قديم 11-24-2020, 08:57 PM
المشاركة 11
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: رحلة امرأة تخطّت الستين
(1)
( جاءت الرابعة )
في الليلة الرابعة عشرة من شباط فبراير عام (1959) م وفي مدينة السلط الأردنية جئت إلى الدنيا ، حيث تألمت أمي حين فاجأها المخاض ، كأول ألم تشعر به بسببي .، جاءت صرختها بعمق الليل البارد كجرس المنبه المزعج ، هزت بها أركان البيت .. فاستيقظتْ على صوتها المثقل بالوجع حنان وهيام أختاي اللواتي يكبرنني بسنوات قليلة .. واستيقظ أبي من نومه، ومن فوره ، غادر الغرفة وبملابس النوم تلفّع بعباءة صوفية وخرج من البيت ، نادته أمي : يا أبا حنان ، اغسل وجهك قبل أن تخرج فالجو بارد جداً ، اذهب وأحضر القابلة .. ردّ وهو يقفل الباب خلفه ، أعرف أعرف ، سأعود سريعاً اصبري ولا تقلقي .ثم قال لحنان : انتبهي لأمك .
جلست حنان وهيام بالقرب من سرير أمي وهي ترتجف برداً وقسوة الطلق تزيد من إحساسها به ، لم يغب أبي طويلاً ، فبعد عشر دقائق عاد برفقة القابلة ، وما أن جاءت الطلقة الثانية حتى كانت القابلة تقف على رأس أمي تساعدها على الميلاد بسرعة ، ولكن في هذا الجو البارد يبدو أنه طاب لي أن أمكث أكثر في بطنها ..فهناك الدفء والأمان والراحة ، فتعسّرت الولادة لساعات ٍقليلة لكنها كانت طبيعية ..وسُمعتْ صرختي الأولى وأبي وأختاي يقفان خلف الباب ينتظران ماذا ستقول القابلة متين ..
اسمها متين تلك القابلة التي أخذت بيدي وساعدت أمي في حضوري إلى الدنيا ، وهي مسيحية معروفة في ذلك الوقت على مستوى مدينة السلط ، وما أن سمع أبي صرختي حتى نادى من خلف الباب يسأل : ها ، ولد أم بنت ؟
تركتني القابلة عارية غارقة بالدم ، وما زال الحبل السُّري معلقاً بأمي وفتحت الباب ناكسة الرأس حزينة تقول لأبي : قل أولاً الحمد لله على سلامة الأم ، لقد جاءت الرابعة يا أبا حنان.
اغرورقت عينا أبي بالدمع لأنه كان يأمل أن أكون ولداً ، هز برأسه وخرجت من صدره تنهيدة متقطعة قائلاً بصوت مخنوق : الحمد لله ..
قالت متين : إنها جميلة، مثل القمر والمثل يقول : ( البنت الحلوة نص مصيبة )
عادت متين وأغلقت الباب لكي تقطع آخر ما علق بي من بطن أمي وتغسلني وتلبسني الثياب التي ورثتها من أختي التي تكبرني ، والتي كانت أصلاً من صنع يدي أمي فهي خياطة ماهرة , فلم يكن أبي قادراً على شراء ملابس جديدة للمولود الجديد ، ولا حتى قماشاً لتخيطه ، فقد كان موظفاً براتب بسيط بالكاد يكفي لتلبية الحاجيات الأساسية ، ثم إنهم لم يكونوا في ذلك الوقت يعرفون إن كان المولود ذكراً أم أنثى ، ليس مثل أيامنا هذه فالحامل تعرف جنس المولود بعد أسبوعين على الأكثر فتجهّز له ما لذ وطاب من الملابس الدخلية والخارجية والسرير والغرفة الخاصة به وألعابه ووو، أما على زماني فلا يُعرف جنس المولود إلّا بعد أن ترفعه القابلة من قدميه ورأسه منكوساً إلى أسفل .
بعد قليل دخل أبي يقول لأمي لا تحزني ، الله يعطيك أخاً للثلاثة ،
نحن ثلاثة فقط ، علماً بأنني رقم 4 لأن البنت التي كانت قبلي لاقت ربها وعمرها سنتان.. فأنا كنت الرابعة الثالثة ..ومتين تؤكد على دعوة أبي قائلة : يا أم حنان ، شدي حيلك القادم ولد ، وكأنها متأكدة تعلم بالغيب بأن القادم ولد .
يتبع )))

قديم 11-25-2020, 12:14 AM
المشاركة 12
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: رحلة امرأة تخطّت الستين

ما أجمل وصفك حتى للتفاصيل الدقيقة ..

