احصائيات

الردود
22

المشاهدات
9693
 
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي


محمد جاد الزغبي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,179

+التقييم
0.18

تاريخ التسجيل
Jan 2006

الاقامة

رقم العضوية
780
11-21-2010, 09:00 PM
المشاركة 1
11-21-2010, 09:00 PM
المشاركة 1
افتراضي قصة النكسة
قصة النكسة


لا يمكننا التصدى لقراءة حرب أكتوبر العظيمة , ببداية أحداثها باعتبارها نقطة البدء ,
لأن حرب أكتوبر كانت ـ ولا زالت ـ مجرد حلقة من حلقات الصراع الساخن بيننا وبين الغرب ,
وهذا الصراع الساخن مر بمراحل متفاوتة عبر التاريخ جنبا إلى جنب مع الصراع الثقافي والصراع الإجتماعى فيما يمكن أن نسميه بالصراع الإستراتيجى بين الإسلام والغرب ,

وقد بدأت المواجهات الساخنة المعاصرة بحرب 1948 م ,
وتكونت حلقات هذا الصراع فيما بعد لتفضي إلى حرب العدوان الثلاثي عام 1956 م وحرب يونيو1967 وحرب أكتوبر 1973 م وهى آخر الحلقات الكبري حتى اليوم ,
لهذا ففهم حرب أكتوبر يستلزم له إدراك جزئية هامة وهى أنها حلقة أو معركة فى حرب ساخنة طويلة المدى بدأت سخونة الصراع فيها قديما بالحملات الصليبية حتى تكونت الحلقات المعاصرة بحروب ما يسمى بالصراع العربي ـ الإسرائيلي والذى هو فى حقيقته صراع إسلامى ـ غربي
وهى الحقيقة التي تمكن الغرب من تغييبها بواسطة بعض كُتابنا ومفكرينا ممن استنسخوا الثقافة الغربية وجلبوها بنصرة الإعلام الموجه لتقلب الصراع إلى حوار حضارات مزعوم !
فلم يدخل الغرب علينا بالحوار
بل دخل بالسلاح والفتن وسياسة ( فرق تسد )

والذى يريد أن يقرأ أكتوبر ويقرأ فيها ويفهم معجزتها ويستخرج الفائدة الحقيقية منها ..
لابد له أن يراجع أولا أساليب الصراع العسكري الحديث منذ عام 1948 م وحتى أكتوبر , ويستفيض فى التركيز على الحلقة الثالثة ـ المرتبطة ارتباطا مباشرا بأكتوبر ـ وهى معركة يونيو 1967 م ,
لأن المعركتان كانتا عبارة عن وجهين متناقضين لعملة واحدة ,
وفهم أحداث التاريخ ـ لكى لا تتكرر الأخطاء ـ يقتضي تدارس أسباب القصور ومسبباته فى حرب يونيو والإطلاع الواعى عليها فى سائر المجالات عسكريا واجتماعيا وسياسيا للوقوف على الدروس المستفادة التى أنجبت الحلقة الرابعة من حلقات الصراع وهى حرب أكتوبر المجيدة ,

وقبل هذا وبعده ..
فالذى يريد فهم حقائق الصراع الساخن ومراحله الحديثة المتمثلة فى الحروب العربية ـ الإسرائيلية ,
لابد له أن يشمل بنظرته جوانب الصراع الإستراتيجى بيننا وبين الغرب ,
فالمواجهة بيننا وبين إسرائيل لم تكن أبدا مواجهة محدودة بإسرائيل وحدها ,
بل كانت إسرائيل ولا زالت مجرد أداة من أدوات الصراع وتمثل قوة الغرب فى حربه ضد الحضارة الإسلامية فى المنطقة العربية ,
كذلك فإن المواجهة بيننا وبين الغرب ولم تكن مواجهة مسلحة فى صراع ساخن فحسب ,
بل إن المواجهات الساخنة صاحبتها ومشت معها مواجهات حرب باردة أيضا شملت بجوانبها صراعات حضارية إجتماعية وسياسية واقتصادية وفكرية ,

ولتلخيص هذا كله .. نقول ..
إنه من أسباب القصور الشديد فى التفكير أن نتدارس المواجهات العسكرية باعتبارها لب الصراع وجوهره الوحيد ,
بل يجب أن نشمل بالمعالجة والدراسة قصة المواجهة الشاملة بيننا وبين الغرب ,
والأهم من هذا وذاك :
أن نتيقن أن إسرائيل ليست طرفا مواجها فى صراع ,
بل هى مخلب القط ,
والمخلب وراءه يد مليئة بالمخالب
واليد ورائها جسم القط وعقله الذى يدير به الصراع ,
فإذا تم التركيز على المخلب الظاهر وحده ـ وهو إسرائيل ـ فمعنى هذا أننا سنظل إلى الأبد نحاول تدمير هذا المخلب بلا فائدة , لأن الصراع أكبر من هذه الأداة البسيطة ,
وحتى لو سلمنا جدلا بأنه يمكننا تدمير المخلب فلا يعتبر هذا نصرا من أى وجه من الوجوه ,
فالمخلب المدمر له بدائل متعددة متمثلة فى عشرات المخالب الأخرى ,
ووراء كل هذا جسم كامل يمتلك من أسباب الحياة ما يؤهله لإنتاج عشرات المخالب بعشرات الوجوه ليستمر النصر حليفا للغرب فى مواجهة الأمة الإسلامية التى تتعامل مع الصراع بمحدودية تفكير لا مزيد عليها ,

وفى هذا الشأن يقول مفكرنا الكبير الدكتور عبد الله النفيسي[1] :
( إن إسرائيل هى المرحلة الخامسة من مراحل الصراع بيننا وبين الغرب ـ فلا تصدقوا أن إسرائيل دولة مستقلة يساندها الغرب مجرد مساندة لكسب المصالح ـ
بل هى الذراع الطويلة التى يستخدمها الغرب لمحاربتنا وهى مجرد أداة وهراوة تستجيب للأوامر
فالغرب هو الذى أنشأ إسرائيل فى المفصل بين مصر والشام وهو الذى أمدها بأسباب الحياة , وإسرائيل لا تستطيع العيش بعيدا عن الغرب ولو رفع الغرب يده عنها لذبل هذا الكيان الصهيونى )

ويتحدث أيضا عن المراحل السابقة لحرب الغرب على الإسلام والتى تمثلت أولا فى الصراع العسكري المسلح بالحملات الصليبية التى فشلت عندما كانت دولة الإسلام تدرك أين حقيقة قوتها المبنية على وحدتها الإسلامية ,
وتلتها الحملات العسكرية فى الصراع الحديث التى قوضت الخلافة كهدف أول لها فى كسب الصراع ,
ونجحت فى ذلك ,
ثم قامت بتقسيم وترسيم الحدود بين أبناء المنطقة العربية التى ما شهدت عبر التاريخ ترسيما للحدود يقسمها إلى شظايا جغرافية تفصل بين أبناء الوطن الواحد والدين والحضارة الواحدة بعد أن كان العالم العربي الإسلامى من المحيط إلى الخليج أرضا واحدة لشعب متحد على التوحيد ,
ثم جاءت المرحلة التالية بغرس الفكر الغربي القومى العنصري فى أذهان بعض المتغربين وأنصار التوجه نحو المذاهب الإنسانية المختلقة ,
وهؤلاء هم الذين حظوا برعاية الغرب وبسط لهم قوة الإعلام وآلته الجبارة ليمسخ عقولهم ويمحو منها أى انتماء للإسلام والحضارة الإسلامية ويدمغها بطابع التخلف ليتسنى للغرب استخدام هؤلاء المفكرين فى تقويض المجتمع الإسلامى من داخله عن طريق ضرب العلاقة بين المسلمين والإسلام ,
وقد تمكن من السيطرة على مفكري المذاهب الإنسانية بأساليب بالغة التعقيد ,
فمنهم من استقطبه بعمالة صريحة وواضحة , مثل على سالم وفرج فودة ومحمد خلف الله وغيرهم في العصر الحديث
وأغلبهم تم استقطابهم عن طريق الإيقاع النفسي المتمثل في المدح والتقدير المبالغ فيه والجوائز العريضة ذات المسميات الشهيرة التي يتم منحها لهؤلاء المفكرين وتصويرهم في الإعلام الغربي الجبار باعتبارهم أساطير تمشي على الأرض !
وبالطبع كلما كانت مساهمات هؤلاء المفكرين تحمل طعنا في ثوابت الإسلام الرئيسية كلما كان احتفاء الغرب أوفر وأقدر , وهؤلاء منذ مطلع القرن العشرين وهم يملئون الساحة في مصر وتقترن أسماؤهم بألفاظ وألقاب التفخيم والتعظيم بشكل مذهل ,
مثل طه حسين ـ قبل تراجعه عن أفكاره قبل وفاته ـ ومثل أحمد لطفي السيد وسلامة موسي وغيرهم عشرات من مفكرى اليسار الماركسي والعلمانية والفلسفة الوجودية
وهذا هو المخطط البريطانى الشهير الذى نجح الإستعمار فى تطبيقه مصداقا للحقيقة التى عبر عنها المندوب البريطانى فى العراق عندما قال :
( إننا لن نستطيع السيطرة عليهم فى وجود هذا القرآن )
وقد كان ..


الهوامش
[1] ـ محاضرة للدكتور النفيسي بعنوان ( حال العرب بعد غزة )


قديم 11-21-2010, 09:05 PM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نجح الغرب فى تصدير أفكاره إلى رعاة الرأى العام من المفكرين ودفعهم إلى التوجه للمذاهب الإنسانية واعتبار القرآن والسنة والحضارة الإسلامية تاريخا غير مُلزم ولا يناسب التوجه العصرانى الحديث
فظهر مبشرو العلمانية والشيوعية والوجودية والقومية ,
وهى كلها مذاهب تتفق ـ على اختلافها الظاهرى ـ فى مبدأ واحد
وهو ضرب الإنتماء للثقافة الإسلامية وضرب الإيمان بأن دين الإسلام منهج سماوى كامل لسائر جوانب الحياة والإكتفاء بحصر الدين ومبادئ الدين فى دور العبادة فقط !

