قديم 05-26-2012, 10:28 PM
المشاركة 701
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
العوامل الحياتية التي أثرت في تكوين الروائي محمد البساطي:
يقول : - رغم أنني عشت حياة عادية إلا أن الذي تميزت به حياتي هو الانتقال المستمر في الجغرافيا. فقد ولدت في محافظة الشرقية، ثم انتقلت إلى محافظة الدقهلية، وهناك كانت الصدفة السعيدة أن بيتنا كان يطل على بحيرة المنزلة؛ فكانت هذه المنطقة تمثل حالة فريدة بالنسبة لي، بسبب جزرها التي تعيش عليها عائلات صغيرة موردها الأساسي تربية الماشية وصيد الأسماك. وكان نمط الحياة بين هؤلاء البشر مليئا بالدفء والحميمية، رغم ظروف الحياة الصعبة. بعد ذلك نزحنا إلى القاهرة للتعليم.
- كان عملي في الجهاز المركزي للمحاسبات، في مجال التفتيش على الوحدات المالية للحكومة. وهذا أتاح لي أن أجوب كل نواحي مصر، ومن ضمن الأماكن التي كان عليَّ أن أزورها مصلحة السجون، لذلك كتبت مجموعة قصصية عن عالم السجن، تتضمن خمس عشرة قصة.
- والسجن يوجد في بعض المشاهد من رواياتي، وكتبت أيضا عنه في رواية «التاجر والنقاش». هذا الانتقال المتعدد ساعدني على وصف الأمكنة والشخوص، خاصة التي من بيئات معينة لا يستطيع الخيال وحده أن يستحضرها.
- رواية «صخب البحيرة « عن عزلة الإنسان، فشخوصها يعيشون في عزلة ويحملون سمات الإنسان المعزول. وتوجد حكاية طريفة لم أروها، وهي أن كل شاب يتزوج، ينتقل إلى جزيرة أخرى مجاورة، ويصبح في عزلة مضاعفة.

السفر والعزلة عناصر اساسية في تكوين هذا العبقري. لكننا نجهل الكثير عن طفولته.

مجهول الطفولة.

قديم 05-27-2012, 09:01 AM
المشاركة 702
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ابرز حدث في حياة كل واحد من الروائيين اصحاب افضل الروايات العربية المائة من رقم 81- 90 :

81- رموز عصرية خضير عبدالامير العراق مجهولالطفولة.
82- ونصيبي من الافق عبد القادر بنالشيخ تونس .. مجهول الطفولة
83- مجنون الحكم سالم حميش المغرب.. مجهول الطفولة
84- الخماسية إسماعيل فهدإسماعيل الكويت... يتيم اجتماعي
85- أجنحة التيه جواد الصيداوي لبنان مجهول الطفولة
86- يام الرماد محمد عز الدين التازي المغرب طفولة مجهولة.
87- رأس بيروت ياسين رفاعية سوريا مأزوم
88- عين الشمس خليفة حسين مصطفي ليبيا مأزوم.
89- لونجه والغول زهور ونيسي الجزائرمجهولة الطفولة.
90- صخب البحيرة محمد البساطي مصر مجهول الطفولة

قديم 05-27-2012, 10:39 AM
المشاركة 703
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
91- السائرون نياماسعد مكاوي مصر
أشهرُ روايات القاص الكبير سعد مكاوى، تتناول الثلاثين عامًا الأخيرة من حكم المماليك فى قالب شيِّق جذاب. رأى فيها بعضُ النقاد أنها إسقاط مباشر على الضباط الأحرار وصراعاتهم وعلاقتهم بالشعب. وقد نُشرت هذه الرواية عام 1963 فكانت من أوائل الأعمال التى وظفتْ التراث.
وُلد سعد مكاوى (1916 ــ 1985) بقرية الدلاتون بمحافظة المنوفية. أنهى دراسته الثانوية بالقاهرة، ثم سافر إلى فرنسا ليلتحق بجامعة السوربون. ثم أصبح أحد كتاب جريدة المصرى لسان حال حزب الوفد. واشتهر ككاتب للقصة والرواية والمسرح

==
هكذا يُكتب التراث روائياً. من أجمل ما قرأت في حياتي. منذ ثلاثية غرطانة لم تسحرني رواية تاريخية مثلما فعلت السائرون نياماً.
الرواية مقسمة لثلاثة أجزاء ونسج بهم سعد مكاوي عشرات الشخصيات والأماكن في سحر جذاب يجعلك تفغر فاك في دهشة سائلاً كيف أمكنه الإمساك بتلابيب هذه الشخصيات وبحكاياتهم وبجمعهم معاً بهذا الأسلوب والبيان الأخاذ.
الرواية تحكي الثلاثين عاماً الأخيرة لحكم المماليك، وقيل أن بها إسقاط واضح على الضباط الأشرار وصراعهم بعضهم بعضا.. لكنك تجد أن حالهم لا يختلف كثيراً عن الزبانية الذين أحاطوا بالرئيس المخلوع.
ستغوص في البلاط السلطاني وقت المماليك.. ستعرف كيف أن المملوك يظل بلا كرامة وإن صار ملكاً. ستعرف كم الفساد الذي سيطر على هذه الحقبة الزمنية. وأيضاً الشعب المغلوب على أمره، الذي دُهس بالأقدام، وسبيت منه النساء، وعُومل بالكرباج.. رغم أن كل همه كان لقمة يأكلها.
ألفاظ سعد مكاوي وأسلوبه يأخذوك منذ الكلمة الأولى بأسطورية لهذا العالم.. تعيش بداخله وتحيا وسط المسميات المملوكية، حيث أتابك العسكر وبيت المال والمتلزم والسخرة. رغم أنني أحنق كثيراً على دار الشروق لارتفاع أسعار أعمالها، إلا أنني أجدني مديناً بامتنان حقيقي لها على سلسلة النصوص المميزة التي عرفتنّا على أعمال كاد التاريخ أن ينساها.
==
صراع وتناحر وقتل. اعتداءات ومرض وموت. دروشة وخرافات و... مدد! مدد. أيعقل ألا يكون المماليك أضافوا أي قيمة لمصر طول مدة حكمهم؟
لغة جميلة وتصوير راق حتى للاعتداءات المذكورة

==
لا أدري...أهو حبي الشديد للروايات التاريخية...أم براعة ذلك العمل الأدبي للقاص سعد مكاوي ؟... الذي جعلني أعيش ليالي قلعة الجبل..أدخل مخادع سلاطينها...أسمع همس الجواري فيها..و صرخات المساجين في أقبيتها...أتجول في القاهرة المنكوبة أبان تلك الفترة...أشم روائح الجثث المصلوبة..ثم أطير لقرى الفلاحين المقهورين....لأرى كيف تكون كسرة الخبز هي الطلب الوحيد...و أسمع صوت كسر عظام البسطاء في مطحنة الحياة...

كيف أبدع سعد مكاوي هكذا..في انتقاءه للألفاظ...و تراكيب العبارات...كيف أستخدم اللغة التي تعود بك كل لفظة فيها إلى مكانها الأصلي...لغة أهل حواري القاهرة و قرى الفلاحين و امراء الجركس و مجاذيب الأولياء....عمل ادبي شديد التميز...

الفارئ للتاريخ لن يعدم الأسقاطات الواضحة لهذة الرواية...عهد أنقلاب العسكر في 1952....و طحن الشعب في سبيل رغباتهم..و تحول سلطان اليوم إلى مسجون و ذبيح الغد....هذا الكم الهائل من المتلصصين و البصاصين و الجواسيس...حتى يظن المرء أن الأخ يبلغ عن اخيه ...فيأتي بالجذور التاريخية للبوليس السياسي و جهاز امن الدولة...أيضا ثورة يناير...و صراع القوى المستمر الذي لا رحمة فيه....رأيت فيها أسقاطاً على أحداث الامن المركزي 1986...على الرغم من أن الرواية كتبت قبلها بما يزيد عن العشرين سنة...و من هنا تبرز عبقرية هذا العمل....التي تتجدد أسقاطاته بتوالى الأحداث...

عمل روائي تاريخي عبقري.
==
استمتعت جدا في العيش في تفاصيل الحياة في الفترة التاريخية من 1468 الي 1499 ، حوالي ثلاثين عام من فترة حكم المماليك .. مابين الردهات و القاعات و الغرف المغقلة و اعماق السجون في القصر السلطاني .. و بين ازقة (حارة الحمام) و بيوتها العطنة و و المدن المصرية ببوابتها العملاقة التي تغلق علي ساكبنها طوال اللليل و المقاهي و الكتاتيب و واقبية المجاذيب و البهاليل.. وبين الريف في (ميت جيهنة) المٌغتصب خيره و ارضه وفلاحية.
الاحداث المتوالية و ترابطها و متابعة ما يحدث لعشرات الشخصيات المؤثرة ما بين القصور و الحارة و الريف لم تخلوا من التشويق والمواقف الغير متوقعة و الكشف عن مفاجأت حتي اخر القصة.
في نظري الكتاب موسوعة في الالفاظ و المسميات القديمة في هذا العصر كما انه يصف بدقة تفاصيل المعيشة .
قراءة القصة اليوم بعد المرور باحداث ثورة يناير قد يبين مدي تشابه الحياة المصرية عبر الاجيال منذ قديم الازل .

</SPAN>
</SPAN>

قديم 05-27-2012, 10:40 AM
المشاركة 704
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سعد مكاوى
ولد الكاتب القاص الكبير سعد مكاوي حسن في 6 أغسطس عام 1916 بقرية " الدلاتون " مركز شبين الكوم – محافظة المنوفية ، وعنها صاغ مجموعة قصصية كاملة بعنوان " الماء العكر " بحيث كانت قرية " الدلاتون " ببيئتها والواقع الدائر في أنحائها هي مادة هذه القصص الشيقة .

تلقي تعليمه في مدرسة شبرا الإبتدائية ومدرسة التوفيقية وفؤاد الأول الثانوية ، قرأ كل ما تحتويه مكتبة والده من كتب التراث والتاريخ والأدب ، ومجلدات المجلات الشهرية مثل " المقتطف " ، " الهلال " ، وغيرها ، وحضر ما كان يعقده والده مدرس اللغة العربية من منتدي يومي أمام بيته الريفي وسط حديقة فواكه بسيطة مع الأصدقاء والمتعلمين من الفلاحين وكانت مادة الحديث العقيدة والتصوف والفكر والأدب ، بما شكل وجدان الشاب الصغير وأطلق أمامه أفاق الفكر والتأمل ، كما قرأ في القصة كتابات محمود تيمور ، المازني ، طاهر لاشين ، ثم سافر إلي باريس عام 1936م ودرس لمدة عام واحد في كلية الطب في " مونبلييه " بفرنسا ، ثم انتقل لكلية الآداب بالسربون حتى عام 1940 م ، وفي هذه الفترة تفتح أمامه عالم " جي دي موباسان " من رواد القصة القصيرة في العصر الحديث وقرأ له بلغته الأصلية ، وقرأ أيضا أعمال " إميل زولا " ، " بلزاك " ، " مارسيل بروست " ، وعند عودته من باريس بدا العمل بالصحافة بتولي الإشراف علي صفحة الأدب في جريدة المصري عام 1947 م ، ثم بجريدة " الشعب " من عام 1956 : 1959 م ، ثم كاتبا بجريدة الجمهورية ، وعمل مشرفا علي لجنة قراءة النصوص السينمائية في وزارة الثقافة ، ورئيسا لهيئة المسرح بوزارة الثقافة حتى 16-8-1976م ، وهو عضو مؤسس بنادي القصة وجمعية الأدباء واتحاد الكتاب ، كما شغل لفترة مقرر لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة .

