احصائيات

الردود
8

المشاهدات
2950
 
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


عمرو مصطفى is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
417

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Nov 2014

الاقامة
مصر

رقم العضوية
13385
02-08-2015, 12:08 PM
المشاركة 1
02-08-2015, 12:08 PM
المشاركة 1
افتراضي حاملت!
[justify]



الزائر
(يحكيه أحمد شكري )


- الاسم ..؟
- أحمد شكري ..
- المهنة ؟
- كاتب قصصي ..
- وماذا تريد الأن ؟
- طبعاً لدي قصة أريد أن أحكيها لكم ..
- وما نوع القصة ..؟
- هلوسة كاتب يعيش وحيداً .. لا يوجد لدي تعبير أقرب
من هذا .. ولا تفسير عندي لما مررت به من تجربة إلا أنني جننت
تماماً أو ربما أكون قد ..جننت تماماً ...
- لماذا تكرر كلامك ...؟
- لأنني جننت تماماً ...ظننت هذا مفهوماً ...
- متى ستبدأ في السرد ..؟
- من الأن ..فقط لو تخرس قليلاً .....


***


كانت ليلة باردة لكن بلا أمطار ...
وقفت في الشرفة أتأمل المساحات الشاسعة من الحقول المحيطة بمنزلي الريفي ..
لا شيء سوى صوت صرصور الغيط الرتيب ونقيق الضفدع الرائق الذي يبعث على النوم حقيقة ..
لكنني نمت بما فيه الكفاية ..لعلي الوحيد الذي لا يحلو له الكتابة إلى على أصوات صراصير
الغيط ونقيق الضفادع ..فقط أنا بانتظار أن تأتي الفكرة ..
النداهة .. تباً يا للسخافة .. هذا بسبب تأثير جو الحقول على مخيلتي ..
إذن فلنحاول الابتعاد عن الحقول والصراصير والضفادع ..أغمضت عيناي ..
الجو يزداد برودة من حولي ..هناك ندف من الثلج بدأت تلامس أنفي ..
ضباب وغابات تكسوها الجليد ..حيوان الرنة يتأملني في فضول.. و ..
سأتجمد لو بقيت لحظة أخرى في هذا العالم ..
فجأة أضاء مصباح الإلهام في عقلي .. وفتحت عيناي ..
- " وجدتها..."
هممت بالدخول وغلق باب الشرفة قبل أن تهرب الفكرة لكنني
سرعان ما تجمدت في مكاني ...
استدرت في بطء .. عيني تجوب الحقول التي كساها
الظلام بكساء من الرهبة والغموض ..كانت هناك بعض الأضواء
القادمة من الطريق السريع على بعد عدة كيلومترات لم تزد الأمر
إلا رهبة ..لكن عيني كانت مثبتة على شيء ما يتحرك هناك ...
شيء له معالم بشرية .. لكنها لا تبدو مألوفة.. لا يبدو من أهل القرية ...
و ليس من سكان المريخ حتى لا تذهب بعيداً ..
إنه يقترب في تؤدة من منزلي المتواضع ..تباً ..لم أتي ههنا
من أجل استقبال الفضوليين ..لقد تركت القاهرة المزدحمة بكل
ضوضائها وعوادمها السامة وجئت إلى منزلي الريفي بحثاً عن
فكرة جديدة ..من ثم أعود مظفراً بقصة جيدة تصلح للنشر ...
لكن هذا الغريب جاء ليعكر خلوتي ... و ...
لقد صار على مسافة قريبة جداً ودخل دائرة الضوء المحيطة
بالمنزل ...لكن أي مهرج هذا ؟ ..
توقف أسفل الشرفة ..ورفع طرفه إلي مبتسماً في ود..
ذكرتني ملابسه الغريبة بمشهد روميو وهو يتودد إلى محبوبته جولييت
أسفل الشرفة ..ممثل مسرحي كان يؤدي أحد الأدوار الشكسبيرية
وضل طريقه إلى المسرح .. المشكلة انه لا يوجد مسرح قريب من هنا
والمشكلة كذلك أنني – لو لاحظتم – لا أشبه جولييت لو كان الأحمق
يفكر في ذلك ....
لوحت له بكفي قائلاً في سخرية :
"- مرحبا ..السيرك ليس من ههنا.."
انعقد حاجبيه كأنما يفكر في معنى كلامي ... هل هي إهانة أم ...
أخيراً صاح بلكنة غريبة لا تصدق :
" - لقد فررت من عالمي ولجأت إليك ..لقد قطعت مساحات شاسعة
من الفيافي والقفار حتى أصل إليك" ..
هرشت رأسي في محاولة لاستيعاب الموقف ... الموضوع
ليس موضوع ممثل مسرحي إذن ..هذا المهرج قادم من أجلي ...
" - حسناً .. لكن كيف سمحوا لمثلك بالفرار من مستشفى الأمراض العقلية ؟ "
صاح بأسلوب شكسبيري راقي !! وهو يلوح بكفه بحركة مسرحية :
- " عفواً أيها السيد ..أنا لا استوعب الكثير من مصطلحات عصركم
لكنني ـ لو سمحت لي ـ لن أظل واقفاً هنا للأبد ..فليسمح لي السيد
بالدخول ..."
ـ " والله !.. أعطني سبب واحد يجعلني أسمح لك بالدخول .. ؟"
هنا وقف في اعتداد وانسدلت حرملته الزرقاء حول
كتفية فأضفت عليه هيبة ملوكية ..
ـ " لقد فررت من عالمي وجئتك طالباً العون "...
ثم اكتسى وجهه بحيرة مفاجئة لا أدري سببها وهو يستطرد :
ـ " أنا هاملت أمير الدنمارك ! "



