احصائيات

الردود
8

المشاهدات
4739
 
عبير جلال الدين
كاتبـة مصـرية

عبير جلال الدين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
128

+التقييم
0.02

تاريخ التسجيل
Mar 2006

الاقامة

رقم العضوية
944
08-23-2010, 12:07 PM
المشاركة 1
08-23-2010, 12:07 PM
المشاركة 1
افتراضي أدب الرحلات
رحالة .... ورحلات ..

الرحلة هي قدر الإنسان.. فمن العدم إلى الوجود كانت رحلة آدم الأولى.. ومن الجنة إلى الأرض كانت رحلة آدم وحواء الأولى.. ومنذ ذلك التاريخ السحيق لم تتوقف رحلات البشر.

فمن أشهر الرحلات المقدسة رحلة بحرية، وهي التي قام بها النبي نوح – عليه السلام - وأتباعه من المؤمنين في سفينة أنقذت البشرية من الفناء بالطوفان..
ورحلة بحرية أخرى تلك التي قام بها النبي يونس – عليه السلام - في سفينة.. واكتملت أحداثها في أعماق البحر عندما ابتلعه الحوت.. وتوجت بعودته مرة أخرى .

ومن الرحلات المقدسة/ البرية..
رحلة سيدنا إبراهيم – عليه السلام - وزوجته سارة إلى مصر..
ورحلة سيدنا إبراهيم – عليه السلام - وزوجته هاجر وطفلهما إسماعيل إلى مكة..
ورحلات سيدنا موسى – عليه السلام - وحده من مصر وإليها ثم مع اليهود..
ورحلة سيدنا عيسى – عليه السلام - وأمه مريم البتول إلى مصر..
ورحلة سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة (الهجرة)،
فكل الأنبياء أُخرجوا من ديارهم.. وكل هذه الرحلات المقدسة وغيرها مسجلة في الكتب المنزلة .

ومن أشهر وأقدم الرحلات التجارية/ البحرية.. تلك القافلة من السفن التي أرسلتها الملكة المصرية حتشبسوت إلى بلاد بنت (الصومال حالياً)، وأهمية هذه الرحلة أنها كانت سلمية وهي مسجلة على جدران المعابد.

ومن أقدم الرحلات العلمية الشهيرة رحلة "هيرودوتس" الملقب بأبي التاريخ إلى مصر.. وقد سجلها في كتاب يُعَدُّ من أقدم المراجع التاريخية.

أولاً: الرحالة ........


1 - أحمد فارس الشدياق (1804- 1887)


من ألمع الرحالة العرب الذين سافروا إلى أوروبا خلال القرن التاسع عشر. كان الكاتب والصحفي واللغوي والمترجم الذي أصدر أول صحيفة عربية مستقلة بعنوان الجوائب مثقفاً لامعاً وعقلاً صدامياً مناوشاً أيضاً. تقرير باربرا فنكلر.

كان لهذا الرجل الذي عاصر فيكتور هوغو وغوستاف فلوبير وإدغر ألن بو وشارل ديكنس اتصالات بمستشرقين ومثقفين أوروبيين وكذلك بمفكرين إصلاحيين عرب. وكمتمكن بارع في اللغة العربية، متمرس بفن البلاغة وبدقائق القاموس اللغوي، فقد كان في الوقت ذاته أحد أهم مجدديها.

ساهم مساهمة فعّالة في تطوير لغة صحفية حديثة منقّاة من البلاغة الزائدة. وصقل العديد من المصطلحات الحديثة مثل عبارة الإشتراكية التي أضافها إلى اللغة العربية. لقد عاش الشدياق حياة مليئة بالحركة على نحو خارق للعادة التي سنورد هنا بعضاً من جوانبهاعلى سبيل الذكر لا الحصر.


حياته:

ولد فارس الشدياق في بلدة عشقوت في لبنان، من الديانة المارونية وتحول إلى البروتستانتية، الأمر الذي كان يعد في ذلك الزمن عملاً لا يخلو من المخاطر، وقد مات أخوه مسجوناً لدى المارونيين بسبب ذلك.


وجد الشدياق نفسه إذاً مجبراً على الرحيل إلى القاهرة سنة 1825. وعمل ابتداءً من سنة 1834 مدرساً لدى البعثة الكهنوتية (البريسبيتريانية) الأميركية ومصححاً صحفياً في مالطة لمدة 14 سنة. وفي سنة 1848 تلقى دعوة من الجمعية اللندنية لنشر الإنجيل للقدوم إلى لندن من أجل المشاركة في ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية، فانتقل ليقيم في أماكن مختلفة ببريطانيا وكذلك بباريس.


طلق زوجته المصرية ليتزوج بامرأة بريطانية، الأمر الذي مكنه من الحصول على حماية القنصلية البريطانية. وفي سنة 1857 انتقل للإقامة في تونس واعتنق الديانة الإسلامية، قد يكون ذلك بدافع تسهيل الحصول على وظيفة في إدارة السلطنة العثمانية. وبالفعل فقد دعي من طرف السلطان إلى إسطنبول سنة 1860.


إلى أي حد يستعصي تصنيف الشدياق، يتضح من الظروف التي حفت بدفنه. فبعد وفاته حصل خلاف بين الطوائف الدينية التي كانت تتنازع على أحقية تولي شؤون جنازته. وبالنهاية تم التوصل إلى اتفاق على دفنه بعد صلاة متعددة الديانات في موقع يتوسط المنطقتين المسيحية والدرزية من جبل لبنان.


رحلاته وأعماله:


تتميز التجارب والانطباعات الأوروبية لفارس الشدياق بامتداد وعمق يتجاوزان إلى حد بعيد ما كان لغيره من الرحالة الآخرين. تنقل الشدياق، ضمن مختلف المهام التي كلف بها- أو في بحثه عن وظيفة ما- بين بلدان عديدة وفي ظروف مادية ومعنوية عسيرة في أغلب الأحيان.


وكانت تنقلاته تختلف كلياً مثلاً عن رحلة رفاعة رافع الطهطاوي الشيخ الأزهري والموظف الحكومي لاحقاً، الذي جاءت إقامته في باريس ضمن إطار بعثة دراسية رسمية.


وخلافاً للتقرير ذي الصبغة التوثيقية العملية لهذا الأخير جاء كتاب الشدياق الصادر سنة 1885 تحت عنوان "الساق على الساق في معرفة الفارياق "ذات طابع أدبي، وبالتالي فهو لا يعتبر وثائقياً صرفاً. فقد جاء هذا العمل المهول الذي يقع في حوالي 700 صفحة مقسماً إلى أربعة أجزاء قد ركز آخرها بصفة خاصة على فترة الإقامة في أوروبا، في هيئة نص يتنقل بين مختلف الأصناف الأدبية: لا هو بالرحلة في مفهومها التقليدي، ولا هو بالسيرة الذاتية الحقيقية ولا هو بالدراسة القاموسية الصرف، بل كل هذا معاً.


يعرض هذا النص الذي يصور حياة بطله المسمى الفارياق "(وهم إسم خيالي مصاغ من توليفة لشطري اسم الكاتب ولقبه كما يمكن للمرء أن يتبين ذلك بسهولة) في الوقت نفسه مناقشات فلسفية واجتماعية ووصف للأماكن التي مر بها إلى جانب تداعيات التعليقات اللغوية والأدبية.


وقد وردت الموضوعات المتنوعة لهذا العمل مصاغة غالباً في شكل نقاشات سجالية بين الفارياق والفارياقة، زوجته الذكية المثقفة والواعية. وقد جاء هذا التصوير النقدي الذي يتناول المنجزات الجديدة وكذلك الجوانب السلبية للحضارة الأوروبية الحديثة ومن ضمنها الأوضاع الإجتماعية في أوروبا أيام الثورة الصناعية، ينضح سخرية، من الآخر ومن الذات على حد سواء.


فرنسا وإنكلترا في أعماله:

والجدير بالذكر هنا هو أن الشدياق لم يتناول أوروبا ككتلة متجانسة، بل كان يفرق بين بلد وآخر، وطبقة اجتماعية وأخرى. مقارنة بفرنسا تبدو بريطانيا في كتاباته أفضل منزلة: ولئن كان الشدياق لا يتردد في انتقاد المعاملات التي يراها ذات غايات ربحية، والافتقار إلى آداب معيشية وإلى التعبير التلقائي عن المشاعر وانعدام قيم الكرم والضيافة، فإن انطباعه العام يظل مع ذلك إيجابياً.


