احصائيات

الردود
9

المشاهدات
4518
 
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


عبده فايز الزبيدي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,902

+التقييم
0.31

تاريخ التسجيل
May 2007

الاقامة

رقم العضوية
3512
07-08-2013, 03:26 AM
المشاركة 1
07-08-2013, 03:26 AM
المشاركة 1
افتراضي النازعون عن الصوفية!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي أنزل الكتاب بالحق فرقاناً بين النور و الظلام و أرسل رسوله ليهدي إلي الصراط القويم صراط الله الذي هو الإسلام و لن يقبل الله من أحدٍ ديناً غيره ، و ما زلت أقولُ أن الصوفية هم شر الناس قاطبة و التصوف هو أبشع الكفر و أشد الضلال ، و هناك أعلامٌ هداهم الله للإسلام فنزعوا عن عمل التصوف و آبوا إلى أحضان التوحيد القرآني فاستحقوا أن تدرس سيرهم ليعتبر الألباء فلا يغتر بزيف مشايخ الصوفية بعيد اليوم شخص.


وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا

قديم 07-08-2013, 03:29 AM
المشاركة 2
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الشيخ محمد المكي بن عزوز
كان الشيخ التونسي محمد المكي بن عزوز "رحمه الله" - الذي يقول عنه الكتاني في فهرس الفهارس 3/856 : " كان مُسند أفريقية ونادرتها ، لم نر ولم نسمع فيها بأكثر اعتناء منه بالرواية والإسناد والإتقان والمعرفة ومزيد تبحر في بقية العلوم .. الخ مدحه – كان "رحمه الله" في بداية شبابه - أيام عيشه بتونس زمن الدولة العثمانية ، من دعاة القبورية المناوئين لدعوة الكتاب والسنة , وقد ألف - حينها - عدة كتب ، منها كتابه " السيف الرباني في عنق المعترض على الغوث الجيلاني " يرد فيه على من أنكر كرامات الشيخ الشهير عبد القادر الجيلاني وما نُسب إليه من خرافات ـ هو بريء منها بإذن الله ـ . وقد تهجم في كتابه هذا على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وجوّز الاستغاثة بالأموات . كما في ( صفحة 35 ) .
ثم حرص على توزيع كتابه هذا في أنحاء بلاد المسلمين ، فوقعت نسخة منه بيد علامة العراق الشيخ محمود شكري الألوسي "رحمه الله" الذي بادر بعد قراءته للكتاب إلى مناصحة صاحبه بإرسال خطاب وعظي رفيق ، دون أن يكتب اسمه عليه ، مرفقٌ به أحد كتب علماء الدعوة السلفية . ولعل هذه الهدية قد صادفت قلبًا متجردًا من ابن عزوز قادته - بإذن الله - إلى الحق ، حيث تغيرت أحواله بعد انتقاله من تونس إلى الأستانة بتركيا .

يقول علامة الشام جمال القاسمي في رسالته إلى الألوسي - ولم يدرِ برسالة الألوسي السابقة لابن عزوز - : " إن حضرة العالم النحرير، سليل العلماء الأفاضل السيد محمد المكي بن عزوز التونسي نزيل الأستانة كان من أشداء المتعصبين للجهميين والقبوريين ، ثم بصّره الله تعالى الحق فاعتنقه، وأصبح يدافع عنه.

وهذا الفاضل لشهرة بيته ونباهة أمره يُعدُّ بألوف، وقد هاجر من نحو اثني عشر عاماً من تونس إلى الأستانة، وكان رد على الصيادي في تأليف سماه: "السيف الرباني في الرد على القرماني" .. ثم إن الأستاذ الكبير صفينا البيطار لما زار الأستانة هذا العام مع الوفد الدمشقي زار السيد وجرَّ البحث إلى مسائل سلفية، ثم إن الأستاذ كاتبه من شهر فأجابه الآن بجواب نقلت محل الشاهد منه، وأشرت إلى طالب عندنا فنقل صورة ما نقلته وترونه طي هذا الكتاب. وإذا كان لمولانا أيده الله أصدقاء في الأستانة يكاتبهم فلا بأس بمكاتبة السيد المنوَّه به، وإني في هذا البريد سأكتب له بما أرسلت لفضيلتكم من كلامه، وأُعرفه بسامي مقامكم، عساه يزداد بصيرة ونوراً، فالحمد لله على توفيق هذا السيد وهدايته لما هُدي له " .

وقد أورد القاسمي نص رسالة ابن عزوز للبيطار ، وهي : " كتبتُ إلى حبيب لي في المدينة المنورة ما نصه: سؤال خصوصي: أخبرني بإنصاف، واعلم أنك مسؤول في عرصات القيامة عن ذلك، أخبرني عن الوهابية الذين ترون: معاملاتهم، وحالتهم مع السنة، والحضرة النبوية، فأنا إلى الآن ما اجتمعت بوهابي، وقد تناقضت عندي المسموعات بالأذن والمرئيات في الكتب بالأعين؟ وبيان التناقض نقرِّره لك يا حبيب لتعرف كيف تجيبني، فإن المقام خطير:
بعض الناس يقولون: الوهابية يحقرون المقام النبوي، ولا يرون فرقاً بينه وبين بقعة خالية في الأرض، ويقولون لمن شرب الدخان أشركت بالله، وهذا لا معنى له، ويضللون من أثنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنارة، ويكفرون من زار قبراً ودعا الله عنده ويستحلون دمه.
وهؤلاء القادحون فيهم يقولون على سبيل القدح: هم تابعون ابن تيمية أحمد تقي الدين، فهنا جاء التناقض، فإن ابن تيمية إمام في السنة كبير، وطود عظيم من أطواد العرفان، حافظ للسنة النبوية، ومذهب السلف، يذب عن الدين، ويقمع المارقين ؛ كالمعتزلة والقدرية، والرافضة والجهمية، ما فارق سبيل الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة قيد أنملة، وإن كان حنبلياً في الفروع، فهو في أصول الدين جامع لمذاهب الأربعة الأئمة، والأربعة الخلفاء الراشدين ومن سلك سبيلهم.
فإن كان الوهابية حقيقة على منهج ابن تيمية وابن القيم ونحوهما من فقهاء الحنابلة السنية فهم أسعد الناس بالشريعة؛ لأن ابن تيمية وأصحابه لم يُسيء القول فيهم إلا القاصرون عن درجاتهم، علماً وتحقيقاً، والراسخون في العلم شهدوا بعلو مكانتهم.
وإن كان الوهابية مُتَّصفين بالصفات الذميمة المشار إليها أولاً، فأول خصم لهم ابن تيمية ونظراؤه من أئمة الحنابلة، فليسوا بتابعيهم.
وبعض الناس يقولون: الوهابية هم القائمون بالسنة، المتجنبون للبدع، المتبعون للحديث الشريف، وعلى مذهب أحمد بن حنبل وطريقة السلف في الاعتقاد.
وقد كنت طالعت الرسائل المؤلفة من محمد بن عبد الوهاب وأصحابه، ورأيت ما كتبه الجبرتي في "تاريخه" من عقائدهم وسيرتهم، فما هي إلا طريق السنة ليس فيها ما يُنكر.
ورأيت رسائل القادحين فيهم ينسبون لهم الدواهي والعظائم، والوهابية ينفون ذلك عن أنفسهم، لا يحتجون لحسن تلك القبائح. تنبه للفرق بين قول المتنصل مما نُسب إليه وقول محسِّن ما نُسبَ إليه: فالأول منسلخ من اعتقاد ذلك وفعله، معترفٌ بقبحه، مكذب لمن وصفه به.
والثاني معترف باتصافه. تأمل هذه النقطة، وفي الحقيقة: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسئلون عما كانوا يعملون} .
فأنا أسألك عن الوهابية الحاضرين في عصرنا، فإن رجلاً أخبرني أنهم يكونون مقيمين في المدينة، ويأتون إلى المسجد ولا يقفون على القبر الشريف يسلمون عليه وعلى الصاحبين ونحو ذلك، فإن صح هذا فما أشبه هذا الجفاء بالعداوة لصاحب القبر الشريف.
فأريد منك أن تجتمع بفلان وفلان في محل لا رابع لكم إلا الله، فإن زدتم آخر تعرفونه مثلكم فيما ألاحظه منكم، فذلك عُهدته عليكم، وتقرأون كتابي هذا بتأمل، وتجيبونني بما تحصَّل لكم، ذاكرين قوله تعالى: {وإذا قلتم فاعدوا}. واعملوا أن من البلايا المتسلطة على الدين وإيمان المسلمين أنه صار الذي يصدع بالحديث النبوي الصحيح مقدماً له على عصارة المتفقهين يقال له: أنت وهابي.
وأحكي لكم لطيفة: كنت سألت بعض متفقهة مكة الحنفية عن رجل أعرفه من أكبر الفضلاء قلت له: كيف حال فلان؟ فقال لي: ذلك وهابي. فقلت له: كيف وهابي؟ قال: يتبع البخاري !! فلما حكيتها للسيد عبد الرحمن الجزولي عليه الرحمة والرضوان ـ وأنا نزيل عنده إذ ذاك ـ ضحك وقال: هل البخاري شيخ الوهابية؟ وقد سمعت كثيراً من الناس يقولون: من يتبع الحديث فهو وهابي، ومن يعتقد عقيدة السلف فهو وهابي، فقلت لهم: أنا لا أعرف الوهابية، وكلامكم يدل على أنهم سنيون صرفاً؛ فقد مدحتموهم مدحاً كبيراً من حيث قدحتم فيهم، نتمنى أن يكون مقلدة المذاهب كلهم هكذا إن كنتم صادقين فيما تقولون، لكن الجاهل يهرف بما لا يعرف، ولذلك يقال له {سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين} ، وقال تعالى: {وأعرض عن الجاهلين}. وليكن جوابكم بما شاهدتموه لا بما ينقله المغفلون والأعداء المتعصبون، هدانا الله وإياكم للقول السديد ..
وما أشرتم إليه في مكتوبكم من السير على منهاج الكتاب والسنة وعقيدة السلف، فأنفث نفثة مصدور مغتم القلب بما يرى ويسمع من قلب حقائق الأمور. أنتم منَّ الله عليكم بجلساء موافقين لمشربكم في التماس الحقائق، والتزام أقوم الطرائق، ذوق وإنصاف، واتصاف بأجمل الأوصاف، كرفقائكم الذين شرَّفوا منـزلنا وأكرمونا بتلك الأخلاق الكريمة، وكالأستاذ الجمال القاسمي وغيرهم ممن لم نحظ برؤيتهم فبلِّغوهم سلامي، وخلوص غرامي، وأما الحقير هنا -أي في الأستانة- فكما قال القائل:

ما أكثر الناس لا بل ما أقلَّهم **** اللـه يعـلم أني لم أقل فندا
إني لأفتـح عيني حين أفتحها *** على كثير ولكن لا أرى أحداً

فلا أجد من أطارحه مسائل العلم الصحيح؛ لأن الناس بالنظر إلى هذا المقام على قسمين:
جاهل لم يزاول العلم أصلاً، فهو لا يفقه ما نقول، وحسبه إن سأل أن أجيبه بزبدة الحكم، وهو أحب إليَّ ممن عرف بعض العلم إن لم يفتنه فاتن؛ لأنه وإن لم أستفد منه مذاكرة تُفكِّه عقلي، وتنقح نقلي، فقد أفادني من الله أجراً، وقد يكون لغيره سلسبيل تلك الإفادة أجرى.
والقسم الثاني: طالب علم زاول العلم فشمَّ رائحته، وجمد على ما عهد من شيخ مثله، فهذا أحسن أخلاقه أن لا يسمع لقولك ولا يتحدث بما يؤذي، وإنما قلت أحسن، لأن غيره من أهل العناد الحمقى يضللون من خالف ما اعتادوه.
سئلت مرة في مجلس: هل تجوز الاستغاثة بأولياء الله؟ فقلت: لا يستغاث إلا بالله. وفي المجلس شيخ كبير ممن يعاني تدريس العلم عارضني بأنه يجوز، فقلت له: ما دليلك؟ فقام مغضباً قائلاً وهو ذاهب: دليلي قول اللقاني:
وأثبتن للأوليا الكرامه ***** ومن نفاها فانبذن كــلامه
فانظروا الدليل وتنـزيله على الاعتراض، هؤلاء لا يفرقون بين معنى الاستغاثة، ومعنى الكرامة ، وهو من الضروريات.

ومما أتعجب منه وأتأسف، ما رأيته في نتائج مخالطاتي لأهل العلم ومناظراتي ومذاكراتي: أني أجد الشبان والطلبة الصغار أقرب قبولاً للحق، وذوقاً للصواب، وسروراً بالدليل من الشيوخ، وأكثر الشيوخ جامدون على ما ألفوه، ومن أحبارهم ورهبانهم عرفوه، ولا أدري: هل ذلك لطول قعودهم في أرض التقليد صاروا كمن دُقت له أوتاد والتحمت تلك الأوتاد بالأرض، فلا يستطيعون النهوض منها؟ أم لأن غالب الشيوخ أكبر مني سناً؟ فهم يأنفون من أن يستفيدوا ممن هو أصغر منهم؟ أم كيف الحال؟
وعلى كل حال أتذكر عند ذلك قول الشاعر:
إن الغصون إذا قوَّمتها اعتدلت ****** ولن تلين إذا كانت من الخشب

وإني أحمد الله تعالى على أن أنقذني من أسر التقليد، وصرت إذا رأيت تعنتهم واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أتلو قوله تعالى مذكراً لنفسي آلاء الله: {كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم} ، لأني كنت أرى قول فقيه: المعتمد كذا، أو استظهر شيخنا كذا، كأنه بين دفَّتي المصحف، والله بل آكد "أستغفر الله"؛ لأني أقول: الآية لا أفهمها مثله، ونظن كل كلمة قالها مالكي فهي من مقولات مالك أو حنفي فأبو حنيفة أو شافعي...إلخ ، والخروج عن الأربعة كالكفر ولو أيده ألف حديث. والحمد لله الذي عافانا مع بقاء احترامهم ومحبتهم في قلوبنا.

