احصائيات

الردود
1

المشاهدات
1090
 
عبدالعزيز صلاح الظاهري
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


عبدالعزيز صلاح الظاهري is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
378

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Jun 2015

الاقامة

رقم العضوية
13953
12-26-2020, 02:18 PM
المشاركة 1
12-26-2020, 02:18 PM
المشاركة 1
افتراضي قصة الجواهر لغي دو موباسان
بسم الله الرحمن الرحيم


"الجواهر " قصة قصيرة لغي دو موباسان الكاتب والروائي الفرنسي وأحد آباء القصة القصيرة الحديثة والذي ولد عام 1850 وتوفي عام 1893
هذه القصة و خلال بحثي اكتشفت انها لم تترجم ،لم يتطرق لها أحد قد يكون حدث ذلك وقام شخص ما بترجمتها قد يكون بعنوان آخر اجهله
لذا تجرأت وقمت بترجمتها حسب فهمي لها ،رغم انني لست متخصص في هذا المجال، قد يكون السبب اعجابي بهذا الكاتب منذ صغري ،ولهذه القصة بالذات لما احتوت عليه لأكثر من رسالة ومغزى عميق

قصة الجواهر
للكاتب الفرنسي / جي دي موباسان
ترجمة : عبدالعزيز صلاح الظاهري
رفرف قلبُ السيد ام . لانتين بجناحيه وهبط بإرادته في شباكِ الحب ، هكذا بكل بساطة عندما التقى ذات مساء بفتاة صغيرة ، في منزل مديره .
كانت هذه الفتاة ابنة لمدرس خصوصي يعمل في الريف ، وبعد وفاة والدها بعدة سنوات انتقلت إلى باريس مع والدتها ، التي كانت تقوم بزيارات منتظمة للعديد من العائلات الغنية في الأحياء السكنية ، على أمل أن تتمكن من تزويج ابنتها .
كانت تلك العوائل تستقبلهم بحفاوة لما تميزتا به من احترام وهدوء ولطف ، لم يتجرأ الفقر الذي كانتا تعانيان منه من سلبهما هذه الخصال الجميلة .
بدت الفتاة الصغيرة وكأنها المثل الأعلى لتلك المرأة الطيبة النقية التي يحلم كل شاب أن يعهد إليها بمستقبله ، كان جمالها المتواضع فيه شيء من السحر بسبب الخجل الملائكي ، والابتسامة الطفيفة التي كانت دائمًا تسكن شفتيها وكأنها انعكاسٌ لطيبة قلبها .
الجميع كان يمتدح هذه الفتاة الصغيرة ، كل من عرفها قال : " الرجل الذي سيتزوجها سيكون محظوظًا ، لا أحد يستطيع الحصول على فتاة بهذا الجمال وبهذا الخلق " .
السيد م . لانتين ، والذي كان يعمل آنذاك كبير الموظفين في مكتب وزير الداخلية ، براتب قدره ( 3500 ) فرنك في السنة ، طلب يدها وتزوجها وعاش معها أجمل لحظات حياته .
لم تكن تلك الفتاة امرأة عادية ، فبالإضافة لجمالها واهتمامها بزوجها بكل ما يحتاجه الرجل من مداعبة حنان وحسن كلام ، كانت بارعة في إدارة بيتها ، فبراتب زوجها البسيط المتواضع صنعت المستحيل ، فكانت كل يوم تقدم له أشهى طعام ، وأفخر سيجار ، وأجود مشروب ، جعلته يعيش في رفاهية وسعادة ونعيم لا يمكن وصفه ، لدرجة أنه بعد ست سنوات من زواجها أحبها أكثر مما فعل في اليوم الأول الذي راءها فيه بسبب سحر شخصيتها .
وبما أن الكمال ليس من صفات البشر ، كان هنالك شيئيان في شخصية محبوبته لم تكن ترضيه ، وهي حبها للمسرح ، وشغفها بالمجوهرات المزيفة ، كان صديقاتها واللاتي كنّ زوجات لأصحاب مكاتب صغيرة - يجلبون لها دومًا تذاكر لحضور المسرحيات .