كانت إنكلترا بلده المضيف الأول، وقد حظي هناك بموقع جيد، بل ولعله قد تبنى أيضاً بعض الأحكام المسبقة التي يغذيها الإنكليز ضد الفرنسيين. ينوه الشدياق بصدق الإنكليز ومصداقيتهم ووفائهم وكذلك المعاملات المتحررة بين الجنسين.


وقد حظيت النساء بتنويه خاص من طرفه: فهن في إنكلترا، حسب قوله، متواضعات وفيات ونقيات. أما فرنسا فوصف نساءها بالإفتقار إلى الطهارة – وكذلك الحالة البائسة للشوارع وتدهور النظافة والقيم الأخلاقية. فالفرنسيات في نظره يحبذن استعراض مفاتنهن ومستبدات تجاه الرجال كما أنهن يطلبن نمط عيش مكلف جداً.


يفيض الكاتب في التنويه بتنظيم مجالات الحياة العامة في إنكلترا؛ الجميع يتمتعون بنفس الحقوق، ولا وجود لأي نوع من التعسف من طرف الحكام. وفي كتاب آخر صدر سنة 1867 بعنوان "كشف المخبّأ في فنون أوروبا"، وهو كتاب رحلة من النوع التقليدي، قدم الشدياق صورة إيجابية عن فرنسا كأمة ذات حضارة تتمتع بنمط عيش متحضر.


لقد كان الشدياق دون شك مثقفاً محباً للمواجهة لا يبتعد عن أي نوع من المحرمات: انتقادات إنجيلية، تصويرات شهوانية مثيرة، الدفاع عن حقوق المرأة وعن الفصل بين الدين والدولة، بالإضافة إلى انتقادات لاذعة للإكليروس اللبناني ولكبار الملاّك والطائفية؛ كل ذلك كان مستفزاً للغاية في ذلك الزمن - وما يزال جزئياً إلى يومنا هذا.


ولعل بقاء الشدياق مغموراً لا يحظى بما يستحق من التقدير، يعود إلى هذا الطابع الصدامي الاستفزازي. وحتى الآن ما يزال هذا العمل الجامع الذي خلفه لا يحظى بما يليق به من التكريم

،،


قديم 08-23-2010, 12:12 PM
المشاركة 2
عبير جلال الدين
كاتبـة مصـرية
  • غير موجود
افتراضي


2 - الرحالة الانجليزي المسلم: عبد الله فليبي


نبذة عن حياته:

ــ اسمه الحقيقى سان جون فليبي ، وهو مستشرق إنجليزي الأصل سمى نفسه لما أسلم عبد الله فليبي.


ــ تخرج من جامعة كمبردج، أرسلته الحكومة الإنجليزية إلى الشرق الأوسط سنة 1917 م .

ــ عاش فى الدول العربية متجولاً طيلة 45 سنة ويعتبر المكتشف الثانى للربع الخالى فى المملكة العرببية السعودية، وأول من رسم خريطة هندسية لهذا الربع.


توفى رحمه الله ودفن فى مقبرة المسلمين سنة 1950 م


رحلاته المدونة:

ــ الربع الخالى ـ المطبوع سنة 1913 م

ــ طلب الجزيرة العربية ـ سنة 1912 م

ــ المملكة العربية السعودية

ــ أرض مدين



3- الرحالة الجغرافي البيروني


· ولد البيروني بخوارزم عام 362 هـ/ 973 م ألف ما يزيد عن مائة وثمانين كتاباً.

-قال عنه المستشرق سخاو: إن البيروني من أضخم العقول التى ظهرت فى العالم، ومن أعظم العلماء فى كل العصور).

- من أشهر كتبه: القانون المسعودي فى الهيئة والنجوم والجغرافيا، والآثار الباقية فى القرون الخالية. والت6هيم لصناعة التنجيم، وكتاب الصيدلة ، والجماهر فى معرفة الجواهر توفى رحمه الله عام 440 هـ/1048 م .


رحلاته المدونة:

ـ تاريخ الهند


4- الرحالة الفيلسوف ابن خلدون:


هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد المعروف بابن خلدون

ـ زار جلّ العواصم الإسلامية وحج واستقرّ بالقاهرة في مصر.

ـ اشتهر في العالم بمقدمته الرائعة فى التاريخ ويعتبر هو واضع فلسفة التاريخ ومؤسس علم الإجتماع.

ـ له عدة تآليف تدل على ذكائه ونبوغه مثل(شرح البردة) وكتاب في الحساب) و(رسالة في المنطق).

ـ قال فيه المؤرخ الإنجليزى الكبير المعاصر أرنولد تونيبي:(إن ابن خلدون في المقدمة التي كتبها لتاريخه العام قد أدرك وتصور وأنشأ فلسفة التاريخ وعى بلا شك أعظم عمل من نوعه خلفه أي عقل في أي زمان ومكان).

ــ توفى رحمه الله بالقاهرة عام 808 هـ/1456م


رحلتـــه المدونة:

ـ التعريف بابن خادون غرباً وشرقاً ـ لعبد الرحمن بن خلدون

،،


قديم 08-23-2010, 12:16 PM
المشاركة 3
عبير جلال الدين
كاتبـة مصـرية
  • غير موجود
افتراضي

5- الرحالة الفرنسي لويس ماسينيون:


- ولد في (فرجان) بناحية باريس سنة 1883 م التحق بالمدرسة الوطنية الشرقية الحية، وحصل على شهادة بكالوريا سنة 1900 م شعبة الآداب والفلسفة. وعلى ليسانس الرياضيات سنة 1902 م من باريس، وعلى دبلوم الدراسات العليا من جامعة(السوربون) عن بحثه فى تاريخ المغرب.


- يعتبر أكبر عالم رحالة فى هذا العصر كما قال الدكتور عبد الرحمن بدوي.


رحلاته المدونـــة:

- له رحلات إلى بلدان العالم الإسلامي وإليه يرجع الفضل في اكتشاف قصر الأخيضر بالعراق سنة 1908 م ونشر نتائج اكتشافاته وأبحاثه فى كتاب(بعثة أثرية) فى مجلدين.



كتبه عن المغرب:

- لوحة جغرافية للمغرب في السنوات الخمس عشرة الأولى من القرن السادس عشر تبعاً لليون الإفريقى فى 305 ص و30 خريطة.

- طريق فاس ـ و(مراكش) بعد الفتح العربي مع خرائط للمناطق التاريخية فى مراكش.

- وأهم كتبه عذاب الحلاج شهيد التصوف في الإسلام في مجلدين.

· توفى سنة 1963 م.




6- الرحالة النمساوى محمد أسد:


اسمه الحقيقى ليوبولد فليس، نمساوي يهودي الأصل، أعلن إسلامه فى مكة المكرمة سنة 1927 م وأدى فريضة الحج في هذه السنة، وأطلق عليه اسم (محمد أسد).


- قام برحلات استطلاعية لشبه الجزيرة العربية.

- اهتم بالدراسات الإسلامية وتعمق فيها وكان مراسل عدة صحف أجنبية مشهورة، وأسندت له مهام هامة في كل من باكستان والسعودية.


إقامته بالمغرب:

- استقر بمدينة طنجة بالمغرب وقد زرته في منزله بالجبل سنة1983 م ثم إنه غادر المغرب وتوجه إلى النمسا مسقط رأسه وعاش أيامه الأخيرة فى إسبانيا وفيها توفى.


رحلاتــه المدونة:

- فى طريق مكة أو الطريق إلى الإسلام ـ فى 500 ص.




7- الرحالة اللبنانى الكبير: أمين الريحاني:


- أمين بن فارس المعروف بالريحاني

- ولد بالفريكة بلبنان سنة 1876 م ولقب بفيلسوف الفريكة.

- جال في أمريكا، وفي بلدان عربية كثيرة، والتقى مع ملوكها وزعمائها وساستها وعلمائها، كنجد، والحجاز، واليمن، والعراق، ومصر وفلسطين، والمغرب والأندلس ولندن وباريس.

- اشتهر في العالم الإسلامي والعربي برحلاته ونزعاته الإنسانية.

- توفى في مسقط رأسه سنة 1940 م


رحلاته المدونة:

- ملوك العرب ـ تاريخ نجد الحديث ـ وفيصل الأول ـ وقلب العراق - وقلب لبنان ـ والمغرب الأقصى ـ وبلاد اليمن.

