احصائيات

الردود
0

المشاهدات
5150
 
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي


ماجد جابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
3,699

+التقييم
0.77

تاريخ التسجيل
Feb 2011

الاقامة

رقم العضوية
9742
12-14-2015, 07:25 AM
المشاركة 1
12-14-2015, 07:25 AM
المشاركة 1
افتراضي قراءة في كتاب حيفا.. بُرقة/ البحث عن الجذور ج 2، للمؤلف د.سميح مسعود، بقلم الناقد عبد
صدر عن دار الجندي كتاب "حيفا.. بُرقة البحث عن الجذور- الجزء الثاني/ ذاكرة المكان" للدكتور سميح مسعود، ويقع الكتاب في 244 صفحة من الحجم المتوسط، الذي سجَّل فيه شظايا أجزاء موجزة من جذوره في بلده الذي يمتد على اتساع المكان في مسقط رأسه حيفا وقريته بُرقة، وأبرز على إيقاعها مشاهدَ من جذور أناس غيره من مدن وقرى فلسطينية أخرى، استحضر فيها ببؤر لاقطة جزءاً مما تختزنه ذاكرته عن أيام مضت في فلسطين عاشها قبل النكبة والهزيمة.
من مسقط رأسه حيفا وقريته بُرقة، جمع معظم معلومات هذا الكتاب من الداخل الفلسطيني، خلال تنقله وزيارات قام بها من غربته للوطن، برفقة صديقه جوني منصور الملقب "بمؤرخ حيفا "
ويؤمن المؤلف د. سميح مسعود بضرورة تدوين كل ما في الذاكرة من دلالات ومضامين عن الحياة الماضية في فلسطين، بكل حناياها ومداراتها وجزيئاتها وما فيها من تفاصيل، حتى لا تُنسى، وتبقى ماثلة في أذهان الأجيال القادمة... كي تُحيي فيهم وعياً دائماً للحفاظ على ثوابت هويتهم، وتنحت في ذاكرتهم علاقة دائمة مع فلسطين، بقراها ومدنها وترابها ورجالها وأوجاعها، تمنحهم في غربتهم رؤية حقيقية عن وطنهم، وتحضّهم دوما على استرداد حقوقهم الضائعة، وعلينا الوقوف في وجه الهجوم الصهيوني المتواصل على مكونات التراث والهوية الفلسطينية، والذي يجري من زمن بعيد بشكل منتظم ومنهجي، بما يشمله من أعمال سلب ونهب وتزوير وتزييف مع محاولات إيجاد أو تزييف رموز تراثية وربطها بالتراث اليهودي، وهو يجري في سياق استعمار أوسع يشمل المنطقة العربية التي تشكل فلسطين بموقعها أهم بقعة حضاريا، جغرافيا واستراتيجيا، معرجا على ما تعرضت له المعالم الثقافية والحضارية والمتاحف، في بلاد الرافدين ووادي النيل وبلاد الشام من أعمال نهب وسرقات في كل هجمة استعمارية، كما أشار إلى أن المكان الوحيد الذي نهبته قوات الغزو الصهيوني في بيروت عام 1982 هو مركز الأبحاث الفلسطيني حيث نهبت أكثر من ستمائة ألف بحث وكتاب ومادة أدبية، وأشار إلى دور منظمة التحرير سابقا في مواجهة أعمال النهب والتزييف الإسرائيلية، وتساءل عن دور جميع المؤسسات الرسمية هذه الأيام في مواجهة أعمال السرقة والنهب التي تطال جميع مكونات التراث الفلسطيني المادي وغير المادي، من أزياء ومأكولات وحتى الأمثال الشعبية.
الإهداء:
يهدي د. سميح مسعود كتابه قائلا:
إلى أطفال فلسطين...
وحفيدَيّ: ليث ونديم
الذين من أجلهم بحثت عن الجذور
لكي يتعرفوا على جذورهم في أرض الآباء والأجداد...
وجاء في المقدمة: " أو لأنني شغوف بنبش الذاكرة؛ ظهرت أطياف طفولتي في كتابي بصفاء استثنائي، سجلت فيه لحظات كثيرة تدغدغني وتحرك مشاعري... تُشكل جزءاً من حياتي؛ تطوف بي دومًا في مسقط رأسي حيفا وقريتي بُرقة، استحضرت بها الطفولة بوعي حاضري الذي أحياه، وأعدت بها نصوصاً غائبة تراكمت في داخلي موشومة بخطوط متماوجة من جذور بلادي، لم أسجلها للبكاء على الأطلال؛ بل من أجل التأكيد على عمق جذوري وجذور غيري من أبناء بلدي في فلسطين، ومن أجل أن أنثر بذور جذوري لحفيديّ: ليث ونديم؛ حتى لا يضيعا في منافي الشتات القصية، لعلني بهذا أدفعهم للتمتع بمخيلة عامرة عن فلسطين، ومقدرة فائقة في التعبير عن حبهم لها، والنضال من أجل عودتهم لها في قادم الأيام".
