احصائيات

الردود
1

المشاهدات
403
 
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


مُهاجر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
412

+التقييم
0.51

تاريخ التسجيل
Feb 2022

الاقامة
مسقط

رقم العضوية
16905
09-13-2023, 07:43 AM
المشاركة 1
09-13-2023, 07:43 AM
المشاركة 1
افتراضي " عندما ابتسم الحظ لبائعة الأزهــــــــار "
يقول صاحب القصة :

تقسو الظروف أحيانا على البشر ، إلى درجة تجعل بعضهم لايستطيع معها هضم حركات الكون وسكونه ،
وتتلبد عقولهم ، فلا يقدرون على فك طلاسم الحياة ، فيعيشون مهمشين في عالم مليء بالصراعات ،
حيث تكون الغلبة فيه لمن يملك المال والنفوذ ، ويستثنى من ذلك أؤلئك الذين ينتشلهم الحظ ،
ويأخذ بيدهم للحاق بركب السعداء ، حيث يمكنهم أن يقتاتوا من بقاياهم.





ولا ريب أن من أصعب الأمور أن تنطبق هذه المعادلات على بعض النساء ،
حينما تقذف بهن صواعق الدهر ونوائبه إلى قارعات الطرق ، ليجدن أنفسهن يعملن في ظروف حالكة ،
لا كنهن لا يترددن عن العمل لإطعام أولادهن وعوائلهن الذين يعلنهم .





وفي مدينة الرباط عاصمة المغرب ، كانت الظروف شديدة القساوة على " فتحية " ذات الخامسة والعشرين عاما ،
التي توفى والديها في حادث سير ، وتركا لها ثلاثة أخوة صغار ( ابنتين وولد ) ، وأخا رابعا يفترض أن يكون لو قدر له أن يعيش هو العائل لهم ،
كونه هو البكر ، لكن الظروف الاجتماعية ؛ جعلته يخرج ذات يوم من منزل ذويه ، ولم تره الأسرة مرة أخرى ، وحين أعياهم السؤال ،
تركوا الزمن يتولى الإجابة عنهم ، في مشهد يتكرر كل يوم في بلدان المغرب العربي ، حيث يهاجر أبناء تلك البلدان لأوروبا سرا ،
في قوارب متهالكة على يد أرباب المافيا والعصابات المتخصصة في تهجير الشباب الحالمين برؤية بلدان القارة العجوز ،
وباليورو الأوروبي ، تغدو مثل هذه الحوادث شيئا عاديا ، لكن البحر يعيد بعضهم قبل اكتمال أحلامهم جثثا ،
أو يمحي أثرهم من خارطة الكرة الأرضية ، لتحتفي بهم أعشاب البحر ، وتقدمهم ولائما للأسماك المتوحشة والضواري البحرية ،
ليستقروا في بطونها حتى قيام الساعة ، وهو أفضل مكان للذين يبالغون في أحلامهم.





وذلك ما كان يعتقده جيران " فتيحة " المغربية أنه حصل لشقيقها ، ولذا فقد آمنت بقضاء الله وقدره ، واحتسبته شهيدا عند ربه .
تركت " فتيحة " الدراسة منذ أن كان عمرها ثمانية عشر عاما ، واتجهت للعمل ، فعملت خادمة في البيوت ، لمدة عامين ،
وكانت تتنقل من منزل لآخر ، بسبب مضايقات أصحاب البيوت لها ، الذين كانوا يحاولون التهام وافتراس جسدها ،
حتى أوقعها الله في يد عائلة فرنسية ، تقيم في المغرب منذ سنوات ، مكونة من أب وأم وأبنة لهما ،
كانت تعمل معلمة للغة الفرنسية بثانوية " ديكارت " في الرباط ، وقد حنت تلك الأسرة عليها ،
وشملتها بالرعاية هي وأخوتها ، وتكفلوا بمصاريفهم .





فالأب كان يمتلك متجرا لبيع الورود والأزهار بالعاصمة ، وكان يجد صعوبة في البقاء كثيرا في المتجر لكبر سنه ومرضه ،
ولذلك لم يستطع تلبية متطلبات الزبائن بنفسه فاتفق على أن يصطحب " فتيحة " معه كل صباح للعمل بالمحل ،
على أن يبقى أخوتها في منزل العائلة ، وتركوا بذلك منزلهم الصغير في ضواحي الرباط الصفيحية وربما إلى الأبد .




ومع نشاط " فتيحة " وهمتها ، وخبرتها القديمة التي اكتسبتها من سقي الورود والتعامل مع الحدائق في المنازل التي عملت بها ،
فقد تمكنت من هضم سر المهنة ، وعرفت كيف تطور نشاط المحل ، بأن اقترحت على صاحبه أن يزيد عدد العاملات أولا لأربع ،
على أن يتحول المحل للعمل بنظام المناوبة ، طيلة اليوم ، لأن هناك زبائن يترددون عليه ليلا ونهارا ، من أجل شراء الورود والأزهار ،
وبالتالي ترتفع عوائد المحل .





