احصائيات

الردود
2

المشاهدات
5466
 
عبد اللطيف السباعي
من آل منابر ثقافية

عبد اللطيف السباعي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
84

+التقييم
0.02

تاريخ التسجيل
Aug 2014

الاقامة

رقم العضوية
13114
09-11-2014, 03:57 PM
المشاركة 1
09-11-2014, 03:57 PM
المشاركة 1
افتراضي سر الابداع وآليات توليد القصيدة لدى الشاعر المغربي عبد اللطيف السباعي (غسري)
سر الابداع وآليات توليد القصيدة لدى الشاعر المغربي عبد اللطيف السباعي (غسري)

حوار أجراه معه الأستاذ الأديب والناقد أيوب صابر، صاحب نظرية "دور المعاناة في تحفيز الطاقة الإبداعية"

س1 - في رأيك من اين تأتي القصيدة لديك؟ سُئل بابلو نيرودا مره هذا السؤال فقال انه وحينما كان طفلا يلعب بلعبة من القماش امام سور فيه فتحه وكان قد وضع يديه في تلك الفتحة احدهم خطف تلك اللعبة من الجهة المقابلة وذهب؟ ماذا تقول انت من اين يأتي الابداع لديك؟

ـ تنبثق فكرة الكتابة لدي في لحظة من الشرود الذهني الذي أنساق إليه لاشعوريا، فأجدني أفكر في موقف معين شهدتُه في حياتي اليومية أو في لحظة من الزمن مرت علي فتركت في نفسي أثرا تترجمه الملكة الشعرية لدي فأهب إلى كتابة ما خطر ببالي من أبيات شعرية في هذا المقام. والحقيقة أنني لا أتخذ قرارا مُسبقا بالكتابة بل أجدني مدفوعا إليها في معظم الأحيان برغبة جارفة لا أعرف من أين تأتي وإن كنتُ أعرف سببها.. إنها لحظة شرود يكتنفه التأمل في موقف من المواقف أو الإذعان لشعور عاطفي ما.

س2- لمن قرأت من الشعراء؟ وهل كان ذلك صدفة ام اختيار؟.

ـ منذ السنين الأولى لطفولتي كنتُ شغوفا بالمحفوظات والأناشيد التي كنا نتلقاها في المدارس، ثم اهتديتُ فيما بعد إلى شئ اسمه الشعر العربي فوجدتُني أتلهف على قراءته أيا كانت المصادر التي أتزود به منها. كنتُ أقبل على قراءة الشعر العربي القديم ، جاهليا كان أو إسلاميا أو أمويا أو عباسيا.. تدفعني إلى ذلك الرغبة في استكشاف هذا العالم المثير الذي أثارني منه بداية الأمر ما نسميه بالإيقاع. كنتُ أقرأ وأعجب لهذا التناسق البديع الذي أحسه وأراه بين أشطر القصيدة الواحدة ويأخذني طرب عجيب ونشوة فائقة. ثم ألفيتُني أمسك بالقلم وأحاول تقليد ما أقرأه كتابةً. ومن هنا بدأ لدي الشغف بالكتابة الشعرية... كنتُ أقرأ لمعظم الشعراء القدامى وأقرأ أخبارهم وسيرهم وكنت أجد في ذلك متعة كبيرة.

س3- هل قرأت المتنبي وكيف كانت قراءتك له؟ هل اقتصرت على الديوان ام قرأت الشروح؟ وهل قرأت المعلقات؟

ـ لعل المتنبي هو الشاعر الذي كان له أكبر الأثر في تهذيب سليقتي الشعرية إن صح التعبير. كنتُ وما أزال عاشقا لهذا الشاعر العملاق الذي لا أرى أن الزمان قد يجود بمثله مهما تعاقبت العصور ومهما ظهر في آفاقنا الشعرية من فراقد شعرية مشهود لها بالألق والتميز. إنه شاعر فريد في لغته وفي البناء الفني للقصيدة لديه. وإذا صح ان ننعت شاعرا بالعبقرية فلا أرى شاعرا من شعرائنا القدامى أو المحدثين من يستحق هذا النعت أكثر من المتنبي. أشكرك على سؤالك إياي عما إذا كنتُ متأثرا بالمتنبي لأنه هو أحب الشعراء إلى نفسي وآثرُهم لدي وأشدهم إمتاعا لي.

