قديم 11-10-2014, 01:18 PM
المشاركة 1271
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع...

-يقول عن نفسه "لقد اتجهت لكتابة الرواية في الخمسينيات وكان زادي قراءة طويلة وعريضة ومعرفة ودراية بقواعد واصول الملحمة والتراجيديا والدراما من الاغريق الى الانكليز الى الكلاسيكية الروسية الى الاتجاه الاميركي والفرنسي ..

- انا لا اكتب الرواية تناصا.. اكتبها عن وعي ودراية.. والوم زملائي في العالم العربي انهم يكتبون دون الارتباط بأصول الفن الروائي..

- نقرأ الرواية المكونة من مائتي صفحة.. لكن يمكن ان تقرأ عشر صفحات ثم تقفز الى الصفحة الثلاثين ثم تقفز الى الصفحة السبعين دون ان تشعر بأن هناك انقطاعا قد حدث.. بينما حين تقرأ رواية ماركيز (مائة عام من العزلة) فأنت مرتبط بكل سطر فيها حتى تعرف مثلا مصير الولد الذي سيولد بذنب فتنقرض العائلة..

- وهذا ما يقلل قيمة الكثير من الروايات العربية.. لان اصحابها يجهلون اصول كتابة الرواية..

- وانا بالنسبة لي كاتب هاو لا اكتب لغيري.. كلما امتلأت اكتب.. ولم اشارك في مسابقة اطلاقا.. واختلفت مع جابر عصفور عندما طلب مني ان اشارك في مسابقة.. فاحترت كيف انه يطلب مني ذلك بعد كل هذه المسيرة والتجربة اذهب كناشئ واتقدم للمسابقة انتظارا للتقييم.. واذكر انني ارسلت له رسالة غاضبة.. وقد دعاني لزيارته حتى يشرح لي وجهة نظره في الموضوع لكنني رفضت..

- كل ما كتبته نال اهتمام النقاد.. سلبا ام ايجابا.. لان حتى من يكتب عنك سلبا فهو على الاقل قرأ.. لقد كتب حول تجربتي نقاد كثيرون منهم صلاح فضل وجابر عصفور نفسه الذي وضع مقدمة للترجمة الانكليزية لروايتي (الزلزال).. وغيره كثيرون.. ولدي موقع في (الانترنت) فيه مئات الشهادات من كتاب كبار..

- كذلك ترجمت ثلاثة من اعمالي في المانيا وتدرس كتاباتي في الجامعات هناك وتترجم في باريس.. كل هذا تكريم..

- وانا لا اكتب بماء الذهب حتى ارجو من الناس ان يقيمونني تقييما جيدا.. ولكن استطيع اقول ان معظم ما كتب كان لصالح كتاباتي..

- وهناك البعض لا يعترفون بي لدوافع ربما ايدلوجية.. يرفضون كل تجربتي وفكري.. وانا متسامح معهم.. والغلبة في نهاية الامر للتاريخ لانه هو الذي سيحكم..

- وانا مسرور كون هناك شباب في الجزائر يكتبون الآن رواية جيدة.. يكتبون عن معرفة بأصول الكتابة.. هؤلاء لا اقول انهم امتداد لي.. ولكن على الاقل ينشأون الآن في مظلتنا.. ولذلك فهم اقدر مستقبلا على تقييم تجربتي.

- الواقع انني كاتب سياسي وعندما اشعر انني افرغت الحقبة السياسية التي تشغلني انتظر لأن ليس لدي ما اضيفه..

- وفي رواياتي تنبأت بأشياء كثيرة.. فلي مثلا رواية (تجربة في العشق) كانت حلما وقتها حول عودة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والقيادات الفلسطينية حيث قلت انهم سيعودون الى الارض المحتلة.. وهذه الرواية نشرت في الثمانينيات قبل اوسلو بسنوات طويلة.. حيث قلت فيها انهم سيدخلون بدون سلاح الى ارضهم..

- وكما قلت انا لا اكتب يوميا او سنويا.. وانما كل اربع او خمس سنوات ثم امتلئ واتفرغ للكتابة اياما معدودات.. لا تتجاوز غالبا الثلاثة اسابيع.. واكتب الرواية على نفس واحد.. كل يوم عشر ساعات تقريبا.. بدءا من التاسعة صباحا حتى الخامسة مساء.. الى ان تكتمل الرواية.

- يبدو عموما ان الخلاصة التي خرجت بها الرواية العربية بعد استقراء طويل جدا هو ان كثيرا من زملائنا الروائيين لا يعرفون اصول الدراما.. لا يعرفون اصول التراجيديا.. ولا الكوميديا.. يكتبون تناصا.. يستحلبون من ذاكرتهم اشكالا وشخصيات..

- فالكتابة الروائية ينبغي ان تكون عن اصول وقواعد.. هناك كما قلت للاسف روايات مليئة بالحشو وما لا يلزم.. ويمكن ان تفهم خلاصتها من قراءة بعض صفحاتها فقط.. فهي تخلو من المقدمة المنطقية والبناء العقلاني للشخصيات.. وتفتقد الى التناسق بين اللغة والمضمون والشكل والحالة الروائية في فصولها المختلفة.. فاللغة تبدو متنافرة مع رواية تتحدث مثلا عن بحر هادئ ولكن كلمات السرد تجئ محماة ومتشنجة.. هناك استسهال للاسف في كتابة الرواية.. وكثير من الروائيين اكتسبوا اسماء فصاروا يدمجون الروايات بشكل متواتر.. وهناك كتاب لا اسميهم قلت لهم في وجوههم انكم لم تكتبوا روايات.. بل كتبتم ملخصات لافلام.. وعلى كل ومهما كان فالرواية في العالم العربي صارت مهمة سهلة ففي اليوم الواحد يمكن ان تصدر عشرات الروايات .. لكن لن نخرج من كل هذا الكم الا برواية واحدة.
(ترجمة ابداعية)
* ماذا أضافت ترجمات أعمالك لتجربتك الابداعية.. وهل كان انتقاء هذه الترجمات موفقا من ناحية ومصقولا على النحو الذي تتمناه من ناحية اخرى؟
** مجرد ترجمتي في بلدان اخرى وبلغات اخرى فهذا هو من وجهة نظري اعتراف بأهمية تجربتي الروائية .. وسواء كانت هذه الانتقاءات موفقة ام لا او مصقولة ام لا فهي في النهاية حملت روحي الروائية الى مدى بعيد وعرفت الاخرين بما اكتب .. واظن أن ذلك أسهم في ذيوع الرواية التي اكتبها .. كما كرست للرواية العربية بشكل او باخر في خارطة الرواية الدولية
*مازال النقاد العرب يحاولون التنظير لرؤيةنقدية عربية تجاور النص الابداعي العربي وتكون اكثر تماهيا معه وبعيدا عن هذا التنظير المسافة تبدو بعيدة بين النقد والابداع .. واقترابا من تجربتك نسأل عن المدى الذي يمكن ان نتحدث عنه بين خطاب النقد وخطابك الروائي؟‍!
** النقد العربي مع الاسف الشديد لا يمارس من منطلق ان الناقد احب عملا ابداعيا ما او يريد منه الخروج برؤية نظرية ما .. ولكنه في كثير من حالاته يكون من اجل بعض الدولارات يأخذها من مجلة او صحيفة او ندوة.. وهو ليس نقد بمفهوم النقد بل هو مجرد تقرير او استعراض ليس الا .. وهذه الكتابات غير النقدية لا تتابع حركة الكتابة الروائية او الشعرية في العالم العربي بحيث تتناول الانتاج الجاد والمهم وكذلك متابعة الاصوات الجديدة .. معظم النقاد او من يسمون بنقاد يكتبون عن حنا مينا ونجيب محفوظ واميل حبيبي والطاهر وطار وهي اسماء معروفة يستعرضون من خلالها ادواتهم الجاهزة غالبا مع وضع قليل من البهارات حتى يتميزون عن سواهم ويرتبون انفسهم في مقام ذلك الروائي المعروف وهذا امر مؤسف جدا ويكشف حقيقة العوز النقدي الذي نعيشه .. ربما في الجامعات والمعاهد والمؤسسات العلمية هناك عمل نقدي جاد وجماعي ويشرف عليه اناس لهم خبرتهم في هذا المجال وهو جهد مفيد ويبين مسالب وايجابيات العمل الابداعي وهذا النقد نحن نبشر به وننتظر انتشاره وان لا يكون فقط حبيسا داخل هذه المؤسسات الاكاديمية .. ومع ذلك فلي ملاحظات على بعض المناهج الادبية والنقدية فبعضها قديم تجاوزه الزمن وبعضها غربي محض لا ينطبق على ذهنياتنا الشرقية والعربية ولكن هذا المتاح الان على الاقل وربما تولد مستقبلا مدارس نقدية عربية رغم انني ارى صعوبة في ذلك..
حيث حاولت شخصيا ان نفعل شيئا في هذا المجال .. وبدأنا بالفعل نبحث ونضيف اشكالا جديدة أو بالاحرى قريبة منا فنضيف مثلا للواقعية التجريد او نستخدم اشكالا هندسية ما كانوا يلتفتون اليها .. ولكن جهودنا وحدها لا تكفي لاحداث التحول المرتقب في المفهوم النقدي سواء الروائي او الشعري
(كتابة حديثة)
*وماذا تقول للذين يقولون ان تجربة الطاهر وطار توقفت عند نقطة ما وتجاوزها الزمن او الكتابة الروائية الحديثة ‍‍!!
** أنا لم اسمع هذا الكلام ولم التق بهؤلاء وينبغي ان نعرف اولا من هؤلاء حتى ندرك قيمة ما يقولونه وعموما لقد صدرت لي منذ سنتين روايتي (الولي الطاهر يعود لمقامه الذكي) وصنفها النقاد بانها من الرواية الجديدة رغم ارتباطها بالتراث ووجدت استحسانا كبيرا من كل جهة وترجمت الى الفرنسية مؤخرا.. وعندما تكون كاتبا مثقفا يضيع منك الجانب النجومي وانا لا افكر في ان اكون نجما لامعا وساطعا فلدي ما يشغلني من قضايا هي اهم من ذلك قد نخفق لما لا ولكن جدوى ما نفعله لا تسقط والعملية الابداعية عموما شاقة جدا عندما تكون عميقة واصيلة وتكون محاولات للخروج من حالة الى حالة ومن زمن الى زمن وانا اقول دائما انني لا اكتب بماء الذهب ولست تاجرا يبيع الكلام ولا انشر في الصحف لاتقاضي اجرا عن ذلك وعندما انشر افعل ذلك في (القدس العربي) لانه ينشر مجانا ولا احد يمكن ان يتهمني باني اجرى وراء الدولارات او انتظر المدح واعتبر الكتابة موهبة وهبني الله إياها وعطية احترمها لذلك لا اكتب بالمقابل اصلا ورواياتي الاخيرتان لم أتلق عنهما قرشا واحدا .. نشرتا في مصر والاردن لم اتلق حتى نسخا منها والطبعة التي صدرت في الجزائر اهديتها لجمعيتنا (الجاحظية) وفي عام 1974 أهديت حقوق تأليف كتابين صدرا لي واحد منهما لمنظمة فتح قبل ان تكون منظمة التحرير الفلسطينية والاخر لفيتنام.. انني مثل من يكتب الرقى والاحجبة .. اعتبر ان ذلك غير مأجور او مدفوع له امارس الكتابة كهاو لانتشي .. كما يغرد العصفور .. فليقولوا ما يشاؤون فأنا راض عما كتبت ومنتش به.
(أصول وقواعد)
*لكن ماذا يقصدون بالكتابة الجديدة؟‍!
** أقولها صراحة.. مع الاسف الشديد كثير من الكتاب العرب لا يكتبون عن دراية بالكتابة.. انهم يظنون ان غارسيا مثلا كتب (مائة عام من العزلة) كرواية حديثة بينما هي مبنية على اصول الملحمة الاغريقية التي تجعل لها مقدمة منطقية تقول ان هذه العائلة ستنقرض عندما يولد فيها ولد له ذنب كما تقول عرافة لاي بطل اغريقي او اي بطل من ابطال شكسبير في الملك لير.. الخ
زملاؤنا الروائيون يتخلصون من قواعد الكتابة احيانا يتناصصون واحيانا اخرى يتلاصصون مع نصوص كتبت لمجتمعات اخرى فالواقعية الاشتراكية مثلا للملتزمين السياسيين كانت لها انذاك اصولها كأن يكون البطل ايجابيا وان تكون الرواية مرتبطة بالطبقة العاملة وان تكون متبنية لايديولوجية معينة الى ما غير ذلك فراح روائيونا من العالم الثالث واضافوا للواقعية الاشتراكية البطل السلبي .. اضافوا البطل المضاد والتجريد الذي هو عدو للواقعية وكان النتاج مشوها نحن نحتاج لادوات كتابة تتناسب مع وضعياتنا وواقعنا .. انا اعتبر كل اعمال متجددة لانها لا تتكرر.. لم اكرر شكلا .. لم اكرر بطلا .. وايضا جديدة لانها نتيجة لاسيتعابي لمعطيات المثاقفة الجديدة ولوجود خط خاص بي .. ولا يمكن ابدا ان نطلب من حنما مينا او نجيب محفوظ او الطاهر وطار ان يلهثوا وراء كتاب كانوا حداثيين منذ اكثر من عشرين عاما والبنيوية عندما انتهت في الغرب تبناها بعض النقاد العرب ولكن في جانبها السطحي فقط.. وفي بلدنا مثل شعبي يقول ( الشاعر اذا جاع يصير مداح) فهؤلاء عندما يعجزون عن التأليف الابداعي والخلق والابتكار يذهبون للتقليد ويكتبون اشياء ليس لها قواعد ولا اصول ثم يروجون لها على انها كتابة روائية جديدة وللاسف يقدمونها لقراء قدامى لهم خزينهم المعرفي الذي يؤهلهم لكشف هذا الزيف
(نصوص مفتوحة)
*هناك النص المفتوح الذي يتداخل فيه الشعري بالنثري.. وتتقاطع فيه القوالب ضمن أفق يسمى بالمفتوح ما رأيك في هذا النص؟‍!
** اقرأ هذه النصوص المفتوحة .. منها ما أسميه بنصوص (البوب) على غرار موسيقى البوب ليس لها قواعد عموما نحن ننتظر كيف ستصنف فيما بعد وكيف ستكرس لمكانها اما الرواية فلغتها منضبطة جدا وينبغي في احيان كثيرة ان تتخفى المفردة لترك المجال للصورة وللحالة الفنية والحركة الروائية وان لا تطمسها بالضجيج وهذا يحتاج الى خبرة .. همنجواي مثلا في كتاباته كأنما انت امام طلقة رصاصة .. رصاصة تصيب هدفها ولا يمكن تفاديها .. نجيب محفوظ في اعماله الاولى (اولاد حارتنا ) و(ثرثرة فوق النيل) و(كفاح طيبة) كانت ايضا كلمته هكذا منضبطة وبعض زملائنا يعجزون كما اشرت عن تأسيس حالات روائية فيروحون يثرثرون باللغة والمفردات والشعرية.. لكن لكل مقام مقال وهذا ينبغي ان يطبق في الرواية بصرامة.
(دال ومدلول)
* المرأة في رواية الطاهر وطار.. ماذا كانت تشكل على مستوى الدال والمدلول؟
**كل اعمالي كانت المرأة هي القضية هي الرمز في الخمسينيات كتبت قصة (نوة) وتحولت الى فيلم نال اعجاب العالم و(نوة) هي الضوء وكذلك كتبت قصة (ذنوبة) وهي رمز ايضا وكذلك قصتي (رومانة) وهي رمز لحركة التحرير الوطني الجزائري .. فالمرأة بالنسبة لي هي القضية وهي (الشريفة والمكافحة) في كل اعمالي عندي رواية لم اهن فيها المرأة ولم اكن الهث واجري وراء مشاهد اغرائية .. كانت المرأة كادحة وعاملة تشقى وتعانى وكانت الرواية كلها للواقع الفاسد والمقهور
* تحدثت عن فيلم (نوة) المأخوذ عن قصة لك .. ما رأيك في مسألة التناول السينمائي للاعمال الادبية وهل تعتقد ان التجربة المرئية تضيف بعدا اخر للتجربة المكتوبة ؟
** كل الصور المتحركة في السينما والتلفزة تضيف للعمل المكتوب فالسينما المصرية مثلا استقت بعض اعمالها من روايات نجيب محفوظ ولكن الاعمال الكبرى لنجيب محفوظ لم نشاهد الا القليل منها كالشوارع الخلفية او باب الحديد كما ان الجانب التسجيلي او الفلكلوري غالبا ما يضيع ولا يظهر .. وبالنسبة لنا في الجزائر فقد حولت احدى قصصي الى فيلم هو (النوة) ولي قصة اخرى هي (الشهداء يعودون هذا الاسبوع) حولوها الى مسرحية وقد نالت الجائزة الاولى في قرطاج وماعدا ذلك هناك تهميش سينمائي متعمد تجاه اعمالي واعتقد ان بعض المخرجين السينمائيين في الجزائر متأثرون بالثقافة الفرنسية ولا تحركهم كثيرا الكتابة العربية.
(مشروع رائد)
* قرأنا تجربتك (الشهداء يعودون هذا الاسبوع) من خلال اصدارات (كتاب في جريدة) ما رأيك في هذا المشروع المعرفي العربي الذي تبنته بعض الصحف العربية ومنها (الوطن) العمانية؟!
** هو مشروع رائد ورائع ولابد من تحية القائمين على هذا المشروع والصحف الذي تبنته لانه بالفعل ينشر الفكر والابداع العربي ويجعله متاحا للجميع كما يسهم في حل اشكالية النشر بالنسبة للكتاب انفسهم فعندما نشروا عملي ( الشهداء يعودون هذا الاسبوع) وصلت كتابتي الى الاف القراء وهذا سرني جدا واتمنى ان يستمر هذا العمل لانه يعتبر تكريما للكتاب العرب وآمل ان يتناول هذا المشروع كل الكتاب العرب الذين لهم تحربة مهمة.
*أخيرا ماذا تقول عن الطاهر وطار؟!
** أنا حياتي غنية جدا .. انا مخضرم (عشت عهد الاستعمار للجزائر) من مواليد الثلاثينيات وخضت الثورة التحريرية وعشت في تونس وطفت تقريبا ثلاثة ارباع العالم من الهند الى كوبا الى انغولا الى اوروبا الى العالم العربي .. تنقلت في الجزائر شبرا شبرا ولي في كل قرية صغيرة اصدقاء ومعارف .. حياتي صعبة ومرت وتمر بمراحل خطيرة ودائما انا في تحد .. اشعر اني اسير وحدي وبالتالي هي حياة مليئة بالاسرار لذا ستكون لمذكرات حياتي لو كتبتها وقع كبير وهذا ما يخيفني لقد فكرت في كتابتها لكنني ترددت ومع ذلك فالفكرة لا تفارقني ربما هذا هو اوانها .. لا اعرف!!.