أ. ناريمان
كلي شوق للقادم من مذاكراتك
لكِ أجمل تحية من أختك ~

~ ويبقى الأمل ...
قديم 11-25-2020, 01:14 PM
المشاركة 13
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: رحلة امرأة تخطّت الستين

ما أجمل وصفك حتى للتفاصيل الدقيقة ..

أ. ناريمان
كلي شوق للقادم من مذاكراتك
لكِ أجمل تحية من أختك ~

العزيزة أمل
شكراً لك .. جبرت بخاطر هذه السيرة التي أرجو ألّا تكون مملّة
لك محبتي
وتحية من القلب ... ناريمان

قديم 11-25-2020, 05:00 PM
المشاركة 14
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: رحلة امرأة تخطّت الستين
( 2 )

( أخاف من النملة )
وقبلَ أن تغادرَ القابلة ُ بيتـَنا ، كان اسمي قد حضرَ واتـُّفقَ عليه , بإشارةٍ من القابلة ، فأسموني ناريمان ، وفي اليوم التالي سجلني أبي في دائرة الأحوال المدنية ، اسم المولود : ناريمان ، اسم الأب : محمد شافع ، اسم الأم : حنيفة المشهورة ب نهلة .وتاريخ الميلاد : الساعة الحادية عشر ليلة 1959/2/15م

وبعد سنوات وفي أول يوم لي وأنا أستعد للذهاب إلى المدرسة سألتُ أمي : لماذا أسميتموني هذا الاسم ؟ وماذا يعني ؟ قالت : يييي(1) ألا يعجبك اسمُكِ ؟ اسمُك أحلى اسم بالدنيا ، أصله فارسي، ومعناه الجميلة ذات القوام الممشوق كما أن ناريمان اسم مذكر عند الإيرانيين ويطلق على بطل أسطوري هناك.وتسمّت به زوجة الملك فاروق ملك مصر ، قالت هذا ، وهي تقبض على خديّ تداعبني بإصبُعيها تقرصهما.وتقول لي : انتبهي أريدك الأولى .