وأخبركم أني لما بدأت في الاستضاءة بنور الحديث ووزن خلافات الأئمة والفقهاء بالأدلة، وصرت أصلي بالقبض والرفع...إلخ، وذلك سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف، ألقي لي في المنام قوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} ، وقمت بها من المنام على لساني. ولا تنسونا من الدعاء، ودمتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في ذي الحجة سنة 1327 حافظ ودكم . محمد المكي بن عزوز التونسي " .
انتهت رسالة ابن عزوز للبيطار . ( نقلتها من كتاب : الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي ، للأستاذ محمد العجمي ، صفحة 101-110 ) .
***********************
فأجاب الألوسي على رسالة القاسمي السابقة بقوله : " سرّني ما كان من المراسلة بين السيد محمد المكي وبين السلفيين في دمشق. وهذا الرجل أعرفه منذ عدة سنين ؛ فإن كتابه "السيف الرباني" لما طُبع في حضرة تونس أرسل منه لنقيب بغداد عدداً كثيراً من نسخه، فأعطاني النقيب يومئذ نسخة منه، فطالعتها فرأيت الرجل من الأفاضل، غير أنه لم يقف على الحقائق، فلذلك استحكمت الخرافات في ذهنه فتكلم على السلفيين، وصحح بعض الأكاذيب التي يتعلق بها مبتدعة الصوفية ، وغير ذلك من تجويز الاستغاثة، والتوسل بغير الله، وإثبات التصرف لمن يعتقد فيهم الولاية، والاستدلال بهذيان ابن دحلان ونحوه... كما ترى بعضاً من ذلك في الورقة المنقولة عن كتابه. فأرسلت له كتاب "منهاج التأسيس" مع التتمة المسماة "بفتح الرحمن"، وذلك سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف، وكان إذ ذاك في تونس لم يهاجر بعد، ولم أعلمه بالمرسل، ويخطر لي أني كتبت له كتاباً أيضاً التمست منه أن يطالع الكتاب كله مع التمسك بالإنصاف، ولم أذكر أسمي ولا ختمته بختمي، وأرسلت كل ذلك إليه مع البريد الإنكليزي. وبعد ذلك بمدة هاجر إلى القسطنطينية، وكان يجتمع كثيراً مع ابن العم علي أفندي ويسأله عن كتب الشيخين ويتشوق إليها.
وقد اجتمع به ابن العم في هذا السفر الأخير وأخبرني عنه أنه الآن تمذهب بمذهب السلف قولاً وفعلاً وأصبح يجادل أعداءه، ويخاصم عنه . ولم يزل يتحفني بسلامه، ويتفضل علي بالتفاته". ( المرجع السابق ، صفحة 113-115 ) .
***********************

قلت : وقد أرسل ابن عزوز بعد هدايته للسلفية رسالة إلى الشيخ الكويتي عبد العزيز الرشيد صاحب مجلة "الكويت" قال فيها : " دخل علي السرور ما الله به عليم في التعرف بكم وظفري بصاحب مثلكم، وذلك أن قلبي موجع من غربة العلم والدين وأهله وقلة أنصاره. وإيضاح هذا: أني لست أعني بالدين الدين الذي قنع به أكثر طلبة العصر والمنتسبين إلى العلم في الشرق والغرب من كل مذهب من مذاهب أهل السنة.
سارت مشرِّقة وسرت مغرباً ***** شتان بين مُشــرِّق ومغرِّب
ولكني أعني بالعلم والدين علم السنة، وما الدين إلا اتباعها وإيثارها على عصارات الآراء وهجومة المتفقهة، وما التوحيد إلا توحيد السلف الصالح، وأما غيره فأشبه بالضلالات وزلقات الهفوات... إننا نجد فقيهاً تقياً محباً للسنة ومبغضاً للبدعة، متعففاً من تناول الحرام، واقفاً موقف النصح والإرشاد للخلق، حسن النية، لكنه جاهل بعبادات النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه في شؤونه كلها.
وقد يكون عارفاً بها أو ببعضها، ويترك المتابعة النبوية عمداً، لأنها خالفت قول فقهائه، ولو تخبره بإصلاح عبادة أو تحرير حكم شرعي بنص نبوي ينفر منك نفرته من العدو، ورآك مخادعاً ، ولربما اتخذك عدواً مبيناً بعد المحبة والصحبة ويحكم بضلالك ، كل ذلك لغلوه في التقليد، ولا يخفى أن أولئك لا يقال لهم علماء إلا مجازاً خلاف في ذلك كما قاله ابن عبد البر وغيره، وتجد آخر متفنناً بعدة علوم، وربما يكون مطلعاً على دواوين الحديث نبيهاً، له همة تنبو به عن التقليد، يبالغ في تتبع الأدلة، فينقلب عن الدين وغيرته في اعتقاد تأثير الطبيعة، حتى ينكر معجزات الأنبياء، وينكر كونها خارقة للعادة ونحو ذلك من القول بنفي حشر الأجساد في الآخرة ونفي تناسل البشر من آدم وحواء. الخ. وإياها أعني في عدة مباحث من (العقيدة الإسلامية) التي رأيتموها بجدة، وبعض هؤلاء أيضاً لهم حسن نية في تعديهم الحدود، فهذان الفريقان اللذان هما على طرفي نقيض، أحدهما مُفرط، والآخر مُفَرط، كلاهما يعدهما المغفلون من علماء الدين، ولكل منهما أتباع وأنصار. (انعق بما شئت تجد اتباعاً) .
والقسم الثالث: وهم الأوسطون الذين تفقهوا بفقه الأئمة رضوان الله عليهم، واعتنوا بالحديث الشريف مع تفنن في الأصول والعلوم العربية، ودققوا مسائلهم الدينية، فما كان من الفقه سالماً من مصادمة سنة بقوا عليه، وما صادمها نبذوه وعذروا قائله بعدم بلوغ الخبر له، هذا فيما يتعلق بالعلم العملي، وأما الاعتقادي فهو معذور في الابتداء في كتب المتكلمين، ثم يترقى بطريقة السلف ، ولا تؤخذ حقيقتهما إلا من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وصاحبه الذي هو نسخة صحيحة لا تحريف فيها الشمس ابن القيم، فيعتقد ما هناك بأدلة متينة وإيمان راسخ، فيصبح من الفرقة الناجية التي عرّفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم على ما كان عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذا القسم الثالث الذي هو على الصراط المستقيم، المدعو بالهداية إليه في الفاتحة بكل ركعة، قليل في الوجود مع الأسف، قال الله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} فأنا أنظر شرقاً وغرباً فأرى كما قيل:
ما أكثر الناس لا بل ما أقلهم **** الله يعلـم أني لـم أقل فندا
إني لأفتح عيني حين أفتحها **** على كثير ولكن لا أرى أحداً
وربما أجد في مليون من الخلق واحداً، فأنا أشد فرحاً من ولادة ولد ذكر لابن الستين الفاقد البنين، ولهذا سررت بكم بعدما تتبعت كتابكم الذي أهديتموه لي، لأني طالما انخدعت للمدعين بطريقة السلف اعتقاداً وتحري السنة تفقهاً، فأجد من آثارهم عند إمعان النظر، أنهم ليسوا الذين أريد، ولذلك وقفت النظر في كتابكم، وأنا معذور، إذ لم يسبق بيننا تعارف ولا مذاكرة، فوجدتكم والحمد لله من الضالة التي أنشدها، وأيده كتابكم الخصوصي الذي أرسلتموه لي، فجزى الله علامة العراق خيراً السيد شكري، حيث دلكم على إجراء وسيلة التعارف بيننا، وكذلك صديقنا الكامل السني السيد محمد نصيف في اطلاعكم على رسالتنا التوحيدية، وهذا كله يظهر مصداق الحديث الشريف ((الأرواح جنود مجندة)) الخ..

(ومنها بعد كلام طويل وسطور كثيرة) .. أحبابنا غرّوكم بالعاجز، فكما أنه لا يقبل قدح العدو في عدوه، فكذلك لا يقبل إطراء الحب لحبيبه، والذي نفسي بيده إني لخال مما تظن ويظنون فلا علم ولا عمل ولا صلاح ولا إخلاص، ووالله ما هو من هضم الأفاضل أنفسهم تواضعاً بل الإنسان على نفسه بصيرة، وأحمق الناس من ترك يقين نفسه لظن الناس، وأنا أحكي لكم مقدار بضاعتي تحقيقاً كأنكم ترونني رأي العين، والله على ما نقول وكيل. أما الأصل والنسب فلا نتعرض له كما قيل:
إن الفتى من يقول ها أنا ذا **** ليس الفتى من يقول كان أبي
فأنا قد ربيتُ في معهد العلم من صغري، وقد وسّع الله علينا من رزقه، ما سهل به القراءة زمان التعلم والإقراء على شيوخ عديدة على اختلاف مشاربهم وتفاوت درجاتهم تفنناً وأخلاقاً، وارتحلت إلى بلدان عديدة، فجمعت بعض ما كان متفرقاً من العلوم والحمد لله، ولكن لهو الشباب حال بيني وبين الاستكمال في العلم والتهذيب، وأيضاً لا نعرف في بلادنا المغربية إلا التقليد الأعمى، فقد كنا نعد الفتوى بحديث البخاري ومسلم ضلالاً، وكما شدد علينا شيوخنا في ذلك، شددنا على تلاميذنا هناك، فالتاجر كما اشترى يبيع ويزيد المكسب، فمن ذلك أني عند سفري إلى المشرق استعار مني ابن أختي الخضر ابن الحسين الذي لقيتموه في المدينة (نيل الأوطار) للشوكاني، فما تركته حتى أقسم لي بالله أنه لا يتبعه فيما يقول، ومن ذلك أني وجدت في عام 1300 كتاب (الروضة الندية) للسيد صديق حسن خان يباع عند كتبي في مكسرة ، اسمه الشيخ الأخضر السنوسي العقبي، فنهرته وزجرته، وقلت له: حرام عليك تبيع الروضة الندية، فصار يعتذر بمسكنة كأنه فعل خيانة، أما تصانيف ابن تيمية وابن القيم فو الله ما نظرت فيها سطراً لنفرة قلوبنا منها، ومن جهل شيئاً عاداه.
لكن في العاجز رائحة استعداد وشوق للدليل، فلما ارتحلت إلى المشرق سنة 1316، واطلعت على كتب أهل هذا الشأن باستغراق الوقت لا واشي ولا رقيب، وأمعنت النظر بدون تعصب، فتح الله على القلب بقبول الحقيقة، وعرفت سوء الغشاوة التي كانت على بصري، وتدرجت في هذا الأمر حتى صارت كتب الشوكاني وصديق خان وشروح بلوغ المرام وما والاها أراها من أعز ما يطالع ، أما كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم فمن لم يشبع ولم يرو بها فهو لا يعرف العلم.
ويلحق بها كتب السفاريني، وجلاء العينين للسيد نعمان، وآثار إبراهيم الوزير ونحوهم، ومنذ عرفت الحقائق، استرذلت الحكم بلا دليل والحمد لله (وإنا لنرجو فوق ذلك مظهراً) .

ومن اللطائف أن في الشهر الأول والثاني من انفتاح البصيرة، ألقي إلي في مبشرة منامية قوله تعالى: { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.
والحاصل فما ذكر لكم من تلك المناقب لم ألبس منها ثوباً قط، وإنما أنا محب لأهلها، وذاب عنهم، وناصر لهم، ولعله يشملني حديث ((المرء مع من أحب)) فمن وصفني بما زاد على ذلك، فقد استسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم "
(المرجع : مجلة الكويت ، الجزء 10 العدد الأول ، ورسالة : المكي بن عزوز - حياته وآثاره ، للأستاذ على الرضا الحسيني) .


تــعـليــق

1- رحم الله الشيخ ابن عزوز الذي حرص على معرفة الحق ، وبذل السبب في السؤال عنه ، ولم يركن إلى تقليد المغرضين ؛ حتى شرح الله صدره له ، وهكذا الموفق إذا ما تشوف قلبه للحق أدركه بحول الله .

2- ورحم الله العلماء ( البيطار والألوسي والقاسمي والرشيد ) الذين بذلوا النصح له ، وراسلوه بالأسلوب الحسن ، وأخذوه بالرفق ؛ حتى يسر الله رجوعه .

3- في مراسلة الألوسي له فائدة ؛ وهي أن يجتهد العلماء وطلبة العلم في مراسلة المعرضين والجاهلين ؛ خاصة من الرؤوس والمشاهير ، مع إتحافهم بالهدايا من الكتب والأشرطة النافعة التي ترشدهم ، وتبين لهم الحق ، ولا يزهدوا في هذا الأمر ، فربّ رسالة أو كتاب أو شريط قادت إلى نفع عظيم للإسلام والمسلمين . والله الهادي ..

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا

قديم 07-08-2013, 03:30 AM
المشاركة 3
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جمال الدين القاسمي

الشيخ جمال الدين القاسمي ، شيخ الشام في وقته ، ولد "رحمه الله" سنه: (1283 هـ) وبدأ بطلب العلم منذ الصغر ، جد واجتهد ، وتفوق على أقرانه ، وسلك الطريقة النقشبندية على يد شيخه في ذلك الوقت الشيخ محمد الخاني شيخ الطريقة النقشبندية ومرجعها في ذلك الوقت.
شغل الشيخ القاسمي عدة مناصب في التدريس والدعوة ، وما إن أعلن مخالفته لأرباب الطرق والخرافة حتى انهالت عليه الإشاعات والافتراءات من مشايخ الطرق في دمشق ، وبدأت الوشاية به عند السلطات في دمشق فاستدعي وحقق معه فأثبت للجميع علمه وانصافه والتزامه القواعد والنصوص الشرعية ، فقام من استدعاه بالاعتذار إليه وعاد إلى بيته معززاً مكرماً ، ولكنه بقي في بيته منعزلاً للتأليف والتدريس.
وكان يصف شيوخ التصوف بقوله: ((هم كالعمود الكهربائي، يبث الجنون في رؤوس الناس، ويلجئهم إلى الإتيان بمظاهر مرض الصرع العام والذهول العقلي)) (1) أي حالات الذكر الخاصة بهم.
وكان ينهى عن الاختلاط بهم ولو من أجل الاطلاع على أحوالهم؛ فقد زجر تلميذاً له مرة حينما أحب الذهاب لمشاهدة حلقاتهم والسماع لأناشيدهم وموسيقاهم، وقال له : "لا تكثر سواد المبتدعة، ولاتكن قدوة سيئة لغيرك" (2) .
وقد آلمه كثيراً تصرفات مشايخ الطرق في دمشق وأعمالهم وادعاءاتهم وكثرة بدعهم، فهاجمهم وبيَّن ضلالهم ، وقد وصف ما يفعلون من منكرات تضر بالدين ، ننقل منها حديثه عن مواكبهم التي كانت تخرج في الربيع ، فيقول (3) : ((لا تزال هذه الطوائف تبتدع أموراً تُضحك السفهاء وتُبكي العقلاء وتحتال لمطامعها البهيمية ما جلب العار على الأمة وسلط عليها الأجنبي يهزأ بديننا ويقبح أعمالنا ظناً منه أن ما يجريه هؤلاء الجهلة من الدين. فهلا رجع هؤلاء الجهلة عن بدعهم ، والتزموا طريق أشياخهم الذين يدّعون أنهم على آثارهم وما هم إلا في أيدي الشياطين يلعبون بهم كيف يشاؤون. أين تصفية الباطن التي هي مدار الطريق، وأين الخمول مع هذا الظهور، وأين التواضع مع ركوب الخيل والبغال يقدمها الطبل والمزمار، وأين البعد عن الناس مع هذا المزاحمة الدنيوية، وأين البعد عن الرياء مع الوقوف بين مئات الألوف يتمايل ويتلوى، وأين الإرشاد مع هذه البدع وأين الأشياخ إذا أردنا السلوك. فلعمري لا نرى إلا رجالاً اتخذوا الطريق وسيلة معاشية. أما آن لهذه البدع أن تموت ولهؤلاء الجهلة أن ينتبهوا ويعلموا أنهم بين أمم ينظرون أعمالهم وينتقدون أجوالهم ويكتبون عنهم ما يكتب عن الهمج وسكان البوادي.
إنّ الطريق المسلوك للقوم مبني على الإخلاص في العمل وحب الخلوة والبعد عن الناس والصمت عن اللغو وملازمة الذكر ومداومة السهر فيه وفي التهجد والزهد فيما في أيدي الناس والتمسك بالسنة والإرشاد إلى الطريق المستقيم، وأين هذه الأصول الشريفة مما نراه الآن من الخروج عن الحدود واستبدال السنة البدعة وترك الشرع بهوى النفس.
والطامة الكبرى دعوة بعض الأشياخ وانتحاله ما يضر بالعقيدة وإضلاله العامة بما ينقله إليهم عن الإنسان الكامل ونحوه من كتب الصوفية مدعياً فهمه لإشاراته من طريق الفتح أو الإلهام، فقد كثرت النحل والبدع، وسمعنا من أقوالهم ما ليس من ديننا ولا يقول به أهل دين آخر.
وقد اتفق أن أحد مُعْتَبرِي الأجانب دخل أحد الأماكن وقد اجتمع فيه جماعة من أهل الأهواء ، فرآهم يرقصون ويصيحون صياح جنون فقال لترجمانه : ما هذه الغوغاء ونحن نعلم أن صلاة المسلمين في غاية الخشوع والآداب وهذه أمور ليست إلا هذياناً. فقال له ترجمانه : "إن هذه أكبر صلاة عندهم" يريد تنفيره من الدين الإسلامي ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالدين برئ من نسبة هذه البدع إليه؛ فإن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم معلومة محفوظة، إذ لم يترك الحفاظ وكتاب السير شيئاً من أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته إلا دونوه، وجاء الخلفاء الراشدون ومن عاصرهم على أثره صلى الله عليه وسلم وكذلك جاء الصوفية المتقدمون على هذا الأثر. فلما تشيخ الجهلاء في الطريق التزموا البدع وجاء من لهم إلمام بكتب القوم فانتحلوا أقوالاً لا يعرفون معناها، وعلّموها لجهلةٍ لا يفقهون، فضلُّوا وأضلوا، إنا لله وإنا إليه راجعون.
ومن المصائب الفظيعة تركهم الذكر الشرعي وقولهم "اللام إلا الله" "لوالوها إلا الله" و "ال" بلام مغلظة و"اه" و"ههِ" ثم الرقص وأكل النار وضرب الدف أو الناي والنقارات والنقرزان ووضع الدبوس في الذراع والسيخ الحديد في الحنك والشيش وغيرها من المفتريات القبيحة. فحق شيخ المشائخ منع هؤلاء الجهلاء من إعطاء العهود، حتى يعرفوا العقيدة والآداب الشرعية والفروع الفقهية، ففي ذلك خدمة الأمة والدين، وتأييد لكلمة الحق المتين)).
توفي الشيخ القاسمي "رحمه الله تعالى" سنة (1332 هـ) .