الهدف من تأليف الكتاب:
أكد د. سميح في كتابه على أهمية التعرف بوعيٍ على الذات والآخر، وضرورة تدوين كل ما في الذاكرة من دلالات ومضامين عن الحياة الماضية في فلسطين، بكل حناياها ومداراتها وجزيئاتها وما فيها من تفاصيل، حتى لا تُنسى، وتبقى ماثلة في أذهان الأجيال القادمة... كي تُحيي فيهم وعياً دائماً للحفاظ على ثوابت هويتهم، وتنحت في ذاكرتهم علاقة دائمة مع فلسطين، بقراها ومدنها وترابها ورجالها وأوجاعها، تمنحهم في غربتهم رؤية حقيقية عن وطنهم، وتحضهم دوما على استرداد حقوقهم الضائعة، ويقول:
"عبّرتُ في كتابي عن تواصلي الدائم مع مسقط رأسي حيفا وقريتي بُرقة، وضعتُ فيه شيئاً من ذاتي... ذيلته بحواشي مشاهدَ كثيرة من زمن مضى، ورصعته بذكريات قديمة لا تزال ماثلة في خاطري وبليغة الأثر، تنبعثُ من بواكير أيامي الماضية في بلادي قبل احتلالها وتجمُّع الأيدي والنصال عليها." (ص 9-10)
وعندما سأله بركات الحاج عن أهمية البحث عن الجذور، يجيب: "حتى لا يضيع أحفادي في منافي الشتات، أريدهم أن يتعرّفوا على ناسهم وأرضهم، حتى تنبض فلسطين بذاكرة دائمة في حياتهم، تكون لهم بؤرة لاقطة، يقتفون بها آثار جدودهم، ويُقلبون بها الصفحات تلو الصفحات، لاكتشاف الذات، ومواصلة السير في عروق الأمل، عسى أن تصل أشرعتهم يوماً إلى مرفأ حيفا".(ص120)
ويتحدث مع معارفه حول أهمية البحث عن الجذور، فيقول: "لإبقاء الذاكرة الجمعية حية ومتكاملة، بيّنت لهم أن لهذا البحث ثلاثة جوانب أساسية: جانب عاطفي يتصل بالنستولجيا؛ أي الحنين إلى الماضي، وجانب عائلي يدور حول التعرف على الأهل والأقرباء، وجانب وطني يعبر عن التمسك بالهوية وتعزيز الانتماء.
وأضفت مستدركاً للحضور بأن كل هذه الجوانب تشدّني، وهذا هو هدفي من البحث عن الجذور. (ص 193)
وخلال المقابل التلفزبونية في حيفا بين كل من المؤلف وجوني، يقول المؤلف بادرني جوني بقوله:
"ماذا تعني لك حيفا؟".
قلت له: "إنها مسقط رأسي، رحلت عنها قسراً يوم احتلالها، لكنها بقيت معي منقوشة في الذاكرة، أسترجعها دوماً عبر أحلامي من خبايا ذلك الزمن البعيد... أسارع دوماً إلى قلمي لإعادة تشكيل مفاتن بحرها وكرملها وعلياء عرشها، وحتى وجوه أهلها، بما فيها من جاذبية وعذوبة، وأستحضر مع دغدغات مشاهدها كل ما كان لي في طفولتي الباكرة".
وسألني: "ماذا تعني لك بُرقة؟".
أجبته: "إنها منبت جذوري، لها قوة سحرية، تجعل الحياة ربيعًا دائماً، في الحقيقة لا في الخيال، وتُعطي كل لحظة من الحياة طعماً، وتعطيني قدرة على اكتشاف معاني جديدة للحياة، تمّدني بسعادة داخلية".
ثم سألني: "الجذور التي تواصل البحث عنها، ماذا تعني لك؟".
قلت له: "تعني التأكيد على الانتماء للأرض الفلسطينية، وحتى يعرف الأبناء والأحفاد من الأجيال المتلاحقة وطنهم بكل ما فيه من قرى ومدن وحواكير وأشجار وبيوت، وبكل ما فيه من أمواج البحر موجة موجة... لتحيي فيهم وعياً دائماً للحفاظ على ثوابت هويتهم الوطنية".
وسألني: "ماذا حققت حتى الآن في البحث عن الجذور؟".
فأجبته: "سجلت نتائجي في كتاب يجمع ما بين مدينتي وقريتي ...مثقلاً بحمولات كثيرة لا تقف عند حد موروثي الشخصي، بل تمتد وتشمل إرث جذور أخرى لغيري محفوظة في مجرى الأيام".(ص 202- 203)
الحنين للوطن
وقد تسابق الشعراء والأدباء في الحنين للأوطان، وكانت عاطفتهم صادقة ومشاعرهم جياشة، ويصف ابن الرومي حبه لوطنه، حيث يقول:
ولي وطن آليت ألاّ أبيعه وألا أرى غيري له الدهر مالكا
و الدكتور سميح مسعود في كتابه يحنّ لوطنه، فيقول:
"وهكذا أصبحت على مدى الأيام موزعاً ما بين مدينتين، أقضي الصيف في مونتريال، وأقضي الشتاء في عمان، وبقدر ما يسمح الوقت لي أزور حيفا وبُرقة في فصل الربيع من كل عام، وأتلمس في زيارتهما عذوبة الأمسيات الربيعية القديمة، وتجدني أفيض انفعالا في تلك الزيارات، وأنبض بحيوية في جني ذكريات خصبة جديدة عن بلدي.(ص 41-42)
فالوطن هو الأرض التي أول ما رأت عيناك سهولها وبطاحها، وتغلغلت في رئتيك أنسامها، ولعبت بين أحجارها مع أترابك، وهي التي تشدك إليها حبال الحنين وخاصة في الغربة وأمام ناظريك وطن مسلوب، وكما قال الشاعر:
كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل
وهناك لقطات في الكتاب تبين مدى حنين الكاتب لمربع صباه:
"كانت الساعة الحادية عشرة صباحاً حين وصلت فندق "الكولوني" في جادة الكرمل رقم 28 ، أحد فنادق الحي الألماني المأهول بعرب حيفا، ...وبينما كنت ألقي نظرة من الشرفة على حيفا باتساع أطرافها، راقني منظر أمواج البحر وهي تترامى أمامي في تلافيف المدى... تماديت في النظر في كل الاتجاهات، وفيما كنت أجيل نظري لرؤية المزيد من أحياء حيفا، أسعدني مشاهدة شارع الناصرة، رأيت عن بعد بيت أهلي الذي عشت فيه في صغري، أغمضت عيني واستحضرت وجوه والديّ وأخويّ على مقربة منه... أوغلت في ذكرى تلك الأيام القديمة، تذكرت الكثيرين من أبناء جيلي، ونحن نلهو على شاطئ بحر حيفا، ونسطر على رماله خطواتنا الأولى. (ص 115-116)
تلهٌّفه لربوع حيفا والوطن عند زيارته:
" ولهذا توجبَ الذهاب إلى حيفا لإشهار الكتاب، اتجهنا أنا وزوجتي في عصر ذات يوم من أواخر أيام آب 2013 إلى زيارة الوطن، زرنا بداية بلدتي إكسال وقلنسوة، استُقبلنا استقبالاً طيباً من الأهل، ومن ثم حطّت بنا الرحال في حيفا، وصلناها برفقة جوني... ابتهجت زوجتي كثيراً لأنها لم تزرها من قبل، ولهذا اهتم مضيفنا بتعريفها على معالم حيفا العربية، زرنا بداية بيت أهلي في شارع الناصرة ومدرستي في شارع البرج، ومن ثم اتجهنا إلى ساحة الخمر "الحناطير" ووادي الصليب ودير مار الياس وجامع الاستقلال وجامع الجرينة، وشارع الملوك وبقية أجزاء البلدة التحتا بكل تفاصيلها.
