احصائيات

الردود
8

المشاهدات
4180
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
08-07-2013, 08:04 PM
المشاركة 1
08-07-2013, 08:04 PM
المشاركة 1
افتراضي الصدى
ضجيج يقرع مسامعه ، يلتفت ذات اليمين و الشمال ، تتسارع خطواته وتتلاحق أنفاسه و سخونة تعتري جسده الفتي ، الجو بارد والطيور متسمرة في أوكارها غير عابئة بأطياف النور المنبعثة من خلا ل سماء كئيبة متجهمة ملبدة بسحب ثقال ، ربما تكون الرعود ما شتت انتباهه . تذكر أنه يسير إلى مقر عمله بعد سفر عقله لبرهة إلى ميادين غاصة بحناجر صادحة لا يستطيع فك ألغاز صداها . تسلح دوما بالعزم وآمن بغد أفضل ، مرح الشباب ساعده على تحمل تلك المصائب التي تحاول فرملة طموحه الجارف ، منذ أن انبلج فجر الحرية و هو يشحذ الهمم ويواسي ذوي الملمات و الشدائد ، رأى رأي العين أناسا قضوا بين يديه وهم مغتسلين بدمائهم الطاهرة ، شهداء تعطرت روحه بطيب روائحهم الزكية ، أسعف من المصابين أفواجا فأفواجا ، يعمل في الخط الخلفي ، يؤمن خطوط الإمداد كمن يهيئ العرائس و يقدمهن قربانا لأنهار الحرية المزدهرة الفياضة .
المكان خال من المارة ، كأن المدينة عزفت عن الاستيقاظ ، كل شبر في هذه الممرات شهد حدثا تأصل في ذاكرته ، أين يقف وعلى بعد أمتار قليلة سقط طفل في يده ثليجة ، يومها كان راجعا لتوه من الميدان ، و قد وعد رفاقه بإحضار بعض من الدواء ، أخطأ القناص رميته لتستقر الرصاصة في جبهة البرعم الصغير لتجعلها أشلاء ، و يده لم تفارق قطعة الحلوى . لفه في معطفه وقدمه لأم أخرستها الصدمة ، هل تعاتبه على مروره بالمكان ؟ أم تبكي طفلها الذي أصر على مغادرة حضنها الدافئ ؟ أم تكشف عن شعرها و ترمي السماء بركلة غير آبهة بالمنغصات و البلاوي المتناسلة ؟ هم بالوقوف مدة أطول احتراما لذلك الطفل الباسل الذي أخذ عنه قبلة الموت ، لكن الأصداء والهتافات لا تزال تتناهى إليه فواصل المسير .
وصل أخيرا إلى مقر عمله ، تسللت أنامله إلى جيبه ليجده ممزقا ، لا يعرف أين أضاع مفتاح الصيدلية ، جمع بعض أوراق متناثرة على بابها تفطن إلى غبار يعلوه كما لو أنه موصد لشهور و ربما لأعوام ، لا بأس فالقذارة واحدة من ضرائب الحرية ، تذكر معشوقته الحورية فضرب الباب الفولاذي المشمع ضربات متوالية وصاح بصوت عال في وجه الظلم والطغيان مرددا ما يصل إليه من صدى الميادين . انساقت رجلاه لعبير الحرية و صوتها المرعب لواصل المسير . فقد رشده للحظة عابرة فتساءل : " إلى أي ساحة سأذهب في هذا الوقت المبكر ، و ما حاجتي للذهاب هناك بأيادي فارغة ، لا دواء ولاطعام ؟ " تملكته حسرة خيانة الوطن في لحظة حاجة كأنه تولى عند الزحف أو باع خطة صمود للأعداء ، لا يزال يفكر ورجلاه تسابقان الريح :" اليوم سأكون في الخط الأمامي ، ربما أنال ما ناله الأوفياء ، لماذا اخترت التقوقع في الخلف ؟ تراني أحمل في نفسي جبنا من نوع ما ؟ تراني لا أستحق شرف الشهادة ؟ اليوم سأكفر عن قصوري في البذل والعطاء ، أنهيت مالي يجب أن أعطي حياتي ." وجد نفسه بجانب مقبرة الشهداء ، سلم عليهم وعيناه تفيضان دمعا ، و هو يقبل قبر الطفل ، ويترحم على الشهيدة التي حاول إحياءها من رقادها و هي طبيبة في مقتبل العمر ، تذكر ملامحها و ضحكتها ونغمتها فردد على قبرها ، معشوقتي وداعا ، حبيبتي حوريتي وداعا ، و داعا يا حورية ، وانقض حاضنا قبر أخيه نائحا مسترسلا : أينك أخي ، تركتني وحيدا ، أبي لا يزال في غيبوبة منذ رحيلك ، أمي أصابها ما أصابها وتأبى الاستسلام ، تذكر روحانية المكان وقدسية الشهادة فأمسك عن البكاء ، استفزته الأكياس البلاستيكية التي تفسد جلال المقبرة ، فطفق يجمعها كيسا كيسا إلى أن سمع هيجانا قادما من بعيد ، ألقى الأكياس مواصلا المشوار .
أذهله خلو الميدان من الخيام ، السيارات تسير في نظام محترمة أضواء المرور عند ملتقى الطرق ، و سط الساحة حيث كانت تلقى الخطب وتصنع الشعارات ، يقف نصب تذكاري لجندي مجهول بلباس مدني ، رأى في وجهه نضارة حورية ، و في كتفيه عرض أخيه البطل ، وفي يده يحمل شيئا خيل إليه أنه قطعة حلوى . صوت هادر يحوم حول الجثة الحجرية الهامدة المتمادية في غيبوبة والده ، يحس ضربات تنهال على ظهره ، يسمع صوتا قويا لحراس العهد الجديد : " ابتعد أيها المجنون لا تلوث رحاب المعتصم المجهول ! "