،،



قديم 08-23-2010, 12:21 PM
المشاركة 4
عبير جلال الدين
كاتبـة مصـرية
  • غير موجود
افتراضي


رحلات


رحلة حج إلى الشرق:


نشأ في العصور الوسطى المتأخرة نوع من السياحة الدينية المسيحية، واتجه المتدينون والمجازفون نحو الشرق لزيارة المواقع المقدسة والأماكن الغريبة. وكان برنهارد فون برايدن باخ هو أحد هؤلاء، وقد سجل مشاهد رحلاته، التي تعطينا انطباعاً عن رؤيته للشرق فى ذلك الوقت.


في الخامس والعشرين من أبريل/ نيسان عام 1483 انطلق برنهارد فون برايدن باخ من مدينة أوبن هايم الواقعة على نهر الراين في رحلة حج إلى الأرض المقدسة، واصطحب معه أحد النبلاء المسمى يوحنا فون سولمز، والفارس فيليب فون بيكن، والفنان إرهارد رويفيش من أوترشت، والطباخ يوحنا والمترجم يوحنا كنوص، حتى وصلوا إلى مدينة البندقية بإيطاليا بعد خمسة عشر يوماً "بتكاليف غير قليلة وبطرق طويلة ملتوية".


حج نخبوي:

كان من الطبيعي أن يستأجر الحاج مكاناً على متن سفينة حج متجهة من البندقية إلى فلسطين. وكانت الرحلة البحرية مكلفة جداً وغير مريحة، وكان الحجيج من مختلف البلاد يحتشدون في مكان ضيق، وكان الطعام في أغلب الأحيان سيئاً، حتى أصيب الكثير بالمرض أثناء الرحلة بسبب الظروف الصحية التي يرثى لها. ومن أتيحت له الفرصة تسلق فوق المسافرين وقضى حاجته فوق سطح السفينة، أضف إلى ذلك الخوف من تحطم السفينة أو من هجمات القراصنة.


ورغم كل هذا كانت رحلة فلسطين رحلة نخبوية، لأن الحجيج الأغنياء كانوا فقط الذين يقدرون على التكاليف الباهظة للرحلة، ومن ثم كانت الرحلة فرصة لرفع مكانة الحجيج. وكان عدد الحجيج الأوروبيين إلى فلسطين في العصور الوسطى المتأخرة يتراوح ما بين ثلاث مائة وخمس مائة شخصاً كل عام.


وبعد أقل من شهرين بالسفينة لاحت الأرض المقدسة لبرنهارد فون برايدن باخ ومرافقيه، إلا أن النظرة الأولى تبعتها خيبة أمل، لأن الحجيج كان عليهم أولاً أن يحصلوا على تصريح من المماليك يسمح لهم بدخول فلسطين. ولهذا اضطر برنهارد فون برايدن باخ ومرافقيه للبقاء ستة أيام على السفية حتى يذهب رجال البلاط إلى يافا لإستصدار تصريح لهم بدخول البلد.



عدم الثقة المتبادلة:


وهنا تم تسجيل أسماء الحجيج وتحصيل الرسوم منهم، ففي الأرض المقدسة لم يكن هناك شيء مجاني. وأثناء هذه الإجراءات كان المماليك "يحجزون" الحجيج في كهف رطب على الشاطئ حيث يظلون محبوسين ليال طويلة،لأن الحجيج القادمين من بلاد الحروب الصليبية كان لا يسمح لهم بدخول البلد إلا برقابة.


وفي نفس الوقت كان الرهبان الفرانسيسكان يستقبلون الحجيج كما لو كانوا المعقل الأخير للمؤمنين في البلد المقدس، وكانوا يقومون على شؤون الحجيج حتى يتمكنوا من التعبد وتصفية الروح (والحصول على كثير من صكوك الغفران) أثناء زيارتهم لمدينة القدس.


وكان الرهبان الفرانسيسكان يرافقون الحجيج – مثل المرشدين السياحيين المعاصرين – ويلقنونهم دروساً بعدة لغات عن العادات الشرقية ويتولون تنظيم الإقامة في مدينة القدس، حيث يقومون معهم برحلات يومية للأماكن المقدسة ويوفرون لهم المبيت في بعض الأوقات.


ويركز تقرير برايدن باخ على وصف الأماكن المقدسة، ولا يصف المكان الأخير الذي تناول فيه المسيح آخر وجبة للعشاء أو قصة آلامه فحسب، بل أيضاً الإصطبل الذي تربى فيه الحمل الذي كان وجبة المسيح في عيد الباساخ.


وفي الواقع كان كل مكان قصة مثيرة في حد ذاته، وكان ينطوي على جزء من قصة الخلاص. وكانت الذروة في زيارة كنيسة القيامة، حيث كان لا يسمح للحجيج بالمبيت فيها إلا بمقابل دفع رشوة. أما عن القدس كمدينة شرقية فلم يذكر التقرير عنها شيئاً.


إنعدام التسامح الديني:


يتعرض برنهارد فون برايدن باخ في تقريره إلى سكان مدينة القدس، ويكرر ذكر العامل الديني في المقام الأول، حيث يوضح رجل الدين أخطاء الجماعات الدينية الأخرى المقيمة في القدس.

وبحماسه التبشيري الموجه إلى الداخل نجد برايدن باخ يدعم في المقام الأول المسيحية الأوروبية في عقيدتها، حين يبين لهم صورة الإسلام السيئة.

وأقوال برايدن باخ عن الإسلام وعلى وجه الخصوص إهاناته لا تكاد تكون نتاج ما رآه هناك، بل مأخوذة من مراجع أخرى معاصرة.

كما أن المسيحيين الشرقيين لم يحظوا بالتقدير في كتابه، فنجده يصف المارونيين والنسطوريين بالإلحاد لانفصالهم عن الكنيسة الكاثوليكية. ومن الواضح هنا أنه يدافع عن السلطة المطلقة للكنيسة الكاثوليكية، كما أن الفرق بين المألوف والغريب يحدد ب "ما كان مسيحيا" ويفصل بين الحسن والسيئ.

ويرجع الفضل في شهرة تقرير رحلة حج برنهارد فون برايدن باخ إلى تلك الملحقات من النقوش الخشبية، التي أعد نماذجها الفنان إرهارد رويفيش، حيث تلقي صوره الضوء على الجماعات الدينية المختلفة من زوايا أخرى تماماً.


فنرى مجموعة من الرجال العرب تقف هناك بلباسهم الفاخر وأسلحتهم، وبجانبهم نساء ممشوقات القوام – وتلبس إحداهن الخمار - يحاولن التصنت على الرجال. كما طبع الأبجدية العربية أيضا وإن كانت بها أخطاء.


وتظهر تلك الصور اهتماماً إيجابياً مقبولاً عن السكان الشرقيين، إلا أنه بعيد عن موضوع الديانة.



مقابلات مع مسلمين:


وبعد انتهاء الجولات المختلفة في فلسطين اتجه كثير من الحجيج إلى أوطانهم ورجعوا بسفن الحج إلى مدينة البندقية، إلا أن برايدن باخ ومرافقيه عزموا على السفر إلى صحراء سيناء ومصر.

والقارئ يشعر أن برايدن باخ اضطر لترك مرشده السياحي الراهب الفرانسيسكاني في القدس. فتعليقات برايدن باخ على الطبيعة الغريبة وعلى الناس الأجانب تأخذ طابعاً شخصياً، كما ابتعدت عن مغزى الرحلة الديني.


أما المقابلات مع المسلمين الذين يصفهم في الغالب بالسارزين Sarazenen فكان يغلب عليها الإستياء من ناحية بسبب الرسوم الجمركية غير المتوقعة وعمليات الغش، وإيجابية من ناحية أخرى.

فنجده يروي أن الناس أعطوه ومن معه من المرافقين ماءً للشرب في الصحراء "لوجه الله" على الرغم من أنهم يجدون "مشقة" في الحصول عليه، ويري أيضاً أنهم انضموا إلى قافلة تجارية كان أعضاؤها "لطفاء".


كما يبدو أنه أجرى حوارات مع الأهالي بمساعدة أحد المترجمين، وكان يتبين له كل مرة أن الحجيج المسلمين يقدسون نفس الآثار التي يقدسها المسيحيون. ومع ذلك فلم تصحح تلك المقابلات صورة الإسلام التي أعطاها سابقاً، لأن نظرة رجل الدين تظل ثابتة لا تتغير.



الشرق كمنطقة غريبة:


ولم يذكر برايدن باخ عجائب الشرق وجماله إلا عند وصفه لمدينة القاهرة، فنجده يقول:

"إن قصر السلطان كبير للغاية لدرجة أنه يسع جميع سكان مدينة أولم Ulm أو نصف سكان مدينة نورنمبرغ Nürnberg. كما توجد مساجد جميلة ذات مآذن عالية لدرجة أني أعتقد أنه لا توجد في روما كنائس بمثل كثرة المساجد هنا".