اعجب الرجل بفكرة " فتيجة " وتم توظيف أربع موظفات على أن يبقى دور " فتيحة " اشرافيا ورقابيا عليهن ،
وهمزة الوصل بينه وبينهن ، فتمكنت بالتالي من التواصل مع موردي الأزهار والورود من المزارعين ،
وهو ما مكنها من اكتساب خبرة طيبة في تجارة الأزهار والورود ، المحبذة للرومانسيين والحالمين بجمال الحياة ،
ومتذوقي العطور ، والمتطلعين للبهجة والسرور ، فعرفت "فتيحة " من خلال كل ذلك بأن تلك التجارة تحقق دخلا عاليا ،
خاصة عندما يتم تصدير تلك الأزهار لبلدان أوروبا التي يتزايد طلبها للأزهار والورود المغربية ، نظرا لتزايد اقبال الأوروبيين عليها ،
فالورود والأزهار هي الهدايا المفضلة لديهم ؛ على عكسنا نحن العرب .





مضت سنة منذ أن بدأت " فتيحة " تعمل بذلك المحل ، فبدأ المحل يحظى بشهرة متزايدة في العاصمة ونواحيها ،
حتى أصبح هو المورد الرئيسي للسفارات والمصالح الحكومية والفلل الكبرى ، والمكاتب والشركات الأجنبية ،
بل والفنادق الكبرى بالرباط ، مما أدى لارتفاع عائداته المالية ، فأسعدت تلك النقلة النوعية صاحب المتجر الفرنسي ،
الذي أراد مكافأة " فتيحة " فقرر تبنيها مع أخوتها ، وإرسال الأولاد الصغار، لاكمال تعليمهم في فرنسا ،
حيث سيقيمون هناك في مزرعته ، وحيث لا يفكرون في الهجرة غير الشرعية كشقيقهم الذي اختفى
وحيث يجدون هناك أحلامهم تتحقق .





كان ذلك التحول هو نقطة التغيير في حياة " فتيحة" والتي بدأت بعدها في التفكير بجدية لإكمال دراستها في المساء ،
وحين بدأت تدرس ، كان الأمر سهلا لها هذه المرة ، فراحة البال والطمأنية كانت متوفرة لحد النخاع ،
ولذا كان التركيز عاليا ، لتحقيق الطموح ، فتفوقت في امتحانات الثانوية العامة ، لتلتحق بكلية الحقوق في الرباط
ولتتخرج منها بعد أربع سنوات قضتها في رحلة كفاح بين متابعة شؤون محل الزهور ، والوفاء بواجبات الدراسة والتجارة .




وحين اقتربت من هذه الفتاة التي كانت سيرتها العطرة تلاك على ألسن البعض ، لأتعرف على رحلتها الكفاحية ،
ولأراها عن قرب ، وجدتها إنسانة عادية لا تختلف عن بقية الفتيات في شيء ، لكني اكتشفت علامات الصرامة والجدية واضحة على وجهها ،
كما تبين لي أن الزمن ترك أثره على خدييها ، لكن رحلة الكفاح التي خاضتها علمتها أن لا شيء مستحيل بامكانه أن يقف في طريق الإنسان ،
حينما يمتلك إرادة قوية ، وطموحا ، وحينذاك يمكنه أن يرسم خط سير حياته ، بكل عزيمة وإصرار.





تركت " فتيحة " في عام 1986م حيث تخرجنا معا ، وودعتها ، لكني عرفت اليوم أن " فتيحة " هي التي أصبحت تمتلك ذلك المحل الخاص ببيع الزهور
والمعروف في وسط الرباط ، وباتت من أصحاب المقاولات ، فلم أستغرب ، لأني عرفت قوة تلك المرأة ولذلك سردتها للفائدة والعظة .








هُنا الفائدة التي خرجتُ منها من هذه القصة /
تعلمت من القصة :
_ أن الحياة مهما تكن يحكمها حكم الغاب وبأن الغلبة تكون للأقوى ،
لا بد أن يكون بين قتامة المعطيات بصيص أمل به تحيا آمال الأنام ، ومن تقاذفتهم أمواج المصائب العاتية
فالمدبر هو الله ، وأن الرزق لا بد له أن يعرف طريقه ".



_ أن الظروف والمصاعب لا تستثني أحدا ، ولا تنظر إلى عرقه ، ولا للونه ، ولا لجنسه ،
فهو مصير حق لمن وقع عليه الإختيار أن يكون في قلب التيار ، فكل عند الله بمقدار .



_ أن هنالك قصصا تحكي عن تحمل المسؤولية قبل أوانها ، وبذلك يفرض الواقع كلمته ليكون ذلك المسؤول يحمل فوق همه هم غيره ،
وما أعظمها من محنة في قلب من علم معنى الأمانة ، وماذا تعني كفالة اليتيم ! إذ نسمع ونقرأ تلك المآسي في حلقات لا تنتهي نصوصها عن ذلكَ المقصر،
وعن ذلكَ المترفع عن تحمل المسؤوليات ليكون الضحايا من هم لم يبلغوا الحلم ، ولم تدغدغ قلوبهم أسراب الأمنيات ! أما في المغرب العربي
فهناك حيث مهد الحكايات التي تكشف حجم المعاناة التي يعيشها أهل تلك البلدان ، ليفروا من جحيم الفقر إلى موت يحيق بأهله ،
وحيث ملك الموت متربص يقبض ويبسط كفه ينتظر من ربه الأمر ، ومن كتب له البقاء عاش عيشة الذل ، والعبودية ، والتشرد ،
ومن تجاوز تلك الإحتمالات عاش في سجن الخوف يترقب أن تتخطفه يد الأمن.