س4- يرى الناقد يوسف اليوسف ان المكون الفني هو نتاج المكون النفسي ولذلك هو يرى ان عبقرية المتنبي مثلا نابعة من نرجسيته وساديته وهي التي شكلت الطاقة الدافعة التي اغنت المكون الفني لديه ..ما رأيك بهذا القول؟ وهل ترى ان هناك علاقة بين ابداعك الفني والمكونات النفسية لديك؟

...
ـ لا شك أن قصائدي هي ترجمة صادقة لمشاعري وأحاسيسي وتأملاتي الفكرية والعاطفية.. فأنا لا أكتب حبا في الكتابة في حد ذاتها بل أكتب لأنني إن لم أكتب فسوف أغص بما لدي من تأملات عاطفية وفكرية، والكتابة هي المتنفس الوحيد لدي.. فأنا لا أدخن ولا أشرب.. وطبيعة عملي كأستاذ مدرس تفرض علي الانتباه إلى سلوكي العام وأخذ جانب الحيطة في التعامل مع الذات والآخر.. لذلك أجد في الكتابة منفذا لكل ما يعتمل في فكري ووجداني من مشاعر وأفكار.. بل إنني حين أكتب قصيدة ما لا أختار وزنها ولا رويها ولا قافيتها. كل ذلك يأتي بشكل تلقائي استجابة للداعي العاطفي أو الفكري الذي دعاني إلى الكتابة.

س5- في دراستي حول العبقرية والخلود وعلاقتها باليتم خلصت الى ان سمة الخلود والبقاء هي احدى مقايس العبقرية وهي مؤشر على مدى ما يتمتع به المبدع من طاقات كنتيجة لمآسي طفولته ..اين انت من هذا الاستنتاج؟ وهل تعتقد ان هناك علاقة بين عبقريتك الشعرية الظاهرة ومآسي وقعت في طفولتك؟

ـ هذا استقراء جاد وجيد لمفهوم العبقرية.. وأنا، وإن كنتُ أرى نفسي بعيدا جدا عن مقام العبقرية، أقرُّ أن هذا الاستقراء ينطبق علي إلى حد بعيد.. لقد أمضيتُ طفولة مختلفة عن الطفولة التي يعيشها أبناء الميسورين.. إنها طفولة استمدت جانب العسر والألم فيها من قلة ذات يد المُعيل لا أقل ولا أكثر.. لذلك كبُر عندي الإحساس بآلام الآخرين وقرَّ في ذهني مفهوم المعاناة رافدا من روافد الإبداع.. ولعلك تجد في معظم نصوصي صبغة خاصة طالما أثارت من يقرأ نصوصي، من أنني أكثر من نبرات الشكوى في قصائدي.

س6- قرأت لك عدة قصائد والكثير من الدراسات النقدية لبعض اشعارك ولم اعثر فيها على ذكر الموت ..فهل تتجنب الحديث عن الموت في اشعارك لتغني للحياة والحب وحَوَرْ العيون عن قصد؟ ام انك تكتبت مخاوفك من تجربة الموت كما يقول فرويد وتحاول انكارها؟
..
ـ أجل أنا لا أحب الحديث عن الموت في نصوصي الشعرية، وإن تم ذلك فإنما يكون بشكل موجز وعابر.. ولعل في تجنبي لهذا الموضوع ما يشير إلى أنني أشعر برهبة خاصة في مقام الموت، لذلك أوثر تجنبه في نصوصي.. إنني مغرم بالطبيعة والحياة والجمال أيا كانت مشاربُه.. وقد أتخذ هذا الغرام سببا في هيامي بالصورة الشعرية ومحاولة الابتكار فيها والتجديد في مستوياتها في كل مرة أكتب قصيدة.. أنا أكره تقليد الآخرين في ما أرسمه من صور ـ أزعم أنها شعرية ـ لأنني أحب أن تكون لي شخصيتي الخاصة المستقلة.. ثم إن رأيي أن الشاعر الحق هو من يُضيف إلى الشعر العربي مجالات جديدة من الإبداع الشعري.. التجديد على مستوى الصورة إذن هو ما جعلني أغرم بالطبيعة وجمال المرأة وجمال الحياة وجعلني أتجنب رهبة الموت في أشعاري.

