احصائيات

الردود
0

المشاهدات
2736
 
محمد فتحي المقداد
كاتب سـوري مُتألــق

اوسمتي


محمد فتحي المقداد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
650

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7788
09-06-2014, 08:51 PM
المشاركة 1
09-06-2014, 08:51 PM
المشاركة 1
افتراضي بعد منتصف الليل .. ( مقالات ملفقة 26 \ 2)
بعد منتصف الليل
قراءة على \ شهادات من أذرح \ من مجموعة - من دفاترالمساء- للأستاذ نايف النوايسة


مقالات ملفقة ( 26 \ 2 )
بقلم ( محمد فتحي المقداد )*


بطريقة غير مباشرة وصلتني من صديق مجموعة كتب لمطالعتها، وعلى غير موعد كنت على لقاء مع مجموعة( من دفاتر المساء- للأستاذ نايف النوايسة )، غاصت أصابعي في تقليب صفحاته للنظرة المبدئية على العناوين، وكانت لحظةٌ قاسيةٌ، وأنا أتوقف أمام العنوان الأول في المجموعة( شهادات من أذرح ) تجمدتُ ولم أستطع أن أبارحه إلى عنوان آخر، على مضض أكرهتُ نفسي على قراءة عابرة للمواضيع، رغم قوتها وعميق فكرتها المطروقة.
ووجدتُ نفسي رهن الاعتقال للحظة قادمة من رحم التاريخ، و أنا أقفُ في قفص شهادات من أذرح، كي أكون شاهداُ جديداً على إبداع جديد، استخرج الحادثة التاريخية، وقام بنفض غبار السنين عنها، بإعادة تدويرها أدبياً، بلسان شاعر، مرهف الأحاسيس، متوتر المشاعر، فانبجست لحظة الوقوف على الحقيقة، بفيض من موهبته الثرّة، الآسرة للقارئ..
و هاهي حثحثة الشهادات تأتي على ذكر أبطال معركة صفيّن ( عمرو بن العاص ، ومُدرك بن حصين الأسدي، وعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبو موسى الأشعري )،[ وتباتُ الليالي السود كُحْلاً في الجفون، ولا يكفُّ السُّمّار عن مضغ الكلام، ونفيه على حافّة المرحلة ..]*، [ الليل والريح، ورماح الخديعة، ورؤوس العفن، عاصفة تنفجر فوق بئر الروح، وتلفّ الزمان بعصابة من شوك، وتدفن الوليد في المزبلة ]*.
وذاكرة المكان تغزو قلب الكاتب، وتستولي على ذهنه، ليذهب عدّة مرّات إلى جبل التحكيم، ليمارس اليوغا الفكرية متأملاً مسترجعاً متذكّراً بوعي عميق لما حصل هناك في موقعة ( صفّين) هناك على أطراف الفرات، في شطره الشّامي قرب مدينة الرقة في الجزيرة السورية، متربعة على الكتف الغربي الجهة من نهر الفرات، مقابل قلعة جعبر من جهتة الشامية ، بينهما مسافة قليلة ، وهي تقع في منطقة عالية مطلة على الفرات.
والذي كان مجهولاً لي، استناداً إلى معلوماتي القديمة، المختزنة من أيام الدراسة الثانوية، والتي علاها غبار النسيان، أن التحكيم جرى في أذرح، لأنني كنت أعتقد أن الأمر جرى في صفّين بعد حادثة رفع المصاحف على الرماح و السيوف، وانتهى الأمر، لكن الموضوع طال، بعد قبول التحكيم من الطرفين المتصارعيْن، فاتفقوا على اللقاء في الموسم القادم، في أذرح، للفصل والبتّ في الموضوع، عندما يلتقي أهل العراق والشام والحجاز ومصر.
