احصائيات

الردود
4

المشاهدات
2299
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
04-21-2014, 11:02 PM
المشاركة 1
04-21-2014, 11:02 PM
المشاركة 1
افتراضي يوم عصيب
أسدل الليل ستار العتمة و خبا وضوح النهار في رحاب السوق الأسبوعي الذي يقصده ساكنو القرى المتناثرة بين الكتل الجبلية المحيطة بالبلدة ، الوادي شطر البلدة شطرين غير متفاوتين ، هناك على الضفة الأخرى تنعم البلدة بأنوار المصابيح حيث ترسو البنايات الإدارية و الأحياء العصرية ، و تزهو الثانوية ببنائها الشامخ المتكئ على الجبل لتمتد ملاعبها بانتشاء إلى حافة الوادي الذي صمت خريره في موسم أمطار و ثلوج أمسكت عن الهطول . في دروب السوق الضيقة و رحابه الفسيحة و بناياته العتيقة تخبو الحركة بمجرد دنو الليل ، شعلة الشمعة تقصفها تيارات ريح باردة تتسلل من شقوق باب الغرفة الخشبي الذي تباعدت ألواحه .
لا تزال عاصفة الصحراء تمطر رصاصا و تمد جشع المحطات الإذاعية بما يطفئ نهم متتبعيها ، أزرار المذياع تداعبها أنامل ناصر المرتعشة و قد نال من يقظته صخب النهار و جبروت المخدر ، بينما يلف عامر التبغ المتبل بالحشيش في ورقة لينة فتمسي سيجارة طويلة بدون مصفاة متمتما : " الحرب قاسية..."
لم يرد عليه ناصر و هو يطير بين المحطات الغربية والشرقية و المحلية ، كل منها تغني بإيقاع مختلف على أنغام الموت والقتل والدمار . منذ شهور كانت الجحافل تستعد للاستعراض ، منذ شهور و أمواج الأثير تسكنها أنواع الأسلحة الفتاكة ، بين بحرية و جوية فبرية ، الكل متشوق لصفارة البداية .
المدرسة الأجنبية غادرت منذ شهر، يتذكر ناصر يوم نعت الطلاب قائد بلادها بالإرهابي ، كانت تبكي بكاء مريرا ، و تطلب منهم احترام بلادها كما تقدر وطنهم و رموزه ، عامر كان سباقا إلى لسعها بوخزات سريعة :" أنتم لا تحترمون أحدا ، أنتم غزاة و شياطين و استعماريون ." يرتشفان من السيجارة و يتناوبان على استذرار العفو و التوبة والثواب . يسترجعان أحداث النهار ، فناصر استيقظت أذناه على أناشيد الحرب على بعد آلاف الأميال ، و سمع كلاما ثبّط همته منذ انبلاج الفجر ، فقوات التحالف حيدت سلاح الجو العراقي و دمرت أغلب مطاراته قبل الفجر " إنه الغدر ، إنها الخيانة ، إنها الحرب " هكذا يفكر ناصر و هو لا يستطيع إخراج رأسه من تحت الغطاء ، استهل يومه بهذا الشعور الممزق بين حسرة الهزيمة و الرغبة في النوم و البرد