***



كان هاملت يرتجف .. وقطرات المياه تتساقط من شعره المبلل
وكنت أنا أحاول جاهداً تجفيف حرملته العجيبة بشتى الطرق
أخيراً وضعتها على حبل الغسيل وثبتها جيدا من ثم تركتها لتسقط من فورها ....
تباً ..نظرت إليها ملقاة في الشارع ثم نفضت كفي وعدت إليه في براءة ...
قلت له محاولاً الاعتذار..
- " لا أجد كلمات مناسبة اعتذر بها عما حدث .."
نظر لي في حيرة وأسى قائلاً :
ـ " سكب المياه على الزائرين طريقة غريبة في الترحيب .. "
تنحنحت قليلاً في حرج قبل أن أقول :
"- في الحقيقة لم تكن تلك طريقة في الترحيب ..ظننت أنها خدعة
ما وأنك ـ عفواً- تسخر مني" ...
قال في عدم فهم وعينه تجوب أركان المنزل :
ـ " أسخر منك ..! أنا لا أفهم طبيعة تفكيركم ..
أخشى أن يكون هذا عائقاً أمام تلبية رغباتي .."
كدت أسأله عن طبيعة رغباته التي دفعته لزيارة كاتب مثلي
فتذكرت أنني نسيت الشاي على الموقد فقمت كالملسوع وعدت
حاملاً صينية الشاي.. شاي لهاملت أمير الدنمارك !..الحقيقة
أن هذا أفضل ما يمكنني تقديمه.. فأنا لا اتخيل هاملت يشرب حلبة مثلاً ..أو كراويا ..
رباه ..شيء رهيب هو ذاك الذي يدفع هاملت شخصياً للخروج من عالم شكسبير
محطماً الحاجز بين الواقع والخيال .. رشفت عدة رشفات من الشاي ناظراً إليه في ترقب ..
متى سيبدأ في الكلام ..؟
حتما سيموت بعد أول رشفة وسأجد نفسي في ورطة ..
تذوق قليلاً من الشاي ثم نظر لي في قرف وقال :
ـ " تشربون أشياء غريبة في عالمكم" ...
"- إنه يساعد على التركيز .."
شاع في وجهه الارتياح على نحو مفاجئ وقال في حماس :
"- جيد جداً فالموضوع الذي جئتك من أجله يحتاج منك أكبر قدر
من التركيز" ...
- "سأموت كمداً لو لم أعرف ذلك الموضوع "...
هنا وضع هاملت كوب الشاي على المنضدة أمامه ..
ثم قرر أن يفصح :
"- لم يكن خروجي من عالم شكسبير تجربة سهلة .. بل كان تمرداً صريحاًعلى
ذلك الأديب العملاق ومن أحد أشهر شخصياته .. أنا لست هاملت ابن الملك القتيل
بقدر ما أنا ابن شكسبير ذاته...لكنني اتخذت القرار واخترتك من بين سائر الكتاب
لتدون لي قصتي بعيداً عن أغلال شكسبير ..."
ازدرت لعابي بصعوبة ..قلت له بجدية :
- "اخترتني أنا ... أنا لست ديكينز حتى تقارن بيني وبين والدك شكسبير "
"- لهذا السبب اخترتك ..أنت كاتب مغمور ..لو سمحت لي أن أقول
لذا لن يتوقع شكسبير وجودي عندك ..لعله الأن يتشاجر مع الكسندر دوماس
متهماً إياه بخطفي أو يجذب لحية ديستوفسكي لعلي أكون مختبئاً تحتها ..
لكنه لن يفكر في وجودي هنا أبدا .."
بدأت أعصابي تتوتر ..تخيلت الأخ شكسبير يجوب الشوارع بحثاً عن بطله
