيد إضاءة هذه العلاقة او الولوج فيها لاكتشافها، ان زهرة لا تقوم ببيع جسدها مقابل المال، ولا تعرضه لشبقية به، ( ومرة سحب من جيبه مئة ليرة وحاول ان يضعها داخل حمالتي، ارتجفت ذقني وأجهشت بالبكاء، وددت يدي ابحث عنها حتى أعيدها) ص162، حتى لا تربطها بهم علاقة حب او عشق (لا. لم أحبه. لم أطقه)ص118، ولو تعمقنا أكثر في دراسة مثل هذه الفقرات، ستجعلنا نكون في الموضع الصحيح والقراءة الصحيحة وستضيء مفاصل النص الرئيسية التي بدورها ستضيء المساحات المظلمة للنص لاستبطان أسراره الدفينة.
والقارئ الذي لا يرى في لقاء زهرة بالآخر/ الرجل، الا بنية سردية جنسية مفضوحة لا يمكن ان يدرك القيمة الدلالية- الجمالية في النص، ويخلق إشكالاً تفسيرياً، ولا يمكن ان يستخرج المضامين الإنسانية والتناقضات الذاتية والطبقية والطائفية( فأحمد ورفاقه يقولون انهم يحاربون الاستغلالية، ويريدون لفت النظر إلى مطالب الشيعة المغبونة)ص153، ولا يمكن ان يحيط باستراتيجية النص الشاملة، فالجنس لم يتخذ بعداً شهوانياً عند حنان الشيخ، إنما وظف كبعد إنساني، لأجل الإدانة والتغيير، فالحس الجنسي- الإنساني( يندمج بالمحتوى اندماجاً عضوياً حياً، وبالطريقة التي يتخذ بواسطتها هذا المحتوى شكله، وهو يحمل إلى الأثر الفني الحياة التي ما كان يبلغها ابداً إلا إذا خاطب الكائن البشري بكامله)(5)، بمعنى عدم تجريد الجنس او الفعل الجسدي من محتواه الإنساني، وجعله مجرد متعة رخيصة ورغبة محمومة، لان هذه النظرة تنجح في تشويه العمل بكامله وتكريس الاستلاب للمرأة.
وتوجد في الرواية أربع وظائف مختلفة ترتبط بأربعة مستويات، وتكون مهمة الربط المتواجدة في النص، تثبيت الوظائف الملتحمة بالمستويات التي تكون متوازية ومتداخلة ببعضها، وتؤدي ذلك إلى انفتاح المعاني المغلقة، والعمل سوية في اتجاهين متعاكسين مع النص وما وراء النص وهي :
1- وظيفة كرنفالية على المستوى الواقعي.
2- وظيفة تدميرية على المستوى السايكولوجي.
3- وظيفة خيانة على المستوى الأخلاقي.
4- وظيفة مغامرة على المستوى الشخصي.
والمعنى العام يظهر في الرواية، من الفعل الجسدي المتعدي على الفعل الرمزي، الاجتماعي، النفسي، فهكذا يلتقي الفعل الجسدي مع الفعل التدميري لمدينة بيروت، ومع الفعل الكرنفالي بالالتقاء بالآخر، ومع الفعل الخياني في تدنيس الجسد، والفعل المغامري في تفجير
الجسد، وهنا يتميز الفعل الجسدي بكونه بنائياً من الداخل، ومتشظياً من الخارج، مع بقاء العلاقة الجدلية بينهما، لان بدون هذه العلاقة تتيه المعاني، ولا نمسك بأسباب التمزق الداخلي لزهرة، وغرائبية الحرب الأهلية اللبنانية.
ان جوهر الرواية يكمن في تجربة زهرة في الطفولة، تجربة اغترابية تفتتح بها الرواية، تجربة مزدوجة ما بين الأم والبنت ومختلفة، فبالنسبة للأم احتفالية، أما لزهرة فتكون متسمة بالغرابة والخوف، في غرفة مزيفة ودكتور مزيف.
يقول هيدجر: البداية هي الأكثر غرابة والأشد قوة، فعندما تشاهد الطفلة- زهرة أمها تقفز عارية من بين شراشف الرجل الغريب، فما هو رد الفعل الذي سيتركه هذا المشهد؟! وما هو الانطباع الذي سينحفر في الذاكرة ويوشمها به ؟ وما هي الآثار السايكلوجية التي ستخلفها هذه التجربة وراءها مستقبلاً ؟
ومن ثم تنقلنا حنان الشيخ من عالم الطفولة- زهرة إلى عالم المرأة – زهرة فوراً بلا أي تمهيد وبأسلوب التداعي في بداية الفصل الثاني، من خلال جملة اخبارية تخبرنا فيها زهرة بانها فقدت عذريتها، ، واجهضت مرتين، وما بين المشهد الاول والجملة الاخبارية تقع مئات الصور الغائبة او المفقودة عن ذهن القارئ، بحيث تجعله في حالة ارتباك للوهلة الاولى، ولكن بعدئذ تستقر الصورة وتتوضح، ولكي يعيد بناء المشاهد في مخيلته، وليسد الفراغ الموجود بينهما، نلاحظ مع اوبير بانه (اذا ما أريد لقراءتنا ان تكون قراءة متماسكة وشمولية فلا بد لها من العمل في اتجاهين اثنين، متحركة مع تيار الكلمات وعكسها، وتكون النتيجة واضحة)(6)، عليه تتشكل الصور الممتلئة بالمعاني.
وابتداءاً من شخصية زهرة وبقية الشخصيات الروائية: الأم – الأب – احمد – مالك – الخال – الزوج – القناص، كل واحدة من هذه الشخصيات انما هي مركز رؤيتها لان كل منها يطل على عالم غير عالم الاخرين، ونحن على اطلاع تام على هذا العالم، انها مراكز مستقلة متفاعلة في اللحظة ذاتها ، وهذا ما حصل لزهرة بطلة رواية " ميرأمار" لنجيب محفوظ، فهي المركز الرئيسي للمراكز الأخرى، وهذا جعل بعض النقاد يسبغون عليها رمز مصر، ولكن وجهة نظر زهرة "ميرأمار" لا توجد، لان نجيب محفوظ لم يفرد لها فصلاً خاصاً بها، بينما " حكاية زهرة " كانت الراوية في جميع الرواية باستثناء فصلين.
وتعبر حنان الشيخ عن تجربة شخصياتها، وتكشف عن صعوبتها وثقلها على حياة الإنسان، وتعمل على ان تشاركهم خصوصيتهم بعين مراقب، وبالذات زهرة( حين كان بلزاك يتكلم عن قصته سارازين عن مخصيّ بزي امرأة كتب هذه الجملة " كان المرأة بكل مخاوفها المفاجئة، كل نزواتها الطائشة، واضطراباتها الغريزية، واجتراحاتها من غير سبب، وتبجحاتها، ورقة مشاعرها" )(7)، ولكن حنان الشيخ عملت على إضفاء بعد دلالي – رمزي لبطلتها، في تأويل البنية الواقعية لجسد زهرة، وهذا يدفعنا إلى الغوص عميقاً على لا نهائية المعنى الرمزي، لان العمق هو الجوهري، ولأن التأويل يعطي المتلقي حرية المشاركة بفعالية في البحث والتنقيب في النص، لاستخراج المعنى الرمزي/ الاشاري من الواقعي الأيديولوجي، مما جعل الجسد يأتي منحرفاً في النص، وهو ما سعت اليه الروائية، ومن خلاله إحالتنا إلى الرمز الاجتماعي- السياسي، وإلى الحرب الأهلية اللبنانية، رغم ان سلطة الجسد مفقودة، ولكن رمزيته موجودة بكثافة، وهذه الإحالة تضعنا أمام رواية مخيفة تحكي عن تمزق الجسد: الإنسان والمدينة، وتمزق ألحكي، وكأنها بذلك (تلملم أجزاء الجسد الاجتماعي- النفسي: جسد البشر والمكان، جسد الروح والعيش)(8)، وهنا يشكل التمزق والخوف عنصرا توحيدياً بين الجسد/ زهرة وبين المدينة/ بيروت للشروع في عملية للعثور على الذات خارج نفسها( فكما يتكون الجسد ابتداءً في رحم الأم ( جسدها) كذلك يتفتح الوعي الإنساني ويستيقظ محاطاً بوعي الآخرين) باختين.
وقد كتب الباحث احمد الصمد عن الرواية اللبنانية المتأثرة بالتقنية الفرنسية الحديثة، وكيفية الاستفادة منها في تصوير الحرب الأهلية وانعكاساتها على تفكك البيئة الاجتماعية- الاجتماعية- الفكرية، وتفكك بنية النص الروائي وانعكاس ذلك على الشخصيات الروائية، بما فيها الشخصية الرئيسية التي جاء فعلها غرائبياً وموتها طبيعياً في " حكاية زهرة " :
موجة تفتت فيها الشخصيات والنصوص وانتقل السرد من التردد والقلق إلى التداعي والإبهام والتهافت، لكأنما تقنيات الرواية الفرنسية الجديدة، قد وجدت في رعب الحرب اللبنانية وتخبط المثقفين في دوامته وضياعهم في متاهاتها واحتراقهم في اتونها، الأرض الخصبة التي نبتت وتنضج، حنان الشيخ في " حكاية زهرة "(9).
ولكن حنان الشيخ تميزت عن بقية الكتاب اللبنانيين بان أضافت عنصراً مهما إلى هذه الموجة، بتناولها مشكلة المرأة المحاصرة بالشوفينية الذكورية، والرؤية الاجتماعية المتخلفة باعتبار ان جسدها لعنة عليها، وعورة لها، ومدنسة به، من خلال مزاوجتها بهذه التقنية والحرب الأهلية الوحشية، التي عملت على إعطائنا معطيات خطيرة لوقوع المرأة في دائرة الاستلاب والقمع والخوف، لذلك جاءت الرؤية عميقة مكثفة لسيادة الأيديولوجية الرجالية في الأوضاع العائلية، والبنية السياسية، والتركيبية الطبقية- الطائفية.
والإيقاع الجمالي للجيد يشبه إلى حد كبير إيقاع الرقص بالجسد، فكلاهما لديه طريقة لاختراق دائرة الفهم، للوصول إلى تفهم الآخر والعالم موضوعيا بمعنى اكتشافه ومن ثم اعادة بنائه بطريقة إنسانية جمالية فنية، حيث يتحول الفعل/ حركة الجسد إلى لغة عالمية تفعل فعلها، كالموسيقى، والرقص، هنا الجسد ليس محتاجا إلى كلام، لان كل الكلمات تتساقط، تتعرى، تضمحل، يبقى فعله، فالجسد يفصح عن نفسه، عن نزعته، عن ثورته، عن انبعاثه المطلق، مع كونه وسيلة للإبحار إلى دواخل الآخر والعالم والذات، وهذا ما أدركه اغلب الروائيين العرب، فهذا الروائي الياس فركوح في رواية " قأمات الزبد " يبين مدى فاعلية الجسد في الوجود الإنساني، ومدى حضوره في تلك اللحظة(10):
جاء صوت خطواته اولاً . فتح الباب فدخلت. تلاشى الانتظار وحضر الجسد.
سألته، وما كان جسداهما قد تعارفا بعد: ومن أنت؟
وأحيانا يتوازى الجسد مع الفكر، او يلتقي في علاقة جدلي الفعل- الوعي، ويكون في مستوى واحد في تحمل المسؤولية السوسيولوجية، وهذا ما نشاهده عند الروائية المغربية خناثة بنونة في رواية " الغد والغضب "(11).
- من المسؤولة الآن، رأسي أو نفسي؟
- وأجبت :
- لعله الآن جسدي
ووظف جسد المرأة في الأساطير القديمة لأهميته الكبيرة فيها، ولكونه يمتلك قوة عظيمة في تغيير الإنسان وجذبه إلى المدينة، وتركه الصحراء، كما فعلت البغي- الجسد السومرية في انكيدو، البطل- المتوحش:
هذا هو أنها البغي " شمخة " فاكشفي عن نهديك.
اكشفي عن عورتك لينال من مفاتن جسمك.
لا تحجمي ، بل راوديه وابعثي فيه الهيام.
فانه متى ما رآك انجذب إليك.
انضي عنك ثيابك ليقع عليك
علمي الوحش الغرّ فنّ (وظيفة) المرأة (12).
يبين لنا هذا النص السومري، عمق سحر الجسد وسلطته على الآخر وقوته الأسطورية عليه، والكشف عنه بكونه مساوياً للمعرفة، بحيث تتحقق فيه معادلة غائبة هي ان الكشف= المعرفة، انه تجربة السفر في الحلم والخيال، واكتشاف عشبة الخلود التي فقدها كلكامش، لبناء رؤية شمولية للعالم، ضمن حوارية الجسد، التي اعتمدت الروائية عليها في بناء الرواية، وعلى سردية اللقطة السينمائية المتداخلة مع بعضها، بالاشتغال على تقنية السرد المتوازي / المتزامن لتصوير عدة حالات في آن واحد، وهذا مما شحذ النص الروائي بحوارية جدلية متكاملة في مقطع واحد، يقع تحت تسمية ذاكرة وذكريات:
ماجد الزوج الغريب عني، ماذا يفعل إلى جانبي في السرير؟ ماذا أفعل أنا إلى جانبه؟ ماذا يفعل فوق جسمي؟ يا أبن خالتي قاسم . ابعد يديك عن أسفل بطني، لا أريد ان أعكر نوم جدي، يا خالي كيف تنبض عند فخذي. هربت من لبنان إليك. لماذا أعدتني إلى تلك الغرفة الحقيرة حيث كنت أرتجف كلما سمعت عجلة سيارة فوق الأرض، في الغرفة التي رأتني عارية؟ ووالدي وخياله فوقي، وأمي في فراش واحد مع الرجل الذي كان يعطني الدمى، وفخذ الدجاج، يا مالك هل لا زالت تحاضر، هل لا زالت تأخذ الفتيات إلى المقهى، مقهى الهاربين ؟ ص103.
وفي حكايات " ألف ليلة وليلة " ، كلما تتوغل شهرزاد في القص، كلما تبتعد عن الموت وتقترب من الحياة، فعند انتهاء القص تبدأ حكاية شهرزاد خارج القص لتصبح حكاية غير مقروءة، أما في " حكاية زهرة " كلما تتوغل زهرة في ألحكي، كلما تقترب من الموت وتبتعد عن الحياة، لذا فعندما يبقى ألحكي مفتوحاً، تكون حكاية زهرة منتهية ولتصبح حكاية مقروءة ذات دلالات رمزية.
في نهاية الرواية يتساقط المطر على زهرة / الراوي ( نقاط مطر خفيفة أخذت تتساقط وكلما لامست وجهي وقدمي. ازداد الألم) ص255.
مما يدفعنا للتساؤل ما الدلالة – الرمزية للمطر الذي يغسل زهرة كما غسل الدكتور خليل في رواية " باب الشمس " للروائي الياس خوري. عندما وقف مخاطباً يونس ألأسدي الذي مات في نهاية الرواية:
أقف هنا والليل يغطني، ومطر آذار يغسلني، وأقول لك لا يا سيدي، الحكايات لا تنتهي هكذا، لا (13).
المطر يعمل على التطهير، مع العمل على تعميدها بالماء والضوء والدم للوصول إلى بوابات الشمس، بوابات جسد بيروت المشرع على قارات الانسان السبع، بكل لغاتها وأجناسها وأشكالها وألوانها.
كونت الروائية حنان الشيخ تشكيلة نهلستية، باتحاد جسد / المرأة مع جسد / اللغة الذي أعطى نتائجه في جمالية النص- الروائي " حكاية زهرة " والذي جعلنا نلاحظ (ثمة انتصار كبيرة لهوية المرأة بإعطائها الهوية الصوتية – الفكرية، بدلا من الهوية الجسدية)(14).