قديم 11-15-2014, 11:16 PM
المشاركة 1272
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 74- المرأة الوردة محمد زفزاف المغرب

المرأة والوردة” في قراءات أحمد اليبوري
هند الركيبي

- يرى احمد اليبوري في النص الثاني أن الرواية ضبطت العلاقة بين الكاتب والشخصية الرئيسية في إطار ما يسمى” الميثاق السردي”.

- ومن هنا برزت الخاصية الأساسية للكتابة الروائية من خلال انطلاق الكاتب من الواقع، وخلقه لعوالم متخيلة ذات علاقات منطقية.

- يرى الكاتب أن عنوان الرواية ” المرأة والوردة” والتي تتجلى في حضور المرأة في الرواية بشكل واضح مع ارتباط ذكرها بالحس، وهذا عكس الوردة التي وردت بشكل نادر رامزة للسارد بالاستمرارية والألوهية، وهذا ما اتضح في النص الأول وقد أكده في النص الثاني مع اعتبار أن الوردة تشكل الخلاص بالنسبة للشخصية الساردة، وكلا الكلمتين تحضر في التراث الشعبي، باحثة عن التوازن النفسي والكمال والصفاء.

- عدد الكاتب من خلال النصوص الثلاث تقنيات روائية والتي يؤكد فيها اللاحق فيها السابق، مع الزيادة لما توصل إليه الكاتب. ترددت تقنية الحلم في النصوص الثلاث بيد أن هذه التقنية عكست في النص الأول حاجة الشخصية الساردة للاستقرار العائلي والاستمرار المتمثل في خلق امتداداته؛ ليجعل منه فردا داخل المجتمع، ذلك المجتمع الذي يخاف الاندماج والذوبان فيه، هذا بالنسبة للحلم الأول

- أما الحلم الثاني فقد عكس لاشعور الشخصية الرافضة لما تقوم به في الواقع. وقد أحال الحلمين معا في النص الثاني وحسب التحليل النفسي الذي انتهجه في هذا النص، إلى التعبير عن الأنا الأعلى واللاوعي التواق إلى الاستقرار النفسي سواء اجتماعيا ودينيا ؛
- أما في النص فقد اكتفى بالحلم الثاني مبينا فيه استعمال الشخصية لمعجم قرآني كدليل على صوت القيم الذي غير نظرة السارد إلى الأمور ومن ضمنها المرأة التي تغيرت بنظره من آلة جنسية إلى عامل للاستقرار والتوازن، وبهذا نجده قد تجاوز بقراءته قراءات أخرى والتي ترى في هذه الرواية سرد بورنوغرافي، لتكون رواية تجربة وتحولات على مستوى الشعور.

- لقد ترددت تقنية العرض السينمائي في النصين الأول والثاني بحيث إنه استعمل نفس المثال من الرواية؛ ليفسرها في النص الأول بأنها” حيوية نابعة من استجابته لهواجس الحياة الفطرية، التي تم التعبير عنها بجمل فعلية قصيرة”

- أما في النص الثاني فقد اعتبرها حيوية أيضا لكنها نابعة في حضور الحركة كإشارة بديلة للغة والجسد والفكر وفيهما معا انتفاء لعنصر ذهني على مستوى التعبير وسلوك البطل.

- يرى الكاتب أن الرواية تعتمد لهجة الخطاب الحكائي الشعبي بحيث إنه بين في النص الأول ” أن الجملة تنتقل من النهي إلى الاستدراك إلى الاستفهام إلى التعجب إلى الاستنكار ثم الجواب وبذلك يكتسب الحديث الأدبي مرونة وبساطة.

- أما في النص الثاني فقد توسل بنفس المثال ليبين الدينامية الحكائية في الرواية؛ مع تبينه لالتجاء الروائي لكليشيات من التراث الشعبي وقد تمكن من تطويع اللغة من حيث التعدد اللغوي الذي كان دقيقا لدرجة أنه مزج بين المصطلحات لنخلص إلى تعطيل الحوار،

- كما أكد على مرونة اللغة كما في النص الأول لكن مضيفا على استعمال المحسنات البلاغية والإنشائية، استعمال سجلات الدارج والفصيح.

- وفي النص الثالث فقد عمق في رؤيته لأسلوب الرواية الشعبية مشيرا إلى ما أورده في النص الثاني حول تميز الرواية بالتركيب والتعدد على مستوى البناء والدلالة وقد اشتغل بالنهج الانشطاري من أجل توضيح هذه الخاصية والذي سعى من خلاله حسب تقديم الأستاذ بوحسن أحمد لكتاب أحمد اليبوري ” في الرواية العربية: التكون والاشتغال” إلــــــــى ” تقديم قراءة متعددة تراعي مختلف الطبقات المكونة للنص السردي”.

- ناقش أحمد اليبوري العلاقة بين الكاتب والسارد في النصين الأول والثاني مستعينا بنفس المثال وهو الاستشهاد بديتش. والذي يرى أن الابتعاد عن الواقع يجعل العمل أكثر إبداعية حتى لو كان سيرة ذاتية، وقد نوقشت هذه العلاقة في النص الثاني في مستهل التحليل تقريبا، بينما ختم بها في النص الأول وهذا تأكيدا على أن الرواية بعيدة عن حياة صاحبها الشخصية.

- وأخيرا نخلص إلى أن أحمد اليبوري خلال نصوصه الثلاث والتي تؤرخ بتواريخ متباعدة نسبيا قد قارب نوعا رواية ” المرأة والوردة” من خلال مناهج متعددة، بلغة مركزة أقرب إلى العلمية، وهو لا يتوق لمقاربته بصفة نهائيا لكن يدع مجالات للمه في كل مرة يطرح إشكال الرواية المغربية.

قديم 11-16-2014, 07:35 PM
المشاركة 1273
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع ......والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 74- المرأة الوردة محمد زفزاف المغرب

- اهتمام صاحب «المرأة والوردة» بعالم المهمشين والضائعين أضفى على أعماله نكهة إبداعية خاصة

- بدأ محمد زفزاف مشواره الإبداعي شاعراً في أوائل الستينات قبل أن يتجه لكتابة القصة والرواية تحديداً.

- كما استطاع «كاتبنا الكبير» (وهي الصفة التي اختارها له محبوه وأصدقاؤه من الكتاب) أن يطبع المشهد الأدبي العربي بطابع خاص يشهد له به الجميع،

- وخصوصاً ما يتصل منه باهتمامه الوفي باستيحاء العوالم السفلية في المجتمع المغربي في كتاباته القصصية والروائية، بما يوازي ذلك الاستيحاء من رصد وتمثل لعوالم المهمشين والمقهورين، اجتماعياً ونفسياً وفكرياً.

- وفي انتصاره ذاك لهذه العوالم ما يضفي على أعماله نكهة إبداعية خاصة يتميز بها محمد زفزاف في كتاباته، إلى جانب صديقيه في الحياة وزميليه في حرفة الأدب (محمد شكري وإدريس الخوري).

- هذه الخصوصية التي يتميز بها أدب محمد زفزاف جعلته يتبوأ مكانة خاصة واستثنائية في المشهد الأدبي العربي والعالمي. فبعض أعماله تُدرس الآن في بعض الجامعات الأوروبية والأمريكية، وخصوصاً روايته الشهيرة «المرأة والوردة».

- وهو ما جعل شهرة زفزاف أيضاً تخترق المحلية بفضل ما ترجم له من أعمال إبداعية إلى عدة لغات أجنبية، كما اختيرت بعض قصصه ضمن المختارات القصصية العالمية.

-ومحمد زفزاف في كل ذلك لم يسع قط إلى الشهرة في حياته، كما أنه لم يشهد له البتة بتهافته وراء الأضواء ووسائل الإعلام والدعاية. فالشهرة هي التي سعت إليه، غير أنها لم تستطع أن تغير من أصالته ونبل قيمه، ومن وفائه لمبادئه ومواقفه وهو الذي عاش بسيطاً إلى حد الجرح ومات بسيطا.

- ولد الراحل بمدينة سوق أربعاء الغرب التي تبعد قليلاً عن العاصمة الرباط. غير أن اسمه وحياته وإبداعه وشهرته، كما هو الحال بالنسبة لموته، ارتبطت جميعها بمدينة الدار البيضاء. ففي هذه المدينة تفجرت رؤاه الإبداعية، كما وجد فيها ضالته التخييلية.

- وبإمكان المهتمين بعلاقة المبدع بالمكان أن يتخذوا الآن من هذه التجربة، التي اكتملت وانتهت، مجالاً للتنظير والرصد والمقاربة.

- لقد بقي محمد زفزاف وفيا لهذه المدينة (الغول)، كما يسميها أحد المبدعين، إلى أن دُفن بها، استوحاها في جل أعماله، كما تمثل عوالمها السفلى والهامشية ورصد تحولاتها المتسارعة وصيرورات شخوصها وانهيار القيم فيها.

- كان الراحل محمد زفزاف أحد الكتاب المغاربة السباقين إلى النشر في المشرق العربي. وقد تركت قصته «الديدان التي تنحني»، التي نشرت في مجلة «المجلة» المصرية التي كان يرأس تحريرها الراحل يحيى حقي، وقعاً كبيراً على قراء القصة العربية آنذاك، كما لفتت الأنظار إلى هذا الكاتب وقد استمر في نشر إبداعاته ومقالاته الأولى في أمهات المجلات العربية آنذاك (المعرفة السورية ـ الآداب اللبنانية ـ الأقلام العراقية، وغيرها..)، حيث فرضت إبداعاته نفسها على أشهر تلك المجلات العريقة في وقت كان الوصول فيه إليها أمراً صعباً للغاية.

-وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة كذلك إلى ما حققته رواية محمد زفزاف «المرأة والوردة» من تراكم نقدي لافت حولها، حيث أنه بمجرد صدورها في أواخر السبعينات خصها النقد الأدبي في المغرب بالقراءة والتحليل، لتحقق تراكماً نقدياً مهماً ساهم فيه مجموعة من الأسماء من الجيل الأول من النقاد ومن الأجيال التالية.


-كما تباينت بصدد الرواية نفسها المنظورات النقدية من ناقد لآخر وأحياناً لدى الناقد نفسه، خصوصاً أن هذه الرواية تطرح من الأسئلة والموضوعات ما يُغري النقد الأدبي آنذاك لأجل تجريب المناهج وتوظيف المفاهيم والمقولات النقدية، وتحديداً ما يهم منها موضوعات «الجنس» و«الذات» و«الهوية» و«الآخر» (الغرب).



- وتعتبر الدراسة التي أنجزها الجامعي المغربي الباحث أحمد اليبوري، احدى أقدم تلك الدراسات وأنصفها وأعمقها تحليلاً لهذا العمل، بشهادة أحد من كتبوا بعد اليبوري عن الرواية ذاتها.



- خارج الاحتفاء الملحوظ لأعمال زفزاف، القصصية والروائية، بالزخم في المضامين والأسئلة والموضوعات، اهتمت أعماله كذلك بالتنويع في الأشكال وفي طرائق الكتابة السريعة، خصوصاً على مستوى التنويع في استثمار المنظورات السردية وتعديدها في النص الواحد.



- ومحمد زفزاف في ذلك كله، وفي غيره من الإنجازات الأخرى، إنما كان يؤسس لكتابة، قصصية وروائية، مغايرة، بما هي كتابة تراهن على رصد كتابة المغامرة إلى جانب مغامرة الكتابة في تلويناتها العديدة.



- إلا أن أهم ميزة تكشف عنها أعماله هي تجسيدها لوفاء أسطوري بين الكاتب وعالمه الإبداعي بمثل ذلك الوفاء المشتهى لفضاء الدار البيضاء، خصوصاً ما يتصل منه بالحضور المهيمن للرؤية الانتقادية في أعماله الأدبية.



- فقيمة أعماله الإبداعية تأتي أساساً من قدرتها على الانتقاد والسخرية والتهكم،



- بحيث نحس باللغة الإبداعية في أعماله غير منفصلة كلياً عن لغات الشخوص وعن رؤية الكاتب إلى العالم الذي يخلقه من حولها، وهي (أي الشخوص) تحكي عن ذواتها ومشاكلها وخيباتها، وعن رغائبها الخاصة والعامة، كما تحكي عن أوهامها وأحلامها وآمالها.



- هذا الوضع إذن يكشف عن ثراء باهر في مستويات المتخيل الحكائي المميزة لأعمال زفزاف الأدبية، وهو ما جعلها تثير من حولها الكثير من الجدل والأسئلة النقدية المخصبة والمقلقة.



- ويكفي هنا أن نشير إلى أعماله التالية (بيوت واطئة ـ المرأة والوردة ـ الأفعى والبحر ـ بيضة الديك ـ الثعلب الذي يظهر ويختفي ـ غجر في الغابة ـ بائعة الورد ـ أفواه واسعة...) لكي نلمس عن كثب مدى ما حققه التراكم النصي لدى الراحل من أسئلة وما يقدمه من إمكانات جديدة لإعادة القراءة والتأويل واستخراج دلالات جديدة، خصوصاً أن أعماله القصصية والروائية قد أعيد طبعها في أربعة مجلدات (ضمن سلسلة الأعمال الكاملة) بمبادرة من وزارة الثقافة المغربية، وهي تشكل الآن تجربة نصية متكاملة ومنتهية للدارسين والمهتمين بالتأريخ للأشكال وللمضامين وعقد المقارنات وتتبع المراحل التطورية في الكتابة والسرد.