تجوّلنا طويلاً في السيارة عبر الشوارع، واجتزنا وادي النسناس والحي الألماني والحليصه والكرمل وعباس والكبابير، وبعض أجزاء حيفا الأخرى بشوارعها وأزقتها، التي كانت تعجّ قبل النكبة بالحياة اليومية الجارية... فيها عشت طفولتي الباكرة، ومنها بدأت رحلتي مع الحياة التي وصفتها في كتابي.(ص 10-11)
ذكر الكاتب أيام طفولته في حيفا وبرقة:
والكاتب يتذكر أيام طفولته في حيفا وبرقة قبل النكبة والتهجير، فبعد فترة قصيرة من إشهاره للجزء الأول من كتابه في حيفا، نشر في جريدة الاتحاد الحيفاوية مقالة بعنوان "من حيفا أستمد حروفي" بيّن فيها أن أجمل الكلمات يستلُّها من مسقط رأسه حيفا.. كلمات موشجة بأصداء أيام طفولته الباكرة، أعاد فيها إحياء صور متشابكة لحيفا التي تعي ذاكرته كثيراً منها، إنها جزء منه، تُشكل حياة حقيقية سابقة لا تنفصل عنه:
"بينّت في مقالتي بأنني أعود دوماً إلى تلك الصور، أواصل الـتأمل في كل ما فيها بشوق ولهفة، تستحوذ عليّ وتشّدني واستحضر من تراكيبها زاداً، حيفا على اتساعها كما كانت في أيامها الماضية، أجدها في مكانها الجميل تُعانق أمواج البحر، تترامى على امتداد شاطئها كأيقونة تسلب الألباب، أستنشق منها شيئاً من أيامي الماضية، أراها في عينيّ أشد امتلاء وصفاء وأكثر قرباً ... أطأ أرضها في صمت، أطوف فيها بخطوات هادئة من أقصاها إلى أقصاها، أتنقل بشغف كبير في أحيائها وأزقتها وساحاتها وشوارعها وأسواقها وضواحيها ومقاهيها وبيوتها وكل ما كان فيها، أشكلها بمرايا زمن مضى كما كانت من قبل؛ تعجّ بصور مشاهد وأحداث كثيرة ، تتمواج بألوان براقة تأسر الرائي بجمالها، أطيل النظر إليها واستمد منها ظلال حروفي. (ص 21)
إشهار الجزء الأول من الكتاب:
ولهذا توجبَ الذهاب إلى حيفا لإشهار الكتاب،فيقول:
" اتجهنا أنا وزوجتي في عصر ذات يوم من أواخر أيام آب 2013 إلى زيارة الوطن، زرنا بداية بلدتي إكسال وقلنسوة، استُقبلنا استقبالاً طيباً من الأهل، ومن ثم حطّت بنا الرحال في حيفا، وصلناها برفقة جوني... ابتهجت زوجتي كثيراً لأنها لم تزرها من قبل، ولهذا اهتم مضيفنا بتعريفها على معالم حيفا العربية، زرنا بداية بيت أهلي في شارع الناصرة ومدرستي في شارع البرج، ومن ثم اتجهنا إلى ساحة الخمر "الحناطير" ووادي الصليب ودير مار الياس وجامع الاستقلال وجامع الجرينة، وشارع الملوك وبقية أجزاء البلدة التحتا بكل تفاصيلها.(ص 10-11)
طريقة جمعه لمواد الكتاب (مصادر الكتاب) :
يقول المؤلف:
"جمعت معظم معلومات هذا الكتاب من الداخل الفلسطيني، خلال زيارات قمت بها برفقة صديقي جوني منصور الملقب "بمؤرخ حيفا " وكعهدي به دائماً كان إلى جانبي في تلك الزيارات، قام بجهد دؤوب، وشجعني على مواصلة مسيرة البحث عن الجذور، في أجواء رائعة، كنا ننعم فيها معاً بضيافة أصدقاء كثر، لكثرة عددهم يصعب عليَّ وضع قائمة بأسمائهم في هذه المقدمة، وأكتفي بتقديم الشكر لهم جماعة، وذكر أسمائهم في سياق النص على امتداد صفحات الكتاب.(ص 8)
"والأهم من كل هذا أنني تعرفت من خلال كتابي على أناس كثر من حيفا، وبُرقه، ومن مدن وقرى أخرى كثيرة، عبروا لي عن تعطشهم لمعرفة المزيد عن منابت جذورهم وكل ما يُذّكّرهُم بالوطن... تواصلتُ معهم عبر الهاتف ووسائل الاتصال الاجتماعي والبريد الإلكتروني، وتعرفت على أقارب لي لم ألتقِ بهم من قبل، تجمعني بهم منابت الجذور وحب الوطن وكل ما يُذكِّرُ بالوطن، كما تعرفت بأناس على معرفة بأمي وأبي من زمن مضى، وتيقنت بهذا أن ما كتبته لم يكن مجرد كلمات عابرة؛ بل رسالة استطعت أنْ أبلغها إلى أبناء بلدي، وتمكنت بها أن أصل الوجوه بالوجوه على صفحات كتابي، وأن تلامس أيديهم الدافئة خبايا حروفي.