كانت تذاكر دخولها مؤمنة ، لم يفتها عرض أولي لأي مسرحية ذاع صيتها وتحدث عنها الاعلام ؛ وكانت بدورها تجر زوجها معها في كل مناسبة ترفيهية .
كان هذا الأمر يضايق زوجها المرهق بعد يوم شاق من العمل ، كان هذا الشيء يزعجه ، لذا كان يتوسل إليها طالباً منها أن تعفيه من هذه الرفقة ، والذهاب بصحبة صديقاتها ، لكنها كانت ترفض بشدة معللة ذلك – أنه من غير اللائق الخروج لسهرة بدون رفقة زوجها ، لكن السيد ام لانتين لم يقنط ، واستمر في محاولاته حتى تكللت بنجاح .
استسلمت ، وافقت فقط لإرضائه ؛ لم تكن لفرحته حدود ، وشعر بالامتنان لها ، أخيرًا تم تحريره من هذه القيود .
واستمرت هي بالخروج مع صاحباتها ، لكن هذا الشغف بالمسرح أثار فيها الرغبة في ارتداء الملابس ، صحيح أن تبرجها أو تزينها كان بسيطًا ، فقد اعتادت أن تعلق في أذنيها الجميلتين حلقين ينتهيان بقطعتين كبيرتين من الماس المقلد ؛ وكانت ترتدي قلادات من لآلئ مزيفة ، وأساور من ذهب مزيف ، وأقراص شعر مرصعة بالأحجار الكريمة المقلدة .
نعم لم تكن ملابسها باهظة الثمن ، كانت متواضعة وذات ذوق معتدل ، لكن لطفها وابتسامتها الخجولة التي لا تفارقها كان هو سحرها الذي تجلى وانعكس على كل شيء ترتديه ،
زوجها الذي كان قد أزعجه بل وشغل فكره حب زوجته المستمر للزينة والبهرجة ، كان يقول لها في حب وحنان - " عزيزتي : عندما لا يكون لدى المرء المال الكافي لشراء المجوهرات الحقيقية فلماذا يختار المزيفة ؟! فالجمال الحقيقي هو روح الإنسان وطباعه النبيلة - هذه هي أندر المجوهرات ".
و كانت تجيبه بابتسامتها ولطفها المعهود قائلة : " ما الذي يهم ؟! أنا أحب هذه الأشياء - هذه هي نزوتي الصغيرة ، أعلم أنك على حق ؛ لكن لا يمكن للمرء أن يغير طباعه ، فلطالما أحببت المجوهرات كثيرًا " .
ثم تقوم بلف قلادة اللؤلؤ بين أصابعها ، وتجعل جوانبها تومض في الضوء ، وتردد : " الآن انظر إليهم ، انظر ماذا تجد عند تحريكها ! يمكنك أن تقسم أنها مجوهرات حقيقية ،
يبتسم زوجها ويقول لها مازحاً : " فيك الكثير من طباع الغجر البسطاء " .
أحياناً في المساء ، وعندما يكونا يتجاذبان أطراف الحديث بالقرب من النار ، كانت تنهض وتحضر الصندوق المغربي أو "المستودع " كما يسميه زوجها ، والذي تحتفظ فيه بمقتنياتها - وتضعه على طاولة ، وتبدأ بفحص مجوهراتها المزيفة بسرور شديد ، تتأملها وكأنها تبحث عن بعض الأحاسيس السرية والغامضة من المتعة ؛ وكانت تصر على وضع إحدى القلائد حول عنق زوجها ، وتضحك حتى يكاد يغمى عليها من الضحك ، وهي تصرخ : " أوه ! كم أنت مضحك ! " ثم تندفع بين ذراعيه وتقبله بشراسة .
في إحدى ليالي الشتاء ، وبعد أن عادت من أحد سهراتها ، وصلت المنزل وهي ترتجف من البرد ، في اليوم التالي أخذت تعاني من سعال شديد ، بعد ثمانية أيام ، ماتت من التهاب رئوي .
كاد زوجها من هول الصدمة على وشك أن يلحقها إلى العالم الآخر ، كاد أن يكون قبره بجوار قبرها ، كان يأسه مخيفًا ، لدرجة أنه في شهر واحد تحول شعره إلى اللون الأبيض ، كان يبكي من الصباح حتى المساء ، تمزق قلبه ، كانت معاناته لا توصف – فذاكرته مسكونة بابتسامتها ، صوتها ، بكل سحر زوجته الميتة .