الهارب والويل كل الويل لمن يأويه .. انتزعت نفسي من أفكاري السوداء
ونظرت إليه فوجدته يبتسم في ثقة.. قال :
"- أنا واثق أنك ستفعلها ..."
قلت كاتما غيظي :
ـ " ومن أين أتيت بتلك الثقة ؟"
نظر لي ملياً كأنما يستعيد ذكرى وجه ما .. ثم تنهد وقال :
"- أنت تذكرني به دائماً ... هورشيو صديقي الصدوق ..مصدر
الحكمة في روايتي وهو كذلك راويها ..فلم نبتعد كثيراً إذن."
حاولت هضم كوني أشبه المدعو هورشيو لكنني لم استسغ ذلك .. كلامه يبدو مدحاً من جهة ..
وربما كان خدعة لتوريطي في الأمر من جهة أخرى وحينما يظهر شكسبير أتحول لكبش فداء..
- " اسمع أيها الأمير الشاب .. بما انني أذكرك بصديقك هورشيو الحكيم فعليك
أن تستمع لصوت الحكمة في كلامي ..ليس من الحكمة أبداً تحدي شكسبير
متوهمين أننا قادرين على صياغة قصته بشكل أفضل ..ثم ما الداعي لذلك أصلاً ؟
ما لذي لا يعجبك في قصتك ؟ "
تناول هاملت كوب الشاي وأفرغ ما بقى منه في حلقه دفعة واحدة كما يفعل
السكارى في الحانات محاولين نسيان هموم الواقع الأليم ..
ثم نظر إلي بعينين حمراوين كالدم ..وأجاب :
ـ " بل قل ما الذي يعجبني ..عمي الذي قتل والدي ..أم أمي التي تزوجت
عمي قاتل والدي .. أم حبيبتي أوفيليا التي ماتت بسببي.. أم..."
وتوقف قليلاً وهو يتحاشى نظراتي وكأنما يقول لي :أنت تعرف الباقي..
قلت له مكملاً عبارته المبتورة :
"- أم.... موتك في نهاية القصة ...اليس كذلك ..؟"
هز رأسه في بطء وأسى فابتسمت أنا متخيلاً مدى لغز الحياة ومدى
تعلقنا بها حتى لو كنت مجرد شخصية خيالية خرجت من إطارها الأدبي
لكي تطالب بحقها في البقاء ..
قل هذا يا صديقي ولا تصدع رأسي بحديثك عن والدك القتيل وعمك
قاتل أبيك وأمك الخائنة وحبيبتك التي ماتت في غمرة انتقامك ...
ـ " تريد كما نقول نحن ..فيلم عربي .."
- "لا افهم ما تقصده ..المهم أنني أريد قصة بعيدة كل البعد عن
المأسي والكروب..والدسائس والاغتيالات ..."
عقدت ساعدي أمام صدري ونظرت إليه في ثبات ..
"- لن يكون هذا سهلاً .. سوف أساعدك فقط ليكن الأمر
سراً بيننا ولا تخبر أحداً بعلاقتي بالقصة" ...
ـ " حتى لو أخبرت أحداً ..قلت لك أنت كاتب مغموووووور" ...
قلت وانا اتحاشى لكمه في أنفه :
ـ " سمعت هذا من قبل .. وكلمة مغمور تلك ستفت في عضدي ولن
أخرج لك النص الأدبي الذي تريده ..واضح "...
لوح لي بكفه قائلاً :
- "واضح ..فقط ..أعطيني النص البديل أرجوك .."
جذبت نفس عميق وأغمضت عيناي في محاولة للتركيز ..
يريد قصة بعيدة كل البعد عن المأسي والكروب والدسائس والاغتيالات و..
هنا فتحت عيناي على اتساعهما صائحاً في انتصار :
"- وجدتها ... خذ عندك" .....