بسببهم اتسع اهتمامي بالبحث عن الجذور وبالبعد الروحي والمعنوي للمكان، وقررت تجهيز الجزء الثاني من كتابي، من خلال اللقاء بهم في أماكن سكناهم، لتجميع ما لديهم من ذكريات ومعلومات عن جذورهم. (المقدمة ص 6)
الاهتمام بالعلم والعلماء وتشجيع الحركة الثقافية:
لا يكاد أديب ينشر كتابا له إلا ووُجدت أماكن ثقافية في مدن فلسطين تحتفل بما نشر وتبارك له حُسن صنيعه، ففي القدس جماعة اليوم السابع، وفي حيفا المجلس المّلي الأرثوذكسي، ونادي حيفا الثقافي، وبعض المكتبات كمكتبة كل شيء، ومركز وحدة النهوض بالتعليم العربي في بلدية حيفا، ومسرح الميدان في حيفا أيضاً، وغيرها كثير، يقول صاحب كتاب حيفا ...برقة:
"من دواعي اعتزازي أن الدعوة التي وُجّهت لحضور حفل إشهار كتابي قد وجهتها ثلاث جهات فلسطينية بارزة، هي: المجلس المّلي الأرثوذكسي، ونادي حيفا الثقافي، ومكتبة كل شيء. وقد أسعدني تصدّر المجلس المّلي الأرثوذكسي للجهات الداعية، نظراً إلى مكانته المتميزة التي اكتسبها في تاريخ حيفا. (ص12)
ويقول: "وصلتني رسالة طويلة من صديقي ماجد خمرة الذي تعرفت عليه في حفل إشهار كتابي، يُخبرني فيها أنه يشغل مركز مدير وحدة النهوض بالتعليم العربي في بلدية حيفا، وأنه معني بحكم مركزه مع آخرين بإقامة أمسية شعرية ثقافية في مسرح الميدان في حيفا، تضم جميع مدارس حيفا الأهلية والحكومية، ضمن فعاليات إرشادية للحفاظ على اللغة العربية وتحبيب النشء بها، وأخبرني أيضاً أنه تم اختيار عنوان مقالتي «من حيفا أستمد حروفي» كعنوان للأمسية، وأن نصّاً سرديا من كتابي «حيفا.. بُرقة البحث عن الجذور» سيتلى في الأمسية. (ص 22-23)
ويقول أيضا:
"أسعدني خبر أمسية «من حيفا أستمد حروفي» أيّما سعادة، بدا لي بسببها أنني على مقربة من حيفا وأهلها أكثر من أيّ وقت مضى... شعرتُ أن جذوري تزداد عمقاً فيها... تابعت أخبار الأمسية عبر الصحافة والمواقع الإلكترونية، واطلعت على بيان صدر بشأنها للإعلام العربي بتاريخ 6 حزيران2014 ، أبرز ما جاء فيه "قُدم في الأمسية مسرحية شعرية أشرف عليها أكرم خوري، اشتملت على أشعار منوعة عن حيفا، كتبها شعراء أحبوا حيفا وتغنوا بها، وهم: حسن الهنيدي، لطفي زغلول، محمود درويش، عبد الوهاب محمد الجبوري، مسلم محاميد، أمّا النص السردي فهو للأديب سميح مسعود، وفقرة لماجد خمرة...".وفي سياق اهتمامات صديقي ماجد خمرة بكتابي، ثمة فعالية أخرى ساهم فيها ضمن فعاليات مهرجان حكاية حيفاوية السنوي في عام 2014"
وهناك علماء ورجال أفذاذ نذروا حياتهم لخدمة العلم والعلماء والحفاظ على الهوية العربية:
"من محاسن الصدف تعرّفي على صديقي جوني منصور الملقب بمؤرخ حيفا، ...وبهذا يتّسم بمقدرة على توجيه انتباه الأجيال المعاصرة نحو مواطن المتعة التراثية والحضارية لمدينته بمكوناتها الأثيرة المتشابكة القريبة إلى قلبه، وتشهد له بذلك مجموعة كبيرة من الكتب والمقالات والمحاضرات عن حيفا تتجمع في بؤرة واحدة، تختلط فيها الأفكار بالوجدان، وتتحد بها في أصالة وعمق... يستنطق في نصوصها أيام حيفا الماضية، ويبيّن في دلالات واضحة مآثر مدينته وامتدادها العربي، كمدينة محورية كانت أبوابها مشرعة لكل من طلب العلم والعمل.
ومما يجدر ذكره في هذا المقام، محاضرة له عن حيفا، حَظيتُ بالاستماع لها مع مئات المستمعين، قدَّمها في عمان، بدعوة من مؤسسة فلسطين الدولية، وكذلك كتابه الأخير الذي يحمل عنوان "حيفا الكلمة التي صارت مدينة" وهو كتاب موسوعي نادر، يُعرِّف تاريخ المدينة من خلال صور فوتوغرافية احتفظت بها العائلات الحيفاوية، قام بجمعها على مر العقود الثلاثة الماضية، وهي تعطي صورة حقيقية عن واقع الحياة في حيفا قبل النكبة، وما حل بها من خراب ودمار بعد ذلك.
