احصائيات

الردود
1

المشاهدات
2436
 
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي


ريم بدر الدين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
4,267

+التقييم
0.68

تاريخ التسجيل
Jan 2007

الاقامة

رقم العضوية
2765
02-12-2017, 08:02 PM
المشاركة 1
02-12-2017, 08:02 PM
المشاركة 1
افتراضي منعطف الأربعين
منعطف الأربعين
ريم بدر الدين بزال
دمشق 5فبراير 2017



هل ثمة إنسان يقنع عقارب ساعتي أن تلقي بمرساتها في موانىء قديمة ؟
اسئلة من طراز ماذا لو حدث كذا تلح على أفكاري و تبعثرها ثم تعيد ترتيبها وفق مشيئتها .. تعبث بحفر اللاشعور و تملؤها سائلا يغذي الحزن و الحسرة فيشتد نباته و يخرج مشبعا بالفقد
ماذا لو أني بقيت في ذلك اليوم أراجع كتاب الذاكرة مع أبي و نحن نتذكر رحلة الى مصر و شفيق جلال و هو يغني(أمونة بعت لها جواب) و كيف زلت قدمي لدى دخول الهرم الأكبر و كان أن سحبني والدي من خاصرتي؟ ماذا لو بقي الشاي أمامنا في جلسة سرمدية؟
ماذا لو أني لم أتفقدهم في الصباح و اكتفيت بمشاهدتي لهم في النهار الفائت؟
أسئلة كثيرة تلح علي و تؤرق نومي منذ أن بدأ الهاجس ينتاب قلبي أن ثمة خطبا ما قد وقع ..
عند الحاجز الأمني قلت له ياسيدي أسرع فأنا أريد أن أسعف أهلي .. رفع حاجبيه استغرابا لكنه رأى دموعي فسمح لي بالمرور.
كلما اقتربت من بيتهم التقطت إشارات سلبية كبيرة .. كنت أرى أجسادهم مسجاة قبل أن أكسر الباب و كنت أبعد هذا الهاجس القاتل بتوقعهم يجلسون و يشربون الشاي في بيت دافىء و مضاء و مرتب و كنت أعتزم أن أغضب وأقول لهم لماذا لا ترفعون الهاتف ؟و لم لا تفتحون لي الباب؟
عندما فتح الباب لم يكن سوى تحقق التوقع الأولي
في ضربة واحدة رحلوا كلهم .. كانوا على أهبة الانتظار بكامل موتهم ..كانوا يوقنون أنني سأتفقدهم في الصباح و أنني سأقودهم جميعا الى مثواهم الاخير ...
كان نعيم في المطبخ جالسا جلسة موته الأخيرة ووالدي في سريره يقبض يديه في عزم كأنه يقول للموت لن تقبضني و أنا مستسلم ! لعله وجه له لكمة قبل أن تباغته ضربته القاضية. كانت الخالة ممدة في الممر أكاد أحس فزعها من الموت عندما احتز روحها .. أكاد ألمس الضيق الذي شعرت به عندما نادت والدي لينقذها و لم يرد عليها
صور متلاحقة تعبر أمام مخيلتي ..غداء أخير و قهوة أخيرة و سجائر أبي الأخيرة و صلاة يومه أداها كاملة العدد ..
لم ينظر نعيم يومها كفاية في وجهي و لم أنظر كفاية في عينيه لكن صوته محفور في ذاكرتي السمعية ..
مكالمة أخيرة على الواتساب و حديث ضاحك مع عمي على الهاتف حول رفض والدي للدواء بينما أكفانه قد أعدت و اكتمل طلاؤها الأبيض
مر بهم طائف الموت ..انتقل في أماكنهم كريح عاتية لعله دخل من النافذة المغلقة أو من جهة الباب أو لعله اخترق الجدار .. دخل باردا سريعا .. أوقف ساعاتهم .. أخرس أصواتهم.. قطف أعمارهم أو ما تبقى منها .. أنهى مهمته ثم غادر ليكمل أجندته في مكان آخر من الضفة التي نسكنها بعد أن وشم أجسادهم بختم العابرين نحو الضفة البعيدة.
و مر بهم طائف الفجر فلم يستقبلوه.. لم توقظهم تكبيرة الأذان و لم يداعب وجوههم ضوء الصباح . لم يفتحوا بابهم و لم يحضروا الإفطار و لم يقرأ أبي قرآن الصباح مع قهوته . تجمد يومهم عند يوم سبقه و انتظرونا حتى نكتشف لحظتهم الاخيرة .
أحذيتهم توقفت وراء الباب .. لن يكون هناك من يلبسها و يأخذها في مشوار طويل أو قصير .. أضواءهم كمدت و غار ضوؤها في ثقب الغياب الأسود .. و البرد وجد في المكان متكأا و مستراحا ..فنجان قهوة أخير و منفضة سجائر أخيرة و أغنية أخيرة في مسجلة قديمة .. دورت الاغنية(يا مسافر وحدك و فايتتي.. ليه تبعد عني؟)
اغتال البرد و العتمة و الغياب أصواتهم و روائحهم فهل ثمة ترياق ألقيه على عيني الغياب فيصبح حضورا؟ هل ثمة من يعيد لي أبي على أريكته يتدثر بغطاءه الخفيف و يبتسم لي ؟ هل ثمة من يسترجع لي أخي من على سجادة المطبخ حيث هوى نجمه؟
هل ثمة من يمنحني بيت أبي دافئا مرتبا جميلا ؟ لابد أن الموت عندما يقتنص الأرواح يستلب معها روح الأمكنة و يفرغها من معناها.. أو لعل الروح البشرية هي التي تهب الامكنة معانيها .
و الآن يرفرف الحمام في سماء دمشق و تزرق السماء و يعدنا البرد بمطر قادم .. تسجل المشافي يوميا واقعات الولادة وواقعات الموت وواقعات الحزن و البكاء . تنتقل شاحنة صغيرة تحمل غرفة نوم جديدة لعروسين أو لتأثيت بيت جديد.. تفتح المحلات أبوابها و تزين واجهاتها زينة العام الجديد و زينة الفالانتاين و مابعدها زينة عيد الأمهات . وزينةأعياد ستمر و تمر .. يبحث شاب عن صورة لصديقه العابر نحو الضفة الأخيرة في ذاكرة كاميرا المراقبة .. هي الصورة الوحيدة التي اقتنصوها منه ذات شرود .. مشوشة لكنها الوحيدة ..
اكتشف صورة ذلك الطفل الذي ينظر بعيني الرجاء في استوديو والده و يبقى بلا صورة أخرى لأنه رجل لا يحب الصور .. ألقي اللوم على قلبي المكلوم لأني في المرة الاخيرة لم أنظر كفاية في عينيه.. لأنني لم أر ابتسامته الأخيرة .. لأني لم أنزع عن وجهه نظارته البيضاء..
على عجل وضع رداءه .. على عجل مضى نحو حفرة موته .. على عجل دون وداع .. ترك لرفاقه مهمة زفافه نحو ضفته الاخيرة ..و انتهى هناك ممددا بالقرب من والده .. سيتبادلان جميع الاحاديث التي أجلاها في الحياة عندما كان رداء الوقت ضيقا .. سيسأله ابوه إن كان يريد طبقا من البطاطا المقلية أو بعضا من الحلوى أو حتى فنجانا من الشاي .. سيرد لكن ليس بكلمات مقتضبات و لا بايماءة من راسه .. لديهم الوقت على اتساعه للحديث و للحكاية و ليسرد عليه لحظات فرحه ما قبل الأخيرة . سيروي له طرفة و يبتسم و هو قليل الابتسام .. لن يتحدث عن الجحود فهذه المفردة لم تعبر في تلافيف ضميره يوما واحدا.. هو هناك يحاول أن يتعافى .. يحاول أن يعود .. أن يستأنف الوقت المستقطع لعلها ركلات الترجيح تعيده يوما الى مرمى الحياة .. يسخر من بكاءنا و رثائياتنا و أحاديثنا كلها .. يقول كم أنتم تافهون و أنانيون .. أنتم لا تبكون غيابنا و إنما تبكون ضعف قدرتكم على احتمال غيابنا.. لكنكم ستنسوننا حقا عند أول منعطف.
و هذا منعطف الأربعين قد حان .. أربعين للحياة لتستقر الروح في جسد جنين و أربعين للموت لتغادر الروح نحو عوالم أخرى و أربعين لتوهم النسيان لكي نتوهم أننا نحيا.