***







حاملت
( بقلم : أ . ش )

كان يجوب ردهات القصر ويسمع همس الحراس لكنه لا يريد أن يصدق ..
ولا يريد أن يصل ما يتهامسون به إلى الأمير هاملت ... أخيراً يقف هورشيو
واضعاً كفيه في خاصرته ويصيح بلهجة حازمة :
- "من يصدق تلك الخرافات فلا مكان له في قصر الملك ..."
تجمد الحراس الثلاثة في أماكنهم فلم يتوقع أحدهم أن هورشيو
الصديق المخلص لهاملت يعرف سر تهامسهم ...
اقترب الفارس الأول من أذن هورشيو وبدأ يسكب مالديه :
"- لقد شاهدناه جميعاً .. شبح الملك الفقيد يجوب ردهات القصر ليلاً ويمكننا ان نقسم على ذلك .."
"- رأيتم وهم.. وهم تخيلته عقولكم الكليلة والمليئة بخرافات
العجائز" ...
اقترب الفارس الثاني من الأذن الأخرى لهورشيو وقال بدوره :
"- هل يمكن أن يرى ثلاثتنا نفس الوهم ...؟"
"- نعم ..حينما يشربون نفس نوع النبيذ الردئ" ...
جاء الثالث ليحشر نفسه بين زميليه هامساً بدوره :
"- حتى لو لم نتعاطى يومها أي خمور ..؟"
دفع هورشيو ثلاثتهم بعيداً وقد قرر إنهاء النقاش ً :
- " انتباه ...."
وقف الحراس الثلاثة مشدودي الأجسام وقد أنستهم صيحة
هورشيو العسكرية الصارمة كل ما شاهدوه ... من قال أنهم
شاهدوا أشباح أصلاً ...؟
جال بينهم هورشيو وهو يهمس فيهم بنبرة صارمة :
"- لا أريد ان تتسرب تلك الخرافات إلى أي مخلوق خصوصاً الأمير هاملت
فإنه مازال يعاني من فقد والده .. ولا نريد ان نزيد همومه .. مفهوم ...؟"
صاح ثلاثتهم في صوت واحد :
- "مفهوم .."
- "هورشيو .."
التفت الأخيرتجاه مصدر الصيحة فتهلل وجهه مرحباً
بالأمير هاملت وهو يرمق الحرس بنظرات جانبية متوعدة إن نطق
أحدهم حرفاً فسيقطع لسانه ....
تصافح الصديقان وبدأ هورشيو يسأل كالمعتاد عن حال الأمير ومزاجه
اليوم فتجهم وجه الأخير قائلاً :
"- أنا حزين جداً هذا الصباح "...
"- ما الذي يعكر صفو الأمير "...
"- هناك إشاعات تتردد بين العامة في الأزقة ..أن شبح والدي الفقيد
يجوب ردهات القصر ليلاً ...!"
التفت هورشيو في حدة ناحية الحراس الثلاثة على حين تشاغل
ثلاثتهم بفحص أسلحتهم في اهتمام متحاشين النظر في وجه هورشيو ....
- "الخنازير ..!"
" - ماذا تقول ..؟!"
التفت هورشيو إلى هاملت مستدركاً :
- "عفواً سموك.. أقصد الخنازير الذين يشيعون مثل تلك الخرافات بين الناس "..
هنا جذبه هاملت من ساعده ليبتعد به عن الحراس وخلف أحد الأعمدة
الرخامية الضخمة تكلم الأخير :
"- أريد أن أراه.."
"- من ؟؟؟؟"
همس هاملت من بين أسنانه :
"- شبح والدي يا أحمق .."
- "هل صدقتكم تلك الخرافـ.......؟ "
قاطعه هاملت في حسم :
- "الليلة أريدك معي لنراه سوياً" ....
شحب وجه هورشيو وحاول ان يبدو متماسكاً :
"- تريدني معك ؟... "
عقد هاملت حاجبية وقال في تصميم :
- "نعم ...والليلة" .....
"- وهل لوجودي معك سبب ملح ..؟"
هنا لاحظ هورشيو الاضطراب على هاملت وبدأت شفتاه ترتعشان :
"- لقد كان أبي مخيفاً بما يكفي وهو حي ..فكيف به وهو ميت "....
"- أه ..فهمت "....
قالها هورشيو وازدرد لعابه وشد قامته في اعتداد مستطرداً :
- "سيكون هورشيو المخلص والشجاع إلى جانبك ..فقط ليثبت لك أن
كل ما يقال عن شبح والدكم المبجل محض خرافة" ....
هنا خرج طائر من بين السواري وهو يخفق بجناحيه في قوة فقفز
هورشيو في ذعر محتضناً هاملت..نظر الأخير إليه ملياً ثم
همس في أذنه وهو مازال محتضنه :
- "اعتقد أننا سنصطحب معنا الحراس ! "
ـ " قرار حكيم ..سموك "