ثم جاءت المرحلة الأخيرة من مراحل الصراع وهى غرس الكيان الصهيونى فى قلب الأمة العربية الإسلامية وتحديدا فى المفصل الشامى المصري لمنع أى اتحاد بين مصر والشام بعد أن ذاق الغرب الويلات من اتحادهما القديم ,
وهذه الفكرة الرهيبة ـ فكرة الفصل بجسم غريب بين مصر والشام ـ ابتكرها نابليون بونابرت وسعى لتنفيذها فعلا فى حملته على مصر والشام , وجاءت من بعده السلطات البريطانية فوضعت الفكرة موضع التنفيذ[1]

ومع ابتداء حركات التحرر الوطنى بالإنقلابات العسكرية , والتى بدأت في مصر عام 1952 ,
بدأت عهود الحكم الديكتاتورى المطلق القائم على القوة العسكرية الجبرية والحكم الفردى والحكومات البوليسية , وانتهى العصر الدستورى القائم على المشاركة الشعبية والثورات الجماهيرية الحقيقية التي تمثلت في ثورة 1919 م مثلا
ومع بداية هذا النوع من الحكم انتهى عمليا دور الجماهير والمفكرين والمثقفين ليخلو الجو لمفكرى ومثقفي السلطة وتدور الأوطان في فلك شخص واحد يمثل النظام ,
وبالتالى أصبحت السيطرة على شخص الحاكم بأى وسيلة تعنى مباشرة السيطرة على بلاده بأكملها لأن الصورة القديمة التي كانت تعتمد على جمهور واع يجبر حكامه على الإلتزام بالخط الوطنى برقابة شعبية فاعلة ,
هذه الصورة أصبحت في ذمة التاريخ عمليا
وليس من الضرورى أن يتجه الغرب لتجنيد الحكام تجنيدا مباشرا للسيطرة ,
بل تعددت الأساليب التي يتمكن بها الغرب من بسط النفوذ المطلق على أوطاننا بالسيطرة على الحكام ـ حتى الوطنيين منهم ـ بإدارة سياسية للصراع تعتمد اعتمادا تاما على أن الحاكم في أى قطر عربي هو موطن تركيز القوة ,
وبالتالى فهزيمته أو خداعه أو توجيهه يصبح أمرا أيسر بكثير من ممارسة هذه السيطرة على الشعوب إذا كانت شعوبا حرة ديمقراطية تتحكم في حكامها وتراقبهم
ولهذا مثلا سقط حكام وطنيون في شبكة الغرب دون أن يبذل الغرب جهدا لاستمالتهم بدافع الخيانة ,
بل على العكس استغل وطنيتهم التي اقترنت بصفات الأنا والإنفراد بالذات في تحقيق أهدافه كاملة ,

ولعل أبرز الأمثلة الحديثة صدام حسين الذى ركزت عليه الولايات المتحدة حربا نفسية ماهرة وأوحت له عبر مخطط مرسوم باجتياح الكويت وتلقي من الإدارة الأمريكية تنويها عابرا أن الولايات المتحدة لا تنوى التدخل في أى خلافات عربية ـ عربية
وتم المراد واجتاح صدام الكويت تحت رقابة وتشجيع الولايات المتحدة التي كانت تراقب التحركات العراقية رقابة تامة إلى الحد الذى سمح لها أن تنقذ العائلة الحاكمة في الكويت بالوقت المناسب وتنقلهم للسعودية قبيل الغزو مباشرة ! [2]
دون أن يتساءل صدام حسين أو يكتشف اللعبة ودون أن يكتشفها حتى بقية الحكام العرب , وأولهم أمراء الكويت الذين أنقذتهم الفرقة الأمريكية بشكل يشي بأنها كانت تعلم التفاصيل الكاملة للغزو
فلماذا لم تتدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر ـ لو كانت النوايا مخلصة ـ لمنع صدام من الغزو
ولماذا كان الصوت الأمريكى غائبا تماما عن ساحة الصراع على النفط بين العراق والكويت ولم تتدخل السياسة الأمريكية في الأمر ولو بتصريح واحد !!
بينما عندما وقع الغزو فعلا ,
لم نجد الحضور الأمريكى يقتصر على الصوت أو التصريحات فقط ,
بل قامت العاصفة الأمريكية في المنطقة وبسرعة محمومة لتقلع القوات الأمريكية إلى المنطقة وتحتل أماكن شاسعة كقواعد عسكرية دائمة قرب مناطق النفط ,
وفق ما كانت تخطط له من البداية عن طريق استخدام صدام حسين لتحقيق الذريعة الكافية ,
ونفذها صدام حسين بشكل تام الدقة وبأفضل مما يفعله أى عميل مأجور يؤدى دورا مرسوما له
رغم أنه كان مثالا في وطنيته !

فهذه اللعبة مع صدام حسين ما كانت لتنجح لولا أن النظام العراقي ـ والعربي بشكل عام ـ منذ مطلع الثورة المصرية لم يتحول إلى النظام الأتوقراطى ( نظام ما هو أقوى من الديكتاتورية حيث أن الأوتوقراطية معناها تعلق الحكم بشخص واحد يملك كافة شئون الحكم , ويكون شخص الحاكم هو نفسه النظام , بينما الديكتاتورية هى تسلط نظام حكم متعدد الأشخاص في الحكم الجبري على الشعوب )
وهكذا ..
عندما بزغت بوادر الحكم العسكري في مصر وقامت مصر بتصدير هذا النمط لدول الجوار العربي
وجد الغرب أن الفرصة جاءته على طبق من فضة دون أى مجهود ,
ذلك أن الثورة المصرية بعد أن صعد إلى سدتها جمال عبد الناصر وتمكن من إزاحة محمد نجيب , قام بتحقيق هذا الهدف ـ دون أن يدرى ـ عندما اعتمد التوجه القومى والقومية العربية كأساس للتوحد بين أبناء المنطقة العربية
وتم استبعاد الإسلام كرابط مشترك من عوامل الصراع نهائيا
وليت أن الأمر اقتصر على الإستبعاد ,
فقد جاءت القومية بحرب فكرية عنيفة ضد التوجه الإسلامى لمنع ظهوره لما يمثله من خطورة تقضي على دعاوى القومية باعتبار أن الإسلام نبذ التعصب للعرق والجنس نبذا تاما ,
والأهم ..
أن الإسلام قائم على الشورى ورفض تسلط الفرد وعلى العدالة التامة بين الحكام والمحكومين مما يمثل خطورة بالغة على أى نظام حكم متسلط
فخاضت السلطة في مصر حربا عنيفة ضد الثقافة الإسلامية والإنتماء للإسلام وتم إعادة اختراع التاريخ على أساس قومى يجمع العرب وحدهم في الصراع مع الغرب
ثم ضاق الصراع أكثر ليخرج للوجود مصطلح بالغ الخطورة وهو مصطلح ( الصراع العربي ـ الإسرائيلي )
وهذا المصطلح تمكن من تحقيق أكبر أهداف الغرب دون أن يطلق طلقة واحدة !!
فقد تم استبعاد الشعوب الإسلامية من رابطة الصراع ضد الصهيونية رغم أن أساس الصراع هو أساس دينى في المقام الأول لأن الدولة اليهودية قامت أصلا على هذا الأساس ,
بالإضافة إلى أن القدس ـ وهو الحرم الإسلامى الثالث ـ يربط القضية بالمسلمين ارتباطا عضويا لا مجرد ارتباط شكلى كما نجم عن تيار القومية وأصبحت العلاقة بين العرب القوميين وبين الدول الإسلامية عبارة عن علاقة ظاهرية بين أقطار لا يجمعها جامع إلا الدين !
وهو رابط ـ وفق التوجه القومى ـ لا يمنح الدول الإسلامية دورا في هذا الصراع من الأصل



الهوامش :
[1] ـ المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل ـ الجزء الأول ـ محمد حسنين هيكل ـ دار الشروق
[2] ـ حرب الخليج ـ محمد حسنين هيكل ـ مركز الأهرام للترجمة والنشر

قديم 11-21-2010, 09:07 PM
المشاركة 3
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بخلاف أن التيار القومى جعل الصراع مع إسرائيل حصرا ,
ولم تصبح المواجهة مع الغرب إلا مواجهة الداعم لإسرائيل , مجرد داعم يمكن استقطابه أو تحييده لا طرفا أصيلا في المعركة
أما الطرف الحقيقي في الصراع فأصبح الدولة اليهودية ,
وهذا الأمر كانت له أخطر الآثار إذ أن العلاقة العربية ـ الغربية لم تصبح علاقة صراع وعلى قدم المساواة في المواجهة مع إسرائيل بل أصبحت قضية صراع سياسي يقبل الحلول السياسية ولا يجد تناقضا بين أن تكون لنا أقوى العلاقات مع دول الغرب باعتبار أنهم طرف ثالث محايد أو شبه محايد !
وهكذا رتع الغرب ممثلا في أوربا والولايات المتحدة بين عناصر الثروة العربية واستبدل الغرب الإحتلال العسكري بالإحتلال الفكري والإقتصادى والسياسي
والأثر التطبيقي المباشر لهذا الأمر ,
هو اعتبار الولايات المتحدة مجرد طرف يميل بمصالحه إلى إسرائيل ,
وعليه ظهرت بعض وجهات النظر الخيالية التي تقول بإمكانية تحييد الولايات المتحدة عن الصراع مع إسرائيل أو استقطابها لصالحنا دون أن يدرك القوميون المغيبون أن أصل المواجهة هى مواجهة مع الولايات المتحدة كممثلة للغرب وليست مواجهة مع إسرائيل !!