س7- يقال ان البير كامو كان يغمض عيناه ويشعر بقشعريرة اذا ما ذكرت كلمة ( الموت ) امامه وكان يقول "اشعر بفراغ اسود بارد سحيق وجسدي يرتجف" ..فما هو وقع سماعك لكلمة الموت؟

ـ أعترف ـ كما قلتُ آنفا ـ أنني أشعر برهبة كبيرة عند ذكر الموت.. هي رهبة من العِظَمِ بحيث لا أجرؤ على الكتابة في أي موضوع يرتبط بالموت.

س8- يقول احد الكتاب العرب ان الكتابة هي مهارات في التهريب او انها عادات علنية مشروعة وسموح بها تخفى ورائها ما لا يقال..اين انت من هذا الوصف؟ وكيف تتعامل مع الرقابة سواء التي تمارسها الاعراف وسلطة التقاليد او الرقابة الذاتية؟ وهل تقول كل ما يخطر في بالك؟ ام انك تتعمد اقصاء ما لا يقال احيانا؟ ام انك تتحايل عليه وتقوله بما لا يشكل صدمة اجتماعيه؟

ـ لعل أحد أهم مزايا الفن، والشعر خاصة، قدرته على احتواء الآراء المختلفة، فمنها ما يعمد فيه الشاعر إلى التصريح ومنها ما يعمد فيه إلى التلميح أو الرمز.. وقد أسمح لنفسي بتصنيف أسلوبي الشعري ضمن إطار الرمزية في تمرير آرائي وتأملاتي.. قناعتي في ذلك أن الشاعر ليس مطالبا بأن يكون مباشرا في بوحه الشعري، بل أنا أرى أن المباشرة تقتل روح الشعر.. لا يكتسب أي فن، والشعر خاصة، شرعيته وتأثيره في النفوس إلا إذا ارتكز على الرمز وفتح للمتلقي آفاق التأويل والاستقراء..
أنا أمارس رقابة ذاتية في شعري لكن على مستوى الأسلوب الذي أتبناه في تمرير أفكاري ومشاعري وهو الرمزية والإحالة..
وهذا نموذج لنص تفعيلي من ديواني (قوافلُ الثلج) قد يكون شاهدا على ما أقول:
المُتكالِبونَ على رَغيفِ الوَقتِ
عبد اللطيف غسري

1
بُعدانِ يَحترقانِ في قيظِ الوجودِ
إذا خلا منهُ الوجودْ:
هذا التوَجُّسُ مِن سُعار الوقتِ،
والمطرُ الذي يمتارُ مِن ذاتِ الكتابةِ
هاتِها يا سَاقِيَ الأحلامِ
وائتِ بها مِن الغُرَفِ التي بُنِيتْ
هناكَ... على أديمِ الوجْدِ أو صخر الجُمودْ

2
آمَنتُ أنَّكَ قادِمٌ مِن وَشْوشاتِ الليلِ
مِن لغةِ الكآبةِ
مِن جَنوبِ الريحِ
مِن ريحِ المتاهَةِ والشرودْ

3
آمَنتُ أنَّ حدودَ خَطِّ الوشمِ في جَسَدِ الرتابةِ
أن تشِطَّ بلا حدودْ
أن تكسِرَ الوثَنَ الذي يَمتدُّ في صمتِ الإجابةِ
عن سؤالِ النهرِ حينَ يعودُ
أو حِينَ الإجابةُ لا تعودْ