- وإذا كانت قضية «الكتابة» قد شغلت الراحل محمد زفزاف في العديد من أعماله، وتحديداً في روايته الأخيرة «أفواه واسعة»، باعتبارها موضوعاً للمساءلة والانتقاد، فإن سؤال «الموت» قد جثم بدوره على هذه الرواية، وكأن زفزاف قد أحس بثقله عليه ففجره إبداعياً فيها وبشكل لافت وحدسي، حيث يخيم الموت كعتبة لتحريك العديد من الأسئلة المسكوت عنها والمرتبطة بسؤال الكينونة خصوصاً، فالموت في هذه الرواية يصبح أحد هموم الكتابة عموماً، بما هو سؤال جوهري، في ارتباطه خصوصاً بمسألة القلق والوجود والحياة والعالم الآخر، فـ «النصر للموت في آخر الأمر»، تقول الرواية (ص68):

- هكذا تشاء المصادفات أن تكون آخر موضوعة تحتفي بها آخر رواياته هي موضوعة «الموت»، وكأن هذا المبدع قد حدس رحيله فأبى إلا أن يتصالح مع الموت إبداعياً قبل أن يختطفه من عالمه الإبداعي، يموت زفزاف ليحيا في أصيلة.

قديم 11-17-2014, 01:47 PM
المشاركة 1274
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع.......والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 74- المرأة الوردة محمد زفزاف المغرب



- رواية محمد زفزاف (المرأة والوردة)، تعتبر عند البعض نموذجا أدبيا، وعربيا خالصا، للسيرة الذاتية الصعلوكية.

- تستهل الرواية، بالراوي، الذي هو بصدد تعليل مسألة الرحيل، رحيله إلى الغرب. وبالتحديد، رحيله من الجنوب العربي، إلى الشمال الغربي. وهكذا وقف بمدينة طنجة المطلة على الحدود الإسبانية المتاخمة لها، ومنها انتقل إلى مدينة (طري مولينوس) الإسبانية، الواقعة على الساحل الشهير (كوستا دِلْ صول)، الذي يعد، من بين أكثر السواحل الشمسية، استقطابا للسياح الأوربيين الأثرياء.

- وفي هذا المناخ السردي، تظهر عبر ضمير الغائب، شخصية ثانية نعتبرها، ازوادجية لأنا، الراوي. جاءت كصورة ناطقة وشاهدة، لتجربة سابقة، لهذا النوع من التجوال، في بلدان الغرب. وبطريقة غير مباشرة، مؤيدة ومشجعة للرحلة، التي يزعم البطل الراوي، القيام بها. ثم يعرض علينا، صورا سلبية لمدينة الدار البيضاء، التي خرج هاربا منها. فيقول عن المدينة، بأنها ملك للأجانب البيض، الذين يعيشون في ثراء، وأبهة، وفساد مالي، على حساب بقية طبقة الشعب المهمشة، خصوصا، تلك التي لا تنطق باللغة الفرنسية، لغة سادة البلاد.

- ثم تأتي مدينة طَنْجَة، في سياق الرحلة، كآخر محطة قبل العبور لإسبانيا. وهذه المدينة، تمثل لديه، الفرق الحدودي الواضح بين عالمين: عالم منبوذ لأنه عربي، وعالم مرغوب فيه لأنه أجنبي غربي. وفي هذا السياق الحلمي، يذكر تلك السنوات الأربع التي قضاها من قبل، في الغرب كأحد الأباطرة، منعما بحسن المأكل والمشرب، والثياب الفاخرة، ونكاح أجمل النساء. ثم يتطور السرد الروائي، ليحملنا إلى مشاهد لقاء، على ضفاف المصطاف، بين الراوي محمد، و(آلان)، و(جورج) القادمين من فرنسا، في اتجاه الجنوب، لاقتناء العُشْبَة المخدرة (الحشيشة). وفي هذه الأجواء السردية، تدخل (روز) الدانماركية، في صورة المرأة الجنس. المرأة الأوربية، المتحررة من كل القيود الأخلاقية، المرأة التي تهب جسدها مجانا، للمتعة الجنسية، والتي ترمز لدى الكاتب، حسب ما ورد في نصه الروائي:" تعرف كيف تمنح العالم، الحنان والحب." وفي رحلته الذاتية الداخلية، يرجع محمد بذاكرته إلى الوراء، حيث فتح عينيه، ونشأ في أسرة فقيرة بئيسة. ثم يعود الحديث من جديد، لعشيقته، (سوز) في أجواء (هِبِّيّة) من الإنسياح، وتعاطي بلا حدود، للحشيش، والخمور، والجنس. ويختم الراوي رواته، أو سيرته الصعلوكية، متسائلا عن هويته قائلا:" أنا .. ! من أي جنس أنا؟".


- فعبر هذه السيرة الصّعلوكية، يكون محمد زفزاف هو المؤسس، والرابط بالفعل، لهذا الجنس الروائي الحديث، بآفاقه التراثية الماضية.

- فكل العوامل والشروط، لهذا الجنس الأدبي، متوفرة في نصه الروائي.

- ونحن لا نزعم، بأننا المبتكرين لهذا الجنس، وإنما إذا ما نحن ربطناه بالتراث المقامي العربي الممهد له، تبين لنا بأن العلاقة تظل وطيدة بين هذا وذاك، ولئن كان الفارق الأساسي بينهما، يكمن في العامل الأخلاقي، الذي لم تخترق المقامة حدوده.

- على العموم، فإن البطل في هذه الرواية، التي تكاد تكون قصة طويلة، هو إنسان حاقد ومتمرد على مجتمعه، كما على الظروف، التي جعلت منه، إنسانا هامشيا. ثم إنه ليعلن تمرده، سيمشي ضد التيار الأخلاقي، والقيمي الذي تسير عليه أمته. فكل ما هو محرم، أو مسكوت عنه، سيصبح مباحا، في نظر الكاتب. فهو يخترق الحدود، يتجاوزها، ويسخر من أولئك، الذين ما زالوا مقيدين بها، أو العاملين على حراستها. ثم إنه يسعى إلى المقارنة والمقابلة بين عالمين: عالمه العربي الذي ينتمي إليه، والذي لا يعترف به كإنسان، ولا يقيم له أي شأن، والعالم الغربي البديل في مخياله، الذي يمنحه الحرية، والحب، والحنان بدون ثمن. ويتلخص في المرأة (سوز)، التي ترمز في هذه السيرة الإباحية، إلى عالم الحب، والتحرر من القيود. و محمد الزفزاف، بالرغم من جرأة صراحته، فإنه ظل نوعا ما، لبقا في عدم الدفع بتمرده اللغوي، إلى حد الوقاحة والخلاعة.

- ويعد من حيث تجربته القصصية، والروائية من رواد الأدباء المغاربة، الذين نقلوا لنا، صورا حية، وواقعية، عن المجتمع المغربي، منظورا إليه هذه المرة، بعيون المنبوذين والمهمشين، والفقراء، والصعاليك، والسكارى، والغشاشين، والمحتالين، من الطبقة الضالة، والمغضوب عليها اجتماعيا (الخبز الحافي) لمحمد شكري (1935-2003)
أما (الخبز الحافي)، فإنها رواية صعلوكية بامتياز. ونمط السرد السيرذاتي فيها، يعتمد على ذاكرة، مملوء خزانها، بصور مختلفة ومتداخلة، لشريط الكاتب الحياتي،أيام كان المغرب تحت الحماية الفرنسية-الإسبانية.

- ولقد كانت قصة نشر هذه الرواية الصعلوكية، وهي، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، حادثة عرضية، غير متوقعة.

- فالرواية أصلا، ليس لها ذاك الثقل الروائي، المتواجد لدى الروائيين الكبار.

- وليست حتى برواية أصلا، حتى يخوض الباحثين في تركيباتها، وحبكاتها العجيبة.

- إنما هي باختصار، شهادة إباحية لصعلوك متمرد، عن نشـأته، وعن مصيره، في مجتمع طبقي، حكم عليه، كما على من هم أمثاله، بالجهل والفقر والعيش في المستنقعات.

- فالكاتب مثلا، قبل التفكير في نشر هذه السيرة الصعلوكية، والتي لم يكن قد فكر في كتابتها، كان يعاشر بعض الكتاب الأجانب، القادمين إلى المغرب، بحثا عن الشذوذ الجنسي، ولو كان ذلك خلف أقنعة أدبية، أو فنية.

- نذكر منهم (تينسي وليام)، و(جان جنيه) الفرنسي، و(بول باولز) الأمريكي، وبالتحديد، الناشر الإنجليزي (بيتر بين) صاحب (بول باولز). لقد كان هذا الناشر، قد قدم للمغرب، بحثا عن الأدبيات الشاذة.

- وهو بالمناسبة، الذي نشر لكل من: العربي العياشي (حياة مليئة بالثقوب)، و(الحب بخفته من الشعر)، لمحمد المرابط، التي كان (بول باولز)، قد قام إلى نقلها إلى الإنجليزية، بعد سماع روايتها شفهيا، من الكاتبين المعنيين.

- وفي هذا السياق، سياق البحث عن الشاذ، التقى الناشر (بيتر بين) بشكري، وعرض عليه، نشر أحد نصوصه، شريطة أن يكون، من الأدبيات الصّعلوكية الشاذة. وكذلك كان، أن التجأ محمد شكري، إلى مرشده الصّعلوكي، بالتبني في هذا المستنقع الأدبي، (بول باولز)، الذي نقل له سيرته الصعلوكية في السبعينات، وذلك قبل ظهورها بالعربية، لسبب بسيط، وهو أن النص العربي، لا يوجد، ولم يتواجد قط.

- ومن المفارقة العجيبة، بخصوص هذا المتن السيرذاتي، فإن المؤلف نفسه، لم يحرره كتابيا قط. وهكذا قام الكاتب محمد برادة، بنقله إلى العربية، من بعد ما ظهرت ترجمته إلى الفرنسية، التي أشهرته، على يد الكاتب، الطاهر بن جلون. والسر من ترجمة هذا النص إلى العربية، على يد كاتب عربي آخر، يكمن في عدم تمكن محمد شكري، من اللغات الأجنية، حتى يعيد كتابة النص بنفسه من الإنجليزية أو الفرنسية، إلى العربية.

- و إلا لكان قد أخرج نصه العربي، أو بالأحرى أعاد كتابته. لكن كيف سيعيد صياغته، على أصل إنجليزي، أو فرنسي، قد لا يكون وفيا، لنقل ما ورد فيه.

- وملخص هذه الرواية، التي لا تغدو عن كونها قصة طويلة، نجمله في صور متفرقة، ومتداعية من هنا، وهنالك لذاكرة الكاتب. فرواية (الخبز الحافي)، تروي عن طفولة الراوي، الشقية والمعذبة. عن سلطة الأب العنيفة. هذا الأب، الذي تجمعت فيه كل أوصاف الرذيلة، من حيث أنه، كان شرّيرا، سكّيرا، قمّارا، ومعذبا لزوجته، وقاتلا لأخ الكاتب. ثم يحدثنا عن رحيل العائلة، إلى مدينة طنجة. ثم رحيلها منها، في اتجاه مدينة تطوان، فوهران. ثم عودته لطنجة من جديد. ثم اشتغاله كبائع للسجائر المهربة. ثم تعلمه القراءة، للدخول إلى المدينة الفاضلة للمتعلمين. ثم يعرض لطابور من النساء العواهر. ثم بعض الصور، للشذوذ الجنسي، مع رجال أجانب، ولأدباء مشاهير مروا من هنا، وكل هذا، في المناخ الإباحي، لمدينة طَنْجَة الليلي. لأن النهار، كان متروكا لأصحاب العمل، أما الليل فهو لأصحاب السهر، من المدمنين، المتعاطين، للخمور والحشيشة، والذعارة بشتى ألوانها.

- فالخبز الحافي، قد كتب لها النجاح، في الخارج مبدئيا، لأن مروجيها، كانوا يعلمون مدى المراهنة التجارية، على إخراج شبه كتاب، من هذه الدرجة الصعلوكية، ومن هذا النوع الصعلوكي المستحب. بل واختراع شبه كاتب، يكون حصانا طرواديا، لتمرير هذا الجنس الأدبي الصّعلوكي المحرم، إلى مجتمع عربي إسلامي محافظ في أدبياته.

- وحين كتب له النجاح، كحامل لراية الرواية الصّعلوكية، لم يجد، ما يمكن أن يخسره، سوى المضي قدما بمشروعه، عبر قصصه ورواياته اللاحقة: كمجنون الورد، والشطار والوجوه. والذي جر على محمد شكري، لعنة منع روايته، وحظرها في كل من م ة، وأسلوبها الخلاعي، لبطل صعلوك وشاذ.

- فإذا كان الأدب الصعلوكي في بدايته التاريخية مع الصعاليك، أدب احتيال وسرقات، مع احتفاظه بمقوماته الأخلاقية، وفي عصر النهضة مع عرب الأندلس، أدب تمرد واحتجاج، فأنه سيصبح مع شكري، بالإضافة لهذا وذاك، أدب وقاحة، واستهتار، ومجون، وخلاعة ولواطة، وسحاق، واغتصاب الغلمان.

- وسيصبح بيانه الصّعلوكي،[على غرار البطل، راسكولينكوف، في الجريمة والعقاب، لدستوفيسكي] على لسان الكاتب نفسه:" إن السرقة مشروعة في عالم االصّعاليك". ونضيف من جهتنا مصححين، بل في أجواء صعلوكية كهذه، فإن كل المحرمات، والمعاصي، تصبح مباحات مشروعة.

- لقد طورا، كل من محمد زفزاف، ومحمد شكري، فن القصة القصيرة، كما الرواية المغربية، انطلاقا من الستينات. فالزفزاف مثلا، من (حوار في ليل متأخر)، إلى (الأفعى والبحر)، مرورا ب(المرأة والوردة)، إلى (الثعلب الذي يظهر ويختفي)، كان يعمل فعلا، على تأسيس التجربة الروائية الصّعلوكية، انطلاقا من التجربة المعاشية، لواقع المدن المغربية، كمدينة الدار البيضاء، نموذجا.

- ولقد جاءت تجربة الزفزاف الروائية، كما قصصه، التي تتمحور حول الأنا الساردة، شهادة تمرد، وإغراق الذات في المشروبات الكحولية، وتجوال بدون هدف، واحتجاج، وإدانة، وفضح للفوارق الطبقية، وبؤس مدن الصفيح، والطبقة الشعبية المهمشة، في مقابل أصحاب الثراء.

- ولقد جمع محمد زفزاف، في قاموسه اللغوي الروائي، كل ما هو عامي، وشعبي، وصعلوكي.

- وكانت هذه التجربة الأدبية، تدور داخل إطار الأدبيات الرسمية آنذاك. ولو أن صاحبها، ظل نوعا ما، ككاتب مُهَمّش طوال حياته. وهذا بالرغم من ممارسته، لمهنة التدريس من جهة، وتعامله مع الأدب العربي، والعالمي، من جهة أخرى.

- وهو في كل هذا، وبجرأته الأدبية الصّعلوكية، والخارجة عن المألوف الأدبي العربي، لم يخترق حرمة الخط الأحمر.

- لقد ظل محترسا، نوعا ما، علما بأن أدبياته الصّعلوكية، كانت كثيرا ما تثير حرجا كبيرا، في تعريتها لكثير، من مشاهد طقوس الحشيش، والخمريات، والقَحْبانِيات.
أما شكري فإنه في مقابل محمد زفزاف لم يكن ليحظ بهذا الثراء الثقافي الزفزافي. ولم تكن له، تلك السلطة الثقافية، التي كان يتمتع بها نده. ولئن كان كليهما، يشترك في تقاسم، مجالس الحانة والقصص الحمراء.

- فشكري، سيأتي متأخرا، من حيث الثورة الكتابية. وهو الآخر، كان قد نشر هنا وهناك، في بعض المجلات والصحف العربية، إلا أن كتابته الصّعلوكية المحتشمة، والحذرة آنذاك، لم تكن لتثير إليه الانتباه. وهو سيدخل إلى معترك الساحة، كرائد ومؤسس لهذا الوجه الإباحي، والمتعالي على أخلاقيات المجتمع، بتمرده هو الآخر، ولكن بشكل متطرف.

- فشكري والخبز الحافي، بداية لسلسلة حلقات سيرذاتيّة صعلوكيّة، ذات أوجه متعددة، ومضمون واحد. وهو بهذه المناسبة، من (الخبز الحافي)، إلى (الخيمة)، ف(الوجوه)، مرورا (بمجنون الورد)، و(الشطار)، لم يضف من عبقرية صعلوكية، سوى تكرار البطل الصّعلوكي نفسه، الذي يمكننا اختزاله، وتلخيصه في (الخبز الحافي). وقاموسه اللغوي الصّعلوكي، بإمكاننا حصره في الألفاظ التالية: الإغتراب، السرقة، الاحتيال، إدمان الحشيش والخمور، بالإضافة إلى القَحْبانِيات، والسخرية، و السّحاق، واللّواطة، والقيم المبتذلة.