السائرون نياما

قال ايوب لصبيه يوسف وهو يرفع يديه عن النعش الذى يصقل خشبة الجديد :
- قم وتفرج , فقد دنا الموكب .
وكان رنين الأبواق المقبلة قد أخذ يتعالى مع ايقاع الطلبخاناه , فوثب يوسف الى منصة دكان النجار العالية وصاح فى ابتهاج :
- عقبى له يوم يجهز له هو الأخر نعشه
رشف صانع النعوش الثمالة المتبقية من قهوة العصر فى قاع الفنجان الفخارى قبل أن يلحق بصبيه فى مرصده العالى :
- أمسك لسانك يا ولد ... فالبصاصون أكثر من الحصى !

الفترة التاريخية التى تدور فيها احداث الرواية لا تكاد تتجاوز ثلاثين سنة ( 1468-1499م ) من عمر سلطنة المماليك التى حكمت تاريخ مصر والشرق 267 سنة .


قديم 05-27-2012, 04:03 PM
المشاركة 705
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
صورةمصر في السرد الروائي المعاصر-دراسة في نماذج مختارة -د محمد عبد الحليمغنيم

\6- السائرون نياما ( عزة ) بدأ سعد مكاوي (1985-1916) نشر رواية السائرون نياما فييناير 1963 في جريدة الجمهورية لسان حال الثورة في ذلك الوقت ، في عز المجدالاشتراكي بعد صدور قوانين يوليو الاشتراكية وكتاب الميثاق ، ثم ظهرت الرواية فيكتاب لأول مرة في مايو عام 1965 والعجيب ألا يتعرض أحد للرواية بالنقد أو المدح أوالذم كما هو الحال عندما يظهر عمل جديد ,ويبدو أن الكاتب أصيب بإحباط شديد من جراءذلك , فلم يعد إلي كتابة الرواية إلا بعد ما يقرب من خمسة عشر عاما , إذ بدأ نشررواية تاريخية أيضا بعنوان الكرباج في الأهرام عام 1979 , ثم ظهرت في كتاب عن دارشهدي عام 1984 , ثم رواية \" لا تسقني وحدي\" وهي تعتمد علي التاريخ أيضا , لكنالروايتين لم تكونا في مستوي رواية السائرون نياما . ظهرت بعد السائرون نياماروايات تاريخية أخري للغيطاني ونجيب محفوظ ومجيد طوبيا وفتحي إمبابي وغيرهم وكلهاروايات متميزة إلا أنه تبقي رواية السائرون نياما علامة بارزة في تاريخ الروايةالمصرية عامة وتاريخ إبداع سعد مكاوي خاصة , وقد بدأ التنبه إلى أهمية الرواية فيالسنوات الأخيرة فأعيد طبعها عدة مرات ، كان آخرها العام الماضي عن المجلس الأعلىللثقافة . وقد حدد لنا الكاتب الفترة التاريخية التي اعتمد عليها في بناء روايتهفكتب في صدر الرواية يقول : \"الفترة التاريخية التي تدور فيها أحداث هذه القصة لاتكاد تتجاوز ثلاثين سنة (1468 – 1499) من عصر سلطنة المماليك التي حكمت تاريخ مصروالشرق 267 سنة \"(44) ويبرز السؤال : لماذا التاريخ المملوكي بالذات ؟ ولماذاالاعتماد على الفترات المضطربة منه ؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال ذي الشقين أشيرفقط إلى عبارة \"جون بويون\" المشهورة ؛ إذ تمثل وحدها نصف الإجابة ، يقول \" الشعوب السعيدة لا تاريخ لها\"(45) ، رجع سعد مكاوي إلى التاريخ المملوكي– حيثالقهر والظلم والاستبداد الواقع على الشعب من جانب الحكام ومن ثم أعوانهم ، وحيثالانفصال الحاد بين السلطان والرعية فالحكام أجانب لا يتكلمون لغة الشعب فلم \"يتعلموا قط اللغة العربية واستمروا طبقة متميزة تماماً عن السكان المحليين \"(46) . ومفروضون عليهم ، لم يأتوا باختيارهم ولعل الرجوع إلى المصادر التاريخية وبالذاتالتي تناولت هذه الفترة يغنينا عن عرض مساوئ الحكم المملوكي ، والمعاناة والظلموالقهر الذي تكبده الشعب المصري تحت ظلال هذا الحكم ونعود إلى السؤال الذي طرحناهمرة أخرى بشكل أساسي لنجد ذلك التشابه بين الفترة التاريخية التي تدور فيها أحداثالرواية وبين الواقع المعيشي الذي يكتب فيه الكاتب روايته . إن الرسالة واضحة في \"السائرون نياما\" فهذا الشعب السائر كالنائم محكوم بالقهر والظلم والاستبداد منقبل سلطة العسكر المستبدة ولذلك لابد من مقاومة هذا الظلم والقهر ولابد أيضا من خلعهذه السلطة المستبدة التي لا تمت للشعب بصلة ، فهي في حكم الأجنبي الذي لا يتحدثلغة الشعب صاحب الأرض والتاريخ ، إن مثل هذه الرسالة الجادة لا يمكن أن تقال بشكلمباشر ، من هنا كان اللجوء إلى التاريخ والرمز ، ومع ذلك فُهمت الرسالة جيدا ،ومنهنا يمكن تفسير التعتيم الذي ران على الرواية ، فكاد يدفعها إلى قاع الظلمات . والواقع أن قيمة رواية \" السائرون نياما \" لا تنبع من رسالتها المشار إليها فحسب، ولكن قيمتها الحقيقية في إحكام بنائها السردي وتشكيلها الجمالي ، فقد حشد المؤلففي هذه الرواية جُل طاقته الفنية لتخرج لنا رواية كاملة الأوصاف على حد قول أستاذناالمرحوم على الراعي اعتمد الكاتب في بناء الرواية على ما يسمى بالبناء المتوازي ،وهو نمط من البناء ، تقسم أحداث الرواية على عدة محاور ، تتوازى في زمن وقوعها ،ولكن أماكن وقوعها تكون متباعدة نسبياً ، ولكل محور شخصياته الخاصة بها ، تنمووتتطور إلى أن تلتقي في خاتمة الرواية ، و ربما تظل معلقة دون لقاء ، وهذا البناءبالإضافة إلى إسقاط فترة طويلة من الأحداث على المستوى التاريخي ( يسقط سعد مكاويتسعا وعشرين عاما من الأحداث التاريخية الحقيقة للفترة التي حددها في صدر الرواية ) مكنا الكاتب من إحكام بناء الرواية مما ساعد بالضرورة على توصيل رؤية الكاتب . ففيالرواية تتوازى الأحداث في ثلاثة محاور أساسية تؤلف بإجمالها حدث الرواية الرئيسي : المحور الأول يرتبط بالمماليك والسلاطين وما يدور في فلكهم من شخصيات داخل القلعةوخارجها . والمحور الثاني يرتبط بالشخصيات الشعبية وهو يختلف عن المحور السابقالمرتبط مكانيا بالقاهرة فقط ، وبخاصة القلعة ، في أنة يجمع بين مكانيين متباعدينهما : القاهرة وميت جهينة ، بمعنى آخر المدينة و القرية ، مما يشي بدلالة وحدةالشعب وتماسك الشخصيات المؤلفة لهذا المحور ، يؤكد ذلك وقوف شخصيات أخرى من الصعيدبجوار أهل \"ميت جهينة\" والقاهرة في صراعهم مع آل حمزة .أما المحور الثالث فيرتبطبشخصية \"حمزة\" الكبير وابنه\"إدريس\" وحفيده من بعدهما الذين يمثلون الطبقةالبرجوازية ( أعوان السلطة ) بكل قيمها ومثلها الاجتماعية والمادية , فى مواجهةالشعب في القرية .
ويتجلى تماسك البناء في الرواية من خلال المحور الثاني الذييمثل حلقة الوصل بين المحورين الأول والثالث ، ثم من خلال تفاعل شخصيات كل محور علىحدة ، لتكون بنيتها الخاصة المتماسكة في حد ذاتها ، إذا تتصارع شخصيات كل محور معبعضها البعض ، كما سنرى من خلال الأحداث . يقسم \"سعد مكاوي\" روايته إلى ثلاثةأجزاء ، ويعطى لكل جزء اسما خاصا به هي على الترتيب :( الطاووس – الطاعون – الطاحون ) ,\" وهى معادلة منطقيةجداً فإذا انتشر الظلم و السلب والنهب ، وتمتعت فئة صغيرةوعاشت متخمة برفاهيتها فهي كا (الطاووس) . وإذا استشرى الفقر وعم وعاشت فيهالغالبية العظمى البائسة وتلظت على نيرانه فهي كا (الطاعون) ، وحتى إذا استمرت هذهالأوضاع لمدة ثلاثين عاما ، فلا بد أن تتقلب وتتغير الأحوال ، وحين يفيض الكيلبالمطحونين ينطلقوا من (الطاحون) إلى الثورة\" (47) . ويتشكل البناء في الرواية منخلال صراع المحور الثاني الذي يمثله الشعب مع محوري الرواية الآخرين اللذين يمثلانالسلطة وأعوانها، وذلك على مستويين , المستوى الأول : السلطان / الرعية ، والمستوىالثاني : الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة (العمال في القاهرة والفلاحين في ميتجهيئة) وبين الطبقة البرجوازية التي يمثلها آل حمزة . وبذلك يتشعب الصراع ويحتدممما يثرى العمل درامياً ، ويعطيه حيوية متدفقة تجعل الرواية نابضة بالحياة ، زاخرةبالقيم الإنسانية والروحية . إن هذه الأحداث في مجملها تفرز لنا شخصيات تتجلى فيهسمات الشخصية المصرية في تعاونها وتآلفها ورفضها للظلم وحرصها على كرامتها وعلىأرضها وشرفها ، إنها في الأخير تصهر الشعب في بوتقة واحدة ، ليندفع في ثورة عاتيةضد الملتزم في ميت جهينة الذي يرمز إلى السلطة الحاكمة ، فيفتحون صوامع الغلالويستولون عليها : ـ فتحناها فتحناها !… ـ صوامعنا ! … ـ كله من فضلة خيركم ! ... ـإرادة الله فيكم ! ... ـ أبشر يا ساكن الجميزة ! ... (48) . وإذا كانت هذه الأحداثأبرزت الشخصية المصرية وحسم الصراع فيها للشعب على السلطة والطبقة المعاونة لهاالممثلة في آل حمزة ، فإن سعد مكاوي أقام ما يمكن تسميته بناء رمزيا متوازيا ونابعافي ذات الوقت من هذا البناء الظاهر القائم على الصراع المباشر بين الشعب والسلطة ،وهذا البناء الرمزي يتمثل في شخصية عزة أخت خالد التي اختطفها المماليك وهي عاريةمن حمام النساء . لقد كان خطف عزة الشرارة التي أشعلت الصراع الكامن بين الشعبوالسلطة في القاهرة . لقد وسع المؤلف من دلالة الشخصية لتأخذ بعدا رمزيا واسعا إذتصير عزة معادلة لمصر كلها من شمالها إلى جنوبها ، وثمة إشارات عديدة داخل النصتؤكد ذلك ، وقد جاءت أول إشارة على لسان الشيخة زليخة ذات البصر والبصيرة : ـلنعترف في هذا النهار الأسود أن عزة ضاعت ! حاول أيوب مرة أخرى أن يلطف من مرارةالحقيقة : ـ لله عاقبة الأمور ، فلا تقل هذا الكلام يا ولدي فتناول خالد بين يديهمقرعة المجذوبة : ـ وهل عندي كلام غير هذا أقوله ؟ .. ومع ذلك فإني لا يهمني الآنأن تكون عزة حية أو ميتة .. لا يهمني ألا أراها بعد اليوم أو أن يعيدها إلى أحدخرقة مهلهلة .. عزة انتهت ولن أقول بعد اليوم إنه لابد لي من عزة .. اليوم لابد ليمن شيء واحد هو الانتقام أليس هذا هو الحق يا شيختنا ؟ قبلت زليخة رأسه وهي تحنوعليه بصوتها الرقيق الطيب : ـ أينما تولى وجهك فثم وجه عزة ، يداها في البحر المالحوقدماها في أرض الصعيد وملء البر أنفاسها الطاهرة \" (49) . الرمز واضح هنا يداهافرعي النيل دمياط ورشيد وقدماها امتداد النيل من الجنوب إلى الشمال ، إنها مصر كلها، من الجنوب إلى الشمال ، إنها رؤية الشيخة زليخة ذات البصيرة الحادة ، وقد آمنخالد بهذه الرؤية ، ولذلك ينضم فيما بعد إلى أهل ميت جهينة من الفلاحين للثورة علىآل حمزة ، وذلك لأن جزءا من عزة بالقطع موجود في ميت جهينة . وهكذا تتحول عزة إلىذكرى مؤلمة وفي ذات الوقت دافعة الثوار للانتقام وخاصة خالد أخي عزة ، فنراه في ميتجهينة بعد اختطاف عزة شاردا بين رفيقيه بجوار حائط الطاحون : \"وقال عيسى للفتىالمهموم وهو يخطف العود اليابس من يده : ـ صل على كامل النور يا رجل شقت صدر خالدتنهيدة موجعة وهو ينظر في عيون رفيقيه : ـ عزة الآن في كل مكان ، يداها في البحرالمالح وقدماها في أرض الصعيد وملء البر أنفاسها ، هكذا قالت لي ستنا زليخة وهيتودعني وهكذا أرى الآن أختي الحبيبة عزة \"(50) وستكرر هذه العبارة على امتدادالرواية فتكون بمثابة التميمة في رقبة الثوار في ميت جهينة . وإذا كانت عزة خطفتوضاعت ، فإن شخصية \"فاطمة\" زوجة غالب في ميت جهينة تعد امتداد لشخصية عزة ولاأقول بديلا حيث يصل بها المؤلف إلى مستوى الرمز أيضا ، فهي بصورة أخرى مصر المغتصبةعلى المستويين الواقعي والرمزي ، لذلك ينظر إليها خالد وكأنه يرى عزة : \" وعلىالبعد كانت فاطمة تبدو لعين خالد جميلة وهانئة بحمى عريسها .. وعلى صورتها والنسيميعبث بطرحتها تخايلت له صورة عزة بكل شبابها اليانع عروساً وسعيدة بالحب … لكن لا ! عزة فى السماء وفى كل مكان ! نعم يا ست الشيخة نعم ! عزة يداها فى البحر المالحوقدماها فى أرض الصعيد وملئ البر أنفاسها الطاهرة \".(51) وفاطمة هذه فتاة ريفيةجميلة زوجة غالب يراقبها ويتحرش بها إدريس ابن الملتزم الكبير حمزة مما جعل زوجهاغالب ينبهها إلى ذلك : \"- يا بلهاء … الفراخ حجة حتى يكلمك ! ألم تفهمي ؟\"(52) وبالفعل يزول هذا البله، خاصة بعد أن ينالها إدريس رغم أنها تكون المرة الأولىوالأخيرة ،ويكون ثمرة هذا الاغتصاب الفتى \"محمد\" ابن غالب والمؤلف يجعل من هذاالاغتصاب سببا لقوة الشخصية لا لضعفها ، لأن فاطمة تظل بعد ذلك المرأة القوية لاينالها الخور والضعف ، وكأن الاغتصاب جاء بمثابة سلاح تقف به في وجه الملتزم ، وهوما استغله المؤلف ، إذ يقوم \"محمد\" ومعه \" نور\" ابنة محسنة التى كانت ثمرةاغتصاب حقيقي أيضا لمحسنة بقتل أبيهما إدريس في ختام الرواية فمن غرس هذه الأرضالمغتصبة تنبع الثورة ويتحقق الانتقام الذي حلم به خالد لأخته عزة / مصر . بقي أنأشير إلى أن سعد مكاوي استفاد من خبرته الكبيرة ومعايشته للريف المصري حيث قضى جزءامن حياته في قرية الدلاتون ليصور لنا بعمق المرأة المصرية الريفية والفلاح المصريعلى حقيقته ، لا أقول مثله في ذلك مثل عبد الرحمن الشرقاوي في الأرض ولكن لسابقكتابته عن الريف في مجموعاته القصصية القصيرة \"الماء العكر: وغيرها ، فهو فيالواقع من الرواد الذين كتبوا بعمق وصدق عن الريف وهذه الرواية التاريخية التي بينأيدينا تعد درة إنتاجه الأدبي