ورغم تتابع الأيام لم يهدأ حزنه ، ففي كثير من الأحيان وخلال ساعات العمل – وبينما كان زملاؤه يذهبون إلى ركنٍ للدردشة حول موضوع ما – كان هو يغوص عائداً إلى أحضان ذاكرته ويبدأ بالنحيب .
من شدة حبه لزوجته ترك كل شيء على حاله كما تركته زوجته في آخر يوم من حياتها ، لقد احتفظ بغرفة زوجته المتوفاة بالترتيب الذي تركته ، كان يحبس نفسه بداخلها كل مساء ليفكر بها ...
كل الأثاث ، جميع فساتينها ، كل شيء في المنزل بقي في نفس المكان الذي استقر فيه ، لم يتحرك منه شيء ..
مرت الأيام ، وكشرت الدنيا عن أنيابها ، وأصبحت الحياة صعبة عليه بدونها ، ودخل في الديون فراتبه الذي كان في يد زوجته كان كافياً لجميع احتياجات الأسرة فقط ، نادراً ما يكفي لتلبية احتياجاته القليلة .
فأخذ يسأل نفسه في دهشة كيف تمكنت هي دائمًا من أن تجعله يعيش عيشة الأغنياء بهذا الراتب البسيط ، ولم يستطع هو فعل ذلك ؟! لماذا فشل ولم يستطع العيش ولو بنصف الرفاهية التي كانت تقدمها له ؟!
تطور الحال ، حتى وصل به الأمر أخيراً ، أنه لم يعد يمتلك سنتاً واحداً في جيبه قبل انقضاء الشهر ، ليعاني أياماً وليالي ، منتظراً الحصول على راتبه الشهري التالي ..
وبسبب ذلك فكر في بيع شيء ما ؛ فخطر بباله على الفور " المستودع " ، ذلك الصندوق المغربي الذي كانت زوجته تحتفظ بداخله بكنزها المزيف " المجوهرات المقلدة " والتي ظلت تشتريها بعناد كل ليلة تقريبًا ، حتى آخر يوم في حياتها ..
فكر في التخلص من هذا الصندوق وما احتواه ، فهو كان وما زال يحمل ضغينة سرية ضده ، فمجرد رؤيته .. شيء ما يفسد اللذة الحزينة للتفكير في حبيبته ..
أخذ وقتًا طويلاً وهو يحاول أن يختار شيئاً من بين كومة الحلي لبيعها - وأخيراً قرر أخذ عقد اللؤلؤ الكبير الذي كان يعجبه أكثر من أي شيء آخر ، لأنه كان يعتقد أنه تم تركيبه بشكل جيد لقلادة مقلدة ، وأنه خلافاً للحلي الأخرى ، كان يثق أن يكون بقيمة ستة أو ثمانية فرنكات
وضعه في جيبه ، وتوجه نحو المكتب ، متابعًا الجادات ، يبحث عن محل مجوهرات في طريقه
أخيراً رأى محلاً ، تردد في الدخول إليه ، كان يصل حتى المدخل ثم يبتعد ويتوقف ، ثم يعود ، كان سبب تردده هو شعوره بالخجل من بؤسه وهو يحاول بيع شيء تافه ..
أخيراً دفع قدميه المتصلبتين ودخل المحل ، وإذا به وجهاً لوجه مع الصائغ ، فقال بخجل :
سيدي أرجوك أخبرني كم يستحق هذا ؟!
أخذ الصائغ القلادة ، فحصها ووزنها وأخذ عدسة مكبرة ، ودعا أحد موظفيه ، وأخذ يهمس في أذنه ، ثم وضع القلادة على المنضدة وتراجع للخلف قليلاً وهو ينظر إليها بتركيز ...
شعر السيد لانتين بالحرج الشديد من كل هذه الاجراءات ، وأخذ يردد بخجل : آه أعلم أنه لا يمكن أن يكون ذا قيمة كبيرة !!
قاطعه الصائغ قائلاً : حسناً سيدي هذه تساوي بين أحد عشر وخمسة عشر ألف فرنك ، ولكن لا أستطيع شرائها حتى تثبت لي ملكيتها بشكل قانوني ...
صدم السيد لانتين !! واتسعت عيناه ، وأخذ يحملق في الصائغ ...
وقال متلعثماً : هل أنت متأكد ؟!
فقال الصائغ - والذي فهم لانتين خطأً - بغضب : سأعطيك خمسة عشر ألف فرنك لهذا العقد هذا عرضي النهائي ، ويمكنك الذهاب إلى أي مكان آخر لو أحببت ، وحاولْ أن تجد سعراً كالذي قدمته لك ؟