______________________________
(1) جمال الدين القاسمي وعصره: ظافر القاسمي، ص353.
(2) شيخ الشام: لمحمود الإستانبولي، ص 91.
(3) اصلاح المساجد 248 – 250 .

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا

قديم 07-08-2013, 03:31 AM
المشاركة 4
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
العلامة محمود المراكبي
خادم السنة المبرمج الكاتب الداعية المهندس العلامة محمود عوض المراكبي ، ولد في القاهرة 1945 م ، نشأ في بيئة محافظة متدينة ، وظهرت عليه علامات النبوغ منذ الصغر فكان يتفوق على أقرانه في شتى المجالات ، حبب إليه التدين فسلك في الطريقة الميرغنية الختمية لمدة تزيد على الخمسة عشر عاماً ، التزم خلالها صحبة كبار مشايخها ، حتى انتهى به المقام أن أصبح من مشايخها والدعاة لها.
شرع في الإطلاع على المكتبة الإسلامية ، وتنوعت دراساته لتشمل أهم فروع المعارف الإسلامية: القرآن والتفسير، والحديث، والتاريخ الإسلامي، والتصوف، والفرق الإسلامية ، إلى أن تبين له مخالفة كثير من معتقدات الصوفية لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مما حدى به إلى تأصيل تجربة التصوف، وإصدار سلسلة الظاهر والباطن لتحذير المريدين من الانخراط في الطرق المؤدية لمخالفة الكتاب والسنة.
وتبين له انتشار مجموعة من الأفكار والمعتقدات البعيدة كل البعد عن الكتاب والسنة ، ومن ذلك التصوف المنتشر في مصر ، وغيرها من البلدان الإسلامية ، فقام بكتابة مجموعة من الكتب التي تهدف إلى تصحيح مفاهيم الفكر الباطني ، وبيان فساد الصوفية ، وعرض مفاهيمها في ضوء الكتاب والسنة، حتى أن جماعة أنصار السنة طلبت منه أن يكتب مقالات شهرية في مجلة التوحيد ، وقد ساهمت هذه المقالات في ابتعاد عدد من الصوفية عن اتباع المشايخ والابتعاد عن الأضرحة ، وتعرض القائمة التالية بعض مؤلفاته:
• أحكام تلاوة القرآن الكريم (منشور - نفذت الطبعة الأولى)
• القول المبين لنفع السالكين (منشور - نفذت الطبعة الأولى)
• (موسى والخضر علما الظاهر والباطن) (الطبعة الثانية)
• (ظاهر الدين وباطنه)
• (تسرب الفكر الباطني إلى الشرائع السماوية)
• (جذور الشيعة وجيش المهدي) (الطبعة الأولى)
• (عقائد الصوفية في ضوء الكتاب والسنة) نفذت منه 40 ألف نسخة منذ نشره عام 1995
• (القول الصريح عن حقيقة الضريح)
• (السلوك القويم على الصراط المستقيم)
• ( أمير المؤمنين عمر بن الخطاب)
• (أحسن القصص الكريم ابن الكرام)
• (تهذيب الداء والدواء لابن القيم)
• (تهذيب صفة الصفوة لابن الجوزي) (تحت الطبع)

من هو المبرمج خادم السنة محمود المراكبي:
• (2000 – 2003) مدير تطوير جامع السنة بشركة إيجيكوم.
• (2003 – 2004) مدير عام شركة أفق للبرمجيات.
• (1988 – 1997) مدير مركز التراث المسئول عن البرمجيات الإسلامية في شركة صخر للبرمجيات (حرف حاليا)، طور خلالها ما يزيد على عشرين برنامجا من أنجح البرمجيات الإسلامية.
• من أبرز رواد تصميم وإدارة البرمجيات الإسلامية على مستوى العالم.

• لقد كان اهتمامه بالقراءة والاطلاع على مختلف العلوم الإسلامية الحافز الأول للانشغال في كيفية تسخير خبرته في مجال نظم المعلومات في خدمة العلوم الإسلامية ، وأدرك في منتصف السبعينات أهمية جمع السنة، وتطويع الحاسب الآلي لخدمتها، وبدأ يضع الخطوط العريضة لمشروع جمع السنة . وذلك في أواخر السبعينات، وما زال يحتفظ بتلك الأوراق حتى الآن.

• في سنة 1990 انتهى تطوير برنامج صحيح البخاري، وبدأت مرحلة تعريف العلماء والمهتمين بعلم الحديث بما تحقق حتى الآن، وكانت البداية مع قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة حيث تم عرض البرنامج على أساتذة القسم، في حضور السيد العميد، والدكتور أكرم ضياء العمري، والشيخ حماد الأنصاري، والدكتور سعدي الهاشمي وغيرهم، وقد لاقى البرنامج القبول والتشجيع من الحضور على المضي.

• عرض برنامج صحيح البخاري في مؤتمر عقد البنك الإسلامي للتنمية سنة 1989 ، باسم "استخدام الحاسوب في العلوم الشرعية" دعى إليه كل العاملين في هذا المجال على مستوى العالم، وتم تقييم ما هو متاح لدى الجميع، وحظي برنامج صحيح البخاري بأكبر تقدير بين كل ما قدم، حتى أن الأستاذ الدكتور/ أكرم ضياء العمري الحاصل على جائزة جمعية الملك فيصل الخيرية قال: "كما قام المهندس محمود المراكبي من شركة صخر بالإفادة من الحاسب الآلي لخدمة صحيح البخاري، وقد اطلعت على البرنامج، وأرى أنه يخدم صحيح البخاري، وأنه متقدم على بقية البرامج التي تخدم كتابا واحدا". (صفحة 47 - أعمال المؤتمر)

• لم يطور صاحب السيرة هذه البرامج بمعزل عن علماء الحديث، وإنما كانت تتوالى العروض أولا بأول، فقد التق ى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - أربع مرات، وكانت الزيارة الأخيرة لعرض مسند أحمد بن حنبل ، ويومها طلب منه الشيخ أن ببحث له عن حديث : " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوحدة، أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده " ، وقال: إن تلاميذه يبحثون له عن هذا الحديث منذ حوالي شهرين، ولم يعثروا عليه، وأظهره البرنامج في ثوان معدودة، فما كان من سماحته إلا أن قال: " إن هذا عمل من قبيل الخوارق " .

• أثناء عمله في تطوير مصادر الحديث وضع تصميم وأدار تطوير العديد من البرامج الإسلامية لخدمة: القرآن الكريم, وإضافة ترجمات معانيه إلى اللغات: الإنجليزية ، والفرنسية، والألمانية ، والتركية، والمالاويه، والإندونيسية.

• طور برنامج المواريث على المذاهب الأربعة ليحل أي مسألة ميراث, وكتب منطق البرنامج بكل تفاصيله ، وأثناء عرض البرنامج على وكيل وزارة العدل السعودية طلب منه إضافة مسائل المناسخات على البرنامج بحد أقصى خمس مسائل متتالية ، إلا أن الله تبارك وتعالى وفقه وأصبح البرنامج يحل أي عدد من مسائل المناسخات.

كتابه عقائد الصوفية في سطور :
يتناول الكتاب نشأة عقائد الصوفية وتطورها من صوفية السلوك إلى صوفية الفلسفة، مرورا بالوجد والغلبة، فالسكر والشطح، ثم القول بالفناء، ودور الحلاج في وضع فرية قِدَم النور المحمدي، ثم دور ابن عربي في تأسيس نظرية وحدة الوجود، التي استكملها ابن الفارض وابن سبعين بالوحدة المطلقة، ثم الجيلي في نظرية الإنسان الكامل والحقيقة المحمدية التي هي نقطة وحدة الوجود وأصل الموجودات.
يتتبع المؤلف أوراد ما يقرب من عشرين طريقة صوفية معاصرة ويحدد من نصوصها ما يشير إلى عقيدة وحدة الوجود، ومواضع الغلو وإطراء النبي صلى الله عليه وسلم، كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، مؤكدا إعجاز حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي حذر فيه أمته من اتباع انحراف أهل الكتاب، كما يكشف الكتاب جذور علاقة التصوف والتشيع.
كذلك يناقش الكتاب أركان السلوك الصوفي وهي: الشيخ ودوره في تربية المريد، وكيف يُمد الشيخ تلاميذه في الدنيا وعند الموت ويوم القيامة!!! ومكانة الأضرحة والموالد ، والتوسل والاستغاثة ، ومقامات الشيوخ من الأبدال والأقطاب ومهامهم وعلاقتهم بالخضر عليه السلام ، ومقام الغوثية وديوان التصريف والحكومة الباطنية ، ويستعرض الكتاب مكانة الذكر في الفكر الصوفي والأسماء السريانية وجاه الحروف، والتعدي في الدعاء ، كل ذلك من واقع دراسة غير مسبوقة للأوراد وعرض النصوص التي يتداولها أبناء الطرق الصوفية.
إن هذا الكتاب يمثل دراسة فريدة جمعت بين التجربة الشخصية للمؤلف ، وبين التأصيل العلمي والتحقيق على هدي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا

قديم 07-08-2013, 03:36 AM
المشاركة 5
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
العلامة محمد حامد الفقي

قال الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله: عندما رأيته يدرس في مكة عند باب علي قلت هذا ضالتي وكانت حلقته أول حلقة أجلس فيها في الحرم و كان ذلك عام 1367 هـ .
و قال الشيخ أبو تراب الظاهري رحمه الله: كان رحمه الله إذا صعد المنبر لخطبة الجمعة يقول بأعلى صوته: كفرت بالطاغوت.. كفرت بالبدوي .. كفرت بكذا... ولقد كان يجتمع في حلقته في المسجد الحرام خلق كثير يجتمعون حوله ما بين قاعد و قائم .
وأما قصته تلك فيحكيها الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله و هو أحد تلاميذه فيقول ، قلت للشيخ: يا شيخ أنا عندي سؤال؟
فقال: ما هو سؤالك يا ولدي؟
فقلتُ لهُ: كيفَ صرتَ موحداً وأنت درست في الأزهر؟ (وأنا أريدُ أن أستفيد والناس يسمعون)
فقال الشيخ: والله إن سؤالك وجيه.
قال: أنا درست في جـامعة الأزهر ، ودرست عقيدة المتكلمين التي يدرِّسونَها ، وأخذت شهادة الليسانس ... وذهبت إلى بلدي لكي يفرحون بنجاحي ...
وفي الطريق مررتُ على فلاّح يفلح الأرض ، ولما وصلت عندَه .. قال: يا ولدي اجلس على الدكّة .. وكان عندهُ دكة إذا انتهى من العمل يجلس عليها ، وجلستُ على الدكة وهو يشتغل ، ووجدت بجانبي على طرفِ الدكة كتــاب ، فأخذت الكتـاب ونظرت إليه ... فإذا هو كتـاب ((اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية)) لابن القيم ؛ فأخذت الكتــاب أتسلى به ، ولما رآني أخذت الكتــاب وبدأت أقرأ فيه .. تأخر عني ... حتى قدّر من الوقت الذي آخذ فيه فكرة عن الكتــاب .
وبعد فترة من الوقت وهو يعمل في حقلِهِ وأنا أقرأ في الكتاب جاء الفلاّح وقال:
السلام عليكم يا ولدي ، كيف حالك؟ ومن أين جئت؟ فأجبتهُ عن سؤالهِ.
فقال لي: والله أنت شاطر، لأنك تدرجت في طلبِ العلم حتى توصلت إلى هذه المرحلة ؛ ولكن يا ولدي أنا عندي وصية.
فقلتُ: ما هي؟
قال الفلاّح: أنت عندك شهادة تعيشك في كل الدنيا في أوربا في أمريكا ، في أيِّ مكان.
ولكنها ما علمتك الشيء الذي يجب أن تتعلمه أولاً.
قلتُ: ما هو؟!
قال: ما علمتك التوحيد!
قُلتُ لهُ: التوحيــد!!
قال الفلاّح: توحيـــد السلــــف.
قلتُ لهُ: وما هو توحيد السلــف؟!!
قال لهُ: انظر كيف عرف الفلاّح الذي أمامَك توحيـد السلـف.
هذه هي الكتب:
كتــاب "السنـــة" للإمام أحمد الكبير.
وكتـاب "السنــة" للإمام أحمد الصغير.
وكتـاب "التوحيد" لابن خزيمة.
وكتـاب "خلق أفعال العباد" للبخاري.
وكتـاب "اعتقاد أهل السنة" للحافظ اللالكائي.
وعدَّ لهُ كثيراً من كتب التوحيد.
وذكر الفلاّح كتب التوحيد للمتأخرين.
وبعد ذلك كتب شيخ الإســلام ابن تيمية وابن القِّيم.
وقال لهُ: أنــا أدلك على هذه الكتب إذا وصلت إلى قريتك ورأوك وفرحوا بنجاحك .. لا تتأخر ارجع رأساً إلى القاهرة .. فإذا وصلت القاهرة .. ادخل (دار الكتب المصرية) ستجد كل هذه الكتب التي ذكرتُها كلها فيها ..ولكنها مكدّسٌ عليها الغبار .. وأنا أريدك تنفض ما عليها من الغبار وتنشرها.
ثم إنني استوقفت الشيخ وسألتُهُ: كيــف عرف الفلاّح كل ذلك؟!
قال الشيخ حامد: لقد عرفَهُ من أُستاذِهِ (الرمال) .. هل تسمعون بـ (الرمال)؟
قلتُ لهُ: أنا لا أعرف (الرمَّال) هذا .. ما هي قصتُهُ؟
قال: (الرمَّال) كان يفتش عن كتب سلفه .. ولما وجد ما وجد منها .. بدأ بجمع العمال والكنّاسين .. وقام يُدرّس لهم .. وكان لا يُسمح لهُ أن يُدرسَ علانيــة .. وكان من جُملَتِهم هذا الفلاّح .. وهذا الفلاّح يصلح أن يكون إماماً من الأئمة .. ولكنهُ هناك في الفلاحة .. فمن الذي يصلح أن يتعلم؟!
ولكن ما زال الخيرُ موجوداً في كُلّ بلدٍ حتى تقوم الساعـة.
المرجع: المجموع للشيخ حماد الأنصـاري (1/294-297)
تصوفه :
لماذا أقسو على الصوفية؟!
هذه الأسطر القادمة ..
هي بيان من الشيخ موجز عن خلاصة ما وصل إليه عن الصوفية وتصوفهم..
الشيخ الذي كان يوماً من الأيام مع هؤلاء الضلال الجهال ..
نزع غشاوة الظلمة بنور الاتباع قامعاً ظلمات الابتداع ..
فهو هنا ناصحاً وموجهاً ومعلماً ومحذراً ..
وأيضاً فهو يبرر أن كان قد أحسوا منه شدة ..
فإنه قد عاش وضاق طعم المرارة ..
فأراد أن لا يذوقها غيره ..
فإلى كلماتهِ وتوجيهاته رحمه الله:
إن هذه الطرق الصوفية المنتشرة في الناس اليوم تروج الكفر والوثنية والدجل وتعمل جاهدة لتأليه الدجالين واعتصار دمــاء الجماهير لتتضخم جيوب شيوخها أولياء الشيطان وتنشر في الناس ظلمات الجاهلية الأولى وتحارب الله ورسوله و تهيئ الأمة الإسلامية بهذه الجاهلية العمياء وهذه التقاليد الخرافية وهذه الغباوة البهيمية لتكون لقمة سهلة الهضم للأعداء،هذه الطرق الصوفية هي المعول الذي هدم به اليهود والفرس صرح الإسلام،هذه الطرق الصوفية هي اليد الأثيمة التي مزقت رقعة الدولة الإسلامية،وشيوخ الطرق الصوفية هم الذين يمكنون المستعمرين في مراكش وتونس والجزائر والهند وفي السودان وفي مصر وفي كل مكان من البلاد الإسلامية وهم سماسرة المستعمر وخدمه المخلصون في خدمته إذلال المسلمين واستغلالهم.
ولقد كُنتُ واحداً منهم وعرفت دخائل أمورهم وخبايا زواياهم وسيء مكرهم وخبث قصدهم، فالحمد لله الذي أنقذني وهداني إلى الإسلام الحق الذي بعث الله به رسله ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، وإني بكيدهم وكفرهم ووثنيتهم أعرف، ولذلك أنا أشد حرباً عليهم ولا أزال حرباً عليهم ما بقي فيَّ عرق ينبض بالحياة مُستعيناً بربي وحده، متأسياً بالرسولِ الكريم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم صابراً على كل ما يكيد به أعــداء أنفسهم من حزبِ الشيطان، أعداء الرحمن مؤمناً بأن العاقبة للمتقين وأن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
مُقتطف من جُملة أحاديث للمُهتدي إلى مُعتقدِ أهل السنة والجماعة بعد تركه لضلالات المبتدعة أصحاب الطُرق الصوفية..