قديم 05-27-2012, 04:05 PM
المشاركة 706
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سعد مكاوي
ولد الكاتب القاص الكبير سعد مكاوي حسن في 6 أغسطس عام 1916 بقرية " الدلاتون " مركز شبين الكوم – محافظة المنوفية ، وعنها صاغ مجموعة قصصية كاملة بعنوان " الماء العكر " بحيث كانت قرية " الدلاتون " ببيئتها والواقع الدائر في أنحائها هي مادة هذه القصص الشيقة .

تلقي تعليمه في مدرسة شبرا الإبتدائية ومدرسة التوفيقية وفؤاد الأول الثانوية ، قرأ كل ما تحتويه مكتبة والده من كتب التراث والتاريخ والأدب ، ومجلدات المجلات الشهرية مثل " المقتطف " ، " الهلال " ، وغيرها ، وحضر ما كان يعقده والده مدرس اللغة العربية من منتدي يومي أمام بيته الريفي وسط حديقة فواكه بسيطة مع الأصدقاء والمتعلمين من الفلاحين وكانت مادة الحديث العقيدة والتصوف والفكر والأدب ، بما شكل وجدان الشاب الصغير وأطلق أمامه أفاق الفكر والتأمل ، كما قرأ في القصة كتابات محمود تيمور ، المازني ، طاهر لاشين ، ثم سافر إلي باريس عام 1936م ودرس لمدة عام واحد في كلية الطب في " مونبلييه " بفرنسا ، ثم انتقل لكلية الآداب بالسربون حتى عام 1940 م ، وفي هذه الفترة تفتح أمامه عالم " جي دي موباسان " من رواد القصة القصيرة في العصر الحديث وقرأ له بلغته الأصلية ، وقرأ أيضا أعمال " إميل زولا " ، " بلزاك " ، " مارسيل بروست " ، وعند عودته من باريس بدا العمل بالصحافة بتولي الإشراف علي صفحة الأدب في جريدة المصري عام 1947 م ، ثم بجريدة " الشعب " من عام 1956 : 1959 م ، ثم كاتبا بجريدة الجمهورية ، وعمل مشرفا علي لجنة قراءة النصوص السينمائية في وزارة الثقافة ، ورئيسا لهيئة المسرح بوزارة الثقافة حتى 16-8-1976م ، وهو عضو مؤسس بنادي القصة وجمعية الأدباء واتحاد الكتاب ، كما شغل لفترة مقرر لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة .



إنتاج غزيز متميز :

أنشأ الأديب سعد مكاوي كتاباته في مجالات متنوعة فهو كاتب متعدد المواهب بين القصة والرواية والمسرحية والمقال والترجمة ، فقد كتب 26 كتابا كما يلي :

·
نشر أول قصه له بتاريخ 23-9-1945م بعنوان " صاحبة العصمة " بمجلة آخر ساعة .