قديم 05-22-2014, 06:36 PM
المشاركة 1162
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 53 - ريح الجنوبعبد الحميد بن هدوقة الجزائر

- نشرت هذه الرواية سنة 1971 وتُعدُّ أول رواية جزائرية ناضجة فنيا وهي تصوّر المجتمع الريفي الجزائري بعاداته وتقاليده وخرافاته.

- وبطلته الطالبة الجامعية نفيسة التي تعود إلى قريتها في العطلة الصيفية بعد انتهاء الجامعة وهي تحلم بالعودة إلى العاصمة لإنهاء دراستها، لكن أباها كان يدبر لها شيئا آخر، حيث تحقيقا لمصالحه الإقطاعية أراد تزويجها من شيخ البلدية الذي يفوقها في السن مرتين.

- وحينما لم تستطع أن توقف تحضيرات أبيها لتزويجها قررت الفرار؟

- رواية رائعة جدا صوّرت بحق المجتمع الريفي الجزائري في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي.

- لقد شهد الأدب الجزائري محاولات قصصية مطولة تنحو منحى روائيا ، وأول عمل من هذا النوع كتبه صاحبه سنة 1849 وهو "حكايةالعشاق في الحب والاشتياق" لمحمد بن إبراهيم المدعو الأمير مصطفى ، ثم تبعته محاولات أخرى مثل "غادة أم القرى" لأحمد رضا حوحو، "الطالب المنكوب" لعبد المجيد الشافعي ، " الحريق" لنور الدين بوجدرة .

- إلا أن النشأة الجادة لرواية فنية ناضجة ارتبطت برواية "ريح الجنوب" ، وقد كتبها عبدالحميد بن هدوقـة في فترة كان فيها الحديث جديا عن الثورة الزراعية فأنجزها في 5/11/1970 ،

- ثم كان التطبيق الفعلي لهذا المشروع في 8/11/1971 ،فدشن الرئيس هواري بومدين أول تعاونية للثورة الزراعية في قرية خميس الخشنة في 17/06/1972 ، ثم دشنت بعد ذلك أول قرية اشتراكية في عين نحالةبتاريخ 17/06/1975 .

- تنطلق الرواية في صباح يوم الجمعة ، - وهو يوم سوق – أين يستعدعابـد بن القاضي للذهاب إلى السوق مع ابنه عبد القادر ، فيقف قرب الدار متأمل اأراضيه وقطيع الغنم الذي يقوده الراعي رابح ، وعلى صدره هم ينغص راحة باله ، ذلك أن هناك إشاعات بدأت تروج منذ صدور القرارات المتعلقة بالتسيير الذاتي حول الإصلاح الزراعي ،

- ثم خطرت بباله فكـرة بعثت في نفسه السرور حين نظر من الخارج إلى غرفةابنته نفيسة ، يتلخص مضمونها في تزويج ابنته إلى مالك شيخ البلدية والذي يقوم بتأميم الأراضي ،

- في ذلك الوقت كانت نفيسـة داخل غرفتها تعاني الضيق و الشعور بالضجر تقول أكاد أتفجر، أكاد أتفجر في هذه الصحراء.

- ثم تضيـف " كل الطلبة يفرحون بعطلهم ، أما أنا فعطلتي أقضيها في منفى .

- و فجأة تهدأ نفيسة من حالة الاضطراب ، عندما تسمع صوت أنغام حزينة كان يعزفها الراعي رابح ، فتطرب ولا يخرجها من ذلك إلا صوت العجوز رحمة منادية على أخيها عبد القادر من بعيد ، معلنة عن قدومها ، كي تذهب مع خيرة – والدة نفيسة- إلى المقبرة ، فترغب هذه الأخيرة في الذهاب معهما " أرغب في ذلك يا خالة ! أود أن أرى الدنيا ، إنني اختنقت في هذا السجن" .