- لقد سقنا هذه الدراسة التحليلية، وليس في نيتنا، أن نحكم على هذا أو ذاك. لقد عرضنا، لربّما بشكل فاضح، ما يشكل ويؤسس هذا الجنس، من الأدبيات الصّعلوكية الإباحية. وسقنا بعض الشواهد التاريخية، لنربط حاضر هذا الجنس الروائي، بماضيه. ثم إننا من جهتنا، لا نرى من ضرورة، لمنع أو تحريم هذا الجنس الكتابي. بل نرى بالأحرى، دراسته والوقوف على سلبياته، كما إيجابياته، لتوظيفها في خانتها التي تليق بها. ثم العمل من بعدئذ، على معالجة تلك الظواهر الاجتماعية، التي تعمل كالسرطان، في الطبقات الدنيا من مجتمعنا. فإذا كان محمد زفزاف، قد عانى من البؤس والفقر، لغاية أنه راح يجترهما في تجربته، طوال حياته.

- وإذا كان في الوقت نفسه، قد شخص لنا بعض الأمراض، التي تنهش كالسوس، في شجرة مجتمعنا. فلأنه كان يسعى من خلف كتاباته، أن يوصل لنا رسالته، التي عبر عنها بأسلوبه، وطريقته الكتابية، الخاصة به.

- ومحمد شكري من ناحيته، كان هو الآخر، ضحية لهذا الداء الذي تحدثنا عنه. فلا غرابة إذن، أن يكون هو بالذات، الذي قد تعرض للاغتصاب، والاعتداء، قد أراد هو الآخر، أن يبلغنا رسالته، ولكن بشكل قاس، ومبتذل، لأنه لم يكن بإمكانه، أن يستبدل طبيعته، وعما نشأت وتربت عليه، بطبيعة أخرى.

- وملخص القول، من هذه الدراسة، أننا لم نلعب قط، دور المرشد أو الواعظ. بل إننا نرى، أنه لنا في هذه الأدبيات الصّعلوكية، عبرة، ولنا فيها مادة اجتماعية، قد يستفيد منها الأديب، كما قد يستفيد منها، الدّارس الإجتماعي. بل وكل مصلح اجتماعي، سواء على مستوى الأحياء الشعبية، بمحاربة الأمية، والفساد الجنسي. أو على مستوى جمعيات وخيرات محلية، لمحاربة إدمان المخدرات، والسرقات، والدعارة، وباقي العاهات، والأمراض الاجتماعية المزمنة.

قديم 11-18-2014, 11:36 AM
المشاركة 1275
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 74- المرأة الوردة محمد زفزاف المغرب



- ولد الشاعر والقاص والروائي المغربي الكبير محمد زفزاف عام 1942م في مدينة الغرب في المغرب. كاتب له خصوصيته التي ميّزت أعماله، نشر أولى محاولاته الشعرية في الستينيات.

- كتب عن المجتمع المغربي وانتقده في أغلب أعماله التي تكاد تكون سيرا ذاتية مموهة،

- ترجم جل أعماله إلى عدة لغات عالمية،

- امتازت كتاباته بحوار ممتع مكثف ولغة سهلة وراقية.

- لأعماله قيمة معرفية وفكرية واجتماعية لا حدود لها، ترك مهنة التدريس وتفرغ للكتابة، عاش فقيراً ومات فقيراً مريضاً عام 2001م.

- يتحدث في روايته "محاولة عيش" عن معاناة الطبقة المسحوقة في المغرب، أولئك الذين يسكنون في "البراريك" أو بيوت الصفيح قرب الميناء، منطقة تعج بالغربيين الذين أفسدوا أهلها، والفقر أفسد أهلها كذلك، منطقة بغاء وحشيش وخمور.

- شكلت أعمال الراحل الكبير محمد زفزاف (1942-2001) لقصة عربية / مغربية من نوع مختلف وأدب سار ضد كل تحاليل وتصنيفات الأكاديميين.

- أدب مبتكر، حداثي، جميل، وغارق في تفاصيل الهم اليومي للإنسان العادي البسيط.

- نصوص زفزاف العالقة في الأذهان لا تنسى،

- فيها يصور المواطن العادي مهلل الملابس يمشي خائفا متلفتا وراءه وهو يعبرالشاعر ويتقيأ يوميا متقززا من كل شئ.

- عاش "بوهيميا" لا يعرف غيرالكتابة بين شقته ومقاهيه المفضلة مثل مقهى ماجستيك بحي المعاريف بالدار البيضاء.


- إنه الفوضوي المنظم، كان بنظر الكثير من النقاد العرب، أحد أكبر كتاب المغرب.

- وظل طيلة حياته لا تستسيغه مدينة الإسمنت ولا يستسيغها.

- كان دائما يمثل الوجه الاخر.

- الصورة المتناقضة مع "ثقافة المدينة" وبريقها الخادع وأصحاب البدلات الشيك والجهل الثقافي المطبق.

- كيف لا يراهم جهلة وهم من هدموا مسرح المدينة الوحيد في الثمانينات؟

- مثله مثل المبدع المغربي الراحل محمد شكري، كانا معا يجوبان الحانات يبحثان عن إجابة للمسائل الكبيرة.

- يقول الكاتب العراقي فيصل عبد الحسن: "كنت أعرف ان المبدع محمد زفزاف كريم اليد ويجود بما يملكه، كان بيته ممتلأ دوما بالأدباء الشباب الذين يأكلون معه في صحن واحد ويدخنون من علبة سجائره ويشربون معه بذات القدح.. لكنه، بسبب افتقاره الي مورد مال ثابت كان لا يستطيع في بعض الأحيان حتي شراء الجريدة."

- زفزاف، الذي لم يحظى بأية جائزة أدبية وطنية في بلاده. يعكس حالة معروفة تماما في الأدب العربي بشكل عام.

- فالثقافة واجهة للسياسة وساحة لها أيضا. وليس ثمة رابط حقيقي بين الإبداع والشهرة.

- يفسر الشاعرالعراقي الكبير سعدي يوسف قلة الإهتمام بزفزاف ويرجعها إلى سببين: الأول أن أعمال زفزاف العفوية الصادقة تحترم جمهورها وتعنى بقضاياه ولا تقدمها كما يشتهي الآخر، والثاني: أن زفزاف لم يكتب بلغة أجنبية.

- من بين كتّاب القصة المغاربة، ظل محمد زفزاف الأكثر نصَباَ ازاء الفن، يحزم أمره، ويأخذ نفسه بالشدة.

- ومن بين كتاب القصة المغاربة، ظل محمد زفزاف الأكثر وفاء لمسحوقي شعبه، حريصا الحرص كله على ان يظل هذا الوفاء متألقاً واضحاً عبر الفن، لا عبر البيان الصحافي او السياسي.

- يقول سعدي يوسف في رثاء زفزاف: تشبّثه بالحرية، حرية الفنان والمواطن، أورده شظف العيش، بل المقاطعة والعزلة أحيانا. وبينما كانت النُّهزة سبيلاً الى الرفاهة كانت الشدة لدى محمد سبيله الى قامة الفنان الفارعة.

- لقد كان الأدب المغربي بحاجة الي مسيح، يعذبه الفقر والمرض، ويموت بدلا عن جميع الكتاب والأدباء المغاربة، ويتحمل بموته عذاباتهم وغربتهم وقلة حيلتهم ازاء واقع متغير لا يرحم أحدا.

- لقد خسر الأدب العربي محمد زفزاف مبكرا وربما ربح العرب والمغاربة "اسطورة أدبية"، كما فعل العراقيون حين ربحوا بموت السياب المفجع نموذجهم الأدبي الخاص بهم.

- ( محمد زفزاف صريح إلى درجة الإحراج،


- صادق إلى درجة الفضح،


- وأنه رجل المبدأ إلى درجة التهور).

- قد يكون الروائي محمد زفزاف من بين روائيين عرب قلائل من الذين استطاعوا أن يخفوا بمهارة وحرفية عالية صوت الراوي أو الحاكي ويدمجه في ثنايا النص كلغز حتى يصعب التفريق ـ ولا يستحيل ـ بين صوت السارد من صوت المؤلف في عفوية مدهشة مصنوعة بحس عفوي يحاول إعادة بناء كل شيء ببراءة نصية تقترب لتلقائيتها من الجمال غير المدرك لنفسه، مثل جمال البراري والنجوم والينابيع الصافية العذبة.

- ومع أن هذا الروائي الذي يظهر ويختفي( عنوان رواية رائعة لمحمد زفزاف هو: الثعلب الذي يظهر ويختفي) لم يكتب نصا صريحا تحت عنوان سيرة ذاتية أو سيرة روائية ذاتية، غير أن جميع رواياته هي نصوص سيروية رغم أن عقد القراءة الأولي بينه وبين القراء يشير دائما على الغلاف باسم رواية وليس سيرة روائية ذاتية، وهذه اللعبة الروائية شائعة على يد كبار كتاب الرواية في العالم.

- فمن المرأة والوردة إلى الحي الخلفي إلى بيضة الديك ومحاولة عيش وحتى قبور في الماء أو الأفعى والبحر أو الثعلب الذي يظهر ويختفي، هناك دائما، تحت طبقات الخطاب الروائي المخفي بعناية، أو النص الصريح، جزء من سيرة هذا الروائي المبدع.

- وقد تكون روايته( الثعلب الذي يظهر ويختفي) تلخيصا مركزا للخطاب الروائي الزفزافي وهو خطاب يحاول فيه الكاتب تجنب فخاخ الكلام السياسي الفخم الذي يثقل النص، والاعتماد على السرد الحكائي القصصي المشذب والبعيد عن كلام الآيديولوجيا التي دمغت نصوص الأدب الروائي العربي لفترة طويلة.

- لا يمكن طبعا عزل أعمال محمد زفزاف عن تاريخ الرواية المغربية وهي رواية نشأت بين حضنين ترك كل واحد منهما فيها أثرا خاصا: الحضن العربي، والحضن الحداثي الغربي، وتحديدا الفرنسي، والروائي محمد شكري هو أول أمطار الرواية المغربية الحداثية التي تأثرت بالغيم القادم عبر البحر، مع الطاهر بن جلون.

- إن صفات الوصف السردي غير المنتظم وتكسير الأزمنة والشخصيات الضبابية غير المحددة المعالم ( في عالم ضبابي يضيع فيه الفرد) والكشف الجريء عن المخبوء والمسكوت عنه والتعرية والفضح، والرواية التشردية، والبحث عن معنى، والتمرد، وتفكيك البنية الاجتماعية، والرفض أو العصيان على التقاليد الادبية والاجتماعية، والتركيز على اللغة كمكون روائي عضوي، والبوح، والصدمة، والفرادة، والعلنية، والجسد، واللعب المدروس خلال الحكي، وهو شرط جوهري في الرواية الجديدة، كل ذلك شكل أبرز ملامح هذه الرواية رغم أنه جاء في نصوص كثيرة من خارجها أو ملصوقا عليها وهذه طبيعة أي تقليد لحداثة مجلوبة لا تنبع من شروطها التاريخية والنفسية كالحداثة الروائية في أمريكا اللاتينية، علي يد غابريل ماركيز مثلا، وأنخيغل اوستاريس مؤلف رواية( السيد الرئيس) أو ماريو فارغاس يوسو مؤلف رواية (حفلة التيس) وكلهم حصلوا على جائزة نوبل وتركوا أثرا في الحداثة الروائية العالمية بما في ذلك الاوروبية دون الوقوع تحت سطوة الرواية الغربية.

- لا يمكن عزل زفزاف الروائي والإنسان عن هذه المدينة (الدار البيضاء )، ولا يمكن قراءة أدبه خارجها، فهذه المدينة بكل ما فيها من بشر وأمكنة وروائح وتيه وضياع وأمل وخوف وجمال هي صورته السرية، هي متاهته الشخصية مثل أية متاهة أخرى، كمتاهات بورخيس، أو متاهات امبرتو ايكو، أو بصرياثا محمد خضير، فكل كاتب يصنع متاهته الخاصة بنفسه.

- إنها مدينة، نص، ينتفح، وينغلق، على الروائي، وهذا التقلب هو سر الحنين الدائم في الهرب منها والعودة إليها من هذا القنيطري ( نسبة إلى بلدة القنيطرة المغربية التي ولد فيها زفزاف) ثم دخل في غرام البيضاء حتى يوم حفل التكريم الذي قال عنه ضاحكا( هذا حفل تكريم أم حفل تأبين؟!)لأن العرب لا يكرمون كتابهم إلا بعد قراءة آخر تقرير طبي يشير إلى الحالة الميئوس منها، أو بقايا الفقيد، وعندها تبدأ حالات تبرئة الذمة وحفل الزور.

- هذه هي عادة زفزاف في كونه يضفي على الواقعي شكلا أسطوريا، أو يحول العادي إلى حكائي، سواء في الهامش النصي، أو في المتن، أو في الحقيقة.

- إن مقاهي الدار البيضاء مثل مقهى لاكوميدي، المسرح البلدي، مقهى الكابتول، أو مقهى ميشيل، مدام غيران، ميرسلطان، مقهى الرونيسانس، أو الزنقات التي عاش فيها مثل زنقة البريني، أو زنقة ليستريل، أو زنقة الجبل الأبيض، والمطاعم التي كان يرتدها( هو غير محب للطعام) مثل مطعم التيرمينوس، كلها ستكون في نصوصه الروائية أمكنة أخرى مع الشخوص والروائح، رائحة الناس، أو رائحة النبيذ، أو رائحة الزمن الذي يمر على رصيف الأزهار السري حيث الخطى المتسارعة لأقدام الزمن.

- وعودة إلى سلم منزل الروائي محمد صوف الشبيه بسلالم كافكا ( ضحك صوف كثيرا لهذا الوصف حين عثرت عليه في المقهى) فإن روايات زفزاف مشبعة بهذه الأجواء البيضاوية( نسبة إلى المدينة) حيث البحث عن مأوى وسرير وكأس نبيذ هي الخاتمة أو اللازمة التي تتكرر في جميع روايات هذا الروائي الكبير ولا أدري كيف حصل ذلك وهل كان واعيا به أول الأمر أم لا وحتى اليوم الأخير؟

- هذا الهاجس الثلاثي( السرير والنبيذ والمأوى) هو هاجس شخصي قبل أن يكون روائيا، أي أن نصوص الروائي هنا تأخذ تطابقها( التطابق هنا ليس التناسخ بل التشابه وهذا افتراق عن الأصل) من التجربة الحية للروائي، وهذا هو هاجس السرية الذاتية الروائية.

- أدناه نهايات سبع من روايات محمد زفزاف تبين بوضوح أن هذا الروائي المنهك بأعباء كثيرة كان يستعجل، يستعجل تماما، الوصول إلى الغرفة أو المدينة التي فارقها، أو السرير أو الدخول إلى بار أو كأس أو الأمل بالعثور على مكان دافئ نظيف حسن الإضاءة بتعبير أرنست همنغواي.

قديم 11-20-2014, 12:28 PM
المشاركة 1276
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم -75- ألف عام وعام من الحنين رشيد بوجدرة الجزائر

-- رشيد بوجدرة كاتب وروائي وشاعر جزائري ولد في 5 سبتمبر سنة 1941 م بمدينة عين البيضاء. اشتغل بالتعليم، وتقلد عدة مناصب منها، مستشار بوزارة الثقافة، أمين عام لرابطة حقوق الإنسان، أمين عام لاتحاد الكتاب الجزائريين.

في رواية ألف عام وعام من الحنين يلتحم الخيال بالواقع التحاما قويا الى درجة أنك لا تستطيع الفصل بينهما، بل تظهر كل محاولة للفصل بينهما مجرد عبث سيؤدي الى فراغ الرواية من محتواها.

- في هذه الرواية، يتصارع الممكن والمستحيل على حد سواء.

- الواقع في الرواية خيال والخيال واقع.

- إن بو جدرة يحلل التاريخ رابطاً الماضي بالحاضر من خلال ما جرى في التاريخ الإسلامي عبر (مملوكيته) وما يجري فيه حاليا عبر المملوكية (المتطورة في أشكال جديدة)،

- من هنا، كانت أهمية الرواية التنبؤية الداعية الى تأمل التاريخ، مرآة أية حضارة تطمح الى تجديد مجدها.