ومن هنا، جاءت قراءة الأستاذ نايف لهذا الموضوع الشائك، القديم المتجدد، الذي كثر الاختلاف و الجدال حوله و تكلّس حوله الكثيرون بعقول متحجرة متعصبة، ولم يكن باستطاعتهم مبارحته، فغاصوا في متاهاته، وتعصّب كلّ منهم للفريق الذي رأى أنه على حق، وأهمية الإسقاطات بنظرتها الشاملة على مستوى فكر الأمة قاطبة، والعثرات الناتجة عن صفّين، والتي امتدّت ذيولها الخائبة، حتى وصلت لحاضرنا، مما حدا بأناس لنبش ذلك التاريخ، ومحاكمة الحاضر على ضوء ما جرى في الماضي، الذي لم نحضره، ولم يكن لنا خيار المشاركة فيه، إلا من خلال المراجع التاريخية، فمن المفترض أن تكون لنا العبرة و العظة منه لا أن يكون مجالاً للإحتراب، وعبئاً ثقيلاً على كاهل الأمة، وتحدياً صعباً مضافاً للتحديات الحضارية، حتى أصبح تاريخنا لعنة علينا.
وللنأي عن المستنقع فقد لجأ الأستاذ للترميز غير البعيد عن إدراك وفهم القارئ، يسير به بثقة كبيرة، للوصول إلى الهدف الأسمى وهو الحق، والانتصار للحق كانت غايته الأسمى، بعيداً عن مناصرة فريق على حساب فريق آخر، فكان موقفاً موفقاً يسمو بالعقل و الفكر إلى عوالم سحرية مليئة بالأسرار.
ذاكرة المكان حُبْلى بحوادث الأيام، مليئة بالانحناءات الملتوية، مختفية في سراديب النسيان، ليأتي من يستنطقها، ويبث فيها دماء الحياة من جديد، فتستولي على عقله و لُبّه، فكان الحكيم الذي استنبط منها طريقاً جديداً واضحاً جليّاً كالشمس لا غبار عليه، وكانت أذرح القرية المنزوية في وادي موسى في جنوب الأردن, نقطة يلف الكون حولها بتاريخه، وهي مركز قضاء إداري في محافظة معان، و في اللغة نجد تفسير كلمة أذرح على أنها الهضاب تحيط بها السهول ليتوافق ذلك مع واقع الحال هناك، وهي حاضرة رومانية قديمة، .... أنشىء فيها معسكر لإحدى الفيالق الرومانية، فيما استمرت مزدهرة في العهد البيزنطي ,ودليلنا بقايا الكنائس والمعابد، واشتهرت أذرح قديما بوفرة وعذوبة مائها الذي كان يجري مشكلا "سيل اذرح" قبل أن ينضب منذ بداية القرن الماضي.
وتنتصب قبابُ الليل [ لتفيض الصحارى بالليل و الرجال، وبين العينين يتجلّى الجنوب، ملفوفاً بالسواد، ورماح الخديعة، وسذاجة البرانس ..، يا ليل الخديعة، افتح بسنابك العابرين سطوراً فوق لوحة النّور، اثْعب في الجبال جبلاً، تهيّأ .. واخرجْ لفيوض الصحارى, بآلاف الأصفار، لتركض وراء عورة اللحظة العابرة,, افرح يا ليل الجنوب بالفتنة الباصرة ].وهنا إشارة للخلاف الذي حصل، و الخديعة، وأصحاب البرانس ( الخوارج)، الذين كان لهم الدور الأكبر في توسيع شقّة الخلاف بين الفريقين، مما حدا بهم أخيراً لتكفير كلا الطرفين، احتجاجاً خاطئاً للآية الكريمة " إن الحكم إلاّ لله " والبشر لا يملكون من أمره شيئاً.
وجاء التحكيم، ليمنح أحد جبال أذرح الدانية منها، اسم جبل التحكيم، [ صفّين نصفين في كل القباب، ومن كل الجهات تتناسل نصفين، ونصبُ العينين جنوب.. يا هذا الجنوب المبتلى] و الخلاف لم يكن إلا صراعاً على الحكم، تحت غطاء رفع المصاحف، [ قباب الليل و الصحارى، وبقايا الصهيل، وثمّة صرصارات لعينة تواصل :" صفّين .. صفّين " ].
وجاءت الشهادة الأولى من [ أذرح المقعية على ثنية الطريق لا تدري ما الخبر..!! ، وأخرجت من جوفها هشيماً كالبشر، راحوا يشربون القادم، و يتنفسونه بعيون مظلمة.. صاح طفلٌ، أكلت الأيام وجنتيه، وعاف الأكل فمهُ المُقرّح : " عربٌ مثلنا " ، صاح طفلٌ آخر :" عربٌ مثلنا تلفظهم الصحراء"، صاح شيخٌ ضمّختهُ الأيام بالإعياء والحكمة :" هؤلاء من صفيّن ولدوا.. يا ضيعة الرؤيا، وانكسار الحلم..!! ، من صُفّين جاؤوا صَفّيْنِ ].