***

بخطوات جنائزية تقدم الموكب المكون من الأمير هاملت
وصديقه هورشيو ومعهم الحراس الثلاثة سالفي الذكر ..
كان الموكب يتحرك ليلاً بين سواري القصر حسب الموعد ...
وبدا لهم الوضع هادئاً لا يوحي بأن ذلك القصر المرعب أصلاً
يحتاج لشبح يجوبه ليلاً ليزيد الأمر سوءاً..
بعد قليل توقف هورشيو وقال في سأم :
"- ألم أقل لك ..لايوجد أي أشباح" ...
وكزه هاملت كي يخرس قبل أن يقول في خفوت :
"- صه ..الأشباح تضايقها الأصوات العالية .."
نظر له هورشيو نظرة من يسمع الأراجيف :
- "من قال لك هذا ...؟"
- "أمي حدثتني بهذا وأنا صغير.. "
أزدرد هورشيو لعابه قائلاً :
- " أدام الله الملكة .."
طبعا لم يحب هورشيو أن يصارح هاملت برأيه في كلام جلالة الملكة
..أن هذة مجرد خزعبلات يحكونها للأطفال ليلاً كي يناموا سريعاً
والنتيجة هي العكس بالطبع ...
هنا بدأ يظهر الضباب ..

***


ـ " ضباب ..هذه فكرة تقليدية سخيفة .."
ـ " لابد من ضباب في الموضوع.."
ـ " لكن ..."
ـ " ششششت .."

***



هنا التفت هاملت وصديقه فوجدا الحراس قد اختفوا .. الجبناء..
لم يتحملوا مقدمات ظهور الشبح فماذا لو شاهدوه ..هم بالفعل
شاهدوه من قبل وليس لديهم الاستعداد لتكرار المأساة ....
الضباب يتزايد ..وبدأ هورشيو يسعل ..كح ..كح ... نظر له هاملت مستنكراً :
- "هذا ضباب يا أبله وليس دخان شكمان" ...
تنحنح هورشيو في حرج قائلاً :
- "حقاً .. ظننت أن مصدره سيارة شبح السيد الوالد وانه يبحث عن مكان يصلح للوقوف و.."
ـ " سيارة من يا أبله ..قصتنا في عصر لم تخترع فيه السيارات بعد "..
- "والله ؟! "
وكتم هورشيو خواطره وهو ينتظر الظهور المرتقب ...
وكتم هاملت أنفاسه في محاولة لكبح جماح توتره وفي نفس
الوقت حتى لا يستنشق ابخرة الضباب والتي تبدو بالفعل اقرب لرائحة الـ....
هنا أدرك أحدهم أنه كان ساذجاً ..
من قال أن الأشباح محض خرافة لا وجود لها ....؟


***

كان ضخماً مهيباً مدثراً في عباءته وقد اختفت ملامحه وراء خوذة
فولاذية يتحرك نصفها السفلي المحيط بالفك فيخرج من بين الفتحات البخار الأبيض. .
كان هورشيو يشعر أن ساقيه قد تحولتا إلى ورقتي خس ..حاول أن يعتمد على
أحد السواري ..حاول ان يهرب ..لكن ..كيف يفر المرء على ورقتي خس ..؟
أما هاملت فقد هابه الأمر جداً .. وخر راكعاً على إحدى ركبتيه في تبجيل
مسرحي عتيد :
ـ " سمو الملك الراحل ...."
تحرك الفك السفلي وخرج المزيد من البخار ..ومعه خرجت الكلمات
القادمة من أعماق بئر أصيبت مياهه بالصدأ :
- "هاملت ...انتظرت مجيئك طويلاً" ـ ثم سعل بفعل البخار طبعاً – "هاملت أنت أبني الوحيد.."
"- لا أظن أنك انتظرتني طويلاً لتفجعني بتلك الحقيقة المرة" ...
أكمل السيد شبح في غير اكتراث :
"- أنت ابني الوحيد ..وعليك أن تنتقم لي "....
"- انتقم لك ..من من ..؟ ليس من الكاتب الوغد فليس هذا وقته "...
- " بل ممن قتل والدك غدراً" ....
وأسقط في يد هاملت ..

***



-" لكن ما الجديد في كل ما سبق ..؟ إن عقدة قصتي تكمن في مقتل والدي.. "
ـ " لا ..عقدة قصتك التي بنى عليها شكسبيرالأحداث أهون من ذلك بكثير .."
ـ " كيف ..؟"
ـ " سأخبرك فقط لو تخرس قليلاً .. "