_ أن الإنسان مهما كانت حجم الصدمة والمصيبة وأثرها على نفسه وتفكيره تبقى الحياة تدور عجلتها ، ولن تتوقف لموت أحد ،
وأن الحي هو الأولى من الميت لكونه مطالب أن يشد عصا الترحال ليضمن قوت يومه ومن يعولهم ،
فكان الإحتساب لتغليب الظن بموت شقيق تلك الفتاة ، وأنه نال وسام الإستشهاد _ غريقا _
هو سلوى المواساة .




_ أن " الوسيلة لا ولن تبرر الغاية " فلم تركن تلك الفتاة لنداءات العوز والحاجة ، وصياح إخوتها الجياع لتلبي بذلك طلبات وحاجات
من جعلوا الرزق مشروطا بتلبية الفواحش والنزوات ، ولم تجعل الفقر والفاقة شماعة لتبرر به الخطأ وارتكاب المنكرات ،
بل حفظت عفتها وشرفها وصدقت الله في نفسها وحفظته ليكون الجزاء على جنس العمل .



_ تعلمت بأن الإنسانية لها مفهوم عميق يتجاوز حدود الدين ، والعرق ، والإنتماء الحزبي ، والمذهبي والقومي ، و ...
، وأن الشذوذ عن الفطرة والنزول إلى الدركات الحيوانية ليس له دين ، ولا يمكن أن يلز بدين فذاك الناس فيه يتفاوتون ،
فكم من مسلم كفل أو أعان من هم على غير ملته ودينه ، وكم من غير المسلمين كفل وأعان من يخالف دينه ونهجه وفكره ،
لتبقى الكلمة للفطرة وما حمله القلب من معاني سامية تذيب تلك الفروقات ليبقى نبض الإنسانية هو السائد .



_ تعلمت أن الإنسان قد تكون لديه المواهب والذكاء ومواصفات النجاح ، ولكن تنقصه الإمكانات ،
وعند توفرها كانت الإنطلاقة نحو تبديل ذلكَ الحال إلى أفضل حال ، لتضع نقطة النهاية على آخر سطر ،
لتنتصر تلك الروح السامية التي لم تدنسها شهوات الكسب السريع ، ولم تحطم عزائمها ذلكََ الواقع الأليم ،
والمكفهر المقطب الجبين ، لتخرج من تلكم المعركة التي حق أن توسم ب " بتحديد المصير " مرفوعة الجبين ،


لتكون مضرب مثل لكل فتاة شريفة ، تسامت بأخلاقها لترتقي سلالم المجد ،
ولتكون ملهمة لكل من أراد أن يصبح " عِصامياً " لا " عظامياً " !


وهنا تكسر تلك المقولات بأن الفقر هو " بوابة كل شر " ، لعله يكون سبباً في الغالب ،
ولكن تبقى مسألة ظنية، تناكفها كمثل هذهِ العينة من تلكم القصة ،
لتلك الفتاة المُجدة المُحِقه .




قديم 09-22-2023, 04:36 AM
المشاركة 2
ثريا نبوي
المراقب اللغوي العام
الشعراء العرب

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية التميز الألفية الأولى القسم المميز شاعر مميز المشرف المميز 
مجموع الاوسمة: 8

  • موجود
افتراضي رد: " عندما ابتسم الحظ لبائعة الأزهــــــــار "
مع العبرة الجميلة في التعقيب على القصة؛ لم أستطع نقلها إلى منبر القصص
وفي ركن النسمات الإيمانية: ننشر الموضوعات التشاركية التي يكتب فيها كل الأعضاء

ولهذا نقلتها إلى الحوارات العامة
تحياتي وتقديري


مدونتي على الجوجل
http://thorayanabawi266.blogspot.com/

مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: " عندما ابتسم الحظ لبائعة الأزهــــــــار "
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قراءة في رواية "ريح الجنون أو عندما يتيه الوطن" للروائي الجزائري بختي ضيف الله بختي ضيف الله منبر القصص والروايات والمسرح . 2 04-17-2021 12:36 AM
قراءة في رواية "ريح الجنون أو عندما يتيه الوطن" للروائي الجزائري بختي ضيف الله بختي ضيف الله منبر القصص والروايات والمسرح . 0 04-09-2021 04:32 PM
عندما يلتقي الكاتب د.وليد سيف والمخرج حاتم علي ليعيدا " التغريبة الفلسطينية" بختي ضيف الله منبر القصص والروايات والمسرح . 0 01-05-2021 08:15 PM
عندما تحزن مصر..تفرح "الجماعة"! هند طاهر منبر مختارات من الشتات. 0 12-04-2013 01:33 PM

الساعة الآن 07:34 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.