وهنا أصبح الشرق منطقة غريبة مليئة بالطرائف والعجائب، فيصف باستغراب الأكلات السريعة في العصور الوسطى، وهي مطابخ موجودة في جميع شوارع القاهرة، ويقول:


"رأينا أيضاً الكثير من العرب المسلمين يطبخون في الشوارع والأزقة (...). وكثير منهم يحملون القدور فوق رؤوسهم في شوارع المدينة، وما هي إلا نار موقدة وقدور تغلي وأسياخ شواء".

كما يلمح رجل الدين على الأحداث في أسواق العبيد، وأن الناس اعتبروهم – من قبيل الخطأ – عبيداً، وعرض أحد التجار على المرشد السياحي عشرة دوكات على كل شخص.


وأخيراً – وكما هو الحال في الرحلات المعاصرة إلى الشرق – فلا بد من دخول الحّمام:


"فدخل الكثير منا إلى حمام البخار إذ أن العرب المسلمين لديهم حمامات جميلة من الرخام، كما أنهم يؤدون خدمات جيدة في الحمامات. ويقومون هناك بتدليك أعضاء زوار الحمام بطريقة غريبة."


وبعد أن انتهى الحجيج من برنامج القاهرة السياحي عادوا إلى مدينة البندقية بالسفينة عن طريق الإسكندرية.



اهتمام حقيقي بالشرق:


وعندما يقرأ المرء تقرير رحلة برنهارد فون برايدن باخ يظل برهة متحيراً، ويتساءل:


كيف يمكن لقُمص بأسقفية أن يكتب كلمات سيئة تحرض ضد الإسلام من جهة، وفي نفس الوقت يظهر إعجابه بالمساجد الإسلامية؟ وكيف يمكنه أن يوجه للمسلمين اتهامات عامة، ومن ناحية أخرى يمتدح خدماتهم؟

ثمة أشياء كثيرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بفهم الأدب في العصور الوسطى المتأخرة، فكان الكاتب يتحرك في حدود ضيقة بين ما يتوقعه القارئ من تقارير الرحلات وبين ما كان موجوداً بالفعل في هذه الفترة حتى لا يثار شك في أقواله الشخصية. ولم يتوقع المرء من الأديب أن يأتي بشيء جديد، بل كان ينبغي عليه أن يعيد صياغة ما كان معروفاً من قبل وما يتعلق به من ثوابت في قالب جديد.


ولا ينبغي أن ننسى أن برايدن باخ كان قُمص لأسقفية ماينز Mainz وذو منصب كنائسي كبير، وأن تقاريره عن الحج كانت تقرأ ضمن النصوص المسيحية في العصر الوسيط المتأخر، ولعل التعبير الإيجابي عن الرحلات أو التسامح تجاه "الكفار" كان في غير موضعه حسب معايير العصور الوسطى.


ومع ذلك فإننا نجد في تقارير برايدن باخ جوانب "توضيحية"، ويكفي أنه طبع الأبجدية العربية في فهرس عربي – ألماني أو أمره بطباعة صور ومشاهد لشعوب الشرق، مما يدل دلالة واضحة على أنه كان يريد أن يعطي صورة صادقة عن الشرق الغريب الذي كان يهتم به.

،،



قديم 08-23-2010, 12:25 PM
المشاركة 5
عبير جلال الدين
كاتبـة مصـرية
  • غير موجود
افتراضي


أوروبا في أعين مسلمي العصر الوسيط:


هَمج الشمال

لم يكن مثقفو العصر الوسيط في العالم الإسلامي يعرفون الكثير عن أوربا الغربية وسكانها. هذه المنطقة لم تكن تثير اهتمامهم على الإطلاق، وقلما زارها رحالة عرب.

يقول المؤرخ والجغرافي العربي المسعودي في ما كتبه عن شعوب أوروبا، وبصفة أدق عن السلافيين والإفرَنج ومن جاورهم بأنهم أقوام تنقصهم الفكاهة الحارّة، وأن أجسامهم ضخمة وطباعهم خشنة، وأخلاقهم فظة وفهمهم بليد ولسانهم عييّ.


وأن بشرتهم على بياض يجعلهم يبدون بلون أزرق، وجلدتهم رقيقة ولحمهم غليظ. أعينهم زرقاء هي أيضاً بما يتماشى ولون بشرتهم، وشعرهم ناعم ومائل إلى الحمرة بفعل الرطوبة والضباب. ويؤكد بأن معتقدهم الديني ينقصه الثبات، وذلك من تأثيرات البرودة وانعدام الحرارة في مناخهم. وكلما نأى بهم المقام باتجاه الشمال إلا وكانوا أكثر غباءً وأكثر غلظة وبدائية.


عاش المسعودي في بغداد القرن العاشر الميلادي، وملاحظاته هذه تعكس تصورات عصره. وقد كان الجغرافيون العرب في ذلك الزمن يقسمون العالم الآهل بالسكان إلى سبعة أقاليم. ولم يكن هذا التقسيم مطابقاً للواقع الجغرافي للعالم، إلا أنه يعكس الصورة التي كانت تقدمها الخرائط المتداولة في العصر الوسيط العربي الإسلامي، ولدى الإغريق من قبل.



الإنجازات الذهنية كمقياس للتحضر:


وبعد ما يقارب المائة سنة من وضع المسعودي لمؤلفه عن تاريخ وجغرافية العالم المعروف لديه آنذاك، يؤلف قاضي من مدينة توليدو الأندلسية كتاباً عن أصناف ومراتب الشعوب. وكان العنصر المحدد بالنسبة إليه في تصنيف الشعوب هو مدى الإنجازات الذهنية لكل شعب.


ويقسم سعيد ابن أحمد الشعوب وفقاً لذلك إلى فريقين: شعوب كانت لها عناية بالعلوم، وأخرى لم تعرف هذا النشاط. ينتمي إلى الفريق الأول كل من الهنود والفرس والكلدانيين والإغريق والبيزنطيين والمصريين والعرب واليهود.


إضافة إلى ذلك يركّز القاضي الأندلسي على منجزات الصينيين والأتراك بصفة خاصة. وقد احتلّ هذا الفريق الأول من الشعوب جزءً مهما من دراسته. أما ما تبقى من أمم الأرض فإن سعيد ابن أحمد يصنفها ضمن هَمج الشمال وهَمج الجنوب.


أما عن همج الشمال فيكتب ما معناه أن هذه الشعوب التي لم تول عناية بالعلوم هي أقرب إلى الدواب منها إلى الإنسان. ويرى أن تلك الشعوب التي تقطن أقصى مناطق الشمال ما بين آخر منطقة من المناطق المناخية السبعة وحدود العالم المأهول بالسكان، تقيم في منطقة يجعلها البعد عن الشمس بحكم موقعها المتنحي عن خط الهاجرة(السّمت) ذات هواء بارد وسماء تغطيها السحب.


وذلك هو ما يجعل، حسب رأيه، طباعهم باردة وفكاهتم بدائية وبطونهم سمينة ولونهم باهتا وشعرهم طويلاً دبِقاً، فيما ينقصهم الفهم الثاقب ووضوح الفكر، مما يجعلهم محكومين بالجهل والخمول وقلة التدبير والغباء.



الفكرة عن الآخر:

هذا المؤلف لا ينبئ فقط عن التصورات الجغرافية لذلك العصر وما تُوصل إليه من العلوم، بل يقدم لنا أيضاً فكرة عن الصورة التي كونها مسلموا العصر الوسيط عن أنفسهم وعن الآخرين. فقد كانت البلدان المسلمة تمثل لديهم مركز العالم، كما أن العالم المتحضر ينتهي بالنسبة إليهم عند الحدود الشمالية للأندلس.

في ما وراء حواجز الدين كانت هناك اتصالات تجارية نشطة مع البلدان غير الإسلامية آنذاك. وكان التجار المسيحيون والمسلمون واليهود من بلاد المشرق كثيري التنقل عبر بيزنطة وإيطاليا والصين وجنوب شرق آسيا وإفريقيا.


إلا أن ما يجلب الإنتباه هو غياب بلدان أوروبا الغربية في نصوص رحلات العصر الوسيط الإسلامية، إضافة إلى عدم حضورها كطرف في المعاملات التجارية. ولهذا الأمر أسباب عديدة.