- بعد أيام تحتفل القرية بتدشين مقبرة لأبناء الشهداء الذين سقطوا أيام حرب التحرير، فيستقبل عابد بن القاضي أهل القرية في بيتـه رغبة منه في التأثير في مالك و إعادة ربط مابينهما من صلات قديمـة فمالك كان خطيب زليخـة – ابنة عابد بن القاضي- والتي استشهدتأيام الثورة ، حين أعد مالك ورفاقـه من المجاهدين لغما كان من المفترض أن يستهدف قطارا عسكريا ، لكنه خطأ استهدف قطارا مدنيا كانت زليخة من ركابه ، مما أثار غيظ ابن القاضي فوشى بالمجموعة لقوات الاحتلال ، فأثر ذلك في نفس مالك و أصبح يتهرب منه، وفي هذا اليوم يوم الاحتفال يدعو عابد بن القاضي مالكا لرؤية زوجته خيرة ، لأنهاترجو ذلك منه ، فيقبل دعوتها، وعندما يدخل الغرفة ما إن يقع نظره على نفيسة حتى يبهت لما رأى ، فهي شديدة الشبـه بأختها وخطيبته السابقة زليخة .

- ويسعى عابدبن القاضي لإشاعة خبر خطوبة مالك لابنته نفيسة على الرغم من تحفظ مالك ، فتعلن خيرةهذا الخبر لابنتها فترفض بشدة لأنها لا ترغب بالبقاء في القرية ، كما انه لا تريدالزواج بشخص يكبرها سنا ولا تعرفه جيدا وحين يصر الأب على قراره وتفشل في صده ،تستنجد بخالتها التي تسكن في الجزائر فتكتب لها رسالة ، تطلب من رابح أن يحملها إلى القرية المركزية ويضعها في البريد ، فيعجب بها رابح لأنها تكلمت معه بلطف ، وظنهامعجبة به ، فقرر زيارتها ليلا، وبالفعل يقوم بذلك، وعندما تجده فجأة أمام سريرهاتدفعه وتشتمه: " أخرج من هناأيها المجرم ! ، أيها القذر أيها الراعي القذر " (6) ، فخرج مطأطأ رأسه حزينا، وبقيت تلك الكلمة المؤلمة تدوي في سمعه " أيها الراعي القذر " ، ومن يومها يقررترك الرعي ويشتغل حطابا.

- تمر الأيام ولا يزال الأب مصمما على تزويج ابنتـه لمالك ، فتفكر طويلا في حل لمشكلتـها ، فتفكـر في إدعاء الجنون ثم الانتحار، وأخيرا يقـع اختيـارها على حل نهائي وهو " الفرار" ، فتضع خطة محكمة للهروب ،وتقرر تنفيذ خطتها يوم الجمعة لأن الرجال يتوجهون إلى السوق بينما النساء يتوجهن إلى المقبرة ، فتخرج متنكرة مرتدية برنس والدها حتى لا يعرفها أحد ، فتتجه إلى المحطة عبر طريق ذا طابع غابي فتظل ويلدغها ثعبان ، فيغمى عليها، ويصادف أن يجدهارابح – الذي أصبح حطابا- فيتعرف عليها ، و يعود بها إلى بيته أين يعيش مع أمه البكماء ، ولا يطلع والدها لأنها لا تريد العودة " دار أبي لن أعود إليها أبدا " ،

- لكن الخبر يشيع في القرية فيعلم والـدها ، ويعزم على ذبح رابح ، فينطلق إلى بيته ، ويهجم عليـه بقوة شاهرا " موسه البوسعادي " فتنهار قوى رابح ، فتسرع أمه إلى فأس ضاربة عابد بن القاضي على رأسه فتنفجر الدماء من رأسه ومن عنق رابح ،فتنصرف الأم مسعفـة ابنها و البنت مسعفة أباهـا ، ثم قامت الأم ودفعت نفيسة إلى خارج البيت وبدأت تصرخ ، فأقبل الناس فزعين ، واتجهت نفيسة راجعة إلى بيت أبيها،بعد أن فشلت محاولتها في الهرب.

قديم 05-23-2014, 02:26 PM
المشاركة 1163
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

تابع ....العناصر التي صنعت الروعة في رواية 53 - ريح الجنوب عبد الحميد بن هدوقة الجزائر

- ابن هدوقة.. كان -يبدو- خجولاً.. منطوياً.. متواضعاً.. أنيقاً، هادئاً، وإذا تكلم أقنع،

- يمتاز في كتاباته بأسلوب جميل، أخاذ، رصين.. وبفكر عميق ثاقب.. ولغة قوية مطواعة كان لامعاً..!

- أجمع النقّاد على أن "النشأة الجادّة للرواية الفنية الناضجة ارتبطت برواية ريح الجنوب".
لأن قبلها, قبل جيل السبعين تحديدًا ثمّة محاولات كثيرة ظهرت, لكنها فقيرة لغويًا وضعيفة فنيًا.

- هذه المحاولات تظل محاولات قصصية قصيرة, أطلقوا عليها الباحثين: إرهاصات الرواية العربية في الجزائر.
أمّا البداية الحقيقية فكانت سنة 71, تاريخ صدور "ريح الجنوب".

- الرواية التي تحوّلت فيما بعد إلى فيلم سينمائي

- جاءت بحبكة مضبوطة جدًا,مفتوحة قليلًا لكنها مضبوطة

- ان هذه الرواية كانت بالفعل تحكي الواقع و تصور جزءمن مأساة الجزائيين إبان الثورة

- لكنها تركت في نفسي تأثيرا لا يمحى و وجدت في نهايتها الحزينة بذورا لافكار أخرى نمت في ذهني لست اجد لها مسميات حتى الآن و كانت نهاية الراعي رابح جدا مؤسفة بعد كل ما فعله لاجل نفيسة التي جرحته في يوم ما.


- رواية جزائرية جد رائعة و مليئة بالاحداث التي تؤرخ لحقبة ما بعد الاستقلال كما توثق عادات و تقاليد المجتمع الريفي الجزائري

قديم 05-23-2014, 04:18 PM
المشاركة 1164
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ....العناصر التي صنعت الروعة في رواية 53 - ريح الجنوب عبد الحميد بن هدوقة الجزائر

- ظهور »ريح الْجَنوب« في الْحِقبة السبعينية، كان بداية حقيقية للرواية الْجزائرية، التي ترتكز على أسس فنية وجَمالية، وشَراراً ألْهَب الأقلامَ التاليةَ لَها لتُحَقق تراكما كبيرا من النصوص الروائية، ولبروز عدد من الروائيين الذين ساروا على دربه، وإنِ تَمَيَّز (عَمِّي الطاهر) عنه باتِّجاه الواقعية الْمَقرونة بالصوفية، والْمُضَمّخة بالسوريالية، كما لاحظتُ على كتاباته، ولَمْ يعترض، عندما زرته في (الْجاحظية) سنة 1990..وربّما يشاطرنِي هذا الرأيَ، العديدُ من النقاد والباحثين الذين درسوا أعْمالَه، وأكدّوا عليه في قراءاتِهم، وكتاباتِهم.

- ولعل البعض مِمَّن لَمْ يقرأ لعبد الْحَميد أويَسمعْ عنه، سيسأل عن الرؤية الفكرية والفنية العامة، التي يتبناها في كتاباته الْمُتنوعة، سواء النثرية منها أوالشعرية. ولن نَجِد خيرا مِمَّا قاله عنها في هذه الشهادة: »حاولتُ في ما كتبته على تواضعه، أن أعالِج نقاطَ التأزم الرئيسية في الوضع الْجزائري بصفة تُدْخِل أكبرَ قدر من الْمستقبل في الْحاضر، وتبتعد عن الْمضامين الْجاهزة والأشكال النابعة من مراكز خارجية، اعتقاداً مني بأن الانطلاق من
الْمعطيات التاريـخية الْمحلية لكل قطر عربي، لو روعِيَتْ في أعمالنا الأدبية لأرْجَعتْ لنا شيئاً من الكرامة، وجَنَّبَتْنا كثيرا من مزالق الاستلاب. فالثقافة العربية التي عاش العالَمُ على كرمها الروحي مايقرُب من الألف سنة،لاتستحق هذا الواقعَ الذي وضعها فيه تَخلُّفنا الْمادي والسياسي.إن هذه الاهتمامات هي التي جعلتني في كل أعمالي الأدبية أعمل على معالَجة الواقع الْمتأزم، والْجوانب الْمظلمة في حياتنا الاجتماعية، مبتعداً بقدر الإمكان عن الاغْتباط بِما حققناه من إيـجابيات«..فكيف عكستْ رواية »ريح الْجَنوب« هذه الرؤية؟

- يظهر الفجر، فتهْمُد »ريحُ الْجَنوب« في قرية أمضتْ ليلتها بين الغبار واللَّهب.لكن، إذا كانت ستشهد صبيحة الْجُمعة، ميلادا جديدا مع الفجر (رمز الانبعاثوالتطهير) فإن (نُفيسة) نَجْلةُ (عابدٍ بْنِ القاضي) ستنطلق فـي رحلة نفسية غامضة، وتُحَلّق في عالَم غيرِ مَحْدودٍ من الْمَتاهات والسَّرابات..!نرى من هذا الْمدخل العامِّ، الذي تلتحم فيه الْحقيقة الْخارجية بالْحقيقة الداخلية ـ كما يقول استروفسكي ـ يعبُر بنا عبد الْحميد بن هَدّوقة، سبعةَ فصول، لينْسُج فضاءً فسيحا من مِحْورين مركزيين:(الأرض - الْمَرأة) العنصرين اللذين يُمثِّلان، منذ الأزل، العلاقةَ
الْحميمية، والرمزَ الْحيَّ للوجود، والْهوية، والكينونة فكلاهُما يُجَسِّدان الْخصوبة والدّيْمومة، كلاهُما يرفُدان الكونَ بالْحياة، وبالصيرورة؛ فلولا الأرض والْمَرأة، لَما كانتْ هناك حياة في هذا الكون!إذن، في بداية هذا النص الروائي، نعي أن الكاتب يبسُط موضوعة (الأرض - الْمرأة) بل مايَخلقه هذان الْمِحوران من صراعات مُحْتدَمة بين شرائح اجتماعية مُختلفة، في عملية سردية، تسلسلية زمنية، تُلحِم الْموضوعة الروائية بالواقع الْجزائري في سنواته الأولى، من سنة 1962 إلى 5 نوفمبر 1970 التي يَحصُر فيها عبد الْحميد الكتابةَ!