- الروائي رشيد بوجدرة طرح اسمه لأكثـر من مرة للفوز بجائزة غونكور للأدب الفرانكفوني، وحتى جائزة نوبل للآداب.

- وقد فاز بجائزة المكتبيين الجزائريين عن روايته الأخيرة ”نزل سان جورج”، ومن سخرية الأقدار أن الكاتب صاحب الشهرة العالمية الذي فرح بالجائزة اعتبرها أول تكريم له في بلده·

- ورواية ألف وعام من الحنين اختارها اتحاد الكتاب العرب ضمن قامئة أفضل مئة رواية عربية في تاريخ الأدب العربي.. رغم أن كاتبها كتبها باللغة الفرنسية!! وقد ترجمها إلى اللغة العربية الأديب ( مرزاق بقطاش).

---------------
- رشيد بوجدرة: كتبت بالفرنسية لأصبح معروفاً

- الروائي الفائز بجائزة المكتبيين الجزائريين عن روايته «نزل سان جورج» بدا نشطاً وحيوياً وفق إيقاع أعماله الروائية التي بلغت العشرين عملاً روائياً في اللغتين العربية والفرنسية، ومتابعاً لما ينشر من أعمال سردية حتى على مستوى منتديات الحوار على شبكة الانترنت.

- قدم رشيد بوجدرة الكثير من الأعمال الروائية، أبرزها: «الحلزون العنيد»، «الإنكار»، «التطليق»، «التفكك»، «تيميمون» وسواها.

- يقول الكتابة في الغرب جعلتنا نخلخل البنى الاجتماعية ونكسر التابوات. لم نر مثيلاً لنا في كتّاب المشرق العربي؛ فليس من بينهم من وظّف الجنس بطريقتنا، بالكيفية التي تتجلى في أعمالنا».

- يرد على سؤال : يقال إنكم اشتهرتم في إظهاركم عيوب العرب أمام الغربيين؟ـ نحن لم نرد ذلك، أردنا ان نظهر عيوبنا لأنفسنا، لكن الغرب استغل ذلك،

- نحن كتبنا بقصد النقد الذاتي، وقد استمتع القارئ العربي بذلك وبيعت أعمالنا في القاهرة والكويت بنسب كبيرة.

- روايتي «ألف عام وعام من الحنين» طبعت مرات عدة بخاصة هنا في الجزائر، وهذا يعني انها أعجبت القارئ العربي.

-وف يرده على سؤال : يرى بعضهم انك تأثرت بماركيز في رواية «ألف عام وعام من الحنين»؟ يقول "ليس صحيحاً، أعدائي من الجزائريين أشاعوا ذلك في وقت سابق، لكن روايتي هي قراءة مركزة للتاريخ العربي القديم.

- وفي المناسبة، «الواقعية السحرية» التي يقال ان ماركيز وكتّاب أميركا اللاتينية هم الذين أسسوها، بدأت عندنا لدى الحريري، في «المقامات» وفي «ألف ليلة وليلة». وماركيز ربما لا يعرف هذا العمل... الذي كتب قبل «الواقعية السحرية».

- بعض الجزائريين «المتفرنسين» أشاعوا مسألة تأثري بماركيز، لكن ما قدمته كان مختلفاً ونحن ككتاب مغاربة انفتحنا على التراث العربي.

- وفي مسألة التقنية، فإن تقنية الكتابة الحداثية هي تقنية «ألف ليلة وليلة». كل الكتّاب الغربيين في فرنسا وبريطانيا اعترفوا بذلك. علي اي حال من هو ماركيز قياساً الى «ألف ليلة»؟

- وللحقيقة روايتي «ألف عام وعام من الحنين» هي الأعمق، فيما «مئة عام من العزلة» لوحات ممازحة وكاريكاتورية تفتقر الى العمق.

- يقول عن لغة الكتابة : اللغة العربية هي الأفضل لكتابة الرواية بالطبع. عندما كتبت بالفرنسية لم أتجاوز نسبة محدودة من الصفحات. وفي العربية كتبت رواية بلغت ألف صفحة.

- ويقول " الكتابة باللغة العربية تتيح لي استخدام العامية، وهي توسع الفضاء أمامي، وقد درست الفلسفة والرياضيات ولدي منظور هندسي، لذا تمكنني اللغة العربية أكثر في التعبير، لكن الرواية في العالم العربي لا توزع أكثر من ألف نسخة، وفي الغرب تصل الى 27 ألف نسخة، وتلك هي المفارقة!

>وفي رد على سؤال : الرواية هل هي وثيقة تاريخية أم تجربة فنية محضة في رأيك؟ يقول " الرواية تجب قراءتها على أساس جمالي، يمكننا توظيف التاريخ ولكن ليظهر كعمل تخييلي لا كوثيقة. وبعض الأعمال الرديئة تعجز عن خلق هذا الفرق فلا تجد فيها المادة التاريخية الأمينة ولا التجربة الفنية الفعلية!

بقلم عصام أبو القاسم - الجزائر


قديم 11-20-2014, 01:08 PM
المشاركة 1277
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم -75- ألف عام وعام من الحنين رشيد بوجدرة الجزائر

- تسعى هذه الدراسة إلى تسليط بعض الضوء على واحدة من أهم التجارب الروائية في المغرب العربي يمثّلها الروائي رشيد بو جدرة الذي غادر منذ الثمانينات “ فم الذئب” ليحبّر نصوصه باللغة العربية بعد أن أنجز مدونة روائية بلغة ديكارت جعلته في مصاف كبار الروائيين في الغرب وواحدا من أهم ممثلي تيار الرواية الجديدة في فرنسا إلى جانب كلود سيمون و ألان روب غريي و ناتالي ساروت ,

- غير أن نداء الهويّة جعله يغادر لغة فلوبار ليعود إلى لغته الأم و يقدّم مدوّنة جديدة بلغة الضاد أثبت بها أنّه متميّز دائما فأثرى بنصوصه المكتبة الروائية العربية بسرد مختلف ورؤى جديدة ,

- يمثّل رشيد بوجدرة حالة وجودية استثنائية بين الكتّاب العرب الذين مارسوا الكتابة بغير العربية، فقد انطلق الرجل في الكتابة بالفرنسية ليُعرف كاتبا فرونكفونيا إلى جانب محمد ديب ومالك حداد وليلى صبّار وآسيا جبّار فأصدر روايته التطليق (1969) والإنكار (1972) ثم الحلزون العنيد (1977) وألف وعام من الحنين (1979) والفائز بالكأس (1979).

- وبعد هذه المسيرة التي كرّسته كاتبا باللغة الفرنسية يرتدّ رشيد بوجدرة عن الفرنسية ويهجر متلقيه ليجترح سنة 1982 أوّل رواية باللغة العربية فكّك بها صلته الإبداعية بلغة فلوبار وفولتار ووسمها ب”التفكّك” ليبدأ رحلة إبداعية جديدة لا يعمل ماذا ينتظره على جنباتها.

- وبالفعل تعرّض بوجدرة إلى هجوم مزدوج ممّن طلّقهم، قرّاء ونقّادا فرنسيين وممن عاد إليهم قرّاء ونقّادا عربا.

- ويكفي أن نذكّر بما ورد في مجلة الوسط (العدد 85) بتاريخ 13/09/1993 على لسان حموش أبو بكر في مقاله : تجربة الكتابة باللغة الفرنسية. “رشيد بوجدرة، تحوّل إلى الكتابة باللغة العربية ونجح في الإبداع بها، غير عابئ بالضجّة السياسية التي أحاطت بقرار تخليه عن الكتابة باللغة الفرنسية.

- ويقال أن الأمر وصل بجريدة “لومند” الفرنسية إلى حدّ ردّ نسخ من روايات بوجدرة الجديدة. كانت أرسلت لها من قبل الناشر الفرنسي “دونوال” الذي قام بنشرها مترجمة عن العربية. ويبدو أن محرّر “لوموند” أرفق النسخ المترجمة برسالة إلى الناشر مفادها أنه لا جدوى من إرسال مثل هذه الروايات إلى الجريدة إذ أنها لن تكتب عن أي عمل لرشيد بوجدرة بعد تخلّيه – على حد تعبيرها – عن لغة ومنطق ديكارت “.

- لكن بوجدرة سرعان ما عبر مأزق الامتحان لتسّاقط من قلمه روايات أخر بلغة الضاد تثبت أنّ رواية “التفكّك” لم تكن بيضة الديك ولا هي نزوة إبداعية إنّما هي نقطة تحوّل كلّي في تجربة المبدع، فكانت روايات المرث (1984) وليليات امرأة آراق (1985) ومعركة الزقاق (1986) ثم جاءت مرحلة الصمت التي تزامنت مع اشتعال فتيل المحنة ليعود الرّجل إلى الكتابة ويكسر جدار الصمت في بداية التسعينات بنصّين روائيين يحملان بصمات المحنة وروائح سنوات الجمر وهما فوضى الأشياء (1990) وتيميمون (1994).

- يقول عن سؤال لماذا عاد الى العربية : يردّ الكاتب نفسه على هذا السؤال قائلا : ” عُدت للعربية بالغريزة، كنت منذ عام 1969، عندما بدأت الكتابة بالفرنسية أشعر بعقدة ذنب وحنين للعربية، وكانت علاقة عشق بالمعنى التصوّفي باللغة العربية، وكان انتقالي للعربية ناتجا عن ضغوط نفسية.

- كنت عندما أكتب بالفرنسية أعيش نوعا من العصاب بسبب عدم الكتابة بالعربية، في بعض الأحيان كنت تحت وطأة كوابيس أراني فيها فقدت النطق بالعربية أمام جمع حاشد “.

- وأقرّ بوجدرة بقصور اللغة الفرنسية على نقل أفكاره ومواضيعه المتعلّقة أساسا بالإنسان الجزائري العربي المسلم، وأبدى الكاتب ارتياحه للعودة إلى العربية التي مكّنته من الرقص على درجات سلّمها فاستخدم “اللغة الشعبية واللغة السوقية” يقول ” هناك شيء يسمّى اللغة العربية بقاموسها العظيم الزخم، كما هناك أيضا اللغة الشعبية وأقول في أحيان كثيرة اللغات الشعبية.

- فقد استعملت “الشاوية” مثلا في بعض الروايات من خلال منولوجات أو حوار [إن] إدخال اللغات الشعبية في الكتابة الغربية يعطي العمل الأدبي نوعا من الزخرفة والزخامة والقوة للنص العربي أكثر مما يعطيه للنص الفرنسي “.

- وفي حوار آخر يرى بوجدرة أنّ المستقبل للرّواية العربية المكتوبة بالعربية : “المستقبل بالفعل للرّواية الجديدة المكتوبة باللغة العربية “ وأن لا مستقبل للكتابة الروائية العربية باللغة الفرنسية.

- يمكننا أن نخلص من خلال هذه الآراء إلى أنّ عودة رشيد بوجدرة إلى اللغة العربية لها أسبابا عميقة وذاتية وأخرى موضوعيّة فهو يعيش في اغتراب لغوي، إنه يعيش خارج بيته ومسكنه أليست اللغة مسكن الكائن البشري ؟!

- وهذا ما جعله يفقد الإحساس بالأمان، مما ولّد عنده كوابيس تدور حول حادثة فقدان النطق بالعربية، وهذه الحادثة الذاتية النفسية يمكن فهمها في سياق أكبر، وهو علاقة اللغة بالهويّة. يبدو أن رشيد بوجدرة أصبح يشعر أنه مهدّد في هويّته العربية نتيجة استمرار حالة الاغتراب اللغوي، وهذا ما عجّل عودته إلى العربية ويذكّرنا هذا بعبارة مالك حدّاد الشهيرة “اللغة الفرنسية سجني ومنفاي “.

- أمّا الدافع الموضوعي للعودة فهو ارتباط مناخات الكتابة عنده بالفضاء والإنسان العربيين، واللغة الأجنبية لا يمكن أن تنقل خصوصيّة المناخ العربي وتفكير الإنسان الجزائري نقلا أمينا. كان رشيد بوجدرة يفكر بالعربية ويكتب بالفرنسية وفي تلك الرحلة بين لغة التفكير ولغة الكتابة تسقط أشياء كثيرة وأحيانا يسقط عمق الفكرة، فالأمر أشبه ما يكون برحلة النص بين لغتين من خلال الترجمة، فالترجمة ستظلّ خيانة للنص أبدا. وبعودة رشيد بوجدرة إلى العربية تطابقت لغة الفكر مع لغة الكتابة وسقطت رحلة الاغتراب.

- يتقاطع هذا السبب الموضوعي لعودة بوجدرة إلى العربية مع الأسئلة المصيرية التي طرحها محمد ديب ذات يوم على نفسه وعلى زملائه: “هل يمكن للإنسان أن يتلاءم مع ذاته وهو يبدع بلغة غيره، وأن يرتاح لذلك خاصة وهو يعرف أن لغته تمتلك قدرات حضارية وتعبيرية عالية ؟

- وأضاف “بعد أكثر من نصف قرن من الإبداع بلغة الغير، التفت إلى تجربتي فرأيت بكل حسرة أنها بلا جدوى. لقد بقيت دوما أعيش غربة المقصّ ووحشة المجهول. وأحس أنني أعسكر وحيدا في حقل أجرد للغة أخرى، تائه أترقّب وهم التجذّر في مجالات ومدن أغلقت في وجهي إلى الأبد. فبقيت كالغجري، على أبوابها، وأهلها يخافون منّي، عيونهم مفتوحة عليّ خشية أن أسرق دجاجهم !!!”.

- وإجابة عن تلك الأسئلة ترك كاتب ياسين “فم الذئب” وكتب نصوصه المسرحية بالعربية الجزائرية وعاد رشيد بوجدرة إلى لغة الضادّ في أوج شهرته.

- مثّلت عودة رشيد بوجدرة إلى اللغة العربية مكسبا كبيرا للرّواية العربية الجزائرية من ناحية ومكسبا آخر للرواية العربية عامّة، خاصة أن الرجل عاد مُدجّجا في تجربة ووعي كبيرين بالكتابة الرّوائية.

- وقد عاد رشيد بوجدرة إلى العربية عودة الفارس المنتصر لا الجندي المهزوم حيث تخلّى عن انتصاراته ومناصريه وغنائمه ليغيّر اتجاه السير في حركة لا يجرؤ عليها إلاّ الثّوار وكان بالفعل ثائرا في نصوصه على كل ما هو سائد من أساليب كتابة ومضامين متن ليؤسّس” فاجعة “الكتابة العربية.

- فشكّلت نصوصه مأزقا حقيقيا للكاتب العربي التقليدي الذي تربّى على الخمول والمهادنة والتقنّع. لقد اجترح رشيد بوجدرة مسلكا جديدا للإبداع العربي علامته الأولى الكتابة دون حدود وخارج سلطة الرقابة (الفنية، السياسية، الدينية) فتحرّر من كل ما يعيق العمل الإبداعي ليحاور في جرأة كبيرة كل المحرّمات والمقدّسات التي كرّستها الكتابة المنحنية، فأعاد للمرأة العربية لسانها المنهوب منذ شهرزاد حتى تقول ذاتها، فكرا وجسدا، وتصدّى للسلطة السياسية ففضح فسادها وكشف آلاعيبها وواجه التاريخ العربي المزيّف بحقائق الوقائع لتتعرّى أمام القارئ العربي قرونا من الوهم والحمل الكاذب.

- لقد اختارت الكتابة السردية عند رشيد بوجدرة أن تكون كتابة عقوق، وكتابة مقاومة وكتابة انحراف عن الطرق المسطورة وكتابة تمرّد على تاريخ الكتابة العربية. إنها كتابة السفلي (الجسد) لكشف العلوي (الفكر) وفضحه فانشغلت نصوصه بتعرية المستور وحرق ورقة التوت الشهيرة ليكون ساردا لا يحتمل يتمترس وراء معجمه الخاص ليعبّر عن عصره الموبوء بكل العورات.

- رشيد بوجدرة هو لا وعي الإنسان العربي، إذ انقلبت نصوصه إلى لوحات سلفادورية(نسبة إلى الرسّام السريالي سلفادور دالي) تعهر بجرأة عظيمة ومستحيلة بين أحضان الحروف العربية. لقد خلّصها الرّوائي رشيد بوجدرة من قداستها، ليحوّلها إلى لغة ماجنة معربدة، لغة أيروسية تلتذّ خيانة نفسها وتعلن في غير تردّد ارتدادها.