أرضعتني أمي الحنان ستة شهور - رغم ضعفها - فحصلتُ على ما يحتاجُه أي رضيع من صدر أمه من حنان وغذاء ، حيث أنّ جسدها بدا ضعيفاً بسبب الحمل المتكرر .
وبعد سنتين لم يَعدْ الزحفُ وسيلتي للتنقل من مكانٍ إلى آخر ، بدأتُ أدبُّ على الأرض مشياً وأختاي يعلمانني كيف أمشي ، وكلّما تعثـّرت وسقطت أرضاً تأخذ هيام بيدي وتساعدني على الوقوف مرة أخرى ، وأعاودُ الكَـرّةَ بلا ملل ، وعندما بلغت من العمر أربع سنوات بدأتُ أشارك أختيّ "حنان وهيام" في اللعب كانت أحلاها لعبة ( بيت بيوت ) (2) وطال لساني وأصبح - على رأي أمي - بأربع شُعب فصرت أشارك بالنقاش والمشاجرات الكلامية ،
حدثتني هيام كيف بدأت أمشي وكيف تعلّمتُه وكانت تختلط روايتُها بالضحك والقرقرة ساخرة مني ، وكأنها نزلتْ من بطن أمي تمشي على قدميها !، كان هذا الدرس الأول في حياتي وهو ( الطفل لا يمشي من أول محاولة ) ، كنا نبتلع نهار الصيف بطوله ما بين لعب ومشاجرة وعندما يحين موعد النوم ، تتدحرج البطة ، هذا هو لقبها ، لأنها كانت سمينة وقصيرة ، تسبقني إلى الفراش لتأخذ مكانها فألحق بها لأنام تحتَ قدميها ، فالإمكانيات لم تكن تسمح بأن يكون لدي فراش منفرد ، فكنتُ وإياها ننام على ذات الفراش بشكل متعاكس كسمكتين متآلفتين في علبة السردين ، هنا تعلمت المشاركة ، وكيف أقتسم الشيء مع الآخر من غير تذمر . فلم تكن رجلاها تؤذيني عندما ترفصني بهما أثناء النوم .
ولما شبت أعوادنا ، سرد الحكايات كان وسيلةً للتسلية والضحك ، كنا نجلس في حضير(3) بيتنا الأرضيّ بعد أن نُنهي عمل البيت وأمي تجلس معنا تحدثنا عن طفولتنا ، فقالت لي : سأحكي لك حكاية النملة ،
ذات مساء صرختِ فجأةَ وبقوةً وكنتِ ما زلتِ بالكوفليّة (4) حملتـُك ألملم فزعك المفاجئ ، وصرتُ أهزّك وأهدهدك بين يدي وأغني ( هيه هيه .. نني ننّي ) (5) ، قائلة في نفسي لعلّك تريدين أن تُحملي لتشعري بالدّلال وأنا أنظر في وجهك والدموعُ تملأ خديك ، فصراخك لم يكن مألوفاً ولا عاديّاً ، قلت لعلّه المغص الذي يصيبُ الصغار، لكن صراخك لا يدلّ على علةٍ بدنية ، ولما استمرّ صراخك بلا انقطاع ، دبَّ الرعب في قلبي خوفاً عليك ، فأسرعتُ إلى جارتنا جليلة علّها تفهم ما يجري ، فهي تكبرني بكثير ، وضعتْكِ على السرير وصارت تخلع عنك الملابس طبقة تلو الأخرى بسرعة وتتفحّص جسدك بكفتي يديها وعينيها ، وإذ بنملةٍ تقبض بأسنانها على إصبع رجلك الصغير ، أزاحتها بسرعة ، فتوقفتِ عن الصراخ ، وما زالت نبضات قلبك تتصاعد .
منذ ذلك الوقت وبعد أن سمعتُ هذه الحكاية من أمي وأنا أكره النّمل بكل أنواعه ، وأخاف منه ، حتى أنني أرتجف إذا قرأت كلمة ( النملة ) مكتوبة على سطر ،
وأذكر جيداً درس ( النملة العنيدة ) وأنا في الصف الثالث الأساسي ، يحكي عن النملة العنيدة التي تحمل حبة القمح بأسنانها وتصعدُ الصخرة ، فتسقطُ وتعاودُ المحاولة مرات ومرات حتى تصلَ إلى الهدف ، ومع كل صعود لها ونزول كنت أشعر أنها تتبختر على جسدي وأنا الصخرة البلهاء ، وعلى الرغم من الإحساس بالقشعريرة - الذي ينتابني كلما قرأت الدرس – إلّا أنني تعلمتُ جديداً ، العناد والتصميم ، وأنْ ليس بالضرورة أن يحصلَ المرءُ على الدرس ممنْ يحبُّ ، فقد تتلقى درساً ممن لا تحبُّ، أو ممن تكره.

(1) ييييي : باللهجة الفلسطينية ، تعني لا عليك
(2) بيت بيوت : لعبة شعبية فلسطينية ، خاصة بالبنات ، تلعبها الصغيرات وكأنهن جارات فيقمن بزيارة بعضهن بعضاً وتقدم كل واحدة بالضيافة اللازمة للضيفة ، وأحياناً تحمل إحداهن لعبتها معها .
(3) حضير : كلمة عامية تعني ساحة البيت الصغيرة .
(4) الكوفليّة : بطانية صغيرة خاصة بالطفل الرضيع ، يُلف فيها بإحكام .
(5) هيه هيه ، ننّي ننّي كلمات ترددها الأمهات الفلسطينة لكي ينام الصغير .