قديم 02-12-2017, 10:29 PM
المشاركة 2
حسام الدين بهي الدين ريشو
مشرف منبر بـــوح المشـاعـر

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مأساة ياسيدتي
جراح لايمكن أن تندمل
لحظة فارقة
اصطحب الموت فيها كل الأحبة
لاذنب لهم ولا جريره
الخلود لهم جميعا
والصبر لك ولنا
والعار
لمن سلبوا الحياة منهم
تبا للحروب والخونة والعملاء
المجد للضحايا
مع خالص التحية
واهلا بعودتك
استاذتنا ريم
فمنابر تفتقدك
ورب البيت
كوني بالف خير


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: منعطف الأربعين
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أهل الأربعين ناريمان الشريف منبر مختارات من الشتات. 2 03-04-2022 05:35 PM
لـقاءُ الأربعين عبد السلام بركات زريق منبر شعر التفعيلة 30 10-15-2020 01:48 AM
الأربعين في أصول الدين - أبو نصر الفارابي د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 06-02-2014 09:38 PM
♥ ♪ْ [ إهداء ] إلى ست الحبايب في ميلادها السابع و الأربعين ♥ ♪ْ صفاء الأحمد منبر البوح الهادئ 7 08-05-2013 05:04 PM

الساعة الآن 11:07 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.