- غير أن هذا التحديد الزمني، أوالْحَصْر التاريـخي، لايعني بتاتا أن الرواية بنسيجها الفكري مقطوعةُ الْجذور عن الْمرحلة القبلية. إنَّ هناك خلفيات كامنة في نفسيات وسلوكيات الشخوص الرئيسية والثانوية على السواء، نستشِفُّها من ثنايا النص،تؤثر في الْحاضر وتُحرِّكه. وبالتالي، تُسَير أحداثه نَحْوَ نِهاية ما!..فعابد يُحاول، عبثا، أن يستميل إليه (مالِكا) شيخَ البلدية ((هذا الرجل العدو الصديق، الصامت الساخط، اللين العنيف)) كان كلاهُما داهيةً، عسيرَ الْمِراس، قوِيَّ الْعَريكة. بيد أن عابد بن القاضي، بعد الاستقلال، لَمْ يَجِد بُداّ من أن يصيرَ ليِّنا مراوغا، ذا أُسلوب ملتوٍ في معاملاته،متخلِّيا عن الْمِزاج والسلوك الْحادّين، وأكثر تودُّدا إلى مالكٍ، وتقرُّبا منه، لأنه مسؤول عن تأميم الأراضي، وعابد يَمْلك قِطَعا منها، وقُطعانا من الغنم. وأن عداوة مالك لابن القاضي لَمْ تكن (ذاتية شخصية) بقدر ما كانت (مذهبية). فهو بِحُكم حياته الثورية الطويلة، لا يطمئن لذوي النعمة والرفاهية والْجاهِ، مهما بلغتِ الأحاسيس التي تغمر وجدانَهم. بينما عداوة ابن القاضي لِمالِك، كانت شخصية، حافزها الْخوف ((الْخوف من الْماضي والْمستقبل، بالنسبة للماضي هناك نقطة سوداء في حياته، لا يعرفها إلاّ مالك...)) فتعبير (بعد الاستقلال) و(الْخوف من الْماضي...) يوحي بأن هناك شيئا ما قبل هذه الْمرحلة، ولفظة (الْخوف) ترمز إلى (نقطة سوداء) تُحرِّك الْحاضر، وتؤثِّر في أحداثه الْمُتعاقبة!

- يتجسد هذا الْماضي، في أن ابنته الأولى (زوليخة) كانت مَخْطوبة لِمالك ـ في حِقْبة الاستعمارـ لكنها
تستشهد في قطار نسفه الفدائيون ـ خطأً ـ بزعامة مالك نفسه، إذ كان يَظن أن جنودا فرنسيين يَستقلّونه. وفي عهد الاستقلال، يُحاول ابن القاضي أن يُجدِّد العلاقة مع مالك شيخ البلدية، بتزويـجه أختَها الصغرى
(نفيسة)!..وأن يُظْهر حُبَّه لوطنه وغيرته عليه، فيستقبل في بيته أهلَ القرية، وينظم لَهُمْ حفلا، بِمُناسبة تدشين مقبرةٍ لأبنائهم الشهداء!

- والسؤال الذي يُمكننا أن نطرحه من خلال قراءتنا: ما هي القسمات العامة للشخصيات الروائية؟...بِمَعنى آخر: هل هي توفيقية أم متعارضة، أم مشخصة لنزعة فردية، جَماعية، أم لنزعة ثنائية؟ يأتِـي ابن القاضي ـ في هذا الأفُق ـ نَموذجا لفئة مستغِلة، لاتفكر إلاّ في مصالِحها الفردية، وتطلعاتِها الشخصية الأنانية، فتسعى إلى تَحقيقها بكافة الوسائل والقنوات الْمَشروعة وغير الْمَشروعة. وهذه الفئة التي ظهرتْ كالْفِطَر والطَّحالب، عَقِبَ الاستقلال، تستغل الظروف الطّارئة، لِتُعَوِّض الْمُستَعْمِرين، وبالتالي، تستحوذ على كل الثروات، حتى البشريةَ. فهي بِمثابة مستعمِر جديد في صورة الْمُواطن، ورُبّما تُبرِم مع الْمُستعمِر السابق اتِّفاقياتٍ للتعاون فيما بينهما، ولِحِماية مصالِحِهِ؛ أي أنّ الْمُحتل طُرِد من الباب، وعاد من النافذة، ليفرض ثقافتهولغته واقتصاده...!
فنفيسة ـ كمثال ـ لاتُجسِّد ذلك الْهَمَّ الإنسانِيَّ في حياته، بصفتها بنتَه، بل يعتبرها سِلعة، بِضاعةً يَمْتلكها
كسائر سِلَعه وبضائعه، وكباقي أراضيه الفسيحة وبقراته الْحَلوب. لايُمَيز بين الإنسان كذاتٍ، تثْوي أحاسيس وأفكار ورغباتٍ، وبين الشيءِ الْجامد!..لكن العقبة الكَأداء التي تَحول دون طموحه، ليست نفيسة، فهذه
لاتَهمه ولايُعَبِّرها، ولاتشكل عائقا في تنفيذ خطته، لأن الْمرأة، في نظر هذه الفئة، هي هي، سواء كانت جاهلة أومثقفة!..والزوجة ـ أيضا ـ ليست إلا أثاثا بيتيا، يَملأ جَنباتِ الْمنزل، لايعي من القضايا شيئا، ويُمْكنه
الاستغناء عنه، متى شاء!..إذن، العقبة هي (مالك) إذا ما أدرك هذه الرغبة: ((إن شيخ البلدية يُمَثِّل أكبرَ خطر بالنسبة إلى مصالِحنا، هل تستطيع أن تفهم امرأة لاتعرف من الْحياة الْمنزلية، ما تعجز عن فهمه أشد العقول
دهاءً؟!))..غير أن نفيسة، تبعا للتطور الْمُجْتمعي، والصيرورة التاريـخية، تأتي صوتا لوعي جديد، يتخطى الواقع الردئ، يبدِّد حَلَكة الْماضي، صوتا لِعَهْدِ الاستقلال، يُمَثِّل صراعا بين الأجيال، ليضع حدا فاصلا بين
نَموذجين للمرأة: ((الذل الذي عشتِ فيه أنت لن أعيشه!..كوني أمًّا لغيري إنشئتِ. وليكن أبا لِمَنْ أراد، أما أنا فلن أدَعَ هذه اللعبةَ تبلغ مني ما بلغت من غيري، لست امرأة، أفهمت؟.. لست امرأة !))..إنّها تدَّمِّر الرؤية
الأبوية القديـمة للمرأة: ((إذا كنت لاأستطيع التصرف حتى في ابنتي فلماذا أحيا بين الناس إذن؟!))..ولاتَجِد نفيسة بديلا لِمُشكلتها غير الفرار إلى العاصمة، فهي مَلاذُها الآمن من استغلال الأب!..وهنا، سيشعر الأبوان بأن
الأيام، لَمْ تعدْ كما كانتْ من قبلُ، وأن الزمان دار دورته، لأن استغلال الإنسان، ولو كان فِلْذَةً من كبدك، لابد أن ينتهي يوماً ما، وأن وعيه ينضج مع تطور الْمُجتمع، الذي يشهد رياح التغيير بفعل عملية التعليم، وحركة
الثقافة، والأفكار التي تنتقل عبر وسائل الإعلام..!

-أما العجوز (رحْمة) فتعكس، من خلال النص، الذاكرةَ الشعبية الْجزائرية، التي تَخْتزن العاداتِ، التقاليدَ، تَحشُد التاريخَ النضالي للجزائر، تُحْرق الْمَراحل بين الأجيال الثلاثة، الْماضية، الآنية، الآتية. ووسيلتُها لتسجيل هذا
التاريخ (إبداعاتُها الطينية) الْمؤثثة لعقول الصغار والكبار، تَنقش في ذاكرتِهم تاريـخَهم الْحافل بالبطولات والنضالات الْمُستميتة. كأنّها تقول لَهُمْ: هكذا كان أجدادكم وآباؤكم، فأكملوا أنتم الرسالة!

- رحْمة العجوز، بذلك، تاريخ مُستعاد، يُجسِّد الوعي الشعبي، فيما يُجسِّد الراعي (رابح) الوعي الوليدَ عن الواقع الاجتماعي الْجَديد، برغم أنه لَمْ يلتحق بالْمَدرسة، ولاعلاقة له بالْحركة السياسية والثقافية التي ينغل بِها الْمُجتمع الْحالي، إذ لَمْ يشعر بِهذا الواقع الْمَرير، الذي عانَى منه سنواتٍ طويلةً، إلاحينما دخل الغرفة خُلسة، فأبصر نفيسة عارية على السرير، فذهَلَه جسدُها النابض: »اِذهب أيها الراعي القذر«!. منذ تلك اللحظة، قرر أن يغير الواقع البئيس!..لقد كانت هذه الْجملة اللاذعة، اللاسعة، عاملا قويا في خلخلة الوعي لديه، فانعزل عن الآخرين، ليدرك منزلته بين أفراد مُجْتمعه!

- نَخلُص من هذه القسمات العامة إلى أن الرواية تتنازعها ذاتان متعارضتان:

-الذات الفردية، الْمُنكفئة على نفسها، ذات الرؤية الْماضوية الأحادية: عابد بن القاضي.