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا

قديم 07-08-2013, 03:37 AM
المشاركة 6
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
محمود شكري الألوسي
جمال الدين أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بهاء الدين بن أبي الثناء شهاب الدين محمود الحسيني الألوسي البغدادي رحمه الله ، من سادات آل البيت ، ولد في رمضان 1273هـ ، وجده صاحب التفسير الشهير ، وقد كان صوفياً فمنّ الله عليه بالهداية فاتبع السنة ، ونبذ البدعة [وسنذكر مراحل حياته لاحقاً] .. تأثر بمؤلفات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمـهما الله تأثراً بالغاً ، وإلى ذلك أشار كامل الرافعي بقوله: (لم أرَ أحداً يقدر مؤلفات ابن تيمية وابن القيم قدرهما مثلهما) أي محمود شكري وابن عمه علي الآلوسي.
جاهد في نشر الحق والرد على الباطل ، فشن غاراته على الخرافات المتأصلة في النفوس فكتب الرسائل وألف المؤلفات التي زعزعت أسس الباطل وأحدثت دوياً وإصلاحاً عظيماً .. وارتفع صوته كمصلح ديني يدوّي في المطالبة بتطهير الدين مما لحقه من أو ضار البدع.
وكعادة المصلحين والمجاهدين يبتليهم الله بخصومة المشركين وأهل البدع والحاسدين ، فذهبوا يُشنعون عليه ، ويرمونه بتهم شتى منها: أنه يبث فكرة الخروج على السلطان؟!! ويؤسس مذهباً يناصب كل الأديان؟!! وأن تأثيره سار بين الناس؟! فأغروا والي بغداد (عبد الوهاب باشا) … فصدر الأمر بنفي السيد محمود وابن عمه السيد ثابت نعمان الآلوسي والحاج حمد العسافي النجدي رحمهم الله إلى الأناضول.
فلما وصلوا للموصل قامت قائمة الموصليين لأن الذين أمر بنفيهم من أعلام العراق الكبار ، وأن في الموصل عدد كبير من العلماء وطلبة العلم السلفيين ، فطلبوا من السلطان الصفح .. فصدر العفو عنهم وعادوا بعد أن مكثوا شهرين في الموصل .. وعادوا منصورين ، فقام الشيخ عبد اللطيف بن ثنيان في صحيفته الرقيب بالانتصار للشيخ والرد على تلك الوشايات والافتراءات وأصدر مقالاً (الحمد لله عاد الحق لأهله)
وعاش رحمه الله تعالى ، ثلاثة مراحل في حياته.
المرحلة الأولى:
كان فيه صوفيـــاً خالصاً: وهذا الطور يبدأ من أول حياته إلى أن تجاوز الثلاثين من عمره.
وفي هذا يقول العلامة الأثري –رحمه الله- في كتابه ( أعلام العراق ص 91):
(( .. ولكن الشاب المتأثر بالعقيدة الخلفية ، والمتشبع بالروح الصوفيــة الموروثة له من أبيه وأستاذه الأول لم يستطع ملازمة عمه المستقل بعلمه وآرائه الضارب بالخزعبلات الصوفية والمذاهب التقليدية عرض الحائط ، فصرف التعصب بصره عن عمه)) .
المرحلة الثانيـة:
كان فيه ما زجاً بين الصوفية والعقيدة السلفية ، ولم يستمر هذا الطور معه طويلاً.
وفي هذا يقول العلامة الأثري:
(( لما بلغ الألوسي هذا الطور من حياته ، واتسعت آفاقه الذهنيـة والعلمية ؛ رأيناه يبدأ حالاً جديدة من أحوال التفكير والاجتهاد ، ويعيد النظر فيما تعاوره في أثناء الشباب من اختلاط العقائد والنزعات المذهبية المختلفة ... )) .
(محمود شكري الألوسي وآراؤه اللغوية ص76 ) .
المرحلة الثالثة:
وهو آخر ما استقر عليه المصنف رحمه الله ؛ وهو طور نبذ التصـــــوف ، والمجاهرة بدعوة التوحيـــد.
وفي هذا يقول العلامة الأثري:
(( ثم ما لبث الألوسي أن أصحر عن انحيازه في جرأة وقوة إلى الحركة السنية السلفية ، مع مقاومة الدولة العثمانيـة الصوفيــة لهذه الحركة الإصلاحيــة بكل قواها الرجعية ، واستعلن وقوفه إلى جانبها بكتابه (فتح المنان تتمة منهاج التأسيس رد صلح الإخوان) الذي فرغ من تأليفه في غرة ذي الحجة سنة 1306هـ وطبع بالهند سنة 1309هـ )) .
وقد توفي – رحمه الله تعالى- 4/10/1342هـ على إثر مرض ألمَّ به في أواخر شهر رمضان من العام نفسه ، نسأل الله أن يرفع منـزلته في عليين ..

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا

قديم 07-08-2013, 03:37 AM
المشاركة 7
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أبو الوفا علي بن محمد بن عقيل العقيلي الحنبلي

كان صوفياً وصاحباً للغزالي ((وقعت له قضايا منها ترداده إلى أبي الوليد وأبي البيان شيخي المعتزلة ، وكان يعظمهم ويترحم على الحلاج ، ثم بعد ذلك أظهر التوبة , وكتب بخطه: إن الحلاج قتل بإجماع آلاف علماء المسلمين ، وأصابوا في ذلك وأخطأ هو ، و إني أستغفر الله تعالى وأتوب إليه من مخالطة المعتزلة والمبتدعة)). (المقصد الأرشد: 2ـ245)
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ((في يوم الخميس حادي عشر المحرم حضر إلى الديوان أبو الوفا علي بن محمد بن عقيل العقيلي الحنبلي ، وقد كتب على نفسه كتابا ، يتضمن توبته من الاعتزال ، وأنه رجع عن اعتقاد كون الحلاج من أهل الحق والخير ، وأنه قد رجع عن الجزء الذي عمله في ذلك ، وأن الحلاج قد قتل بإجماع علماء أهل عصره على زندقته ، وأنهم كانوا مصيبين في قتله وما رموه به ، وهو مخطئ واشهد عليه جماعة من الكتاب ، ورجع من الديوان إلى دار الشريف أبي جعفر فسلم عليه وصالحه واعتذر إليه فعظمه)). (البداية والنهاية: 12ـ105)
وبعد أن خبر حال الصوفية قال: ((ما على الشريعة أضر من المتكلمين والمتصوفين , فهؤلاء (المتكلمون) يفسدون عقائد الناس بتوهمات شبهات العقول , وهؤلاء ـ المتصوفة ـ يفسدون الأعمال ، ويهدمون قوانين الأديان. فالذي يقول: حدثني قلبي عن ربي فقد استغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقد خبرت طريقة الفريقين فغاية هؤلاء ـ المتكلمين ـ الشك, وغاية هؤلاء ( المتصوفة ) الشطح)).
( تلبيس إبليس لابن الجوزي: 375 )
وقال رحمه الله: ((كفى الله شر هذه الطائفة الجامعة بين دهثمة في اللباس وطيبة في العيش وخداع بألفاظ معسولة ليس تحتها سوى إهمال التكليف وهجران الشرع ، ولذلك خفّوا على القلوب ، ولا دلالة على أنهم أرباب باطل أفضح من محبة طباع الدنيا لهم ؛ كمحبتهم أرباب اللهو والمغنيات)). (تلبيس إبليس لابن الجوزي: 374).
ونقل ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس في الباب العاشر قول ابن عقيل واصفاً الصوفية ورقصهم وغنائهم: ((إنما خدعكم الشيطان فصرتم عبيد شهواتكم ولم تقفوا حتى قلتم هذه الحقيقة وأنتم زنادقة في زي عباد شرهين في زي زهاد مشبهة تعتقدون أن الله عز وجل يُعشق ويُهام فيه ويؤلف ويؤنس به وبئس التوهم)).
وقال: ((والمتكلمون عندي خير من الصوفية لأن المتكلمين قد يزيلون الشك ، والصوفية يوهمون التشبيه)) ( المصدر السابق : 375 ) .
وقال: ((إنما هم زنادقة جمعوا بين مدارع العمال ، ومرقعات الصوف ... ولم تتجاسر الزنادقة أن ترفض الشريعة حتى جاءت المتصوفة فجاؤا بوضع أهل الخلاعة)) ( المصدر السابق : 374 )
وقال: ((والناس يقولون: إذا أحب الله خراب بيت تاجر عاشر الصوفية. قال: وأنا أقول: وخراب دينه لأن الصوفية قد أجازوا لبس النساء الخرقة من الرجال الأجانب ، فإذا حضروا السماع والطرب فربما جرى في خلال ذلك مغازلات واستخلاء بعض الأشخاص ببعض))
(المصدر السابق: 376 ).

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا

قديم 07-08-2013, 03:39 AM
المشاركة 8
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الدكتور أحمد حجازي السقا المصري

يقول الدكتور عن نفسه:
(( كنت ... ضد المذهب السلفي لدرجة أنني سخرت من الشيخ ابن تيمية في كتابي
(الله وصفاته في اليهودية والنصرانية والإسلام) .. وكنت ضد المذهب السلفي لأن جمهور المسلمين ضده ، الشيعة والمعتزلة والخوارج وطائفة من أهل السنة تلقب "بالخلف" تميزاً لها عن "السلف" كل هؤلاء ضد المذهب السلفي.
وذات ليلة كنت جالساً أتأمل في السمـاء وما فيها من عجائب فأدى ذلك التأمل إلى البحث في ذات الله وصفاته ، وهداني الله -عز وجل- إلى أن المذهب السلفي في ذات الله وصفاته هو الحق المبين ، وسوف إن شاء الله أُفرد بحثاً خاصاً في كتاب)
( الخوارج الحروريون ومقارنة مبادئهم بمبادئ الفرق الإسلاميـة ص77)
وبعد عودة الدكتور للحق أثبت شهادته الحقيقية لعلماء المملكة العربية السعودية فقال:
(( وأنا أشهد أن علمــاء الدين في المملكة العربية السعودية على تقوى من الله ورضوان .. أنهم يخشون الله ويعملون على إرضائه دائماً ويراقبونه في السر و العلانية ))
ثم يبكي ويرثي حال العلماء في أقطار العالم فيقول:
(( وليت علماء الدين في العالم كعلماء الدين في السعودية ، إذاً تصلح الحياة الدنيا ))
( الخوارج الحروريون ومقارنة مبادئهم بمبادئ الفرق الإسلاميـة ص81)

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا

قديم 07-08-2013, 03:39 AM
المشاركة 9
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الدكتور الشيخ تقي الدين الهلالي *



يقول الدكتور الهلالي عن نفسه: (( نشأت في بلاد سجلمانة، وحفظت القرآن وأنا ابن اثنتي عشرة سنة، ورأيت أهل بلادنا مولعين بطرائق المتصوفة لا تكاد تجد واحداً منهم لا عالماً ولا جاهلاً إلا وقد انخرط في سلك إحدى الطرق، وتعلق بشيخها تعلق الهائم الوامق، يستغيث به في الشدائد ويستنجد به في المصائب، ويلهج دائماً بشكره والثناء عليه فإن وجد نعمة شكره عليها، وإن أصابته مصيبة اتهم نفسه بالتقصير في محبة شيخه والتمسك بطريقته، ولا يخطر بباله أن شيخه يعجز عن شيء في السماوات ولا في الأرض فهو على كل شيء قدير، وسمعت الناس يقولون: من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه. وينشدون قول ابن عاشور في أرجوزته التي نظمها في عقيدة الأشعرية، وفي فروع المالكية، وفي مبادئ التصوف:

يصحب شيخاً عارف المسالك يقيه في طريقه المهالك

يذكره الله إذا رآه ويوصل العبد إلى مولاه

ورأيت الطرق المنتشرة في بلادنا قسمين:

1- قسم ينتمي إليه العلماء وعلية القوم.

2- وقسم ينتمي إليه السوقة وعامة الناس.

فمالت نفسي إلى القسم الأول، وسمعت أبي وهو من علماء بلدنا مراراً يقول: لولا أن الطريقة التجانية تمنع صاحبها من زيارة قبور الأولياء والاستمداد منهم وطلب الحاجات إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، وإلا قبر الشيخ التجاني، وقبور من ينتمي إلى طريقته من الأولياء، قال أبي: لولا ذلك لأخذت ورد الطريقة التجانية، لأني لا أستطيع أن أترك زيارة جدنا عبد القادر بن هلال، وجدنا كان مشهوراً بالصلاح وله قبر يزار وهو معدود من جملة الأولياء في ناحية الغرفة من القسم الشرقي الجنوبي في بلاد المغرب.

والطريقة التجانية، والدرقاوية، والكتانية، وإن كان أهلها في بلادنا قليلاً، تؤلف القسم الأول، فاشتاقت نفسي إلى أخذ ورد الطريقة التجانية وأنا قد ناهزت البلوغ فذهبت إلى المقدم وقلت له: يا سيدي أريد منك أن تعطيني ورد الطريقة التجانية، ففرح كثيراً، وقال لي: تأخذ الورد على صغر سنك؟ قلت: نعم، فقال: بخ بخ أفلحت ونجحت، فأعطاني الورد وهو:

ذكر لا إله إلا الله ، مائة مرة، والاستغفار مائة مرة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأي صيغة مائة مرة، لكن صيغة الفاتح لما أغلق هي أفضل الصيغ، وسيأتي إن شاء الله ذكر فضلها ( الفضل المزعوم عندهم ) في هذا الكـتاب بعون الله وتوفـيقه، وأعطاني كذلك الوظيـفة وهي ( أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ثلاثين مرة) وصلاة الفاتح لما أغلق خمسين مرة، ولا إله إلا الله مائة مرة، وجوهرة الكمال وهي: اللهم صل وسلم على عين الرحمة الربانية.. الخ، وسيأتي ذكر ألفاظها اثنتي عشر مرة، وهذه الصلاة لا تذكر إلا بطهارة مائية، فمن كان فرضه التيمم فعليه أن يذكر بدلها صلاة الفاتح عشرين مرة، قال: وإنما اشترطت الطهارة المائية على ذاكرها لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين يحضرون مجلس كل من يذكرها ولا يزالون معه ما دام يذكرها.