اعتقد السيد لانتين أن الصائغ أحمق ، فأخذ عقده وغادر ، وبمجرد خروجه من المحل بدأ يضحك وهو يحدث نفسه : أوه .. يا له من أحمق .. لو أنني أخذته بكلمته !!
ما هذا ؟! الصائغ ،لا يستطيع تمييز المجوهرات الحقيقية من المقلدة ؟!
ودخل محل مجوهرات آخر ، وبمجرد أن تناول الصائغ القلادة من يد السيد لانتين نظر فيها متفحصاً وقال : " مرحباً !
أنا أعرف هذه القلادة جيدًا ؟ لقد تم بيعها هنا ! " سأل السيد لانتين ، وهو متوترٌ جدًا : " ما قيمتها ؟ " .
قال الصائغ : سيدي بعتها بخمسة وعشرين ألف فرنك ، وأنا على استعداد لإعادة شرائها مرة أخرى مقابل ثمانية عشر ألفًا - إذا كان بإمكانك أن تثبت لي بشكل قانوني ملكيتها ، وفقًا للتعليمات ..
شل السيد لانتين .. وأصابته الدهشة من قوة الصدمة وقال : " حسنًا ... لكن من فضلك أنظر إليها مرة أخرى ، سيدي : كنت أعتقد دائمًا وما زلت حتى الآن أنها كانت ...
قاطعه الصائغ وقال : " أعطني اسمك سيدي ؟ "
بالتأكيد ، اسمي ام . لانتين ، أنا موظف في مكتب وزير الداخلية ، أنا أسكن في رقم 16 شارع الشهداء " ...
فتح التاجر السجل ونظر وقال : " نعم ، أُرسلت هذه القلادة إلى عنوان مدام لانتين ، 16 شارع الشهداء ، في 20 يوليو 1876 ".
اشتبه الصائغ في السيد لاتين الواقف أمامه واعتقد أنه لص ، فتبادل النظرات مع مساعده واستأنف موجهاً كلامه إلى السيد لانتين :
هل ستكون لطيفًا بما يكفي لترك هذه القلادة هنا لمدة أربع وعشرين ساعة فقط - سأعطيك إيصالًا .
تمتم السيد م . لانتين : " نعم ، آه ! بالتأكيد ".
استلم السيد لاتين الإيصال ، طواه ووضعه في جيبه وخرج من المحل عبر الشارع ، وذهب في الاتجاه الخطأ ، واكتشف خطأه ، وعاد وعبر نهر السين ، واكتشف أنه اتخذ الطريق الخطأ مرة أخرى ، وعاد إلى الشانزليزيه وهو يحاول جاهداً الحصول على إجابة واضحة شافية على هذا السؤال .
كيف اشترت زوجته شيئًا ثمينًا مثل هذا ؟!
حاول وحاول الإجابة على السؤال ، لكنه لم يستطع ، فزوجته لم يكن بإمكانها أبدًا أن تشتري هذه القلادة !!
لا بد أنها كانت هدية ! ...
هدية من من ؟!
فجأة وقف ساكنًا في منتصف الطريق ، اجتاح ذهنه شك مريع .... هي ؟؟
قد تكون كل تلك القطع الأخرى مجوهرات حقيقية وليست مزيفة ؟ قد تكون هي أيضاً قُدمت لها كهدايا أيضًا ؟!
بدت له الأرض وكأنها تتصدع تحت قدميه ؛ وتلك الشجرة ، التي كانت أمامه مباشرة ستهوي على رأسه ؛ شعر بدوار ، ترنح وسقط على الارض مغشياً عليه ، وعندما استعاد وعيه نظر حوله وإذ به في متجر للأدوية ، فقام من مكانه واتجه إلى منزله بمساعدة بعض المارة ..
حبس السيد ام لانتين نفسه في غرفته ، حتى حلول الظلام ، وأخذ يبكي دون توقف ، وهو يعض منديله محاولاً منع نفسه من الصراخ ، وعندما أُنهك من شدة البكاء والتعب رمى بنفسه على الفراش ، ونام نومًا عميقاً .
استيقظ صباحاً ، أيقظته أشعة الشمس ، فقام وارتدى ملابسه ببطء ، فكر في بداية الأمر في الذهاب إلى العمل لكنه تذكر أنه يتعين عليه العودة إلى محل الجواهرجي ؛ فكسى الخجل وجهه ظل واقفاً في مكانه يفكر لفترة طويلة ، وأخيراً قرر أنه من الحماقة أن يترك القلادة .