- الذات الْجَمْعية الْمنفتحة على الواقع الْجَديد، الْمُتطلعة إلى الغد: مالك شيخ القبيلة ـ نفيسة ـ رابح. وهي تتشكل، كما ذكرنا آنِفا، من شخوص رئيسية وثانوية، تبدو كأن غايتها هي تَحْليل نَماذجَ بشرية، أكثر من تسجيل صراعات، تُذكي البنية الْحكائية للعمل الروائي. فتأتي هذه الشخصيات مستقلة بذاتِها، إذ نَجد حديثا مُسهَبا عن الراعي، العجوز رحْمة، الْمُعلم، وغيرها من الشخوص..

- كما نلحظ تفاصيل وجزئيات لِمَوضوعات اجتماعية، فلسفية، دينية، نضالية...!إن هذا الْحَشوَ من الشخوص والْموضوعات، لايُسهم في النمو الطبيعي للنص الروائي، أي يفَكِّك ذلك التماسكَ الداخلي بين الأحداث والأجواء من جهة، ويعَطِّل ـ في نظر الناقد برناردي فوتو ـ عمليةَ التخيل.

- وما يبرر هذا الزخم في البناء الروائي، يعود إلى سيولة الْحكي، أو بتعبير آخر إلى لَمْلَمة جُملة من الأحداث والْمواقف الْمُتشعبة، والأحاسيس الوطنية الْمُتضاربة، الناتِجة عن تَحَولات الْمُجتمع الْجَزائري، وهو يُصارع ليبني
ذاته، ويقطع مع الْماضي الْحَزين، وإن كان، فيمابعد، خلق له واقعا أمَرَّ.

- وربّما إلى أن الروائي كان يُحِس بالرغبة في أن يقول كلَّ شيء، كسائر الروائيين الرواد، ليس في الْجزائر فقط، وإنَّما في كل دول العالَمْ. لأن هؤلاء الروائيين يدّخرون كثيرا من القضايا والأحداث والْمَواقف، التي عاشوها في حقبة الاستعمار، والفرصة، الآن، يرونَها مواتيةً للجَهْر بِها جُمْلةً وتفصيلا، ليفرغوها فيتخلّصوا مِنْها، وينتقلوا إلى حقبة أخرى. فالعملية، هي بِمثابة، تطهير الذات من الْماضي الْمؤلِمِ، وقطْع العلاقة به.

- كما أن هذه الرواية تعتبر من أوائل الأعمال الْمُؤسِّسة للفن الروائي بالْجزائر، وككل بداية تأسيسية تشهد تَلَكُّؤات وتعثراتٍ في الْمِعمار الفني. وبالنسبة لـ»ريح الجنوب« تطمح إلى تسجيل ما كانتْ تنغَل به الساحة الْجزائرية في 1962 غير أن الْحَشدَ أتى على فنية النص الروائي!

قديم 05-26-2014, 11:18 PM
المشاركة 1165
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

تابع ....العناصر التي صنعت الروعة في رواية 53 - ريح الجنوب عبد الحميد بن هدوقة الجزائر

- يعد عبد الحميد بن هدوقة 1925ـ1996 أحد أبرز الكتاب في الجزائر، ورائداً حقيقياً للرواية المكتوبة بالعربية في هذا البلد الذي عانى من سؤال الهوية الثقافية والحضارية، وكانت معضلة (اللغة) أبرزت ملامح ذلك السؤال ولا تزال.

- وإذ ينشر العدد 115 «كتاب في جريدة» لشهر آذار 2008 روايته الأشهر (ريح الجنوب فلأن هذه الرواية تحتل مكاناً مهماً في تاريخ الرواية الجزائرية في القرن العشرين، والتي تجسد أبرز الملامح التي أنشئت على أساسها الأسئلة التأسيسية المتعلقة بفن الرواية العربية في الجزائر، وربما في المغرب العربي عموماً،

- وتمثل في جانبها الفني أيقونة واضحة في المدرسة الواقعية في فن السرد العربي.

- تنمو دراما هذه الرواية في تخوم إحدى القرى الجزائرية بعد الاستقلال، وتتداول أسئلة جريئة ومبكرة، تتصل بمفاصل أساسية في تاريخ الثورة الجزائرية. ‏

- وعلى الرغم من تعدد نماذج الشخصيات في هذا العمل إلا أن نموذج المرأة بمختلف نماذجها يمثل العصب الأساسي الذي يتحكم بإيقاع هذه الرواية وتفاعلاتها.

- وبينما تجمع هذه الرواية بين طرفي المحلية المتجذرة في طبيعة المعالجات ونمط الشخصيات من جهة، وبين المشترك الإنساني العام في المطامح والهواجس من جهة مقابلة، فإنها تنتمي إلى مستوى من الوعي الثقافي هيمن خطابه على مجمل الأدب العربي خلال النصف الثاني من القرن الماضي.

- يذكر أن رواية (ريح الجنوب) المكتوبة في بداية السبعينيات نالت اهتماماً مضاعفاًِ عندما ترجمت إلى عشر لغات عالمية،

- كما تحولت إلى فيلم سينمائي بالاسم نفسه. ‏

قديم 05-27-2014, 01:19 AM
المشاركة 1166
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


تابع ....العناصر التي صنعت الروعة في رواية 53 - ريح الجنوب عبد الحميد بن هدوقة الجزائر

- والواقع أن ابن هدوقة قد جعل المرأة نصاً مفتوحاً على عدة قراءات، يحتمل تأويلاً بحسب مستوى القراءة الذي تنطلق منه، وتمارس-بوساطته- فعل القراءة. والذي يعتمد على مرجعية نصوص هذا الأدب وسياقاتها المتنوعة؛ إذ كان حريصاً على تسجيل موقف مما يحدث في الجزائر في مسيرتها التنموية "فالنص بنية دلالية تنتجها ذات (فردية أو جماعية) ضمن بنية نصية منتجة، وفي إطار بنيات ثقافية واجتماعية محددة".

-أما رواية "ريح الجنوب" فقد قدمت صورة عن المرأة أكثر نضجاً من خلال تلك الأبعاد الجمالية التي وظفها الروائي لصالح المرأة ليرصد توجهها ضمن علاقات اجتماعية تحكمها قوانين قاهرة تخيّب المرأة، إذ لا يمكن أن نقف على صورة نفيسة إلا بالرجوع إلى أمها كما رسمها الروائي، فهي امرأة خاضعة تلبي رغبات زوجها دون تململ وضجر أو إحساس بالإهمال، وقد نقل الروائي على لسانها الكثير من العبارات التي تعكس هذا الانصياع من مثل القدر والمكتوب. ولما تهرب نفيسة من البيت يعاقب الزوج الأم بالضرب، لأنها في نظره لم تقم بواجبها أحسن قيام، ولم تراقب ابنتها مراقبة جيدة.فكان دورها في الحياة هو تنفيذ الأوامر من دون تعديل أو تحوير مع تغييب كلي لشخصها "أبوك يعتزم تزويجك".

قديم 05-27-2014, 05:39 PM
المشاركة 1167
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي



تابع ....العناصر التي صنعت الروعة في رواية 53 - ريح الجنوب عبد الحميد بن هدوقة الجزائر

- " عبد الحميد بن هدوقة" أحد عمالقة الرواية الجزائرية يمثل بحق النموذج الأمثل للكاتب الملتزم بالموضوعية في وصف واقعه

- و المتمسك بالحد الأدنى من الخجل الصحي في وصف حركات وسكنات أبطاله،

- ففي كل من " بان الصبح" " غدا يوم جديد" " نهاية الأمس " يذهب الكاتب بعيدا في وصف أعماق المجتمع الجزائري بعدد من القصص التي قد تكون واقعية تبين علاقة الإنسان بأخيه الإنسان أو علاقته بالطبيعة وكذلك علاقته بالدولة،

- فالعلاقات الإنسانية في كتابات "عبد الحميد بن هدوقة" قوية جدا

- وتتحلى بعواطف متداخلة تجعل من محيط الأبطال مسرحا لتناطح عدة أفكار وعدة نماذج من الحياة

- مما يكسبه نوعا خاصا من الإثارة بالإضافة إلى غوصه في مختلف جوانب الحياة خاصة تلك السائدة في الريف الجزائري أين تجري معظم أحداث رواياته ،

- فعلاقات الأفراد في العائلة متماسكة وعلاقات الأفراد ف " الدشرة " " البلدة " قوية وسمة هؤلاء التعاون والتكاتف وهو تجسيد واضح للأفكار الاشتراكية المنتشرة بقوة في فترة السبعينيات من القرن الماضي،

- وقد ركز الكاتب على العلاقات التي تنشأ بين القرى دون أن يهمل لتلك التي تنموا بين الأفراد و التي تكون عادة في تبادل للأحداث من حيث السبب والطبيعة بمعنى أن علاقة امرأة من قبيلة معينة برجل من قبيلة أخرى هي علاقة حتمية بين القبيلتين قد تؤدي إلى تحالفهما كما قد تؤدي إلى تقاتلهما، ثم وفي متابعيه لهذه العلاقة التي عادة ما تكون علاقة حب أسطوري تبلغ فيها التضحية مداها الأكبر.

- ولم يسمح الكاتب لنفسه بابتذال الكلمات البذيئة ويكثر من المواقف المخجلة حيث يكتفي بالإشارة إليها إذا كان لا بد من ذلك،

- هنا يجد القارئ المتذوق شيئا من ذلك الإحساس الرائع الذي يرافقه وهو يقرأ رواية الفضيلة

- ثم إن الراحل عبد الحميد بن هدوقة في رواية " ريح الجنوب" ـ التي حولت فيما بعد إلى فيلم سينمائي ـ يصور قصة حب رائعة بين ذلك الفتى الذي يمتهن الرعي وفتاة قروية لها حظ من التعليم وتدرس في عاصمة البلاد، ورغم الفارق الاجتماعي بينهما فقد لعبت الشهامة والعفة والطهر دورها في تسيير تلك العلاقة المحرمة مبدئيا في أوساط مجتمع محافظ حد التخمة

-وهكذا يكون الكاتب قد سما بأبطال روايته إلى درجة متقدمة من الفضيلة تحاكي تلك التي ذكرناها عن كل من "بول" و " فرجيني" في رواية الفضيلة.