4
حتى وجوهُ المُتعَبينَ الجالِسينَ على بِساطِ النارِ
تفتحُ بابَ ذاكرةِ الرَّبابَةِ
حيْثُما وَلـَّيْتُ وَجهيَ لا أرى إلا عُيونًا
تسْتحِمًّ بوابلٍ مِن تنْهِدَاتٍ يَخْتزِلْنََ
قصائدَ الأرَقِ المُجَفَّفِ
بالإنابَةِ
عن كلامٍ كانَ يَسْرقُ بَعضَ خُبزِ نهارهِ
مِن سَلَّة الوَجَعِ الكَنُودْ

5
يا أيُّها المُتكالِبونَ على رَغيفِ الوَقتِ
لا.. لا تَنقعُوهُ بِخَلِّ تلكَ الأمْنيَاتِ
وَجَفِّفُوهُ الآنَ مِن عَرَق الخَطابَةِ
كَيفَ يَصنعَ فيكُمُ سيزيفُ صَخْرَتَهُ
مِنَ الكلمَاتِ
والجبلُ الذي يَمتدُّ فوقَ رؤوسِكمْ
هُوَ ماردٌ مِن أُحْجِياتِ الذلِّ قامَ
ومِن حِكاياتِ الخمودْ

س9- ما هي فلسفتك في كتابة القصيدة؟ بمعنى هل تتعمد شمول قصائدك للبعد السردي كما يظهر في قصيدة " تعالي وحطي على كلكلي مثلا" ام انك تسير في الغالب على نهج القدماء في التجريد والتقطير وبحيث تقوم على تقديم الغابة على شكل زجاجة عطر بعد ان تعمل على تقطيرها كما يقول احد النقاد؟

ـ إن شغفي بالصورة الشعرية يجعلني أكثر من الوصف التأملي إن صح التعبير.. وأحب تبطين المفردات بأفكاري ولمحاتي من خلال التركيز على عمق الفكرة والصورة لا على سطحيتهما.. كما أحب القصائد الحوارية كقصيدتي "معلقة على أسوار الحب".. ولكن أهم ما يتملكني هو ذلك النوع من القصائد والنصوص التي تنطلق من الذات الشاعرة وتعود إليها.. ومثل هذه النصوص كثيرة لدي من مثل "الجرس الخفي" و"كواليا.. إضاءات على جسر الألم" و"أكفان العتمة ملءُ يدي" و"تقاسيم على أوتار رملية" و"طبق لطعام الليل وأرغفة القلب" وغيرها.

س10- يلاحظ ان قصائدك تشتمل على لغة قوية واستخدام كلمات غير مستخدمة في العصر الحاضر... ما هي الالية التي تسخدمها لاغناء شعرك بهذه الكلمات ( المفردات ) والتي يبدو انها تسهل عليك النظم بقافية ووزن وضمن اطر القصيدة العمودية؟ هل تعود للقاموس دائما؟ ام ان كثافة المطالعة اغنت الذاكرة بهذه الثروة اللغوية والتي يتم استرجاعها تلقائيا عند الكتابة؟