- إنّّ اللغة العربية, مع بوجدرة, لم يعد إعجازها متمثّلا في كونها لغة النصّ الديني/ المقدّس فقط ، إنّما تمثّل إعجازها الحقيقي في قدرتها على قول المدنّس و تصويره بنفس القدرة و الكفاءة . غير أن هذه العودة لم تدم طويلا إذ عاد بوجدرة إلى "فم الذئب" ليكتب بلغة مستعمره القديم بعد أن خابت توقعاته عن المتلقي العربي .

- فقد ظلّ بوجدرة يهاجم في كل محفل إلى أن تحوّل فم الأم الحاضنة إلى فم أشرس من فم الذئب الذي اشتكى من أنيابه كاتب ياسين . من السّرد الحداثي عند رشيد بو جدرة .

- لا يمكن أن نلمّ بكلّ الجوانب التي تجعل من رواية بو جدرة رواية غير تقليدية ,رواية تجنح إلى الحداثة, لذلك سنكتفي بعنصرين اثنين نقارب من خلالهما نماذج من تجربته -ما كتبه منها بالفرنسية و ما حبّره بالعربيّة- و هما :التكرار و ما أطلقنا عليه عبارة ؛شعريّة العين و الأذن .

- يتّفق كل من جرار جينيت وتودوروف حول مفهوم السرد المكرر , باعتباره أحد أشكال التواتر الثلاث :”السرد المفرد” و”السرد المكرر” و”السرد المجمع” فيقول تودوروف مثلا “هناك ميزة أساسية في العلاقة بين زمن الخطاب و زمن التخيل في التواتر وأمامنا هنا ثلاث إمكانيات نظرية :القص المفرد حيث يستحضر خطاب واحد حدثا واحدا بعينه,ثم القص المكرر حيث تستحضر عدة خطابات حدثا واحدا بعينه وأخيرا الخطاب المؤلف حيث يستحضر خطاب واحد جمعا من الأحداث” وهذا ذات التقسيم لأشكال القص الذي نجده عند جرار جينيت في مؤلفه صورر 3 أين أشار إلى حضور السرد المكرر عند ألان روب غريي ويلح خاصة على أهمية هذا الأ سلوب عند رواد الرواية التراسلية في القرن التاسع عشر ويمثل السرد الاعادي علامة بارزة في مؤلفات الروائي رشيد بو جدرة ويتخذ مستويات متعددة وأشكالا مختلفة ,ويمكن للقارئ أن يكتشف ذلك بسهولة سواء كان قارئا عابرا أم كان مقيما في مدونة صاحب “التفكك” إذ يحضر التكرار عند بوجدرة في العمل الروائي الواحد من خلال تردد مقاطع سردية معينة على امتداد النص كما هو الشأن في رواياته “ضربة جزاء “و “التطليق” و”الحلزون العنيد”و “معركة الزقاق”… ويكون هذا التكرار إما إعادة نسخية لمقطع سردي ,أي كما ورد أول مرة أو إعادة المعنى أو إعادة سرد الحدث بأسلوب آخر .ويتخذ التكرار ساعة شكل “التكرار المتدرج” كما يسميه محمد سار ي في مقاله “رشيد بو جدرة وهاجس الحداثة” وهو تكرار “تصاعدي” يأتي دائما بالجديد شبّهه الناقد “بقوقعة الحلزون التي تنتظم على شكل لولبي يبتدئ من نقطة مركزية ليتطور نحو الخارج”.

- ولكننا نعتقد أن أهم شكل من أشكال التكرار الذي ميّز كتابات بو جدرة هو التكرار العابر للرّوايات .وهذا أسلوب لم أعثر عليه عند غيره وإن وجد فبأنماط لا ترقى إلى ما ظهر عليه عند بوجدرة فنعثر بسهولة على مقاطع كثيرة ترتحل من نصّ الى آخر نسخا أو ببعض التغيير الطفيف .ويمكن رصد هذا الأسلوب في كل روايات بو جدرة وخاصة في رواياته “ضربة جزاء” و”الحلزون العنيد”و”ليليات امرأة آرق “حيث تتداخل هذه الروايات بشكل لافت

- ويتواصل ارتحال المقاطع السردية بين الروايتين فيعيد الروائي سرد حادثة المرأة التي اغتصبها زوجها ليلة العرس بوحشية فخاطت جهازها التناسلي وانتحرت .ويمتد سرد هذه الحادثة على ثلاث صفحات في رواية “ضربة جزاء (94 .95 .96 ) وعلى خمس صفحات في ليليات امرأة (41.40,39,38,37.) ولم نر تغييرا في سرد تلك المقاطع ما عدى تغيير الضمائر فبعد أن كان السرد منسوبا إلى رجل في رواية “ضربة جزاء” نسبه إلى امرأة في “ليليات امرأة آرق”.

- ولا يخرج التكرار عن هذه الملامح العامة بين رواية “الحلزون العنيد” و”ليليات امرأة آرق” فالليليات تكاد تستنسخ في جزء منها رواية الحلزون العنيد. وقد تركز التكرار خاصة على الجانب المعرفي الذي رشحت به الرواية الأولى حيث تستعيد سعاد في ليلياتها تلك المعلومات التي دونها الراوي في الحلزون العنيد حول الحلزون والخنزير والجرذان .واختار الروائي مقاطع محددة من الرواية الأولى ليقحمها في الرواية الجديدة وهي تلك المقاطع المتعلقة بالجنس والقدرة الجنسية فأعاد سرد ما ذكره عن القدرة الجنسية للحلزون الذي يقضي أربع ساعات في السفاد وذكر قدرة الخنزير الذي يقذف نصف لتر من المني فيقول مثلا في الحلزون العنيد :” الحلازن .تلتذ لمدة أربع ساعات.الحلزون في الميثولوجيا الكونية متصل أوثق الاتصال بالقمر وبالتجدد…(ص ص.78.77).

- ويعود إلى هذه المعلومة في ليليات سعاد التي تقول متحدثة عن عشيقها .”عاد متشنجا و عدائيا.ممتلئا حقدا وغطرسة .عيناه ممتلئتان قذارة وزهوا ونكلة .قلت في نفسي :إنها زلتي الأولى .تذكرت الحلازن في الحديقة ما قرأته عن طاقاتهم الهائلة .احتقرت هذا .أوقفته عند حده .مهلا سعاد […]بات مسمرا في مكانه مبهوتا .مبهورا .غضبضبا. وابتعدت عنه .الحلزون .الحلزون أفحل منك يا صاحبي !أربع ساعات يقضيها الحلزون في التجانس .أما أنت..”(ص60)

- لماذا هذا التكرار ؟ يقول الباحث محمد الساري “وتساءلت مع نفسي عن وظيفة هذا التكرار ولم أعثر على جواب مفيد .وسألت بو جدرة نفسه فاكتفى بالقول بأن هذه الطريقة لم يستعملها أحد قبله ,وبما أن رواياته في أغلبها هي رواية واحدة وهي أقرب إلى السيرة الذاتية فما المانع من من إدخال نصوص سبق نشرها في النصوص الجديدة “.

- ويبدو أن محمد الساري لم يقتنع بحجج بو جدرة ورأى أنه لا جدوى من إعادة تلك النصوص في مدونة الروائي . و يذهب الروائي العراقي عبد الرحمان مجيد الربيعي ,في مقالاته التي كتبها عن روايات بو جدرة , إلى نفس الرأي فيراها زوائد لا خير فيها و اعتبرها من النقاط التي أخلّت بنصوصه و” نصحه” بتشذيبها فيقول:” إن ايغال بو جدرة في التفاصيل الشاذّة لا يمكن تفسيره أو ارجاعه إلاّ إلى هذه الملاحظة و هي إرضاء فضول القارئ الأجنبي ,و كان بالإمكان تشذيب الكثير منها خاصة ذلك الذي يتكرّر بشكل ملحّ” و عاد إلى نفس الملاحظة في قراءته لرواية “معركة الزقاق” فلم ير في المقاطع السردية المكررة غير زوائد غير أننا سنعثر,حتما, على وظائف لذلك التكرار لو جوّدنا النظر في مدونة الرجل مستحضرين عبارة تودوروف”التكرارلا يكون تاما أبدا لان المقاطع المكررة محاطة بسياق مختلف واطلاعنا على الحكاية يكون كل مرة مختلفا” يسعى الروائي حين يعمد إلى تكرار مقطع سردي معين داخل الرواية الواحدة إلى تأكيد حدث معين باستعادته المتكررة حتى يرسخ في ذهن القارئ.فيكون ذلك أشبه باستعادة المشهد السينمائي في الفيلم من خلال استعادة الشخصية الدرامية للحدث .وينشط هذا الأسلوب في الأفلام ذات الطابع السيكولوجي حيث تتردد فيها مشاهد الكوابيس والأحلام وأحداث الطفولة .

- والحق أن رشيد بو جدرة ليس غريبا على الميدان السينمائي (كاتب سيناريو) كما أنه يعتمد اعتمادا كبيرا على التداعي الحر والأحلام والاستيهام والسرد الاسترجاعي في كل مؤلفاته.

- ويتوسل الروائي مرة بالتكرار لإبراز زاوية نظر مختلفة للحدث الواحد .فكل شخصية تروي الحدث من زاوية نظرها الخاص ومن موقعها الخاص كما أن دلالة الحدث تتغير مع موقع سرده في الحكاية فدلالته في بداية الرواية غير دلالته في وسطها أو فى نهايتها .ويذكرنا هذا التكرار بقضية مهمة تبنتها الرواية الجديدة وهي” نسبية الحقيقة” فلا شيء ثابت ونهائي في العمل الإبداعي , كل شيء نسبي لذلك فالمقطع السردي الواحد في ارتحاله من موقع إلى آخر لا يكون هو هو .

- ولا يمكن أن يحافظ على الدلالة نفسها والوظيفة نفسها ,فمثله مثل النهر الذي لا يمكنك أن نسبح فيه مرتين لا يكون النص المكرر نفسه وان حافظ على خصائصه اللسانية والطوبوغرافية .

- أما التكرار الثاني والذي أطلقنا عليه عبارة “التكرار العابر للروايات” فيحمل شعرية أخرى ودلالات مغايرة منها خلخلة عملية التلقي التقليدي ذات الطبيعة الوثوقية .فالقارئ المتابع لتجربة بو جدرة الروائية تهزه هذه التكرارات وتثير عنده أسئلة جمة أهمها :أين قرأ ذلك المقطع ؟ وهذا ما يدفعه في اغلب الأحيان إلى مراجعة مدونة الروائي حتى يعثر على النص المكرر .إن استعادة أحداث بعينها في أكثر من رواية لنفس الروائي تدفع بالمدونة الروائية نحو السيرة الذاتية لأنّ الحدث يتملّص من نسبته إلى الشخصية المتخيلة/الورقية ليصبح لصيقا بشخصية الكاتب.ويفتح هذا الرأي أفقا جديدا لتلقي مؤلفات بو جدرة بين السير الذاتي والتخييل الروائي.

- تشي القراءة التناصية للنصوص المكررة في روايات رشيد بو جدرة بمسألة أخرى يمكن اختزالها في عبارة “النصية الذاتية “أو” التناص الخاص” حسب عبارة جون ريكاردو حيث اتخذ هذا التناص أشكالا مختلفة في المدونة الروائية العربية ,فترتبط روايات الغيطاني بهاجس توظيف التاريخ _المملوكي خاصة_ وترتبط أعمال الطيب صالح باستثمارها للخرافي والأسطوري وروايات أمين معلوف بأدب الرحلة وروايات إبراهيم الكوني بالمناخ الطوارقي وروايات واسيني الأعرج بالتاريخ الأندلسي وبشخصية مريم التي تحولت إلى إمضاء يوقّع به الكاتب جلّ رواياته [18].

- كما تضافرت نصوص بو جدرة باستعادة المقاطع السردية وأحداث بعينها حتى تبدو كما لو كانت رواية نهرية .غير أن قيمة التكرار الحقيقية كما نراها في روايات الرجل تتمثل أساسا في كشفه علاقة الذاكرة بالكتابة .

- إذ أثبت رشيد بوجدرة أن الذاكرة الواحدة بما تحمله من أحداث محدودة وما تختزنه من ذكريات متناهية وعوالم مضبوطة يمكنها أن تكون معينا / منبعا لنصوص لا نهائية فنصبح أمام الذاكرة الواحدة والنص المتعدد.لأنّ التكرار عنده لا يعبر عن قصور في التخييل أو توعك إبداعي أو خداع للقارئ كما يرى البعض باستنساخ الروائي لمقاطع من نصوصه التي كتبها بالفرنسية في نصوصه المكتوبة بالعربية ظانا أن القارئ لم يطلع عليها بالفرنسية ,إنما مثل التكرار استراتيجية كتابة وخصوصية ارتآها الكاتب لتجربته تكشف قدرة الإبداع على إعادة تشكيل محتوى الذاكرة وعلى نسبية الحقيقة وهذا ما يمكن أن يكون تفسيرا لرد بوجدرة على سؤال الأستاذ محمد الساري الذي ذكرناه سابقا من أنّه لم يسبقه إلى تلك الطريقة أحد .

- انفتحت الرواية الجديدة على وسائط أخرى غير اللغة الأدبية فاستفادت استفادة كبيرة من كل الفنون الأخرى مستلهمة فن العمارة في تشكيلها لفضاءاتها التي تدور فيها الأحداث وقد انتبه الروائي العربي إلى هذه النقطة فكانت رواية الزيني بركات لجمال الغيطاني التي قسمها صاحبها إلى سرادقات وكذلك كتابه الخطط الذي استلهم فيه خطط المقريزي ,وفي تونس بنى صلاح الدين بو جاه روايته “السيرك” على شكل البيوت العربية القديمة المقسمة إلى سقيفة ..ووسط الدار ..والمجلس الكبير ..و المقصورة و المستراق و الخوخة …وانسرب فن الرسم إلى الرواية منذ مراحلها الأولى عبر الوصف ورسم ملامح الشخصيات ولكن توظيف الرسم تنوع مع الرواية الجديدة التي تحولت إلى لوحة من لوحات الفن التشكيلي ويكفي أن نذكر بأعمال كلود سيمون الذي يقول “اكتب كتبي كما تصنع اللوحة .

- وكل لوحة تأليف قبل كل شيء” ونمثل لرواياته ب”حديقة النباتات” التي تحول فيها النص الروائي إلى مشهد .من خلال إعادة تشكيل النص المكتوب وتوزيعه الفني على الصفحة أو تكرار حروف بعينها مما يشكل مشهدا بصريا ويلتفت المؤلف أحيانا إلى اللوحات ينقل تفاصيلها كما لو كان يحمل بين أصابعه كامرا _انظر وصفه الدقيق للوحة الغاستون أرشيف الذاكرة في “حديقة النباتات”

- كان رشيد بو جدرة أقرب الروائيين العرب إلى تيار الرواية الجديدة بل هو أحد أعلامها حتى انه كان يستدعى باعتباره ممثلا لهذا التيار في العالم العربي وأفريقيا لذلك كان أكثر الروائيين العرب توظيفا للفنون البصرية وللخطاب الإعلامي في نصوصه .

- ففي روايته “ضربة جزاء “استطاع أن يبني نصا روائيا قائما على تقنية التناوب السردي بين السرد الروائي والخطاب الصحفي المسموع عبر توظيف مادة التعليق الرياضي على مباراة كرة قدم فكان الراوي يقطع سرده لينقل إلينا ,مستعينا بالمذياع الذي يستمع إليه في سيارة التاكسي, صوت المعلق الرياضي قائلا مثلا :”نحن الآن في الدقيقة السادسة عشر من المقابلة ,والضغط الذي يمارسه تولوز قويا جدا, اللاعبون متجمعون في منطقة مرمى فريق أنجي … إنه باليه حقيقي .رجال جول بيجو” وتتكرر تدخلات المعلق الرياضي في الرواية أكثر من عشرين مقطعا يمتد أحيانا على صفحات من المتن .

- وقد أبرزه الروائي ببنط عريض حتى يميزه عن بقية السرد ووصل رشيد بو جدرة في التجريب إلى حدّ عنونة فصول الرواية بنتائج المباراة فعنوان الفصل الأول :تولوز :صفر _انجي :صفر وعنوان الفصل الثاني : تولوز هدف .انجي :صفر وعنوان الفصل الثالث :تولوز 2 .انجي :صفر وعنوان الفصل السابع :فترة الاستراحة ما بين الشوطين .