وعليه ..
بدأت علاقة عبد الناصر رائد القومية العربية بعلاقة حميمية وحسنة مع الطرف الأمريكى في بداية الأمر ,
وسعت مصر في قيادتها الجديدة إلى اكتساب الولايات المتحدة !
لا سيما بعد أن انحازت السياسة الأمريكية إلى مصر فقامت بحماية الثورة الوليدة من التدخل البريطانى , وكان التدخل البريطانى عن طريق قواته في القناة والبالغة 80 ألف جندى كفيلة بالقضاء على النظام الجديد في ساعات ,
لولا أن مد النظام الجديد علاقته مع الولايات المتحدة عن طريق علىّ صبري الذى قابل الملحق الجوى الأمريكى وشرح أهداف الثورة وأنها لا تهدف للمساس بمصالح الأجانب في مصر ,
ونظرا لأن الصراع الغربي بين الحيتان كان مشتعلا , وكانت الولايات المتحدة تتطلع في طمع إلى تركة البريطانيين , فقد تدخل الأمريكيون لحماية الثورة الوليدة
وبالفعل لم يتدخل البريطانيون لتنفيذ الخطة ( روديو ) والذي حصلت على موافقة رئيس الوزراء البريطانى وينستون تشرشل وكان الغرض منها استغلال أزمة الخلافات والتدخل في مصر عسكريا وإعادة احتلال القاهرة والدلتا

كما تدخلت الولايات المتحدة في صراع مجلس قيادة الثورة مع محمد نجيب إلى جوار عبد الناصر على نحو ما ورد في مذكرات أحد أبرز قادة ثورة يوليو وهو خالد محيي الدين !
ثم كانت الخاتمة بتدخل الولايات المتحدة لصالح مصر في حرب العدوان الثلاثي وتمكنت من رد الإعتداء ووقف احتلال بريطانيا وفرنسا لمصر في مقابل اتفاقية بين جمال عبد الناصر وأيزنهاور يضمن فيها أيزنهاور لإسرائيل حرية الملاحة في خليج العقبة وعدم تدخل مصر عسكريا بأى عمل ضد إسرائيل لمدة عشر سنوات تمهيدا لاتفاقية سلام نهائية ! [1]
وتم تنفيذ الإتفاق كاملا ..
وتجمد الصراع مع إسرائيل لعشر سنوات تمتعت فيها إسرائيل بالحماية في وجود قوات الطوارئ الدولية بينها وبين مصر , وتمتعت كذلك بحرية الملاحة في خليج العقبة ووجود قوات الطوارئ في قلب سيناء عند شرم الشيخ ! بالإضافة لنقاط الحدود الدولية
وهذه الأمور ما كان لها أن تحدث لو كان الأساس الذى يحكم عبد الناصر هو الأساس التاريخى والحضاري المعتمد على معادلة الإسلام والصراع المستميت بينه وبين الغرب ,
ذلك لأن التوجه القومى قفز فوق التاريخ وطمس حقائق المواجهة واعتبرها من منتجات المتاحف وظن بنفسه القدرة على إنشاء علاقات وطيدة بالغرب ممثلا في أكبر طغاته الجدد .. الولايات المتحدة الأمريكية
بينما كان التوجه الإسلامى المستند إلى حقائق التاريخ يمنح معتنقيه إيمانا كاملا بأن الصراع مع الغرب هو المعادلة التي لا تنتهى وأنها مستمرة إلى قيام الساعة

ثم أعادت الولايات المتحدة النظر إلى العلاقة بعد أن استدعى عبد الناصر النفوذ السوفياتى للمنطقة
مما استدعى معه إعادة النظر في نظام عبد الناصر القومى الذى أخذ الجانب السوفياتى كاملا في المجالات السياسية والإقتصادية والعسكرية ,
فأصبحت مصر شيوعية السياسة والإقتصاد , ولكن بعد تخفيف وقع الشيوعية بمسمى آخر لا يغير شيئا من المضمون وهو مسمى الإشتراكية !
واستخدم عبد الناصر الجهاز الإعلامى المنفرد لفرض التغيير على عقيدة الشعب إجتماعيا ودينيا وثقافيا ,
وكتم أى صوت مخالف ليتمكن من فرض هذا التغيير !
عن طريق فرض التأميم على الصحف وضرب معاقل الفكر الإسلامى والسيطرة على مؤسسة الأزهر سيطرة تامة بقانون إصلاح الأزهر ثم السيطرة العسكرية على البلاد بقبضة حديدية ليتغنى الشعب ببستان الإشتراكية !
وأصبح الحديث في الخطب الرنانة يتحدث ( باسم الأمة ) و ( باسم الشعب ) !!
واختفت بسم الله من الخطاب الرسمى إلا على سبيل البركة ودفع الحرج !
وحل ( الميثاق) محل القرآن وأصبح الميثاق ( وهو كتاب يحتوى ما يسمى بالمبادئ الإشتراكية كتبه محمد حسنين هيكل رائد التنظير لعصر عبد الناصر ) أصبح هو المرجعية وهو الدليل
وحلت كلمات مثل ( القومية ـ التقدمية ) محل التوجه والإنتماء الإسلامى !
وأصبح ( الإتحاد القومى ) الذى تغير إلى ( الإتحاد الإشتراكى ) هو القبلة الجديدة التي يجب أن يتبرك بها المواطنون من تحالف قوى الشعب العامل ضد الإمبرالية والإستعمار !
وأصبح الدين ـ كما عبر عنه محمد حسنين هيكل ـ عبارة عن شيئ في الضمير وليس من الضرورى أن يُتخذ أساسا لأى إدارة في أى شأن من شئون الوطن
وعمت الصراعات المستحيلة في المنطقة العربية بين التوجه القومى الذى تمثله مصر وبين الدول الملكية القديمة التي رأت في الملكية عالم من الرجعية ,
واتخذ الصراع جانبا دمويا ولم يقتصر على الشتائم المتبادلة في الصحف أو الإذاعات , والتى كانت بحق ملهاة مضحكة في العالم كله على العلاقات العربية التي تدعى التضامن
وتورطت مصر بجيشها في اليمن لمحاربة قوات الملكية التي تدعمها السعودية هناك ,
لتصبح المعركة الهجومية الوحيدة التي خاضها الجيش المصري في عصر عبد الناصر ضد السعودية !
وكانت بريطانيا هى الداعم الأكبر لهذا التوريط وهى التي تولت استقطاب عشرات الآلاف من المرتزقة ليحاربوا الجيش المصري في اليمن بحرب العصابات التي أفلست الإقتصاد المصري ودفعت بنصف الجيش المصري وقوته الضاربة إلى متاهات الجبال اليمنية ليحارب طواحين الهواء
وسادت ـ بناء على نتائج التيار القومى ـ نظرية تقول أن الطريق إلى القدس يمر ببعض العواصم العربية !
في محاولة لفرض القناعة بأن الصراع الرئيسي ليس صراعا بيننا وبين الغرب أو بيننا وبين إسرائيل بل هو صراع بين التقدمية والرجعية في العالم العربي ويجب أن تسود الوحدة التقدمية بلاد العرب جميعا !!
ثم نلفت بعد ذلك للصراع مع إسرائيل !




الهوامش :
[1] ـ لمراجعة التفاصيل يرجى العودة إلى ( نحو حكم الفرد ـ دراسة فى مذكرات قادة يوليو ) ـ د. محمد الجوادى ـ دار الخيال

قديم 11-21-2010, 09:09 PM
المشاركة 4
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حدث كل هذا ..
والغرب يتأمل بسخرية وتأن وهدوء ..
ولا مانع بالطبع من زيادة سخونة الصراع عن طريق استفزاز العرب إعلاميا ليزدادوا تورطا في الصراعات القومية ويصدق الزعماء أنفسهم !
وكانت الكارثة الـمُرة يوم أن صدق زعماء العرب في تلك المرحلة ما يروجونه من شعارات !
فانطلقت التصريحات الخيالية التي تثير الدهشة حقا ,
فقد روجت القيادة المصرية مثلا أن قواتنا هى أقوى قوة ضاربة في الشرق والأوسط , كما تضمنت تصريحات جمال عبد الناصر كثير من العبارات التي تلهب حماس الجماهير وتؤكد زعامته للعالم العربي ويصفق لها المغيبون
فسمعت الجماهير من عبد الناصر عبارة ( أمريكا إن لم يعجبها البحر الأحمر تشرب من البحر الأبيض ! )
وغير ذلك من العبارات التي توهم الجماهير العربية بأن فناء إسرائيل وتدميرها هو أمر رهن الإرادة العربية , وأن جمال عبد الناصر سيلقن الغرب كله ـ وليس إسرائيل فقط ـ درسا قاسيا إذا فكرت في التعرض له ,
ولم تكن غيبة عبد الناصر عن واقع حاله بسبب أنه صدق انتصاره في حرب 1956 م وظن بالفعل أنه انتصر على إنجلترا وفرنسا فحسب
بل كان السبب الرئيسي أن مغامرات عبد الناصر بالتدخل في اليمن والكونغو أغرته بالمزيد , وظن أنه بالفعل قادرا على تحدى القوى العظمى التي باتت تخشي سطوته !
دون أن يدرك للحظة واحدة أن مغامراته كلها تمت بتدبير غربي , على نحو ما فعلت بريطانيا معه في اليمن وكان يسعدها أن ترى القوات المصرية تتضاعف كل يوم في جبال اليمن ,
وعلى نحو ما فعلت معه الولايات المتحدة عندما سمحت له بتفريغ شحنات الإستفزاز عبر خطب رنانة تأكل قلوب الجماهير وتجعلها في قمة السعادة ,
وتركته حتى تمت طبخة يونيو ..
ليصحو على الحقيقة المرة وهى أن الزعيم الذى أرسل جيشه ليحمى الثورة اليمينية ويتدخل في الصراع على السلطة في الكونغو لصالح ( لومومبا ) ويطلق التصريحات الرنانة عن حمايته لثورة العراق وحمايته لسوريا وأن أى اعتداء على أى منهما هو اعتداء على الجمهورية العربية المتحدة , وكل هذا في تهديدات صريحة
هذا الزعيم بكل جلالته تلك اصطاد الإسرائيليون جنوده وسلاح جيشه الذى تكلف المليارات كما يصطادون العصافير !
وظهرت مجلات التايم والنيوزويك وهى تحمل صور مئات الجثث التي نهشتها الكلاب في سيناء , وصور للجنود المصريين بملابسهم الداخلية وهم يفرون من طائرات الهليوكوبتر الإسرائيلية التي كانت تستمتع بمطاردتهم حتى ينهكوا تعبا ,
ثم أعلنت إسرائيل أنها لن تأسر أى جندى مصري بعد أن اكتظت الوحدات الإسرائيلية بمئات وآلاف منهم ولم يعد لمزيد مكان !
ثم أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيحتفظ بالخمسة آلاف أسير المصري ليبادلوهم جميعا بالجندى الإسرائيلي الوحيد الذى أسره المصريون !
وظهرت الإذاعة العبرية بعد إتمام احتلال سيناء والسيطرة على خليج العقبة , بممارسات هدفها شن حرب إذلال حقيقي على الجماهير العربية ,
فكانت تضع صوت عبد الناصر وهو يعلن بقوة ( لن يمر العلم الإسرائيلي من خليج العقبة )
ثم تعقبه ضحكة ساخرة من المذيع الإسرائيلي وهو يقول ( بدون تعليق ! )
وكانت هذه المشاهد هى الرد العملى من الغرب على صراعات عبد الناصر معهم في الخطب الرنانة , فلم يردوا عليه في حينها ولم يكلفوا أنفسهم جهد بذل الصوت , بل تركوه يتوغل ويتمادى أكثر حتى هزم نفسه بنفسه قبل أن يهزمه القتال !