قديم 05-27-2014, 06:16 PM
المشاركة 1168
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع العناصر التي شكلت الروعة في رواية 54- فردوس الجنون احمد يوسف داوود سوريا


- رواية ((فردوسُ الجنون)) لأحمد يوسف داود - عينُ الواقع السحرية

- رواية (فردوس الجنون) لمؤلفها الشاعر والروائي أحمد يوسف داود، وقد صدرت هذه الرواية عام 1996 عن اتحاد الكتّاب العرب..‏

- والرواية المشار إليها ذات حجمٍ كبيرٍ في عددِ صفحاتها وفي تعدُّدِ موضوعاتها التي تتشعّبُ وتتسلسل بطريقةِ التأسيس على أفعالِ شخصيّاتٍ محوريّةٍ واضحة المعالم ثمَّ السير مع هذهِ الشخصيّات عبر فواصلَ فنيةٍ تجعلً من الحكايات المتقطّعةِ المنبثقةِ من تحوّلاتِ الشخصيات أسلوباً في العمل الروائي الذي لا يبدو تقليديّاً في إطاره العام..‏

- وعليهِ نقولُ إن رواية (فردوس الجنون) لم تستسلمْ للأداءِ الفني التقليدي بل تجاوزت هذا التحديد بإفادتها من فنِّ الروايةِ وواقعها المتحقّقِ من خلال الإنجاز الروائي السابق لتجربةِ هذهِ الرواية

-التي خرجت إلى فضاءاتٍ أكثر حرية وأشمل إبداع عن طريقِ الإمكانات غير المحدّدة للّغةِ وعوالمها

- والأحداث التي تحتوي الواقعَ فكرةً وتجسيداً لتنطلقَ بهِ إلى قناعات سرديّةٍ تمسكُ ـ في الغالب ـ بالمتلقّي وتقوده معها مصطحباً أسئلتهُ وتأويلاتِهِ

- ومشاركاً الشخصيّات في الكثيرِ من التفاصيل

- عن طريق استنطاق الرموز التي يؤديها المؤلف عبر جملهِ ومقاطعَ أحداثِهِ

- التي غالباً ما تُفضي إلى الغرائبية رغم انطلاقها من أرضٍ على درجةٍ كبيرةٍ من التماس مع الواقع الحي.‏

- تبدأُ رواية (فردوس الجنون) من لعبة خارج النص توضّح الفطنةَ والذكاء الحاد الذي يتمتعُ بهِ المؤلف وهو يعطي شخصيّاتِهِ أدواراً وأقنعةً بمثابة مقدّمة فنيّة أو مدخلٍ إشاريّ مهم حمل عنوان "بيان الأبطال" وقد ذُيِّلَ بتوقيع (سرحان)

- تلكَ الشخصيّة المموَّهة الغريبة التي تهيمنُ بشكلٍ واضحٍ وأخّاذ في إيحائِهِ على الشخصيات الأُخرى في الرواية بعد أن يفاجئنا المؤلف بتغييب هذهِ الشخصيّة ـ بالتقدير إلى الشخصية الثانية ـ (بليغ) التي يتفوّقُ حضورها على شخصيّة (سرحان) التي تعدُّ الشخصيّة الأولى في العمل الروائي،

- وهذهِ المعادلة تذكِّرنا أسلوبياً بالعمل الروائي المعروف (ليلة لشبونة) للروائي الألماني (ريمارك)، أذكرُ ذلكَ مقارناً بين أسلوبيّ الروايتين إذ أنَّ ريمارك في (ليلة لشبونة) يبدأُ مع القارئ بشخصيّةِ راوٍ مهيمنٍ على أجواءِ الدخولِ إلى أعماقِ الرواية ثم ينسحبُ هذا الراوي بشكلٍ مفاجئٍ عن المشهد المرصود لتحلّ الشخصيّةُ الثانيةُ التي يلتقيها الراوي مصادفةً في الميناء مكانَ الشخصيّة الأولى في السياقِ الفني وتقودُ مسارَ الأحداث وتدخلُ في صلب نسيجها إذ أنَّ الراوي الجديد (المقاتل) في (ليلة لشبونة) هو الذي يسحبُ مسارَ الأحداثِ إلى (أناه)

- هذا التقاربُ الأسلوبيُّ ـ إذا صحَّ التعبير ـ لا يعني أن مؤلف رواية (فردوس الجنون) قد استفادَ بشكلٍ ما من عمل ريمارك في إبحاره الخاص في روايته والذي ينمُّ عن تولّيه لعبة روائية مهمّة تنطوي على مقدرةٍ خلاّقةٍ في فهم فنِّ الرواية ومحاولته الجادّة في الانفلات من الإصغاء الصارم لتقليديّات بناءِ الرواية وتقديم الأشخاص وعرض ملامحهم...الخ...‏

- يبرّرُ الروائي (أحمد يوسف داود) اتّساع عوالم روايتِهِ باغتراب بطلِهِ (بليغ) والتحوّلات الهامّة التي تتعرَّضُ لها شخصيته وهو الهاربُ من السجن (بمعونةِ أحد رجال الشرطة) والداخل إلى سجنٍ أوسع من التصوّرات المتشظيّة والتيه والغربة، حيث ينتهي إلى عوالمَ لا تستقرُّ على ملامحَ بشريّةٍ مباشرةٍ إذ يلتقي في هروبِهِ (سرحاناً) بمحض المصادفة ـ

- والتي يكشفُ القارئ لاحقاً بأنّها لم تكنْ كذلك بل إنهُ لقاءٌ مدبرٌ بدقّة ـ ويقودُ سرحانُ بليغاً إلى شجرتِهِ الغريبة التي هي بمثابةِ بيتِهِ أو عالمه، ذلك العالمُ الصغيرُ في مساحتِهِ الكبيرُ بإيحاءاتِهِ، ذلك أنَّ العديد من المنطلقات الحسّاسة في الرواية تبدأُ منهُ وتنتهي إليه..

- هذا المكان يتعرَّف فيهِ (بليغ) على مجموعةٍ غريبةٍ ومثيرةٍ من الأصدقاء لينشئَ معهم أغرب العلاقات الإنسانية التي تحملُهُ إلى أمكنةٍ وأحداثٍ وشخصياتٍ ومواقفَ لا يصدِّقُها القارئُ بسهولةٍ وهي بمجملها تغيِّرُ نمطَ شخصيتِهِ وتقودُهُ إلى ممارساتٍ في أجواءٍ مختلفةٍ عنهُ

- ليظهر لنا ـ المؤلف ـ بالنتيجة أن بطلَهُ يعاني من أزمةِ (سيزيف) وصخرتِهِ الأسطورية المعروفة التي تتشكَّلُ عند (بليغ) في حياتِهِ المليئةِ بالمفاجآت الصعبة التي تبقيه أسيراً لهذهِ الصخرة،

- هذا فضلاً عن الأبعاد المزدوجة لدلالات بعض الشخوص (ليلى والطفلة التي تفارقُ الحياة، الدكتور والضابط الذي هو أخٌ لبليغ كذلك الأمّ المزورة..الخ)

- وحتى حياة (بليغ) في (بيروت) وممارستِهِ لأكثر الأعمال تناقضاً فيما بينها.. فما العلاقة بين العمل السياسي الثوري المحموم والعمل المهين في ملهىً ليلي؟‍!‏

- هذا إضافة إلى الانطباعات الشخصيّة الملغّزة التي تمر بهِ وهو يختلفُ نفسياً مع الزمن الذي يحيا فيه وعبرَ أكثر من دلالةٍ فكريّةٍ وفنية...‏

- إن أهمَّ ميزات رواية (فردوس الجنون) هي نجاحها في خلقِ جوٍّ متضاربٍ

- ينطلقُ من آلامٍ إنسانية بسيطةٍ

- عبرَ الكثير من الأحداث والتعبيرات

- التي تُبثُُّ عن طريق السخريةِ المريرةِ أو الكوميديا السوداء

- إلى أعقدِ العلاقات الغرائبيةِ التي تمتدُّ في الكثيرِ من تصوّراتها إلى الوهم بأعمقِ دلالاتِهِ وتصوّراته،

- كما أن في الروايةِ أفكاراً كثيرةً لا تُطْلَقُ بشكلٍ مباشرٍ إلى متلقّيها ولا تخاطبُ قارئاً فيه ركودٌ ثقافيٌّ أو عسرٌ تأمليٌّ، بل تسعى بالقارئ إلى منطقةِ المتعة المشوّشة بالأسئلة، وإلى إحساسه ـ القارئ ـ بضرورةِ التدخل بأي شكلٍ من الأشكال لفكِّ الاشتباك بين علاقات الرواية المختلفة.‏

- كما لا ننسى بأن رواية (فردوس الجنون) استفادت من اللغةِ الشعرية لإنجاحِ فكرة التحليق بالإيحاء والانطلاق به إلى موسيقى الدلالة بشقّيها الجمالي المحلّق والموضوعي المحض،

- وأن الرواية لا تستسلم كلياً لإيقاع الحدث الزمني ولا تفسِّرُ إشاراتها بسهولةٍ بل تذهبُ بهذهِ الإشارات إلى أقصى حالات التأمُّلِ لتعودَ بها إلى عين الواقع السحرية التي لا تلبّي نداءَ الإحساس المباشر بها وبشكل بليد..‏

- إن رواية (فردوس الجنون) روايةٌ جديرةٌ بالتحليقِ معها وقراءتها باستــــــمتاعٍ قراءةً فاحصةً متأنية.‏
منذر عبد الحر

قديم 05-28-2014, 08:29 AM
المشاركة 1169
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ....العناصر التي شكلت الروعة في رواية 54- فردوس الجنون احمد يوسف داوود سوريا



- في رواية الأستاذ » أحمد يوسف داود « الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بعنوان : » فردوس الجنون « صبوة مجنونة للحاق بحلم سوريالي يستطيع رسم الواقع بغير أدوات هذا الواقع ..