·
أصدر 14 مجموعة قصصية :


نساء من خزف1948
الماء العكر 1956
قهوة المجاذيب 1951
شهيرة وقصص أخري 1957
قديسة من باب الشعرية 1 1959
1957 مجمع الشياطين مخالب وأنياب 1953
الرقص علي العشب الأخضر 1962
الزمن الوغد 1954
القمر المشوي 1968

راهبة من الزمالك 1955 الفجر يزور الحديقة 1975

أبواب الليل 1956 علي حافة النهر الميت 1985

وكتب أربع روايات هي :

اسم العمل السنة اسم العمل السنة

الرجل والطريق 1964 الكرباج 1980

السائرون نياما 1972 لا تسقني وحدي 1985
· وفي المسرحية كتب أربع مسرحيات هي :

الميت الحي – الأيام الصعبة – الحلم بداخل القرية – الهدية

==
سعد مكاوي



ولد سعد مكاوي حسن في 6 أغسطس سنة 1916 في قرية الدلاتون ، مركز شبين الكوم التابع لمحافظة المنوفية ، تلقى تعليمه في مدرسة

التوفيقية الابتدائية ومدرسة شبرا وفؤاد الأول الثانوية . سافر إلى باريس عام 1936 لدراسة الطب بيد أنه " يفشل ويحول دراسته إلى الآداب بالسربون ليعود في عام 1940 دون أن يحصل على الليسانس فى الآداب بسبب نذر الحرب ، وربما لأسباب أخرى ، المهم أن المدة التى قضاها كاتبنا فى باريس سواء فى كلية الطب أو فى كلية الآداب – ساعدته على دراسة بعض العلوم ذات الصلة الوثيقة بالأدب ، مثل : علم الجمال وعلم النفس وسيكولوجية الجنس والتعرف على أصول القصة والمسرح والموسيقى والفن التشكيلي ، هذا إلى جانب تعرفه على بعض قضايا العلم الحديثة ، وقد أشار فى أحد أحاديثه الصحفية إلى حبه لقراءة الكتب العلمية ، على أية حال سيبدو أثر كل هذا واضحاً فيما يؤلف ويترجم سعد مكاوى، كما سنرى فى عرض قائمة إنتاجية الأدبي .
عاد سعد مكاوي "إذن" من باريس دون أن يحصل على شهادة مثله في ذلك مثل أستاذه توفيق الحكيم ، ومن ثم لم يكن أمامه بعد عودته إلى مصر سوى العمل فى الصحافة وكتابة القصة فتولى الإشراف على صفحة الأدب فى جريدة المصرى عام 1947 وكانت من أوسع الجرائد المصرية انتشارا ً فى عالم الصحافة والأدب آنذاك ، وقد مكنه هذا العمل من نشر أهم قصصه ذات الصيغة الواقعية ، أو (الواقعية الانحيازية) على حد قول الدكتور سيد حامد النساج، وهى القصص التى ضمنها مجموعتي " الماء العكر " ، " والزمن الوغد " ، وفى الوقت نفسه فتح باب النشر أمام كثير من نقاد اليسار وأدبائه أمثال : محمد مندور و عبد الرحمن الشرقاوى ، يوسف إدريس وسعد الدين وهبه و نعمان عاشور وغيرهم ، لكن من أسف ، أغلقت جريدة المصرى مع إلغاء الأحزاب عام 1954م ويمر عامان لينتقل بعدهما للأشراف على الصفحة الأدبية فى جريدة الشعب عام 1956م ليظل بها حتى عام 1959م ومن الشعب ينتقل للعمل كاتباً بجريدة الجمهورية لسان حال الثورة آنذاك، وهناك يتبارى نتاجه الأدبي مع نتاج يوسف إدريس وعبد الرحمن الشرقاوى ، إذ ينشر على صفحاتها ابتداء من يناير 1963م رائعته فى الرواية التاريخية ، والتى ستظل علامة فى تاريخ الرواية العربية أقصد رواية " السائرون نياما " مبلورا فيها " بتقنية " فنية عالية رؤيته الواقعية والتاريخية للمجتمع المصري فى ذلك الحين من خلال فترة تاريخية من العصر المملوكى .
ينتقل الكاتب بعد ذلك للعمل فى وزارة الثقافة حتى إحالته إلى المعاش ، فيعمل مشرفا على لجنة النصوص السينمائية ، لينتقل بعدها – وفى عامه الأخير – قبل سن المعاش – ريسئا ً لهيئة المسرح حتى 16 أغسطس 1976 وهو تاريخ بلوغه سن الستين ، أما آخر أعماله الوظيفية فكان مقرراً للجنة القصة بالمجلس الأعلى للفنون والآداب ، وقد لازمه هذا العمل حتى وفاته فى 11 أكتوبر 1985م .
وواضح من خلال هذه المرحلة الخصبة من العمل فى الصحافة ووزارة الثقافة ، أنه كانت لديه الفرص المتاحة للوصول إلى عالم الشهرة ، وفرض الذات ، بيد ان سعد مكاوى كان عازفاً عن كل هذا ، ولعل هذا راجع إلى حساسيته المفرطة وميله إلى العزلة والابتعاد عن " الشللية " والمجتمعات والأندية الأدبية يقول من حوار له مع الكاتب عبدالعال الحمامصى" منذ الصبا الأول والميل إلى التأمل طبيعة أصيلة فى تكويني .. لذلك تجد فى بعض نماذجي القصصية سخرية رفيقة من الذين لاهم لهم إلا أن يكونوا واسطة العقد ، أو زهرة المجلس . حتى (متعى) فى الطفولة والصبا كانت من النوع الذى ينأى عن الضجيج والزحام ، ويجنح إلى فرص التأمل" ويقودنا هذا إلى الحديث عن نشأة الكاتب وتكوينه الاجتماعي والثقافي .
ينتمي سعد مكاوي إلى الريف المصري الفقير " الذي يسوده عبق التصوف" لذلك تكثر فى أعماله أسماء وشخصيات ريفية ، بل إن أدبه قائم على ثنائية الريف والمدينة ، إذ يعدان المكانين الأساسيين فى بناء أى عمل فنى له ، نرى ذلك فى أعماله الأولى والأخيرة على حد سواء ، لنترك الكاتب يتحدث عن نشأته فى ظل القرية والجو الصوفي وتأثير ذلك على رؤيته للحياة والفن ،إذ يقول : كان أبى من طبقة المتصوفة ، التى أخذت روح التصوف الحقيقي فى معناه الكلى ليس التصوف الذي يفر من الواقع فى صورته الشائعة ، بل الذى ينظر إلى الواقع من خلال رؤية كلية تنفذ إلى الماوراء لدرجة أنها قد تربط المعنى الإنساني الكلى وحقائق الوجود الأصلية بالمصير الإنساني ، مما يهب النفس قدراً من الثقافة والتصوف بهذا المعنى يعطى الإنسان قدرة على أن يستشف كل حقائق الوجود والحياة ، بحيث تكون النظرة الجوانية للإنسان هى القوة السائدة .
من خلال هذا الطراز النادر للفلاح المصري البسيط المتصرف بدأت ونمت نظرتي إلى الواقع . ففى هذا الوسط الفقير الكادح أمكن أن تعرف فى وقت مبكر نوعاً ما إلى الكثير من أوليات الوضع الطبقي العام لأبناء وطني ، وللعلاقات الاجتماعية ".
على أن هذه النشأة الفقيرة وسط عالم التصوف التأملى لا تعنى ابتعاد الكاتب عن مصادر الثقافة النظرية ، بل والعملية حيث كان أبوه من خريجي دار العلوم ، ويعمل مدرساً للغة العربية فى القاهرة ، لكن حقيقته الكبرى كانت فى سعة إطلاعه ورحابه فكرة فى إطار من تصوف حسن الذوق ، كانت له جاذبية على نفسه المتفتحة للمعرفة ، مما مكنه من الإطلاع على مكتبه ضخمة تحتوى على أمهات الكتب فى " التراث والتاريخ والأدب " فضلاً على مجلدات من أمهات المجلات الشهرية مثل المقتطف والهلال ولعل هذا يفسر لنا اتجاه سعد مكاوى بعد ذلك إلى استلهام التصوف والتاريخ وتوظيفهما فى إنتاجه الروائي .
وبانتقال سعد مكاوى إلى القاهرة والتعرف على أحيائها وظروفها السياسية والاجتماعية ، يبدأ اهتمامه السياسى ،يقول:" بدأت اشترك فى صف الحزب الجماهيرى الذى يمثل الشعب ضد سلطة الأقليات المتعاونة مع القصر"، وفى نفس الوقت بدأ اهتمامه بالقصة القصيرة . على أن النقلة الثقافية الكبرى للكاتب ستكون مع رحيله إلى باريس ومكوثه هناك أربع سنوات كاملة ، وكان قد تعرف أثناء وجوده فى القاهرة على محمود تيمور والمازنى ومحمود طاهر لاشين وغيرهم من كتاب المدرسة الحديثة وسيكون من المفيد أن نترك الكاتب يتحدث عن هذه الفترة من حياته ، حيث تم تكوينه الثقافى ، هذا التكوين الذي سيلون أدبه وكتاباته فيما بعد بلون خاصة فريد ومتميز عن أبناء جيله ، يقول عن هذه الفترة التى قضاها فى فرنسا :" انفتح أمامى عالم جى دى مويسان أستاذ القصة القصيرة الأول الذى أكملت تعريفي إليه فى لغته الأصلية ، بل أنه هو الذى … بل أنه هو الذى قادنى إلى بلزاك وزولا وبروست وغيرهم . وكانت فترة الدراسة فى فرنسا قد بدأت بصدمة نافعة ، نتيجة للفاروق الهائل بين النظرة إلى المرآة فى بيتي فى مصر ، وبين وضعها فى البيئة التى انتقلت إليها وهو أمر كان له أثره العميق بعد ذلك فى نفسى وفى أفكاري .
كما كانت فترة التفتح على الحياة فى باريس هى الفائدة الكبرى التى فتحت لى الأبواب المسحورة لعوالم الفكر والأدب والفن القديم والحديث ، بما فى ذلك الفنون التشكيلية وعالم الموسيقى الرفيعة .
والواقع أن هذه الفترة الباريسية تركت أثرها السلبي والايجابي معا على أدب سعد مكاوى ، إذ جعلته يقف فى ثقافته الفرنسية عند حدود الأربعينيات من هذا القرن رغم ما تميزت به هذه الفترة من زخم ثقافى ، وبخاصة أفكار جان بول ساتر فى الالتزام إلا أنه لم يستفد منها بالقدر الكافي فى تطور فنه الروائي كما سيتضح لنا فيما بعد ، وبوقوفه عند هذه الفترة لم يلتفت إلى المدرسة الجديدة فى الرواية التى ظهرت بعد ذلك فى فرنسا . ونعود إلى أثر هذه الفترة فى فئه ، فنجد يحتفى بكتاب من القرن التاسع عشر فى فرنسا وبخاصة : جوستاف فلويسير ، وأميل زولا ، فنراه يحلل رواية الأول ، مدام بوفارى ، ويجعل من شخصية ، أيما بوفارى إحدى موضوعات كتابه " رجل من طين " وفى مقال آخر يتحدث عن الشخصيات المعاونة فى الرواية نفسها – مما يشى بنظرة نقدية للقصة – متخذاًَ من " هومة " فى القصة نموذجاً ،أما تأثير " زولا " فيبدو واضحاً بشكل لافت للنظر فى رائعته " السائرون نياما " وقد ترجم له رواية " جرمينال " والواقع أنها ليست ترجمة بل تلخيصاً وقد كان سعد مكاوى أميناً مع نفسه عندما كتب على صفحة العنوان ترجمة وتلخيص ويمكن عمل مقارنة بين هذا العمل و " بين السائرون نياما " بيد ان هذا بحث تعوزنا وسائلة الآن ، لكن يكفى أن نشير إلى فكرة البطولة الجماعية المشتركة فى العملين وكان سعد مكاوى قد أعجب بـ " جرمينال" من هذه الناحية يقول فى تقديمه لها : " لأول مرة فى تاريخ الأدب ، ومن تصوير كاتب جمهوري واشتراكى ، لم يكن البطل فى رواية فرد أو أفرادا ، بل كان بطلاً جماعياً هو جمهور عمال المنجم ، ولأول مرة ينهض كاتب ليسم بالحديد المحمى مجتمعه الذى يسمح بمثل هذا الظلم ، مما يجعل " جرمينال " التى صور فيها إضراب عمال المناجم فى أحد أقاليم فرنسا احتجاجاً على مظالم الشركة المستغلة عملاً فريداً فى الأدب الفرنسي ، كما أنه فريد فى إنتاج زولا نفسه .
وهو ما حاول أن يطبقه سعد مكاوي بنفسه فى رواية " السائرون نياما " على أن سعد مكاوى لم يقف فى قراءاته وترجماته عند " فلويير وزولا فقط ، إذ ترجم المئات من القصص الفرنسية على صفحات جريدة المصرى ، يقول عنه الدكتور فائق الجوهري فى تقديمه لمجموعة "راهبة الزمالك أنه "… لخص أكثر من مائتي كتاب " وإن كان لم يظهر من هذه الترجمات والتلخيصات إلا أقل القليل .
وهكذا يتفاعل رافدان أساسيان فى ثقافة الكاتب ، أولهما تراثى يتمثل فى التاريخ والتصوف ، والثانى غربى يتمثل فى الثقافة الغربية الحديثة من نتاج أدبى ، وقراءات مختلفة فى الموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية ، وهذا بالطبع إلى جانب تجربة الكاتب الحياتية وقراءاته الأساسية فى الأدب العربى الحديث كل هذا يفضى فى التحليل الأخير إلى أننا أمام كاتب ، متنوع الثقافة على وعى بحركة التاريخ الأدبي الحديث . ومعاصرا له ومشاركاً فيه ، قرأ تراثه العربى وتشبع به فامتلك ناصية الأسلوب اللغوي السليم ، وقرأ التراث الغربى فى لغته الأصلية فأضاف تجربة جديدة إلى تجاربه الأساسية . على أنه لم يبخل علينا فألف وترجم لنا عبر إبداعه المتنوع فى القصة القصيرة والرواية والمسرحية والمقال ليقف علامة بارزة فى إنتاجنا الأدبي خلال هذا القرن ، وفيما يلى قائمة بإنتاجية المنشور فى كتب فى هذه المجالات