في سياق اهتمام جوني بحيفا كتب مقالاً عن كتابي بنص واضح وضع فيه خلاصة جلية واضحة أمام أعين القرّاء في الداخل الفلسطيني، نشره في عدة صحف ومواقع فلسطينية، عكسَ في ثنايا مكونات مقاله عناصر جوهرية عن حقيقة عشقي لحيفا، أكد فيها على أنني مسكون بحيفا، وهي مسكونة في أعماقي وفي نهج حياتي اليومي، حتى لهجتي بقيت رغم بُعد الزمان حيفاوية صرفة. (ص 27-28)
ومن مواطن اهتمام العرب في فلسطين بالحركة الثقافية، عقدهم للندوات والمحاضرات والحلقات التلفازية والإذاعية ونشر مقالاتهم في الصحف والمجلات، كما جاء في الكتاب:
"بعد اللقاء التلفزيوني بقليل، انطلقنا ثلاثتنا، جوني وحسين وأنا، نحو القاعة الثقافية لكنيسة مار يوحنا الأرثوذكسية في شارع الفرس، غمرنا فيض من الضحك بسبب المفاجأة التي اختلقها جوني حول مقدم البرنامج... تتابعت التعليقات منّا بروح ملؤها الفكاهة والتندر.
وقول د. سميح:
"وصلنا القاعة الثقافية، وأول ما قابلته الصديق فؤاد نقارة رئيس نادي حيفا الثقافي برفقة زوجته سوزي وابنة عمه نائلة، ابنة طيب الذكر الراحل حنا نقارة الملقب بمحامي الشعب والأرض، بعدها التقيت بالشاعرة سعاد قرمان، ليليان بشارة، عبلة زريق, يوديت عابدي، الدكتور سهيل أسعد، وجيه عوض، شفيق معلم، ميخائيل إميل توما، علي رافع، روضة غنايم، بشاره ديب وغيرهم.(204)
وبقول أيضا:
"وفي نهاية حفل إطلاق كتابين للمؤلف في حيفا، وهما: "كتاب متحف الذاكرة الحيفاوية" وكتاب "مقامات تراثية"الحفل قدّم للمؤلف المحامي فؤاد نقارة رئيس نادي حيفا الثقافي، درعاً تذكارياً، قال بكلماتٍ قليلة ومعبرة: "إنه هدية من الجهات المنظمة للحفل التكريمي للمحتفى به ابن حيفا تقديراً لعطائه المتواصل".
عبّر المؤلف وللجهات الراعية للحفل عن شكره وامتناني على لفتتهم الكريمة، وقال للحضور بصوتٍ عالٍ: "بهذا الدرع تزداد جذوري عمقاً في أرض آبائي وأجدادي".
وجدير بالذكر أن الاحتفال أقيم في القاعة الثقافية لكنيسة مار يوحنا الأرثوذكسية (ينظر ص 203 وما بعدها)
معلومات تاريخية تصب في خانة الوثائق التاريخية والأدبية والاجتماعية والتراثية:
والكتاب يحوي جملة من الوثائق التاريخية والأدبية والاجتماعية، وإبراز الدراسات الوثائقية ونشرها يفيد الدراسات التاريخية ويساعد على النمو الحقيقي للدراسات بمختلف فروعها وخاصة الأدبية والاجتماعية، والتعرف على ملامح الأعراف والتقاليد ما يؤدي الى إضاءة الجوانب المتعددة لتلك العهود، بما يحويه من حقائق وكشف عن أمور وموضوعات تتجدد مع البحث العلمي على الدوام، وتفتح أمام العيون أبواباً للاجتهاد والدراسة والتحليل وفقاً للظروف والعوامل التاريخية والأدبية والاجتماعية، فلا تاريخ بلا وثائق ومن دون شواهد أو أدلة مؤكدة، والذاكرة رصيد الشعوب ومادته الأولى وهي العنصر الرئيس المكون للوعي التاريخي.
ومن الحقائق التاريخية في الكتاب نصيحة عرب الداخل لأهلهم في الضفة قبيل نكسة عام 1967، نصيحتهم لهم بعدم الهجرة، ومثال ذلك ما قاله ذياب لطف عبد المجيد (أبو العبد) للمؤلف: "عندما وقعت حرب الأيام الستة، دلّت المؤشرات مبكراً على سقوط الضفة الغربية، وقبل نهاية الحرب بيومين، طلب مني والدي لطف عبد المجيد أن أذهب إلى بُرقة لتوصيل رسالة إلى أقربائنا من آل مسعود، مفادها بألّا ترحلوا ابقوا في بيوتكم كما فعلنا في دير حنا عام 1948، توجهت إلى بُرقة وكنت وقتها يافعًا في عمر الشباب".(ص 193-194)

ومن الحقائق التاريخية أيضا عمل محطة الحديد زمن العثمانيين وتوقفها، كما قال د. سميح مسعود في كتابه:
"لاحظت في بداية أرض المحطة، وجود حجر كبير مكتوب عليه بخط جميل، اسم المحطة وتاريخ إنشائها وتوقفها عن العمل عام 1916، والحقيقة أن هذا التوقف كان مؤقتاً بسبب انتهاء الحكم العثماني، إذ إنَّ المحطة عادت للعمل ثانية طيلة فترة الانتداب البريطاني حتى عام النكبة، وقد سافرت منها بالقطار من بُرقة إلى حيفا، عدة مرات في أيام طفولتي."
ومن الحقائق التاريخية أيضا تصوير مطحنة الحبوب التي تعتمد على في حركتها بدفع الماء في تلك الفترة الزمنية:
"لم أنس بالطبع زيارة طاحونة جدي مسعود، الواقعة على مقربة من المحطة، وتحديداً بين أرض والدي وأرض ابن عمي عبد الرحمن في الشلعوطية، تهدّمدت بعض أجزائها مع الأيام، وباقٍ منها أطلال بناء حجري ينتصب فوق سطح الأرض، أذكر أنه كان واضح المعالم في أربعينات القرن الماضي، يتكون من عقود وأقبية وأروقة كثيرة تدعمها أعمدة ودعائم، وله أبواب قوسية كبيرة، وتتصل به قناة طويلة منحدرة من علٍ، يندفع فيها الماء بقوة شديدة، تؤثر قوة دفعه على تحقيق تحريك مستمر لحجرين مستديرين كبيرين، يوضع القمح وأنواع الحبوب الأخرى تحتهما ويتم طحنها من فرط السحق على مدار ساعات طويلة. (ص230-231)
يقول د. سميح مسعود:
"وذكر لي جمال أيضا في سياق القائمة عدة نماذج إنسانية مثيرة من أسرته في حيفا ومنافي الشتات، أحاول التوقف عند ثلاثة نماذج منها وفق جدل العلاقة بين المكان والزمان... ثلاثة رجال من آل الصلاح أثاروا انتباهي على نحو خاص يتفاعلون مع أحداث أزمنة مختلفة، تكشفُ خباياها عن مجريات مساراتهم الذاتية بتفاصيل تستحق التعميم.