-وأظن أن الكاتب أراد أن يخط ملحمة غنائية تشاكل رواية حيدر حيدر في : » وليمة لأعشاب البحر « الرواية التي هي سرد ومكابدة لبطل وشخصية صراعها موجود في كل صفحة وفي كل حركة ..

- واللغة نفسهاعند حيدر حيدر تتحول في رأيي إلى » بطل « ! إن اللغة عند » حيدر « تتحول إلى كابوس يقضّ مضجع الذين حولوا الشخصيات المنفية إلى أرقام .. !

- لكنّ هذه اللعبة خطيرة ولا يمكن تقليدها بسهولة ..

- ثم , إن الروح الشاعرية عند » حيدر « تغطي و » تجمّل « فنياً الخروقات في كل صراع وشخصية لم يصل إلى ذروة هذا التناقض الذي على الرواية أن تسطّره , وعلى الراوي أنْ يجيد حبكه واللعب عليه من خلال الكلمات .. !

- النشيد هنا عند الروائي » أحمد يوسف داود « مع أن البطل الوحيد - الراوي - يكاد يكون واحداً في الروايتين !

- بطل أحمد يوسف داود منفي في لبنان وفي ميليشيات التهريب ..

- في رواية » فرودس الجنون « هناك شخصية مركزية واحدة تتفرع عنها الشخصيات الأخرى , أو هي تخلق نقيضها لتكون كاملة كرواية , لكن أبطالها يتحدثون بالنيابة عن الراوي - المؤلف الذي يتقمص دور الجنون ليبرز عورات هذا العالم ..

-ولأن الروائي الكاتب يدرك سلفاً أنه لا يستطيع تقديم كل هذه الكمية من الجنون في رواية حتى لو بلغت صفحاتها الألف , فإنه يعترف » لحظتها , تبين لي مدى سذاجة روايتنا هذه قياساً إلى الجنون الفعلي الذي احتل العالم « . ص12 .. !

- وفي الصفحة التي تلي نقرأ : » كنا نجد هذا العالم أمامنا كلمااخترعنا وهماً روائياً كي ننساه .. وجدنا أنفسنا واقعين في مطبّات من الجنون البارد « ص13 ..!

- والمؤلف يجد أنه من الصعب تغيير قواعد اللعبة هذه عندما يجد أنه لا يستطيع أن يخترع جنوناً يليق بسفالة هذا العالم ..

- وهنا علينا أنْ ندقق قليلاًبالشخصيات في الرواية وفي صراعها ..

- مع منْ تتصارع هذه الشخصيات إذا كان خالقهاالروائي يقرّ بعجزه عن تغيير اللعبة , الأمر الذي لا ينبغي أن يؤيده النص الجديدالذي يسرد طرفاً من الجنون : » ممنوعٌ عليك أن تضع ولو لمسة صغيرة جديدة في قواعدالجنون « ص 17 ..

- وهذا الهمّ يكاد يصبح كابوساً يؤرّق المؤلف الذي يعود إليه بعدعشر صفحات قائلاً : » إنّ إحدى سقطات روايتنا هذه أيها السادة , هي أنّ الجنون فيهايبدو لنا - نحن أبطالها - سخيفاً إلى درجة محزنة .. إننا نُبدي أسفنا أمامكم , على أننا لم نستطع أنْ نكون فيها مجانين حقيقيين بالقدر الذي ترغبونه ..! « ص27 ..!

- في رواية » فردوس الجنون « يوجد حدّ أدنى من السوريالية , وهذه في رأس قفزة ملائمة في العصر الفاوستي الجديد , لكي نبرهن أننا لم نعدْ بحاجة إلى الروح , وكل ما يصبوإليه الأبطال في الروايات وخارج الروايات هو تحقيق الجزء الأسفل من فلسفة أبيقور ..!

- تبقى اللغة في » فرودس الجنون « شخصية حاضرة لتذكر بالشاعر المؤلف , واللغة هناتستر ولا تعري .. ونحن تنقصنا المعايير النقدية لنفرق في الألفية الثالثة ما بين شخصية » واقعية « وأخرى يرسمها خيال » الشاعر « , الأمر الذي يجعل الصراع أقلّ توتراً , والجنون أقلّ فائدة , والصراع على الوصول إلى النهايات القصوى في » الحدث « وفي » التشويق « أكثر عقلانية , في الوقت الذي يجب فيه على اللغة أن تسقط من دورها كورقة توت ,

- وهذا أمر لم يقصّر فيه الراوي - المؤلف ..

- لكن الجنون يحتاج إلى سوريالية , وهذه تحتاج إلى جنون اعترف الكاتب بأنه جاء ساذجاً وبسيطاً ..

- لكنها رواية تسرد جزءاً من التاريخ المعاصر لشرقيّ بلدان المتوسط ..

-فردوس الجنون للشاعر والروائي أحمد يوسف داود , هي رواية شيقة , وجذابة , وشاعرية , وكثير من التخيل الذي يعكس الواقع بلغة الحالم ,

- وهناك لوحات مسرحية كاملة يمكن تطويرها في المستقبل لكي يكتمل الجنون الأصلي في شرق المتوسط .. في شرق لم تمرّ عليه لمسات » فاوست « , ولا يريد أنْ يصدّق بأن » العقل « مصيبة حتى في رواية ..!‏

قديم 05-29-2014, 06:35 PM
المشاركة 1170
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

تابع ....العناصر التي شكلت الروعة في رواية 54- فردوس الجنون احمد يوسف داوود سوريا


- إذا كانت الرواية – أي رواية – وهي تحكي مقاطع من حياة الناس والمجتمع والعالم،في فترة معينة، قد تطول وقد تقصر،بأحداثها وسيرورة مصائرها، فيتوجب بداية إخضاعها كبناء حكائي أو قصصي إبداعي، لقوانين العالم الموضوعية......قوانين الزمان والمكان والحياة، إلا أن روايتنا هنا يبدو أن لها قوانينها الخاصة، أو لنقل إنها تبتدع قوانينها التي تحقق متطلبات الحداثة والتحديث، والتجريب الذي يتقصد البحث عن أشكال جديدة للبناء الروائي، تلك التي اشتغل عليها الكاتب والأديب أحمد يوسف داؤود ، كهم إبداعي مستمر ومتواصل، يسم جميع أعماله بلا استثناء، في محاولة للوصول إلى حالة إبداعية تحيل إلى المتغيّر دوماً، والمستجد والمستحدث، وعدم اعتبار اللحظة زمناً منفصلاً...كينونة ، بل معطى متوالد ، يتعلق بالقبل والبعد... وما بينهما، وما تحتهما... وفوقهما، وأيضاً بما ليس بهما كمتعلق غير ثابت، لا يحيل إلى ذاته ، ولا يحمل بالتالي شروط بقائه وفنائه في طبيعته، انطلاقاً من القطع مع مبدأ الانفصال والتوحد، أو مع نسبية اللحظة .

- والأديب أحمد يوسف داؤود ، كهم إبداعي مستمر ومتواصل، يسم جميع أعماله بلا استثناء، في محاولة للوصول إلى حالة إبداعية تحيل إلى المتغيّر دوماً، والمستجد والمستحدث، وعدم اعتبار اللحظة زمناً منفصلاً...كينونة ، بل معطى متوالد ، يتعلق بالقبل والبعد... وما بينهما، وما تحتهما... وفوقهما، وأيضاً بما ليس بهما كمتعلق غير ثابت، لا يحيل إلى ذاته ، ولا يحمل بالتالي شروط بقائه وفنائه في طبيعته، انطلاقاً من القطع مع مبدأ الانفصال والتوحد، أو مع نسبية اللحظة بما هي بداية ونهاية، فافتراض الفصل والانفصال، يجبّ مبدأ الحداثة ، ويحيل إلى ما يستلزم إعادته، بدلاً من عودته بطبيعته بتجلّ مختلف أو منزاح ، أو بتشكيل يعكس المعنى في إحالاته وتحولاته... لا في غائيته.

- فردوس الجنون لها زمنها الروائي الخاص، الذي يفيض عن الزمن التاريخي ، ويفارق منطقه المنطقي، لمواكبة الأبعاد غير النهائية لتحولات الحدث الروائي، وهو أيضاً ليس انتقائياً ، بل متحرك... متقافز، أو متوهم ، أو غائب أو مفترض، مما يجعل منه عنصراً أداتياً من جملة العناصر التي يتحكم الكاتب بإيقاعها وسيرورتها ، من خلال تركيزه على فرضية استحالات الزمن وتغيراته، ويكون فلسفة إبداعية حداثية، تلائم وتوافق المحمول الفكري، فيتلونان بلون بعضهما، ويحيل كل منها إلى الآخر.

- الكاتب كمبدع للتوقيت يشي بمقولاته عبر تحكمه بمواقع خطى الزمن الروائي،ومتابعته لها، كزمن مفترض أو مسترجع، أو قادم، ويصبح هذا الفهم للتوقيت ذو علاقة واجبة الوجود بالرواية، من أجل الصورة البنائية التي تتسع للخلق والتخليق، المختلفان عند الكاتب عن العالم الحكمي، ولهذا وجب خلق عالم زمني روائي متخيل وفق الرؤية التي تبرر وتفسر العالم المخلوق، أو واجب الخلق.