دراية باهرة في سرد الحدث بنفس شعري لافت، وكان القمة في اختيار طفلين يتكلما عن الجموع، أرادهما نايف النوايسة، أن يتكلما ببراءة الطفولة البعيدة عن التلوث الذي أصاب الكبار ذوي العقول، والفهوم، فهما يتكلما عن قدر فهمهما النظيف." عرب مثلنا " .. ويتكرر المشهد لينسحب علينا ونحن نرى غزة تحترق وتُباد بوحشية صهيونية، بحقد شايلوكيٍّ، ونحن نغرق في متاهات صمتنا اللعين، حيث أصبح سمةً عربية بامتياز، ومات الدم العربي فينا .. وماتت فينا النخوة العربية.. وماتت فينا إغاثة الملهوف .. ونصرة المظلوم.. لتأتي الشهادة الثانية ليقول :[ نحن ما زلنا حضارياً في قيد الإنكشافات المهينة، ولغة الخديعة والإجباب المتربصة ] كأن نايف النوايسة عندما كتب هذا النص في أواخر عام 1997كان يستقرئ حالنا اليوم، ونحن اليوم في مثل أيام العام من كتابته وتاريخنا 2014م، وينطبق بأبعاده الفكرية على ما يحصل لنا كأمة، بتقنية متفتقة عن ذهنية متوقدة، زاوجت بين الحاضر و الماضي، استثمرت واستوعبت الدرس التاريخي : [ المصاحف فوق الرماح.و لا شيء في فضاء اللحظة إلا العاصفة، وصُفّين رسولةُ التمزق في زمن القحط، الموجُ يداهم الجموع، والطوفان يعلو ويعلو، وزُبى أذرح تنتظر السيل الجارف ] .. يا ألله .. !! لله درك أيها الجميل.. لقد قرأت ففهمت، وأفهمتنا معك، فرأيت المستقبل وقرأت ما في نفوسنا من طنجة حتى رأس الخيمة، ولو قلت كلمة أتزلف بها إليك : " لقد أوتيتَ الحكمة "، وهذا من باب الإنصاف مني على الأقل، إن لم يعرف ذلك ممن هم حولك.
ويتابع بنصب راية المشهد من جديد :[ أزمات الأمة تتناسل في غيابةٍ ما بين الحلم واليقظة في زمنٍ كالومضة.. استحكم الطين فابتعدت السّماء ] .. ما هذا الإلهام .. ونفاذ البصيرة.. وآخرها شهادة منه ناتئة عل حوّاف الزمن العربي :[ الانفجار قادمٌ، ولا يليق بالصّغار إلا الركونُ في قرار ]، ونتيجة لذلك.. لا يمكن أن يكون هناك تاريخ بلا جغرافية، وتعني المكان المرتبط زماناً بإنسان، وعليه يكون الوطن ، جغرافية و إنسان، وارتباط الإنسان من خلال الذكريات و الأحلام، والآمال والآلام، فهذه التي جعلت منها تعادل الروح من الإنسان، فيفتديها بالدفاع عنها، وهي الأرض و الجسد و الواقع، إنها تربة الأفكار وروحها وواقعها
.

عمّان \ الأردن



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: بعد منتصف الليل .. ( مقالات ملفقة 26 \ 2)
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شمس منتصف الليل أ محمد احمد منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 0 07-09-2023 01:31 AM
الليل .. يا ليلى ( مقالات ملفقة 22\2) محمد فتحي المقداد منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 12 10-24-2019 11:01 PM
و في ذلك.. ( مقالات ملفقة 1\3) محمد فتحي المقداد منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 2 11-30-2015 08:38 PM
دقت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل جاك عفيف الكوسا منبر البوح الهادئ 1 09-08-2012 08:08 AM
كتاب مقالات ملفقة(1) محمد فتحي المقداد منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 4 03-14-2012 10:42 PM

الساعة الآن 07:59 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.