أبدأ الحديث بأولهم عزت باشا الصلاح، الذي تدرج في مناصبه الوظيفية في الدولة العثمانية، ولم يلبث أن كسب ثقة السلطان عبد الحميد الثاني وتبوأ منصب "الدفتر دار" في عهده، أي "المسؤول المالي المكلف بتنظيم الوارد والمنصرف من أموال الحكومة العلية"، كما حصل على لقب الباشوية واكتسى بلباس التشريفة العثمانية "كسوة الباشوية"، وأصبح واحداً من حاشية السلطان، وعندما اشتدت معارضة جمعية الاتحاد والترقي للسلطان عبد الحميد، طلب من مسؤول ماليته أن ينقل كل ما يتعلق بأرشيف المالية إلى مصر.
غادر عزت باشا الصلاح إسطنبول على متن باخرة إلى مصر، وغداة وصوله إلى القاهرة ذهب إلى قصر الخديوي عباس حلمي الثاني، وسلَّم ما في عهدته من أرشيف، وسرعان ما التحق بحاشية الخديوي، وأتيحت له الفرصة ثانية للعمل في الأمور المالية بحكم خبرته وما اختزنه من اطلاع وتجارب في اسطنبول، كما تقلَّد الوزارة في وقت لاحق، وبحكم محيطه الجديد تعرف على علية القوم في ذلك الزمن، وواصل حياته في القاهرة حتى جاءته المنية، وبقي أولاده وأحفاده من بعده في مصر.
بالمصادفة تعرّف جمال الصلاح عبر الفيس بوك في عام 2011 على شخص اسمه عزت الصلاح من القاهرة، أدرك منذ البداية أنه قريبه، انبثق شعاع من نور في حياة جمال كشف له جذوراً حيفاوية جديدة تخصّه، تابعها عبر الفيس بوك، والتقى بقريبه الجديد في القاهرة، وعلم منه أنه يحمل اسم جده الأكبر عزت باشا الصلاح، وأن والده مدحت حافظ على تمسّكه بجذوره الفلسطينية حتى إنَّ أصول امرأته الثانية تنحدر من مدينة طولكرم، وحدّثه عن دلالات كثيرة بارزة في حياة جده الحيفاوي؛ بدا فيها الزمن متنوعاً بأثقاله الماضية... تلقى جمال دفعة قوية من المفاجآت اتكأ عليها في رسم تشابكات متجدّدة لأسرته؛ لا حدّ لها في منافي الشتات.
أما الشخص الثاني الذي يستحق الذكر فهو رفيق محمود الصلاح صاحب خط سير ذاتي غير عادي، تابع دراسة القانون في الأستانة مبكراً مع بداية القرن الماضي، تخرّج بتفوق من كلية الحقوق، وبدأ ممارسة مهنة المحاماة في حيفا، وكان كمحامٍ قد شعر بقلق من انتداب بريطانيا على فلسطين بقرار من مؤتمر سان ريمو للسلام، وقرّر رفع دعوى عمومية ضد الحكومة البريطانية في لندن مطالباً بإزالة الانتداب... رفع الدعوى فعلاً في لحظة مواجهة حقيقية، وتصاعدت أخبار قضيته وبلغت الذروة في محيط الأسرة القضائية، وكان ردّ فعل الحكومة البريطانية على ذلك طرده من حيفا ونفيه إلى إمارة شرقي الأردن في بداية العشرينيات من القرن الماضي.
مارس حياته العملية في عمان مع بداياتها الأولى، كان مقرباً من القصر، وشغل مناصب قضائية عدّة، وشارك في إعداد وصياغة العديد من مشاريع القوانين والأنظمة بالإضافة إلى مساهمته في إعداد الدستور الأردني وعمله محامياً، وكذلك فعل ابنه محمود من بعده، شغل مناصب قضائية عدة في عمّان، منها رئيس محكمة الاستئناف ووكيل لوزارة العدل وعضو في محكمة العدل العليا، وشارك في إعداد وصياغة العديد من مشاريع القوانين والأنظمة، بالإضافة إلى عمله محامياً.
والشخص الثالث هو سعيد هاشم الصلاح، من عصرنا الذي نعيش، يناهز عمره وقت كتابة هذه السطور الثامنة والثمانين، يقيم حالياً في ولاية فلوريدا الأمريكية ويتردّد كثيراً على السعودية والبحرين، وأستمدُّ قصته من مخطوطة سيرته الذاتية التي حصلت عليها من جمال، والتي كتبها بلغة سرد مباشرة وحبكة بنائية معبّرة عن لقطات أحداث واقعية زمانياً ومكانياً، فيها امتزاج بين العام والخاص على اتساع مدارات جغرافية متشابكة، وتفاصيل مكثفة عن شخصيات كثيرة من أهله عاش معها وعايش رحيلها الأبدي.