***


فجأة أضاء مصباح في عقل هورشيو ....
كان قد بدأ الخوف يتلاشى وشيء من التعود بدأ يسرى إلى روحه
حتى الأشباح يمكننا أن نتعود عليها .. كان يهرش مؤخرة رأسه
وهو يثبت عينيه على الحاج شبح ...ويتمتم :
- "هناك خطأ ما "...
وهاملت الحائر دائماً مازال يصغي :
ـ "من كان أخاً بالأمس يجلس اليوم على عرشي ويرتدي عباءتي
ويزين رأسه بتاجي ..ويده ملطخة بدمي .."
شبك هاملت كفيه أمام صدره ورسم على ملامحه اللوعة والحيرة
الممزوجة بالصدمة ..كل ذلك في حركة واحدة ! ..
ثم وضع كفه على جبهته وصاح في لوعة مسرحية محببة :
- عمي كلوديوس ! ياربي ..!!
- " عمى الدبب ! ليس عمك وليس أخي ...لابد أن تنتقم لي وإلا
فالويل لك من عذاب الضمير "..
غطى هاملت وجهه بكفه قائلاً في إحباط :
- " ألا توجد وسيلة أخرى...؟"
تكلم الشبح بصوت هادر :
- " لابد أن تنتقم لأبيك.. دم أبيك في رقبتك" ...
تحسس هاملت عنقه وبصعوبة حاول أن يزدرد لعاب لاوجود له :
"- ألا يمكن أن نسامحه ونأمل في غد أفضل ...؟"
- " دم أبيك في رقبتك "....
ـ " ودمي أنا سيكون في رقبة من ....؟"
هنا صاح هورشيو :
ـ " يا صاحب الجلالة .."
التفت هاملت ومعه شبح السيد الوالد إلى هورشيو الذي شاعت
على وجهه ابتسامة ماكرة وهو يقترب من الشبح في ثقة..
ـ" لقد اشتقنا لرؤية وجه جلالتك .."
- " لا تقترب..."
هكذا هدر صوت الشبح منذراً ..لكن هورشيو كان مصمماً ...
- " سأفعل" ...
- " لا تقترب "...
- " سأفعل ........................"
وفي اللحظة التالية كان هورشيو ينزع الخوذة عن رأس الشبح ...
وشهق هاملت .. كان الشبح أحد الحراس الثلاثة الذين اختفوا في ظروف غامضة ..
ونظر هورشيو إلى هاملت في انتصار على حين
تكور الحارس ـ الشبح سابقاً ـ عند قدمي هاملت متوسلاً ...
" - ما الذي دفعك لترتكب الأثم في حق سيدك ؟ "
رفع الحارس طرفه إلى هاملت في نظرة استجداء وقال :
- " أعداء المملكة كثيرون يا مولاي ويدفعون بسخاء ..يتخلصون
من الملك كلوديوس عن طريقك من ثم يجدون سببا مقنعاً في غزو
البلاد انتقاماً ممن قتل الملك الطيب كلوديوس "....
ثم صرخ فجأة :
" - الرحمة يا مولاي" ..
أنتفض هاملت و هوروشيو لصرخته المفاجئة ..ثم تمالك هاملت
أعصابه وصاح بالحارس في غل :
- " أعطني سبب واحد لكي أرحمك يا أبله" ....
ثم التفت إلى هورشيو وسأله :
"- كيف عرفت ؟"
ركل هورشيو الحارس بطرف حذائه وهو يقول :
"- أنا لا أومن بالأشباح يا صديقي كما تعلم وما كان لإيماني أن
يتزعزع لمجرد رؤية ممثل فاشل وخائن "....
نظر هاملت إلى الأفق وشعر بارتياح وانشراح في صدره .. لقد
تغير واقعه الكئيب ..الأن يمكنه أن يتزوج أوفيليا بدلاً من تضييع الوقت
في جعلها تجن ..و يمكنه الوقوف بجانب عمه كلوديوس ضد أعداء المملكة .. كانت أيام مجيدة تنتظره ..
وكان الواجب يحتم عليه أن يشكر أحدهم ...


***









عودة إلى الزائر ( يحكيه : أحمد شكري )