فالبضاعة التي كانت تعرضها بلدان الغرب الأوروبي لم يكن فيها ما يستهوي أهل المشرق. والمنتوجات الوحيدة التي يرد ذكرها في بعض الأحيان في المراجع الإسلامية تتمثل في الأسلحة والعبيد، ومن حين لآخر الصوف الإنكليزي.



الخوف من تعصب المسيحيين:


وهناك سبب إضافي آخر جعل المسلمين يعرضون عن السفر إلى أوروبا الغربية، ويتمثل في عدم تسامح حكام وشعوب تلك البلاد. وقد انتشر الحديث آنذاك عما جرى لليهود في أوروبا العصور الوسطى.


وكان الناس على علم كذلك بما حصل في المناطق التي استُرجعت من نفوذ المسلمين مثل بلاد الأندلس، وكيف أن المسلمين أجبروا هناك على الاختيار بين التنصّر أو الهجرة أو الموت. ولم يكن من الممكن البتة تشكُّل جاليات إسلامية قارة ومستديمة في بلدان أوروبا المسيحية.


ومع ذلك فإن بعضاً من أهل المشرق ممن لا تثنهم المخاوف قد غامروا بالسفر إلى أوروبا الظلمات. أحد هؤلاء هو هارون بن يحيي. وهو رجل لا يُعرف الكثير عن حياته، عدا أنه حبس من طرف البيزنطيين في القسطنطينية كأسير حرب، وبعد إطلاق سراحه سافر إلى روما.


ويبدو أن رحلته هذه قد تمت في سنة 886 ميلادي. وكان أكثر ما أثار استغرابه في هذه المدينة التي كان يحكمها ملك يدعى باب، يقصد بذلك البابا، هي العادة التي كانت لدى أهل روما في حلق لحيّهم.


ويقول في ذلك أنه قد سألهم عن السبب الذي يجعلهم يحلقون لحيهم وأي غرض لهم من وراء هذا الصنيع، قائلا لهم إن جمال الرجل يكمن في لحيته. وقد أجابوه بأن من لا يحلق لحيته لا يعد مسيحياً حقيقياً لديهم، ذلك أنه عندما قدم إليهم سيمون والحواريون رأوهم لا ينتعلون أحذية وليست في أيديهم عصي، بل كانوا بائسين وهزيلين، بينما كانوا هم آنذاك ملوكاً يرفلون في الديباج ويجلسون على كراسي من الذهب.


دعاهم هؤلاء إلى ديانة المسيح لكنهم لم يأبهوا لدعوتهم، بل ألقوا عليهم القبض وعذبوهم وحلقوا شعر رأسهم ولحيّهم. ثم عندما تجلت لهم في ما بعد حقيقة دعوتهم شرعوا في حلق لحيهم الخاصة للتكفير عن الخطيئة التي اقترفوها بحلق لحي أولئك الدعاة.



الحروب الصليبية:


بغداد في شهر أغسطس من سنة 1099: قاضي القضاة سعد الهراوي يقف في ديوان الخليفة العباسي المستظهر بالله. وبصوت مرتفع كان قاضي دمشق يدلي بشكواه للخليفة. قبل أسابيع قليلة وقعت مدينة القدس الشريفة في أيدي الصليبيين الذين يطلق عليهم المسلمون عادة اسم الفرنجة.


وقد ارتكب المعتدون الدخلاء مذبحة شنيعة بين أهالي المدينة ونهبوا البيوت وخربوا المساجد. ونتج عن ذلك أن حلّ آلاف من الفارين اللاجئين بدمشق، فتبنى الهراوي قضيتهم وجاء يطلب الدعم والمساندة من الخليفة في بغداد.


وقد عبر له الخليفة عن عميق تعاطفه معهم، وكان ذلك كل ما حصل، إذ لم يكن هناك في بداية الحروب الصليبية سوى عدد قليل من العرب قد استطاعوا أن يدركوا الحجم الحقيقي للخطر الذي كان يتهددهم من الغرب.


لقد امتدت فترة الحروب الصليبية على مدى 200 سنة. وبصرف النظر عن المواجهات العسكرية، قد مثلت تلك الحقبة الزمنية إمكانية لم يسبق لها مثيل في مامضى للقاء مباشر بين العالم الغربي والعالم الإسلامي.


إلى حد هذا التاريخ كانت الإتصالات تجري في أغلب الأحيان عن طريق إسبانيا وصقلية. والآن، هاهم الفرنجة يحلون في قلب العالم الإسلامي. أحد الشاهدين على ذلك العصر كان الفارس السوري أسامة بن المنقذ (1095-1188).


كان أسامة من معاصري صلاح الدين الأيوبي، وقد اشترك في المعارك ضد الصليبيين. واستغل بن المنقذ تلك المعارك من أجل التعرف على الفرنجة عن كثب، و قد جمع في مذكرات سيرته الذاتية حشداً من التجارب الشخصية والنوادر.


يركز أسامة باستمرار في مذكراته على الطابع "الفظ" و "الحيواني" لسلوك الأوروبيين، لكن وبصفة أخصّ على عدم تحضّرهم. وكمثال على ذلك يذكر طرق العلاج الإفرنجية. مذهولاً يروي مثلاً الطريقة التي عالج بها طبيب منهم تقيحاً في رجل أحد الفرسان المحاربين:

أمر ببتر الساق بضربة ساطور. مثال آخر من طبيعة سلوكهم هو طريقة تعاملهم مع النساء. يقول أسامة بن المنقذ أن الفرنجة لا يعرفون حساً بالشرف ولا غيرة.


وهكذا يمكن أن يحدث أن يكون أحدهم ماراً مع زوجته في الطريق فيعترضهما رجل آخر، ينتحي هذا الأخير بالمرأة جانباً ويظل يحادثها بينما زوجها يقف بعيداً وينتظر إلى أن تنتهي المرأة من حديثها. وإذا ما طالت عليه مدة المحادثة تركها مع محادثها ومضى في طريقه.

،،


قديم 08-23-2010, 12:31 PM
المشاركة 6
عبير جلال الدين
كاتبـة مصـرية
  • غير موجود
افتراضي

من طنجة

قال الشيخ أبو عبد الله: كان خروجي من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من شهر الله رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة معتمدًا حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، منفرداً عن رفيق أنس بصحبته، وركب أكون في جملته؛ لباعث على النفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازم، فجزمت أمري على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور، وكان والداي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصباً، ولقيت كما لقياً من الفراق نصباً، وسني يومئذ ثنتان وعشرون سنة.


قال ابن جزي، أخبرني أبو عبد الله بمدينة غرناطة أن مولده بطنجة في يوم الإثنين السابع عشر من رجب الفرد سنة ثلاث وسبعمائة.


وصلنا مدينة الجزائر، وأقمنا بخارجها أياماً إلى أن قدم الشيخ أبو عبد الله وابن القاضي فتوجهنا جميعاً على منبجة إلى جبل الزان، ثم وصلنا إلى مدينة بجاية.


وكان أمير بجاية إذ ذاك أبا عبد الله محمد بن سيد الناس الحاجب، وكان قد توفي من تجار تونس الذين صحبتهم من مليانة محمد بن الحجر الذي تقدم ذكره، وترك ثلاثة آلاف دينار من الذهب، وأوصى بها لرجل من أهل الجزائر يعرف بابن حديدة ليوصلها إلى ورثته، فانتهى خبره لابن يد الناس المذكور، فانتزعها من يده، وهذا أول ما شاهدته من ظلم عمال الموحدين وولاتهم.

ولما وصلنا إلى بجاية كما ذكرته أصابتني الحمى فأشار عليّ أبو عبد الله الزبيدي بالإقامة فيها حتى يتمكن البرء مني، فأبيت وقلت: إن قضى الله عز وجل بالموت فتكون وفاتي بالطريق، وأنا قاصد أرض الحجاز، فقال لي: إما أن عزمت فبع دابتك وثقل المتاع وأنا أعيرك دابة وخباء، وتصحبنا خفيفاً، فإننا نجد السير خوف غارة العرب في الطريق، ففعلت هذا وأعارني ما وعد به جزاه الله خيراً، وكان ذلك أول ما ظهر لي من الألطاف الإلهية في تلك الوجهة الحجازية.