ـ استخدامي لبعض الألفاظ التي قد يراها البعض كلاسيكية بالمقارنة مع الألفاظ التي يستخدمها الشعراء المعاصرون هو أمر قد أعزوه إلى حبي الشديد للشعر العربي القديم وجزالة ألفاظه ومتانة بنائه الفني.. لكن لي رأيا في هذا الموضوع، وهو أنني أرى أن مهمة الشاعر العربي الحديث أن يُعيد الاعتبار إلى لغته العتيدة التي طالها الركود والجمود والتردي في عصر التكنولوجيا واللغات العالمية الحية.. وإعادة اعتباره للغته لا يعني انفصاله عن العصر الذي يعيش فيه.. بل أنا أرى أن الانتماء إلى العصر رهين بما تجترحه من موضوعات وليس على مستوى الشكل. لماذا لانكتب قصيدة عربية حداثية الصبغة والموضوع والصور ذات بناء أصيل (الوزن والقافية والتفعيلة)؟ أنا أرى أن ذلك ممكن جدا لو توفرت الإرادة وصحت العزيمة.. ذلك أفضل من تقليد الغرب في كل شئ.. نحن لنا لغتنا الخاصة العتيدة وشعرنا العربي المختلف عن كل روافد الشعر العالمية الأخرى على مستوى الألفاظ والبناء الفني للقصيدة، ولن تقوم لنا "قومة شعرية" في المحافل الدولية إلا إذا أعدنا الاعتبار إلى لغتنا وشعرنا العربي.. الحل إذن كما أراه، هو قصيدة عربية كلاسيكية شكلا ـ عمودية أو تفعيلية ـ وحداثية موضوعا وصورا وقضية شعرية.


قديم 09-11-2014, 04:04 PM
المشاركة 2
عبد اللطيف السباعي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
س11– ماذا تقصد بالملكة الشعرية؟ هل هي موهبة؟ أم هي أمر موروث؟ أم هي تعويض كما يقول ادلر صاحب نظرية التعويض؟ أم هي تعبير عن مكبوتات وعلى رأسها المكبوت الجنسي كما يقول فرويد؟ أم أنها تعبير عن قلق وجودي كما يقول أصحاب الفلسفة الوجودية؟ وهل يمكن ان تكون دماغ يعمل بوتير عالية كنتيجة لتجارب ومآسي مر بها الكاتب؟ انم انك ترى بأنها ما تزل امر غامض؟

- هذا سؤال محير حقا.. لا لأنني لا أملك له جوابا، بل لأنني أزعم أن الملكة الشعرية عندي قد تكون مزيجا من هذه التعريفات كلها. هي موهبة بالدرجة الأولى لأنني اكتشفتُ في نفسي القدرة على نظم الشعر في سن مبكرة بحيث لا يمكنني القول إنها أمر مكتسب لدي.. وهي تعويض إلى حد ما عما ينقصني من رغد العيش والقدرة على تفريغ طاقاتي في الأمور الدنيوية المادية الصرفة.. وهي متنفس آخر للشحنة الجنسية التي قد لا أجد لها منفذا في كل الأوقات – قبل الزواج طبعا -.. وهي وسيلة راقية – في اعتقادي – للتعبير عن تأملاتي الوجودية التي لا أنكر أنني واقع تحت سيطرتها في معظم الأحوال.. وهي ترجمة تعبيرية لتجاربي الحياتية، كما أنها في آخر المطاف أمر لا يخلو من غموض لأنني حين أتجرد للكتابة الشعرية لا أحدد أسباب ذلك بشكل واضح.. يدفعني إلى ذلك شعور غامض لا أجد له تفسيرا في كثير من الأحيان.

س12- تقول انك لا تتخذ قرار مسبق بالكتابة ..بل تجد نفسك مدفوعا إليها..في تقديرك هل هذا يعني أن الشاعر يتلقى الشعر من وحي الشعر؟ من عبقر الشعر؟ من شيطان الشعر؟ أم أن الأمر له بحالة نفسية معينة تسيطر على الشاعر ؟ وهل تتفق مع فرويد في أن الإبداع والجنون ينبعان من نفس المصدر؟

- قولنا إن الشاعر يتلقى الشعر من مصدر ميتافيزيقي لا أعتبره في حقيقة الأمر إلا تعبيرا رمزيا عن غموض الدافع إلى الكتابة الشعرية التي تحدثت عنها آنفا.. هو في اعتقادي دافع ينبع من عوامل نفسية صرفة تجعل الشاعر يبحث عن تفجير مكنونات صدره ونفثها في شكل كلمات وإيقاع.. وعلى الرغم من أنني أجد بعض الغرابة في ما ذهب إليه فرويد من ان الإبداع والجنون ينبعان من ذات المصدر إلا أنني لا أملك إلا أن آخذ هذا المذهب النفسي الفلسفي بعين الاعتبار وأن أحمله على محمل الجد.. فنحن في نهاية المطاف لم نتلق تعليما نفسيا يِؤهلنا لتبيُّن حقيقة الأمر في هذا الصدد.

