عقوق الوالدين آفة العصر وعنوان الخسارة في الدارين
تحقيق / فاطمة كاظم ياسين
ليس هناك كفضل الوالدين على الأبناء بعد فضل الله، حيث أمرنا ببر الوالدين وقال سبحانه في سورة الإسراء “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا”، كما نهانا عن قول أف للوالدين كناية عن الضجر فما بالكم بغيرها من التصرفات التي تنم عن العقوق؟ لكن البعض لسبب ما إما سوء في التربية أو إهمال من قبل الوالدين أثناء الصغر يتطبع بطباع الغير أو طباع شاهدها، فالتربية المادية النفعية القائمة على المصلحة أثناء الصغر هي تربية خاطئة تدعو إلى الأنانية وحب الذات وحب التملك عند الكبر، مما يؤدي إلى ارتباط الأبناء بأهلهم ما دامت هناك فائدة أو مصلحة، وبمجرد انتهاء هذه المصلحة أو غياب الممول تنتهي العلاقة الوالدية، فالأبناء العاقون يكونون مصيبة في كبرهم كما كانوا عبئا في صغرهم، خصوصا إذا كانوا قساة القلوب متحجري الضمائر ولا يخشون عقاب الله . ويتجاهلون ما ورد في الكتاب وما تحدثت به السنة النبوية الشريفة ولم يعوا أن الله شديد العقاب وأن دعوة الوالدين مجابةولقد ورد أكثر من دليل، ولكن البعض منهم لا يتعظ ولا يعقل إلا بعد أن تصيبه مصيبة .
إن العقوق دين لا بد من قضائه في الدنيا قبل الآخـرة، فلو أن كل عاق يتذكر ذلك فكما تدين تدان، فإن بذلت البر لوالديك سَخَّرَ الله أبناءك لـبرك، وإن عققت والديك سَلَّط الله أبناءك لعقوقك، وستجني ثمرة العقوق في الدنيا قبل الآخـرة، ففي الحديث أن الرسول ــ صلى الله عليه واله وسلم ــ قال: «كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء الى يوم الآخرة الا عقوق الوالدين فانه يعجل لصاحبه» يعني العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، وعقوق الوالدين لا ينفع معه عمل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر الخبث في أهله».
وصور العقوق التي نسمع عنها كثيرة يصعب عدها وحصرهاومنها ماهو مأساويا ولايكفي ذكره في تحقيق واحد لكن مانقدمه اليوم هو بعض من هذه الصور .
الجنه تحت اقدام الامهات
اذا كان رب العزه اكرمها ووقرها بان وضع الجنة ومافيها من نعيم تحت اقدامها لما لها من كرامة فكيف لك ايها البشر ان تهينها وتذلها وهي من حملتك تسعة اشهر في احشائها ولاجل ماذا لاجل زوجة او لاجل مال .
هذا ماحكته لنا ام سنان فهي معلمة متقاعدة ولديها ولد وبنت تقول اعامل في بيتي من قبل ابني وزوجته واولاده معاملة الخادمة حتى راتبي التقاعدي ياخذه مني وليس لي في بيتي الامكان للنوم ووجبتي طعام بالكاد تشبعني بنتي متزوجة وتسكن مع اهل زوجها ولامكان لي لديها فليس لي الا الرضوخ لهذا الوضع وخصوصا مع كبر سني اتسائل لما كل هذاواني ربيته احسن تربيةولم اقصر معه وهل استحق هذه المعاملة لك الله ياولدي اخاف عليك من مصير اسؤ من مصيري مع اولادك .
رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب من سخط الوالد
ويشير ابو صباح الى العذاب الذي يعيشه في بيت ابنه بعد ان تخلى عنه باقي اولاده لديه (3 ) اولاد و(3) بنات كلهم متزوجون اضطررت انا وزوجتي تحت تهديد ابني الصغير ان نبيع البيت لياخذ حصته حسب اوامر زوجته المبلغ المتبقي لم يكف لايجار منزل فاصبحت انا عند ابني الوسطاني وزوجتي عند بنتها الصغرى اعيش هنا كخادم انام في البيتونه في برد الشتاء وحر الصيف واعمل على تلبية طلبات زوجه ابني التي لاتنتهي بالليل او النهار رغم كبر عمري وسوء حالتي الصحية (( حسبي الله ونعم الوكيل )) رددها الرجل والدموع تتدحرج من عينيه لااحد من اولادي يسال عني او يتفقد احوالي وكأني هم ثقيل وتخلصوا مني .
لااطلب سوى المودة
وتضيف لنا ام ناصر بانها سيدة مقتدرة ماديا وتسكن في حي راقي بعض اولادها سافرواخارج العراق وبقى اثنان واحد يسكن معي في ملحق للبيت والاخر بعيد عني تصوري ياابنتي بالايام والاسابيع لاارى من يسكنون معي لكن اسمع اصواتهم فقط والمؤلم بالموضوع ان احفادي اقسى من قلوب اهلهم علما اني احببتهم جميعاواعطيتهم الكثيرولكن مع الاسف الحب لايباع ولايشترى فانا لااطلب منهم سوى المودة .