قديم 11-26-2020, 01:23 PM
المشاركة 15
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: رحلة امرأة تخطّت الستين

(3)
((سمر .. والاستقبال الباهت ))

سنةٌ أخرى تمرّ من عمري ، لا أعرفُ كيف انقضت سابقتُها ، كل ما أعرفه من تلك السنة أن أختي حنان صنعت لي دمية من القماش ، كنت أتابعها وهي تصنعها لي ولمّا كبُرتُ صرت أصنع لعبي بنفسي بالمحاكاة والتقليد ، أحضر زراً دائرياً وألف حوله قماشاً أبيض وأربطه من الخلف فيكتمل بذلك وجه الدمية ، ثم أثبته بالخيطان في أحد طرفي عود خشبي بالطول وهذا جسم اللعبة وأثبت آخر بالعرض كأنهما يدا دمية ، بعدها أرسم العيننين والشفتين والأنف بقلم من الحبر الأحمر ، وألفّها بقطعة قماش ملوّنة واثبّـته بحزامٍ أربطه على وسطها ، فتصبحُ دمية جميلة ،
كانت صناعة الدمى مسلاتـَنا في وقت نفتقر فيه إلى وسائل التسلية وممنوع علينا اللعب في الخارج لأننا بنات وكلما أنجبت أمي بنتاً كنت أصنع دمية جديدة ، وعادة تبيتُ الدمى في حضني عند النوم ، صار عندي ثلاث دمى ( حنان وهيام وختام التي سبقتني وغادرت قبل أن أراها ) .
أما أمي فتبدأ رحلة حمل جديدة ، هي الخامسة في السلسلة
هذه المرة كانت الرحلةُ مليئةً بالأوجاع ، لكنها أوجاع لذيذة ، فطوال فترة الحمل لم يُسمع لأمي شكوى ، الانتظار هو الشيء الوحيد الذي كان يُزعجها مع ما يرافقه من أحلام ، وحان الموعد ، الولادة هذه المرة كأعسر ما يكون ، وهذا أيضاً جعلها تشعر بالاطمئنان ربّما لتؤكدَ لنفسها أن هذا التعسير يخصّ الصبيان دون البنات ، هكذا كانت نساء الحي يردّدن حول تجارب الحمل والولادة ، فترى عينيها تتلألآن فرحاً ، وكلما واتتها طلقة من طلقات الميلاد ، كانت تلقي القبض على الألم ، تراوغ الأسى ببراعة وتمضغ الوجع باقتدار ، والوحشةُ مزروعة فيها ، ولا تكاد تُبين ، كمن يحتمل وخز الشوك المزروع في طريق طويلة نهايتها الفرح ، وتختلط الفرحة المخبوءة بالألم الظاهر ، كانت مبتهجة تتحسّس بطنها ويكأنها تحاكي ما فيه قبل أنْ يأتي ، وتخاطبه بنبرة أمّ تترجّى ، أرْفق بأمّك يا صبي ، وحتى تختفي فرحتُها المخلوطة بالوجع تنتقل من مكان لآخر كعشواءَ تمشي تبحث عن خليل مؤازر ، ثم تستلقي على السرير وتحلم ، ماذا سألبس وأنا أستقبل المهنئات ، وتعضّ على شفتيها تخرج من بينهما ابتسامةٌ تقول فيها :سألبس فستاني الأحمر وأضع على كتفي الشال الأبيض المطرّز بالغرزة الفلسطينية ، والذي أهدته لي أمي وأنا البنت المدللة بين الأخوات وكبرى البنات الأربعة في بيت أبي قبل أن نهاجر إلى الخليل .

لقد كانت أمي غريبة ، فأهلها من أصحاب الهجرتين الأولى كانت رحلة عام النكبة 1948 من إحدى قرى فلسطين ، حين ترك جدي فيها مساحة شاسعة من أرضه المزروعة بالحمضيات وبيته ، ولكنه آثر الهجرة والفقر والذلة على البقاء في الوطن ، فما أصعب أن يُخيّر المرء بين أمرين أحلاهما مرّ ، ففي ذلك الوقت كانت في بيت جدي أربع صبايا أمي وأخواتها الثلاث ، وكان يتنامى إلى مسمعه أن جنودَ الاحتلال الصهيوني يقتحمون البيوت ويحطمون الممتلكات ويغتصبون البنات أمام آبائهن ويقتلون الرجال ، ويشقّون بطون الحوامل ، وقد شاهد معظم أهالي القرية ينجون بشرفهم وبناتهم ، ويروون القصص الفظيعة عن دير ياسين صاحبة المذبحة الأشهر في تاريخ فلسطين ، فكيف لا تكون الهجرة خياراً ؟!
حمل جدي ما كان معه من قرش أبيض ليومه الأسود ، فلن يكون هناك أسود من هذا اليوم ، ترك كل ما يملك هناك وهاجروا إلى الخليل مع من هاجر ، واستقر حالهم في مدينة خليل الرحمن بالقرب من سيدنا ابراهيم عليه السلام حيث مدفون في مغارة الماكفيلا هو وزوجته التي يحبها السيدة سارة عليها السلام .
أما الهجرة الثانية فكانت خلال النكسة عام 1967م ، حين ترك جدي الخليل ، في الضفة الغربية لنهر الأردن وما تبقى له من وطن في فلسطين ، وهاجر إلى السعودية.