وسرنا إلى أن وصلنا مدينة قسنطينة فنزلنا خارجها، وأصابنا مطر جود، فاضطررنا إلى الخروج عن الأخبية ليلاً إلى دور هنالك، فلما كان من الغد تلقانا حاكم المدينة، وهو من الشرفاء الفضلاء، يُسمى بأبي الحسن، فنظر إلى ثيابي وقد لوثها المطر فأمر بغسلها في داره، وكان الإحرام منها خَلِقاً فعبث مكانه إحراماً بعلبكيًّا، وصرَّ في أحد طرفيه دينارين من الذهب، فكان ذلك أول ما يفتح به عليَّ في وجهتي.


ورحلنا إلى أن وصلنا مدينة بونة، ونزلنا بداخلها، وأقمنا بها أياماً ثم تركنا بها من كان في صحبتنا من التجار لأجل الخسوف في الطريق، وتجردنا للسير، وواصلنا الجد، وأصابتني الحمى، فكنت أشد نفسي بعمامة فوق السرج خوف السقوط بسبب الضعف، ولا يمكنني النزول من الخوف، إلى أن وصلنا مدينة تونس، فبرز أهلها للقاء الشيخ أبي عبد الله الزبيدي، ولقاء أبي عبد الله النفزاوي، فأقبل بعضهم على بعض بالسلام والسؤال، ولم يسلم عليّ أحد لعدم معرفتي بهم، فوجدت من ذلك في النفس ما لم أملك معه سوابق العبرة، واشتد بكائي فشعر بحالي بعض الحجاج، فأقبل عليَّ بالسلام والإيناس، وما زال يؤنسني بحديثه حتى دخلت المدينة ونزلت منها بمدرسة الكتبيين.


قال ابن جزي: أخبرني شيخي قاضي الجماعة أخطب الخطباء أبو البركات محمد بن إبراهيم السلمي، هو ابن الحاج البلفيقي: أنه جرى له مثل هذه الحكاية قال: قصدت مدينة بلش من بلاد الأندلس في ليلة عيد برسم رواية الحديثة المسلسل البعيد عن أبي عبد الله بن الكماد، وحضرت المصلى مع الناس، فلما فرغت الصلاة والخطبة أقبل الناس بعضهم على بعض بالسلام، وأنا في ناحية لا يسلم عليّ أحد فقصد إليَّ شيخ من أهل المدينة المذكورة وأقبل عليَّ بالسلام والإيناس وقال: نظرت إليك رأيتك منتبذاً عن الناس، ولا يسلم عليك أحد، فعرفت أنك غريب، فأحببت إيناسك، جزاه الله خيراً. ثم وصلنا إلى مدينة قابس، ونزلنا بداخلها وأقمنا بها عشراً لتوالي نزول الأمطار.


ثم خرجنا من مدينة قابس قاصدين طرابلس، وصَحَبَنا في بعض المراحل إليها نحو مائة فارس، أو يزيدون، وكان بالركب قوم رماة فهابتهم العرب وتحامت مكانهم، وعصمنا الله منهم، وأظلنا عيد الأضحى في بعض تلك المراحل، وفي الرابع بعده وصلنا إلى مدينة طرابلس، فأمنا بها مدة، وكنت عقدت بصفاقس على بنت لبعض أمناء تونس، فبنيت عليها بطرابلس ثم خرجت من طرابلس أواخر شهر المحرم، من عام تسعة وعشرين وسبعمائة ومعي أهلي وفي صحبتي جماعة من المصامدة، وقد رفعت العلم، وتقدمت عليهم، وأقام الركب في طرابلس خوفًا من البرد والمطر وتجاوزنا مسلاته ومسراته وقصور سرت، وهنالك أرادت طوائف العرب الإيقاع بنا ثم صرفتهم القدرة، وحالت دون ما راموه من أذيتنا.

ثم توسطنا الغابة، وتجاوزناها إلى قصر برصيصا العابد، إلى قبلة سلام وأدركنا هنالك الركب الذين تخلفوا بطرابلس، ووقع بيني وبين صهري مشاجرة أوجبت فراق بنته، وتزوجت بنتاً لبعض طلبة فاس، وبنيت بها بقصر الزعافية، وأولمت وليمة حبست لها الركب يوماً، وأطعمتهم.




الوصول إلى الإسكندرية

ثم وصلنا في أول جمادى الأولى إلى مدينة الإسكندرية حرسها الله، وهي الثغر المحروس والقطر المأنوس، العجيبة الشأن الأصيلة البنيان، بها ما شئت من تحسين وتحصين، ومآثر دنيا ودين، كرمت مغانيها ولطفت معانيها وجمعت بين الضخامة والإحكام مبانيها، فهي الفريدة في تَجَلِّي سناها، والخريدة تجلى في حلاها، الزاهية بجمالها المغرب، الجامعة لمفترق المحاسن لتوسطها بين المشرق والمغرب، فكل بديعة بها اجتلاؤها، وكل طرفة فإليها انتهاؤها وقد وصفها الناس فأطنبوا، وصنفوا في عجائبها فأغربوا، وحسب المشرف إلى ذلك ما سطره أبو عبيد في كتاب المسالك.




ذكر أبوابها ومرساها


ولمدينة الإسكندرية أربعة أبواب، باب السَّدرة، وإليه يشرع طريق المغرب، وباب رشيد، وباب البحر، والباب الأخضر، وليس يفتح إلا يوم الجمعة فيخرج الناس منه إلى زيارة القبور، ولها المرسى العظيم الشأن، ولم أَرَ في مراسي الدنيا مثله، إلا ما كان من مرسى كولم وقاليقوط ببلاد الهند، ومرسى الكفار بسرادق ببلاد الأتراك، ومرسى الزيتون ببلاد الصين وسيقع ذكرها.



ذكر المنار

قصدت المنار في هذه الوجهة فرأيت أحد جوانبه متهدماً، وصفته أنه بناء مربع ذاهب في الهواء، وبابه مرتفع على الأرض، وإزاء بابه بناء بقدر ارتفاعه، وضعت بينهما ألواح خشب يعبر عليها إلى بابه، فإذا أزيلت لم يكن له سبيل، وداخله موضع لجلوس حارس المنار، وداخل المنار بيوت كثيرة، وعرض الممر بداخله تسعة أشبار، وعرض الحائط عشرة أشبار، وعرض المنار من كل جهة من جهاته الأربع مائة وأربعون شبراً، وهو على تل مرتفع ومسافة ما بينه وبين المدينة فرسخ واحد في بر مستطيل، يحيط به البحر من ثلاث جهات إلى أن يتصل البحر بسور البلد، فلا يمكن التوصل إلى المنار في البر إلا من المدينة، وفي هذا البر المتصل بالمنار مقبرة الإسكندرية.

وقصدت المنار عند عودتي إلى بلاد المغرب عام خمسين وسبعمائة؛ فوجدته قد استولى عليه الخراب بحيث لا يمكن دخوله ولا الصعود إلى بابه، وكان الملك الناصر، رحمه الله قد شرع في بناء منار مثله بإزائه فعاقه الموت عن إتمامه.



ذكر أمير علابور استشهاده


وكان أمير علابور بدر الحبشي من عبيد السلطان، وهو من الأبطال الذي تضرب بهم الأمثال، وكان لا يزال يغير على الكفار منفرداً بنفسه فيقتل ويسبي حتى شاع خبره واشتهر أمره وهابه الكفار، كان طويلاً ضخماً يأكل الشاة عن آخرها في أكلة، وأخبرت أنه كان يشرب نحو رطل ونصف من السمن بعد غذائه، على عادة الحبشة ببلادهم، وكان له ابن يدانيه في الشجاعة، فاتفق أن أغار مرة في جماعة من عبيده على قرية للكفار، فوقع به الفرس في مطمورة واجتمع عليه أهل القرية فضربه أحدهم بقتارة، والقتارة: حديدة شبه سكة الحرث يدخل الرجل يده فيها فتكسو ذراعه، ويفضل منها مقدار زراعين وضربتها لا تبقي، فقتله بتلك الضربة، وقاتل عبيده أشد القتال فتغلبوا على القرية وقتلوا رجالها وسبوا نساءها وما فيها وأخرجوا الفرس، وتوجه إلى دهلي فخرج عليه الكفار، فقاتلهم حتى قتل، وعاد الفرس إلى أصحابه، فدفعوه إلى أهله، فركب صهر له فقتله الكفار عليه أيضاً.

ثم سافرنا إلى مدينة كاليور، ويقال فيه أيضاً كيالير، وهي مدينة كبيرة لها حصن منيع في رأس شاهق على بابه صورة فيل وفيال من الحجارة، وقد مر ذكره في اسم السلطان قطب الدين وأمير هذه المدينة أحمد بن سير خان فاضل كان يكرمني أيام إقامتي عنده قبل هذه السفرة.