القارس الذي يخترق بطانية تكوم فيها ، تشاءم من هذه البداية الصعبة ، فلاشك أن يومه ستغزل خيوطه على نفس المنوال ، فالحرب خدعة و مباغتة و النصر رهين بالبداية الموفقة . اهتزت قاعة النوم فجأة و قد دقت السابعة و المذيع يتلو بلاغا حكوميا : " ستتعطل المدارس إلى أجل غير مسمى " عندها تأكد ناصر أنه ليس الوحيد المتتبع للحرب ، بل كل هؤلاء الراقدين إلى جواره في هذه البناية العمومية يتجرعون في صمت روائح الموت القادم من الشرق ، لكن العطلة المفاجئة نفخت في نفوسهم روح النصر ، فاستجابوا هاتفين منتفضين من أسرتهم يتبادلون التهاني ، و بشرى الفرح ترتسم على ملامحهم .
فرادى وجماعات ينتشرون عبر الطرقات من غير هدى ، الكل شرب من معتقة الحرب ، يكثر لغطهم و تتصاعد مشادّاتهم ، و يقسم بعضهم بأغلظ الأيمان أن أمريكا وربيبتها إسرائيل ستنالان أشد العقاب ، من ملايين الجنود المدججين بعزم جارف وعتاد متين ، مدافع القيامة ، صواريخ الرعد ناهيك عن آلاف الدبابات والمدرعات المنتشرة في الصحراء كالجراد " يضيف آخر : " يقولون أنهم دمروا سلاح الجو العراقي .. هذه أكذوبة ، قاذفات العراق في المخابئ و الأنفاق الغائرة ، وكل ما حطموه مجسمات كرتونية و بلاستيكية و ألعاب عاشوراء في فناء الصحراء ، خدع حربية من جيش متمرس ."
تساءل عامر و هو يضرب على محفظة أدواته المدرسية :" لم أكن أعلم أن الحرب بدأت اليوم ، و بحثت عنك منذ وصولي إلى المركز ، خمنت أنك غادرت إلى قريتك ، فقد رأيت العديد من التلاميذ في المحطة و هم يحملون حقائبهم . " رد عليه ناصر : " إلى أين المسير سأبقى في البلدة للتسكع ، لا تنسى أنني سأرى صديقتي قبل المغادرة ، فربما امتدت الحرب إلى الغرب ، من يدري ..؟ فالقتال طوفان عندما ينطلق يستحيل احتواؤه." التقيا بصالح و عبروا الجسر إلى السوق ، في الغرفة شربوا الشاي ، و أعدوا طعام الغداء ، و أذن ناصر لا تفارق المذياع الذي يقدم وجبات إخبارية جديدة سريعة كل حين ، كأن الأمر يتعلق بجولة عبر الميادين الرياضة في مباريات مفتوحة ، المدفعية تسقط أسراب طائرات التحالف بالعشرات ، و الحدود محصنة بفعل حزام ناري من أنابيب النفط ، إنها العبقرية الحربية ، قريبا ستنهمر زخات الرصاص على اسرائيل ، شعبها يموت رعبا في الجحور ، ويصابون بالاختناق في أقنعة مضادة للغازات ، و أغنياؤهم يفرون عبر مطاراتهم إلى أقاصي الأرض حالمين بمأوى يعصمهم من الطوفان .