وتكمل أمي حلمها مستحضرة كل المشاهد المؤلمة ، وما بين الهجرتين ، تزوج أبي بأمي في الخليل ، بعدها انتقل بحكم عمله إلى السلط ( في الضفة الشرقية لنهر الأردن ) ، كل هذه المشاهد تمرّ سراعاً وكأنها شريط فيديو يُعرض أمام عينيها على شبكية عينيها الرطبة بالدمع ، فكانت المشاهد غير واضحة ، لكن المشهد الأقوى هو انتظارها للولد ، وما زالت طلقات الميلاد تهبط وتعلو .
في كل مرة المنتظرون خلف باب غرفة الباب يزيدون واحداً ، اليومَ أقفُ مع الجموع التي تتنصت خلف الباب ، ولا أشعر بأي شعور سوى الغيرة من المولود القادم ، فقد يأخذ الكثير من اهتمام العائلة ، كما أن جدتي أمّ أبي الحاجة صديقة كانت بالداخل ترقب الحدث لحظة بلحظة ، وبين اللحظة والأخرى كانت تقول لأمي بنبرة غضب واستهتار بوجعها : يا حسرتي ، والله إن كانت أتجبت بنتاً هذه المرة ، سأزوج ابني بامرأة أخرى لتأتيهِ بالولد ، وأمي لا تردّ بل تكتفي بالألم وتختنق فيها العَبرة ، وأبي خلف الباب يقتل الوقت بالأكل ،وبعد حين ، اخترقت صرخة صغير من الشباك المكسور المثبت في أعلى الباب ، فهجم الجميع ينتظر الخبر ، لم تخرجْ جدّتي لتقول لأبي رزقك الله بصبي ، تأخرتْ ، ماذا يحدث يا ترى ؟! دقّ الباب بحذر وقال : أمي ، بشرّي ، لم تفتحْ جدتي البابَ ولم تردّ عليه بكلمة تمسحَ القلقَ عن وجهه المكدود ، فنادى أخرى وأخرى ، فخرجت جدّتي غاضبة بعد ذلك تقول : علامَ العجلة ، وهل تتوقع من أم حنان غير البنت ؟! قالت هذه الجملة ودخلت ، قال بصوتٍ خافت يعني بنت بنت ، يتجول في الغرفة كالمعتوه وهو يقلب كفيه ويقول : لا حول ولا وقة إلا بالله ، بنت ، بنت
وصار يتخبط يمنة ويسرة ويصبّ جامَ غضبِهِ علينا ، فلم يكن في البيت سوى ثلاث بتلات من أم ضعيفة ، يبدو أن القابلة سمعتْ الجلبة الآتية من الخارج وسمعت صوت أبي ، خرجت وقالت بصوت مرتفع تريد بصوتها رسالة تصل لجدتي بذات الوقت : يا رجل ، قل : الحمد لله فقد كنا سنفقد أم حنان ، كنت أرمّم ما تفتت من زوجتك نتيجة الولادة العسرة ، عليك أن ترضى بما اختاره الله لك ، هل أنت خائف ألّا تستطيع إطعامها ؟! المولود يأتي رزقه معه ، لمَ كل هذا الغضب ، ثم دخلت وأغلقت الباب بقوة ، لم ينبس أبي ببنت شفة ، ابتلع ريقه وغاب عنا ، لم نرَ وجهه حتى صباح اليوم التالي ، حين حملَ المولودة بين يديه وهو يؤذن " الله أكبر، الله أكبر " ويكمل الأذان في أذن الصغيرة مرفقاً بدموع سخية ،وبين الفينة والأخرى يزيحُ بصره نحو أمي ينظر إليها نظرة إشفاق ، اقتربْت من أبي أتأمل المشهد وأستشعرُ استمرارية موجة غضبه التي اجتاحته يوم أمس، فتعلقت ببنطاله وسألته - بصوتي الصغير- ، هل تكرهها ؟ أنت لا تريدها ، صح ؟ شو اسمها يابا ؟ ، نظر إلي باسماً وقال : أحبّك أكثر منها ، وسأسميها سمر ، هززتُ رأسي وزممت شفتيّ وأنا أبتسم ابتسامة بريئة مبطنة ، اطمأننت فيها أنني الأغلى .