ويجب ذكر الورد مرة في الصباح ومرة في المساء بطهارة تامة كما يشترط في الصلاة، ويكون الذاكر جالساً كجلسة التشهد على الأفضل مغمضاً عينيه مستحضراً صورة الشيخ أحمد التجاني وهو رجل أبيض مشرب بحمرة ذو لحية بيضاء، ويتصور في قلبه أن عموداً من النور يخرج من قلب الشيخ ويدخل في قلب المريد.

أما الوظيفة فيجب أن تذكر جماعة بصوت واحد، إن كان للمريد إخوان في بلده، فإن لم يكن له إخوان تجانيون في بلاده جاز له أن يذكرها وحده مرة في كل يوم.

وأخبرني المقدم الشيخ عبد الكريم المنصوري ببعض فضائل هذا الورد وسأذكرها فيما بعد إن شاء الله واستمررت على ذكر الورد والوظيفة بإخلاص ملتزماً الشروط مدة تسع سنين، وهناك ذكر آخر يكون يوم الجمعة متصلاً بغروب الشمس وهو: لا إله إلا الله ألف مرة، والأفضل أن يكون معه سماع قبله أو بعده، وهو إنشاد شيء من الشعر بالغناء والترنم جماعة ثم يقولون جميعاً: الله حي، والمنشد ينشدهم وهم قيام حتى يخلص عند تواجدهم إلى لفظ آه، آه، آه، ويسمون هذه الحالة العمارة، وقد تركوها منذ زمان طويل لأن أبناء الشيخ التجاني لا يستعملون هذه العمارة، وهم يأتون من الجزائر إلى المغرب وقد أشاروا على المغاربة أن يتركوا العمارة لأنهم لا يستحسنونها، ولكن في كتب الطريقة أنها فعلت أمام الشيخ أحمد التجاني وبرضاه وإقراره.

وكنت كلما أصابتني مصيبة أستغيث بالشيخ فلا يغيثني، فمن ذلك أني كنت في الجزائر مسافراً من ناحية (بركنت) بقرب حدود المغرب إلى (المشرية)، وكان لي رفيق له جمل فعقله وأوصاني بحراسته وتركني في خيمة وكنا فيها من خيام أهل البادية، فانحل عقال الجمل وانطلق في البرية فتبعته فأخذ يستهزئ بي، وذلك أنه يبقى واقفاً إلى أن أكاد أضع يدي على عنقه ثم يجفل مرة واحدة ويجري مسافة طويلة ثم يقف ينتظرني إلى أن أكاد أقبضه ثم يهرب مرة أخرى وذلك في نحر الظهيرة وشدة الحر، فقلت في نفسي: هذا وقت الاستغاثة بالشيخ فتضرعت إليه وبالغت في الاستغاثة أن يمكنني في قبض الجمل و إناخته فلم يستجب، فعدت على نفسي باللوم واتهمتها بعدم الإخلاص والتقصير في خدمة الطريقة ولم أتهم الشيخ البتة بعجز عن قضاء حاجتي، ومع أن شيوخ الطريقة يوصون المريد أن لا يطالع شيئاً من كتب التصوف إلا كتب الطريقة التجانية وقع في يدي مجلد من كتاب (الإحياء) للغزالي فطالعته فأثر في نفسي واجتهدت في العبادة والتزمت قيام الليل في شدة البرد، فبينما أنا ذات ليلة أصلي قيام الليل أمام خيمتي الصغيرة التي كنت جالساً فيها يكاد رأسي يمس سقفها إذ رأيت غماماً أبيض سد الأفق كالجبل المرتفع من الأرض إلى السماء وأخذ ذلك الغمام يدنو مني آتياً من جهة الشرق -وهي قبلة المصلي في المغرب والجزائر- حتى وقف بعيداً مني وخرج منه شخص وتقدم حتى قرب مني ثم شرع يصلي بصلاتي مؤتماً بي، وثيابه تشبه ثياب جارية بنت خمس عشرة سنة، ولم أستطع أن أميز وجهه بسبب الظلام.

ولما شرع يصلي معي كنت أقرأ في سورة ألم السجدة ففزعت وخفت خوفاً شديداً، فخرجت منها إلى سورة أخرى أظنها سورة سبأ، ولم أستطع قراءة القرآن مع شدة حفظي له بسبب الرعب الذي أصابني، فتركت السور الطوال وأخذت أقرأ بالسور القصار التي لا تحتاج قراءاتها إلى رباطة جأش واستحضار فكر. فصلى معي ست ركعات، ولم أرد أن أكلمه، لأن كتب الطريقة توصي المريد أن لا يشتغل بشيء مما يعرض له في سلوكه حتى يصل إلى الله، وتنكشف له الحجب فيشاهد العرش والفرش، ولا يبقى شيء من المغيبات خافياً عليه، ولما طال علي زمان الاضطراب دعوت الله في سجود الركعة السادسة فقلت: يا رب إن كان في كلام هذا الشخص خير فاجعله هو يكلمني، وإن لم يكن في كلامه خير فاصرفه عني، فلما سلمت من التشهد بعد الركعة السادسة سلم هو أيضاً، ولم أسمع له صوتاً ولكني رأيته التفت عند السلام إلى جهة اليمين كما يفعل المصلي المنفرد على مذهب المالكية، فإنه يسلم مرة واحدة عن يمينه، السلام عليكم دون أن يضيف إليها رحمة الله وبركاته، وإن كان مؤتماً بإمام يسلم ثلاث تسليمات إن كان بيساره مصل تسليمة عن يمينه وهي تسليمة التحليل وتسليمة أمامه للإمام، وتسليمة ثالثة عن شماله للمصلي الذي يجلس عن شماله وقد ثبت في الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الحافظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهذا هو الذي ينبغي لكل مصل أن يعتمد عليه سواء أكان إماماً أو مأموماً أو منفرداً.

وبعد السلام انصرف ومشى على مهل حتى دخل في الغمام الأبيض الذي كان قائماً في مكانه الذي كان ينتظره، وبعد دخوله في الغمام فوراً أخذ الغمام يتقهقر إلى جهة الشرق حتى اختفى عن بصري وكان في قبيلة (حميان) شيخ شنقيطي صالح ما رأيت مثله في الزهد والورع ومكارم الأخلاق وسأذكره فيما بعد، فسافرت إليه وحكيت له تلك الحادثة فقال لي: يمكن أن يكون ذلك شيطاناً لو كان ملكاً ما أصابك فزع ولا رعب، فظهر لي أن رأيه صواب.

وبعد ذلك بزمن طويل أخذت أدرس علم الحديث، فرأيت كتاب (صحيح البخاري) ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه جبريل وهو في غار حراء، فظهر لي أن رأي ذلك الشيخ رحمه الله غير صحيح وبقيت المشكلة بلا حل إلى الآن وكنت حينئذ مشركاً أستغيث بغير الله وأخاف غير الله. ومن هذا تعلم أن ظهور الخوارق وما في عالم الغيب ليس دليلاً على صلاح من ظهرت له تلك الخوارق ولا على ولايته لله ألبتة فإن كل مرتاض رياضة روحية تظهر له الخوارق على أي دين كان وقد سمعنا وقرأنا أن العباد الوثنيين من أهل الهند تقع لهم خوارق عظام.

وبعد ذلك بأيام رأيت في المنام رجلاً نبهني وأشار إلى الأفق فقال لي: انظر فرأيت ثلاثة رجال فقال لي إن الأوسط منهم هو النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت إليه فلما وصلت إليه انصرف الرجلان اللذان كانا معه فأخذت يده وقلت يا رسول الله خذ بيدي إلى الله فقال لي اقرأ العلم ففكرت وعلمت أني في بلاد الجزائر وكان الفرنسيون مسؤولين عليها وكان فقهاء بلدنا يكفرون كل من سافر إلى الجزائر وإذا رجع من سفره يأمرونه بالاغتسال والدخول في الإسلام من جديد ويعقدون له عقداً جديداً على زوجته فقلت في نفسي هذا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني بطلب العلم، وأنا في بلاد يحكمها النصارى، فإما أن أكون عاصياً أو كافراً فكيف يجوز لي أن أطلب فيها العلم. هذا كله وقع في لحظة وأنا لا أزال واقفاً أمام النبي صلى الله عليه وسلم فقلت في بلاد المسلمين أم في بلاد النصارى، فقال لي البلاد كلها لله، فقلت يا رسول الله ادع الله أن يختم لي بالإيمان فرفع إصبعه السبابة إلى السماء وقال لي عند الله.

وبعدما خرجت من الطريقة التجانية على أثر المناظرة التي سأذكرها فيما بعد إن شاء الله بزمان رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى في المنام على صورة تخالف الصورة التي رأيته عليها في المرة المذكورة، ففي الأولى كان طويلاً أبيض نحيفاً مشرباً بحمرة، لحيته بيضاء، أما في هذه المرة فكان ربعة من الرجال إلى الطول أقرب ولم يكن نحيفاً، ولحيته سوداء، وبياض وجهه وحمرته أقرب إلى ألوان العرب من المرة الأولى، وكانت رؤيتي له في فلاة من الأرض وكنت بعدما خرجت من الطريقة التجانية توسوس نفسي أحياناً بما في كتاب جواهر المعاني مما ينسب إلى الشيخ التجاني أنه قال: (من ترك ورده وأخذ وردنا وتمسك بطريقتنا هذه الأحمدية المحمدية الإبراهيمية الحنفية التجانية فلا خوف عليه من الله ولا من رسوله ولا من شيخه أياً كان من الأحياء أو من الأموات أما من أخذ وردنا وتركه فإنه يحل به البلاء وأخرى ولا يموت إلا كافراً قطعاً وبذلك أخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم يقظة ومناماً) وقال لي سيد الوجود صـلى الله عليه وسلم : فقراؤك فقرائي وتلاميذك تلاميذي وأنا مربيهم. وسيأتي من هذه الأخبار وأمثالها إن شاء الله كثير في ذكر فضائل الأوراد والأصحاب فكنت أدفع هذا الوسواس بأدلة الكتاب والسنة، وأرجم شيطانه بأحجارها فيخنس ثم يخسأ ويدبر فأراً منهزماً فلما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المرة خطر ببالي ذلك فعزمت على أن أبدأ الكلام مع النبي صلى الله عليه وسلم بأن أسأله أن يدعو الله لي أن يختم لي بالإيمان، وأظن القارئ لم ينس أني سألته في المرة الأولى فلم يدع لي ولكنه رفع إصبعه السبابة إلى السماء وقال عند الله، فقلت يا رسول الله، ادع الله أن يختم لي بالإيمان، فقال لي ادع أنت وأنا أؤمن على دعائك، فرفعت يدي وقلت اللهم اختم لي بالإيمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم آمين وكان رافعاً يديه فزال عني ذلك الوسواس ولكني لم آمن مكر الله تعالى فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، والرؤيا تبشر ولا تغر، وبين هذه الرؤيا التي دعا لي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختم الله لي بالإيمان بتأمينه على دعائي والرؤيا التي قدمت ذكرها ولم يدع لي فيها، عشرون سنة، وتأولت اختلاف الصورة وعدم الدعاء في الرؤيا الأولى والدعاء في الرؤيا الثانية بما كنت عليه من الشرك في العبادة وبما صرت إليه من توحيد الله تعالى و اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم.




سبب خروجي من الطريقة التجانية:

لقد كنت في غمرة عظيمة، وضلال مبين، وكنت أرى خروجي من الطريقة التجانية كالخروج من الإسلام. ولم يكن يخطر لي ببال أن أتزحزح عنها قيد شعرة، وكان الشيخ عبد الحي الكتاني عدواً للطريقة التجانية لأنه كان شيخاً رسمياً للطريقة الكتانية، وإنما قلت رسمياً لأن أهل (سلا) أعني الكتانيين أنصار الشيخ محمد بن عبدالكبير الكتاني، مؤسس الطريقة الكتانية، لا يعترفون به أي بالشيخ عبد الحي ويقولون إن الاستعمار الفرنسي هو الذي فرضه على الكتانيين فرضاً، والذي حدثني بذلك هو العالم الأديب النبيل الشيخ عبد الله بن سعيد السلوي فإنه كان حامل لواء نصرة الشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني، وكان يعادي أخاه عبد الحي عداوة شديدة ويرميه بالعظائم والكبائر التي لا يسوغ ذكرها هنا والاستطراد بذكر أسباب العداوة بين الشيخين الكتانيين الأخوين يخرج بنا عن الموضوع، أقول مر بنا الشيخ عبد الحي في (وجدة) وأنا عند العالم الأديب الشاعر المتفنن في علوم كثيرة الشيخ أحمد سكيرج، قاضي القضاة بناحية (وجدة)، معلماً لولده الأديب السيد عبدالكريم وابن أخيه السيد عبدالسلام، كنت أعلمهما الأدب العربي بدعوة من الشيخ أحمد سكيرج، فمدحت عبدالحي بقصيدة ضاعت مني ولا أذكر شيئاً منها، ولكنه أعجب بها أيما إعجاب، حتى قال لي عاهدني أنك إذا قدمت (فاساً) تنزل عندي ضيفاً فعاهدته على ذلك. ففي ربيع الأول من سنة أربعين من هذا القرن الهجري سافرت إلى فاس ونزلت عنده. وولد له في تلك الأيام سماه عبد الأحد فالتمس مني نظم أبيات في التهنئة وتاريخ مولده فنظمتها ولا أذكر منها شيئاً، وفي اليوم السابع من مولده عمل مأدبة عظيمة دعا لها خلقاً كثيراً وبعد ما أكلوا وشربوا قاموا (للعمارة) (ذكر بالرقص والتمايل) التي تقدم ذكرها ودعوني أشاركهم في باطلهم فامتنعت لأن من شروط التجاني المخلص أن لا يذكر مع طريقة أخرى ذكرهم وأن لا يرقص معهم. وفي كتاب البغية للشيخ العربي ابن السايح وهو شرح المنية للتجاني ابن بابا الشنقيطي حكاية في وعيد شديد لمن يشارك أصحاب الطرائق الأخرى في أورادهم وأذكارهم وحاصلها أن شخصاً تجانياً ذهب إلى زاوية طريقة أخرى لغرض دنيوي فاستحى أن يبقى منفرداً عنه وهم يذكرون وظيفتهم فشاركهم في الذكر فلما فتح فاه ليذكر معهم أصابه الشلل في فكيه فبقي فاه مفغوراً ولم يستطع سده حتى مات. ولكن الجماعة ألحوا علي وجروني جراً حتى أوقفوني في حلقتهم فرأيت أفواهاً مفغورة من وجوه بعضها فيه لحية سوداء، وبعضها فيه لحية خطها الشيب، وبعضها أمرد ليس له لحية من الغلمان الذين لم يلتحوا بعد، أما حلق اللحى فلم يكن موجوداً في ذلك الزمن إلا عند الفرنسيين المستعمرين وقليل جداً من حواشيهم وسمعت أصواتاً تـنبعث من تلـك الأفواه ليس لها معنى في أي لغة بعضها ( آآآ ) وبعضها ( آه آه آه ) وبعضها ( أحن أح أح ) فاستنكرت تلك الهيئة وقلت في نفسي إن الله لا يرضى بهذه الحالة أن تكون عبادة له لبشاعتها ثم ندمت على ذلك ندامة الكسعي أو الفرزدق حين طلق نوار فقال:

ندمت ندامة الكسعي لما غـدت مني مطلقة نوار

وكانت جنتي فخرجت منها كآدم حين أخرجه الضرار

وقلت في نفسي كيف يسوغ لي أن أنكر شيئاً حضر مثله خاتم الأولياء القطب سيدي أحمد التجاني فتبت من ذلك الخاطر ولكن جاءني امتحان آخر وذلك أن الشيخ عبد الحي الكتاني قال لي منتقداً: إن الطريقة التجانية مبنية على شفا جرف، وأنه لا ينبغي لعاقل أن يتمسك بها فقلت له: (والطريقة الكتانية التي أنت شيخها)؟ فقال لي كل الطرائق باطلة، وإنما هي صناعة للاحتيال على أكل أموال الناس بالباطل وتسخيرهم واستعبادهم، فقلت إذن أنت تستحل أموال الناس بالباطل وتسخرهم وتستعبدهم، قال: أنا لم أؤسس الطريقة وإنما أسسها غيري، وهذه الأموال التي آخذها منهم أنفقتها في مصالح لا ينفقونها هم فيها. ثم قلت له: ومن الذي حملك على الطعن في الطرائق وما دليلك على بطلانها؟ قال لي: ادعاء كل من الشيخين أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر بذاته وظيفة أصحابه حين يذكرونها وهذه قلة حياء منهما، وعدم تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم كيف تكلفونه أن يخرج من قبره ويقطع هذه المسافات من البر والبحر ليجلس أمامكم فأنتم تبسطون له ثوباً أبيض ليجلس عليه وأصحابنا يقومون ويذهبون إلى الباب ليتلقوه، فقلت: إذاً أنت لا تعتقد صحة طريقك؟ فقال: لا أعتقدها أبداً وقد أخبرتك أنها صناعة لأكل أموال الناس بالباطل. و أزيدك على ذلك اعتماد طريقتكم على كتاب (جواهر المعاني) الذي تزعمون أن شيخكم أحمد التجاني أملاه على علي حرازم نصفه مسروق، فأحد المجلدين وهو الأول مسروق بالحرف وهو تأليف لمحمد عبد الله المدفون بكذا وكذا بفاس، و سمى ناحية نسيتها الآن، قال وأنا قابلت الكتابين من أولهما إلى آخرهما فوجدت المجلد الأول من (جواهر المعاني) مسروقاً كله من كلام الشيخ المذكور ففارقته. وبعد أيام كنت جالساً عند الشيخ عمر بن الخياط بائع الكتب بقرب القرويين فقال لي: هل اجتمعت بالأستاذ الشيخ محمد بن العربي العلوي، فقلت :لا، فقال لي: هذا الرجل من أفضل علماء فاس وعنده خزانة كتب لا يوجد مثلها في فاس وأثنى عليه بالعلم والأدب فقلت له أنا لا أجالس هذا الرجل ولا أجتمع به لأنه يبغض الشيخ أحمد التجاني ويطعن في طريقته فقال لي: إن طالب العلم يجب أن يتسع فكره وخلقه لمجالسة جميع الناس وبذلك يتسع علمه وأدبه ولا يجب عليه أن يقلدهم في كل ما يدعون، يأخذ ما صفا ويدع ما كدر، وإن لم تجتمع بهذا الرجل يفوتك علم وأدب كثير فذهبت إليه لأجتمع به، وكان قاضياً في محكمة فاس الجديدة فنظمت أربعة أبيات لا أحفظ منها إلا شطر البيت الرابع وهو (وهذا مدى قصدي وما أنا مستجد).. أعني أن غرضي بالاجتماع بك المذاكرة العلمية فهي غاية قصدي وإن اعتبرنا ما موصولة يكون المعنى والذي أستجديه أي أطلبه وإن اعتبرناها نافية تميمية يكون المعنى ولست مستجدياً أي طالباً مالاً، فلما خرج من المحكمة وأراد أن يركب بغلته التي كانت على باب المحكمة ولجامها بيد خادمه تقدمت إليه وأعطيته الصحيفة التي فيها الأبيات فلما قرأها رحب بي، وقال لطالب كان يرافقني وهو الحاج محمد بن الشيخ الأراري: أنت تعرف بيتنا، فقال: نعم، قال: فأتى به على الساعة التاسعة صباحاً، فخرجت مع الرفيق المذكور من مدرسة الشراطين، وكان يسكن فيها على الساعة الثامنة والنصف، لنصل إلى الشيخ على الساعة التاسعة، وكان ذلك اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، وهو عيد عند المغاربة وكثير من البلدان الإسلامية وفي المغرب طائفة يسمون (العيساويين) أتباع الشيخ بن عيسى المكناسي، وهؤلاء لهم موسم في كل سنة يجتمعون فيه في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول ويأتون من جميع أنحاء المغرب، فيضربون طبولهم ومزاميرهم، ويترنمون بأناشيدهم إلى أن يظهر للناس أنهم أصيبوا بالجنون وحينئذ يفترسون الغنم والدجاج بدون زكاة بل يقطعونه بأظافرهم ويأكلون لحمه نيئاً والدم يسيل منه وقد ملأوا أزقة فاس وهي ضيقة في ذلك الزمن، وحتى في هذا الزمن، فلم نستطع أن نصل إلى بيت الشيخ إلا بعد مضي ساعتين ونصف من شدة الزحام فلما وصلنا وأخبرنا بوابه ذهب ثم رجع إلينا وقال: إنكما لم تجيئا في الموعد المضروب والشيخ مشغول عنده حكام فرنسيون فارجعا إليه بعد صلاة العصر فرجعنا وقلت لصاحبي: لا نرجع إليه فقد كفانا الله شر لقائه لأنه مبغض لشيخنا وطريقته فالخير في ما اختاره الله تعالى. فقال لي ليس الشيخ بملوم وقد اعتذر بعذر قائم والصواب أن نرجع إليه، فرجعنا إليه بعد العصر، ووجدت عنده من الترحيب والبشاشة والإكرام والتواضع ما لم أجده عند الشيخ الكتاني ولا عند أحد من علماء فاس.

وأخذنا في أحاديث أدبية وكان يقوم ويأتي بالكتب ويضعها أمامي. ووجدته كما قال السيد عمر بن الخياط. ولما كادت الشمس تغرب استأذنته في الانصراف فقال لي: أين تذهب، أنت غريب في هذا البلد وهذا المكان معد للضيوف لا نحتاج إليه فامكث، وبت هنا؛ وقبلت دعوته، وبعد أن صلينا المغرب جاء أصحابه، أذكر منهم الشيخ عبدالسلام الصرغيني، والشيخ المهدي العلوي، وهو لا يزال في قيد الحياة؛ أما الأول فقد مات فأخذ بعضهم يلعب الشطرنج وهو يراهم ولا ينكر عليهم فقلت في نفسي هذا دليل على أنه من العلماء الذين لا يعملون بعلمهم فهو جدير أن ينكر على أولياء الله ما خصهم الله به من كرامة. ثم تركوا الشطرنج وأخذوا ينتقدون الطريق الكتانية ويستهزئون بها ويسخرون من أهلها وكل منهم يحكي حكاية. فقال الشيخ عندي حكاية هي أعجب وأغرب مما عندكم؛ جاءني شاب كان متمسكاً بالطريقة الكتانية تمسكاً عظيماً فقال لي: أريد أن أتوب على يدك من الطرائق كلها وتعلمني التمسك بالكتاب والسنة، فقلت له: وما الذي دعاك إلى الخروج من طريقتك التي كنت مغتبطاً بها. فقال لي: إنه أمس شرب الخمر وزنا وترك صلاة العصر والمغرب والعشاء فمر بالزاوية الكتانية وسمع المريدين يرقصون ويصيحون بأصوات عالية والمنشد ينشدهم، وكانت بقية سكر لا تزال مسيطرة عليه، فهم أن يدخل الزاوية، ويرقص معهم، ولكنه أحجم عن ذلك لأنه جنب ولم يصل شيئاً من الصلوات في ذلك النهار، إلا أن سكره غلب على عقله فدخل الزاوية ووجد الشيخ محمد بن عبد الكبير في صدر الحلقة، والمريدون يرقصون فاشتغل معهم في الرقص، وكان أنشطهم فلما فرغوا من رقصهم دعاه الشيخ وقبله في فمه وقال (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قبلك فاقتديت به)! قال ولما دعاني خفت خوفاً شديداً وظننت أنه انكشف له حالي وهو يريد أن يوبخني على ذنوبي فلما قال لي أيقنت أنه كاذب في كل ما يدعيه ويدعو إليه و إلا كيف يرضى عني النبي صلى الله عليه وسلم ويقبلني في فمي مع تلك الكبائر التي ارتكبتها في ذلك اليوم. قال: فهذا سبب مجيئي إليك لأتوب إلى الله من الطرائق كلها وأتبع طريقة الكتاب والسنة.

ولما رأيتهم أنا يعيبون الطريقة الكتانية ويستهزئون بها أصابني خوف شديد وندمت على زيارتي للشيخ فقلت لنفسي هذا الذي كنت أخافه وقد وقعت فيه فكيف الخلاص؟

وذكرت قول التجاني ابن بابا في منيته:

ومن يجالس مبغض الشيخ هلك وضل في مهامة وفي حلك

وشدد النـهى لـنا الرسـول في ذاك فلتعـمل بما أقول

والشيخ قال هو سم يسري يحل من فعله في خسـر

ومعنى ذلك أن الشيخ أحمد التجاني قال: قال لي سيد الوجود صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً قل لأصحابك لا يجالسوا المبغضين لك فإن ذلك يؤذيني فصممت على أن أخرج من ذلك المجلس. فقمت فقال لي الشيخ إلى أين؟ فقلت: إلى بيت الخلاء، كذبت عليه، فلما وصلت إلى الباب منعني البواب من الخروج، وقال لي: وهل أذن لك الشيخ في الخروج، فقلت: نعم، فقال لي: هذا محال لأنك غريب والقانون الفرنسي يقضي بأن التجول بعد الساعة العاشرة ليلاً فيه خطر، فإنك لا تمشي خطوات حتى يقبضوا عليك وتؤخذ إلى السجن، وتبقى فيه إلى ضحى الغد وحينئذ ينظر في إطلاق سراحك. وقال لي: أنا لا أفتح لك الباب إلا إذا سمعت الإذن من الشيخ، فقلت له: إذا أرجع. ورجعت وجلست في مكاني، ولم تخفى حالي عن الشيخ فقال لي أراك منقبضاً؛ فما سبب انقباضك؟ فقلت سببه أنكم انتقلت من الطعن في الطريقة الكتانية إلى الطريقة التجانية، وأنا تجاني لا يجوز لي أن أجلس في مجلس أسمع فيه طعن في شيخي وطريقته. فقال لي: لا بأس عليك، أنا أيضاً كنت تجانياً وخرجت من الطريقة التجانية لما ظهر لي بطلانها، فإن كنت تريد أن تتمسك بهذه الطريقة على جهل وتقليد فلك علي ألا تسمع بعد الآن في مجلس انتقاداً لها أو طعناً فيها. وإن كنت تريد أن تسلك مسلك أهل العلم فهلم إلى المناظرة، فإن ظهرت علي رجعت إلى الطريقة، وإن ظهرت عليك خرجت منها كما فعلت أنا. فأخذتني النخوة ولم أرض أن أعترف أني أتمسك بها على جهل فقلت قبلت المناظرة.



مناظرة حول ادعاء الشيخ التجاني في أنه رأى النبي في اليقظة:

قال الشيخ أريد أن أناظرك في مسألة واحدة إن ثبتت ثبتت الطريقة كلها، وإن بطلت بطلت الطريقة كلها، قلت ما هي؟ قال: ادعاء التجاني أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً، وأعطاه هذه الطريقة بما فيها من الفضائل فإن ثبتت رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم يقظة وأخذه منه الطريقة فأنت على حق وأنا على باطل والرجوع إلى الحق، وإن بطل ادعاؤه فأنا على حق وأنت على باطل فيجب عليك أن تترك وتتمسك بالحق. ثم قال: تبدأ أنت أو أبدأ أنا؟ فقلت: ابدأ أنت، فقال: عندي أدلة كل واحد منها كاف في إبطال دعوى التجاني. قلت: هات ما عندك وعلي الجواب، فقال:

الأول: إن أول خلاف وقع بين الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كان بسبب الخلافة؛ قالت الأنصار للمهاجرين منا أمير ومنكم أمير، وقال المهاجرون: إن العرب لا تذعن إلا لهذا الحي من قريش. ووقع نزاع شديد بين الفريقين حتى شغلهم عن دفن النبي صلى الله عليه وسلم فبقي ثلاثة أيام بلا دفن صلاة الله وسلامه عليه فكيف لم يظهر لأصحابه ويفصل النزاع بينهم ويقول الخليفة فلان فينهي النزاع؟ كيف يترك هذا الأمر العظيم لو كان يكلم أحداً يقظة بعد موته لكلم أصحابه وأصبح بينهم، وذلك أهم من ظهوره للشيخ التجاني بعد ألف ومائتي سنة، ولماذا ظهر؟ ليقول له أنت من الآمنين، ومن أحبك من الآمنين، ومن أخذ وردك يدخل الجنة بلا حساب ولا عقاب هو ووالده وأزواجه لا الحفدة، فكيف يترك النبي صلى الله عليه وسلم الظهور يقظة والكلام لأفضل الناس بعده في أهم الأمور ويظهر لرجل لا يساويهم في الفضل ولا يقاربهم لأمر غير مهم فقلت له:

إن الشيخ رضي الله عنه قد أجاب عن هذا الاعتراض في حياته فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلقى الخاص للخاص والعام للعام في حياته، أما بعد وفاته فقد انقطع إلقاء العام للعام وبقي إلقاء الخاص للخاص لم ينقطع بوفاته وهذا الذي ألقاه إلى شيخنا من إعطاء الورد والفضائل هو من الخاص للخاص. فقال: أنا لا أسلم في أن الشريعة خاصاً وعاماً لأن أحكام الشرع خمسة وهذا الورد وفضائله إن كان من الدين فلا بد أن يدخل في الأحكام الخمسة لأنه عمل أعد الله لعامله ثواباً؛ فهو إما واجب أو مستحب ولم ينتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى حتى بين لأمته جميع الواجبات والمستحبات. وفي صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب أنه قيل له هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم معشر أهل البيت بشيء فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء إلا فهماً يعطاه الرجل في كتاب الله، و إلا ما في هذه الصحيفة ففتحوها فإذا فيها العقل وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر فكيف لا يخص النبي صلى الله عليه وسلم أهل بيته وخلفاءه بشيء ثم يخص رجلاً في آخر الزمان بما يتنافى مع أحكام الكتاب والسنة. فقلت: إن الشيخ عالم بالكتاب والسنة وفي جوابه مقنع لمن أراد أن يقنع. قال احفظ هذا.

الثاني: اختلاف أبي بكر مع فاطمة الزهراء رضي الله عنهما على الميراث فلا يخفى أن فاطمة طلبت من أبي بكر الصديق رضي الله عنه حقها من ميراث أبيها واحتجت عليه بأن إذا مات هو يرثه أبناؤه، فلماذا يمنعها من ميراث أبيها، فأجابها أبو بكر الصديق بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة. وقد حضر ذلك جماعة من الصحابة فبقيت فاطمة الزهراء مغاضبة لأبي بكر حتى ماتت بعد ستة أشهر بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم. فهذا حبيبان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه قال: فاطمة بضعة مني يسؤني ما ساءها، أو كما قال عليه الصلاة والسلام وصرح بأن أبا بكر الصديق أحب الناس إليه، وقال ما أحد أمنّ علي في نفس ولا مال من أبي بكر الصديق /رواه البخاري/. وهذه المغاضبة التي وقعت بين أبي بكر وفاطمة، تسوء النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان يظهر لأحد بعد وفاته لغرض من الأغراض لظهر لأبي بكر الصديق وقال له: إني رجعت عما قلته في حياتي فأعطها حقها من الميراث، أو لظهر لفاطمة وقال لها يا ابنتي لا تغضبي على أبي بكر فإنه لم يفعل إلا ما أمرته به فقلت له: ليس عندي من الجواب إلا ما سمعت قال احفظ هذا.

الثالث: الذي وقع بين طلحة والزبير وعائشة من جهة، وعلي بين أبي طالب من جهة أخرى واشتد النزاع بينهما حتى وقعت حرب الجمل، في البصرة فقتل فيها خلق كثير من الصحابة والتابعين وعقر جمل عائشة فكيف يهون على النبي صلى الله عليه وسلم سفك هذه الدماء ووقوع هذا الشر بين المسلمين بل بين أخص الناس به، وهو يستطيع أن يحقن هذه الدماء بكلمة واحدة، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى في آخر سورة التوبة برأفته ورحمته بالمؤمنين وأنه يشق عليه كل ما يصيبهم من العنت، وذلك في قوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} فقلت له ليس عندي من الجواب إلا ما سمعت وظهوره وكلامه للشيخ التجاني فضل من الله، والله يؤتي فضله من يشاء. قال احفظ هذا وفكر فيه.