ولابد لنا أن ندرك حقيقة هامة وتاريخية :
أن ضربة صهيون ( الاسم الرسمى لعمليات حرب يونيو ) لم تكن هى السبب في أحداث يونيو ,
فالتدبير الأمريكى ـ الإسرائيلي لم يكن له أن ينجح إلا في هزيمة قواتنا عسكريا في معركة متكافئة ,
لكن ما حدث في يونيو لم يكن هزيمة , لأنه لم تكن هناك حرب في الأصل !
وقد فقدت مصر جيشها هى والأردن وسوريا دون قتال يذكر !
وكانت الأسباب الرئيسية من جانبنا نحن , لأن الأنظمة العربية ـ كما سنرى في التفاصيل ـ هزمت بنفسها وتخلت بنفسها عن أسلحتها المعنوية والحضارية ووقعت في فخ الإستنساخ الغربي ودعاوى القومية التي هدمت جذور العقيدة الإسلامية التي حركت الجبال فيما مضي
والتفت إلى الظواهر بدلا من العمق والعمل الجاد ,
وهذا أمر طبيعى لأن القومية تطلبت أن يسعى كل امرؤ للزعامة , وغاب الإخلاص بغياب الإسلام , وتقاصرت الأوطان وتم اختزالها ,
ودخلت الجماهير العربية دوامة من غيبة الوعى !
وحرص القوميون ـ بحب الذات ـ على تأكيد غياب الوعى فأصبحت الجماهير في الخمسينات والستينيات بالفعل أشبه بقطعان الغنم التي تقودها العصي إلى حيث تريد !
وهذا هو التفسير الوحيد الذى يوضح لنا حقيقة هذا التغييب الذى صدقته الأمة
وانقلب إلى كابوس مرعب بوقوع نكسة يونيو 67

ولم تتعلم الجماهير أو تستعيد ذاكرتها الحضارية الإسلامية لتتعلم كيف تكون الوحدة الحقيقية ؟
والوحدة هى الركيزة الأساسية التي ينبغي أن ينبنى عليها الصراع ,
ولكن أية وحدة يا ترى
هل هى وحدة العرب المبنية على أساس عرقي والتى أطاحت بكل مقدراتنا في القرن العشرين ؟!
أم الوحدة الإسلامية المبنية على حقائق التاريخ البعيد والقريب ؟!

قديم 11-21-2010, 09:11 PM
المشاركة 5
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
إن إنتقادنا للقومية ليس انتقادا لمبدأ التكاتف وضرورة التوحد في الصراع مع الغرب ,
بل لا زلت أقول أن اتحاد الدول العربية والإسلامية في مواجهتها هو السبيل الوحيد ـ وأكرر الوحيد ـ لتنتهى المواجهة لصالحنا ,
فانتقادنا للقومية لم يكن في هذا السبيل بل كان في طريقة تطبيق القومية لمبدأ الوحدة ,

ما نقوله وقاله علماء المسلمين على اختلاف صنوفهم أن القومية تتخذ من الجنس أساسا للوحدة ,
فتنادى بالوحدة العربية في مواجهة الصراع مع إسرائيل بما مفهومه ( الصراع العربي ـ الإسرائيلي )
وبهذا أخرجت القضية من تصنيفها الأصلي باعتبارها قضية صراع إسلامى ـ صهيونى , أو إسلامى ـ غربي
فالقدس ليست قضية تخص العرب وحدهم أو الفلسطينيين وحدهم كما تردد دعاوى القومية بل هى تخص مجمل الدول الإسلامية التي يعتبر القدس فيها حرما ثالثا ,

نقطة الإنتقاد الثانية ,
هى فشل النظرية القومية عند التطبيق ,.
فهم أرادوا من الجنس أساسا للتوحد يعضده اللغة والتاريخ والتلاصق الجغرافي ,
بينما نجم عن التطبيق أن ظهرت دعاوى القومية الضيقة والنعرات الوطنية التي قسمت المنطقة العربية إلى شظايا جغرافية ,
وهذا أمر طبيعى لأن القومية في طبيعتها تعصب صرف للأرض والعرق ولابد له أن يؤدى في النهاية إلى الفرقة بدلا من أن يؤدى إلى الوحدة ,
ويكفي من مثالب القومية أن القوميون الذين يدعون الإنتصار للوحدة اعتمدوا حدود وخطوط اتفاقية سايكس بيكو التي صنعتها بريطانيا وفرنسا وجعلوها تقسيما معتمدا للحدود بين الدول العربية !
بينما المنطق يقول أن القوميين من المفترض فيهم ألا يعترفوا بوجود هذه الحدود أصلا , لا أن يعترفوا بها وينتصروا لها ويعتمدوا الجامعة العربية كجامعة بين دول مختلفة تسعى للتوحد !
وأخيرا :
اعتماد القومية كأساس للوحدة في المنطقة العربية تسبب في ظهور الظواهر الصوتية والشعارات التي عانينا منها في حقب الخمسينيات والستينات مما أدت في النهاية إلى مزايدات رخيصة تسببت في كارثة 67 ,
وهذا أمر طبيعى
لأن القومية مبنية على أساس عرقي ومصالح دنيوية ,
بينما الأساس الدينى للوحدة ينبذ التعصب ويعتبر الانتصار للجنس أو للأرض جاهلية جديدة ,
ولهذا عندما اتخذت المنطقة العربية قديما دين الإسلام أساسا للوحدة تمكنت من أن تكون قوة عظمى طيلة أربعة عشر قرنا ,

خلاصة القول
أن الوحدة هى أساس الإنتصار الذى لا سبيل دونه ,
لكن المهم هو على أى أساس نبنى هذه الوحدة ,
وما تهدف إليه الدراسة هو إثبات أن اعتماد الإسلام كعامل مشترك للوحدة بين سائر المسلمين هو الطريق الصحيح لا اعتماد العروبة والقومية ,
ويكفي أن توفر لنا الوحدة الإسلامية ما يلي ,
أولا : قيام الوحدة الإسلامية على أساس إسلامى صحيح أمر ثابت ونظرية أثبتت نجاحها على مدى ثلاثة عشر قرنا بينما فشلت القومية فشلا ذريعا في التطبيق ,

ثانيا : تقوم الوحدة الإسلامية على أساس إخلاص العمل لله والجهاد في سبيله وهى بذلك تضمن الصدق في القول والعمل وبذل الجهد الأقصي في مقابل القدر الأدنى من الكلام ,
كما أنها ـ وهو الأهم ـ تعتمد على بذل النفس في سبيل الله دون انتظار عائد مادى أو معنوى ودون بحث عن الزعامة أو الأدوار السياسية ,
بينما تعتمد القومية على الإنتصار للأشخاص والمذاهب الإنسانية وبهذا يغيب منها الصدق وتقع في مبدأ ( الغاية تبرر الوسيلة ) لأن أساس القومية قائم على أساس العمل الدنيوى
وباستبعاد الدين تم استبعاد الإخلاص تلقائيا !
لأن الإخلاص معناه العمل دون انتظار أجر في انتظار ثواب الآخرة , فإذا غاب ثواب الآخرة يصبح الثواب الدنيوى هو الهدف وإلا أصبح العمل غير ذى معنى