قديم 11-27-2020, 07:51 PM
المشاركة 16
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9

  • غير موجود
افتراضي رد: رحلة امرأة تخطّت الستين
رحمةً بكل الأشياء الجميلة التي قرأتها هنا
لن أتنازل عن متابعتها
كلّما آويت على أسرة الشوق لقراءتك
غيْرت سياج المسافة،
واحتملت حدوداً شائكة لأبقيَها
الفرح يتسلل على وجهي
لا أستطيع إخفاءه
يبلل مشاعري
يجعل في عيني بريقاً
وفي وجهي صفاءً
بانتظار البقية مو رحلتك الجميلةًنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

قديم 11-27-2020, 10:22 PM
المشاركة 17
فاطمة جلال
مراقبة سابقة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: رحلة امرأة تخطّت الستين
أكملي يا صديقتي فأنا يعحبني هذا النوع من السرد

سأتخذ زاوية هنا ...

محبتي والورد

قديم 11-28-2020, 12:02 AM
المشاركة 18
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: رحلة امرأة تخطّت الستين
رحمةً بكل الأشياء الجميلة التي قرأتها هنا
لن أتنازل عن متابعتها
كلّما آويت على أسرة الشوق لقراءتك
غيْرت سياج المسافة،
واحتملت حدوداً شائكة لأبقيَها
الفرح يتسلل على وجهي
لا أستطيع إخفاءه
يبلل مشاعري
يجعل في عيني بريقاً
وفي وجهي صفاءً
بانتظار البقية مو رحلتك الجميلةًنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

حبيبتي أنت
أرجو أن تظلي بالقرب فهذا يسعدني
خالص محبتي أيتها الغالية
وشكراًنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
تحية ... ناريمان

قديم 11-28-2020, 12:04 AM
المشاركة 19
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: رحلة امرأة تخطّت الستين
أكملي يا صديقتي فأنا يعحبني هذا النوع من السرد

سأتخذ زاوية هنا ...

محبتي والورد
أجمل الزوايا لك يا عزيزتي
فأنت أحب الأسماء لدي
شكراً وخالص مودتي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
تحية ... ناريمان

قديم 12-01-2020, 01:19 PM
المشاركة 20
حمزه حسين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: رحلة امرأة تخطّت الستين
سلام على فلسطين الصمود
على قدس المحبه
على جورية الأرواح
على مدرسة الفداء

تنادي جنينُك نخلَ العراق ** فأسمعُ في الرافدين الصدى
سلامٌ عليكِ .. على الصابرين ** على المفتدي .. وعلى المفتدى

رائعة أنت يا همسة فلسطين
جمييييل
أكملي أستاذتنا
وقبلها تحياتي


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: رحلة امرأة تخطّت الستين
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قلب امرأة علي محمد الفشني منبر الشعر العمودي 1 12-04-2020 05:28 PM
الفرق بين: (رحمة الله) و (رحمت الله) .. ماجد جابر منبر الدراسات النحوية والصرفية واللغوية 9 11-29-2019 07:52 AM
الفرق بين (( رحمة الله - رحمت الله)) ..!!؟؟ هند طاهر منبر الحوارات الثقافية العامة 2 01-09-2016 10:45 AM
مكر امرأة... ريما ريماوي منبر القصص والروايات والمسرح . 8 05-22-2014 11:34 PM
رحلة امرأة خولة الراشد منبر البوح الهادئ 15 11-18-2012 05:12 AM

الساعة الآن 10:11 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.