س13- هل تعمدت حفظ بعض أشعار كبار الشعراء؟ وهل ترى ذلك ضرورة للكتابة الشعرية؟ وكم من الأبيات تحفظ تقريبا؟

- لا بد للشاعر من الاطلاع على تجارب االشعراء الآخرين حتى يقدر على تأهيل نفسه شعريا إن صح التعبير.. قراءة أشعار الآخرين إذن أمر لا مندوحة عنه لأنه يفتح للشاعر آفاق البحث عن الذات الشعرية.. فالموهبة وحدها لا تكفي إذا لم تقترن برصيد معرفي شعري يحدد للشاعر طبيعة الخط الشعري الذي يريد أن ينتهجه أو الذي من شأنه أن يعبر عن ذاته الشعرية بالنظر إلى ميولاته الفكرية والعاطفية والفلسفية.. وهذا كله قد مر بذهني أول الأمر وقد قلت في إحدى المرات إنني كنت شديد الاطلاع على الشعر العربي بمختلف عصوره من جاهلي إلى إسلامي إلى أموي إلى عباسي.. قرأتُ للكثير من عمالقة الشعر العربي من أمثال متنبي والبحتري والمعري وأبي نواس وجرير والأخطل وغيرهم.. ولكنني لا أستطيع أن أزعم بأنني عمدتُ إلى حفظ أشعارهم.. لم أكن أحفظ إلا اليسير من القصائد للمتنبي خاصة.. غير أن القراءات الشعرية في حد ذاتها هي التي ساعدت في صقل موهبتي الشعرية إن كانت كذلك حقا.

س14- هل إتقان الإيقاع أمر مولود مع الشاعر أم يمكن تطويره ذاتيا وكيف؟

- إن أهم ما يتميز به القول الشعري هو مسألة الإيقاع هذه.. وقد نصنف الإيقاع في الشعر إلى صنفين هامين ضرورين في اعتقادي لنجاح أي نص شعري على الأقل من حيث موسيقاه الشعرية.. كل نص شعري ينبغي أن يتوفر على إيقاع خارجي يحققه الالتزام بالقيود العروضية والتفعيلية الضرورية التي اصطلح عليها الشعراء منذ القدم، وإيقاع داخلي لا يتحقق إلا بحسن اختيار المفردات الشعرية بحيث يكون هناك تجانس لفظي ومعنوي داخل مكونات النص الشعري ليس فقط في مجمله بل حتى حين نعتبر وحداته وأجزاءه.. لا أعرف إن كان يمكن أن يُطوَّر الإيقاع الشعري لكنني على يقين بأن حسن الإيقاع أمر مرتبط بقوة الموهبة الشعرية بالدرجة الأولى.. هناك شعراء بالفطرة حين تقرأ نصوصهم لا تملك إلا أن تطرب وتأخذك النشوة ليس فقط لحسن معاني هذه النصوص بل أيضا لما يكتنفهامن موسيقى جميلة وإيقاع آسر..

س15- هل كان من السهل عليك في بداياتك فهم أشعار المتنبي والشعراء الجاهليين أم انك لجأت لوسائل تساعد على فهم هذه الأشعار وما هي هذه الوسائل؟

-في البدء لم يكن فهم أشعار الفحول أمرا هينا بالنسبة لي نظرا لحداثة سني ولذلك كنت أكتفي بما تخلفه هذه النصوص في نفسي من طرب ونشوة غامضة لم أكن أعرف كنهها.. ولم أكن مع ذلك أعمد إلى الاستعانة بالقواميس إلا فيما ندر.. كنت أكتفي بالتذييلات اللغوية التي تكون على هوامش النصوص إذا توفرت.. ومع مرور الزمن كان فهمي واستيعابي لهذه النصوص يزدادان لأنني كنت أعكف على قراءة النص الواحد مرات عديدة دون كلل..