الرابع: خلاف علي مع الخوارج وقد سفكت فيه دماء كثيرة، ولو ظهر النبي صلى الله عليه وسلم لرئيس الخوارج وأمره بطاعة إمامه لحقنت تلك الدماء، فقلت الجواب هو ما سمعت، فقال لي: احفظ هذا وفكر فيه، فإني أرجو أنك بعد التفكير ترجع إلى الحق.

الخامس: النزاع الذي وقع بين معاوية وعلي، وقد قتل في الحرب التي وقعت بينهما خلق كثير، منهم عمار بن ياسر، فكيف يترك النبي صلى الله عليه وسلم الظهور لأفضل الناس بعده وفي ظهوره هذه المصالح المهمة من جمع كلمة المسلمين وإصلاح ذات بينهم وحقن دمائهم، وهو خير المصلحين بقوله تعالى: {وأصلحوا ذات بينكم} وقوله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} ثم يظهر للشيخ التجاني في آخر الزمان لغرض غير مهم وهو في نفسه غير معقول لأنه مضاد لنصوص الكتاب والسنة.

فلم يجد عندي جواباً غير ما تقدم ولكني لم أسلم له فقال فكر في هذه الأدلة وسنتباحث في المجلس الآخر، فعقدنا بعد هذا المجلس سبعة مجالس كل منها كان يستمر من بعد صلاة المغرب إلى ما بعد العشاء بكثير. وحينئذ أيقنت أنني كنت ضلال، ولكن أردت أن أزداد يقيناً فقلت له: من معك من العلماء هنا في المغرب على هذه العقيدة وهي أن مسألة في العقائد أو في الفروع يجب أن نعرضها مع قصر باعنا وقلة اطلاعنا على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ظهر لنا أنه موافق لهما قبلناه وما ظهر لنا أنه مخالف رددناه) فقال لي يوافقني على هذا أكبر مقدم للطريقة التجانية في المغرب كله وهو الشيخ الفاطمي الشرادي، فكدت أكذبه لأن المشهور في جميع أنحاء المغرب أن هذا الرجل من كبار العلماء، وهو أكبر مقدم للطريقة التجانية، ولم أقل أكبر شيخ لأن الشيخ التجاني لا يبيح أن يكون شيخاً للطريقة سواه، لأن تلقيبه بالشيخ قد يفهم منه أنه يجوز لغيره أن يتصرف في أوراد الطريقة وفضائلها وعقائدها وذلك ممنوع لأن الذي أعطى هذه الطريقة هو النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً كما تقدم والمتلقي الأول لها هو الشيخ أحمد التجاني والنبي صلى الله عليه وسلم سماه شيخاً لهذه الطريقة، وكل ناشر للطريقة وملقن لأورادها يسمى مقدماً فقط فالطريقة لها مصدر واحد وشيخ واحد ولا يجوز تعدد المصدر ولا تعدد الشيخ حسبما في كتب الطريقة.

مع الشيخ الفاطمي الشرادي:

فتوجهت إلى الشيخ الفاطمي رحمه الله وكان الوقت ضحى وقد أوصاني شيخنا محمد بن العربي ألا أسأله إلا في خلوة فوجدت عنده جماعة فانصرف بعضهم وجاء آخرون وبقيت عنده أنتظر أن أخلو به حتى صلينا الظهر وجاء الغداء فلم أستطع أن أخلو به وكان ثلاثة ممن كانوا في مجلسه حاضرين فقلت له إن الشيخ محمد بن العربي العلوي يقول يجب علينا أن نعرض جميع المسائل أصولاً وفروعاً على كتاب الله وسنة رسوله فما وافق في نظرنا القاصر قبلناه وما خالف رددنا ولو قال به الإمام مالك أو الشيخ أحمد التجاني، فأشار إلي بيده يستمهلني، وكان جلوسي عنده قد طال فانصرفت إلى مدرسة الشراطين حيث كنت نازلاً قبل لقائي بالشيخ العلوي، وفي ذلك اليوم بعد صلاة العشاء جاءني بواب المدرسة وقال لي إن الشيخ الفاطمي الشرادي أرسل إليك عبده وبغلته يطلب أن تزوره فتعجبت كثيراً لأمرين، أحدهما أن الوقت ليس وقت زيارة، وثانيهما أنه لم تجر العادة أن كبار العلماء الطاعنين في السن، يبعثون الدابة للركوب إلا لمن هو مثلهم في السن والعلم وأنا شاب فركبت البغلة وسار العبد أمامي حتى وصلت إليه وسلمت عليه فرد أحسن رد ورحب بي وقال لي يا ولدي أنا رجل كبير طاعن في السن ليس لي قدرة على القتال، أما سيدي محمد بن العربي العلوي فهو شاب مستعد للقتال وأنت سألتني أمام الناس عن مسألة مهمة لا يسعني أن أكتم جوابها، ولا أستطيع أن أصرح به أمام الناس، فأعلم أن ما قال لك سيدي محمد بن العربي العلوي هو الحق الذي لا شك فيه، وقد أخذت الطريقة القادرية وبقيت فيها زماناً، ثم أخذت الطريقة الوزانية وبقيت فيها زماناً، ثم أخذت الطريقة التجانية والتزمتها حتى صرت مقدماً فيها فلم أجد في هذه الطرائق فائدة، وتركتها كلها ولم يبق عندي من التصوف إلا طلب الشيخ المربي على الكتاب والسنة علماً وعملاً، ولو وجدته لصاحبته وصرت تلميذاً له، وأنت تريد أن تسافر إلى الشرق فإن ظفرت بشيخ مرب متخلق بأخلاق الكتاب والسنة علماً وعملاً فاكتب إلي وأخبرني به حتى أشد الرحال إليه فازددت يقيناً بالنتيجة التي وصلت إليها في مناظرتي مع الشيخ العلوي. ولو كان عندي من العلم مثل ما عندي الآن لقلت له إن ضالتك المنشودة هي أقرب إليك من كل قريب فإن هذا الشيخ الذي تطلبه وتريد أن تشد الرحال إليه ولو بعدت الدار وشط المزار هو أنت نفسك. بشرط أن يكون عندك العزم التام على العمل بالكتاب والسنة وطرح التقليد جانباً كيفما كان الأمر فجزاهم الله خيراً وتغمدهما برحمته.

مع الشيخ عبد العزيز بن إدريس:

وبعد ذلك بعشرين سنة اجتمعت مع الشيخ عبد العزيز بن إدريس من علماء تطوان وهو أحد تلامذة الشيخ الفاطمي فذكرت له الحكاية السالفة فقال لي وأنا أيضاً وقع لي ما يشبه هذا فإني بعد إتمام دراستي في جامع القرويين ذهبت إليه وهو أفضل شيوخي فقلت له أيها الشيخ أريد أن أرجع إلى وطني تطوان فأريد أن تزودني بدعائك الصالح وأن تلقنني ورد الطريقة التجانية، فقال لي يا أسفي عليك، أنت تحفظ كتاب الله وقد درست العلوم الإلهية التي تمكنك من فهم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يكفك ذلك كله حتى تطلب الهدى في غيره، والطريقة لا شيء فعليك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فكشف الله عني بفضله ظلام الشرك والبدعة، وفتح لي باب التوحيد والاتباع فله الحمد والمنة نسأله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة إنه الهادي إلى الصراط المستقيم. (الهدية الهادية من ص7-21)
_______
*المصدر: http://www.alsoufia.com/main/1004-1-...84%D9%8A-.html

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا

قديم 08-21-2013, 08:24 PM
المشاركة 10
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الشيخ جعفر إدريس *

جعفر شيخ إدريس محمد صالح بابكر عبدالرحمن بلل من قبيلة الشايقية بشمال السودان
ولد عام 1932 ميلادية بمدينة بورسودان
والده شيخ إدريس من حفظة القرآن الكريم. انتقل لمدينة بورسودان بشرق السودان ليعمل شرطياً

مراحل الدراسة
في سن السادسة حدث للشيخ حادث بقدمه عوقه عن المشي لمدة ثلاث سنوات تقريباً. لذلك بدأ تعليمه الرسمي متأخرا جدا، لكنه يرى أن هذا ربما كان من أكبر نعم الله عليه، إذ حفزه للجد في الدراسة في المدرسة وخارجها. فكان في المرحلة الأولية يدرس في المدرسة والخلوة (مدرسة تحفيظ القرآن الكريم) معاً. وفي المرحلة المتوسطة في المدرسة وعلى بعض الشيوخ فدرس عليهم الأربعين النووية وبعض كتب المذهب المالكي، وبعض كتب النحو، وكان يحضر مع والده دروس الشيخ أبو طاهر بالمسجد الكبير ببورسودان فسمع عليه قدرا كبيرا من الصحاح ولا سيما صحيح البخاري، كما درس عليه بعض مختصرات أخرى في الحديث والبلاغة والآداب. درس أيضا على بعض العلماء الشناقيط الذين كانوا يمرون على مدينة بورسودان في طريقهم إلى الحج. ولما انضم إلى جماعة أنصار السنة عرف شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وصاحبهما منذ ذلك الحين وحتى الآن.

مرحلة الدراسة الثانوية
قبل بمدرسة حنتوب في سنة 1950 وهي حينئذاك إحدى ثلاث مدارس ثانوية بالسودان وكان لا يُقبل فيها إلا المتفوقون في الدراسة. وفي المدرسة انضم إلى حركة إسلامية ناشئة هي حركة التحرير الإسلامي التي صارت فيما بعد جماعة الإخوان المسلمين، ولم يكن لها ارتباط تنظيمي بجماعة الإخوان في مصر. ثم صارت جبهة الميثاق الإسلامي واجهة لها إبان الحكم الديمقراطي الذي أعقب نظام عبود العسكري.

مرحلة الدراسة الجامعية والتعليم العالي
التحق بكلية الآداب بجامعة الخرطوم ثم تركها ليذهب للدراسة بمصر، ثم ترك هذه وعاد إلى جامعة الخرطوم ليدرس الفلسفة (قسم الشرف) والاقتصاد، فلم يتخرج فيها إلا عام 1961 فقبل بها معيدا وسجل لدراسة الماجستير، لكن الجامعة ابتعثته في العام التالي للدراسة بجامعة لندن.
بعد سنتين سقط نظام عبود فترك الدراسة واستقال من الجامعة ليشارك في العمل السياسي الإسلامي. وكان مرشح جيهة الميثاق بمدينة بورتسودان.
عاد للجامعة مرة أخرى عام 67 فحول المشرف رسالة الماجستير إلى دكتوراة فأكملها في عام 69 لكنه لم يحصل على الشهادة إلا عام 70 بعد أن ابتعثته الجامعة إلى بريطانيا مرة أخرى.
العمل والتدريس
قسم الفلسفة, جامعة الخرطوم. 1967 - 1973
قسم الثقافة الإسلامية, جامعة الرياض ( جامعه الملك سعود حالياً )
مركز البحوث بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
كلية الدعوة والإعلام، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
وكان يدرس طلاب الدراسات العليا بالجامعة مواد العقيدة والمذاهب المعاصرة كما أشرف على الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه
مدير قسم البحث بمعهد العلوم الإسلامية والعربية في أمريكا
مدير الهيئة التأسيسية للجامعة الأمريكية المفتوحة
مستشار لعدد من المؤسسات الإسلامية في أنحاء العالم
شارك في عدة لجان إسلامية عربية وعالمية

النشاط العام والمؤتمرات
ألقى أحاديث ودروس ومحاضرات في كثير من الجامعات والمراكز الإسلامية والمساجد في كثير من بلدان العالم في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأستراليا وأمريكا الشمالية ودول الكاريبي وأمريكا اللاتينية.
شارك في كثير من البرامج التلفازية والإذاعية في عدد من الدول.
اشرف على رسائل علمية لدرجة الدكتوراة والماجستير.
شارك ببحوث قيمة في عدد كبير من المؤتمرات الإسلامية والعالمية
كتب مقالات كثيرة في الصحف السودانية كان من بينها باب أسبوعي في جريدة الميثاق الإسلامي بعنوان جنة الشوك ومقالات في مجلات إسلامية وأكاديمية باللغتين العربية والإنجليزية.
وهو يكتب الآن زاوية شهرية بمجلة البيان التي تصدر في لندن بعنوان: الإسلام لعصرنا.
الكتب والبحوث
للشيخ عدد كبير من البحوث أكثرها مشاركة منه في مؤتمرات. بعض المؤتمرات ينشرون هذه البحوث وبعضهم لا ينشرونها. كما له عدد من الكتيبات المنشورة باللغتين العربية والإنجليزية.


قصة الهداية يحكيها الشيخ له ولوالديه:


الشيخ جعفر:

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.
أنا من عائلة سودانية كانت تنتمي كمعظم السودانيين آنذاك إلى طريقة صوفية، وكانت الطريقة التي ينتمي إليها الوالدان هي الختمية، وكما هو معلوم أن الطرق الصوفية ولا سيما المنتشرة في بلادنا الآن، مبتلاة بكثير من المسائل الشركية لكن ربنا سبحانه أنعم عليّ بوالدين أثرا في حياتي الدينية والخلقية، فالوالدة لم تكن امرأة عالمة ولكنها كانت شديدة التدين وحازمة جداً، وقد أثرت علي تأثيرا كبيراً في موضوع الصلاة أكثر من الوالد، فقد كانت حازمة جداً في هذا الموضوع، وأذكر أنها كانت توقظنا أحياناً لتسألنا هل صلينا العشاء؟
وانعم الله سبحانه علينا بالوالد وكان رجلا متسامحاً معنا ، فكان يعاملنا معاملة الكبار آنذاك، ويستشيرنا في بعض أموره، وهذا لم يكن شائعاً في السودان , ولكنهما كانا ينتميا إلى هذه الطائفة، فأول شيء أثر في حياتي تأثيرا كبيرا مازلت أحمد الله عليه وأن أحد أقاربناكان من أول من نشر الدعوة السلفية في السودان، وكان من جماعة أنصار السنة المحمدية في بلدنا ببورسودان، وكنت آنذاك في الثانية عشر حيث تركت انتمائي إلى طائفة والديّ تحت تأثير هذا القريب، مما أحدث مشكلة بيني وبين الوالدين لاسيما أمي، حيث كانت تظن أن هذا نوع من الانحراف فقاطعتني وصارت لا تتكلم معي.
لكن ساعدني أن هؤلاء الذين تأثرت بهم كانوا من الأقارب وكان منهم رجلاً تحترمه الوالدة احتراماً كبيراً، وهو رجل بسيط يعمل خياطاً لكنه كان رجلاً عالماً، فجاء إلى أمي عند حصول هذه المقاطعة وأصلح بيننا، وبعد مدة تغير الوالد -وكان رجلاً يحفظ القرآن –حيث كنت آتي إليه وأقرا عليه بعض الكتب....
العصر: هل تتذكر بعض عناوينها؟
الشيخ جعفر: ……… كانت كتباً صغيرة مؤلفة في مصر، وكان ضمنها كتاب غاب عني اسمه الآن كان له أثراً عظيماً آنذاك، ومازالت أقرأ على الوالد حتى اقتنع وتغيرت بعده الوالدة أيضا وأعد ذلك من نعم الله علي أن كنت السبب في إنقاذهما من الخرافات والشركيّات ولله الحمد سبحانه.حادث في الصغر:
وكان الحادث تعرضت له في الصغر اثر في تأثيراً ليس بالضرورة فكرياً، ولكنّي لمست نتائجه فيما بعد، إذ أصبت آنذاك، وكنت ألعب على صناديق كبيرة كانت لبعض السيارات، فقفزت من فوق إحداها على
مسمار يبدو أنّه أحدث كسراً في العظم بالداخل، وتألمت لذلك ألماً شديداً وتعقّدت الأمور –وكنت حينئذ في السادسة من عمري- واستمر المرض إلى السنة التاسعة تقريباً، وكان ذلك في زمن الإنجليز، وعند أن عرضت على الطبيب قرر هذا أن تُقطع رجلي، فوافق الوالد لكن الوالدة رفضت وبحزم شديد، ثم ذهبت تستشير السيد علي الميرغني –وكانت ما تزال في الطائفة حينئذ- فأجابها قائلاً: نعم.. اسمعوا كلام الطبيب.
وما كان يظن أحد أن أمي ستخالف رئيس الطائفة لكنها فعلت ورفضت قوله ذاك فقال لها الطبيب: إما أن تقطع رجله أو يموت فقالت: خلّيه يموت!!!.. يموت برجلين ولا يعيش بواحدة.
فكان من نتائج ذلك أن تأخرت في الالتحاق بالدراسة، لكن هذا التأخير أفادني جداً، إذ جئت إلى الدراسة بعد ذلك بنهم شديد، فأنا ما كنت بدأت أصلاً، وعندما بدأت الدراسة كان زملائي في السنة الرابعة، وأنا في السنة الأولى، وكان لي أخ ضمنهم، وكنا قد ذهبنا سويّة إلى المدرسة فقُبل هو ولم أُقبل لصغر سني، فكان أخي هذا يمازحني بعد ذلك فيقول: احمد الله على هذا الحادث فلولاه ما دخلت الجامعة.
وقد كانت المنافسة في الدخول إلى الثانوية كبيرة جدّاً آنذاك. إذ لم يكن في السودان وقتئذ غير ثلاث مدارس ثانوية فقط، فكان الدخول إلى أحدها في غاية الصعوبة .لكني أتيت إلى المدرسة في مرحلة نضج واجتهاد شديد، فكنت أذهب إلى الكتّاب باختياري إذ يوقظني الوالد لصلاة الفجر وأبقى في الكتّاب إلى السادسة، ثم أعود فأستعد للذهاب إلى المدرسة وعند رجوعي منها أذهب إلى الكتّاب مرة أخرى وبعد ذلك أنال شيئاً من الراحة، أعود بعدها إلى الكتّاب عند المغرب.