رشفت أخر رشفة من كوب الشاي الخامس أو السادس لم أعد
أذكر تقريباً.. ووضعت الكوب على المنضدة التي أمامي ...
لقد انتهيت ......
كان الأخ هاملت قد تغير حاله وكأن لمسة سحرية قد حولته من
شخص حائر مكتئب إلى شاب عادي مثل أي شاب يطمح في
مستقبل واعد ... بمعنى أصح لم يعد هاملت الذي نعرفه
"- أنت رائع ..."
ـ" الله يكرم أصلك .."
سألني في فضول :
"- كيف توصلت لحل تلك العقدة التي عقدها شكسبير منذ قرون .."
شبكت أصابعي خلف رأسي وقلت في استرخاء :
- "القصة كلها مبنية على رواية شبح .. ولا وجود لشئ كهذا ..
بعض الحمقى عندنا يصدق مثل هذا بسبب فساد حياتنا الثقافية
عبر القرون.. وحينما تتاح فرصة كهذه لكاتب ساخط مثلي ..فماذا تتوقع أن يحدث ؟"
"- أن تنهار فكرة هاملت من جذورها ....وعن عمد.. " ...
قالها هاملت مبتسماً في إشراق ..ثم أطرق إلى الأرض مستطرداً :
"- كنت أعلم أنك هورشيو منذ البداية .."
نظرت إليه في حدة فقال مستدركاً :
"- في القصة طبعاً ..."
غمغمت في عدم اكتراث :
ـ "ربما ....."
ثم إنه وجه لي السؤال التالي والذي كنت أنتظره :
"- ماذا تقترح بخصوص اسم قصتي المعدلة ...؟"
قلت وانا أغوص اكثر في مقعدي :
ـ " حاملت" ...
ـ "هامـ..هامـ "...
طبعاً حاول عبثاً نطق الاسم لكنني أرحته من المعاناة :
ـ " لا تحاول نطق حرف الحاء .. فلن تستطيع ..لابد أن تكون عربياً أو على الأقل عبرانيا..."
قال في دهشة :
ـ " ولماذا اخترت هذا الاسم الذي يصعب على أمثالي نطقه ؟"
ـ " لهذا السبب بالتحديد ...."
قلتها وأنا أغمض عيناي مبتسماً ..وسمعته يقول شيئاً ما :
ـ " أنا جائع هل لديك شيء يؤكل ..؟"
ـ " لدي .. لكن هضمه لن يكون أسهل من نطق حرف الحاء.."


***


كانت ليلة باردة لكن بلا أمطار ....
لكنها كانت تمطر أشياء أخرى فيما يبدو ...
عشرات الشخصيات التي خرجت لتوها من عالم لا ينتمي
إلى عالمنا المعاصر كانوا يتقدمون وسط الحقول في تؤده
ويتجهون مباشرة إلى منزلي المتواضع ... كانت شخصيات
متباينة ..رجال ونساء شباب وشيوخ ..حفل تنكري ..
هذا هو ما خطر لي وانا ألوح لهم بكفي محيياً من الشرفة ..
طبعاً كان هناك وجه مألوف لي ولكم بين كل هؤلاء ...
إنه هاملت سابقاً و حاملت حالياً كان يبتسم لي ويهز رأسه
في وقار ...وكان يشير إلي كأنه يقدمني إليهم ...
هنا شاعت البشرى في الوجوه وتهللت أساريرهم
بقليل من الذكاء عرفت من هؤلاء ... كما لكم أن تخمنوا ..
كان حاملت يتأبط ذراع فتاة حالمة ...طبعاً لم تكن إلا أوفيليا...
لقد صارا زوجين واعدين ...ذكروني أن أعدل أسم أوفيليا
أيضاً ربما اجعله ألفت أو فوقية .. المهم تعالوا نتعرف على الباقين
هذا الشيخ العجوز يمكنك أن تخمن بسهولة أنه الملك لير ..
وذلك الرجل ذو التاج وزوجته ذات النظرة الباردة الخالية
من الحياة تقريباً لم يكونا سوى ماكبث وحرمه ..
أما زوج العصافير هؤلاء فهم روميو وجولييت ...
هذا العملاق الأسود لا يمكن أن يكون البواب طبعاً ..إنه عطيل
لكن أين ديدمونة ..؟ أخشى أن يكون قد قتلها وجاء هنا ليختبئ عندي ..
لكن لا ...ها هي تتقدم على استحياء ..حقيقة لا أعرف ما علاقة تلك
العصفورة الرقيقة بذلك البلدوزر لكنه خيال شكسبير المريض !!..
وقفت أخمن حتى اعيتني الذاكرة .. كل هؤلاء تسربوا من بين يدي
صانعهم وجاءوا هنا كي يحذو حذو حاملت ..
رباه .. يبدو أن هناك المزيد من العمل المضني ينتظرني..



***


تمت
[/justify]


قديم 02-08-2015, 03:30 PM
المشاركة 2
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أهلا بالأستاذ عمرو مصطفى

إبداع مسرحي ممتاز بلا شك . ينقلنا فيه الكاتب من عنف المأساة إلى رحاب الحكمة .

تحياتي و تقديري .

قديم 02-08-2015, 03:53 PM
المشاركة 3
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أهلا بالأستاذ عمرو مصطفى

إبداع مسرحي ممتاز بلا شك . ينقلنا فيه الكاتب من عنف المأساة إلى رحاب الحكمة .

تحياتي و تقديري .