جدّه من أبيه هو أحمد الصلاح، من كبار المسؤولين في العهد العثماني، انحصر عمله بإدارة جني الضرائب وجني مدخول سكة الحديد في سورية الكبرى قاطبة في العهد العثماني، ولد سعيد وعاش طفولته في حيفا، درس في المدرسة الإسلامية، وعمل في صغره موزعاً للبرقيات البريدية في أحياء حيفا، ومن ثم انتقل إلى القاهرة لدراسة علم النفس، وتمكن أثناء دراسته الجامعية من إتقان العزف على العود، والعمل ككومبارس في الأفلام السينمائية، والتعرف على عدد من نجوم السينما من أهمهم الممثل أحمد مظهر الذي ربطته به علاقة صداقة متينة.
بعد سقوط حيفا لم يتمكن سعيد من الرجوع إلى مدينته الأثيرة إلى قلبه، عاش بعيداً عنها بمتواليات من التحولات الحياتية، اتجه في البداية إلى السعودية طلباً للعمل، وتمكن من تأسيس أول مكتبة للكتب العلمية فيها، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعيش في ولاية فلوريدا في الوقت الراهن، يهتم في أيامه الحالية بفتح دفاتره القديمة على اتساعها لتعريف أحفاده بجذورهم الحيفاوية؛ لكي تبقى فلسطين منقوشة في ذاكرتهم ومتجذِّرة في أعماقهم على مدى الأيام، يحدثهم بنفحة عاطفة أبوية عن أهله وناسه في لحظات زمنية بعيدة، ويعزف لهم على أوتار عوده، ويغنّي بكلمات يكشف فيها عن مشاعره وشوقه لحيفا بعاطفة متدفقة.
يضاف إلى هذا إتقانه الكتابة باللغة الإنجليزية، وقد نشر حتى الآن عدة كتب؛ تباع عبر الإنترنت على موقع "أمازون" مثقلة بومضات من آرائه وأفكاره، ومن أحداث منتقاة من واقع تجربته في الوطن والشتات، تتشابك في الوقت نفسه مع جذور أسرته الحيفاوية، ومن مآثره الإبداعية رواية أصدرها في ثمانينيات القرن الماضي بعنوان" الصحراء جنتي "تم اختيارها من بين العديد من الأعمال الأدبية لترجمتها للغة الصينية.
والحال، أن سيرة أسرة آل الصلاح تمثل سردية حيفاوية بدلالات اجتماعية وأطياف إنسانية متميزة، تحتاج بمجملها إلى تدوين، ولعل سعيد الصلاح هو الأقدر على تدوينها في فصول نابضة متشابكة، بكل ما فيها من مضامين منقوشة في ذاكرته ومتجذّرة في داخله عن جذور أهله في حيفا، يمكن بها تعريف أحفاد أسرته على وطن لهم يأبى النسيان.(ص 73-77)
تحدث هشام عن جده الراحل المهندس سليم الذيب أبو عمر، الذي أذكره من أيام طفولتي، وتنعكس ذكراه في مرايا متوازية ومتعددة، يظهر فيها كأول مهندس في تاريخ بُرقة، تبوأ مركز مدير الأشغال في لواء السامرة أثناء فترة الانتداب في أربعينيات القرن الماضي، ولتميزه في عمله نال وسام الخدمة الممتازة من ملك بريطانيا، وسلّمه إياه المندوب السامي في القدس، ولعُلو مركزه الوظيفي امتلك سيارة أوبل موديل 1936، يُدار محركها يدويًا بواسطة مقبض "منويله"؛ هي السيارة الوحيدة في القرية وفي كل القرى المجاورة، كان يقودها بنفسه أثناء رحلته اليومية، في توجهه من بُرقة في الصباح إلى مكتبه في نابلس والرجوع إليها في المساء.(ص60)
ومن الوثائق الأدبية قيام زيارة خليل السكاكيني لمدرسة برقة وتدوين ملاحظاته:
"أعطى ضرار أبو عمر في غمرة عاطفة وذكرى، مثالاً نادراً من ثلاثينيات القرن الماضي، يتعلق بشهادة مدح لمدرسة بُرقة من المربي الفلسطيني الشهير خليل السكاكيني بصفته مفتش المعارف، سجلها بتاريخ 2/1/1935 في دفتر زوّار المدرسة، مفادها: "موقع المدرسة فتّان، التعليم جيد، الطلاب أذكياء، أثني على همة المدير والأساتذة".(ص228-229)
ومن الحقائق الأدبية أيضا، كشف بعض الخبايا عن حياة الشاعر محمود درويش، كما جاء في الكتاب على لسان مؤلفه:
"يتسع مدى صور محمود على جدران غرفة الجلوس، إنّه في حضورٍ دائم، يراه أحمد درويش في كلّ شيء حوله... تعجّ ذاكرته بحكايا كثيرة عنه مستمدة من حياته على امتداد أيامه، مسكونة بكثيرٍ من الصور والمعاني، يردّدها أحمد كما لو أنها حدثت بالأمس، أشار في مجالها إلى بدايات محمود في حيفا، إقامته في شقة سكنية في شارع المتنبي مع سميح القاسم ، وإقامته في شقة سكنية أخرى في شارع عباس 45 ، وعمله في جريدة الاتحاد والجديد، وعلاقته الوطيدة مع إميل حبيبي، وعن ارتباطه بزواج قصير مع المصرية حياة الهيني، التي جاءت خصيصاً إلى رام الله بعد وفاته لزيارة ضريحه، كما زارت الجديدة أيضاً... تحدّث أحمد عنها بتقدير واحترام، لأنَّها أبقت ذكرى أيامها القصيرة مع محمود لها وحدها، لم تنشرها على صفحات الجرائد، كما فعلت غيرها.
التفتُّ إلى أحمد، وقلت له مستوضحاً: "ما أوجه الشبه بين محمود وأمه؟".
أطرق مفكراً ثم قال: "أخذ منها شموخها وجمالها".
واستدرك قائلاً: "كانت أمي تنظم الشعر باللهجة العامية الدارجة، وقد ردّدت ذات يوم بعض أشعارها أمام الشاعرة فدوى طوقان، عند زيارتها لنا... علقت الشاعرة الكبيرة وقتئذٍ، بجملة مفادها: أعلم الآن مصدر موهبة محمود الشعرية".