- كما وقف بو جدرة على عادة روائيي الرواية الجديدة عند بطاقة بريدية ينقل تفاصيلها وجها وقفا فيقول مثلا:”وخطر له أن يرسل إحدى تلك البطاقات إلى والدته […] انجذبت عيناه نحو بطاقة ترتسم عليها صورة تمثال صغير واقف على قاعدة .يمثل رياضيا شاهرا كأسا …[…]وبحركة آلية قرأ الكتابة المحفورة على البياض إلى الجانب السفلي الأيسر منها .قاعدة مجمرة التروسكية:

- أما اسفل البطاقة فهناك كتابة مطبوعة بأحرف أصغر بكثير[…]إلى الجهة العلوية اليمنى من ظهر هذه البطاقة البريدية .مستطيل صغير يحدد موضع الطابع البريدي . وفي وسطها ثلاثة سطور متساوية الأبعاد والبرج .ثم هناك سطرا آخر مطبوع على غرار الأسطر الأخرى ويمثل الثلثين من أطوالها السطور الأربعة مخصصة لكتابة العنوان بدون شك,أما السطر الأخير فهو لكتابة اسم البلد المرسل إليه (ص122 )

- إن نقل الراوي تفاصيل هذه البطاقة البريدية يشي بعمق الوعي البصري للروائي الذي عليه أن يكون رساما وسينمائيا ورياضيا حتى ينقل تلك الألوان والظلال والأبعاد بكل تلك الدقة .و يتكرر هذا الولع بقل اللوحات والصور عند بو جدرة في روايته” معركة الزقاق ” حيث تنهض المنمنمة التي يظهر فيها طارق بن زياد محرّكا أساسيا للسرد الروائي فيحتفل بها أيما احتفال.

- يوظف بوجدرة في رواياته الأخرى الخبر الصحفي كما هو الأمر في روايته تيميمون أين حشد مجموعة من الأخبار الصحفية التي تنقل جرائم الإرهاب بجزائر التسعينات فنقرأ مثلا :”صحافي فرنسي يغتال من طرف إرهابيين إسلاميين بالقصبة في الجزائر العاصمة”(ص77) “تسبب انفجار قنبلة وضعها الأصوليون في مطار الجزائر العاصمة في مجزرة خلفت تسعة قتلى وأكثر من مائة جريح جلهم في حالة خطرة “(ص92) “شغالة منزلية في السادسة والأربعين من عمرها وأم لتسعة أطفال تغتال رميا بالرصاص وهي عائدة إلى بيتها “(ص102) “الكاتب الكبير طاهر جاعوط يغتال برصاصتين في رأسه من طرف ثلاثة إرهابيين وهو يقود ابنته إلى المدرسة “(ص111) يبدو أن الروائي اختار أن يلتقط عناوين الأخبار من على الصفحات الأولى للجرائد أي “المانشيتات” وليس الخبر الصحفي بتفاصيله كما وظفه واسيني الأعرج في روايته “حارسة الظلال “[20] والحق أن توظيف هذه القصاصات الصحفية أصبح مطروقا في الروايات العربية المعاصرة مع واسيني الأعرج وصنع الله إبراهيم ولكن طرق التوظيف هي التي تختلف فبو جدرة حافظ على طوبوغرافية النص الصحفي في روايته “طوبوغرافية نموذجية لعدوان موصوف ” حين استعان بتقنية الكولاج ليقحم خبرين صحفيين كما وردا في الصحيفة بتوزيعهما العمودي يتحدثان عن العنصرية في فرنسا و عمليات الاغتيال التي يتعرض لها المهاجرون الجزائريون .

- إن لإقحام تلك الأخبار في النص السردي وظائف شتى منها الوظيفة الجمالية المتمثّلة في خلخلة المشهد الأفقي/ التقليدي للنص السردي فتربك تلك النصوص خطية التلقي وتخرج القارئ من رتابة القراءة المعتادة لتبعث فيه الحذر .فالقارئ التقليدي لن يتمكن من متابعة النص الحداثي الجديد الذي يتلاعب فيه الروائي بتشكيل الصفحة.فمع روايات كلود سيمون مثلا لا يمكنك أن تقلب الصفحة مرة واحدة لأن عليك العودة إليها لتقرأ مقطعا سرديا آخر يركن في أحد أطرافها لأن توزيع النص ليس توزيعا تقليديا و إنما هو توزيع يخضع لمقاييس جمالية أخرى حولته إلى لوحة لا يمكنك أن تمسحها مسحا واحدا .لقد” تشظى” النصّ داخل الصفحة وتنجّم إلى قطع .و ينهض الخبر الصحفي –إضافة إلى التوظيف الجمالي - بوظائف أخرى لها علاقة بالسرد و سير الأحداث والتلاعب بالزمن السردي وزمن التلقي.

- * إنّ التعامل مع نصوص رشيد بو جدرة الرّوائية مغامرة محفوفة بمخاطر عديدة لأنّ هذا الكاتب يقدّم جماليات جديدة في الكتابة العربية قد لا تتلاءم مع ذائقة القارئ العربي الذي ظلّ إلى وقت قريب سجين نمط كتابي معيّن .

-و الحقّ أنّ عودة بو جدرة إلى العربية حملت معها أشكالا سردية جديدة و غريبة أحيانا على بنية السّرد العربي التقليدي, كما حملت متون رواياته أسئلة جديدة , ربّما استأثرت باهتمام سدنة الرواية العربية فأهملوا في المقابل شعريّة الكتابة و جماليتها لينكبّوا على ما رأوه خرقا لنواميس القصّ العربي و أخلاقياته .

-و اكتفى البعض الآخر بملاحقة الأخطاء اللّغوية التي وقع فيها الروائي- و هي كثيرة حقّا- ليحكم على نصوصه بالنجاح أو بالإخفاق , و لكنّ ,يبدو أنّ النّقد العربي المعاصر بدأ يعود إلى نصوص الرّجل ليحاورها بعيدا عن الآراء المسبقة ,وبعيدا عن القراءة الإيديولوجية ليكتشف جماليات ذلك السّرد العربي المختلف الذي يحفر في أعماق الذات العربية بحرّية غير مسبوقة

قديم 11-21-2014, 11:57 AM
المشاركة 1278
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم -75- ألف عام وعام من الحنين رشيد بوجدرة الجزائر

- أصر الروائي رشيد بوجدرة في كل ما كتبه على أن يكون النص جزءا منه أولا؛ فهو ينطلق وفقا لما قاله وصرح به في كثير من المناسبات من تجارب حقيقية يحولها إلى أبعاد ترميزية قادرة على تقمص الحالة الإنسانية عموما أو الحالة الوطنية أو حالة الأمة في أبسط الدلالات.

- أما الرافد الثاني الذي يغرف النص السردي منه أدبه الروائي فهو التراث العربي الإسلامي وما تضمنه من رموز عالمية كالجاحظ وابن خلدون وابن عربي وغيرهم،

- وهكذا يغدو أدب رشيد بوجدرة مدرسة ''استغرابية'' مناقضة للمدرسة الاستشراقية التي تفهم التراث العربي الإسلامي انطلاقا من الغايات الغربية؛

- إذ أن رشيد بوجدرة يضمّن لغته الفرنسية وأدبها الغاية الوطنية والقومية والفهم القومي الأصيل للتراث العربي حين يعبر عنه باللغة الفرنسية، وبذلك يظل أدبه خارج السرب الفرنوكفوني بالرغم من الحروف الفرنسية التي يحبّر بها أدبه،

- وهو بعد ذلك يعمّق هذا البعد القومي حين يغازل الأندلس وإسبانيا واللغة الإسبانية ليزيل تلك الهيمنة الفرنكوفونية التي فرضتها اللغة الفرنسية في ظروف تاريخية معروفة.

- والعمل الفني في جوهره هو هذا إذا كان صاحبه يعنيه جانب الصدق، وإذا كان يعنيه أصالة النبع الذي يستقي منه أدبه، بل إذا كان يريد لقارئه عالما روائيا حقيقيا،

- فهذا التصور الذي ينطلق بوجدرة منه يضمن للقارئ الفرنسي ولكل قارس باللغة الفرنسية التعرف على عوالم ثقافية وقيمية وجمالية غير متوفرة في التجربة الروائية الفرنسية؛ وهنا نتساءل: ماذا يمكن أن نقدم للقارئ الفرنسي إذا أعدنا كتابة فلوبير أو زولا أو بروست أو غرييي أو لو كليزيو؟

- إن وجود بوجدرة ضمن كبار ممثلي الرواية الجديدة مع ''كلود سيمون'' و''آلان روب غرييي'' و''ناتالي ساروت''، لم ينسه البقاء ضمن الرواية المكتوبة بالفرنسية بعيدا عن الرواية الفرنسية، في موقف دقيق شديد التمييز بين مفهومين مختلفين هما: الأدب الفرنسي والأدب المكتوب بالفرنسية.

- يبدو بوجدرة في هذه النقطة في غاية الحذر؛ حذر يمكن أن نستشفه من ذلك الموقف الصريح الحاد الذي وقفه من الروائية آسيا جبار حين رأى ضمها للأكاديمية الفرنسية اعترافا بانتمائها للرؤية الفرنسية، وخدمة الفرنكوفونية،

- وهذا يعني أنه يميز بين اللغة التعبير واللغة الموقف، ويبدو أن هذه الرؤية الحذرة هي التي جعلته يعود إلى التعبير العربي والمساهمة في السرد العربي بدءا من ''التفكّك'' سنة 1982 وهو عنوان شديد الدلالة على التحول من الفرنسية إلى العربية.

- ومن التفكك إلى ''المرث'' عام ,1984 ثم المرث في (1984) وليليات امرأة آرق عام (1985) ومعركة الزقاق في (1986) وتلت هذه الإبداعات مرحلة تأمل واندهاش أمام المشهد الدامي الذي عرفته الساحة الوطنية من تمزق عام كان اقتتال الجزائريين أبرزها، فاستدعت المرحلة قول الموقف السياسي قبل الموقف الفني كسرا لجدار الصمت بداية التسعينيات فكانت ''فوضى الأشياء'' عام (1990) و''تيميمون'' عام .1994

- إن بوجدرة المسكون بالتعبير عن ذاته الباحث في لغة غيره عن إمكانية تصوير أعماقه كان من المنتظر أن يعود إلى العربية التي رآها قادرة على أن تمنحه إمكانات أوسع لتجسيد ذاته وثقافتها وحضارتها وواقعها من خلال الطاقات التعبيرية المختزنة في الفصحى وعامياتها وفي كل الألسن الجزائرية العربية والأمازيغية، وهي الطاقات التي قد لا تستطيع الفرنسية التعامل معها بسهولة، بالنظر إلى تلك العلاقة العميقة الموجودة بين العربية وبقية الألسن الجزائرية التي كثيرا ما تستقي قيمها التعبيرية من العربية ذاتها، وبذلك يكون التعبير العربي حاضنا طبيعيا لها في العمل السردي، بل لعل هذه الطاقات المختزنة في ''العربيات'' هي التي جعلت الرجل يرى أن الأدب الناطق بالعربية في الجزائر أكثر عمقا من التعبير الفرنسي، غير آبه بمسألة الكم القرائي الذي كثيرا ما يثار في هذا السياق.

- يمكن القول كذلك بأن هذه الأصالة الفنية التي حققها رشيد بوجدرة قد تكون هي التي أغرت عددا من كتاب الرواية العربية في الجزائر لتجريب كتابة الرواية باللغة الفرنسية، لكن عودة رشيد بوجدرة إلى العربية هي ضمن البحث الفني الأكثر ثراء، قبل أن تكون عودة إيديولوجية - إن سلمنا بإيديولوجية لغة التعبير- مع العلم أن معظم حالات التعبير الفرنسي لدى الجزائريين قد شهدت هذا ''الهاجس الرجوعي'' الذي نجده قويا لدى مالك حداد الذي أعلن موقفه بشكل صريح حين عد الفرنسية منفى، وفي غصرار مولود فرعون على تجسيد حياة قريته ولغة قريته بإدخال عدد من الكلمات المحلية ككلمة ''الجماعة'' التي يذكرها حرفيا بهذا الشكل، ويظهر هذا الهاجس بقوة أيضا في بوح محمد ديب الفني الذي راح يترجم من العامية ومن الثقافة العربية ويحاول التقرب من الروح العربية قدر المستطاع ، فقال مثلا:
je te coupe la parole je couperai dans ta bouche du miel

- ويبدو بوجدرة مولعا بالمضي في هذا الخط إلى أبعد الحدود حين يورد نصوصا لكبار الكتاب والعلماء العرب في رواياته، بل وحين يدخل في تفاصيل اللغة اليومية الجزائرية ليتمكن من دخول ذاته بصدق لا تمنحها له إلا اللغة العربية.

منقول من صفحة الأثر بجريدة الجزائر نيوز

قديم 11-21-2014, 06:45 PM
المشاركة 1279
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
[RIGHT]
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 76- القبر المجهول احمد ولد عبد القادر موريتانيا


- تندرج رواية أحمد ولد عبد القادر «القبر المجهول أو الأصول» في رواية التأرخة التي تسند التخييل السردي إلى أصالة التاريخ في موريتانياوجغرافيتها الصحراوية والمدينية معاً وتمازجات هذه الأصالة التاريخية مع عناصرالتمثيل الثقافي،

- إذ تأخذ العادات والتقاليد والطقوس والأعراف في مدلولات الأضرحةوالعقائد والأصول الناظمة للسلطان الديني والاجتماعي الذي يفضي إلى هيمنة السلطان السياسي وطغيانه اعتماداً على السلاح المادي من جهة، والفتن والمخادعة والتضليل من جهة أخرى.

- وتقوم الرواية على تشابكات الخطاب الروائي من طبيعة المعتقد الديني إلى مشكلات الصراع السياسي ولبوسها بلبوسهما الاجتماعي،

- ويظهر غطاؤهما التاريخي تعبيراً عن أشكال الصراع العسكري والسياسي في موريتانيا بخاصة وفي الوطن العربي بعامة، فقد عانى العرب خلال القرن العشرين من الانقلابات والطغيان والقمع وهدرالإمكانية العربية من أجل التحكم بالسلطان السياسي واستغلال الثروات والسيادةوالحرية.. إلخ.

- ولو تأملنا في التطورات السياسية الموريتانية منذ نصف قرن حتى اليوم، لوجدنا الصراعات العاصفة والمدمرة بين سلطة وأخرى، مثلما يطرح السلطان السياسي العربي في موريتانيا وسواها العزف على المأثور الديني والعقائدي والثقافي وتعليلها ضمن سيرورة تاريخية، وهذا جلي في هذه الرواية المبنية على مدلول الضريح المقدس أو المبارك (المجهول) في الصحراء

- ومدلولات الصراع القبلي بين مالكي المال والثروة من خلال السلاح والسلطة، ومالكي الجاه والعلم والنفوذ الثقافي الروحي، وبين المضطهدين الذين يندفعون إلى أي سبيل متاح لهم في المواجهة، ولو كانت الحيل والفتن والمخادعة والتضليل.. الخ.

- مهّد الروائي لضبط المنظور السردي بالإيماء إلى دلالة القبر المجهول ومعنى الأصول في الفصل الأول عن «الضريح» (والفصول كلها مرقمة)،إثارة للتساؤلات العميقة حول قيمته عند المسلمين، فهل هو قبر لأحد الأولياء والصالحين المعروفين أم لأحد عمالقة العصور الماضية البعيدة والقرون الغابرة، أم «لأحد المسلمين من الجان شُهر على هذا النحو ليزوره أصدقاؤه من الإنس تبركاً منه ووفاء للعهد؟!» (ص5)،

- ولُفت النظر إلى امرأة مختبئة (هي أو الولد صاحب الضريح الذيمات ودفن رضيعاً) بين شجيرات طلح ملتفة حول بعضها البعض، بينما تكاثر عدد مرتاديه الذين يحضرون أخشاباً لحمايته، ويتبركون منه.

- ثم كشف السرد في الفصول اللاحقة واكتمال دائرته في الفصل الأخير (26) أن القبر لوليد ميمونة التي أحبها ابن عمها سلامي ولد الهادي، كما أشرنا إلى ذلك، وتزوجها دون معرفة أمها، و غادر البلاد لطلب العلم، ووعد بالعودة بعد شهرين، غير أن غيابه طال ثماني سنوات، في الحج والإقامة في مصر دارساً ومدرساً في الأزهر.