قديم 08-08-2013, 12:49 AM
المشاركة 2
صفاء الأحمد
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رائحة الشهادة تفوح من بين حروفك هذه المرة .. جميل أستاذ ياسر ..
بل و رائع نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نجمات خمس ..

مودتي .



أدرتُ ظهري للشفق ، وسرت بخطٍ موازٍ للنور ،
و كأنّ المغيب لا يعنيني !!


قديم 08-15-2013, 12:32 AM
المشاركة 3
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


شكرا لك الأخت صفاء الشويات ، ويسعدني دائما أن أجدك أول من يرحب بما كتبت .


قديم 08-16-2013, 01:13 AM
المشاركة 4
محمد غالمي
كاتب وقاص مغربي
  • غير موجود
افتراضي
الأخ ياسر علي.. تشرفت والله وأنا أصغي لصوت الحروف ونبر العبارات وكأنها ترجع صدى الشهامة مجلجلا.. حقا نحن بإزاء نموذج نضالي عالي الهمة، ناكر للذات في سبيل أجل ما يطمح إليه كل مواطن غيور على قيمة الحرية..
لا هنت ولا هان ما وشحت به صدر المتصفح من رائق الإبداع..
كل التحايا لك..
محمد غالمي

قديم 08-16-2013, 01:22 AM
المشاركة 5
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أمثالُ هؤلاءِ الأبطالِ قليل بل نادرٌ في هذا الزمان ..

رائعةٌ بالفعل أخي الكريم ~ ياسر

~ ويبقى الأمل ...
قديم 08-19-2013, 12:21 PM
المشاركة 6
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأخ ياسر علي.. تشرفت والله وأنا أصغي لصوت الحروف ونبر العبارات وكأنها ترجع صدى الشهامة مجلجلا.. حقا نحن بإزاء نموذج نضالي عالي الهمة، ناكر للذات في سبيل أجل ما يطمح إليه كل مواطن غيور على قيمة الحرية..
لا هنت ولا هان ما وشحت به صدر المتصفح من رائق الإبداع..
كل التحايا لك..
محمد غالمي


الشكر لكم أستاذي على هذا الإغناء للنص
أبهجني ردك القيم
تقبل احترامي


قديم 08-19-2013, 12:31 PM
المشاركة 7
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أمثالُ هؤلاءِ الأبطالِ قليل بل نادرٌ في هذا الزمان ..

رائعةٌ بالفعل أخي الكريم ~ ياسر


سلام الله عليك أستاذة أمل

و يبقى النضال مستمرا ما طال عمر الظلم
ولكل جيل طرقه و أساليبه في مواجهة الجور و القمع
شكرا على ردك الذي أضاف للنص ألقا و فائدة .


قديم 08-19-2013, 06:45 PM
المشاركة 8
آية أحمد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
صدى الحريّة لا يستقرّ إلاّ في النفوس الأبيّة
التي عافت الركود في المستنقعات الآسنة
فشدّت الهمّة للسموّ عاليا على بوراق الشهادة.

رائع كعادتك في اصطياد اللقطة المؤثرة التي
تشدنا للقراءة وللتحليل أيضا...

دمت مبدعا يا ياسر...

قديم 08-22-2013, 10:43 AM
المشاركة 9
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
صدى الحريّة لا يستقرّ إلاّ في النفوس الأبيّة
التي عافت الركود في المستنقعات الآسنة
فشدّت الهمّة للسموّ عاليا على بوراق الشهادة.

رائع كعادتك في اصطياد اللقطة المؤثرة التي
تشدنا للقراءة وللتحليل أيضا...

دمت مبدعا يا ياسر...


قراءة واعية مختصرة نفذت إلى عمق النص .
كامل التقدير و الاحترام




مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الصدى
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الشيخ جوجل!! عمرو مصطفى منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 2 09-21-2018 07:29 PM
قبل رجوع الصدى .. فتحية الحمد منبر القصص والروايات والمسرح . 2 07-26-2015 06:00 PM
مقطع رائع بصوت الشيخ فيصل الشدي الوجيه محمد منبر الحوارات الثقافية العامة 0 12-28-2011 03:31 PM
آدم...دع الصيد جانبا نهاد رجوب المقهى 1 02-02-2011 03:55 PM

الساعة الآن 02:49 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.