ودخلت عليه يوماً وهو يريد توسيط رجل من الكفار، فقلت له: بالله لا تفعل ذلك فإني ما رأيت أحداً قط يقتل بمحضري فأمر بسجنه، وكان ذلك سبب خلاصه.

ثم رحلنا من مدينة كاليور إلى مدينة برون، مدينة صغيرة للمسلمين بين بلاد الكفار أميرها محمد بن بيرن التركي الأصل، والسباع بها كثيرة، وذكر لي بعض أهلها أن السبع كان يدخل إليها ليلاً وأبوابها مغلقة، فيفترس الناس حتى قتل من أهلها كثيراً، وكانوا يعجبون في شأن دخوله.


وأخبرني محمد التوفيري من أهلها، وكان جاراً لي بها، أنه دخل داره ليلاً وافترس صبيًّا من فوق السرير، وأخبرني غيره أنه كان مع جماعة في دار عرس، فخرج أحدهم لحاجة، فافترسه فخرج أصحابه في طلبه، فوجدوه مطروحاً بالسوق وقد شرب دمه ولم يأكل لحمه، وذكروا أنه كذلك فعل بالناس.


ومن العجب أن بعض الناس أخبرني أن الذي يفعل ذلك ليس بسبع، وإنما هو آدمي من السحرة المعروفين بالجوكية يتصور في صورة سبع، ولما أخبرت بذلك أنكرته، وأخبرني به جماعة ولنذكر بعضاً من أخبار هؤلاء السحرة.



ذكر السحر الجوكية


وهؤلاء الطائفة تظهر منهم عجائب منها: أن أحدهم يقيم الأشهر لا يأكل ولا يشرب، وكثير منهم تحفر له تحت الأرض وتبنى عليه، فلا يترك له إلا موضع يدخل منه الهواء، ويقيم بها الشهور، وسمعت أن بعضهم يقيم كذلك سنة.


ورأيت بمدينة منجور رجلاً من المسلمين ممن يتعلم منهم قد رفعت له طبلة، وأقام بأعلاها، لا يأكل ولا يشرب مدة خمسة وعشرين يوماً، وتركته كذلك فلا أدري كم أقام بعدي.


والناس يذكرون أنهم يركبون حبوباً يأكلون الحبة منها لأيام، معلومة أو أشهر فلا يحتاج في تلك المدة إلى طعام أو شراب، ويخبرون بأمور مغيبة، والسلطان يعظهم ويجالسهم ومنهم من يقتصر في أكله على البقل، ومنهم من لا يأكل اللحم، وهم الأكثرون، والظاهر من حالهم أنهم عودوا أنفسهم الرياضة ولا حاجة لديهم في الدنيا وزينتها، منهم من ينظر إلى الإنسان فيقع ميتاً من نظرته، وتقول العامة: إنه إذا قتل بالنظر وشق عن صدر الميت وجد من دون قلب، ويقولون: أكل قلبه، وأكثر ما يكون هذا في النساء، والمرأة التي تفعل ذلك تسمى كفتار.



حكاية امرأة كفتار

لما وقعت المجاعة العظمى ببلاد الهند بسبب القحط، والسلطان ببلاد التلنك نَفَّذ أمره أن يعطي لأهل دلهي ما يقوتهم بحساب رطل ونصف للواحد في اليوم؛ فجمعهم الوزير ووزع المساكين منهم على الأمراء والقضاة ليتولوا إطعامهم، فكان عندي منهم خمسمائة نفس، فعمرت لهم سقائف في دارين وأسكنتهم بها، وكنت أعطيهم نفقة خمسة أيام في خمسة أيام. فلما كان في بعض الأيام أتوني بامرأة منهم، وقالوا: إنها كفتار وقد أكلت قلب صبي كان إلى جانبها وأتوا بالصبي ميتًا؛ فأمرتهن أن يذهبوا بها إلى نائب السلطان، فأمر باختبارها، ذلك بأن ملئوا أربع جرات بالماء وربطوها بيديها ورجليها، وطرحوها في نهر الجون، فلم تغرق، فعلم أنها كفتار، ولو لم تَطْفُ على الماء لم تكن كفتار، فأمر بإحراقها بالنار، وأتى أهل البلد رجالاً ونساءً فأخذوا رمادها، وزعموا أنه مَن تبخر به أمن في تلك السنة من سحر كفتار.



حكاية سحر الجوكية

بعث إليّ السلطان يوماً وأنا عنده بالحضرة فدخلت عليه، وهو في خلوة وعنده بعض خواصه ورجلان من هؤلاء الجوكية وهم يلتحفون بالملاحف، ويغطون رؤوسهم؛ لأنهم ينتفونها بالرماد كما ينتف الناس آباطهم، فأمرني بالجلوس فجلست، قال لهما: إن هذا العزيز من بلاد بعيدة فأرياه ما لم يره، فقالا: نعم؛ فتربع أحدهما ثم ارتفع عن الأرض حتى صار في لهناء فوقنا متربعاً، فعجبت منه وأدركني الوهم فسقطت إلى الأرض، فأمر السلطان أن أسقى دواء عنده، فأفقت وقعدت، وهو على حاله متربع، فأخذ صاحبه نعلاً له من شكارة كانت معه، فضرب بها الأرض كالمغتاظ، فصعدت إلى أن علت عنق المتربع، وجعلت تضرب في عنقه، وهو ينزل قليلاً حتى جلس معنا، فقال لي السلطان: إن المتربع هو تلميذ صاحب النعل، ثم قال: لولا أني أخاف على عقلك لأمرتهم أن يأتوا بأعظم مما رأيت، فانصرفت عنه وأصابني الخفقان، ومرضت حتى أمر لي بشربة أذهبت ذلك عني.

ولنَعُد لما كنا بسبيله فنقول: سافرنا من مدينة برون إلى منزل أموري ثم إلى منزل كجرا وبه حوض عظيم طوله نحو ميل، وعليه الكنائس فيها الأصنام قد مثل بها المسلمون، وفي وسطه ثلاث قباب من الحجارة الحمر على ثلاثة طِباق، وعلى أركانه الأربعة أربع قِباب، ويسكن هنالك جماعة من الجوكية وقد لبدوا شعورهم، وطالت حتى صارت في طولهم، وغلبت عليهم صفرة الألوان من الرياضة، وكثير من المسلمين يتبعونهم ليتعلموا منهم، ويذكرون أن من كانت به عاهة من مرض أو جذام يأوي إليهم مدة طويلة فيبرأ بإذن الله تعالى.

وأول ما رأيت هذه الطائفة بمحلة السلطان طرمشيرين ملك تركستان، وكانوا نحو الخمسين، فحُفِرَ لهم غار تحت الأرض وكانوا مقيمين به لا يخرجون إلا لقضاء حاجة.

ولهم شبه القرن يضربونه أول النهار وآخره وبعد العتمة، وشأنهم كله عجب، ومنهما الرجل الذي صنع للسلطان غياث الدين الدامغاني سلطان بلاد المعبر حبوباً يأكلها تقوية على الجماع، وكان من أخلاطها برادة الحديد، فأعجبه فعلها، فأكل منه أزيد من مقدار الحاجة، فمات، وولى ابن أخيه ناصر الدين فأكرم هذا الجوكي ورفع قدره.

ثم سافرنا إلى مدينة جنديري، مدينة عظيمة لها أسواق حافلة يسكنها أمير أمراء تلك البلد عز الدين البنتاني هو المدعو بأعظم ملك، وكان خيِّراً فاضلاً يجالس أهل العلم، وممن كان يجالسه الفقيه عز الدين الزبيري والفقيه العالم وجيه الدين البياني، نسبة إلى مدينة بيانة التي تقدم ذكرها، والفقيه القاضي المعروف بقاضي خاصة، وإمامهم شمس الدين، وكان النائب عنه على أمور المخزن سمي قمر الدين، ونائبه على أمور العسكر سعادة التلنكي من كبار الشجعان، وبين يديه تعرض العساكر، وأعظم ملك لا يظهر إلا في يوم الجمعة أو في غيرها نادراً.

ثم سرنا من جنديري إلى مدينة ظهار، وهي مدينة المالوة أكبر عمالة تلك البلاد، وزرعها كثير خصوصاً القمح، ومن هذه المدينة تُحمل أوراق التنبول إلى دهلي، وبينهما أربعة وعشرون يوماً، وعلى الطريق بينهما أعمدة منقوش عليها عدد الأميال فيما بين كل عمودين، فإذا أراد المسافر أن يعلم عدد ما سار في يومه، وما بقي له إلى المنزل أو إلى المدينة التي يقصدها قرأ النقش الذي في الأعمدة فعرفه، ومدينة ظهار إقطاع للشيخ إبراهيم الذي من أهل ذيبة المهل.