رمى ناصر عقب السيجارة جهة الباب و تحسس جسمه المنهك ، بدأ الألم يعتري جملة جسده ، لم يتفطن أن جسده استقبل هذا الكم الزاخر من اللكمات و الركلات ، كان بالإمكان تفادي ذلك الصراع لولا روح الحرب التي تغلي في النفوس ، لم يطلب من تلك الفتاة الهين حظها من الجمال ، الحاملة لقفة الأعشاب إلا أن تخبر ليلى بوجوده بالجوار عندما انقضت عليه بألفاظ بذيئة ، سارعت رفيقتاها إلى شتمه وسبه ، دافع عن شرفه فلم يتوقفن، فعلا هدير عامر متوعدا بضربهن و رفس أجسادهن اللينة ، فجأة طوقه ثلاثة من حراس حقول القرية الجاثمة على أطراف البلدة فبدأت المعركة ، كان يدافع عن نفسه بتجنب الاتحام بأعدائه و بين الفينة والفينة يرسل ما تلقفته يمينه من حجارة نحو خصومه ، لكنهم نجحوا في إنزال ضرباتهم على جسده الفتي فما إن يحكم قبضته على واحد منهم حتى يحس بلكماتهم تنهال على ظهره ورأسه ، فبدأ يتحين فرصة الهروب ، فالحميّة تغالب السبع ، فر من المعركة صاغرا والفتيات يزغردن ، بينما خصومه يرسلون قاذفاتهم مثيرة الغبار عند قدميه ." يا له من يوم عصيب !! الحرب في كل مكان .." لا يلتفت إلى الوراء و هو يعدو بخطوات سريعة نحو السوق . لما رآه عامر رجع مبكرا ، قام من مرقده و كذلك فعل صالح ، وما أن قص عليهم محنته حتى قاما إلى الحرب وانضم اليهم بعض الحرفيين فغزوا حقول القرية باحثين عن كبش فداء ، كانت ليلى هناك تحش بمنجلها الأعشاب ، هلت إشراقة وجهها المستدير مرحبة بقدوم فارسها ،، تبادلا طيب حديث نابع من أعماق قلبين ملتهبين ، قص عليها مصابه فسقطت دمعتان من عينيها و هي ناقمة على الذين يرهبون كل غريب يتودد إلى فتيات القرية . كانا يرتشفان من الغزل ألذه بينما رفاقه يلهون بشاب جاء متجسسا كفأر وقع بين قطط هوجاء . هم ناصر بالذهاب إلى قريته لكن حبيبته أكدت عليه أن تراه صباحا في مركز البلدة بعيدا عن عيون السوء ، فقرر المبيت عند صديقه عامر .
" أصبح العشاء جاهزا " هكذا قال عامر بينما ناصر يفك شفرات تضارب أنباء الحرب ، كيف تحولت كل تلك الطيور التي تم اقتناصها إلى مجرد أهداف جوية ! بدأت كذبة تساقط الأشباح تنهار و تتبخر حتى قبل مضي يوم من الحرب ، لابد من قبول الهزيمة كما الهزائم الماضية ، يتذكر ناصر يوم كان صبيا و هو يسأل أستاذه عن موقع بلده في الحرب العالمية ، كان جواب الأستاذ كذبة أخرى من تلك الانتصارات الزائفة : " بلدنا حارب بجانب الحلفاء " أحس يومها بفخر عظيم ، لكن فرحته لم تصمد كثيرا حين اكتشف أن بلاده حينئذ ترزح تحت وطأة جور الحلفاء ، لتتوالى في نفسه الانكسارات فرد على عامر : "شهيتي مقبوضة..." لم تستطع نشوة العطلة اختراق حصون مآسيه ، و لم ينل لقاء الحبيبة من جبروت ظلمة تغشى نفسيته ، عندها اقتحم أحد الحرفيين الغرفة " إننا نتعرض لهجوم !"
هب ناصر حاملا سكينا ، و تبعه عامر يحمل هراوة غليظة ، و بدأ الكر والفر في دروب السوق المظلمة و رحابه الحالكة ، و الرجم لا يتوقف حتى طووقهم رجال الأمن .
مضت ساعة داخل غرفة المخفر الباردة المظلمة بدون بارقة أمل ، و بدأ الفريقان المتحاربان يلوقون باللوم على أنفسهم و يتوجسون من هذه الورطة و ما يخبئه الليل من عاقبة وخيمة ، بينما ناصر غمرته حيرة الحرب ، من يستفيد من هذه الحروب القذرة ، من يستطيع كبح تلك الأنانيات الساذجة ، أسئلة بلا أجوبة و مصير غير آمن . عندها نادى عليهم القائد و استقبلهم في مكتبه ، وبدأ يتوعدهم لما اقترفوه من إضرار بأمن البلدة ، وترهيب لأهاليها الآمنين ، في أيام محفوفة بالمخاطر . كانت محاضرته كلها وعيدا و سبا وشتما و الكل ساكت فباشره ناصر : " إنهم من بدأوا العراك و اقتحموا السوق !" فأجابه القائد بجفاء : "أيها المشاغب المشاكس أنت من سبب هذه الفضيحة ، أنت من يتزعم المظاهرات في الثانوية ، أنت من يكهرب الأجواء ، لماذا لم تذهب إلى قريتك و قد أعلنت العطلة ، إن بقيت غدا في البلدة فسأحرر محضرا يجعلك تندم على اليوم الذي ولدتك فيه أمك ، أيها القاصر الأبله . هذا تحذيري الأخير ، وإن عدتم إلى هذه الفوضى فلن أتوانى في القيام بواجبي ."
خرج ناصر يتأبط ذل الهزيمة ، بينما عامر يمشي إلى جانبه في صمت رهيب ، وصلا إلى الغرفة عند منتصف الليل ، تقلد حقيبته الظهرية : فقال له عامر : " أراك ستغادر .." رفع بصره نحو صديقه مرددا : " كلنا يوما سنغادر ، كلنا يوما سنستسلم ، فالحياة حرب لا تتوقف ..."