ثالثا : نجحت الوحدة الإسلامية في احتواء الأقليات داخلها وتمكنت الخلافة الإسلامية من استيعاب الأقليات الدينية دون أن يكون لها تأثير سلبي على دولة الخلافة , لما يحمله الإسلام من صدر رحب بالأديان السماوية فعاش النصاري واليهود تحت ظل دول الخلافة المتوالية بلا أى اضطهاد عرقي
وعلاقة المسلمين تحت مظلة الخلافة بغيرهم من أهل الملل الأخرى كاليهود والنصاري .. معلوم من الدين بالضرورة حيث تشهد صفحات التاريخ للمسلمين أنهم كانوا أشد الناس حرصا على أهل الذمة ولم يتمتع اليهود والنصاري تحت الحكم الرومانى بحرية دينية كتلك التي تمتعوا بها تحت حكم الإسلام بدليل أن النصاري من أهل مصر والشام كانوا صفا واحدا مع المسلمين في مواجهة الحملات الصليبية الغربية رغم كونها حملت شعار الصليب
فالعلاقة بين المسلمين وبين الملل هى العلاقة المعروفة باسم أحكام أهل الذمة وهى متواترة الذكر في سائر كتب الفقه تحمل مدى سماحة الإسلام مع المخالفين في العقيدة طالما كانوا من غير أهل الحرب
ويكفينا للتدليل على ذلك رفض عمر بن الخطاب للصلاة في الكنيسة عند افتتاحه لبيت المقدس حتى لا يتصور أحد من الحكام بعده أن الإعتداء على أرض وكنائس النصاري وإيذاء مشاعرهم جائزا في الإسلام وهو تطبيق عملى للنهى والوعيد الشديد الذى توعد به النبي عليه الصلاة والسلام من خالف وصيته في أهل الذمة ..
بينما فشلت القومية في استيعاب غير العرب من الدول الإسلامية رغم أن القضية بالأصل هى قضية القدس وليست مجرد قضية أرض محتلة

رابعا : نجحت الوحدة الإسلامية في الحفاظ على أراضي المسلمين لأن مبدأ الإسلام يقوم على أن أرض المسلمين كلها واحدة يقع عبء تحريرها على سائر المسلمين كواجب شرعي غير قابل للنقض
بينما القومية جعلت لكل دولة عربية أرض مستقلة مسئولة عنها حكومتها وبقية الدول عليها المعاونة النسبية فقط دون أن يكون الصراع يخصها بشكل مباشر

قديم 11-21-2010, 09:14 PM
المشاركة 6
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ماذا يعنى غياب البعد الدينى عن الطرف العربي


لم نعان فى العالم العربي بصفته الرافد الأصلي للعالم الإسلامي قدر ما عانينا من أبواق الغرب الفكرية التى مسخت معظم التوجهات الدينية عبر تيارات مختلفة , وأحيانا مختلقة لمحو فكرة أن الغرب به ترصد للإسلام !
ورغم الشواهد التى كشفت عن نفسها فى إدارة الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية والتى أفسحت المجال لتقديم دليل قطعى على أن الغرب يستهدف الإسلام قبل الأرض ــ عبر تصريحه بالحرب الصليبية التى نفذها فعلا ــ إلا أن نفس الأبواق لا زالت تكرر أن المسلمين بهم عقدة اضطهاد !
ولست أدرى هل ينتظر أولئك المتعالمون بخفايا الأمور أدلة أكثر من التاريخ والحاضر والكتابات الفكرية والأعمال السياسية إضافة للعقل ـ كلها تقر بوجود هذا الترصد ــ حتى يعترفوا به !
فمن ناحية التاريخ فلا حاجة بنا للتذكير بالحملات الصليبية التى جعلت مسماها وفعلها مبنيا على محاربة الإسلام , ولا ننسي ـ بعد فشل الحملات الصليبية ـ ظهور الجانب الفكرى المتمثل فى قرون طويلة قضاها المستشرفون فى حركة فكرية معلنة الأهداف لضرب الإسلام عن طريق خلق تناقضات من داخله واستمرت هذه الحركة حتى منتصف القرن العشرين فاعلة وقائمة ,

بل إن الجهد الذى بذله المستشرقون ـ برأيي ـ يفوق جهد الأساطيل والحملات العسكرية بعد أن قاموا بدراسة الإسلام من مختلف جوانبه بعملية تمحيص مذهلة قاربت الجهد الذى بذله فقهاء وعلماء المسلمين فى حفظ السنة وإستخراج الأحكام !
بل إنهم قدّموا ـ دون أن يتعمدوا ـ خدمة خرافية للمحدثين فى الحفاظ على السنة النبوية عندما قاموا بتأليف وإعداد الفهارس للأحاديث النبوية بغية تسهيل عملية الفحص عليهم فوقعت نسخة من تلك الفهارس فى يد علماء العراق ونشروها , وكانت ضربة قاصمة لجهد المستشرقين عندما وفروا جهد أعوام طويلة على المحدثين ويسروا عليهم السعى فى تحقيق السنة
وفى الحاضر فإن الغرب عمد إلى نشر العلمانية بالرواج الفكرى بعد فشل خيار الإحتلال العسكري وبذلت القوى الغربية جهدا جهيدا لهدم أى صلة بين المسلمين ودينهم وتراثهم حتى أصبحت النظم القائمة لا ترى فى إسرائيل خطرا يفوق خطر التيار الدينى

وفى مجال الأعمال السياسية فأمامنا تاريخ عريق للولايات المتحدة الأمريكية لم تترك فيه جهدا إلا وأعلنت نيتها المستمرة بالأعمال السياسية وبالنشر العلنى للأفكار عن ترصدها للإسلام أينما حل , ووقف رونالد ريجان يقول كلمته الشهيرة عقب سقوط الإتحاد السوفياتى ـ فرغنا من الشيوعية ولم يبق إلا الإسلام ـ
وعن طريق العقل , لنا أن نتأمل ببساطة كيف أن الولايات المتحدة والإتحاد الأوربي لا يتناسون عهودهم بحقوق الإنسان وحرية الفكر إلا فى مواجهة كل ما هو إسلامى ويعمدون بإلحاح مستمر إلى عقد المؤتمرات التى تبشر بالعلمانية وبغيرها باذلين فى ذلك أقصي جهد مادى ومعنوى !
وكان آخر التصرفات ما قامت به ملكة بريطانيا العظمى من تكريم لسلمان رشدى بمنحه أرفع وسام بريطانى على الإطلاق وهو وسام الفارس { لقب سير } والذى لا يصل إليه من البريطانيين أنفسهم إلا من أدى خدمة جليلة عم أثرها سائر الإمبراطورية , ولا تمنح للأجانب إلا من زمرة المفكرين والعلماء الندرة الذين قدموا للعالم فنا أو أدبا أو علما عميم الأثر ,
ثم يخرج قائل فيقول أن بريطانيا لم تمنح لقب السير لسلمان رشدى عقب إسباغها الحماية عليه بهدف النيل من الإسلام وإنما جاء هذا الإجراء فى إطار رعاية بريطانيا للعلوم والفنون ,
وحق لنا أن نتعجب بالفعل !
فما هى القيمة الفكرية التى مثلها سلمان رشدى يا ترى وأين هى الإضافة التى عم أثرها سائر أصقاع الأرض أو استفادت منها بريطانيا , ولماذا لم يمنح هذا الوسام لمن هم أعلى قامة من سلمان رشدى بفارق يتسع لما بين السماء والأرض
مثل محمد حسنين هيكل الذى تعتبر لندن إحدى محطات نشر كتبه الرئيسية والتى يحتفظ لها برحلة سنوية قبل شروعه فى كتابة أى مؤلف جديد وله من الأثر الفكرى والسياسي ما تمكن به من الجلوس على عرش المحللين السياسيين فى الشرق الأوسط منفردا , وأثر هيكل بلندن ممتد عبر أربعين عاما , وحين استفتى النقاد أولى الإختصاص فى أبرع عشر محللين سياسيين بالعالم كان هيكل هو الوحيد من منطقة الشرق الأوسط ,
بل إن دار النشر التى تنشر كتب سلمان رشدى هى ذاتها دار النشر التى تعامل معها هيكل قبل أربعين عاما وأكثر , فلماذا لم يتم منح هيكل الوسام لو أن الأمر بالأثر
لكن كيف يتم منحه الوسام وقد كان الكاتب الوحيد الذى رفض التوقيع على وثيقة مناصرة سلمان رشدى من سائر الكتّاب المتعاملين مع هذه الدار ؟
الأمر ليس بحاجة إلى كثير توقف ,

قديم 11-21-2010, 09:17 PM
المشاركة 7
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ويمكننا القول بإطمئنان كامل ,
أن جحافل العسكرية الغربية ومعها جحافل المستشرقين الفكرية لم تزد الإسلام إلا عزا , فقد فشلت الحملات الصليبية فشلا ذريعا أمام أبواب الشام ومصر التى أسرت قائد آخر الحملات لويس التاسع بدار بن لقمان ,
وفى المجال الفكرى أهدى المستشرقون ـ كما سبق القول ـ هدية لا تقدر بثمن بتصنيفهم فهارس الحديث , بالإضافة إلى أثر أعظم عندما تصدى الفقهاء والمفكرون لشبهات المستشرقين فاستنبطوا ـ بسبب الشبهات ـ أروع آيات الإعجاز والبلاغة فى القرآن والسنة
ولكن الجهة الوحيدة التى تمكنت من النيل من المسلمين ـ ولا أقول من الإسلام ـ كانت الجبهة الأخيرة التى أثبتت نجاحا فى مواجهة الإسلام وهى عينة عملاء القلم والفكر الذين بذلوا الجهود فى تقويض أى التفات للحضارة الإسلامية داعين المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها إلى ترك هذه المواريث طواعية وهى التى بذلنا فيها الدماء عبر أجيال لنحافظ عليها فأتى هؤلاء ليكون نصحهم أن نهديها للغرب بلا مقابل !
وكان نجاحهم النسبي ليس لأنهم برعوا فى التنفيذ بل لأنهم سلكوا طريق التسطيح والجهل وبرعوا فيه وساعدهم لجوء أغلب الحكومات العربية بالذات إلى النظم العلمانية وفتح الباب لمحاربة التيار الإسلامى المناهض
فهؤلاء الزمرة لم تدخل لمعركة الفكر حجة بحجة ـ كما فعل المستشرقون ـ وإنما لجئوا إلى الآلة الإعلامية والإنفراد بها على ساحة الجماهير عبر عشرات المقالات والدراسات والتبشيرات بل والمسلسلات والأفلام التى تؤكد أن الحضارة معدنها أوربي , والتقدم فكرة أمريكية !