لبس معطفه وخرج ، كان يوماً صحواً ، ظهرت السماء التي خلت من الغيوم بلونها الأزرق ، وامتدت فوق المدينة بالكامل ، وبدا أنها تبتسم له .
كان المتنزهون يتجولون وأيديهم في جيوبهم بلا هدف ، فكر لانتين وهو يشاهدهم وهم يمرون بالقرب منه بسعادتهم : وأخذ يردد في نفسه : " كم هم محظوظون هؤلاء الأغنياء ؟!
بالمال يمكن للرجل التخلص من الحزن - يمكنه الذهاب إلى أي مكان يجد المتعة فيه !
أوه ! لو كنت غنيًا فقط !"
فجأة اكتشف أنه جائع - لم يأكل أي شيء منذ الليلة الماضية ، وتذكر أن جيوبه خاوية ، عندها تذكر القلادة ...
فأخذ يردد : ثمانية عشر ألف فرنك !! ثمانية عشر ألف فرنك !! – إنه مبلغ لا يمكنني تركه ، من الصعب علي تركه !
شق طريقه نحو الشارع الذي يصطف به محل المجوهرات وأخذ يسير ذهاباً وإياباً على الرصيف المواجه للمتجر وهو يتمتم : ثمانية عشر ألف فرنك !! ، ثمانية عشر ألف فرنك !!
ردد تلك الجملة عشرين مرة ، وكلما حاول الدخول إلى المحل كان الخجل دائماً يمنعه من الدخول .
لا يزال جائعًا - جائعٌ جدًا – ولا يوجد في جيبه سنتٌ واحد .
فجأة اتخذ قراره ، وعبر الشارع سريعًا ، حتى لا يترك لنفسه وقتًا للتفكير في الأمر ؛ واندفع إلى داخل المحل ، وبمجرد أن رآه الصائغ ابتسم ، وأسرع وقدم له كرسيًا بأدب ، كذلك تقدم مساعدوه وأخذوا يحملقون في لانتين ، مع ابتهاج في عيونهم وابتسامات حول شفاههم ...
وقال الصائغ : سيدي ، لقد استفسرنا ووجدنا أن القلادة تخص زوجتك ؛ وإذا كنت لا تزال تفكر في البيع ، فأنا على استعداد لدفع الثمن الذي عرضته عليك .
تمتم لانتين : ، نعم ، أريد بيعها سيدي ، بالتأكيد ..
أخذ الجواهري ثمانية عشر قطعة نقدية كبيرة من الدرج ، وعدهم ، ودفعهم إلى السيد لانتين وطلب منه التوقيع على إيصالٍ باستلامه المبلغ ...
وقّع لاتين على الإيصال واستلم المبلغ ، ودفعها بقوة داخل جيبه .
وعندما هم بالمغادرة ، التفت إلى التاجر المبتسم ، وقال بدون أن ينظر اليه وهو يشعر بالحرج الشديد : " لدي بعض - لدي بعض المجوهرات الأخرى ، والتي جاءت إليّ بنفس الطريقة – أقصد من نفس الميراث هل تشتريها مني أيضًا ؟
انحنى التاجر وكأنه يحاول اخفاء وجهه وأجاب : " بالتأكيد يا سيدي ... بالتأكيد ".
اندفع أحد الموظفين إلى الخارج وانفجر ضاحكاً ، بينما وقف موظف آخر في مكانه يحاول جاهداً منع نفسه من الضحك ..
تضايق لانتين من هذا التصرف ورفع رأسه وقال بحزم : " سوف آتي بها إليكم " ، واستأجر سيارة أجرة واتجه إلى منزله ثم عاد إلى المحل بعد ساعة حاملاً معه جميع الحلي ، وسلمها للصائغ ...
فأخذ الصائغ يفحصها قطعة ، قطعة ، ويقوم بتثمينها كلٌ على حده ، الأقراط المرصعة بالماس 20 ألف فرنك ..
الأساور - 35000 ..
الدبابيس والخواتم والميداليات - 16000 ..
مجموعة من الزمرد والعقيق 14000 - سوليتير ، سلسلة عنق - 40000 ..
القيمة الإجمالية 196000 فرنك .
لم تعجب السيد لانتين هذه الأسعار ، فارتفع صوته وأخذ يناقش الصائغ بغضب ، وأصر على رؤية السجل محاولاً إجباره على وضع سعر مناسب لكل قطعة ، وحصل له ما أراد عندما طلب الصائغ منه الهدوء قائلاً : سنقوم بعرض هذه المجوهرات يوم غدٍ على خبير ليعطيها السعر المناسب ، اتفقنا ؟