اليوم أبتدئ القراءة بعد صلاة الصبح فأختم عند الزوال، وأجدد الوضوء وأبتدئ القراءة فأختم الختمة الثانية عند الغروب، ولم أزل كذلك مدة ثلاثة أشهر، واعتكفت فيها أربعين يوماً.

،،


قديم 08-23-2010, 12:37 PM
المشاركة 7
عبير جلال الدين
كاتبـة مصـرية
  • غير موجود
افتراضي


رفاعة رافع الطهطاوي


أزهري يزور أوروبا في القرن التاسع عشر،

يعتبر كتاب رفاعة رافع الطهطاوي الذي يروي فيه انطباعاته عن باريس من أشهر كتب الرحلات العربية.

يقدم الطهطاوي في كتابه أول وصف عربي حديث لبلد أوروبي ويتحدث فيه عن مفهومه للإصلاح. تقرير باربرا فنكلر.


لم يكن الأوروبيون وحدهم في القرن التاسع عشر مولعين بالسفر إلى الشرق. بل ارتفع أيضاً عدد المسافرين من الشرق إلى أوروبا. وفي تلك الحقبة كان السفر إلى أوروبا يعني عادةً السفر إلى باريس، التي كان يعتبرها في تلك الأيام كل من العرب والأوروبين "عاصمة القرن التاسع عشر".


كما تنوّعت أهداف الرحلات وأسبابها. في البدء كان يُرسل من مصر شبّان ضمن بعثات دراسية، وكان الآخرون يدعون كمعلمي لغة أو مترجمين، وفيما بعد أصبح الهدف من السفر إلى أوروبا زيارة معرض عالمي ما أو مؤتمر للمستشرقين. وقد قامت مجموعة من هؤلاء الرحالة بتدوين تجاربهم وانطباعاتهم.


غالباً ما كانت تهدف هذه التقارير، إلى تمكين أبناء البلاد من الاطلاع على المعارف المكتسبة في أوروبا والحث على القيام بالمثل والمساهمة من خلال ذلك في دفع عجلة التطور في البلاد. وكان الشيخ الأزهري المصري رفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873) قد ألّف أشهر الكتب وأقدمها بين كتب الرحلات هذه.




مسلم يكتشف أوروبا



ففي عام 1834 صدر كتابه تحت العنوان الذي صيغ صياغة نثرية موزونة، كانت مألوفة في تلك الحقبة مما يجعل ترجمته شبه مستحيلة: "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".


يتحدّث الطهطاوي في كتابه الذي تُرجم إلى الألمانية تحت عنوان "مسلم يكتشف أوروبا"، عن الإنطباعات التي تركتها في نفسه إقامته في باريس، حيث كان من عام 1826 حتى عام 1831 إماماً للبعثة الطلابية الأولى التي أرسلت من قبل محمد علي من أجل التحصيل العلمي في فرنسا.


كانت مصر تمر في مرحلة تحوّل. إذ وجد المصريون أنفسهم، منذ حملة نابليون على مصر في عام 1798 وما تلتها من فترة احتلال استمرّت ثلاثة أعوام، يواجهون تفوّق الأوروبيين البارز عليهم - وخصوصاً في المجال العسكري-التقني والذي كان لا بدّ من تجاوزه.


فهكذا كانت تقضي التخطيطات المصرية، بأن يستبدل الخبراء الفرنسييين الذين جلبوا للعمل في مصر بالمصريين الذين درسوا في باريس. وعلاوة على ذلك بدت فرنسا باعتبارها دولة تُطبّق فيها العلمانية إلى أبعد الحدود، أقل "خطورة" بالنسبة للمسلمين.

وبعد ما بقي العرب طيلة قرون خلت، لا يعبأون بأوروبا "المتخلفة"، جاء كتاب الطهطاوي ليقدّم أول وصف عربي حديث لبلد أوروبي.

كان من المفترض لهذا الكتاب، الذي صيغ في لهجة موضوعية رزينة، أن يكون دليل سفر عملي، ممتع ومسل وتعليمي يحض على العمل بالمثل.

ينقل الطهطاوي في الكثير من مواضع كتابه، وبفعل تحمسه للعلوم الفرنسية، والنظام التربوي وما حققه الفرنسيون من نجاحات علمية، صورة مثالية عن فرنسا مفادها أن "كل الفرنسيين" كانوا يجيدون الكتابة والقراءة، وكانوا يمتلكون مكتبة ويتمتعون بروح البحث العلمي.


رائد من رواد النهضة



يصف الطهطاوي النظام السياسي الجمهوري وصفاً إيجابياً، بيد أنه ينوّه إلى أن كل شيء منظّم في الإسلام بشكل حسن.


كان رفاعة الطهطاوي، المولود في مدينة طهطا في صعيد مصر كإبن لأسرة وجيهة، رائداً من روّاد النهضة العربية. لم تُهيّئه دراسته في جامعة الأزهر في القاهرة مع موادها التعليمية الدينية التقليدية، للقيام بهذا الدور.

صحيح أن الطهطاوي كان يهتم في تلك الفترة أيضاً بالجغرافيا والتاريخ والفلك والعلوم الطبيعية؛ بيد أن المسألة الحاسمة في نموّه واستمرار تطوره كانت بالتأكيد مشاركته في البعثة الطلابية، التي كانت بالنسبة له حجر الأساس - كما كان الحال لدى مشاركين آخرين - في سيرة عملية لاحقة في الجيش أو الإدارة.

ومن حسن الحظ أن الطهطاوي بالإضافة إلى ذلك على خلاف المشاركين الآخرين، لم يكن منتدباً من أجل تخصص تقني، إنما استطاع أن يوجّه كل اهتماماته للترجمة وبذلك لقراءات واسعة.

تجدر ملاحظة تعطشه غير العادي للمعرفة وقوّة ملاحظته، التي استوعب بفضلها جوانب كثيرة من الثقافة الأجنبية، من تفاصيل الحياة اليومية إلى النظام التربوي والسياسي حتى ثورة تمّوز/يوليو 1830.

ليس من المحتمل أن تكون قد قامت علاقات وثيقة بين الطهطاوي وبعض المواطنين الفرنسيين، وذلك بسبب واجبات العمل الكثيرة. لقد قرأ الطهطاوي نصوصاً لمؤلفين فرنسيين من بينهم مونتِسكيو وفولتير وروسّو، بيد أنه لم يحسن النفاذ إليهم وفهمهم لغوياً وفكرياً.

وفي فترة لاحقة كان للطهطاوي أثراً كبيراً في سياسة "الإصلاح" المصرية، باعتباره مفكّراً وموظفاً حكومياً شغل مختلف المناصب الحكومية.


واستمر عمله كرئيس لمدرسة اللغات، ومترجم وداعم للترجمة لفترة طويلة. إذ أنه ترجم الكثير من الأعمال التقنية والتاريخية، وكذلك نصوصاً قانونية، من بينها كتب القانون الفرنسي أو ما يعرف باسم كود نابليون.

وكما كانت الحال لدى الكثيرين من معاصريه، لم يهدأ حماس الطهطاوي أبداً للفكر التقدمي ولمنجزات أوروبا (العلمية)، التي كان لا بد من مواكبتها للسير في طريق التطوّر، مع احترامه لثقافته الخاصة وإدراكه أنه من الأجدر أن لا يؤخذ كل شيء عن أوروبا.

بيد أَنّ الطهطاوي نادى بإنشاء مجلس نيابي وبتعليم البنات. كما أَنّ السؤال، "كيف يأخذ العرب الابتكارات عن أوروبا، من دون أن يدفعوا ثمن ذلك تخليهم عن هويّتهم الثقافية والدينية؟" لم يكتسب أهميته الفائقة إلاّ في فترة لاحقة.

قديم 02-08-2011, 08:45 PM
المشاركة 8
الهدى الشرجبي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
موضوع يستحق الشكر والتقدير

رائع وممتع

قديم 02-08-2011, 11:43 PM
المشاركة 9
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي



أهلاً بالأديبة الفاضلة
أ. عبير جلال الدين

سلمت الأنامل والنبض على هذا المجهود
المبذول والمتميز والذائقة التي تستحق
التثبيت
شكري من القلب وتقديري على ما جاد به قلمك
تحيتي محملة بعطر الجوري والياسمين


هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:11 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.