قديم 04-22-2014, 08:17 AM
المشاركة 2
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
قصة جميلة واسلوب سلسل ووصف جميل ولا شك ان عناصر القصة مكتملة وفيها من التشويق ما يدفع المتلقي للمتابعة وهي حتما تعالج تيمة مهمة وهي تيمة الحرب والحب لكن النهاية لم تعجبني فمن ناحية يستسلم البطل ومن ناحية اخرى نجده يقول بان الحرب مستمرة فما دامت الحرب مستمرة فلماذا لم يعتبر نفسه قد خسر معركة لكنه لم يخسر الحرب وعبر عن ذلك بقوله مثلا هذه المعركة خاسرة لكن الحرب لم تنتهي بعد لان الحياة حرب لا تتوقف وان غداً لناظره قريب؟

*

قديم 04-22-2014, 02:38 PM
المشاركة 3
اسامه الحجاوي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
اخي العزيز
عندك القدره على نسج الحروف ببراعه
اسلوب جميل سلس يشد القارئ
قصه جميله

قديم 04-27-2014, 11:41 PM
المشاركة 4
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأستاذ أيوب صابر
هي نهاية قاحلة ، فلا البطل صمد لرؤية حبيبته و لا واصل قرع طبول الحرب ، ولا استطاع حسم مواقفه ، لست أريد أن أكسوه ببذلة المقاومة ، و لست أريده ينال مرتبة المناضل ، و لا يمتعني أن أيسر له طريقا إلى النجاح والفلاح ، بل أريده نسخة محبطة ككل تلك النسخ التي أفلس فيها الإقدام ، وآمنت بنهاية التاريخ و التجأت إلى سلبية تهيئ أسباب نجاح الأمم الأخرى ، وهي ترزح في سكرة إحباط مورس عليها قسرا ، فاحتضنته متكاسلة مستسلمة . فمن نكبة إلى نكبة و من عاصفة تسرق منا ما نحبه إلى عاصفة تدوس البقية الباقية و لا استطعنا الصحو من خدر الإحباط ، رغم توالي الصدمات .
شكرا لأنك وضعت اليد على ما أريد الوصول إليه ، فهو مستسلم و رغم استسلامه فالحرب لن تتوقف ، بل مستمرة رغم ما وصنا إليه من دركات ، فلا يزال هؤلاء يمارسون علينا الحروب ، ونحن لا نزال نريد العيش تحت كنفهم رغم تسلطهم ، و لوعة سياطهم ، راضخين لكل أنواع شروطهم المذلة .

تحية تقدير .

قديم 04-27-2014, 11:42 PM
المشاركة 5
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأخ أسامة

أمتعني رأيك في النص
و شكرا على مرورك العطر
كل التحية والتقدير


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: يوم عصيب
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عُدت لمهدي من جديد .. عهد الزهراني المقهى 4 11-14-2014 06:26 AM

الساعة الآن 09:12 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.