احصائيات

الردود
4

المشاهدات
5042
 
د. زياد الحكيم
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


د. زياد الحكيم is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
380

+التقييم
0.07

تاريخ التسجيل
Jul 2008

الاقامة
لندن - بريطانيا - عضو اتحاد الصحفيين البريطانيين

رقم العضوية
5315
12-05-2012, 10:50 PM
المشاركة 1
12-05-2012, 10:50 PM
المشاركة 1
افتراضي مارسيل بروست – د. زياد الحكيم

هو الذي كتب يقول: "حين كنت صغيرا فان مصير اي شخص من اشخاص الكتاب المقدس لم يكن يبدو لي اكثر بؤسا من نوح بسبب الطوفان الذي قسره على ان يلزم سفينته اربعين يوما. ولما اصبحت فيما بعد رهن غرفتي اياما طويلة عرفت حينئذ انه لم يكن في ميسور نوح ان يرى العالم جيدا الا من سفينته على كونها مغلقة وكون الارض ملفعة بالليل."

ولد بروست Marcel Proust 1871 – 1922 في باريس لاسرة ثرية. كان ابوه ادريان بروست استاذا في كلية الطب بجامعة باريس. وكانت امه جين ويل امرأة مثقفة وذكية وقفت حياتها على خدمة اسرتها وخاصة ابنها مارسيل الذي كان شديد التعلق بها. واصيب الصبي بمرض الربو الذي لازمه طيلة حياته ووضع قيودا على نشاطاته ونشاطات الاسرة كلها. فازداد اعتماده على امه التي اغدقت عليه الكثير من الحنان والعطف. وقد روى في مطلع روايته (بحثا عن الزمن الضائع) كيف ان امه تعودت ان تقبله قبلة المساء كل ليلة قبل ان يستسلم للنوم. فاذا انشغلت الام ذات مساء ظل الصبي مارسيل يتقلب في فراشه قلقا متألما منتظرا قدوم امه. حتى اذا جاءت وكفكفت دموعه بحنان وقبلته نام مطمئنا سعيدا.

ولم تكن حياة بروست في مطلع شبابه حياة زاخرة بالاحداث. انهى دراسته في معهد كوندورسه بتفوق. وحاول ابوه ان يغريه بالانضمام الى السلك الدبلوماسي فلم يفلح في محاولته. فقد كان بروست شديد التعلق بامه وبباريس وبالمجتمع الفرنسي. وفي المدرسة تتلمذ على يد الفونس دارلو وهو فيلسوف مثالي في التقليد الكانتي واتخذ بروست موقفا مماثلا لموقف استاذه من حيث رفضه مادية القرن التاسع عشر ومن حيث ايمانه بقدرة العقل البشري على السمو والتعالي. وتأثر بكتاب الفيلسوف الامريكي رالف والدو امرسون (رجال نموذجيون) وكتاب الفيلسوف الانكليزي توماس كارليل (في الابطال وتقديسهم) وفتح هذان الكتابان الطريق امامه الى افكار جون رسكين.

وانضم بروست الى جماعة من الشبان المتفوقين والطموحين واسهم في كتابة مقالات نشرت في مجلات ودوريات كانوا يشرفون عليها. وارتاد صالونات باريس الشهيرة التي كان يترددعليها كبار الادباء والفنانين والسياسيين. وكان من بين من تعرف اليهم في هذه الصالونات الكاتب الفرنسي اناتول فرانس والفيلسوف الفرنسي هنري بيرغسون. ولم يبخل المجتمع الارستقراطي على بروست فقدم له كل ما يحتاج اليه من صداقات تعزز مكانته وشهرته الادبية.

