مِنبرُ الدِّماءِ
(( إلى شُهداءِ البوكمال , ضحايا المروحيَّات الأمريكيّة الجبانة))
شِعر : مختار الكمالي
ارحَـلْ .. فَمِثلُكَ لا يَخافُ رحيلا
وَ اتـرك لِـمِثليَ مـنبراً و هديلا
ارحَلْ .. فإنَّ الخوفَ يطوي ظِلَّهُ
و الرَّاحلونَ قد ارتضوكَ بَديلا
ارحَـلْ .. و لكن دَعْ مكانكَ نخلةً
لـتظلَّ فـينا شـامِخاً و جـميلا
ارحَلْ .. و خُذْ معكَ الكرامةَ كُلَّها
و اتركْ دماءَكَ للكِرامِ دليلا
رافِقْ صِغاركَ للجِنانِ فإنَّهم
يتعجَّلونَ مقامكَ المأَمولا
و دَعِ الطُّغاةَ فخيرهم -قُدَّامنا-
و اللهِ يبقى خانِعَاً و ذليلا
يا أيُّها البطلُ النبيلُ وَ لا أرى
عَبرَ المدى -إلّاكَ أنتَ- نَبيلا
قـالتْ دمـاؤكَ لـليتامى و الثكا
لـى : ويحكم .. لا لا أريد عويلا !
أنـا مـنبرٌ و الـحقُّ فوقي خُطبةٌ
قـالتْ لِـمَن رامَ الـرَّحيلَ عجولا
اضرب بنعلكَ وجهَ (بوشٍ) و اعتذرْ
لـلـنَّعلِ إذْ ذَلَّـلـتَهُ تـذليلا ! **
فَلَأنتَ أَشجعُ من جميعِ جُيوشِهم
و لَأنتَ أقربُ من يغيبُ طويلا
و لَأنت أشرفُ مِشعلٍ في دربنا
و لَأنتَ أكبرُ من يشاءُ رحيلا
باللهِ ربِّكَ يا شهيدُ وَ أنتَ مَنْ
قَلَبَ الدِّماءَ بِطُهرهِ قِنديلا
عَرِّجْ على نَهرِ الفُراتِ و قُل لَهُ :
قِف و انتظرني يا فراتُ قَليلا
فلَعَلَّ قربيَ لحظةً من منبعي
يشفي من القلبِ العليلِ غليلا
عيناكَ أشجعُ من قنابلِ غَدرهِم
طُرَّاً , تخيَّرها التُّرابُ نَخيلا
و يداكَ أطولُ من بنادِقِهم يَدَاً
قَطَفَتْ إباءَ الواقفينَ فُحولا
أفدي يمينَكَ بُورِكَتْ مِنْ رايةٍ
جعلتْ رحيلكَ بالخُلودِ كَفيلا
رئةُ الكلامِ اللَّولبيِّ تبرَّأتْ
من شهقتي و تبدَّلتْ تبديلا
خَضراءُ أرضُ نهايتي , و أكُفُّهُا
حُـمـرٌ يُحَمِّلنَ النَّبيلَ نبيلا
فأنا ابنُ عَمِّ الـمَوتِ , لونُ نَقائِهِ
و بقائِهِ جيلاً يُـجَنِّدُ جيلا
و أنا ابنُ عمِّ الـمَوتِ , غافٍ في يَدِي
ثأرٌ تَأبَّى غَيظُهُ التَّمثيلا
قد كُنتُ أعجبُ كيفَ تنبثقُ الرُّؤى
ناياً و يشتعلُ الكلامُ فَتيلا
و الآنَ ترحلُ تاركاً إطراقتي
و تشتُّتي و ترقُّبي المجهولا
ما عُدتُ أعجبُ فالقَوافِلُ في دَمِي
رحلتْ و عافَتني بها مشغولا
يـا لـيتني كنتُ القريبَ لرَحلِكُم
لأعـودَ تـحتَ نـعالكُم تـقبيلا !
دمشق 30/10/2008
هامش :
** كُتِبَتْ هذه القصيدةُ قبلَ حادثَةِ (منتظر الزّيدي) بأكثر من شهرين و نشرت في جريدة البعث في اليوم التالي لها !.