- من الواضح أننا لسنا هنا أمام فلسفة للفكر فقط، بل فلسفة للطبيعة والتاريخ واللغة، فالشعوري واللاشعوري عبر اضطراب اللحظة الزمنية وتقلقلها ، يعبران عن نفسيهما معاً ، وتحتفظ الذاكرة الانتقائية ، والرغبة ببناء ذاكرة جديدة منتقاة بمركز أساسي مما يسمح بالتحرر من الذاكرة كتاريخ، أو كمعطى، ويقيم بينهما فاصلاً ، هو علامة الاستقلال أو الفراق الذي تولدت عنه الصورة داخل الكلي المستمد من محايثة اللحظة لمبدأ الاستيلاد المستمر لذاتها، والتي تحيل إلى حداثة الفكر،

- الفرشة الروائية تجمع كورال الشخصيات المتخيلة، وتستحضرهم في بداية القص، كاستهلال يحيل إلى التواصل الحي، ويؤكد استغراق الواقع للمتخيل أو توثيق الواقع بالتخييل، فبيان الأبطال يشعر بالتزام الواقع من حيث الوجود المعاين، ها نحن نتكلم ( نحن أبطال هذه الرواية) ...وتأتي جملة اسألونا لماذا... لتؤكد واقعية الحال بافتراض واقعية المساجلة، وهو اختبار لا يمكن أن يرقى إليه الشك في يقينية الوجود ، إذن فالوجود هو الافتراض الأساسي ، أما ما ينسحب عليه من توصيف فهو أمر آخر، والانشغال بمقاومة الجنون هو تأكيد لحالة الواقعية ، وليست نفياً للواقع، ويكون تمييز حالة الجنون ، هو المعادل لوجود العقل بالفرض، ومسألة الخطأ والصواب، هي من متعلقات الواقع أيضاً، ويتبادل الخاص والعام أمكنتهما، فتصبح القاعدة هي الاستثناء، والاستثناء قاعدة يمكن تعميمها فيما يتعلق بالأحكام القيمية للحياة والكون والبشر، ويصبح من يمكنه تمييز الجنون من العقل، يمثل القلة النادرة، التي لا تنال أحكامها- وللأسف - حظها من الاعتبار، والمسألة موضوعية بالأصل، فمن يوجد في مدينة العوران يجب أن يستر عينه ، وإلا كان هو الاستثناء،

-وطالما أن ذوي الجهالة ينعمون في فراديسهم، فالأمر محلول بالنسبة لهم، ويبقى أولئك التعساء بعقولهم وحكمتهم، غرباء في مملكة المجانين، فهل يجب أن يشربوا من نهر الجنون، كيلا يستمر التمايز والتمييز؟ أو أن رؤوسنا الفاخرة لا يليق بمساحاتها الرحيبة، وهي على الهيكل، سوى هذا النوع من الشواغل؟ وأين بالأصل تكمن مسألة الخطأ والصواب؟ وهل الخطأ والصواب هما من متعلقات العقل؟ وأي عقل نعني؟ أم أن المسألة لا تمثل برمتها سوى اصطلاحاً ومعطى بشرياً، يخضع لنسبية الزمان والمكان والكون؟.

- تشرع الرواية السؤال والتساؤل عن الموقف من فرضية خطأ العالم، وهل من اللازم تنصيب الشخص لنفسه شاهد بينة شخصية على خطأ العالم ؟، هذا السؤال ينبني على مشروعية تخطئة العالم أساساً ، ومجرى الأشياء ، لكن هذا العالم هو بالتأكيد أكبر من أحكامنا وأفكارنا، والصعوبة تكمن في قابلية الفكر كمعطى، للتحديد خارج العالم،لكن افتراض أن هناك موتى أحياء يحل المسألة مباشرة

-...إن كلمة قد تحيل إلى إمكانية التحقيق والتحقق ، أي تشير إلى توفر عناصر الواقع، وإن بحدودها الدنيا، وهنا يكون الأمل بالحياة مشروعاً، الحياة المفارقة لليوتوبيا التي تحمل بذور فنائها في ذاتها عموماً، بتقديمها الفكر على الواقع والقول بأسبقية النظرية، ومن الطبيعي أن لا مكان للأمل في ظلها، بل فقط الحلم في غياب العقل، أما في حالة الأمل، فالأمر مختلف، إذ يكون الأمل أيضاً حلماً، إنما بحضور العقل الذي يحايث الواقع ، ويستمد منه عناصره، ولو صعب الوضع واستدق، ويبدو أننا لا نملك أكثر من ذلك الآن، لكننا نطمح ونأمل، والأمر يتعلق بالآن والإمكان تحديداً لا نفياً...

- فهل تكون الكتابة ذاتها وليدة الصعوبات التي تسببها متطلبات التحديد هذه، أو أنها احتفالية متعمدة باكتشاف المفارقات التي يمكن أن تظهر في كل مكان بين متطلبات الروح الحالمة، وبين نوازع الفكر المعقلن، المتصل بمسائل الكشف، وما يمكن أن ينتج عنها من مظاهر السلب والاستلاب، أو الفراق، أو الاغتراب الروحي.

- من الواضح أن الكاتب يحاول تسريب الصدمة التي تجتاحه إزاء كل هذا إلى قرائه، الصدمة التي تسببت بانثقاب روحه، وبالتالي الحاجة للترقيع

- نعم... فليس ثمة متسع من الوقت للهدم وإعادة البناء، ومن الضروري التعرف على القاتل والمقتول في غمرة الصدمة الهائلة للحدث، صدمة السوق... الأخلاق السياسة... الأحزاب، وهذا ما يبرر اللجوء إلى التمايز والتمييز وربما البعثرة وإعادة التوليف في صورة الشاهد المشهود، فالشاهد لوحده ليس بوسعه إلا اللغط والإزعاج، والمشهود يمثل التحدي الدائم، من الطبيعي إذن أن تنتج الفوضى والخراب، خراب الروح، ولن يكون بوسع الكاتب إلا اللجوء للسخرية المعبرة عن الرفض الكلي لما هو كائن خارج نطاق الرغبة والإرادة .

- مفارقة الواقع بشروطه المكانية والزمانية، ليس هدفاً بحد ذاته، أو وسيلة للهرب، فهذا ليس من شأنه، ولا يكفي بدون شك لتحويل العالم أو تبديل الحياة، لكن ربما بفضل محايثة الواقع غير المحدد، والذي تقودنا إليه الأسباب المختلفة التي تسمح لنا بشعور كانت تمنعه عنا معطيات الواقع المنطقي ومقولاته، تبرز الحاجة لعملية الانتخاب العقلي، التي تظهر ميولنا في تناقضاتها، وعمليات التوافق والإخضاع اللازمة للوصول إلى وحدة المقول الأخلاقي أو العاطفي أو الوجداني ، المتمثل بضمير الرواية الحقيقي ، كذات منفصلة، والتعرف على قدراته في توحده، ورغباته،

- إن مجموع الذوات المتناثرة في أطر وشخوص مختلفة تتكلم وفق القولبة التي تحكمها، والتي يتم ضبطها دائماً ومتابعة حركتها من قبل الكاتب انطلاقاً من إمساكه الدائم بخيوط القص، وسيطرته على أدواته، وفق ما يجب أن يكون، ولو عبر الحلم والتداعي، وتقطيع الزمن، و بفضل ضمير المتكلم الذي يشرع الحق بالتقول، وعلى مسؤوليته كشاهد معاين،.

- .تاء المتكلم هنا تبتدئ القص بضمير الأنا الرائي، المتسلح بحواسه ، مع الاعتماد أحياناً على ضمير الغائب المنفصل عن الزمان والمكان، المتعالي على الحدث، الذي يرد في سياق الحوارات، الأمر الذي مكنه من استنطاق الذوات المتناقضة والمتنافرة، بما يفيد الحكم الذي يتطلب تكييف الواقع، وإعادة تشكيله، أو تغييبه إذا اقتضى الأمر، وعبر فانتازية المصادفات والمفارقات، وانفلاتها من قيود المحاكمة العقلية أو التاريخية، أو حتى التقانية، فالحياة ربما كانت فراغاً تعكر صفوها الصور الغامضة والمتدفقة التي تجتاحها،لكنها تحركها ...وتعطيها قيمتها، ولو كانت على غير ما نشتهي، فلا يتحرج بليغ من إيراد صيغ الشتم والتهديد التي يتلقاها ثم على لسان بليغ ذاته


- المكان الأكثر ملاءمة لتوصيف حالة الجنون هو بيروت، بيروت الحرب، وتعميم مناخات الحرب، وإسقاطها على مساحات الذاكرة والتذكر، لإنتاج ذاكرة المأساة، التي ستسم الروح

- وقرار الدخول في حمأة الحرب ليس خاضعاً لحسابات العقل ولا حتى المصالح ، فالمزاج له دوره في هذا العالم غير المعقول

- بيروت هي الكذبة التي يريد الكل تأسيسها على إيقاع لعبته وتلاعبه، مما يشعر بالانمحاق، وأن الخلاص بعيد، وأن كل عرس لقيامتنا مستحيل، مما يبرر الهلوسة... الهلوسة التي تستحضر الكاتب كضمير لا يستطيع الابتعاد عن الموكب، وعبر الصور ، ومماحكة الذاكرة التي قد لا يستطيع - وربما لا يريد – التحكم بتداعياتها ، وانتخابها ، والتركيز على علاقة الصورة بالمعنى...فشهرزاد هي الورقة الصورية –ورقة الضد – التي يسخر بها من طقوس الوضع، ويخاطب بها العقل البدئي، وبها يراهن على صمود الروح ...

- أما أسباب صعوبة القيامة فكثيرة ومتنوعة ، أهمها حالة الخصاء التي ربما تنتج المصادفات ، لكنها لا تعد بأي شيء من ناحيتها ، مما يسمح بتعميم الحالة كأصل وليس استثناء، وتؤكد أن عقم الرجال أساسه عقم الرجولة

- حالة الخصاء هذه تبقي وللأسف على الحياة بحدودها الدنيا، فالعقم محلاً وموضوعاً موجود على كل حال، وهو وجود حال وآني ، ولما كان التسليم بالأمر مسألة تتعلق بالوجود والعدم، فليس هناك أنسب من البرزخ مقاماً للروح والعقل ، البرزخ الذي ينتصب علامة الكمون، وهو أقصى ما يمكن إدراكه في ظل رحمة الخالق.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 106 ( الأعضاء 0 والزوار 106)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 10:18 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.