قديم 05-27-2012, 04:06 PM
المشاركة 707
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
واحد من رواد القص العربي
سعد مكاوي ... ذكرى وتحية

١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٢بقلم محمد جبريل



رغم إنتاجه الغزير والمتميز لم يحتل سعد مكاوي المكانة الخاصة به، كان كاتباً عزوفاً ومتفرداً وأميل للعزلة. وقد ظهرت هذه الخصائص في تفاصيل أدبه.
لم أتتلمذ – شخصياً – على سعد مكاوي، وإن مثلت أعماله بعداً مهماً في كتبي "مصر في قصص كتابها المعاصرين" و "مصر المكان" و "مصر الأسماء والأمثال والتعبيرات". التقيت سعد مكاوي ، للمرة الأولى، في قصصه القصيرة التي كان ينشرها في "المصري"، وفي بعض المجلات التي كانت تصدر أوائل الخمسينات ، ثم تعرفت إليه ، بصورة أعمق، حين اقتنيت مجموعتين له، صدرتا في وقت متقارب هما "مخالب وأنياب" و "في قهوة المجاذيب"، وحين قدمت الى القاهرة قدمني إليه الكاتب الكبير أحمد عباس صالح. اكتفى بالترحيب الصادق والطيب، ثم انشغل بأوراق في يده، فاكتفيت بأن أضيف تلك اللحظة الى رصيد ذكرياتي. وأتاحت لي دراسة أعمال سعد مكاوي ، فيما بعد، أن أتعرف الى جوانب موهبته الخصبة والمتفردة، وأن أفيد من كتاباته التي لم تقتصر على جنس أدبي محدد، لكنها شملت الكثير من ألوان الكتابة بما يذكرنا بإسهامات جيل الرواد.
من الدلتا الى باريس

ولد سعد مكاوي في 16 أغسطس 1916 بقرية "الدلاتون" التابعة لمديرية – محافظة – المنوفية، وهي القرية نفسها التي شهدت مولد صديقه وزميله عبد الرحمن الشرقاوي، والتي مثلت النبع نفسه الذي اغترف منه مكاوي والشرقاوي مظاهر الحياة في القرية المصرية . كانت مكتبة أبيه في البيت الذي أمضى فيه أعوام النشأة بالقرية هي المصدر الأول والأهم لتكوينه الثقافي المبكر. تعرفه من خلال ما تضمه من كتب الأدب والتاريخ والسياسة والتراث الى جوانب شتى من المعرفة الإنسانية . ولعله يمكن القول إنها كانت هي البداية التي استفزت الفنان في وجدان سعد مكاوي الصبي، قبل أن يسافر الى القاهرة، ليحصل فيها على شهادة التوجيهية (الثانوية العامة). ثم سافر الى فرنسا، وأمضى عاماً واحداً بكلية الطب بجامعة مونبلييه، ثم دفعه حب الأدب، ونتذكر هيكل والحكيم ، الى الالتحاق بكلية الآداب بجامعة السوربون. وبالطبع، فقد أتيح لسعد مكاوي – في أثناء إقامته بفرنسا 1936/1939، فرصة التعرف الى الآداب والفنون، والثقافة الأوروبية عموماً، في أحدث معطياتها. وهو ما انعكس في كتاباته التي عنيت بالموسيقى والفن التشكيلي وغيرهما من الفنون، بالإضافة الى التراجم التي لم تقتصر على المشاعل من الأدباء، وإنما عنيت بالمشاعل في الإنسانيات المختلفة. وعاد سعد مكاوي الى القاهرة ليمارس العديد من الأعمال المعبرة عن اهتماماته الثقافية والفنية، فقد عمل محرراً أدبياً في صحف "المصري" و "الشعب" و "الجمهورية".
وكان آخر المناصب التي تولاهاه رئاسة هيئة المسرح، ولما أحيل الى المعاش تفرغ للكتابة الإبداعية. وتزوج سعد مكاوي في 1953، وأنجب ولداً وفتاة، يعملان مهندسين معماريين، وقد انضم الى عضوية نقابة الصحفيين، وكان من الأعضاء المؤسسين لاتحاد الكتاب.
عزلة وإبداع

أما قلة الدراسات التي عنيت بأعمال سعد مكاوي، فهي لم تكن نتيجة إهمال من جانب النقاد، بقدر ما كانت حرصاً من الفنان على أن يبدع في غيبة من أضواء وسائل الإعلام، مع أنه كان إعلامياً. ومن تجمعات الأدباء والمثقفين، حتى في أعوامه الأخيرة كانت جلسته المنفردة في النادي القريب من بيته، ولا يخلو من دلالة أن الأحاديث التي وافق على أن تجرى معه كانت في عام 1970 . كانت العزلة، في تقديره، شرطاً مهماً من شروط الإبداع الفني، فهي تهبه القدرة على الرصد والمراقبة والتأمل واجترار الخبرات، وإفراز ذلك كله في إبداعات تتخلق من داخلها دون أن يحاول المبدع أن يقحم عليها فكرة ربما لا يتقبلها السياق. وحين يتحدث عن صديقه الفنان التشكيلي، فكأنه يتحدث عن نفسه، فهو الفنان التشكيلي، يعمل في عزلة خصبة، تيسرها له قناعة جميلة، ودخل بسيط أخضعه لفهمه العميق لفنه، وطبع أصيل فطر على ازدراء الصيت الرخيص، وتقديس الفن الكريم، إنه لا يتبع نظرية معينة، ولا يدق الطبول لنظرية ما، لكنه يرى أن الفن كائن حر وحي، ينمو ويتطور، فلا نظرية فيه ولا مذهب، ولا قديم ولا جديد، وإنما هو نهر دافق عبر الأجيال من الإحساس الذاتي للفنان بما يدور حوله، وفي نفسه موصول بكفاح الماضي وقيمه، وانطلاقات المستقبل وآفاقه.
ويصف فائق الجوهري، وأدين لإسهاماته في حياتنا الثقافية بالكثير من تكويني المعرفي، سعد مكاوي بأنه "إنسان صامت لا تعرفه الأندية والمجتمعات، والكثيرون جداً من القراء لا يعرفون صورته".
وبالطبع ، فإن تلك القناعات التي تملكها ضرورة التفرغ للعملية الإبداعية لا تلغي أهمية أن يهبط الكاتب من برجه العاجي، أستعير تعبير الفنان، ويبرح صومعته، وفي يده المشعل، لكي يمتزج بحياة الشعب، ويصور آلامه وآماله، تلك، في تقديره، رسالة الكاتب في أعلى مراتبها.وقد اختار معظم أدباء جيل الوسط، أو جيل الأربعينيات، جنساً أدبياً واحداً، يقصر كل منهم غالبية إبداعه عليه. ذلك ما فعله نجيب محفوظ حين تحددت اهتماماته في البداية في المقالة الفلسفية، ثم كتب القصة القصيرة والرواية لا يجاوزهما الى أجناس أدبية أخرى.
وهو ما فعله عبد الحميد السحار، وهو ما فعله أيضاً محمود البدوي الذي كانت القصة القصيرة قوام إبداعه، الأمر نفسه بالنسبة لصلاح ذهني، وكانت المسرحية هل الملمح الأهم في إبداع علي أحمد باكثير، والأمثلة كثيرة. أما سعد مكاوي، فقد جعل من جيل الرواد مثلاً يحتذى به، أبدع القصة القصيرة والرواية التي تصور الواقع، وتوظف التراث، وكتب المسرحية ، والمقالة الفنية، والترجمة، وغيرها من فنون السرد.
إخلاص للإبداع