ناسين أو متناسين أن يقفوا قليلا أمام تصريحات الغرب وإعلانه لنواياه عبر ألف تصريح وتصريح !
ولعلنا نذكر ما فعله القائد البريطانى الذى دخل القدس ووقف أمام قبر صلاح الدين قائلا في شماتة :
( ها قد عدنا يا صلاح الدين )
ولعلنا نذكر زميله الآخر القائم بالأعمال في العراق في بداية القرن الماضي عندما قال في مذكرة رسمية :
( إننا لن نستطيع السيطرة ما دام هذا القرآن موجودا في أيديهم )[1]
ولعلنا نقف أمام تصريح رونالد ريجان بعد سقوط الإتحاد السوفياتى :
( فرغنا من الشيوعية ولم يبق أمامنا إلا الإسلام )
ولعلنا نتذكر تصريح شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ورئيس إسرائيل الحالى عندما قال :
( إن أخطر ما يواجه إسرائيل اليوم هو المقاومة الإسلامية ! )[2]

والسؤال الآن لأصحاب العقول ..
كيف يمكن أن يفشل الغرب طيلة ثلاثة عشر قرنا فى نيل أهدافه بطمس الهوية والمرجعية الإسلامية عن الشعوب العربية سواء بالسلاح أو الحرب الفكرية ,
ثم يأتى تيار القومية ـ الذى يعتبر الصراع مع الغرب من أدبياته ـ ويُهدى للغرب أكبر أهدافه .. وبلا مقابل ! ؟!
وكيف يتخلى تيار القومية فى بساطة مذهلة عن الأساس الوحيد الذى يرتكز عليه لإثبات حق العرب فى الأرض المحتلة , وهو الأساس الإسلامى الصرف القائم على فتح المسلمين للشام فى عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؟!

ورغم أن قضية الصراع مع إسرائيل هى في الأصل قضية صراع دينى وحضاري بيننا وبين الغرب
ورغم أن إسرائيل أقامها الغرب أصلا على مبدأ دينى وهوية دينية في المقام الأول , [3]
ورغم أن إسرائيل أطلقت أخيرا مشروعها القائل بنص صريح بيهودية الدولة كأساس للمواطنة
ورغم أننا هنا نعالج غياب البعد الدينى عند العرب وحدهم , لأنه بُعد موجود وفاعل بل ورئيسي فى الناحية الأخرى
إلا أن اللعبة الغربية نجحت نجاحا تاما فى جعلها قضية وطن وساعد على ذلك ـ بجهل أو بقصد ـ تيار القومية العربية الذى ظن أنه بنسبة القضية لتيار القومية فإنه بذلك جعلها قضية العرب جميعا وقضية أمن قومى عربي , وتلك منتهى الخفة فى المعالجة
ففضلا على فشل تيار القومية فشلا ذريعا منذ عام 1967 م , وانتهائه إلى الأبد عام 1990 بالعدوان العراقي على الكويت ..
كان هناك أثر آخر أدى إلى قتل قضية الصراع العربي الإسرائيلي فى مهدها ,
السبب فى ذلك أن من فتح الباب للتفاوض والإعتراف بإسرائيل لم يكن يضع بذهنه مطلقا أهمية قضية القدس وإنما كان تركيزه على الفوز بدولة فلسطينية ترتكز أساسا على نتائج المفاوضات , حتى لو كانت ورقة القدس مجرد ورقة يمكنها أن تكسب ما على الطاولة إذا ما تم قبول تقسيم القدس بين العرب وإسرائيل

بينما التوجه الإسلامى للقضية كان سيضع قضية القدس ـ كما هو واجب ـ فى إطارها الصحيح بعيدا عن أى نتائج تخص الأرض أو الضحايا , فلا فارق بين الضحايا التى وقعت فى فلسطين وبين الضحايا فى سائر الأقطار العربية التى بذلت أضعاف هذا العدد فى سبيل حريتها
هذا بالإضافة إلى أن تيار القومية العربية الذى كان يتحدث عن فلسطين باعتبارها قضية أمن قومى عربي , أخذ فى التضاؤل حتى انتهى شعاعه تماما عام 1992 م وفى العام التالى وقف عرفات فى مفاوضات أوسلو ليعلن أن القضية الفلسطينية آن لها أن تعود إلى أصحابها الأصليين !
وهو نتيجة طبيعية لركام القومية الذى أعطى الأرض والجنس أساسا للحق , فامتلك عرفات حق التفاوض والتنازل كما يشاء باعتباره الممثل القانونى القومى لقضية فلسطين بعد أن أصبحت قضية قومية !
وهى نتيجة نالت منها إسرائيل من المكاسب ما لم يتحقق لها بالسلاح طيلة ثلاث حروب مع العرب !
فأول الكوارث أن إنتهاء تيار القومية .. دفع بالقضية إلى حيز التضييق حتى انقلبت من قضية عربية إلى قضية تخص فلسطين وأرضها وشعبها
مع الوضع فى الإعتبار أن التيار القومى أصلا حصر القضية من قضية إسلامية تعالج ثالث أقدس مساجد المسلمين إلى قضية عربية فقط فضلا على أنه لم يكن بأجندته المبادئ الإسلامية التى تُعلى قيم الجهاد ولا تقبل الإخلال بالثوابت نتيجة الضعف أو قوة العدو , ولنا أن نتخيل الفارق الشاسع بين البعدين الدينى والقومى عندما نلقي نظرة واحدة على تجربة أفغانستان مع الإتحاد السوفياتى والولايات المتحدة الأمريكية
بل وتجربة الشيشان التى قادها جوهر دوادييف وخلدت اسمه فى مواجهة القوة السوفيتية الغاشمة ,
وأيضا تجربة باكستان مع الهند , والتى وقفنا فيها إلى جوار الهند ـ كعرب ـ وتناسينا الإنتماء الإسلامى بسبب وجود التيار القومى الذى كان يعتبر الهند حليفا إستراتيجيا فى حركة عدم الإنحياز , ورغم ذلك نجحت باكستان نجاحا مبهرا بالبعد الدينى وحده



الهوامش :
[1]ـ الثورة البائسة ـ د. موسي الموسوى ـ طبعة حرة
[2]ـ المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل ـ الجزء الثالث ـ محمد حسنين هيكل ـ دار الشروق
[3]ـ اليهود واليهودية والصهيونية ـ د. عبد الوهاب المسيري ـ دار الشروق

قديم 11-21-2010, 09:20 PM
المشاركة 8
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بل إن حرب أكتوبر التى افتتحت بصيحة الله أكبر كان مسببها الأصلي والعامل الفاعل فيها هو البعد الدينى وحده,
وهذا بشهادة كافة المشاركين فيها والذين ضربوا بإيمانهم أروع أمثلة البطولة ,
وذلك بعد أن تسببت النكسة وأحداثها في صحوة دينية طبيعية , ورغم أنها كانت صحوة مؤقتة أشعلت حرب أكتوبر وخبت بالفعل السياسي , إلا أن هذه الصحوة كانت إثباتا كافيا لأثر غياب البعد الدينى
ولو أن مصر واجهت فى حرب أكتوبر عدوها بغير هذا العامل لما كان للمعركة الكبري هذا الدوى العظيم والمعجزات التى غيرت بعض المفاهيم العسكرية فى العالم وحتى اليوم
ولو أن هذا العامل لم يكن هو الفاعل الأصلي لرأينا الصور المذهلة لبطولات أكتوبر تتكرر في مناطق أخرى , لكن ظلت هذه الصور بعيدة الأثر مرهونة بالعقيدة الإسلامية الصحيحة
ولو لم يكن هناك أثر لغياب البعد الدينى مطلقا إلا أنه منح القيادة المصرية حق التفاوض المنفرد بعد الحرب ـ بسبب أن القضية أصبحت قضية قوميات ـ والإبتعاد , لكفانا كارثة !
ولولا تيار القومية ما استطاعت مصر تقديم قضية أرضها على قضية القدس ,
ولو كان تيار الإسلام هو الفاعل في المنطقة العربية بدلا من التيار القومى لما استطاع السادات أن يغير وجهته مستندا إلى الحجة الذهبية وهى أن عرب التيار القومى ظواهر صوتية تريد جر مصر إلى خراب مماثل لخراب يونيو 67

ورغم كل هذا البيان الواضح لمدى خطورة حصر القضية فى تيار القومية ,
إلا أنه وللأسف لم يقتصر الأمر على ذلك !
بل إستمر حاجز التضييق مع مفاوضات أوسلو التى هلل لها الإعلام العربي على نحو مضحك , رغم أن الشواهد كانت بادية الوضوح فى أن الجلوس إلى المفاوضات قبل الحصول على مكاسب واقعية على الأرض بقوة السلاح , لا تعتبر مفاوضات بل مهاترات , فالطرفان فى التفاوض ـ أى تفاوض ـ يتحدث كل منهما وهو يستند إلى ما يملكه فيفاوض به , فما الذى كان يملكه عرفات ـ غير الكلام الإنشائي طبعا ـ ليحتج به فى مفاوضات قوة لا مفاوضات مبادئ
أى أنهم فشلوا حتى فى تطبيق جيد للتيار القومى ولم يستطيعوا الإتحاد على كلمة واحدة تستثمر نتائج حرب أكتوبر كنقطة قوة أمام نقاط القوة التى تتمتع بها إسرائيل فيحققوا مكاسب مرحلية منها
فرفضوا الإنضمام للسادات ثم عادوا بعده منفردين كقوميين , تطبيقا لمبدأ ( كلٌ يغنى على ليلاه ! ) , وتفاوض كل منهم في طريق منفرد سعيا للمكاسب الشخصية في المقام الأول

