احصائيات

الردود
1

المشاهدات
888
 
عبدالعزيز صلاح الظاهري
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


عبدالعزيز صلاح الظاهري is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
378

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Jun 2015

الاقامة

رقم العضوية
13953
03-03-2021, 07:14 AM
المشاركة 1
03-03-2021, 07:14 AM
المشاركة 1
افتراضي "ضوء الظلام " بثوب جديد
"ضوء الظلام "

في طفولتي كانت ظلمة الليل تَشُلُّ حركتي ، تجعلني منكمشاً على نفسي ، فما أن تتغطى السماء بسواده حتى أسمع دبيب مخلوقات تقترب مني ، تحوم حولي ، كانت عيناي المختبئتان تحت الغطاء لا تتو قفان ، تدوران في محاجرهما طيلة الليل ، وعندما أشعر بحاجتي لدورات المياه ، يخرج فجأة من قلب الظلام أطياف تلك المخلوقات ، فأرتعد وأغرق نفسي ...
كنت أشعر بالهوان ، كنت أتمنى أن يتغير الحال ، كنت أود أن أصبح مثل ذيبان ، كم أنا مولع بهذا الرجل .. فبطولاته التي يصعب تصديقها حاضرة في عقول الكبار والصغار ، لقد أصبحتْ جزءاً من تراث القرى على طول الوادي ..
أتذكر أنني رأيت ذيبان بشحمه ولحمه ، في سوق القرية الكبير كان رجلٌ طويلٌ ضخمٌ ، يتطاير الشرر من عينيه.. حصل ذلك بينما كنت مع الأطفال نحيط بمجنون سلمى " ثوبان" ونهتف مرددين :
ثوبان جن جننوه
أخذوا سلمى وتركوه
هاج ثوبان وأخذ يركض خلفنا ، فدخلنا ممراً يقف فيه ذيبان ، وبمجرد رؤيته شعرنا بالخوف ، فتفرقنا ليصطدم ثوبان المسكين به ، فلطمه لطمة سمع صداها من كان في أخر السوق ... فسقط ثوبان بالقرب مني ، وقام من مكانه وانزوى بجانب أحد الدكاكين ، وجلس ودفن رأسه بين فخذيه للحظة ، ثم رفعه وحدق عميقاً في عينيّ ..
أخافتني نظراته ، فأشحت بعينيّ عنه ، وأدرت ظهري ، وأخذت أتجول في السوق ، وعن طريق الصدفة رأيت فتىً في عمري لا أعرفه قادمٌ من قرية أخرى ، تلاقت نظراتنا ، وكذلك فعلت أرواحنا ، وبدأت صداقتنا ، وخرجنا معاً وجلسنا فوق ربوة تشرف على السوق ، وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث وكأننا نعرف بعض منذ زمن طويل ..
أتذكر أنني سألته كيف تقضي يومك ؟ ضحك وقال :لا شيء سوى أنني أنام في النهار وأطوف بالليل والناس نيام ..
فسألته : ماذا تقصد بـ " أطوف بالليل " ؟!
وهنا بدأ يخبرني بأمور كنت أجهلها ، كم كانت جميلة لم أسمع عنها من قبل ، جعلتني أنظر للّيل المخيف نظرة أخرى ..
ومن يومها أصبحت أطوف باللّيل مثل صديقي ، أسمع الهمسات ، أرى الحركات من خلال الثقوب العديدة المنتشرة على جدران الطين ، وفي النهار أندس بين النخيل لأنام في رقعة اخترتها بعناية بعيدة عن العيون ..
ومع مرور الأيام أصبحت خبيراً ، وأكثر شراهة ، لم أعد أكتفي بزيارات القرى القريبة ، بل أقطع المسافات ، وأغزو القرى البعيدة ، خاصة في فصل الشتاء ، صاحب الليل الطويل ، موسم الكلمات الدقيقة والرقيقة ..