وهفا قلب بروست الى فتيات كثيرات في ذلك المجتمع الراقي وذاق حلاوة الحب ومرارته وانزلق في مهاوي الانحراف. وخلف ذلك ندما شديدا في نفسه صوره ادق تصوير في روايته العظيمة (بحثا على الزمن الضائع). وهذه التجارب النفسية والعاطفية المختلفة شكلت ذخيرة مكنته من الغوص في اعماق النفس البشرية وتحليل خباياها واضاءة الجوانب المظلمة منها. في الوقت نفسه اكتسب معرفة واسعة في الفنون. فقد بلغ سن النضج في منتصف التسعينيات، وهي سنوات ما بعد الانطباعية وما بعد الفاغنرية وما بعد الرمزية. وكان الادب الفرنسي في ذلك الحين مترددا بين الانكباب على التقليد القديم ومواصلة التجريب والتجديد. وفي عام 1896 نشر بروست (المسرات والايام) وهي مجموعة من القصص القصيرة والقصائد والاستكشاف. وكان قد نشر معظمها في دوريات صغيرة بين عامي 1892 و1896. ولم تلق هذه المجموعة اقبالا واسعا من جمهور القراء مع ان اناتول فرانس كتب مقدمة لها. ولم ينشر بروست شيئا بعد ذلك حتى عام 1913 باستثناء عدد من المقالات وترجمة لكتابين لجون رسكين.

وكانت وفاة ابيه عام 1903 ووفاة امه عام 1905 صدمة كبيرة فكتب الى صديق له يقول: لقد اضاعت حياتي من الان هدفها وعذوبتها وحبها الاوحد. لقد فقدت تلك التي كانت رعايتها المتصلة تمنحني في امن وحنان شهد الحياة. وما لبث ان اكتسب سمعة بانه غريب الاطوار.

ولكن بروست في الحقيقة كان رجلا يعرف امكاناته. ويعرف ما يريد تحقيقه. فكان يعمل بصمت واناة في الاعداد لعمل عظيم. واكتشفت مخطوطة روايته (جان سانتوي) وهي رواية ناقصة من الف صفحة في الخمسينيات ونشرت عام 1952. واكتشف كذلك مخطوطات لمقالات عن رسامين وكتاب. وتكمن اهمية بروست من حيث هو روائي في انه صور مجتمعا في طور التحول، واضاف بعدا جديدا للعمل الروائي. فالروائيون الذين سبقوه لم يصوروا عالم شخصياتهم الداخلي بالعمق والشمولية اللذين نجدهما في اعماله. ومع انه لم يقرأ اعمال فرويد الا انه استطاع ان يغوص في اعماق نفسيات شخصياته، وهي اعماق لم يصل اليها احد قبله. ودراسته للغيرة ليس لها مثيل في الادب العالمي. اضف الى ذلك انه خرج على قوالب الرواية في القرن التاسع عشر عندما كان الهدف من الكتابة الروائية تصوير الحياة تصويرا منظما وعقلانيا. فجعل الذاكرة مبدعة الى درجة انها حلت محل الخيال كقوة محركة في العمل الفني. وتستطيع الذاكرة في اعماله ان تمسك بالزمن المنقضي وان تسترجع احاسيس الفرح في سنوات الطفولة عندما كان يشعر بالامن والاطمئنان بفضل رعاية امه واخلاصها له.

ومن اشهر هذه الذكريات الحسية في كتابه (بحثا عن الزمن الضائع) انه في يوم من ايام الشتاء الباردة قدمت له امه قدحا من الشاي مع قطعة من الحلوى تدعى "المادلين" فغمس قطعة الحلوى في الشاي. ويمضي بروست الى القول: وفجأة عادت الذكرى. فقد كان مذاق قطعة الحلوى كمذاق قطعة الحلوى التي كانت عمتي ليوني تعطيني اياها في صباح ايام الاحد بعد ان تغمسها اولا في قدح الشاي العادي او الشاي الذي له مذاق زهر الليمون الذي كانت تحتسيه. وسرعان ما تذكرت البيت الرمادي القديم الواقع على جانب الشارع حيث كانت حجرتها منتصبة كأنها خشبة مسرح ومطلة على الحديقة. . . ومع البيت تذكرت البلدة من الصباح وحتى الليل وفي جميع احوال الطقس. وهكذا وفي تلك اللحظة بدت جميع الازهار في حديقتنا وفي حديقة مسيو سوان واوراق اللبلاب وجميع القرويين الطيبين واكواخهم الصغيرة والكنيسة وكل ما في بلدة كومبري وما حولها - كلها بدت في قدح الشاي الذي كنت احتسيه.