وضاقت القضية أكثر مع مسلسل التفاوض الرسمى لتصبح قضية غزة وأريحا بدلا من قضية فلسطين ,
وبالطبع إنتهت من الصورة نهائيا قضية القدس , ثم جاء عام 2000 م ليصبح التفاوض حول وقف المستوطنات لا إنشاء الدولة , ثم ضاق أكثر وأكثر حتى أتى شارون على البقية الباقية من قضية فلسطين بضربة واحدة عندما أعلن انتهاء الشرعية عن عرفات كممثل تفاوض وقام بالإنسحاب المنفرد من غزة تاركا عرفات يثير سخرية العالم أجمع وهو يحتج أمام الكاميرات على الإنسحاب المنفرد لإسرائيل من غزة !!
وجاء مسلسل حماس فى الحكومة الإسرائيلية على نفس النسق لتنقلب دوامات الصراع من قضية مستوطنات ومفاوضات إلى قضية صراع فصائل عربي لا دخل لإسرائيل فيه ,
والتى وقفت تراقبه وتنتظر النتيجة الطبيعية له وهى خسارة الطرفين لصالح إسرائيل , بالضبط كما وقفت الولايات المتحدة قبل خمس عشرة سنة تنظر للحرب المستعرة بين العراق وإيران فتتركها دون تدخل بقرار وقف إطلاق نار معتاد من مجلس الأمن لمدة ثمان سنوات كاملة , طحن فيها الخصمان بعضهما البعض , ووقف وزير الخارجية الأمريكى وقتها يقول :
{ هذه هى المعركة الوحيدة التى نتمنى فيها ألا يخرج منها منتصر بل تنال الخسارة من الجانبين }
وقد كان ,
والمثير للسخرية المريرة أن تصريح وزير الخارجية الأمريكى لم يطلقه بجلسة خاصة أو يسجله فى دفتر أوراقه السرية بل قابله علنا فى الصحف , ومع ذلك استمرت الحرب وتورطت إيران بفضيحة ( إيران ـ كونترا ) التى موّلت فيها إسرائيل الجيش الإيرانى بالسلاح ! وبتمويل عربي ! في مجاملة لإدارة بوش الأب التي أرادت تنفيذ العملية بتمويل خارجى بعيدا عن رقابة الكونجرس فتكفلت بمبلغ العملية دولة عربية كبيرة [1]

ورغم التصريح استمرت الحرب , ولا غرابة فى ذلك , فالغرب مقتنع إلى الثمالة أننا شعوب بلا ذاكرة , وجماجم بلا عقول ! ويثق أن لنا عيون لا تقرأ , وإن قرأت لا تفهم , وإن فهمت لا تدرك , وإن أدركت لا تتصرف بناء على هذا الإدراك !

ثم جاءت كارثة غزة الأخيرة لتضيق القضية أكثر وأكثر فتصبح قضية حماس فى غزة !
ثم تم الإختزال أكثر لتصبح القضية قضية المعابر بين مصر وغزة , ثم تضيق أكثر فتصبح قضية معبر رفح !
وإذا نظرنا للساحة الآن بعد كل هذه الإختزالات الرهيبة التى سحقت قضية الصراع سحقا , نجد أن أفواه المحذرين من هذا الضياع كلت وملت من لفت النظر لضيق الأفق الذى يحكم الجماهير ـ كما يحكم المفكرين ـ ويدفعهم للمضي قدما فى السيناريو الإسرائيلي بالحرف فتقول :
{ حدثونا الآن عن غزة , عن القضية الحالية ! }
وها هى الجهود تتوالى لحل معضلة غزة !
وغاية المراد من رب العباد , والتى يتمناها العرب الآن أن ينصلح الحال بين فتح وحماس وتعود حماس لممارسة مهامها على غزة وأريحا معا وأن يتم معالجة آثار الحرب الأخيرة ثم ضمان أن إسرائيل ستلتزم بعدم تكرار الإعتداء العسكري مع وعد صارم من حماس بمكافحة الإرهاب ! ( وهو مصطلح صكه الغرب وأجبر العرب على الإلتزام به لوصف أعمال المقاومة المسلحة ! )
وأصبحت من قبيل النكات السخيفة أن نتذكر أشياء وتعبيرات مثل , القدس , وقضية الحفر تحت أساس المسجد الأقصي , وقضية اللاجئين , وحدود 1967 م ومن قبلها حدود 1948 م !




الهوامش :
[1] ـ حرب الخليج ـ محمد حسنين هيكل ـ مركز الأهرام للترجمة والنشر

قديم 11-21-2010, 09:23 PM
المشاركة 9
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وهذه هى النتيجة الطبيعية لإهمال البعد الدينى فى الصراع ,
والتخلى طواعية عن حضارة أربعة عشر قرنا تراكمت فيها جذور الحضارة الإسلامية , وذلك فى سبيل الوقوع تحت تأثير المذاهب الإنسانية وثقافة الإلحاد المستتر التى حكمت فترة ظهور تيار القومية فى منتصف الخمسينيات ,

ولا يفوتنا بالطبع أن نشير إلى دفاع القوميين عن أنفسهم عن طريق تشويه صورة الإسلام والحضارة الإسلامية ,
وتعمد حصر الإسلام في بوتقة الإرهاب أو التخلف الحضاري أو حصره في جماعات معينة ,
فيكون دفاعهم مبنيا على أن الدعوة للعودة للإسلام هى ترسيخ لثقافة الإرهاب ورفض الآخر !
ولسنا ندرى في الواقع عن أى إرهاب ورفض يتحدثون وقد كانت المعتقلات عبارة عن سلخانات بشرية للمعارضين في العهد القومى البائد !
وبلغ بهم رفض الآخر أن القوميين ـ حتى يومنا هذا ـ يعتبرون كل من يخالفهم عميل للمخابرات الأمريكية !
ولسنا في حاجة للرد على أمثال تلك الدعاوى فأول من يعرف تهافتها هم مطلقوها من القوميين أنفسهم , لأن معظمهم من كبار المثقفين العارفين بطبيعة الحال أى إسلام نقصد .. وإلى أى حضارة نشير !
وعملا بثقافة التغريب التي تروق لهم فلن ندلهم على مصادر التاريخ الإسلامى ليعرفوا أى حضارة هى تلك التي ندعو لترسم طريقها ,
بل يمكننا أن نعطى لهم مصادر التاريخ الغربي التي اعتبرت النبي عليه الصلاة والسلام أكثر شخصيات العالم تأثيرا عبر التاريخ ,
واعتبرت عمر بن الخطاب أنبغ حاكم في العالم ..
واعتبرت خالد بن الوليد واحد من كبار العسكريين في تاريخ العالم
بل من الممكن أن ندلهم على التاريخ القريب حيث كانت الخلافة العثمانية هى القوة العظمى المنفردة على العالم أجمع طيلة ثمانية قرون , وتمكن الخلفاء العثمانيون من اجتياح أوربا والسيطرة عليها كل هذه الفترة الزمنية ,
وكانت الكنائس في قلب أوربا تصمت أجراسها إذا جاء رسول من خليفة المسلمين إلى أحد حكامها !
فما الذى غنمناه يا ترى من تيار القومية ؟!!
لا شك أن القارئ الكريم أدرى بالجواب ,

فالإسلام الذى ندعو للعودة لأصوله هو إسلام العوام ,
هذا الذى قال فيه السلف الصالح ( اللهم إنى أسألك إيمانا كإيمان العوام )
فلسنا ندعو للوحدة الإسلامية كأيديولوجية سياسية تخضع لجماعة معينة أو مذهب محدد أو تيار سياسي محكوم ,
فالإسلام السياسي الذى تورط فيه الإخوان المسلمون وسائر التنظيمات الإسلامية التي ادعت الإنتساب إليه , هذا إسلامهم هم وليس الإسلام الذى نعنيه ,
لأن الإسلام كان عند هذه التنظيمات ـ على اختلاف ألوانها ـ وسيلة .. مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة ,
بينما الإسلام عندنا غاية , غاية ليس بعدها بعد ..
غاية لا ترتهن بتنظيم يتخذ له مسمى معين أو حزب محدد بل يشمل الجماهير البسيطة التي عرفت ربها فأطاعته بجوارحها تلقائيا , ورفضت فطرتها الطبيعية أى تغيير في عقيدتها ,
غاية ترتهن بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وثوابت الإسلام من غير تفريط ولا إفراط ,
غاية تتطلع إلى الثقافة العربية والآداب العربية والفكر الإسلامى العريض الذى حمل مشاعل النور في شتى المجالات إلى سائر أنحاء العالم قبل أن يلفظه محدثي السلطة !