أهلاً بك يا أستاذ ياسر .. تشرفت بوجودك .. وبرأيك ..
لكن العمل وإن كان يتناول إحدى أشهر مسرحيات شكسبير لكنه ليس عملاً مسرحياً..
وربما كانت لك وجهة نظر في ذلك فيرجى بيانها..
تحياتي وتقديري لمشاركتك ..

قديم 02-08-2015, 06:52 PM
المشاركة 4
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أهلا بالأستاذ عمرو مصطفى

في العمق النص المسرحي هو حوار يحتمل التجسيد أي حوار قابل ليلعب على خشبة المسرح ، هناك "مسرحيات "قوية من حيث الشكل ستفقد الكثير من ألقها لو تم تمثيلها على الخشبة فتبقى عملا أدبيا للقراءة لا يرقى إلى درجة الفن المسرحي . و هناك نصوص صلبها الحوار و لا تحترم الشكل المسرحي لكنها قابلة للتجسيد في عمل درامي مسرحي و هذا تماما ما بدا عليه نصك هنا ، فرغم أنك أقحمت بعض السرد وكذا السارد لكنه لم يستطع إبعاد النص من قالبه المسرحي ، المحاكي لمسرحية هامليت ، المعتمد أساسا على محودية المكان و الزمان و كذا الحوار القابل للتشخيص الذي تعتريه الحركة الميمية و التعبير الجسدي ، و كذا تركيز النص على الشخص و قوله ورد الفعل في القول . فالنص هنا بيسر سيتم تحديد فصوله و إن كان في حاجة إلى بعض تطويل إن أريد به الخروج إلى مسرحية .

تقديري

قديم 02-10-2015, 12:52 PM
المشاركة 5
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
واضح يا أستاذ ياسر .. جزاك الله خيراً ..

قديم 02-10-2015, 09:32 PM
المشاركة 6
فاطمة جلال
مراقبة سابقة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هذا الحوار المطول
وهذه الحروف المسنوجة من الأبداع
وتعدد الشخصيات
ولغة الحوار والتكثيف والسرد المطول
لا يجيد كتابه الا كاتب مبدع كأنت

وانا أويد الأديب ياسر علي أن ما قراته هنا أقرب للمسرحية
كل التقدير

تَعَـالَ ...
نَعْـجِن مِـن الحِـرَفِ رَغِيفًـا عَـلَى مَوَائِـدِ الـكَلَامِ ...
وَنَـكْتُب رَسَائِـلَ الحَـنِينِ إِلَى اليَـاسمِينِ ....

تعـالَ...
فمن تشتاق الـروحُ اليـهم ؛ قـــد أوغلـوا فـي الغيـاب !

فاطمة جلال

.....
قديم 02-11-2015, 01:08 PM
المشاركة 7
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أستاذة فاطمة جلال ..
لاشك أن رأيكم أسعدني .. كوني اكتب قصة تصل للقاريء على أنها مسرحية!
لاشك أن هذا أمر محبب!.. خصوصاً وانا كاره للكتابة المسرحية أصلا!
فربما أكون قد اقتربت من إيجاد البديل الذي بحث عنه الكتاب قديماً ..
ولازلت أقول انني احياناً كثيرة أكتب أولاً ثم استوعب
ما كتبت ثانياً .. وربما جاء الاستيعاب بفضل قاريء كريم مثلك يا أستاذة فاطمة
أو مثل الأستاذ ياسر جزاه الله خيراً .. لكنكم أضفتم إلى شيء جديد ولا شك ..
كل التقدير لحضرتك ..

قديم 02-11-2015, 03:04 PM
المشاركة 8
زياد القنطار
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
مفردة حوارية وافية ,رفعها عمد الحرف الواثق خط سطوره .وجلاء الفكرة والإمساك بناصيتها ...أؤيد ما ذهب إليه كل من الأستاذ ياسر والأستاذة فاطمة وأرى فيه نكهة مسرحية بالإمكان الإنجاز بها ....دائماً مبدع هذا الحرف كما أنت ويسرني تتبع إبداعه ...دام الألق أستاذ عمرو ....مع خالص احترامي وتقديري

هبْني نقداً أهبك حرفاً
قديم 02-17-2015, 02:47 PM
المشاركة 9
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تقبل أنت احترامي وتقديري يا أستاذ زياد.. فلك أسلوب مميز في الرد كذلك
يجعلني أقرأ عباراتك أكثر من مرة حتى أفهم مرادك .. هل هو مدح أم ذم؟!..
والسبب هو ضحالة لغتي ولا شك ..
خالص احترامي وتقديري ..


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: حاملت!
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فتاة حالمة جميل عبدالغني منبر البوح الهادئ 15 11-23-2010 11:33 AM

الساعة الآن 08:24 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.