وهكذا استطاع بروست ان يحقق انتصارا على الزمن وبالتالي على الموت من خلال الفن. ان بروست يفتت مشاعر الحب والغيرة والطموح والحزن الى عناصرها الاولية ويعيد تجميع هذه العناصر في ترتيب جديد. وكان بروست يعتقد ان الواقع في عملية تحول دائمة ومستمرة، وان مرور الزمن لا يغير فقط النقطة التي ينظر منها المرء الى الواقع ولكن يغير ايضا طبيعة الواقع نفسه. واكتشف اخيرا ان الواقع ليس خارجيا ولكنه مختزن في اعمال الذاكرة اللاشعوية للانسان, وهناك يحتفظ بالواقع بمعزل عن الزمن. والفنانون فقط هم القادرون على كشف هذا الواقع للجنس البشري بفضل حساسيتهم المرهفة وقدرتهم النادرة على الغوص بعيدا في ذاكرتهم اللاشعورية.


zedhakim@yahoo.co.uk


قديم 12-25-2012, 01:16 PM
المشاركة 2
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مرحبا د. زياد الحكيم

كما هي عادتي ابحث في كل سيرة عن السبب الذي دفع دماغ المبدع الى السمو والابداع وفي حالة بروست يمكنني الاشارة الى
- مرض الربو.
- عزلته وانقطاعه عن الناس بسبب المرض حيث اعتبر ان تلك دفعته لرؤية الامور بمنظار مكبر مثل نوح الذي انعزل في سفينته .
- حالة الضياع التي يبدو انه عاشها فدونها في رواية " البحث عن الزمن الضائع".
- وفاة ابيه عام 1903.
- وفاة امه عام 1905 .

يتضح ذلك مما كتبه الى صديقه حيث قال "ان وفاتهم تمثل صدمة كبيرة وقال "لقد اضاعت حياتي من الان هدفها وعذوبتها وحبها الاوحد. لقد فقدت تلك التي كانت رعايتها المتصلة تمنحني في امن وحنان شهد الحياة.
- غريب الاطوار.
- يبدو ان حياته كانت عبارة عن صراع مع الموت الذي انتصر عليه بالفن كما تقول هنا في سيرته وربما ان ذكره لعمته في مذكراتاته وقطعة الحلوى تلك يشير الى حالة فقد مبكرة هي التي شكلت في ذهنه تلك الطاقة البوزيترونية التي جعلته مبدعا.

اعتقد ان تلك كانت اسباب كافية تجعل عقله يسمو ويبدع.

وقد اعجبني اكتشافه هذا "ان الواقع مختزن في اعمال الذاكرة اللاشعوية للانسان, حيث يحتفظ هناك بالواقع بمعزل عن الزمن". وذلك يعني بأن العقل الباطن يحتوي على التجارب التي يمر فيها الانسان لكن بدون الاطار الزمني الذي وقعت فيه وبدون الاطار المكاني ايضا.