حلقات المساجد:
بدأت بعد ذلك دروس كان يلقيها رجل سنّي، فكنت أذهب إليها، ومن الرسائل التي بدأت أقرأها مبكراً وأمارس حفظ بعض الأحاديث منها رسالة الأربعين النووية، ثم لما ذهبنا المدرسة المتوسطة كنت أحضر مع الوالد دروساً في السنة كان يلقيها رجل عالم بالسنة,تخرج بالأزهر وكان مشهوراً في بلدنا، يدرّس كتب السنة فقط، وفي هذه الفترة بدأت أقرأ بعض الرسائل الصغيرة لشيخ الإسلام ابن تيميه....

الشيخ جعفر إدريس: عندما انضممت إلى "الإخوان" كنت لا أقبل ما اعتقد أنه خطأ، وأسارع إلى نقده، ولم يكن هذا شيئاً محبباً عند البعض، وأذكر أن الأخوان كانوا يقرأون "المأثورات" وكان في بدايتها أن الذكر الجماعي لا بأس به، فرفضت ذلك، وأقنعت بعض إخواني الذين كانوا معي آنذاك وكنت أنتقد أشياء في ما كانوا يسمّونه "ورد الرابطة" وكان يُقرأ بعد المغرب، لذا فقد نفعني انتمائي إلى الاتجاه السني عند الانضمام إلى الحركة، وصار النقد عندي طابعاً، ومما كتبت في نقد بعض الظواهر في العمل الإسلامي، رسالة موجودة في كتابي "نظرات في منهج العمل الإسلامي" حيث شاع عند الأخوان، والظن عند بعض الجماعات أيضاً اعتقاد أن جماعتهم هي جماعة المسلمين، وأن الذي يخرج خارج على الجماعة، فانتقدت ذلك، وقلت أننا جماعة من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين وأنه ليس في الإسلام شيئاً اسمه الالتزام الفكري بقرارات التنظيم، وقد ناقشت الشيخ المودودي في ذلك وكنت التقيت به في لندن، كما التقيت بغيره من الدعاة من الباكستان وتونس والمغرب والجزائر خاصة بعد ذهابي إلى السعودية، لذلك أظن أن المعيار النقدي هذا هو الذي جعلني أكشف الترابي في وقت مبكر.

العصر: هل تتذكرون ما دار بينكم وبين الشيخ المودودي؟
الشيخ جعفر إدريس: نعم لا أزال أذكر بعض ما دار بيننا، مثلاً كان ينتقد حركة "الأخوان" قائلاً: أنتم في العالم الإسلامي جماعات مستقلة لكنكم كلكم تطلقون على أنفسكم "الأخوان المسلمون" بينما ينبغي أن يكون عكس ذلك، أن تكونوا جماعة واحدة لكن بأسماء مختلفة حتى لا يؤخذ بعضكم بجريرة البعض الآخر.
وتناقشنا في مسألة الالتزام بالتنظيم فقلت له: أنا لا أعلم في الدين أن الإنسان يلتزم برأي الجماعة، لكن يلتزم بالعمل، فالحاكم مثلاً إذا أمرني بشيء أخالفه الرأي فيه أعمله ما دام لا يخالف كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، لكن ليس من حق الحاكم أ ن يقول أذهب إلى الناس وأخبرهم أن هذا هو الرأي الصحيح. فأجابني: أننا إذا لم نلتزم تصير الأمور فوضى، فقلت له: لا يحدث ذلك إذا نحن ربينا الناس على العمل سوية وإن اختلفت الآراء، لكن ما حدث هو أننا أدخلنا إلى أذهان الناس أن من خالف رأي الجماعة منشق عنها فكان ما نراه اليوم من أوضاع مؤسفة.
ولقد كنت أقول لبعض الأخوان هذه صحيفتنا لماذا لا ننتقد أنفسنا بأنفسنا، فالصحابة كانوا ينتقدون بعضهم البعض وكانوا أخواناً متحابين. ثم في الأخير شرح لي الشيخ نظامهم ووجدته أقرب شيء إلى الصورة المثالية فقد قال لي: نحن لا نصدر كثيراً من القرارات، إلا في مسائل مهمة جداً، وما عدى ذلك فالناس أحرار، وإذا اجتمعنا لا أكاد أذكر أننا مرَّرنا شيئاً بالأغلبية، ولكن حتى إذا خالف البعض أرجأنا الاجتماع حتى نقنعهم فقلت له نفرض أنكم كلكم أتفقتم وأنا في باكستان الغربية، وكانت باكستان آنذاك شرقية وغربية قبل الانفصال.
فقال لي: تكون فوضى فأجبته بالنفي فأنا ألتزم بالعمل، فمثلاً قلتم أن المرأة تدخل البرلمان أو لا تدخل وأنا رأيي مخالف، فإذا كنت أرى أنها مسألة اجتهادية أوافق من الناحية العملية لكن إذا سألت أجيب بما أراه، وما زالت أرى أن هذه واحدة من آفات التنظيمات الإسلامية المعاصرة، وهذا شيء أخذناه –للأسف- من أسوأ الحركات الغربية وهي الشيوعية فالحركة الشيوعية تنظر إلى قرار الحزب أنه قرار باسم الشيوعية فمن يخالفه يخالف الفكر الشيوعي ونحن ليس لدينا شيئاً من هذا، عندنا الكتاب والسنة والإجماع، إذاً فالذي يخالف في التنظيم لا يخالف هذه الأصول بل يخالف رأي التنظيم لا غير.
وقد ألقيت محاضرة ضمنتها ما ذكرته سابقا، ونشرت وهي نفس الرسالة التي أشرت إليها سابقاً، وبعد انتهائي من المحاضرة أتاني شاب في اليوم التالي وقال لي أنه من حركة أخرى، لكنه وجد كل العيوب التي ذكرتها في المحاضرة موجودة في حركته، فكان هذا شيئاً مخيفاً لا يطمئن بالنسبة لي. لذلك نحن مازلنا بحاجة إلى أسلمة الفكر التنظيمي، مثلاً كيف يختار القائد وما مدى مسؤولياته وصلاحياته، وما مقدار التزاماته وحريته في التنظيم.

العصر: بما أن الشيء بالشيء يذكر نسألكم عن رجل عرفتموه، وعلمتم عيوبه في وقت مبكر، وانتقدتموه مبينين أخطاءه هذا هو الدكتور حسن الترابي ماذا لدى الشيخ جعفر عن هذا الرجل؟
الشيخ جعفر إدريس: ذهبت والترابي إلى نفس المدرسة وكنا نسكن في نفس الداخلية (سكن الطلاب)، وكان الترابي أمامي في الدراسة سنتين، ولم يكن معنا في الجماعة آنذاك، وعندما كنت في السنة الأولى بالجامعة سمعنا أنه انضم إلى الجماعة وفرحنا بذلك، ثم عرفته عن قرب وصحبته في الجامعة، لكني بدأت ألمس فيه عيوباً في الفكر والسلوك، والبعض يظن أن دافع نقدي له هوا لتنافس، ولكني لاحظت عليه ذلك وأنا مسؤول عن التنظيم ولم يكن هو آنذاك شيئاً يذكر، وانتقدته وقتها ولم تكن بيننا أي منافسة. ورغم تحفظاتي التي في قلبي عليه فقد تعاونت معه بعد أن صار مسؤولاً وكنت اسمع منه فلتات فمثلاً في وقت مبكر جداً كان يكره أهل السنة ويشمئز من ذكر البخاري وابن كثير وغيرهما، وليس عنده توقير للصحابة وقد قلت لبعض إخواننا الذين إذا انتقد أحداً رماه بالاعتزال، قلت لهم لا تظلموا المعتزلة فهؤلاء كانوا عبّاداً ومخلصين، وكان ما يدعون إليه فكراً بالنسبة لهم وكان دافعهم إليه حسناً وهو اعتقاد تنزيه الله سبحانه فكثير ممن يسمّى اليوم معتزلة لو رآهم المعتزلة لتبرّأوا منهم، أو يقول لك أشعري حتى الأشاعرة لم يكونوا كذلك، لذا أقول أن هؤلاء أقرب إلى ما يسمّى بالزنادقة أو الفلاسفة الذين لم يكونوا متدينين ولا أقول عقلانيين فقد تتبعت آيات القرآن الكريم التي ورد فيها ذكر العقل فما وجدت الله سبحانه يذم فيها العقل بل يجعل الله العقل مع الإيمان وعدم العقل مع الكفر، وأهل الأهواء يختلفون فمنهم صاحب هوى في الاعتقاد ومنهم في السلوك، ومنهم من جمع بين الأمرين.

العصر: بعد هذا العمر المديد –بارك الله في عمر شيخنا- هلاَّ استعرض لنا الشيخ جعفر خلاصة التجربة الطويلة يفيد بها أجيالاً تنشد إرشاد أصحاب التجارب والخبرات أمثالكم؟
الشيخ جعفر إدريس: أولاً كما قلت لك أنّنا بحاجة إلى أسلمة الفكر التنظيمي.
ثانيا: أنّني وجدت أنّ من أكبر مشكلات الحركة الإسلامية غياب قيادة العلماء لها، لذلك أقول دائماً ويستغرب البعض من قولي ذلك: أنني استفدت من الشيخ ابن باز الكثير حتى في الجانب السياسي وموقفي من الحكومات ما لم استفده من كتب الحركة الإسلامية، وأقول لك كيف؟
فقد تأتي الفائدة أثناء شرح لحديث ما، وصرت أكثر مرونة، فمثلا أذكر أنه مرة أثناء حديثه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال: أن من أكبر وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الاتصال بالحكومات ولو كانت كافرة، فاستغرب الناس من ذلك، فضرب لهم مثلا أنك إذا أردت إدخال مادة الدين الإسلامي في المدارس في بريطانيا، كيف سيتم لك ذلك إلا بالاتصال بالحكومة هناك، واستفدت منه أن الإنسان لا يكون معارضاً طوال الوقت، بل يقف مع الشيء الحسن ولو كانت الحكومة منحرفة وهذا يلين قلب الحكام ويشعرهم أن المعارضة ليست همك دائماً.
ثالثا: وهذا شيء يحزن النفس ويحز في القلب، أنني وجدت الجماعات الإسلامية كلها تقريباً ابتلت بالتدهور في الأخلاق، فحسن الخلق شيء تتوقعه من العامي فضلاً عمّن يمثل الإسلام، وسوء الخلق داء انتشر وللأسف في أوساط الجماعات الإسلامية فتجد منهم من يكذب ويغش بكل سهولة، وغياب الإنصاف عند بعضهم فهذا شيء لا بد من معالجته وتذكير الناس بأنّ العمل الإسلامي عبادة أساسها الخلق، وأن الهدف منه إنقاذ النفس والمجتمع، وليس تغيير المجتمع فحسب، وأن مبدأ الشيوعية في أن المعتبر في الأخلاق هو ما ساعد على تقدم الحزب بغض النظر عن سوءه شيء مرفوض في الإسلام.
رابعا: ضرورة الطاعة مع النقد، فالجماعات تهتم بالطاعة وتغفل النقد، والطاعة ضرورة فيما وافق الدين لأجل التنظيم ,لكنّ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي أمر بالطاعة بايعه الصحابة أيضاً على قول الحق لا يخشون في ذلك لومة لائم.
إذاً ففي غياب النقد تحضر الديكتاتورية والتسلّط . وأن يكون هناك تسامح بين الحركات اٌلإٌسلامية وإلا لكانت هذه الحركات كالشيوعية فالشيوعية تضيق بالمفكرين، وقد قارن أحد الغربيين بينها وبين الكاثوليكية إذ خرج منها كثير من المفكرين لغياب التسامح، وقد ابتلت بعض الحركات الإسلامية بهذا كما حصل عندنا في السودان في عهد الترابي حيث اعتبرت الحركة هي الترابي مما جعل الكثيرين يخرجون وإن لم يحدثوا ضجة كما فعلت أنا.
وأحب أن يكون لنا معرفة أكثر بالغرب، لأنه مؤثر في السياسة العالمية اليوم، وصورتنا عند الغرب مشوّهة، والعالم اليوم صار كما يقولون قرية صغيرة لذلك كله لا بدّ من زيادة معرفتنا بالغرب والمشاركة في القضايا العالمية حتى تُعرف مشاركة المسلمين في ذلك وجزء من هذا العبء يتحمله الذين في الغرب من المسلمين.
لذلك أقول دائماً أن الكثير من الكتب الإسلامية المؤلفة للغربيين بلغتهم هي للمبتدئين، ويمكن أن أكبر كتاب ظهر لأحد الإسلاميين بشكل أكاديمي مؤخراً هو كتاب زرابوزو في شرح الأربعين النووية، لذلك يلزمنا كمسلمين أن نشارك في القضايا التي يواجهها الشعب الأمريكي إذ أن هذا شكل من أشكال الدعوة إلى الإسلام، كالكلام على مشاكل المخدرات والإجهاض والعولمة والمشاكل الاقتصادية وغيرها من قضايا المجتمع الغربي حتى يظهر لدينا مفكرون معروفون للمجتمع الغربي.
_________
*http://www.hdrmut.us/vb/showthread.p...0#.UYlaGErNUw8

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: النازعون عن الصوفية!
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عين على الصوفية! عبده فايز الزبيدي منبر الحوارات الثقافية العامة 139 06-17-2015 01:12 AM
اعلام الصوفية واليتم: ما هي نسبة الايتام من بين اصحاب المدارس الصوفية؟ دراسة ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 42 06-15-2013 12:20 PM
الصوفية والتصوف عبدالله باسودان منبر الحوارات الثقافية العامة 5 12-19-2011 06:29 AM
الصوفية والتصوف عبدالله باسودان منبر الحوارات الثقافية العامة 0 12-17-2011 08:16 PM
الصوفية والتصوف عبدالله باسودان منبر الحوارات الثقافية العامة 4 12-17-2011 11:02 AM

الساعة الآن 01:22 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.