س16- تقول انك تكتب لأنك إن لم تكتب فسوف تغص بما لديك من تأملات عاطفية وفكرية.. وان الكتابة هي المتنفس الوحيد لديك ..هل هذا يعني انك تتفق مع من يقول بأن الكتابة تحقق نوع من التوازن ..وان كانت كذلك فهل هي إذا نتاج حالة نفسية قد تصبح مرضية في حالة غياب الكتابة عند الشخص الذي يمتلك مثل هذه التأملات؟

- أجَل.. الكتابة عندي هي أفضل ما يمكن أن يحقق التوازن النفسي العاطفي والفكري للكاتب.. إنني أشعر أنها سلاح قوي في ملكيتي أستطيع أن أخرجه من غمده في أي وقت لمجابهة كل ما يعتمل في داخلي من هواجس فكرية أو عاطفية.. ولكنني لا أستطيع القول إنني أشعر بالنقص إن مرت علي فترة طويلة دون أن أكتب شيئا.. فهي إذن ليست مرضا أعاني منه.. بل هو نزوع ذاتي إلى التعبير عما يشغلني وأحيانا أحقق به ترفا من نوع خاص لا أجده في الحياة بمفهومها المادي الصرف.

س17- واضح انك تتفق مع الطرح بأن " المعاناة رافد من روافد الإبداع" فهل هذا يعني انك تتفق معي في طرحي بأن اليتم وكونه أعظم فجيعة يمكن أن تصيب الإنسان وتسبب له أعلى حالة من حالات المعاناة لا بد هو منتج الشعراء الخالدون أمثال المتنبي؟

-لا شك أن المعاناة أول ما يدفع الكاتب بشكل عام إلى الكتابة بغية التخفيف عن نفسه من آثار ما يعانيه.. ونحن حين نعود إلى سِيَر الكثيرين من عباقرة الكتابة نجدهم قد عانوا في حياتهم بشكل أو بآخر.. ومعاناتهم ساهمت في نبوغهم الأدبي والفكري.. انظر مثلا إلى طه حسين ومعاناته مع فقدان البصر منذ ريعان الشباب وكيف ساهمت في خلق أديب عملاق لا يتكرر.. وانظر إلى الشابي كيف ساعدت معاناته على خلق شاعر متميز لا ينتطح بشأن شاعريته عنزان.. والأمثلة كثيرة في هذا الباب.

س18- في تصورك ما هو سر شعورك بتلك الرهبة من الموت؟ وفي أي سن أدركت معنى الموت؟ بمعنى متى واجهت الموت واختبرته عن قرب؟ وهل تعتقد أن غرامك بالطبيعة عبارة عن نوع من الهروب من ذلك القلق الوجودي أم هو افتنان بعناصر الجمال فيها؟

- إن رهبتي من الموت نابعة من حبي للحياة والبهجة التي أشعر بها وأنا أنظر إلى الطبيعة بمختلف مكوناتها وأتفكر في الوجود وأجمل تجلياته.. إن الشاعر يتميز بافتتانه بالجمال أيا كان مصدره لأن الجمال هو ما يدفعه إلى الكتابة في حقيقة الأمر.. ولذلك تجد حتى الشعراء الذين يتعرضون للموت في قصائدهم يحاولون اكتشاف الجانب الإيجابي فيه إذا عنَّ لهم ذلك..