نحن نستطيع أن ننسب تعدد كتابات سعد مكاوي الى احتذائه ريادة الجيل السابق، لكننا نستطيع أن ننسب ذلك التعدد أيضاً الى أن سعد مكاوي كان مخلصاً في التعبير عما يشغله بالفعل. كتب ما تثقف فيه، وما أخلص في تأمله، وما نبضت به موهبته، وكانت محصلة ذلك كله إبداعات قصصية وروائية ومسرحيات وتراجم وتأملات مجتمعية وغيرها. ساعد على ذلك أن عمل سعد مكاوي لم يقتصر على ترف الكتابة وحدها، وهو ترف يصعب الادعاء أنه أتاح لكاتب ما أن يتقوت منه. لكنه عمل ، لأعوام طويلة، بالصحافة قبل أن تنقله السلطة الى وظيفة غير صحفية. لقد وضعت جريدة "المصري" إحدى قصصه في موضع المانشيت، وبامتداد صفحتها الأولى، وكان ذلك احتجاجاً على مصادرات الرقابة آنذاك، لكن العمل الصحفي، وكان مكاوي محرراً أدبياً، كان يلزمه بالكتابة في غير القصة. فتنوعت كتاباته بما أملته عليه طبيعة عمله، وباتساع اهتماماته الى نهاية أفقها.
ومع ذلك، فقد كانت القصة القصيرة هل الملمح الأهم في كتابات سعد مكاوي. منجزه الإبداعي فيها يقارب الثلاثمائة قصة. صدر غالبيتها في 14 مجموعة قصصية هي: نساء من خزف، مخالب وأنياب، قهوة المجاذيب، راهبة من الزمالك، الماء العكر، مجمع الشياطين، الزمن الوغد، القمر المشوي، أبواب الليل، الرقص على العشب الأخضر، شهيرة وقصص أخرى، الفجر يزور الحديقة، على حافة النهر الميت، كلمات في المدن النائمة. أما الرواية، فقد صدر لسعد مكاوي أربع روايات هي: السائرون نياماً، الرجل والطريق، الكرباج، لا تسقني وحدي. وهو الرقم نفسه الذي بلغته مسرحياته، فقد كتب: الميت الحي، أيام صعبة، الهدية، الحلم يدخل القرية، كما صدرت لسعد مكاوي دراستان عن الموسيقى "لو كان العالم ملكاً لنا" والتاريخ السياسي "رجل من طين".
والحق أن مجموع كتابات سعد مكاوي، حتى الكتابات غير القصصية، تنسبه الى التيارات التقدمية، وتصنفه باعتباره كاتباً منحازاً الى قضايا البشر. وكان لسعد مكاوي وجهة نظره التي تبين عن قسماتها وملامحها في مجموع كتاباته، والتي يمكن إيجازها في ثقته المعلنة بأن عصر التمزق والانسحاق والحيرة يبشر بغد إنساني جميل غض، وأن الواقع المرير الذي يكابده الجنس البشري في عنق الزجاجة لم يؤثر في إيمانه بأن إنسان العصر القادم سيكون أبهى وأعظم من المسودات البشرية، والتعبير للفنان. إن القرن العشرين لا يعدو أن يكون معمل تفريخ لطبقات جديدة راقية من الإنسان، وإن إنسان ذلك القرن وما بعده سيكون على الصورة التي يستشرفها. يقول في حوار مع عبدالعال الحمامصي: "التزامي نابع من إيماني الإنساني، أنا ملتزم بالقضية الإنسانية في عمومها وشمولها. وشعاري في هذا أنني مع الحرية ضد الزيف، مع الحق ضد الاستبداد، مع الشجاعة ضد الخوف، مع الإرادة ضد القهر، مع الجمال ضد القبح، مع الحب ضد الكراهية، التزامي في كلمة واحدة هو مستقبل الإنسان وقدراته المتجددة التي لا يمكن لأي ايديولوجية معاصرة أن تحتويها. فمن الذي يعطينا الحق في أن نصادر المستقبل، ونحجر على إمكاناته، وما تنطوي عليه صيرورته من قابليات". وفي هذا الإطار ينبغي أن نضع أعماله التي تنتسب الى أدب الخيال العلمي، إنها إطلالة جيدة لاستشراف آفاق المستقبل.
القرية والمدينة

نشر سعد مكاوي أولى قصصه القصيرة في فبراير 1936، وصدرت المجموعة الأولى لسعد مكاوي سنة 1948. ثم توالت أعماله في القصة القصيرة والرواية والمسرحية ، فضلاً عن كتاباته في أثناء عمله كمحرر أدبي. وتصدر أعماله الإبداعية بعامة عن واقع القرية المصرية، والصلات بين القرية والمدينة من خلال أبناء القرية الذين يهجرون قراهم للدراسة أو للعمل في المدينة، والحس الفكاهي في بعض كتاباته لا يخفي قسوة الواقع الذي شغل بتناوله. والصوفية ملمح مهم يصعب إغفاله في إبداعات سعد مكاوي، بل إنه اختار عناوين لبعض مجموعاته القصصية تبين عن هذا الملمح.
والتصوف، كما يبرزه الفنان، ليس مظاهر انجذاب ودروشة، لكنه تعبير عن الغياب الذي تعانيه الطبقات الأدنى بين طبقات المجتمع ككل.
وقد حاول سعد مكاوي أن ينطلق من أرضية الواقع، الخير والشر والرذيلة والعطف والقسوة والصعلكة والجوع والغواني وكل المولد البشري. التعبير للفنان نفسه، الى الحب والتسامي بقوة هائلة الأثر في حياة الجنس البشري ، الى أن جعل من الحب موضوعاً لقصته. يقول: "إني لست ممن يجدون في الكلام عن الحب والكتابة عنه شيئاً مخجلاً أو زائداً عن حاجة الناس الحقيقية، بل إنني من المؤمنين بأن الحب في عصرنا القلق المشحون بالخلافات والكراهية والقلق قد صار في حاجة الى تفسير ومناقشات جديدة، وأن الحب هو دين المستقبل الجديد". وحين بدأت سعد مكاوي في كتابة روايته "الرجل والطريق" فقد كان مشروعها التخطيطي أن يكون الحب هو البطل الحقيقي باعتباره القوة هائلة الأثر في حياة الجنس البشري، والشيء الكبير الأساسي في حياة الكل في كل زمان ومكان، والقوة الدافعة المثمرة من قوى الطبيعة الإنسانية الخلاقة البناءة. وينفي أن يكون انصرافه الى كتابة "الرجل والطريق" مجرد كتابة قصيدة غنائية تتغنى بالحب وتتبع أحوال المحبين، لكن ما شغله أن يعبّر عن الحب باعتباره عاطفة إنسانية ترتبط بالمساعي الإنسانية المتشابكة، والتطور الاجتماعي ، فضلاً عن ارتباط الحب بكيمياء الجسد الإنساني.
ومع أن ثلاثية الرجل – المرأة – الجنس لم تكن مما يلفت النظر في قصص سعد مكاوي، بعكس قصص البدوي التي كانت في مجموعها إلحاحاً على تلك الثلاثية، فإنه كان يرى في الحب بحثاً عن الوسيلة لتحويل جاذبية الجنس الى الشوق للكمال من خلال شخص من الجنس الآخر يختاره المرء فلا يعود لجنسه كله وجود إلا في صورته. تلك هي ميزة الإنسان على الحيوان. من يستطيع أن يثبت غريزته على شخص واحد، فيستغني عن الجنس الآخر كله، إرادة الطبيعة هي أن يكون الجنس والحب متحدين، ولذلك توج المجتمع هذا القانون الطبيعي بمؤسسة الزواج.
مع تعدد الأعمال التي وظفت التراث الفرعوني والعربي والإسلامي، بداية من جيل الرواد ، فأدباء المدرسة الحديثة، ثم أدباء جيل الوسط: محفوظ والسحار وباكثير وغيرهم، فإن معطيات سعد مكاوي في الرواية التاريخية، روايته الأهم "السائرون نياماً"، على وجه التحديد، كان هي الحادي الذي مضت من ورائه محاولات الأجيال التالية لتوظيف التراث. لم يكن الأمر مجرد حنين الى أزمنة جميلة، ولا استعادة ملامح من تراثنا القومي والوطني، بل كان، وبوضوح، توظيف الحادثة التاريخية، أو الشخصية التاريخية، في الإشارة، هذا هو التعبير الذي يحضرني الى الظروف التي كانت تضغط على المجتمع في الفترة التي كتب فيها الفنان رواياته، وهو الهدف نفسه الذي عني به مبدعو الأجيال التالية الذين حاولوا توظيف التراث في إبداعاتهم.
</SPAN>

قديم 05-27-2012, 04:07 PM
المشاركة 708
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سعد مكاوي
سعد مكاوي (و. 1916 ـ ت. 1985)، هو روائي وأديب وصحفي مصري.

ولد مكاوي في 1916 بقرية الدلاتون، محافظة المنوفية، وعنها صاغ مجموعة قصصية كاملة بعنوان الماء العكر بحيث كانت قرية الدلاتون ببيئتها والواقع الدائر في أنحائها هي مادة هذه القصص الشيقة.
تلقي تعليمه في مدرسة شبرا الإبتدائية ومدرسة التوفيقية وفؤاد الأول الثانوية، ثم سافر إلى فرنسا ليلتحق بجامعة السوربون.
قرأ كل ما تحتويه مكتبة والده من كتب التراث والتاريخ والأدب، ومجلدات المجلات الشهرية مثل المقتطف، الهلال، وغيرها، وحضر ما كان يعقده والده مدرس اللغة العربية من منتدي يومي أمام بيته الريفي وسط حديقة فواكه بسيطة مع الأصدقاء والمتعلمين من الفلاحين وكانت مادة الحديث العقيدة والتصوف والفكر والأدب، بما شكل وجدان الشاب الصغير وأطلق أمامه أفاق الفكر والتأمل، كما قرأ في القصة كتابات محمود تيمور، المازني، طاهر لاشين، ثم سافر إلي باريس عام 1936م ودرس لمدة عام واحد في كلية الطب في مونپلييه بفرنسا ، ثم انتقل لكلية الآداب بالسربون حتى عام 1940، وفي هذه الفترة تفتح أمامه عالم جي دي موباسان من رواد القصة القصيرة في العصر الحديث وقرأ له بلغته الأصلية، وقرأ أيضا أعمال إميل زولا، بلزاك، مارسيل بروست، وعند عودته من باريس بدا العمل بالصحافة بتولي الإشراف علي صفحة الأدب في جريدة المصري لسان حزب الوفد عام 1947، ثم بجريدة الشعب من عام 1956 حتى 1959، ثم كاتبا بجريدة الجمهورية، وعمل مشرفا علي لجنة قراءة النصوص السينمائية في وزارة الثقافة، ورئيسا لهيئة المسرح بوزارة الثقافة حتى 16-8-1976، وهو عضو مؤسس بنادي القصة وجمعية الأدباء واتحاد الكتاب، كما شغل لفترة مقرر لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة.
أعماله

اشتهر ككاتب للقصة والرواية والمسرح. وتعتبر رواية السائرون نياماً هى أشهر أعماله. [1] والماء العكر
==
نبذة الناشر:
يحتل سعد مكاوي مكانة متميزة في ضمير الحياة الأدبية وقد قدر لهذه المكانة أن تعبر بصدق عن مرحلة من أهم المراحل التي مر بها الأدب القصصي والروائي في مصر.
والرواية في مسيرة سعد مكاوي الأدبية على قلتها بالقياس لما أصدره من مجموعات قصصية تربو على خمس عشر مجموعة إلا أنها تعتبر علامة شديدة التوهج في رحلة الرواية العربية، خاصة رواية "السائرون نياما" التي تعتبر من أهم الروايات العربية التي صدرت حتى الآن شكلاً ومضموناً.
ومن خلال التفاعل بين الزمان والمكان والصراع بين الخير والشر، ومزج الواقع باصطراعاته وهمومه مع بحثه الدائم عن مدينته الفاضلة، وإسقاط التاريخ على الأرضية المعاصرة.
نجح سعد مكاوي في أن يضع بصمة هامة في ساحة الرواية العربية بجانب بصمته المتميزة في دروب القصة القصيرة والمسرح.