- ثم هربت ميمونة من منزل أمها مطرودة من زوج الأم،لتدفن وليدها الذي مات في الصحراء عطشاً، ووضعت على قبره أخشاباً وقاية من الرمال،وأقامت في منطقة أخرى، وتزوجت هناك لفقدان الأمل بعودة زوجها سلامي.

- وأبان الفصل الأخير حقيقة الضريح عند والديه فحسب، إذ صار مزاراً عند الجميع، فقد عاد سلامي،وصار شيخاً، وتزوج امرأة أخرى لدى إخباره عن وفاة ميمونة، فزار الضريح الذي كثرتحوله الحكايات، وتشعبت الروايات «حول استجابة الدعاء عنده، لما لصاحبه المجهول منجاه عظيم عند الله» (ص248).

- واقترب الفقيه من موضع القبر، وصلى ركعتي الضحى قبالة رأس الضريح، وفوجئ بوجود زوجته الحبيبة الفقيدة ميمونة بنت الهادي، ولميخامره أي شك في أنها هي بعينها، وشاءت الأقدار أن يلتقيا في هذا المكان عند قبر ولديهما، وظهر جوهر الصراع بينهما، على أنه، برأيها «الخائن، الكاذب، المخادع» (ص251)، و«الخسيس المتحايل النصاب!» (ص252)، وجاهرته أن دعاءه لن يستجاب، «لأن الله عاقبك بالداء على جريمتك النكراء» (ص252)، واتهمته بالجهل والبلادة، وأنه مغفل،و«أن المدفون هنا هو ولدك، فضحتني وكنت وحدك المسؤول عن قتله يا مجرم» (ص253).

- ورفضت أن تقصّ عليه حكايتها، ولن تستمع إلى «أساطيره» (ص254)، ونبذت نداءه لعودتها، وهي لن تخون زوجها، ما دامت نمداوية وفية، وهددته بالمقدرة على صرعه وتعفيره، بل على ردمه هنا في التراب إلى جانب ولده المظلوم (ص256- 257).
وخطا إلى الوراء بعد تهديدها، وربط في دعائه بين المدلول الأعم للقبر المجهول والمدلول الأخص لجوهر الصراع المتأصل في الذات: «سبحان خالق الأصول ومغيرها! سبحان من قسّم الأقدار والأقسام وحددها!» (ص257).

- وأدغم المنظور الروائي بالتأرخة والتمثيل الثقافي لإضاءة معنى الأصول في تصوير الصراع بين ثلاثة مناطق بدوية في الصحراء سماها الروائي أحياء، الأولى «من قبيلة أولاد اسويلم: حسانيون محاربون أشداء، كسبهم من المواشي قليل، إلا أنهم مسلحون بالبنادق، ولديهم بعض الخيول المسومة العربيةالعتيقة»، والثانية من قبيلة أولاد عبد الرحمن: «عشيرة زوايا من قبائل العلم المتخصصة أصلاً في تدريسه، والعمل بمقتضاه، مجردة من السلاح، ولكن لديها مواشٍ كثيرة»، والثالثة من قبيلة أولاد إحميدان: زناقة عزل تقريباً من السلاح والعلم،ولكن مواشيهم أكثر من حيوانات الحيين الآخرين مجتمعين، على أن في أموالهم حقاًلأولاد اسويلم أهل السلاح والسلطة، وآخر لأولاد عبد الرحمن بحكم النفوذ الثقافيوالروحي» (ص7).

- وأوحى المنظور الروائي ضمن عملية ضبط أغراض السرد النابعة من «الأصول» في المجتمع الموريتاني، إذ تتعدد القبائل والعشائر في براري الصحراء تمثيلاً للقوى المتصارعة باسم الدين أو السلاح أو المال في فئات حسان المتحكمة بالسلطة زمناً بالسلاح التقليدي وسواه والزوايا المتسلحة بالدين والثقافة، وأزناقة المظلومة والمضطهدة من الفئات الأخرى، وصور الراوي المضمر العارف بالواقع وتحولاتهاتسيّد فئة على أخرى من ببكر ولد عثمان وجرفون وغزوهم لأولاد أعميرة وأولاد احميدان،إلى حرب شكرود وأبديهل انتصاراً للثاني على الأول، إلى انتفاضة ديلول وأولاداحميدان الذين صاروا الحكام الجدد لأولاد اسويلم وأولاد أعميرة الذين رضخوا مع فئةالزوايا أو فئة أزناقة، فقد ثبت «أنهم قتلوا كثيراً وكثيراً جداً من الرجال!» (ص225)، واعترفوا أنهم سحقوهم «سحقاً.. وفرّ بعضهم بدون أسلحة، واعترضهم كمين منرجالنا المسلحين بالسيوف والفؤوس ومزقوهم في لحظات..!» (ص229)، وزاد ديلول من تدريب قومه على الرماية وأعمال الفروسية بعد نجاح الانتفاضة، حرصاً على السيادة والمقدرةعلى تنفيذ الخدائع! (ص234).

- واندغم سرد قصة القبر المجهول الناجم عن مكابدةالعيش الذي أفسد مصير ميمونة وولدها الرضيع الميت، بسرد قصة الأصول، عندما عادسلامي ليجد تبدلات الأحوال في انتقال السلطة ممن كانوا مظلومين ليصبحوا ظالمين، على أن الحاكم ليس بإرادة الآخرين، بل بتسلله إلى السلطة كلما أمعن في التلاعب والاحتيال والمخادعة والإرهاب والعنف دفاعاً عن نفسه وممارسة للجور والطغيان على الآخر تبديلاً لموقع العدو من الداخل، ولقد مات الكثيرون، وأُنتهكت أعراضهم وممتلكاتهم وحياتهم، لذلك تكررت تسمية الأعداء كثيراً من فئة إلى أخرى، وما يندرج في منظومتها المأساوية، مثل أرض الأعداء والرصاص والقتال والمعارك والموت والحرب،حتى أن طرفاً من هذه الفئات شبّه هذه الحرب «بحرب البسوس التي توجد أخبارها فيالكتب، والتي دارت في الجاهلية بين تغلب الأراقم وأبناء عمهم بني بكر..!» (ص93).ولطالما رددت الأطراف انتظارها للمعركة الحقيقية التي ما زالت أمامهم «عندما نلتقي بذلك الشيطان المقطوع الأصابع ورجاله» (ص97).ولا يكتفي المقاتلون بمجرد النصر على الفئة أو الفئات الأخرى، بل يربطون معاركهم بموت هذه الفئة أوالفئات الأخرى، كوصف سلامي لديلول: «ولكن شكرود أطلق حال سقوطه على الأرض آخر رصاصةعنده، فاستقرت بين كتفي الأعور، وزحف إليه على بطنه ليقطع رأسه قبل أن يلتفت إلىكسر ساقه» (ص113).

- ولعل مثل هذه المحاورة بين أفراد فئة مقاتلة كاشفة عن مدى استغراق الفئات جميعها في ارتهان «النصر»، تجاوزاً بالقضاء على الفئات الأخرى:
«- أظن أن علينا الآن أن نعجل تعبئة الجيش لغزو الأعداء. ولو تمكنا منالقضاء على شخص شكرود، كما فعلنا بأبيه وأشقائه، فلن تبقى أمامنا عقبة في طريقالانتصار المحقق على أولاد اسويلم» (ص139).ووصفت العلاقة بين الفئات «بالدائرةالجهنمية» (ص152)، وكأن الفئة الواحدة تحارب عدداً بالفعل من خارج هذه الفئاتالواحدة:
«- لأن الحرب سجال، والشرّ جرّ، البسوس دامت أكثر من مائة سنة. وعدمالغزو ليس دليل ضعف. في بعض السنوات تتالت غزوات أولاد أسويلم، وبقي الآخرونمدافعين. إنهم يتبادلون الأدوار، يوماً لهذا ويوم لذاك.. هذا يغزو وذاك يدافع..» (ص155).

- وأشار قتل شكرود غدراً من آخر، وهما يتقاتلان، إلى طبيعة الحياة الخانعةللصراعات المخادعة والمضللة والظالمة، إذ رُمي بسهم مارق، و«لعلع الرصاص من بندقيةمعتوق ولد بلال في مكمنه، وأصاب شكروداً في خاصرته اليمنى، ونفذ من اليسرى، وسقطمجدلاً على قفاه بعيداً عن فرسه وإعفاج بطنه المرتمية على مسافة عشرة أمتار من نقطةمصرعه!» (ص202).

وقد اعتمد أحمد ولد عبد القادر في بناء الرواية على التقاناتالتالية:
أ- التأرخة:وسمي التاريخ زمناً موريتانياً قديماً جداً «بالنظر إلىمدى اختلاف ظروف حياة أهله عن عادات وظروف حياتنا نحن أبناء اليوم، والقريب جداًبالنظر إلى درجة ابتعاده في الماضي، وهو العقدان الرابع والخامس من القرن التاسععشر الميلادي» (ص7).

- وربط التاريخ بجغرافية المكان وامتدادها العربي لدى وصف البيئة والمناخ والطقس والأعراف في هذه المنطقة الصحراوية إلماحاً إلى الدلالات الكامنة عن طبيعة الحياة المعذبة تحت وطأة الصراع الدائم للتسيد علىالحكم.

- وأفاد المنظور الروائي إلى مجازية السرد نحو إفصاح الخطاب عن الغرض المراد، مثل استنطاق التأرخة للسياسة الراهنة، حين سمّي أحد السادة «رئيساً سياسياً للعشيرة» (ص50).

- وأكثر الروائي من إيراد أسماء الأماكن والمدن والقرى والمناطقإلى جانبها مثل الرقيطة وتقانت وآراء وأجبتين وأفلة والركيز وأفان وتيرس والحلة.. الخ.

- ب- العتبات السردية: عمد الروائي أحمد ولد عبد القادر إلى العنايةبالعتبات السردية مثل العنوان ودلالاته في التبئير لإظهار القصد الروائي.

- وثمة شروح عديدة لمفردات وتراكيب وأسماء لدى استخدامها في النص الروائي من أجل توضيح المدلولات الخافية، وأورد أمثلة لذلك:
- التوالة: نظام للضيافة، اتبعته بعضقبائل الزوايا.. الخ (ص29).
- حلق القرن: عادة عُرفت قديماً عند القبائل المسلحةالحسانية.. الخ (ص34).
- السلام عليك: لفظ التحية عند قدماء قبيلة النماديالصيادين (ص98).
- التلاليس: في اللهجة الحسانية، خيمة الصوف التي تشققت مسوحهالقدمها، أو قطعة منها بالية.. الخ (ص137).
- القراقيز: واحدها أقرقز، وتنطقشعبياً آقراقيز من أصل منهاجي، جلود الغزلان.. الخ (ص164).

- ج- التناص: لجأالروائي إلى التناص تدعيماً لعناصر التمثيل الثقافي، ولا سيما النصوص الدينيةالإسلامية كالقرآن الكريم والأحاديث الشريفة والسيرة النبوية والدعاء والصلاة وصلاةالاستسقاء.. الخ. مثلما أدغم بعض الحقول الدلالية بالأمثال الشعبية، في عشرات الأماكن ص81، 85، 101، 140، 148، 179، 186، 188، 195، 210، 212، 214، 220.. الخ.

- وأضاف إليها الشعر الشعبي للشاعر الشعبي الموريتاني القديم سيدي عبد اللهبن أحمد بن أحمد دام الحسني (ص246- 258)، اختتاماً لحال الصراع الدائر خاتمة للرواية:
ومن صحب الأيام أنأين جاره
وأدنت له من ليس بالمتداني

- أوحت الرواية من خلال التعالق النصي بين قصة القبر المجهول وقصة الأصول في هذه المنطقةالصحراوية وتواصلها مع المناطق المدينية في موريتانيا أن وصف الحروب الدامية بين الفئات العربية تؤدي إلى العذاب والقتل والدمار بتأثير استلام سلطة الحكم، إشارةإلى استمرار الانقلابات العسكرية في العديد من الأنظمة العربية التي لا تنتج إلاانعدام الحرية ودوام الاستبداد.

قديم 11-22-2014, 12:01 PM
المشاركة 1280
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 76- القبر المجهولاحمد ولد عبد القادر موريتانيا

- وفي "الأسماء المتغيرة" و"القبر المجهول" يكون الزمن أداة الحياة والنماء والموت، فهو موسم المطر والخير، وهو فصل الجفاف والعطش والرياح الحمراء وهو في القبر المجهول خصوصا كما رأينا من خلال الاستشهاد يكتسي دلالة مركبة ففصل المطر يتزامن مع استئناف الحروب والصراعات القبلية، بينما يهدأ الناس في فصل الصيف ويامن بعضهم بعضا وذلك مظهر من مظاهر تراجيدية الحياة البدوية التي تصورها الرواية.

- وقد تعددت أنماط التصرف في الزمن الروائي فتنوعت الاسترجاعات والتلخيصات وقلت الوقفات والثغرات، وبلغت المشاهد في القبر المجهول أربعة، واقتصرت على مشهد واحد في الفصلين الأولين في "الأسماء المتغيرة" وخلت "أحمد الوادي" من أي مشهد فلم تتأزم الأحداث ولم تنحبس الأنقاس على مدارها وذلك نابع من تقنيتها التي لا تهتم بما نسميه اللحظات البؤرة أي اللحظات الحاسمة التي تفصل الرواية.

- واذا كان المكان البدوي ساد الروايتين الأوليين الى حد كبير، فإن المكان الحضري وسم الرواية الثالثة بميسمه، وتوزعت الأمكنة البدوية بين أمكنة خارجية (فضاء) وأمكنة داخلية مغلقة كالخيمة، أو مفتوحة كالمسجد، وهو غالبا شجرة وارفة الظلال في وسط الحي، وكانت الأمكنة الفضاء مسرحا للمعارك والحروب والضحايا، كما هي مأوى قطاع الطرق وسراق المواشي، والحيوانات المفترسة التي تعترض القوافل والبشر، وبشكل عام، انعكست نظرة الإنسان البدوي على المكان فكان المكان الداخلي بالنسبة له مصدر الأمان النفسي، في حين ظل المكان الفضاء عنصر قلق دائما، ولعل ما كان يمزق نظرته للمكان شعوره أنه مصدر رزقه ومكمن هلاكه، وهو في الوقت نفسه قدره الذي ليس عنه من محيد..

- أما رواية "القبر المجهول" فتنحو منحى غير بعيد عن د«الأسماء المتغيرة» إذ أن مؤلفهما واحد، كما عرفنا، وهمومه في نهاية المطاف مترابطة، ومع ذلك فهما لا تسيران في المسار نفسه.. فاذا كانت «الأسماء المتغيرة» تنحو منحى البانوراما التاريخية للمجتمع الموريتاني عبر الزمن، فإن «القبر المجهول» تنتقي فترة زمنية محدودة لا تتجاوز عقدين من الزمن ينتميان للمرحلة السابقة للاحتلال الفرنسي فهي إذن تصوير لما يمكن أن نسميه المجتمع الموريتاني في عهد الفطرة، أي قبل ورود مؤثرات خارجية فعالجت أنماط حياته والصراعات التي تدور بين فئاته حول مناطق النفوذ العسكري والروحي،

- ولعل الفكرة العامة التي تحكمها هي أن الأصول متغيرة بينما الوظائف الاجتماعية ثابتة، فوظيفة القبيلة الحسانية (المحاربة) ثابتة، ولكن القبيلة نفسها كواقعة تاريخية متغيرة. كذلك وظيفة القبيلة الزاوية (العالمة) وقل مثل ذلك في القبيلة الزناقية أو التابعة. إنها بنية تتحول عناصرها وتنفير كما تتقلب رمال الصحراء التي تتمسرح عليها الأحداث.

- ويذهب الأستاذ محمد ولد عبدالحي الى انه "إذا كانت رواية الأسماء المتغيرة" محكومة بنظرة التمجيد للمقاومة الوطنية والغيرة على الوطن فان رواية القبر المجهول محكومة بنظرة ترد كل شيء الى العامل الطبيعي وتتسم بالقلق إزاء الصراع القبلي وإيديولوجيته المهيمنة، والرواية الأولى محكومة بجو سنوات الأمل في بداية عقد السبعينات، والثانية محكومة بسنوات الإحباط في نهاية السبعينات وبدايه الثمانينات."

من مقال بقلم الكاتب : محمد الحسن ولد محمد المصطفي


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 86 ( الأعضاء 0 والزوار 86)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 12:43 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.