قلوب اقسى من الحجر
واليوم حكت لي صديقة تعمل صيدلانية رفضت ذكر اسمها قصه امرأه تأتيها لشراء الدواء سيده في السبعين من عمرها تقول من خلال حديثي معها فهمت انها ام لاربعه اولاد بنتان وولدان البنت مهندسة والولد طيار مدني والاخر صاحب اعمال حره والبنت الصغيره متزوجه ومستقره تقول بعد وفاة والدهم اصروا على بيع المنزل جميعا وان يكون سكني بينهم الاربعه بالتناوب علما اني لااملك مصدر رزق , بعد اشهر بدء الجميع يتملل مني رغم اني لازلت استطيع خدمه نفسي فكل مرة يرسلوني الى بيت احد منهم بحجه ما الى ان اصبحت حملا ثقيلا على الجميع ومنذ شهور وانا عند جيراني القدماء لاني بلا مكان فهل تصدقين ان احدا من ابنائي لم يكلف نفسه بالسؤال عني وتكمل الصيدلانية يومها بكيت كثيرا لاني حرمت من امي ومن شرف رعايتها فطلبت من هذه السيدة ان استاجر لها غرفة في الحي الذي اعمل فيه وواثثتها باثاث بسيط وان ادفع لها مبلغ من المال شهريا لايجار الغرفة ومصروف بسيط لاحفظ كرامتها واحميها من مصير مجهول ورغم كل هذا رفضت ان تتقدم للمحكمه بطلب نفقة من اولادها ولغاية هذه اللحظه لم يسال عنها احد من ابنائها ؟؟؟؟
العقوق محرم قطعا و مذموم شرعا
ويضيفالشيخ مرتضى الساعدي: العقوق محرم قطعا و مذموم شرعا وعقلا وعقّ الوالدينقد يحصل لأحدهما أو لكليهما أذى يتمثل في الكلام او الفعل. وقدعد الإسلام العقوق كبيرة منالكبائر لقوله تعالى )وقضىربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدينإحسانا إما يبلغن عندك الكبرأحدهما أو كلاهما فلا تقل لهماأف ولا تنهرهما وقل لهما قولاكريما واخفض لهما جناح الذلمن الرحمة وقل رب ارحمهماكما ربياني صغير.( مضيفا أن عقوق الوالدين الذيظهر وانتشر وتعددت أشكالهوألوانه يدل على انحراف خطيرعن شريعة الله تعالى التيجعلت رضا الله في رضا الوالدينوسخطه سبحانه وتعالى فيسخطهما .
وعن أسباب أتساع ظاهرة عقوق الوالدين
وأكد الدكتور جمال حميد أستاذ علم النفس الاجتماعي / ان أسبابا عديدة تقف وراء اتساع ظاهرة عقوق الوالدين ومن بينها حالة التحلل الأسري الذي خلفته الحروب المتعاقبة التي مربها العراق وجهل الفرد بعقوبة العقوق التي ستنزل عليه وكذلك لوجود التناقض بين الوالدين في طريقة تربية الأبناء مما دفع الأبناءالى التمرد والعقوق وكذلك سوء تربية الأبناء والتفرقة بينهم.وأضاف هذه الأمور كلها تدفع الى عقوق الوالدين فنجد ان هناك من يبكي والديه او يحزنهما وينهرهما ويزجرهما أو يعتدي عليهما ضربا أو شتما فيما البعض الآخر من الأبناء لا تكفيه كل هذه الأمور فيعمد الى طردهم من الدار بصورة شبه نهائية أو نهائية.وعن السبل الممكنة لحل هذه المشكلة قال الدكتور جمال/ هناك الكثيرمن الأمور على الدولة ومؤسساتها الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني العمل عليها للحد من هذه الظاهرة الخطيرة لاسيما على مجتمعنا العراقي فمن جهةهناك حاجة لحث رجال الدين والمربين من معلمين ومدرسين وأساتذةالجامعة على وعظ الشباب من خلال الخطب الدينية والدروس اليومية التي تعطى في المساجد والمؤسسات التربوية كما وعلى وسائل الإعلام كافة توعية الشباب بكافة فئاتهم بأهمية احترام الوالدين وفق مبادئ القرآن الكريم والدساتير التي تؤكدعلى مبادئ حقوق الإنسان وعلى مؤسسات المجتمع المدني عقد ندوات ودورات وورش عمل تتضمن توضيح حقوق الآباء والأمهات التي كفلتها لهم كافة القوانين .
اتقي الله في والديك
كلمة اخيرة أتوجه بها الى كل من أقدم على عمل كهذا او يفكر به أو تراوده نفسه عليه من أجل حطام الدنيا أو ارضاء الآخرين ان يتقي الله في نفسه ويبر بوالديه وان يستغفر ربه ويتوب اليه فان الله غفور رحيم وان يعيد الى عنايته ورعايته والديه ويغدق عليهما الحب والحنان والطاعة، ويظهر لهما كل اللين ويشكرهما ويسأل الله الرحمة لهما في الدنيا والآخرة، فالحياة قصيرة وما هي الا كراكب استظل بشجرة وتركها ومضى ومن أراد ان يكون بارا بوالديه فعليه ان يطيعهما في كل المباحات وسييسر له المولى عز وجل أسباب النجاح والفلاح والبركة في الدنيا والآخرة.
نسأل العلي القدير ان يغدق علينا من أسباب فضله بما يعيننا على طاعة والدينا بالمعروف والاحسان اليهما وخفض الجناح لهما والفرح بأوامرهما والسعي لملاقاتهما بالبشرى والترحاب ومساعدتهما في الاعمال وتلبية ندائهما والبعد عن ازعاجهما والعمل على ما يسرهما.
« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
عقوق الوالدين آفة العصر وعنوان الخسارة في الدارين