فالإسلام الذى ندعو للعودة إليه هو المبادئ والقيم العامة التي حددها الله سبحانه وتعالى ـ لا تلك التي حددها ماركس ولينين وآدمز وسارتر ـ للبشر ودعاهم لمراعاتها في العموم والتصرف في الخصوصيات كما يشاءون ,
فالإسلام عندنا هو برواز عام يشمل المبادئ العريضة للعقيدة الإسلامية التي تخضع لها أى قوانين نضعها لتسيير شئون دنيانا ,
فليس معنى أننا ندعو للإسلام أننا ندعو لنظام حكم معين مثلا
فليكن نظام الحكم وفق ما تشاء الجماهير ,
لكن المهم أن يكون ولى للأمر يلتزم في سن القوانين وفى سياسة الدولة بما تقره المبادئ العامة للدين الإسلامى ,
وفق القاعدة الفقهية العريضة التي تقول ( الأصل في الأشياء الإباحة ) وقاعدة ( أنتم أعلم بشئون دنياكم )

هذه المبادئ التي تخلينا عنها طواعية استجابة للقومية ومذاهب القومية والإشتراكية ,
ومن أغرب أوجه التناقض في هؤلاء القوميين أنهم يحتفون بشدة بالأمم التي تقدس تاريخها ومبادئ دعاتها في حين أنهم لا يطبقون هذا الأمر على أنفسهم , رغم الفارق الشاسع بين مبادئ الإسلام ومبادئ تلك الأمم ,
فنجد مثلا محمد حسنين هيكل في كتابه ( أحاديث في آسيا ) يشيد أيما إشادة بالطاغية الصينى ماو تسي تونج ويشير في إلحاح مستفز إلى أنه إله في الصين الآن !!
ويعتبر مبادئ ماوتسي تونج وعباراته عبارة عن إلهام تسبب في تفوق الشعب الصينى عندما التف حول هذه الشعارات وطبقها بعمل ودأب وجهد وصبر
ثم يزيد في الإشادة عندما يستشهد هو نفسه بأحد عبارات ماو تسي تونج ويأخذها كمدخل لأحد موضوعات كتابه ,
وكانت العبارة تقول ,
( احملوا السلاح دفاعا عن حدودكم .. وتأملوا ما وراء هذه الحدود .. وافهموا )
ولم يسأل هيكل نفسه ـ وهو الحصيف الخبير ـ كيف أعجبك تمسك الصينيين بعقيدتهم الوثنية في نفس الوقت الذى تعتبر فيه العقيدة الإسلامية بشكلها العام عبارة عن قيود ضد الحضارة !
وكيف أعجبتك عبارات ماوتسي تونج ولم تعط لنفسك الفرصة لتأمل آيات كتاب الله ! وأحاديث النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام ! وأقوال الصحابة والتابعين !
رغم أن تاريخ هؤلاء العميق منذ ظهور الإسلام تاريخا كان ـ ولا يزال ـ يعتبر أسطورة الأمم !
فما الذى يساويه ماوتسي تونج أمام هؤلاء ؟!
ولماذا اعتبرت الإستشهاد بماوتسي تونج قيمة حضارية , بينما تعتبر الإستشهاد بدليل من القرآن والسنة واتخاذه أساسا في القضايا .. عبارة عن تخلف وتمسك بالأسمال البالية !
والعبارة التي أعجبتك من ماوتسي تونج , ومؤداها ألا ينطلق السلاح إلا دفاعا عن قضايا الوطن والحدود , وتقتصر المعالجة بعد ذلك على مجرد التأمل
فلماذا لم تنقل هذه الحكمة إلى عبد الناصر قبل أن يتورط في مغامرات اليمن !

قديم 11-21-2010, 09:25 PM
المشاركة 10
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والأهم من ذلك :
لماذا لم تعط نفسك الفرصة للبحث عن أصل هذه الحكم في الحضارة الإسلامية وهى موجودة بعشرات الصياغات في آيات القرآن والسنة وأقوال السلف الصالح ,
فقد بوب الفقهاء بابا كاملا في الجهاد مؤداه ( إذا ديس شبر من أرض المسلمين فالجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة )
وإذا تأملنا نظام الشورى الإسلامى والديمقراطية التي تعتمد على القرآن والسنة لوجدنا أنه من أدبيات السلطة في الإسلام أن الحاكم خادم للجماهير يتقاضي راتبا تحدده له صفوة الأمة
ويخضع للحساب العسير منها بل ومن أفراد الشعب والبسطاء أيضا
ولعلنا نستدعى للذاكرة قول عمر بن الخطاب ـ وهو أعدل الخلفاء بعد أبي بكر ـ قوله
( ماذا تقولون إذا ملت برأسي هكذا { يعنى الإنحراف عن الطريق القويم } )
فقال له أحد الأعراب : ( إذا نقول بسيفنا هكذا )
فرد عمر : الحمد لله الذى جعل من بينكم من يقوّم اعوجاجى

فهذه الأمثلة لم يصغها المؤرخون لكى تصبح حدوتة قبل النوم !
بل لكى تصبح مثلا ومثالا لما ينبغي أن تكون عليه دولة الإسلام , وهذه المبادئ هى الأولى بالإتباع بدلا من مبادئ كارل ماركس وأنجلز وأقوال ماو تسي تونج وأضرابه من ملحدى الشيوعية !
فهى مبادئ الوحى الذى هو تنزيل من عزيز مقتدر ,

والأخطر من ذلك :
أن هناك مرحلة من حياة الأستاذ هيكل توقف فيها مليا أمام ثراء الحضارة الإسلامية , ومع ذلك لم يتراجع ,
فمع غرامه الشديد بالإشتراكية والقومية ذكر أنه طالع عبارة لأحد الصحابة ( أبو ذر الغفاري رضي الله عنه ) وهذه العبارة التي أعجبته كانت في نظره حاملة للمبادئ الإشتراكية بصورتها المثلي ,
رغم أن عمر هذه العبارة أربعة عشر قرنا ,
هذه العبارة التي اعتبرها هيكل أصل الإشتراكية قبل مجيئ ماركس بأربعة عشر قرنا تقول
( ثلاث للناس جميعا .. النار والماء والكلأ )
وقال هيكل تعليقا عليها أنها توضح تأميم الدولة لوسائل الإنتاج الرئيسية ( الطعام والمياه ومصادر الطاقة ) قبل خروج النظرية الإشتراكية ب 14 قرن [1]
ومن المؤسف والمؤلم أن أستاذا ومفكرا في حجم هيكل وعبقريته لم يلتفت لنقطتين بالغتى الأهمية :
الأولى : أن العبارة ليست من أقوال الصحابي أبي ذر ! بل هى حديث للنبي عليه الصلاة والسلام وأبو ذر هو راوى هذا الحديث فحسب !
الثانية : أن الاشتراكية في الإسلام تختلف عن اشتراكية ماركس بفارق يستوعب المسافة من الأرض إلى السماء , لأن اشتراكية ماركس كانت تنكر حق الملكية الفردية بتاتا , وتجعل الدولة هى المسيطرة على السوق الإنتاجى سيطرة تامة ,
بينما اشتراكية الإسلام أوصت بنظام اقتصادى لا مثيل له وهو ضرورة تحكم الدولة في وسائل الإنتاج الرئيسية التي تتحكم في القوت الرئيسي لجماهير الناس وعدم منح الفرصة لجشع التجار أن يتحكم في المواد الضرورية للمجتمعات
لكنها في نفس الوقت تشجع الإستثمار والتجارة الحرة في ظل ضوابط الإسلام , فيقول النبي عليه السلام
( تسعة أعشار الرزق في التجارة )
وكان معظم كبار الصحابة من التجار الكبار , كعبد الرحمن بن عوف وأبي بكر وعثمان بن عفان
وهكذا تفادى النظام الإقتصادى الإسلامى عيوب الإشتراكية المتمثلة في قتل الطموح الفردى بتأميم جميع الممتلكات ذات الطبيعة الإنتاجية , مما أدى إلى الركود الإقتصادى الهائل الذى سقط بسببه الإتحاد السوفياتى ,
وفى نفس الوقت تفادى النظام الإسلامى عيوب الرأسمالية التي فتحت الباب على مصراعيه أمام الملكية الفردية وجعلت نظام السوق حرا إلى حد الفوضي فنجم عن ذلك تحكم فئة قليلة من أباطرة الإقتصاد في أقوات الناس ومعاشهم وأصبح أصحاب المليارات هم أصحاب الرأى في الدولة فعليا واختفت سلطة الدولة عليهم مما أدى للأزمة الإقتصادية التي يعانيها الغرب الآن بعد انهيار نظام البنوك الربوى في أسواقهم

فلنا أن نتخيل لو أن هيكل ـ وهو في موقعه الفريد بقرب السلطة في عهد عبد الناصر ـ اعتمد الفكر الإسلامى لا الإشتراكى كأساس لتنظيم الدولة ,
ما الذى كان يمكن أن يحدث ؟!
لا شك أن جمال عبد الناصر ساعتها كان سيملك من المكانة أضعاف ما امتلكه فعليا في تلك الفترة ,
ليس هذا فحسب ,
بل كانت المنطقة العربية ستتحول لقوة عظمى فاعلة في النظام العالمى لأن اعتماد الفكر والعقيدة الإسلامية أساسا لمنهج الحكم كان سيقف أمام أى محاولة مظهرية للزعامة ,
فالإسلام لا يعترف بالأقوال بل بالأفعال فحسب ,
وبالتالى ..
كان يمكن لنظام جمال عبد الناصر أن يبنى فعلا وعلى أساس متين وحدة بين دول المنطقة العربية قائمة على العمل والجهد والكد والتطبيق الفعلى لمبادئ القوة لا التطبيق المظهرى بالشعارات والخطب الرنانة التي لا أصل لها في الواقع !
فكارثة نظام القومية جاءت بسبب أنه نظام اعتمد صاحبه على ضرورة خلق زعامة عامة له على المحيط العربي
ولأن الزعامة يلزم لها أسباب من القوة لم تكن متوافرة لمصر في ذلك الحين
فلم يتوقف حتى يبني تلك القوة تدريجيا ,
بل عمد إلى الحصول على الزعامة اعتمادا على التظاهر بالقوة ,
فلما اصطدمت الظواهر ـ ذات الأساس المعدوم ـ بحقائق الواقع ,
هوت كبيت من رمال ودفنت تحتها الواقع العربي الكسير !




الهوامش :
[1] ـ مدافع آية الله .. محمد حسنين هيكل ـ دار الشروق


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قصة النكسة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
هوامش على دفتر النكسة / الشاعر نزار قباني هند طاهر منبر مختارات من الشتات. 2 07-10-2021 12:33 AM

الساعة الآن 12:58 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.