قديم 05-27-2012, 09:24 PM
المشاركة 709
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
العوامل الحياتية التي أثرت في تكوين الروائي سعد مكاوي:
- يقول من حوار له مع الكاتب عبدالعال الحمامصى" منذ الصبا الأول والميل إلى التأمل طبيعة أصيلة فى تكويني .. لذلك تجد فى بعض نماذجي القصصية سخرية رفيقة من الذين لاهم لهم إلا أن يكونوا واسطة العقد ، أو زهرة المجلس .
- ويقول: حتى (متعى) فى الطفولة والصبا كانت من النوع الذى ينأى عن الضجيج والزحام ، ويجنح إلى فرص التأمل" ويقودنا هذا إلى الحديث عن نشأة الكاتب وتكوينه الاجتماعي والثقافي .
- ينتمي سعد مكاوي إلى الريف المصري الفقير " الذي يسوده عبق التصوف" لذلك تكثر فى أعماله أسماء وشخصيات ريفية ، بل إن أدبه قائم على ثنائية الريف والمدينة ، إذ يعدان المكانين الأساسيين فى بناء أى عمل فنى له ، نرى ذلك فى أعماله الأولى والأخيرة على حد سواء ، لنترك الكاتب يتحدث عن نشأته فى ظل القرية والجو الصوفي وتأثير ذلك على رؤيته للحياة والفن .
- إذ يقول : كان أبى من طبقة المتصوفة ، التى أخذت روح التصوف الحقيقي فى معناه الكلى ليس التصوف الذي يفر من الواقع فى صورته الشائعة ، بل الذى ينظر إلى الواقع من خلال رؤية كلية تنفذ إلى الماوراء لدرجة أنها قد تربط المعنى الإنساني الكلى وحقائق الوجود الأصلية بالمصير الإنساني ، مما يهب النفس قدراً من الثقافة والتصوف بهذا المعنى يعطى الإنسان قدرة على أن يستشف كل حقائق الوجود والحياة، بحيث تكون النظرة الجوانية للإنسان هى القوة السائدة .
- من خلال هذا الطراز النادر للفلاح المصري البسيط المتصرف بدأت ونمت نظرتي إلى الواقع . ففى هذا الوسط الفقير الكادح أمكن أن تعرف فى وقت مبكر نوعاً ما إلى الكثير من أوليات الوضع الطبقي العام لأبناء وطني ، وللعلاقات الاجتماعية ".
- على أن هذه النشأة الفقيرة وسط عالم التصوف التأملى لا تعنى ابتعاد الكاتب عن مصادر الثقافة النظرية ، بل والعملية حيث كان أبوه من خريجي دار العلوم ، ويعمل مدرساً للغة العربية فى القاهرة ، لكن حقيقته الكبرى كانت فى سعة إطلاعه ورحابه فكرة فى إطار من تصوف حسن الذوق ، كانت له جاذبية على نفسه المتفتحة للمعرفة ، مما مكنه من الإطلاع على مكتبه ضخمة تحتوى على أمهات الكتب فى " التراث والتاريخ والأدب " فضلاً على مجلدات من أمهات المجلات الشهرية مثل المقتطف والهلال ولعل هذا يفسر لنا اتجاه سعد مكاوى بعد ذلك إلى استلهام التصوف والتاريخ وتوظيفهما فى إنتاجه الروائي .

- وكانت فترة الدراسة فى فرنسا قد بدأت بصدمة نافعة ، نتيجة للفاروق الهائل بين النظرة إلى المرآة فى بيتي فى مصر ، وبين وضعها فى البيئة التى انتقلت إليها وهو أمر كان له أثره العميق بعد ذلك فى نفسى وفى أفكاري
- رغم إنتاجه الغزير والمتميز لم يحتل سعد مكاوي المكانة الخاصة به، كان كاتباً عزوفاً ومتفرداً وأميل للعزلة.

عزلته تجعلني ادعي انه كان مأزوما ويلاحظ انه سافر الى القاهرة للحصول على التوجيهي مما يجعله يتيما اجتماعيا كنتيجة لبعده عن العائلة لكن في غياب تفاصيل عن طفولته لا بد لنا ان نعتبره

مجهول الطفولة.

قديم 05-28-2012, 07:39 AM
المشاركة 710
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
92- 1952 جميل عطية إبراهيم مصر

