نضوج قسري


فتاة صغيرة ما زالت في الرابعة عشر من عمرها, ممتلئة بالحياة متفتحة على الدنيا, تعوّدت زيارة صديقتها في بيتها, وكان أبو صديقتها محنّكا خبيرا في أمور النساء في أواخر الثلاثين من عمره, ولم يتطلب الأمر منه كثيرا فاستطاع كسب ودها وأوقعها في حبّه, ولكنها لم تبح لجنس مخلوق عن ذلك.



في أحد الأيّام جاءت لزيارة صديقتها ففتح لها والد الصديقة الباب وسمح لها بالدخول, ثم استغلّ فرصة عدم وجود أحد من أهله, فاستفرد بها وأغواها, واستطاع أن ينال وطره منها فهي مراهقة صغيرة وهرموناتها كانت في عز ثورتها وكانت مولّهة في غرامه.



بعدها ندمت ندما شديا وذهبت إلى البيت حزينة مكسورة, ولم تستطع إخفاء أمرها عن والدتها فباحت لها بما حصل معها. ارتعبت الأم وغضبت فأرعدت وأزبدت وضربت ابنتها ضربا مبرحا ثمّ أشفقت على منظرها وهي مستسلمة لقدرها يائسة حزينة فحضنتها وبكت, وتفهمت أنّ أية بنت لو كانت مكانها لربما حصل لها ما حصل لابنتها من مثل ذلك الذئب المتوحش.



عندما عاد والد البنت الصغيرة في الليل نقلت له زوجته الخبر المفزع بطريقة حاولت جهدها أن تكون لطيفة. وجم الأب واحتار ماذا يفعل؟ هل يأتي بالسكين الآن وينحر ابنته أمل حياته و شمس عمره المشرقة والأقرب إليه من جميع أولاده فيغسل عاره بيده أم ماذا؟ أحسّ بمسؤولية كبيرة أثقلت ظهره وكإنّه كبر في العمر عشرين سنة ومرّة واحدة, تراءت له صورتها تنزف آخر قطرات دمها وتلفظ أنفاسها الأخيرة بين يديه ونتيجة عمل يديه فارتاع والتاع. وذهب جريا إلى صديقه الحبيب ليروي له ويستشيره في هذا الأمر الجلل, وكان صديقه شخصا عاقلا حكيما, فأشار عليه أن يجتمع مع ذلك الذئب البشري ويجبره على الزواج منها ثم يطلّقها بعدها على الفور, وإذا رفض فكان عليه تهديده باللجوء إلى القضاء لمحاكمته بتهمة هتك عرض فتاة قاصر. وهكذا صار واجتمع والد الفتاة مع الرجل الحقير الذي أغوى ابنته فخاف هذا الأخير من الفضيحة وأسقط في يده ووافق على عقد قرانه على الفتاة, وبعدها بقليل طلّقها.



الفتاة بعدئذ تحجبت وتابت ورجعت إلى القرآن والدين آملة من الله تعالى أن يغفر لها. و لم تعد تخرج من البيت إلاّ مع أحد والديها وركّزت في دراستها وأنهتها بتفوّق والتحقت بالجامعة. ثمّ تعرفت على أحد الشباب الخلوقين المحترمين الذي يسبقها بثلاث سنوات دراسية فأحبّها كثيرا, ولما تخرّج واشتغل تقدّم لطلب يدها, ولم يغيّر رأيه حتّى لما عرف أنّها كانت متزوجة من قبله, فتزوّجا بعد حفلة عرس بسيطة وجميلة, وأنجبت منه اربعة أولاد ذكور. ومع هذا استمرت في دراستها في الحقوق أثناء زواجها حتى حصّلت درجة الدكتوراة واشتغلت محاضرة في نفس جامعتها.



عندما تخطر على بالها قصتها وهي في عمر الزهور تشكر الله لأنّ والدها كان حليما, مما أعطاها الفرصة كي تعيش الحياة حسب الأصول وبالتالي كي تخدم وطنها مجتمعها وعائلتها بما يليق. وما زالت تعمل وقلبها مليء بحب الحياة والناس. وهي انسانة ملتزمة تمارس دينها وعباداتها وإيمانها على أتمّ وجه, عسى الله أن يغفر لها ذنبها فهو التوّاب الرّحيم.