بعد ذلك استوضحته عن معرفة شاعرنا الكبير لجذوره البرقاوية، أكد لي بأن كلّ أبناء عائلة درويش بما فيهم محمود على معرفة بجذورهم البعيدة، ويكنون تقديرا خاصاً لجدهم الأكبر يوسف الذي رحل من بُرقة إلى البروة في السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر، وخلّف ابنه درويش أحد عشر ولداً، يُشكل نسلهم في الوقت الحالي عائلة منتشرة في الجديدة والمكر وأبو اسنان وكفر ياسيف وعكا وفي بلاد المهجر. (ص 157-158)
ومن الوثائق الاجتماعية:
التعرف على طبيعة العلاقات بين العرب في فلسطين كعاداتهم في إكرام الضيف واجتماع الأهل والأصدقاء وطبيعة أحاديثهم:
" بعد انتهاء حفل الإشهار تناولت العشاء مع سهيل أسعد في منزل قريبتي شهيرة شلبي في حيفا، التي تعرّفت عليها في حفل الإشهار لأول مرة في حياتي، أشخاص كثر دعوا للعشاء بمن فيهم زوجتي وأقرباء شهيرة الذين جاءوا معي خصيصا من إكسال للمشاركة بحفل إشهار الكتاب.
التفّ الجميع حول مائدة عامرة، ودار الحديث في مجمله حول انتخابات بلدية حيفا، وقائمة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة التي يرأسها سهيل أسعد، وقد ارتحت كثيرًا لحديثه حول الانتخابات، وعن الإنجازات والمكاسب التي يمكن تحقيقها من خلال البلدية في جميع المجالات، وبخاصة في التعليم والبنى التحتية للأحياء العربية، والرفاه الاجتماعي والثقافة، وفي الدفاع عن حقوق الجماهير العربية." (ص15-16)
ومن الوثائق التراثية أن للمؤلف كتابين، هما: متحف الذاكرة الحيفاوية" وكتاب "مقامات تراثية".
يقول المؤلف:
"يشتمل كتاب "متحف الذاكرة الحيفاوية" في مضمونه على دلالات مرئية لمقتنيات تراثية قديمة لوالديّ، كانت محفوظة في بيت عائلتي في حيفا في ذلك الزمن الجميل ما قبل النكبة، قدّمت صور مقتنياتي من خلال كتابي للقراء بكل ما فيها من عبق التاريخ والتراث الحضاري، لذكرى والدتي سارة ووالدي عبد الفتاح.
وتشتمل المقتنيات المصورة المدونة في الكتاب، على صور مقتنيات شخصية وعامة لي ولوالديّ، تتضمن مكاحل وأوانيَ منزلية وحُلياً تقليدية، ونقوداً وطوابعَ بريدية وراديوهات ومقتنيات أخرى ذات قيمة معنوية، تمثل في مجملها تاريخاً بأكمله، وتعبر في نفس الوقت عن العلاقة الحميمة التي تربط عائلتي بالمكان... مقتنيات كثيرة احتفظت بها في بيتي طيلة السنوات الماضية، وأضعها من خلال كتابي تحت تصرف الناس، للاطلاع عليها بكل ما فيها من حمولات تاريخية وتراثية واضحة المعالم.
أما الكتاب الثاني، فإنه يشتمل على صور مرئية لمقتنيات قديمة جمعتها خلال سنوات طوالٍ، أثناء تجوالي بين مدن وحضارات وثقافات كثيرة، تُمثل مجموعة تراثية فنية تُظهر بريق ما امتازت به مجتمعاتنا خلال مئات السنين الماضية، وقد قُسمت المقتنيات حسب المادة التي صُنعت منها وظهرت بصور توضيحية ملونة بأحجام متعددة، تجعل من الكتاب دليلاً مصوراً يساعد على إظهار المقتنيات المدرجة بكل مضامينها الجمالية والفنية، على اختلاف أنواعها وتنوع أساليب صناعتها وأشكالها الزخرفية. (ينظر:ص 198-199)
"وتحدّث جوني منصور مؤرخ حيفا، عن أهمية الكتابين في الذاكرة الفلسطينية، وبيّن في سياق حديثه على أن كتاب "متحف الذاكرة الحيفاوية" يضم في دفتيه مقتنيات من حيفا تنطوي على دلالاتٍ كبيرة، تؤشر على عبق المكان الذي أُخذت منه، وتحمل معانيَ معنوية ورموزاً إنسانية تُضاف إلى ما يسعى الفلسطيني إلى إبرازه لتثبيت علاقته بوطنه وأرضه وتاريخه وحضارته وليقول للعالم: إننا شعب حضاري، لنا دور في بناء الحضارة الإنسانية، وإننا شعب يحمل تاريخه على كتفه إلى أن يعود إلى وطنه وتعود مقتنياته معه".(ص 207)
يتبع....بقلم الناقد: عبد المجيد جابر



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قراءة في كتاب حيفا.. بُرقة/ البحث عن الجذور ج 2، للمؤلف د.سميح مسعود، بقلم الناقد عبد
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قراءة في كتاب "على درب الأندلس" للدكتور سميح مسعود ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 3 05-31-2020 08:50 PM
قراءة في كتاب "انطونيو التلحمي رفيق تشي جيفار للدكتور سميح مسعود بقلم د. عبد المجيد ج ماجد جابر منبر رواق الكُتب. 5 12-27-2019 08:51 PM
"سميح مسعود ..على دروب الأندلس"، للناقد الدكتور عبد المجيد اطميزة. ماجد جابر منبر رواق الكُتب. 4 07-04-2019 08:49 PM
افتتاحية رواية كتاب "إضاءات في كتاب "حيفا.. بُرقة البحث عن الجذور" ل د.سميح مسعود" بق ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 0 10-12-2016 03:45 AM

الساعة الآن 01:46 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.