- وهذا يعني ان العقل الباطن ينتمى الى عالم اللاماده التي لا تخضع لقوانين الزمان والمكان، ولذك تتجمع كل التجارب الواقعية للشخص وكأنها في لحظة واحدة وتتجمع كل الامكنه وكأنها في نقطة واحدة، ومن هنا يمكن فهم لحظة الوجد، ولحظة ولادة العمل الابداعي، والقدرة على الحلم الذي يبدو وكأنه مجموعة احداث من ازمان متعددة ماضية ومستقبلية، وفي ذلك ما يشير الى أن الاعمال الابداعية تأتي من العقل الباطن فيندهش العقل الواعي المحدود بقوانين الزمان والمكان لذلك، ويعجب من تلك القدرة التي ولدت العمل الفني او الابداعي، ويظن ان جني من وادي عبقر يسكن في داخل الدماغ.

لكنني ارى بأن العقل الباطن لا يسجل تلك التجارب كما حصلت فقط وكأنه كاميرا فيديو بل هو يقوم بدور اساسي في عملية خلط تلك المكونات، ويضيف اليها من عنده، فتخرج الاعمال الابداعية على سمة مبهرة فيها اضافة عن الواقع وليست صورة منعكسه عنه.

حيث يبدو ان العقل الباطن يعمل مثل الطباخ الذي يـأتي بالمكونات فرادا فيدمجها مع بعضها ويطبخها ، فنحصل على طبخة ذات صورة ومذاق وطعم مختلف وتركيبة جديدة مبهرة.

ويبدو ايضا ان بروست كان من الناس الذين تمكنوا من فهم سر العملية الابداعية ومن اين يأتي الابداع.

ومن هنا نأتي على فهم اضافي للطريقة التي تؤثر فيها التجارب الصعبة في حياة الانسان Traumatic experiences حيث يبدو بأن الطاقة البوزيترونية المتولدة عن تلك التجارب تجعل العقل الباطن يعمل بطريقة استثنائية وفوق عادية فيكون مثل طباخ ماهر، قادر على تجميع التجارب الواقعية وخلطها بالمكونات الشعورية فتولد الاعمال الابداعية المهولة.

ومن هنا ايضا يمكن فهم القدرة على الاستشراف التي تشتمل عليها اعمال الفنانينن وتلك اللغة الكودية التي تحمل على معاني مستقبلية، والسر في ذلك هو نشاط حاد لذلك الجزء من الدماغ الذي يولد الاعمال الابداعية، وحيث انه المكان الذي تلتغي فيه قوانيين الزمان والمكان فأنه قادر حتما على ذلك لان الازمنة كلها تكون هناك في لحظة واحدة والامكنة كلها في نقطة واحدة. فلا عجب اذا ان يكون الفنان قادر على الاستشراف والرؤيا المستقبلية.

شكرا د. زياد على اتاحة هذه الفرصة لنتعرف على هذا الكاتب الذي يبدو انه سبق جيله بأجيال.

قديم 12-26-2012, 01:36 PM
المشاركة 3
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
من اقواله :


" نحن لا نشفى من المعاناة حتى نعايشها حتى النهاية".


" السعادة مفيدة للجسد، لكن الأسى هو ما ينمي قدرات العقل".

قديم 01-15-2013, 07:14 PM
المشاركة 4
د. زياد الحكيم
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الاخ الاستاذ ايوب صابر - شكرا جزيلا على هذه الاضافات المفيدة.

قديم 02-25-2013, 04:58 PM
المشاركة 5
آية أحمد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
بأسلوب سلس وروح طيبة قدمت لنا ما كنا نجهل عن هذا الأديب الفذ.
شكرا لك أيها الأستاذ الفاضل: زياد
وشكرا للأستاذ أيوب على إضافاته القيمة.

تقبل خالص تحياتي.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: مارسيل بروست – د. زياد الحكيم
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تي إس إليوت – د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 2 12-28-2016 06:33 PM
ما هي الدادوية؟ د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 0 05-14-2016 06:20 PM
جين أوستن – د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 0 03-19-2016 05:35 PM
دي اتش لورانس – د. زياد الحكيم د. زياد الحكيم منبر الآداب العالمية. 4 10-20-2012 11:50 PM

الساعة الآن 01:54 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.