ثلاثية جميل عطية إبراهيم تأريخ بلغة الرواية

صاغ المبدع الكبير جميل عطية إبراهيم جزءًا من تاريخ مصر بلغة الفن في ثلاثيته (1952) ، (أوراق 1954) ، (1981) الصفحات الأولي في الجزء الأول تمهيد لحركة الجيش. ولأنه يعي أهمية التراث الشعبي ، لذا بدأ بصاحب صندوق الدنيا الذي يغني (اللي بني مصركان في الأصل حلواني) ولكن بعد أنْ ألغي مصطفي النحاس معاهدة 36 قال (اللي بني مصركان في الأصل فدائي) وعندما سأله المارد ماذا يريد قال (آتني بأسلحة لمحاربة الإنجليز) وتنتهي الحكاية بأنْ طلب مصطفي النحاس من فؤاد سراج الدين (وزيرالداخلية) توزيع السلاح علي الفدائيين. تصاعد الكفاح المسلح ضد الإنجليز لذا قال اللواء عويس إنّ (الإطاحة بحكومة الوفد أصبحت ضرورية) في عزبة هذا اللواء نتعرف علي عباس الفلاح الذي جمع وعيه بين الصراع الطبقي واستقلال الوطن، فانضم إلي أحد التنظيمات الشيوعية. وبعد نجاح حركة الضباط تم القبض عليه فاندهشتْ زوجته وقالت (قضي سنوات عمره في معارضة الملك والتنديد بسياسة الباشوات وفضحهم) وبعد أنْ أفرج عنه تم اعتقاله مجددًا وكان قائد الحملة اليوزباشي أنور عرفه (وكانتْ هذه آخرمهمة يؤديها لضباط يوليو قبل سفره لأمريكا في بعثة في فنون القبض والتفتيش وتسجيل الاعترافات) وما ذكره المبدع حقيقة أكدها كثيرون مثل د. فخري لبيب في كتابه (الشيوعيون وعبدالناصر) وهكذا ضفر جميل عطيه الفن الروائي بالوقائع التاريخية. وإذا كان اللواء عويس أحد رموز الاقطاع المتعاونين مع الإنجليز، فإنّ المبدع المؤمن بتعدد الأصوات، قدّم شخصية د. السيد أحمد باشا الذي لم يتدخل في حياة ابنته (أوديت) المنضمة لأحد التنظيمات الشيوعية لمقاومة الإنجليز والسراي. وعندما كان البوليس يبحث عنها لاعتقالها اختبأتْ في أحضان الفلاحين وقالت عنهم (هؤلاء القوم الذين يتظاهرون بالبلاهة لهم آفاق واسعة) إذْ حفظ الفلاحون سرها ولم يتقدم أحد ليشي بها. ومن أبناء عزبة عويس (عكاشة) المغنواتي ، فلاح ليست له أية علاقة بالسياسة. ذهب إلي الإسماعيلية للعمل. صارت بينه وبين الجندي الإنجليزي (جون) صداقة بسبب حبهما للغناء. اقتنع عكاشة بالعمل مع الفدائيين لنسف معسكر للإنجليز. لمح صديقه (جون) فكيف يتركه للموت ؟ صاح يحذره. في هذا المشهد المكتوب ببراعة فائقة لم يمت (جون) كباقي زملائه بينما مات عكاشة. وفي التحقيقات الصحفية قال الجندي جون إنه مدين بحياته لعكاشة الذي حسبه اللواء عويس من الشيوعيين. وكانت صدمته عندما قال له أحد الضباط (إنه من أتباعك ياباشا) فقال مستنكرًا (الواد المغنواتي) وتحوّل عكاشة إلي أسطورة بين الفلاحين وإلي شيوعي بين الشيوعيين وإخواني في نظرالإخوان المسلمين. في عزبة عويس نتعرف علي كرامة سرحان الطالب بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية المولع بالشاعرإليوت الذي قال (نحن الرجال الجوف. بالقش حُشيتْ رؤوسنا) كرامة ابن السقا الذي يبيع الماء يقع في حب جويدان بنت اللواء عويس فيجلده. ثم ينتقل بنا المبدع إلي زهيه الفلاحة الفقيرة التي ضمّدتْ جراح كرامة وأطعمته ومنحته جسدها. ولكنه لم يعترف بهذا الحب الفطري ، فأدركتْ أنه لايهتم بها رغم أنّ جنينًا يدب في أحشائها. ثم يكون لقاء هذا الثلاثي- كرامة وزهيه والأميرة جويدان في الجزء الأخير ومعهم ابن زهيه التي اختارت له اسم (محمد نجيب) ينتهي الجزء الأول بالمذبحة التي دبّرها الضباط ضد عمال كفرالدواربعد عشرين يومًا من سيطرتهم علي الحكم. لذا قالت أوديت بعد اعتقال عباس (الجيش طرد الملك. وأحزان القرية كما هي). **** يبدأ الجزء الثاني علي لسان د. يونس الأستاذ الجامعي الممرور لاعتقال زملائه. استخدم المبدع الكثيرمن الأسماء الحقيقية، فيتذكرد. يونس رفيقه (محمود أمين العالم) ثم ينضم إلي جلسته د. شلبي المفصول من الجامعة. والواقعة كما ذكرها المبدع حقيقية ، إذْ في يوم 23/9/54أصدر الضباط قرارًا بفصل44أستاذًا جامعيا لميولهم الليبرالية كان من بينهم عبدالعظيم أنيس، عبدالمنعم الشرقاوي، لويس عوض وفوزي منصورإلخ. في هذا اللقاء يسأل د. شلبي صديقه عن أخبار د. أوديت وهكذا يلتحم الجزء الثاني بالجزء الأول. كان بين السيد أحمد باشا وعبدالناصرمعرفة أقرب إلي الصداقة. بعد يوليو بدأ الحذرمن جانب الباشا (فهاهي شوكة عبدالناصرقويت. ولم تعد في البلد سوي المؤسسة العسكرية. طرْدْ الملك جملة اعترضية. أما سنة 53 فقد تم تسوية الأرض لخلق الجو المناسب لإقامة ديكتاتورية بعد قصقصة أجنحة جميع الرجال وإلغاء الأحزاب والدستور) ويتحوّل الحذرإلي نوع من التوجس فقال (ماىُدهشني عدم اعتقال ابنتي بعد القبض علي رفاقها الماركسيين. هل صداقتي لسليمان حافظ وزير الداخلية وفرتْ لها الحماية؟ أم هي معرفتي بعبدالناصرالتي منعتْ عنها البلاء؟) وسيتطورالحذر والتوجس إلي فاجعة بعد اغتيال ابنته إذْ صدمتها سيارة جيش بطريقة متعمدة، فقال الأب (شممتُ في الأمر رائحة التدبير. هذه جريمة وخيوطها الرئيسية ليست بعيدة عن عبدالناصر. لايقوي أحد في البلد علي مس ابنتي بسوء دون إذن منه. وهم يعرفون تردده علي قصري) ترتب علي إصابة أوديت نزف في الدماغ فقال أحد الأطباء (منذ حركة الجيش والبلد كلها دماغها ينزف) توجُسْ الباشا لم يكن خيالا، فعندما زاره عبدالناصرفي قصره سنة53 اعتقد عم محمد الطباخ أنه محمد نجيب فرحب به (سيادة اللواء محمد نجيب) فرماه عبدالناصربنظرة نارية وقال (والله لوناداني أحد في الطريق بمحمد نجيب ربما قتلته) هنا أبدع الروائي مشهدًا جمع فيه بين سيكولوجية عبدالناصروالموقف من محمد نجيب الذي سيتم التخلص منه. في هذا الجزء صورة درامية لوقائع الصراع علي السلطة بين الضباط وصل لدرجة فصل واعتقال كثيرين بل وتعذيب بعضهم تعذيبًا وحشيا كما حدث مع المقدم حسني الدمنهوري وآخرين وهي وقائع اعترف بها كثيرون مثل أ. أحمد حمروش وأ. طارق البشري وآخرين. مزج المبدع هذه الوقائع بحياة شخصيات الرواية فحقق إنجازًا مهمًا في تاريخ الرواية المصرية والعالمية. ولأنّ المبدع مزج الواقعي بالروائي ، لذا جاءتْ شخصية عبدالناصر في الرواية مطابقة لشخصيته الحقيقية من خلال تصرفاته وأقواله مثل قوله (جيشي هو برلماني) وأنه استخدم المحيطين به للقيام (بالمهام القذرة) وكان يعادي الوفديين والشيوعيين ويرسم الخطط للتخلص منهم. وعندما خاطب عبدالناصرشعبنا قائلا(علمتكم العزة. علمتكم الكرامة) فإنّ أصحاب العقول الحرة شعروا بالإهانة، لذلك انطلقت الهتافات المعادية لحكومة العسكر. وقال د. يونس إنّ عبدالناصر(يري أنّ المثقفين الليبراليين هم أكبرمعضلة). شمل الجزء الثاني التطورالدرامي لزهيه حيث أخذتها أوديت للعمل كخادمة في قصرأبيها. تعلق الباشا بابنها الرضيع ثم بأمه التي أصبحتْ المشرفة الحقيقية علي كل شئون القصر. وقبل وفاة أوديت أوصتْ والدها بأنْ تمنح ثروتها لزهية وابنها. ونفذ الأب وصية ابنته. **** تدورأحداث الجزء الثالث في سويسرا. كرامة تزوج الأميرة جويدان وصارمستشارالسفارة المصرية. ذهب إلي مطار جنيف ليستقبل السيد أحمد باشا وزوجته. كرامة في الجزء الثاني استجاب لأوامرأحد ضباط عبدالناصرالذي استكتبه بلاغًا ضد أوديت ووالدها. في المطاركرامة يتذكر زهيه مندهشًا (عاملة الترحيلة تضع الفراء علي جسدها وتتحدث إلي مضيفة سويسرية وتُفتح لها قاعة كبارالزوار) زهيه الفلاحة الفقيرة أصبحتْ زهية هانم زوجة السيد أحمد باشا الذي شجّعها علي التعليم واتقنتْ عدة لغات وتعلمت أصول الغناء الأوبرالي. تذكركرامة قول السفيرأنّ محمد نجيب ابن زهيه من رجل آخرفقال لنفسه (أنا هذا الآخر) وتظل هذه الجملة ملازمة له ، فيقتله التردد بين الاعتراف بابنه أوالتضحية باستقراره العائلي والوظيفي ، بينما الباشا الذي تولي تربية محمد نجيب منذ أنْ كان رضيعًا حتي صارشابًا ، تعمّد أنْ تكون زيارته لجينيف من أجل (لم شمل الأسرة) وأنْ يتعرف الابن علي أبيه. هذا الموقف الإنساني من الباشا يتسق مع موقفه الفكري، فرغم أنه ليس شيوعيا فقد احترم آراء وكفاح ابنته الشيوعية. لذلك كان الهدف الثاني من زيارته لجنيف لقاء عباس الذي صارممثلا لمصرفي منظمة العمل الدولية، وتسليمه مذكرات ابنته التي دوّنتْ فيها رأيها عن الحركة الشيوعية بكل ايجابياتها وسلبياتها لنشرها. هذا الباشا الليبرالي لايعرف الأحادية الفكرية، لذا يأخذ عباس للجلوس علي المقهي الذي كان (لينين) يجلس عليه أثناء إقامته في جينيف. ويعشق الفن التشكيلي فيشتري لوحة الفنان ديلفو. وعندما تأمل عباس اللوحة قال إنّ المرأة فيها تُشبه ستهم ابنة عمي. وأنّ زهيه تحب أعمال هذا الفنان البلجيكي. وكما بدأ الجزء الأول بأحوال الفلاحين في عزبة عويس قبل يوليو 1952 انتهي الجزء الأخير بأنّ أحوالهم بعد30سنة عادتْ كما كانتْ ، إذْ في عهد السادات الذي عينه عبدالناصرنائبًا له وبالتالي كان هوالمرشح لرئاسة الدولة، أقام (الاقطاعيون) دعاوي قضائية لاسترداد أراضيهم. وبعد موت اللواء عويس أقامتْ أسرته دعوي وصدرالحكم لصالحها. أراد السيد أحمد باشا شراءالقصر ليهديه إلي وزارة التعليم ليستمر كمعهد فني لتخريج الطلبة الزراعيين. وكان هذا هوالهدف الثالث من زيارته لجينيف، ولكن الأميرة جويدان رفضتْ البيع. وحصل عمها علي موافقات السلطات الإدارية لتحويل العزبة بأكملها إلي مشروع استثماري عقاري. وعندما علم الفلاحون بذلك تذكروا أنّ اللواء عويس كان يستعد لإقامة مشروع لتعليب الخضروات، فشعروا بالحسرة وترحموا علي اللواء عويس وأيامه. وإذا كان البعض أثارفي عام 2009موضوع بيع الغاز لإسرائيل ، فإنّ المبدع في الجزء الثالث المنشورفي يناير1995 جعل كرامة يتذكرأنه أجري اتصالات مع الإسرائيليين (لعقد صفقات بيع البترول بواسطة شركة وهمية مصرية في جينيف من خلف رؤسائي بتعليمات من الرئيس السادات) فقال الباشا الليبرالي (كم من المنتصرين في حلبة التاريخ، كانتْ المشانق أحق بهم من أقواس النصر) وعن جماليات اللغة فإنّ الزمن في الصفحة الأولي من الجزء الأخير(صفارشمس العصاري المزيف الفالصو) وفي ص 8 يربطه بأحلام الفلاحين الذين كفروا بالزراعة واهتموا بتجارة العملة والسفر إلي السعودية، ولكنها (أحلام كالذهب الفالصو في شمس العصاري). وجميل عطية لديه ولع بالموروث الشعبي مثل قول المصريين أنّ (يوم الجمعة فيه ساعة نحس) و(إذا كان صباعك عسكري اقطعه) وقبل تغلغل الأصولية الدينية كان المصريون علي وعي بخطورة توظيف الدين لأغراض السياسة أو لتحقيق مصالح شخصية، لذا عندما دافع الشيخ لهيطة في خطبة الجمعة عن اللواء عويس وأمرالفلاحين بإطاعة أولي الأمر والدعاء لهم، قال الفلاحون عنه (هذا الملعون لايعبد الله لكنه يعبد الباشا) كما أنّ هؤلاء الفلاحين يطبّقون قانون النسبية رغم أميتهم، وبالتالي مزجوا مفهومهم عن (الحرام) بالشفقة، فنجد أنّ زهيه عندما حملتْ دون زواج، قالتْ للست نفوسه أنْ تسترها، فضربتْ الأخيرة صدرها وقالت (ياحبة عيني.. بيتك) وبعد طغيان اللغة الدينية في السبعينات، فإنّ ابنة عباس المناضل الشيوعي، تنضم إلي الجماعات الإسلامية التي تُكفرالحاكم والمحكومين وتُشارك في عمليات اغتيال الأبرياء. وجميل عطية لديه شجاعة استخدام الكلمات المصرية التي يأنف كثيرون من استخدامها مثل (خرجتْ الكلمة من الفم مدغمسه) ومن السياق نفهم أنّ المقصود بكلمة (مدغمسه) أنها خرجتْ مضغمة غيرمفهومة. وكلمة (غتاته) المقصود بها الشخص ثقيل الدم. و(نن العين) إذْ هي في اللغة العربية (بؤبؤالعين) وتعبير أنّ الوعاء امتلأ (لتمة عينه) فكلمة (تمة) نحت مصري لكلمة (تمام) العربية. ويستخدم تعبير(دحلبته لمعرفة سره) بمعني استدرجته العربية. وتعبير(فركة كعب) كناية عن المشوار قصيرالمسافة. ووصَفَ شقاء الفلاحين بتعبير(طافحين الكوته) أي الشقاء الفادح في العربية. وتعبير(الدنيا قلابه) أي الغادرة بالعربي. وتعبيرأنّ فلانًا (وقع في الخيه) أي وقع في شرك أو خطأ فظيع. ويستخدم أداة الاستفهام المصرية (ليه) كبديل عن العربية (لماذا) وهكذا. المبدع الكبير جميل عطية إبراهيم له أكثر من مجموعة قصصية وأكثرمن رواية ، وكل رواياته زاخرة بالشخصيات الحية والأحداث الدرامية، ناهيك عن الثلاثية التي هي معزوفة تاريخية بلغة فن الرواية. ورغم ذلك تتجاهله الثقافة السائدة ، فلم تُفكر أية جهة في ترشيحه لجائزة من جوائز الدولة. وتجاهل كتاب السيناريو والمخرجون إبداعه. فهل الجماليات الفنية والعمق الفكري ، والتوثيق الأمين المحايد ، أحد أسباب العزوف عن هذا الانتاج الأدبي البديع ؟
بقلم : طلعت رضوان


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 33 ( الأعضاء 0 والزوار 33)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 10:10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.