س19- هل تتفا جئ أحيانا عندما تعيد قراءة القصيدة التي تنتهي من كتابتها أو عندما يقدم احدهم شرحا لها فتجد فيها صور وأبعاد ومعاني كأنها كودات لم تقصد تضمينها أصلا، ولم تدرك في البداية وجودها؟ وهل تخطط للقصيدة أم انك تسجل تلك ألدفقه العاطفية ثم تعود لتطوير ما جادت به قريحة الشعر؟

-نعم أشعر بفرحة غامرة عارمة حين أجد مَن يهتم بما أكتب ويحاول شرح ما أرمي إليه في قصائدي للقارئ العادي الذي قد لا يتمكن من سبر أغوارها.. حين أشرع في الكتابة لا أضع أمامي مخططا للقصيدة ولا ما يجب أن أذكره فيها بل أطلق لقلمي العنان فأتركه يدون ما يتبادر إلي من دفقات عاطفية ولمحات فكرية دون أن أحاول توجيه مجرى تلك الدفقات أو وضع تلك اللمحات في إطار معين.. لهذا السبب فانا من الشعراء الذين يكتبون القصيدة لأول وهلة وحين الانتهاء منها لا يعودون إليها بهدف التنقيح إلا في حالات قليلة جدا..

س20- هل تعتقد أن القدرة على كتابة القصيدة العمودية مرتبط بالذائقة وهي مثل الموسيقى تحتاج أن يكون صاحبها صاحب أُذن موسيقية أم أن الأمر له علاقة بقدرة الشاعر نفسه على تطوير تلك الذائقة وهل يمكن تطوير هذه الذائقة وكيف؟

-إن كتابة القصيدة العمودية بما يفرضه ذلك من إتقان للغة والعروض والإيقاع الشعري هي ما يمكن أن يوضع بمثابة معيار لتصنيف الشعراء والتمييز بينهم.. أنا لا أنكر أن قصيدة النثر مثلا قد استطاعت فرض نفسها شكلا شعريا له جمهوره وكتابه، ولكنني لا أنكر أيضا أن الذين يفضلونها على القصيدة العمودية أو التفعيلية إنما يفعلون ذلك للتغطية على قصورهم في التحكم في العروض ولوازمه.. والشاعر في اعتقادي مطالب بأن يخلص لقواعد الكتابة الشعرية حتى لا يصبح الأمر فوضى قد تؤثر على الذائقة الأدبية بشكل عام.. وبالمناسبة فأنا ممن كتبوا قصيدة النثر على سبيل التجريب ولكنني لم أجد في نفسي تلك المتعة التي أجدها وأنا أكتب القصيدة العمودية.. والغريب أن بعض هذه القصائد – النثرية – قد فاز في مسابقات على مستوى الشبكة العنكبوتية..

قديم 09-11-2014, 05:18 PM
المشاركة 3
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ارى بان يظل الباب مفتوحا لمن يحب ان يسال الاستاذ السباعي عن ملكة الإبداع لديه وعن الشعر وقضاياه والابداع واسراره .

فهذه دعوة لمن يحب ان يسال عن جوانب لم يتم تغطيتها هنا لعل في ذلك ما يقدم اضافة مفيدة..

*


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: سر الابداع وآليات توليد القصيدة لدى الشاعر المغربي عبد اللطيف السباعي (غسري)
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قراءة معمقة لبعض روائع الشاعر عبد اللطيف السباعي ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 46 01-20-2017 03:32 PM
شاعر القصيدة العمودية والتفعيلية عبد اللطيف غسري يفوز بمسابقة قصيدة النثر عبد اللطيف غسري منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 3 01-08-2012 12:31 AM
تتويج الشاعر المغربي عبد اللطيف غسري أميرًا للشعراء العرب (صنف القصيدة العمودية) عبد اللطيف غسري منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 9 12-08-2011 09:09 PM
جلسة إلى الشاعر المغربي عبد اللطيف غسري (1) المقدمة والاستهلال _ الشكل والمضمون عبد اللطيف غسري منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 11-26-2011 12:24 PM
عبد اللطيف غسري شاعر يمسك بلجام القصيدة عبد اللطيف غسري منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 4 09-04-2011 05:00 PM

الساعة الآن 12:23 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.