كانت الجبال والتلال هي القنوات التي أسلكها للوصل إلى غايتي ، كنت أتحاشى دائماً غابات النخيل في الليل ، رغم أنها صالحة " لنشاطي المريب " ، لأنها مسكن الجن والهوام ، كما تقول جدتي ، وفي إحدى مغامراتي اللّيلية حصل ما كنت أخشاه ، شعر بي أحدهم فصرخ : " حرامي ... ففررت " ..
استيقظ سكان القرية على الصرخة وصدى وقع أقدامي بين أزقة القرية الضيقة ، شعرت بالخطر ، فقررت أن أسلك الطريق الذي أكرهه ، وانطلقت كالسهم ، ودخلت غابات النخيل ..
توغلت في الأحراش ، كنت أتحسس طريقي على ما تبقى من ضوء القمر الذي استطاع أن ينفذ من خلال سعف النخيل ويلامس الأرض ..
وبعد أن قطعت مسافة طويلة ، اختفى صوت مطارديّ ، ولم يبقَ سوى أصوات ساكني الأحراش ، يشاركها صوت أنفاسي ، فشعرت بالأمان وتوقفت عن الركض ..
عندها افتكرت أني بين الجن والهوام ، إنهم يحيطون بي ، ينظرون إلي ، فمساكنهم على الأرض فوق الجذوع والأغصان ..
ازداد إيقاع قلبي ، فأخذت ألتفت مرعوباً في جميع الجهات ، أرفع قدماً وأنزل أخرى بكل هدوء على الأرض المليئة بالحشائش الجافة ، كانت عينايّ وجميع حواسي تعمل بأقصى طاقتها ..
توقفت ... اختبأت خلف جذع نخلة عندما رأيت منظراً لن أنساه ما حييت ..
رأيت ثوبان " مجنون سلمى " ، يلوّح بعصاً غليظة في وجه ذيبان المرعب ، بينما كان ذيبان جاثياً على ركبتيه يطلب الرحمة منه ..
كان ثوبان يصرخ في وجه ذيبان مردداً : أتسخر مني أيها الأحمق ؟ وأنا من صنعك ، أهذا كل ما جنيته خلال هذا الأسبوع ؟
أقسم بالله أن هذا كل ما حصلت عليه ..
أتعلمُ لو اكتشفت خلاف ذلك ماذا سيحصل لك ؟
أقسم بالله أن هذه هي الحقيقة يا سيدي ..
فركله ثوبان وصرخ : هيا قم واغرب عن وجهي ..
وبمجرد أن اختفي ذيبان خلف جذوع النخل وظلمة الليل وقف ثوبان برهة من الزمن ، طاف خلالها بنظره في المكان دافعاً رأسه للأمام ، فرأيت عيناه ، تذكرتهما ، تذكرت بريقهما عندما رأيته أول مرة في السوق ..
غادر ثوبان وضللت في مكاني ملتصقاً بجذع النخلة حتى طلعت شمس الصباح ، لم يكن ذلك بسبب الخوف بل كنت مبهوراً لاكتشافي أن الظلام له ضوء !.


قديم 03-03-2021, 12:04 PM
المشاركة 2
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: "ضوء الظلام " بثوب جديد
إنها عوالم الليل والطفولة وما تكتنزه من مفارقات وحب للاستكشاف، ولعل تبادل الأدوار بين ثوبان وذبيان واحدة منها.

دمت مبدعا.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: "ضوء الظلام " بثوب جديد
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الفرق بين كلّ من "البِشْر" و"الهشاشة" و"البشاشة" : ماجد جابر منبر الدراسات النحوية والصرفية واللغوية 4 04-11-2022 08:23 PM
كتاب جديد بعنوان " داوود وجالوت" للكاتب مالكوم جلادول ايوب صابر منبر رواق الكُتب. 2 12-07-2013 11:57 AM
رواية"أسوار الظلام" خا لد عبد اللطيف منبر القصص والروايات والمسرح . 5 05-26-2012 11:51 PM

الساعة الآن 06:22 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.