مهما اسوّدت السماء وولولتْ الريح , واقتربت الشمس من الأرض وجفّت المياه والأشجار , فلا يزال القلب
قادرا ً على أن يروي النفْس ويبهر العقل , ويسدل ستائر الحرير على النائمين في أرق , إن فينا ينبوعا ً أبدا ً
لا يجف , وفي عقولنا شموسا ً وأقمارا ً لا تنطفئ .
فقد عرفت البشرية ألوف السنين من الحروب ولم تعرف إلا عشرات السنين من السلام , ولكن السلام كان أقوى
من الحرب , والحياة أقوى من الموت , والحب أعمق من الكراهية , والأمل أعظم دواء وشفاء أيضا ً ..
وكما أن المستشفيات أشهر من الحدائق , فالمرضى والدواء والأطباء تتصدر صورهم كل الصفحات والشاشات
لأننا نخاف المرض ونخاف الموت .. والأطباء حرّاس الحياة .. ولا نجد في الصحف ولا على الشاشات صور
الفلاحين والجناينية ولا تجّار الورد والعطور ولا زفاف العروسين .. ولم تنشر الصحف صورة لرجل أنه
صحيح البدن سليم العقل , وإنما تسارع كل الشاشات والقنوات والصفحات إلى نشر صور المجرمين والمجانين
واللصوص , والوزراء والقادة الذين هم نماذج ناجحة يخافون أن يضحكوا أو يبتسموا أو يعلنوا أنهم يشكرون الله
على ما آتاهم ؛ فهم يخافون أن تقول الأغلبية الفقيرة : إنه ولا على بالهم .. إنهم نائمون في العسل .. إنهم ولدوا
وملاعق الذهب في أفواههم , إنهم فوق والناس تحت .. مع أنهم مطالبون بأن يعطوا الناس أملا ً في الأحسن
والأفضل والأبقى والأجمل .. والناس يستلهمون الرضا من وجوههم .. وحتى إذا سخط عليهم الناس , فهذا
شرط اللعبة السياسية , أن يتسعجلهم الناس في قضاء حوائجهم وحل ِّ عقدهم وهدايتهم إلى سواء السبيل
إلى المدرسة والمستشفى والشقة الجديدة .
ولو تراجعت الآن في مقعدك .. ووضعت َ ذراعيك إلى جانبك وأخذت َ نفسا ً عميقا ً تطلّعت إلى فوق ..
أو حتى إلى وجهك في المرآة .. ألست َ الآن أفضل , واليوم أحسن ؟
ألست تريد أن تقول : أحبك يا من أراه .. أحبك يا أي إنسان ... يا بلدي .. يا مستقبل كل الناس ! .