وتابع الصائغ كلامه عندما لاحظ بساطة الرجل الذي أمامه وقال وبكلام جميل غلف بخبث : الشخص الذي لديه شيء مميز يجب ان يستثمر مدخراته في المجوهرات !
فأجابه السيد لاتين برزانة ووقار : " بالطبع .. ربما تكون هذه طريقة جيدة لتوفير المال مثل أي طريقة أخرى " وغادر ...
وبمجرد أن وجد نفسه في الشارع مرة أخرى ، نظر إلى العمود الامبراطوري بميدان فندوم والذي يقف عليه تمثال الإمبراطور نابليون - رغب في تسلقه ، بل إنه شعر بابتهاج لا يوصف ورغبة للقفز من فوق رأس الإمبراطور والتحليق في السماء الزرقاء .
تناول الإفطار في أشهر مطعم في المدينة غالي الثمن ، وطلب زجاجة مشروب بسعر 20 فرنكًا .
ثم استأجر سيارة أجرة وتوجه إلى ساحة المدينة ، ونظر إلى العربات المارة بنوع من الازدراء ، ورغبة جامحة في الصراخ على المارة : " أنا غني ! لدي 200 ألف فرنك !" ...
فجأة تذكر أنه موظفٌ مرتبط بعمل ، فطلب من السائق التوجه إلى مقر عمله ، وبمجرد وصوله توجه مباشرة إلى مكتب المشرف ، وقال له : " سيدي ، لقد جئت لأقدم لك استقالتي ، لقد حصلت للتو على ثروة قدرها ثلاثمائة ألف فرنك ".
ثم توجه إلى زملائه في المكتب وصافحهم جميعًا ؛ وأخبرهم عن خططه المستقبلية وغادر .
في تلك الليلة تناول العشاء في مقهى ذائع الصيت غالي الثمن ، فوجد نفسه جالسًا على نفس الطاولة مع رجل بدا له أنه رقيقٌ جدًا ، لم يستطع السيد لاتين مقاومة الرغبة الشديدة في إخباره ، بنوع من التباهي ، أنه قد ورث للتو ثروة قدرها أربعمائة ألف فرنك
ولأول مرة في حياته تلك الليلة ذهب إلى المسرح دون أن يشعر بالملل وأمضى الليل في صخب وفجور ..
بعد ستة أشهر من وفاة زوجته الأولى تزوج مرة أخرى من امرأة كانت أكثر النساء استقامة ، لكن مزاجها كان سيئاً ، حولت حياته إلى جحيم لا يطاق !


قديم 12-27-2020, 05:43 PM
المشاركة 2
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الرابعة الألفية الثالثة وسام الإبداع الألفية الثانية التواصل الحضور المميز الألفية الأولى 
مجموع الاوسمة: 8

  • غير موجود
افتراضي رد: قصة الجواهر لغي دو موباسان
جزيل الشكر على الترجمة الجيدة.
ما يستهوي في أسلوب دوموباسان القصصي، هو نقله للتجربة الانسانية دون إفراط في الغموض أو الرمزية.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قصة الجواهر لغي دو موباسان
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
"الجواهر " قصة قصيرة لغي دو موباسان عبدالعزيز صلاح الظاهري منبر مختارات من الشتات. 0 12-26-2020 01:42 PM
غي دو موباسان – د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 4 06-28-2019 11:40 AM
العقد – للكاتب غي دو موباسان – ترجمة د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 10 08-06-2017 03:51 PM
حاشية الصّفتي على الجواهر الزكيّة في حل ألفاظ العشماوية - الصفتي المالكي د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 06-08-2014 03:27 PM
قصة ( الحلية ) للأديب الفرنسي / غي دو موباسان ماجد جابر منبر الآداب العالمية. 7 01-30-2012 09:20 PM

الساعة الآن 11:34 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.